متن عقيدة المسلم إن كان تابع أحمد متوهِّباً فأنا المقر بأنني وهَّابي أنفي الشريك عن الإله فليس لي رب سوى المتفرد الوهاب لا قبة ترجى ولا وثن ولا قبر له سبب من الأسباب كلا ولا حجر، ولا شجر ولا عين، ولا نصب من الأنصاب أيضاً ولست معلقاً لتميمة أو حلقة، أو ودعة أو ناب لرجاء نفع، أو لدفع بلية الله ينفعني، ويدفع ما بي والابتداع وكل أمر محدث في الدين ينكره أولو الألباب أرجو بأني لا أقاربه ولا أرضاه دينا، وهو غير صواب وأعوذ من جهمية عنها عتت بخلاف كل مؤول مرتاب والاستواء فإن حسبي قدوة فيه مقال السادة الأنجاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وابن حنبل التقي الأواب وبعصرنا من جاء معتقدا به صاحوا عليه مجسم وهابي جاء الحديث بغربة الإسلام فليبك المحب لغربة الأحباب فالله يحمينا، ويحفظ ديننا من شر كل معاند سبَّاب ويؤيد الدين الحنيف بعصبة متمسكين بسنة وكتاب لا يأخذون برأيهم وقياسهم ولهم إلى الوحيين خير مآب قد أخبر المختار عنهم أنهم غرباء بين الأهل والأصحاب سلكوا طريق السالكين إلى الهدى ومشوا على منهاجهم بصواب من أجل ذا أهل الغلو تنافروا عنهم فقلنا ليس ذا بعجاب نفر الذين دعاهم خير الورى إذ لقبوه بساحر كذاب مع علمهم بأمانة وديانة فيه ومكرمة، وصدق جواب صلى عليه الله ما هب الصبا وعلى جميع الآل والأصحاب الشيخ ملا عمران (رحمة الله تعالى عليه) * * * بسم الله الرحمن الرحيم عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله  يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»( ). المقدمة الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، أمر بتوحيده ووعد لمن فعل ذلك بالسعادة والنجاة يوم الدين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، قائد الغرِّ المحجلين الداعي إلى توحيد رب العالمين، محطم أصنام المشركين يوم الفتح العظيم، المحذر المنذر من الشرك برب العالمين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا الحق بدليله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فإن عقيدة المسلم وهي توحيد الله تعالى وحده من دون شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، هي الأساس الذي قامت عليه الرسل جميعا من لدن نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم( ). قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. ولقد كان المسلمون الأوائل من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على هدى من أمر دينهم لاتباعهم القرآن العظيم والسنة والمطهرة من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، وعندما ابتعد أكثر المسلمين عن الكتاب والسنة الصحيحة تفرقوا شيعا وأحزابا؛ ففشت فيهم البدع والخرافات والأباطيل، وخرج منهم من خرج من الإسلام، وأصبح ذلك مدخلا لأعداء هذا الدين في تشويه صورة الإسلام الحقيقة خاصة في هذه الجزيرة، ولكن بفضل الله تعالى ومنه وكرمه قيض لهذه الأمة رجلا من أهل الخير والصلاة، فقام فدعا الناس إلى توحيد الله وحده ونبذ الشرك والخرافات والبدع والطواف حول القبور، ألا وهو الشيخ العلامة الإمام شيخ الإسلام علم الأعلام محمد بن عبد الوهاب ـ أجزل الله له الأجر والثواب، وكان يسانده الإمام الصنديد المغوار البطل محمد بن سعود آل مقرن ـ رحمهم الله تعالى وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وبارك الله في ذريتهم إلى يوم الدين. آمين. فقد عمَّ الخير واستتب الأمن وانتشرت هذه الدعوة المباركة في كل الجزيرة والحمد لله، وقد خرج في ذلك الزمان من يدعو إلى هذه الدعوة المباركة بسيفه وماله وبشعره، وكان ضمن الشعراء الذين دعوا إلى هذه الدعوة؛ دعوة التوحيد ـ الشيخ "ملا عمران" ـ رحمه الله تعالى ـ فقد قرأت قصيدته فأعجبتني ولكن لم أقتصر على ذلك وقلت في نفسي إن هذا الشيخ له حق علي، فعزمت وتوكلت على الحي القيوم الكريم الجواد المنان بأن أشرح هذه العقيدة وذلك بالرجوع إلى أقوال العلماء حول كل كلمة فيها، وسميتها (تيسير المنعم في شرح عقيدة المسلم). وإني أرجو من الله التوفيق والسداد، وكما أرجو بأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم وجميع إخواني المسلمين وأن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان وزمان إلى تحكيم كتابه واتباع سنة نبيه  ، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف عقيدة المسلم لغة: مأخوذة من عقد الحبل والبيع والعهد ثم استعمل فيما يعتقده القلب ـ تقول: اعتقدت كذا أي عقدت عليه القلب والضمير. اصطلاحا: هي الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده. ويكون بتصديق القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح( ). قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب القول السديد شرح كتاب التوحيد: بأن المسلمين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود، المتفرد بكل كمال، فيعبدونه وحده، مخلصين له الدين. فيقولون: إن الله هو الخالق البارئ المصور الرزاق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور. وأنه المعبود الموحد المقصود( ) وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. وأنه على العرش استوى، استواء يليق بعظمته وجلاله ومع علوه المطلق وفوقيته، فعلمه محيط بالظواهر والبواطن والعالم العلوي والسفلي، وهو مع العباد بعلمه يعلم جميع أحوالهم، وهو القريب المجيب. وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات، ولا غنى لأحد عنه طرفة عين. وهو الرءوف الرحيم، الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله، فهو الجالب للنعم الدافع للنقم، ومن رحمته أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: «لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ـ حتى يطلع الفجر»( ) فهو ينزل كما يشاء ويفعل كما يريد، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( ). ويعتقدون أنه الحكيم، الذي له الحكمة التامة في شرعه وقدره؛ فما خلق شيئا عبثا، ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم. وأنه التواب العفو الغفور؛ يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين. وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل ويزيد الشاكرين من فضله. ويصفونه بما وصف به نفسه، ووصفه به رسول الله  من الصفات الذاتية، كالحياة الكاملة والسمع والبصر، وكمال القدرة والعظمة والكبرياء والمجد والجلال والجمال، والحمد المطلق؛ ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته كالرحمة والرضا والسخط والكلام، وأنه يتكلم بما يشاء كيف يشاء، وكلماته لا تنفد ولا تبيