مقدمة الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلاَّ على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين أما بعد : لا يخفى على كل صاحب عقلٍ رشيد وقولٍ سديد أهمية أصل الأصول والفاصل بين الظلام والنور بأهمية العلم الشرعي والبحث في مسائل العقيدة الإسلامية التي بيّنها سبحانه وتعالى في كتابه العظيم وبيَّنها النبي  في سنته المطهرة. وهذه الرسالة التي بين يديك سميتها مجتهداً: «المختصرات الحِسان في بيان أصول الإيمان»( ) وفيها خمسة من أصول الإيمان «الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالرسل، والإيمان بالكتب، والإيمان بالقضاء والقدر» وقد أفردتُ الأصل الخامس ترتيباً والسادس إجمالاً «الإيمان باليوم الآخر» في رسالة مستقلة سميتها: «الرحلة إلى الدار الآخرة».نسأل الله العلي القدير أن يثبتنا بقول كلمة التوحيد عند الممات وأن يجعل مصيرنا الفردوس الأعلى من الجنة وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين تمهيد العقيدة تعريف وبيان العقائد هي الأمور التي تصدّق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب وتكون يقيناً عند أصحابها لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك . مادة عقد في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق. العقيدة في الإسلام تقابل الشريعة إذ الإسلام عقيدة وشريعة والشريعة تعني التكاليف العملية التي جاء بها الإسلام في العبادات والمعاملات. العقائد علمية قلبية العقيدة ليست أموراً عملية بل أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها في قلبه لأن الله أخبره بها بطريق كتابه أو بطريق وحيه إلى رسوله . وأصول العقائد التي أمرنا الله بها بأن نعتقدها مذكورة في قوله تعالى: [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ] {البقرة:285}. وحدَّدها رسول الله  في سنته في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة جبريل وسؤالاته عليه السلام كما في صحيح مسلم. إذاً العقيدة في الإسلام: هي المسائل العلمية التي صح بها الخبر عن الله ورسوله والتي يجب أن ينعقد عليها قلب المسلم تصديقاً لله ورسوله. العقيدة يقين لا تقبل الشك أصول العقيدة لا بد أن نصدق بها تصديقاً جازماً لا ريب فيه فإن كان فيها ريب أو شك كانت ظناً لا عقيدة. قال صاحب المعجم الوسيط: (العقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى مُعتقِدِهْ) والدليل على ذلك قوله تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا] {الحجرات:15}. المعتقدات غيب غير منظور المسائل التي يجب اعتقادها أمور غيبية ليست مشاهدة منظورة ولذا مدح جل وعلا أهل الإيمان وذكر أول صفاتهم بأنهم يؤمنون بالغيب بقوله تعالى: [الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ] {البقرة:3}. فالإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه والقضاء والقدر من الغيب، والكتب مشاهدة ومنظورة ولكن الإيمان بأنها منزلة من عند الله هذا أمر غيبي. العقيدة الصحيحة والعقيدة الفاسدة العقيدة الصحيحة: هي تلك العقائد التي جاءت بها الرسل الكرام وهي عقيدة واحدة لأنها منزلة من عليم خبير ولا تختلف باختلاف الزمان والمكان. العقيدة الفاسدة: هي تلك العقائد الناتجة من أفكار واختراع عقول البشر القاصرة مهما بلغ من علمهم وقدراتهم إما بالإنشاء والاعتقاد وإما أن يكون ناتجاً من تحريف الكتب السماوية كما في دين اليهودية والنصرانية في الوقت الحاضر. وأما هذا الدين العظيم دين الإسلام محفوظ من الله عز وجل [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] {الحجر:9} السنة النبوية محفوظة بقدر الله على أيدي وعلماء أهل السنة والجماعة. أهمية العقيدة الإسلامية وضرورتها العقيدة الإسلامية ضرورية للإنسان كضرورة الماء والهواء وبدون هذه العقيدة يكون الإنسان ضائعاً فاقداً الهوية وفاقداً لذاته فاقد لوجوده. لا توجد عقيدة في الكون تجيب عن أسئلة صاحبها إلا هذه العقيدة الإسلامية العظيمة المستمدة من الكتاب والسُّنة النبوية الصحيحة. فالإسلام وحده فقط يعرِّف الإنسان من أين جاء؟ ولماذا هو موجود؟ وإلى أين المصير؟ قال تعالى: [أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الملك:22}. علاقة العقيدة بالإيمان العقيدة قاعدة للإيمان وأصله فالإيمان عقيدة تستقر في القلب استقراراً يلازمه ولا ينفك عنه ويعلن صاحبها بلسانه عن العقيدة المستكنِّة في قلبه ويُصدِّق الاعتقاد بالقول والعمل وفق مقتضى هذه العقيدة. قال علماء السلف: «الإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان». حكم إنكار العقيدة يجب أن يُعلم أن العقيدة الإسلامية لا تقبل التجزئة أبداً لأنها وحدة مترابطة والتكذيب بجزئية من جزئيات الأصول الاعتقادية مما ثبت في الكتاب أو في السُّنة ثبوتاً قاطعاً يُعد كفراً كإنكار رسول من الرسل وغير ذلك. مناهج العلماء في إثبات العقائد الصحيح أن علماء أهل السُّنة يقبلون أحاديث الآحاد الصحيحة في العقائد والأحكام من غير تفريق في ذلك ويدل على هذا تخريج أئمة أهل السُّنة كمالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي والدارمي وغيرهم للأحاديث المثبتة للعقائد في مدوناتهم والمتواتر منهـا قليل ولو لم يرتضوا الاستدلال بها لما ذكروها في مدوناتهم ومن قال غير ذلك فقد افترى عليهم. حكم من أنكر ما ثبت بخبر الآحاد نقل السفاريني القول بكفر من أنكر خبر الآحاد عن إسحاق بن راهويه والصحيح أنه لا يكفر ويبدو بأن الذي قال بكفره نظر إلى الأحاديـث التي تلقتها الأمة بالقبول وأجمعت على صحتها. الأصل الأول: الإيمان بالله الإيمان بالله الأصل الأول من أصول الاعتقاد هو الإيمان بالله فهو عليه مدار الإسلام ولب القرآن فقد ورد في القرآن ذكر اسم الله أو اسم من أسمائه أو صفة من صفاته قرابة (10062) مرة أي ما يقارب (20) مرة في الصفحة الواحدة من المصحف. فأصل الإيمان بالله بالنسبة لبقية الأصول والفروع كأصل الشجرة بالنسبة للفروع والسوق. وكلما كان حظ المرء من الإيمان بالله عظيماً كان حظه في الإسلام كبيراً. أدلة وجود الخالق جلَّ وعلا من أدلة وجود الخالق جلَّ وعلا: 1- الفطرة السليمة تشهد بوجود الله من غير دليل: جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يُهِّودانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه) ولم يقل يمسلم‍انه لأن الأصل في المولود الإسلام لأنه موافق للفطرة. 2- المخلوق لا بدَّ له من خالق: يحتج القرآن على المكذبين المنكرين بحجة لا بد للعقول من الإقرار بها ولا يجوز في منطق العقل السليم رفضها قال تعالى: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ] {الطُّور:36}. وقد تقرر في العقول أن الموجود لا بدَّ من سبب لوجوده وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء فيقول: (البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير). التعريف بالله وربط القلوب به تقرر في القرآن طريقان لتحقيق هذه الحقيقة العظيمة وهي: 1- الحديث عن بديع صنع الله في خلقه وبيان ما في هذا الكون من إعجاز لبيان عظمة الخالق سبحانه. 2- الحديث المباشر عن الله بذاته وبأسمائه وبصفاته ونعمه ومخلوقاته. المنهج الذي تُفهم صفات الله عز وجل في ضوئه الأسس الثلاثة التي دل عليها القرآن العظيم في فهم صفات الله عز وجل التي كان عليها النبي  وأصحابه والسلف الصالح. الأساس الأول: تنزيهه جلَّ وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات المخلوقين قال الله تعالى: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الشُّورى:11}. الأساس الثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه لأنه لا يصف الله من هو أعلم من الله، قال الله تعالى: [أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ] {البقرة:140}. الأساس الثالث: قطع الأطماع عن إدراك حقيقة الكيفية لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل قال الله تعالى: [يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا] {طه:110}. قواعد مهمة في صفات الله وأسمائه هناك عدة قواعد مهمة نبَّه إليها العلماء في هذا الباب وهي: 1- القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر. 2- القول في الصفات كالقول في الذات. 3- الاتفاق في الأسماء لا يقتضي التساوي في المسميات. 4- لا يوصف الله بالنفي المحض. 5- آيات الصفات ليست من المتشابه. مذهب أهل السُّنة والجماعة في صفات الله لخَّص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مذهب السلف الصالح في صفات الله عز وجل فقال: «فالأصل في هذا الباب أن يوصف بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله  نفياً وإثباتاً فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عليه ما نفاه عن نفسه وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من صفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل». كلمة التوحيد لا إله إلا الله: كلمة التوحيد جمعت الإيمان وهي كلمة عنوان الإسلام وأساسه. معناها: لا معبود يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى. لا تنفع هذه الكلمة قائلها عند ربه إلا بثمانية شروط: 1- العلم المنافي للجهل. 2- اليقين المنافي للشك. 3- القبول المنافي للرد. 4- الانقياد المنافي للترك. 5- الصدق المنافي للكذب. 6- الإخلاص المنافي للشرك. 7- المحبة المنافية للبغض. 8- الكفر بما يُعبد من دون الله عز وجل. قال وهب بن منبِّه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك. تعريف العبادة العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. التوحيد لا يتحقق إلا بأمرين: 1- الشهادة لله بالوحدانية في ذاته وصفاته. 2- قصده وإرادته وحده دون سواه في جميع العبادات. أنواع العبادات هذه العبادات قد تدخل بعضها مع بعض وهي: 1- عبادات قلبية مثل: المحبة والخوف والرجاء. 2- عبادات قولية مثل: الأذكار وقراءة القرآن الكريم. 3- عبادات بدنية مثل: الصلاة. 4- عبادات مالية مثل: الزكاة والصدق. 5- عبادات بدنية مالية مثل: الحج والجهاد. أركان العبادة العبادة لها أركان تعتمد عليها وهي: 1- المحبة: فمن عبد الله بالمحبة وحدها فهو صوفي. 2- الخوف: فمن عبد الله بالخوف وحده فهو خارجي. 3- الرجاء: فمن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجىء. (فمن عبد الله بالمحبة والخوف والرجاء فهو موحد سني). شروط قبول العبادة تقرر في القواعد: «كل مقبول صحيح وليس كل صحيح مقبول» والعبادة يشترط في قبولها شرطان وهما: 1- الإخلاص لله عز وجل. 2- متابعة النبي . ما يضاد التوحيد وينافيه الذي ينافي التوحيد ويضاده الشرك، والشرك في مصطلح الشريعة الإسلامية نوعان وهما: 1- الشرك الأكبر. 2- الشرك الأصغر. خاطرة إيمانية إن من أعظم النعِمْ سلامة الفِطْرة وصفاء المنهج وصحة المعتقد ولا يكون هذا إلا بالاقتباس والاستمداد من معين الكتاب والسُّنة من الوحي الخالد الذي فيه حياة القلوب قبل حياة الأبدان والخروج من الظلمات إلى النور والمروق من رقة الأهواء والشيطان إلى عبادة الرحيم الرحمن، ولذا حرص علماء سلف الأمة الفضلاء النبلاء الأجلاء على تعليم الناس هذا الاعتقاد الذي يلقى فيه العبد رب الأرباب والعبرة بما كان في القلب في ذلك اليوم العظيم فالقلوب وما فيها تدخل المرء الجنان والدرجات على قدر ما في القلـوب من سلامة الاعتقاد وزيادة الإيمان وما في القلوب من خبث يدخل العبد النيران إلى أسفل الدركات نعوذ بالله العظيم من ذلك.    الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة التعريف بالملائكة والإيمان بهم الملائكة عالم غير عالم الإنس وعالم الجن، وعالم الملائكة عالم كريم كله طُهر وصفاء ونقاء وهم كرام أتقياء يعبدون الله حق العبادة ويقومون بتنفيذ ما يأمرهم به ولا يعصون الله أبداً. والإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان ولا يصح إيمان العبد ما لم يؤمن بهم قال تعالى: [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ] {البقرة:285}. كيف يكون الإيمان بالملائكة نقل السيوطي رحمه الله تعالى عن البيهقي في كتابه: (شعب الإيمان) أن الإيمان بالملائكة ينتظم في معان: 1- التصديق بوجودهم. 2- إنزالهم منازلهم وإثبات أنهم عباد الله وخلقه كالإنس والجن مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه والموت عليهم جائز. 3- الاعتراف بأن منهم رسلاً يرسلهم الله على من يشاء من البشر وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض. مادة خلقهم ووقته وجاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله  قال: «خُلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم». ووقت خلقهم لم يخبر عنه سبحانه وتعالى ولكننا نعلم أن خلقهم سابق على خلق آدم أبي البشر عليه السلام. رؤية الملائكة الملائكة أجسامها نورانية لطيفة فإن البشر لا يستطيعون رؤيتهم لأن الله لم يعط أبصارهم القدرة على هذه الرؤية ولم ير الملائكة على حقيقتهم من هذه الأمة إلا رسولها  مرتين وقد دلت النصوص على قدرة البشر على رؤية الملائكة إذا تمثلوا على صورة البشر كما دلت على ذلك السُّنة النبوية. عِظم خلقهم - عظم خلق جبريل عليه السلام: رأى رسول الله  جبريل بصورته الحقيقية مرتين وذكرها جل وعلا في كتابه في سورة التكوير وسورة النجم وقد رآه رسول الله  وقد سد الأفق وله ستمائة جناح يسقط منها الألوان من الدرة واليواقيت وفي صورة جميلة جداً . - عِظم حملة العرش: أُذن لرسول الله  في وصف حملة العرش فأخبر أن أحدهم رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام أو مسيرة سبعمائة عام . الصفات الخَلْقية للملائكة أهم الصفات الخَلْقية للملائكة هي: 1- أجنحة الملائكة: فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أو أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك. 2- جمال الملائكة: وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمـال ووصـف الشياطين بالقبح. 3- شبه الملائكة بالبشر: إذا تمثل جبريل عليه السلام بصورة البشر فهو يكون أحياناً على صورة دُحية بن خليفة الكلبي. 4- تفاوتهم في الخلق والمقدار: الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة وجبريل له ستمائة جناح ومن أفضل الملائكة من شهد بدر كما دل على ذلك الحديث. 5- لا يوصفون بالذكورة والأنوثة: ناقش القرآن هذه القضية ورد عليها في مواضع كثيرة. 6- لا يأكلون ولا يشربون: فهم لا يحتاجون إلى الطعام والشراب والنكاح كما نقل ذلك السيوطي عن الفخر الرازي واتفاق العلماء على ذلك. 7- لا يملّون ولا يتعبون: فالملائكة يقومون بالعبادة وتنفيذ الأوامر بلا كلل ولا ملل ولا يدركهم ما يدرك البشر من الضعف والنوم. 8- أعداد الملائكة: الملائكة عددهم كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم ويفيد هذا حديث الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور في كل يوم سبعون ألف ولا يعودون إليه. 9- منازل الملائكة: منازلهم ومساكنهم في السماء وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات أُوكلت إليهم ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر. 10- أسماء الملائكة: لا يعرف منهم إلا القليل ومنهم: 1- جبريل الموكل بالوحي وهو الروح المذكور في مواطن في القرآن. 2- إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور. 3- ميكائيل الموكل بإنزال المطر من السماء. 4- مالك خازن النار. 5- رضوان خازن الجنة. 6- منكر ونكير الذين يفتنون في القبر. 7- هاروت وماروت الذين أنزلا السِّحر للابتلاء والفتنة. 8- عزرائيل يقال أنه موكل بقبض الأرواح، ولا يصح إلا اسم ملك الموت. 9- رقيب وعتيد لمن يكتب على العباد، والصحيح أنهما صفتان للملكين. 10- موت الملائكة: الملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن ولا يعلم هل منهم من يموت قبل النفخ في الصور لعدم وجود الدليل المثبت أو النافي. موت الملائكة الملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن ومما يدل على أنهم يموتون قوله تعالى: [كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ] {القصص:88} . الصفات الخُلُقية للملائكة أهم الصفات الخُلُقية للملائكة هي: 1- كرام بررة: بأن خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة. 2- الحياء: جاء في الحديث قول رسول الله  لعثمان بن عفان : (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) رواه مسلم. قدرات الملائكة من قدرات الملائكة: 1- قدرتهم على التشكل: وذلك على أن يتشكلوا بغير صورتهم الحقيقية وهي على صورة بشر حِسان الوجوه. 2- عِظم سرعتهم: سرعة الملائكة لا تقاس بمقياس البشر لأن السائل لرسول الله  كان لا يفرغ من سؤاله حتى يأتيه الجواب من جبريل عليه السلام. 3- علمهم: الملائكة عندهم العلم الوفير ولكن ليس عندهم القدرة التي أُعطيت للإنسان في التعـرف علـى الأشياء، والملائكة تعـرف الأشياء بالتلقـي المباشر من الله سبحانه وتعالى. 4- منظمون في كل شؤونهم: الملائكة منظّمون في عبادتهم ومصافة الملائكة عند ربها في يوم القيامة ودقة تنفيذ الأوامر. 5- عصمة الملائكة: نقل السيوطي عن القاضي عياض: «أن المسلمين أجمعوا على أن الملائكة مؤمنون فضلاء واتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين منهم حكم النبيين سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منه وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ إليهم كالأنبياء مع الأمم». عبادة الملائكة - نظرة في طبيعة الملائكة: الملائكة مطبوعون على طاعة الله ليس لديهم القدرة على العصيان فتركهم للمعصية وفعلهم للطاعة جبِّلة لا يكلفهم أدنى مجاهدة لأنه لا شهوة لهم. - مكانة الملائكة: الملائكة عباد يتصفون بكل صفات العبودية قائمون بالخدمة منفذون للتعاليم وعلم الله بهم محيط لا يستطيعون أن يتجاوزوا الأوامر ولا يخالفون التعليمات خائفون وجلون لا يتقدمون على ربهم بالاقتراحات ولا يعترضون على الأمر بل مجيبون منفذون طائعون مسارعون لأوامر الله جلَّ وعلا. - نماذج من عبادة الملائكة: 1- التسبيح بحمد ربهم لا ينقطع ومستمر والتسبيح من أفضل الذكر وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله  أي الذكر أفضل؟ قال: (ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده). 2- الاصطفاف وإتمام الصفوف والتراص فيها منهم القائم ومنهم الراكع ومنهم الساجد لله رب العالمين. 3- الحج وذلك بأن للملائكة كعبة في السماء السابعة يحجون إليها ويسمى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم وفي المعراج رأى رسولنا  إبراهيم عليه السلام متكئاً على جدار البيت المعمور وهذا الجزاء من جنس العمل لأنه بنى كعبة الأرض. 4- خوفهم من الله وخشيتهم له وقد جاء في معجم الطبراني الأوسط بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله  قال: (مررت ليلة أُسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى). الحلس: كساء يبسط في أرض البيت. الملائكة وآدم عليهم السلام سأل الملائكة ربهم جل وعلا ما الحكمة من خلق آدم وهم له عابدون مسبحون بحمده، قال رب العزة والجلال لهم: [إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {البقرة:30} وبعدما أتم خلقه جل وعلا أمر الملائكة بالسجود لآدم فاستجابوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ثم توجه آدم وهو في الجنة إلى نفر من الملائكة فسلِّم عليهم فهي تحيته وتحية ذريته، وعندما توفي آدم وهو في الأرض لم يعرف أبناؤه كيف يدفنونه فعلمتهم الملائكة وغسَّلوه وتراً وألحدوا له في قبره فصارت سنة لذريته من بعده إلى قيام الساعة. الملائكة وبني آدم علاقة الملائكة بذرية آدم علاقة وثيقة فهم يقومون عليهم عند خلقهم ويكلَّفون بحفظهم بعد خروجهم إلى الحياة ويأتون الرسل من ذرية آدم بالوحي من الله ويراقبون أعمالهم وتصرفاتهم وينزعون أرواحهم إذا جاءت آجالهم. الملائكة والمؤمنون دور الملائكة تجاه المؤمنين: 1- محبتهم للمؤمنين فيوضع للمؤمنين القبول في الأرض بعد محبة الله جلَّ وعلا. 2- تسديد المؤمن وإرشاده إلى الصواب والكمال في الدنيا. 3- صلاتهم على المؤمنين بالدعاء والاستغفار لهم مثل: أ - معلّم الناس الخير. ب- الذين ينتظرون صلاة الجماعة. ج- الذين يصلون في الصف الأول. د- الذين يسدّون الفُرج بين الصفوف. هـ- الذين يتسحرون للصيام في وقت السحر قبل الفجر. و- الذين يصلون على النبي . ز- الذين يعودون المرضى. * الفائدة من صلاة الملائكة على المؤمنين: الهداية والتوفيق وخروج العبد من الظلمات إلى النور، ومن الكفر والشرك والذنوب والعصيان إلى وضوح المنهج والطريق إلى الإسلام والإيمان والإحسان والجنان. 4- التأمين على دعاء المؤمنين. 5- استغفارهم للمؤمنين. 6- شهود مجالس العلم وحلق الذكر وحفَّهم أهلها بأجنحتهم. 7- تسجيل الملائكة الذين يحضرون الجمعة حتى دخول الخطيب. 8- تعاقب الملائكة عند صلاة الصبح والعصر. 9- تنزلهم عندما يقرأ المؤمن القرآن الكريم. 10- يبلِّغون الرسول  عن أمته السلام. 11- تبشيرهم للمؤمنين بالخير. 12- الرؤيا في المنام لأن الرؤيا الصالحة يضربها الملك على النائم. 13- يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم. 14- حمايتهم للرسول . 15- حمايتهم ونصرتهم لصالحي العباد وتفريج كربهم. 16- شهود جنازة الصالحين. 17- إظلالها للشهيد بأجنحتها. 18- حمايتهم للمدينة ومكة من المسيح الدجال. 19- نزول عيسى عليه السلام بصحبه ملكين. 20- الملائكة باسطة أجنحتها على الشام. 21- موافقة الملائكة في التأمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة وعظيم الأجر. واجب المؤمن تجاه الملائكة واجب المؤمنين تجاه الملائكة: 1- عدم إيذاء الملائكة بسبهم والكلام بعيبهم والاستهزاء بهم. 2- البعد عن الذنوب والمعاصي. 3- الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم. 4- النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة. 5- موالاة الملائكة كلهم فمن عادى واحداً منهم فقد عادى الله وعادى جميع الملائكة. الملائكة والكفَّار والفسَّاق الملائكة لا يحبون الكفرة الظالمين المجرمين بل يعادونهم ويحاربونهم ويزلزلون قلوبهم كما حدث في معركة بدر والأحزاب وكذلك: 1- إنزال العذاب بالكفَّار عندما يُكذَّب رسول من الرسل وكان الذي يقوم بالتعذيب أحياناً الملائكة. 2- إهلاكهم قوم لوط عندما جاء الملائكة المأمورون بتعذيب قوم لوط وهم على صورة شُبَّان حِسان الوجوه. 3- لعن الكفرة ومن فعل ذنوباً معينة يدل هذا على حرمة الفعل مثل: أ - لعن الملائكة المرأة التي لا تستجيب لزوجها في الفراش. ب- لعن الملائكة من أشار إلى أخيه بحديده. ج - لعن الملائكة من سب أصحاب رسول الله . د - لعن الملائكة من يترك تنفيذ شرع الله عز وجل. هـ- لعن الملائكة الذي يؤوي محدثاً وتشتد الحرمة في المدينة النبوية. الملائكة وبقية المخلوقات الملائكة يقومون على مختلف شؤون الكون مما نشاهده وما لا نشاهده. 1- حملة العرش: العرش أعظم المخلوقات محيط بالسماوات وفوقها والرحمن مستوٍ عليه ويحمله الملائكة الثمانية صفوف أو عدداً. 2- ملك الجبال: وقصة ملك الجبال ظاهرة في السُّنة بعد خروج النبي  من الطائف حتى وصل إلى قرن الثعالب في الطائف. 3- الموكلون بالأحياء: فجبريل عليه السلام موكل بإحياء الأرواح بالوحي وإسرافيل عليه السلام موكل بإحياء الأرواح بعد النفخ في الصور وميكائيل عليه السلام موكل بإحياء الأرض بالمطر. المفاضلة بين الملائكة وبني البشر تحقيق القول: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية. خاطرة إيمانية إن من عظيم خلقه تبارك وتعالى عالم الملائكة هذا العالم العظيم البديع الجميل، فهم يعبدون الله ويسبحونه ويحمدونه ويطيعونه وكل قربة يتقربون بها إلى ربهم يوقنون بأنهم مقصِّرون في طاعته إنه عالم الملائكة عالم الطُهر والنقاء والصفاء الذين يُحبُّون الخير وأهله ويكرهون الشر وأهله ويُحيُّون أهل الجنة عند أبوابها ويسحبون أهل النار إلى دركاتها ويفعلون ما يأمرهم به جل وعلا ولا يعصونه في أمره تبارك وتعالى.    الأصل الثالث والرابع: الإيمان بالرسل والكتب تعريف النبي النبي مشتق من النبأ وسمي النبي نبياً لأن الله أخبره وأوحى إليه والمشهور في تعريفه: النبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله. تعريف الرسول الرسول من الإرسال وهو التوجيه وسمي الرسول رسولاً لأنه وُجِّه من قِبل الله تعالى مبعوث برسالة معينة ومكلَّف بحملها وتبليغها ومتابعتها والمشهور في تعريفه: الرسول من أوحي إليه بشرع جديد وأُمر بتبليغه. الفرق بين الرسول والنبي لا يصح قول من ذهب إلى أنه لا فرق بين الرسول والنبي بل هناك فرق كما هو واضح في التعريف فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. وقد وصف بعض الرسل بالنبوة والرسالة مما يدل على أن الرسالة أمر زائد على النبوة كما قال تعالى في حق موسى عليه السلام: [وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا] {مريم:51}. الإيمان بالأنبياء والرسل من أصول الإيمان الإيمان بالرسل أصل من أصول الإيمان كما ذكر ذلك ربنا تبارك وتعالى في أواخر سورة البقرة ومن لم يؤمن بهم فقد ضل ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً. الصلة بين الإيمان بالله والإيمان بالرسل والكتب الذين يزعمون أنهم مؤمنون بالله ولكنهم يكفرون بالرسل والكتب هؤلاء لا يقدرون الله حق قدره فالذين يقدرون الله حق قدره ويعلمون صفاته التي اتصف بها من العلم والحكمة والرحمة لا بدَّ أن يوقنوا بأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لأن هذا مقتضى صفاته فهو لم يخلق الخلق عبثاً ومن كفر بالرسل وهو يزعم أنه يؤمن بالله فهو عند الله كافر لا ينفعه إيمانه. وجوب الإيمان بجميع الرسل الكفر برسول واحد كفرٌ بجميع الرسل والتكذيب برسول واحد يعد تكذيباً بالرسل كلهم وذلك لأن الرسل حملة رسالة واحدة ودعاة لدين واحد ومرسلهم واحد فيبشر المتقدم منهم بالمتأخر ويصدِّق المتأخر منهم المتقدم فالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم الأصل فيه أنه كفر بالجميـع فاليهود لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد والنصارى لا يؤمنون بمحمد . عدد الأنبياء والرسل اقتضى عدل ربُنا تبارك وتعالى ألا يعذِّب أحداً من الخلق إلا بعد أن تقوم الحُجَّة عليه، ومن هنا كثر الأنبياء والرسل في تاريخ البشرية ولا يعرف عددهم وقد قال شيخنا الشيخ خالد بن عبدالعزيز الهويسين حفظه الله تعالى: (أنه لا يصح حديث في ذكر عدد الأنبياء والرسل). الأنبياء والرسل المذكورون في القرآن ذكر جل وعلا في كتابه العظيم خمسة وعشرين نبياً ورسولاً ذكر منهم ثمانية عشر نبياً ورسولاً في موضع واحد في سورة الأنعام في قوله تعالى: [وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى العَالَمِينَ] {الأنعام: 83-86} وقد ذُكر الباقـي وهم سبعة في مواضع متفرقة. وقد جُمع الأنبياء والرسل الخمس والعشرون في قول الناظم: حتمٌ على كلِّ ذي التكليفِ معرفةٌ في تلك حُجَّتُنَا منهم ثمانيةٌ إدريسُ هودٌ شعيبٌ صالحٌ وكذا بأنبياءٍ على التفضيلِ قد عُلِمُوا من بعد عشرٍ ويبقى سبعةٌ وهُمُوا ذو الكِفْلِ آدمُ بالمختارِ قد خُتِمُوا أنبياء عرفناهم من السُّنة هناك نبيان عرفناهم من السنة ولم ينص القرآن على أسمائهما وهما: شيث ويوشع بن نون عليهما السلام. صالحون مشكوك في نبوتهم الرجل الصالح ذو القرنين الذي ملك الأرض الأفضل التوقف في إثبات نبوته فقد صح الخبر عن سيد البشر  أنه سُئل عن ذي القرنين فقال: (وما أدري ذا القرنين نبياً أم لا). فإذا كان رسول الله  لا يدري فنحن أحرى بأن لا ندري وقد اختلف في الرجل الصالح الخضر وقد رجَّح شيخنا الشيخ خالد بن عبدالعزيز الهويسين حفظه الله تعالى أن الخضر عليه السلام نبي لقوله تعالى: [وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي] {الكهف:82}. إثبات النبوة الصحيح أننا لا نثبت النبوة لأحد إلا بدليل من كتاب ربنا وسنة رسولنا . وأما ما ورد عن بني إسرائيل من أخبار بتسمية بعض الأنبياء مما لا دليل عليه من الكتاب والسُّنة فلا نكذبه ولا نصدقه لأن خبرهم يحتمل الصدق والكذب. حاجة البشرية إلى الرسل والكتب البشرية بحاجة إلى الرسل وتعاليمهم لصلاح قلوبهم وإنارة نفوسهم وهداية عقولهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة بطاعة ربهم وفوزهم بجنة عرضها كعـرض السماء والأرض أُعدت للمتقين. العقل والوحي قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الأنبياء جاؤوا بما تعجز العقول عن معرفته ولم يجيئوا بما تعلم العقول بطلانه فهم يخبرون بمحارات العقول لا بمحالات العقول). وظائف الرسل ومهماتهم لقد بيَّن لنا القرآن الكريم والسُّنة النبوية مهمة الرسل ووظائفهم: 1- البلاغ المبين: حمل الرسالة أمانة لإبلاغها إلى عباد الله والبلاغ يحتاج إلى شجاعة وعدم خشية الناس في إبلاغ ما يخالف معتقدهم، والبلاغ يحتاج إلى قراءة ما أوحي إليه من غير نقصان ولا زيادة إما بالأقوال وإما بالأفعال وإن أعرض الناس فما على الرسل إلا البلاغ المبين. 2-الدعوة إلى الله تعالى: لا تقف مهمة الرسل إلى البلاغ بل عليهم الدعوة إلى الله عز وجل وتحقيقها في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً والرسل ينطلقون من منطلق واحد فكل رسول يقول: [فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ] {الشعراء:108} . 3- التبشير والإنذار: دعوة الرسل إلى الله تعالى تجمع بين التبشير والإنذار الدنيوي والأخروي فالتبشير في الدنيا بالحياة الطيبة والعز والتمكين والأمن والإنذار في الآخرة بشقاء وعذاب وهلاك وخوف، الآخرة فإما جنة لمن أطاعه وأطاع رسله وإما نار لمن عصاه وعصى رسله. 4- إصلاح النفوس وتزكيتها: الرسل بالوحي يخرجون الناس من الظلمات إلى النور ولا يتحقق ذلك إلا بتعليمهم تعاليم ربهم وتزكية نفوسهم بمعرفة ربهم وأسمائه وصفاته وتعريفهم بالملائكة والكتب والرسل وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم. 5- تقويم الأفكار المنحرفة والعقائد الزائفة: كان الناس أمة واحدة يعبدون الله وحده لا شريك له فلما تفرقوا واختلفوا أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين ليعبد الله وحده لا شريك له فكل رسول يقوِّم الانحراف الحادث في عصره ومصره. 6- إقامة الحجة: لا أحد أحب إليه العذر من الله تعالى فالله جل وعلا أرسل الرسل وأنزل الكتب كي لا يبقى للناس حجة في يوم القيامة. 7- سياسة الأمة: الذين يستجيبون للرسل يكونون جماعة وأمة وهؤلاء يحتاجون إلى من يسوسهم ويقودهم ويدبر أمورهم والرسل يقومون بهذه المهمة في حال حياتهم فهم يحكمون بين الناس بحكم الله تعالى. النبوة منحة إلهية قد بين الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية أن النبوة نعمة ربّانية إلهية يصطفى بها من عباده رسلاً قال سبحانه وتعالى[اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ] {الأنعام:124}. طريقة إعلام الله أنبياءه ورسله سمى الله الطريق الذي يعلِّم الله به أنبياءه ورسله وحياً، وأكثر ما وردت كلمة (وحي) في القرآن الكريم بمعنى إخبار وإعلام الله من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر. مقامات وحي الله إلى رسله مقامات وحي الله إلى رسله ثلاثة وهي: الأولى: الإلقاء في روع النبي الموحى إليه بحيث لا يمتري النبي في أن هذا الرأي أُلقي في قلبه من الله ويدخل في ذلك الرؤيا. الثانية: تكليم الله لرسله من وراء حجاب وذلك كما كلَّم الله آدم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. الثالثة: الوحـي إلـى الرسول بواسطة الملـك ويكون الرسول الموكل بذلك جبريل عليه السلام. وهذه المقامات في قوله تعالى في أواخر سورة الشورى: [وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ] {الشُّورى:51}. صفة مجيء الملك إلى الرسول المتأمل في النصوص يجد أن الملك له حالات في مجيئه إلى الرسول وهي: 1- أن يراه على صورته الحقيقية. 2- أن يأتيه الوحي في مثل: صلصلة الجرس. 3- أن يتمثل على صورة بشر لا يُعرف فيكلِّمه ويعي عنه الرسول. 4- أن يتمثل على صورة بشر يُعرف وهي على صورة الصحابي دُحية الكلبي فكان جميلاً وسيماً فيكلِّمه ويعي عنه الرسول. أثر الملك في الرسول من آثار الملك في الرسول عند إبلاغه الوحي من الله: 1- أن الجالسين عند الرسول يسمعون دوياً كدوي النحل عند وجهه ويقوم الرسول  بعد ذلك وقد وعى كل ما أخبر به الملك. 2- تقول عائشة رضي الله عنها: أنها رأت رسول الله  ينزل عليه الوحي في اليوم شديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه يتفصد عرقاً. 3- تقول عائشة رضي الله عنها: إذا نزل الوحي على الرسول  وهو على ناقته تكاد أن تبرك به من ثقله فوقها. 4- يذكر أحد الصحابة أن فخذه كانت تحت فخذ النبي  فأُنزل عليه فكادت فخذه  حين إنزال الوحي ترض فخذ الصحابي. صفات الرسل أولاً: البشرية: الإنسان مؤهل لحمل الأمانة العظيمة في إبلاغ الرسالة لأن روح الإنسان تميز بها عن غيره لأن الله نفخ في آدم من روحه وأمر الملائكة بالسجود له وأن الرسل يختارهم جل وعلا ويعدهم لتلقي الرسالة ويزكيهم ويطهرهم ويذهب عنهم رجس الشيطان ويخرج حظ الشيطان منهم منذ صغرهم ويضع بدلاً منه حكمة وإيماناً فكان الرسل بشراً لكي يتمكنوا من مخاطبة البشر ولو كان الرسل ملائكة ما تمكَّنوا من ذلك لاختلاف الأصل في الخِلقة، والرسل البشر فيهم صفات لا تنفك عنهم من الأكل والشرب والنوم والنكاح والذرية والمرض ويصيبهم ما يصيب البشر حتى البلاء وهم أشد الناس بلاء ويضاعف لهم الأجر وما من نبي إلا ورعى الأغنام وليس فيهم خصائص الألوهية والملائكية ولكن فيهم الكمال الإنساني وأجمل صورة وأزكى خُلق وأن الله هو الذي اختارهم واصطفاهم من البشر وخير النسب وأحرار ومحققون للعبودية لله عز وجل فكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً للعبودية لله تعالى كلما كان أكثر رُقياً في سُلَّم الكمال الإنساني. ثانياً: النبوة للرجال فقط: من الكمال الإنساني الذي أعطاه الله عز وجل للأنبياء والرسل أنهم رجال كما قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ] {يوسف:109} لأن الرجال لهم القوامة على النساء والنساء ناقصات عقل ودين وذهب بعض العلماء إلى نبوة النساء دون الرسالة ومنهنّ: حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء العلماء. ثالثاً: خصائص الأنبياء والرسل: 1- الوحي. 2- العصمة. 3- تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. 4- يخيرون عند الموت. 5- يقبر حيث مات. 6- لا تأكل الأرض أجسامهم. 7- أحياء في قبورهم يصلون. 8- لا يرثون ولا يورثون ديناراً ولا درهماً. عصمة الرسل في التحمل وفي التبليغ اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم إلا شيئاً قد نُسخ وهم معصومون في التبليغ ولا يكتمون شيئاً مما أُوحي إليهم ومعصومون من القتل حتى يبلغوا الرسالة ومعصومون من الشيطان فلا يأمرهم إلا بخير. عدم عصمة الرسل من الأعراض البشرية الأعراض البشرية كالخوف والنسيان والغضب تقع من الرسل والأنبياء وهي لا تنافي عصمتهم، مثلاً خوف إبراهيم عليه السلام من ضيوفه ولم يعلم بأنهم ملائكة، وعدم صبر موسى على تصرفات الخضر عليهما السلام، ونسيان آدم عليه السلام، والرافضة الإثني عشرية ينفون هذه الأعراض البشرية عن الأنبياء والرسل ويردون النصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة. عصمة الرسل من الكبائر الأمة الإسلامية مجمعة على عصمة الأنبياء والرسل من كبائر الذنوب وقبائح العيوب. عصمة الرسل من الصغائر ذهب أكثر العلماء على أن الأنبياء والرسل ليسوا معصومين من الصغائر وأن الله يوفقهم للتوبة والرجوع إليه ويقبل منهم توبتهم ولا يجوز أن يكون وقوع الأنبياء والرسل في الصغائر طريق الطعن فيهم وازدرائهم. عصمة غير الأنبياء والرسل أهل السنة والجماعة لا ينسبون العصمة لغير الأنبياء والمرسلين حتى أفضل الأمة بعد نبيها محمد  وهم الصحابة رضوان الله عليهم ومن ادَّعى العصمة فعليه البرهان والدليل من الكتاب والسُّنة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم. دلائل النبوة أقام الله جل وعلا الدلائل والحجج والبراهين المبينة صدق الرسل في دعواهم أنهم رسل الله كي تقوم الحجة على الناس ولا يبقى لأحد عذر في عدم تصديقهم وطاعتهم. تعريف الآية والمعجزة الآية: ما يجريه الله على أيدي رسله وأنبيائه من أمور خارقة للسنن الكونية المعتادة التي لا قدرة للبشر على الإتيان بمثلها. المعجزة: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة. إذاً الخوارق هي التي تُعطى الأنبياء وليس المقصود فيها التحدي كنبع الماء من بين أصابع النبي  وتكثير الطعام القليل وغير ذلك وأما الخوارق التي تُعطى لغير الأنبياء يسميها المتأخرون كرامات. أنواع الآيات الآيات والمعجزات التي أعطاها الله لرسله وأنبيائه تندرج تحت ثلاثة أمور وهي: 1- العلم: وذلك بالإخبار عن المغيبات الماضية والآتية. 2- القدرة: وذلك مثل تحويل العصا أفعى وشق القمر وغير ذلك. 3- الغنى: وذلك مثل عصمة الرسول  من الناس وغير ذلك. وهذه الأمور الثلاثة التي ترجع إليها المعجزات لا ينبغي أن تكون على وجه الكمال إلا لله تعالى ولذلك أمر الله رسوله  بالبراءة من دعوى هذه الأمور الثلاثة بقوله تعالى: [قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ] {الأنعام:50}. الخوارق من غير الأنبياء - تعريف كرامة الأولياء: الكرامة أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا مقدمة لها تظهر على يد عبد ظاهره الصلاح ملتزم لمتابعة نبي كُلِّف بشريعته مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح علِم بها ذلك العبد أم لم يعلم. - الكرامة عند أهل السُّنة والجماعة: من أصول أهل السُّنة والجماعة التصديق بالكرامات وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات وتُعطى الكرامة للعبد لصلاحه وقوة إيمانه وثباتاً على دينه وسداً لحاجاته. - الاستقامة أعظم كرامة: ليست الكرامة دليلاً على تفضيل المُعطَى على غيره، فقد يعطي الله الكرامة ضعيف الإيمان لتقوية إيمانه وسداً لحاجته والذي لم يُعط الكرامة يكون أكمل إيماناً وأعظم ولاية فلا ينبغي على المرء أن ينشغل بتحصيل الكرامة بل يكون طالباً دائماً للاستقامة ولا يحزن إذا لم يُعطى الكرامة. - الخوارق والأحوال الشيطانية: الخوارق ليست دليلاً على أن صاحبها ولي لله تعالى، فالكرامة سببها الإيمان والتقوى والاستقامة على طاعة الله تعالى فإذا كانت الخارقة بسبب الكفر والشرك والطغيان والظلم والفسق فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية. فضل الأنبياء على غيرهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أجمعت الأمة على تفضيل الأنبياء على غيرهم من الصديقين والشهداء والصالحين). وأن أفضل رجل بعد الأنبياء والرسل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. تفاضل الأنبياء والرسل أخبر جل وعلا في كتابه العظيم أنه فضَّل بعض النبيين على بعض. وقد أجمعت الأمة على أن الرسل أفضل من الأنبياء، والرسل بعد ذلك يتفاضلون فيما بينهم. وأفضل الرسل والأنبياء خمسة وهم أولوا العزم من الرسل: (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد) صلوات ربي وسلامه عليهم. سبب التفاضل بين الأنبياء والرسل: أن الله فضَّل من فضَّل منهم بإعطائه خيراً لم يعطه غيره أو رفع درجته فوق درجة غيره أو باجتهاده في العبادة والدعوة إليه وقيامه بالأمر الذي وكل إليه قال الله تعالى: [تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ] {البقرة: 253}. ويتفاضل الأنبياء بأن قد يكون نبياً فقط وقد يكون نبياً ملكاً وقد يكون عبداً رسولاً والعبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك. وجوب الإيمان بالكتب كلها من أصول الإيمان التصديق الجازم بالكتب التي أنزلها الله إلى عباده بواسطة رسله وأنبيائه والتصديق بأنهم بلَّغوها للناس فهم متفقون في رسالاتهم في الأصول ومختلفون في الشرائع ونحن نؤمن بما جاء في الكتب السماوية السابقة وأن الانقياد لها والحكم بها كان واجباً على الأمم التي نزلت إليها الكتب ونؤمن بأن الكتب السماوية يصدِّق بعضها بعضاً ولا يكذِّب بعضها بعضاً ومن أنكر شيئاً مما أنزله الله فهو كافر ونصدِّق بنسخ الشريعة اللاحقة للشريعة السابقة كلياً وجزئياً. خاطرة إيمانية خلق الله الخلق وخلق ما بين السماء والأرض ونصب الموازين وأنزل الكتب وأرسل الرسل وأقام الحجة على خلقه ليُعبد وحده لا شريك له، ومن أعظم الحجج الدامغة والبراهين الساطعة على الخلق إرسال الرسل وإنزال الكتب فالرسل اختيار واصطفاء ويحملون الأمانة ويبلغونها للخلق مبشرين ومنذرين لتقوم الحجة عليهم وأنزل الكتب على الرسل وهي متفقة في العقائد ومختلفة في الشرائع فأوكل جل وعلا الكتب إلى أقوامهم من حيث الحفظ ولم يرعوها حق رعايتها إلا هذه الأمة المحمدية المرحومة فرسولها خاتم الأنبياء والرسل وكتابها خاتم الكتب وناسخ ما كان قبله وقد تكفَّل الله بحفظ كتابها وقيَّظ رجالاً جهابذة بحفظ سنة نبيها  فهي آخر الأمم زمناً وأولهم حساباً ومدخلاً وأكثر أهلها في الجنة ورسولها سيد الرسل وشفيع للأمم جمعنا الله به في الفردوس الأعلى من الجنة وأصحابه الكرام ووالدينا وجميع المسلمين يا رب العالمين.    الأصل الخامس: الإيمان بالقضاء والقدر الإيمان بالقدر من أصول الإيمان الإيمان بالقدر من أصول الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، وعلى هذا النصوص من الكتاب والسُّنة ويدل أيضاً على علم الله وقدرته ومشيئته وخلقه، فالقدر يتضمن الإيمان بعلم الله ومشيئته وخلقه. وقد سُئل الإمام أحمد عن القدر: فقال: (القدر قدرة الله). قال ابن عباس رضي الله عنهما: (القدر نظام التوحيد فمن وحَّد الله وآمن بالقدر تم توحيده ومن وحَّد الله وكذَّب بالقدر نقض تكذيبه توحيده). نظرة في تاريخ القدر لا يُعرف في زمن حياة النبي  وبعد مماته وفي زمن الخلفاء الراشدين أن أحداً نازع في القدر. وأول من تكلَّم في القدر رجل من أهل العراق يقال له: «سوسن» فكان نصرانياً فأسلم ثم تنصَّر فأخذ عنه معبد الجهني وغيلان الدمشقي وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء. وقرر مذهب الاعتزال الذي أنشأه واصل بن عطاء: (أن الله لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي وليست هي مقدورة لله). فخرجت على آثارها فرقة القدرية وفرقة الجبرية في عهد بني أُمية . تعريف القدر القدر: ما سبق به العلم وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد وأنه عز وجل قدَّر مقادير الخلائق وما يكون من الأنبياء قبل أن تكون في الأزل وعلِم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدّرها الله سبحانه وتعالى). تعريف القضاء القضاء: القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه وكل ما أُحكم عمله أو أُتمَّ أو أُدِّي أو أُوُجِب أو عُلم أو نُفِّذ أو أُمضي فقد قضى وقد جاءت هذه الوجوه كلها في الأحاديث. الفرق بين القدر والقضاء للعلماء في التفرقة بين القضاء والقدر قولان: الأول: القضاء وهو العلم السابق الذي حكم الله به في الأزل والقدر هو وقوع الخلق على وزن الأمر المقضي السابق. الثاني: عكس القول السابق فالقدر هو الحكم السابق والقضاء هو الخلق قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (قال العلم‍اء القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله). (فالقضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء). أركان الإيمان بالقدر الإيمان بالقدر يقوم على أربعة أركان من أقرَّ بها جميعاً فإن إيمانه بالقدر يكون مكتملاً ومن أنقص واحداً منها أو أكثر فقد اختل إيمانه بالقدر وهذه الأركان الأربعة: الأول: الإيمان بعلم الله الشامل المحيط. الثاني: الإيمان بكتابة الله في اللوح المحفوظ لكل ما هو كائن إلى يوم القيامة. الثالث: الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته التامة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. الرابع: خلقه تبارك وتعالى لكل موجود لا شريك لله في خلقه. أفعال العباد مخلوقة مقدّرة جاءت أحاديث كثيرة تواتر معناها على أن رب العالمين علم ما يعمله العباد وقدَّر ذلك وقضاه وفرغ منه وعلم ما سيصير إليه العباد من السعادة والشقاء وأن القدر لا يمنع من العمل لقوله : «اعملوا فكل مُيَسَّرْ لما خلق له». حدود نظر العقل في القدر قال الطحاوي رحمه الله: (وأصل القدر سرَّ الله تعالى في خلقه لم يطَّلع على ذلك ملك مُقرَّب ولا نبي مُرسَل والتعمق في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة فإن الله طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه قال تعالى: [لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ] {الأنبياء:23}). قواعد مهمة في الإيمان بالقضاء والقدر الأولى: وجوب الإيمان بالقدر. الثانية: الاعتماد في معرفة القدر وحدوده وأبعاده على الكتاب والسُّنة. الثالثة: ترك التعمق في البحث في القدر. إدراك العقل للعلل والأوامر والأفعال ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف إلى أن لأوامر الله عللاً وحِكماً فإنه لا يأمر إلا لحكمة ولا يخلق إلا لحكمة وبعض هذه الحِكم تعود إلى العباد وبعضها تعود إلى الله تعالى فما يعود إلى الله هو محبته أن يُعبد ويُطاع ويثاب عليه ويُرجى ويُخاف منه ويُتَوكَّلُ عليه ويُجاهد في سبيله وما يعود إلى العباد هو ما فيه خيرهم وصلاحهم في العاجل والآجل. الحِكم الحاصلة من الشرائع الأولى: أن يكون الفعل مشتملاً على مصلحة ومفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك كما يُعلم أن العدل فيه مصلحة والظلم فيه مفسدة. الثانية: إذا أمر الشارع بشيء صار حسناً وإذا نهى عن شيء صار قبيحاً. الثالثة: أن الله يأمر بشيء امتحاناً واختباراً. (جمهور العلماء والحكماء أثبتوا هذه الأقسام الثلاثة). مسألة مهمة معنى المحو والإثبات في الصحف وزيادة الأجل ونقصانه: القدر في أم الكتاب لا يتغير ولا يتبدل -أم الكتاب: اللوح المحفوظ- والذي أعلم الله به ملائكته فهذا هو الذي يزيد وينقص ولذلك قال تعالى: [يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ] {الرعد:39} ففي كتب الملائكة يزيد العمر وينقص وكذلك الرزق بحسب الأسباب فإن الملائكة يكتبون له رزقاً وأجلاً فإذا وصل رحمه زيد له في الرزق وإلا فإنه ينقص له منهما وكذلك الآجال. مذهب أهل السُّنة والجماعة في القدر قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأن العباد لهم مشيئة وقدرة يفعلون بقدرتهم ومشيئتهم ما أقدرهم الله عليه مع قولهم إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله). ثمار الإيمان بالقضاء والقدر الأولى: الإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشرك. الثانية: الاستقامة على المنهج سواءً كان في السرّاء أو في الضرّاء. الثالثة: المؤمن بالقدر دائماً على حذر. الرابعة: مواجهة الصعاب والأخطار بقلب ثابت يمتلأ إيماناً بما قدَّره الله عز وجل. خاطرة إيمانية الإيمان بالقضاء والقدر يتفاوت بين الناس فكلم‍ا ازداد الإيم‍ان من منابعه الأصلية قل اليأس من رحمة الله جل وعلا ورضى العبد بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومُرِّه وليعلم العبد الذي رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن كل شيء مقدَّر ومكتوب وليعمل العبد ويجتهد في طلب مرضاة الله جل وعلا في مضانها وإن البلايا والرزايا والابتلاء والمحن على العبد تمحيصاً وتكفيراً للذنوب ومقابلاً لما اقترفته الأيدي من العصيان فلْيصبر العبد وليحتسب الأجر لِيْعظم البلاء وليعْظم الجزاء فعجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له وليس هذا إلاَّ للمؤمن.    الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم انفعني بما علَّمتني وعلِّمني ما ينفعُني وارزقني علماً ينفعُني وزدني علماً والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار سبحانك اللهم وبحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف غفر الله له و لوالديه وجميع المسلمين 11/7/1429هـ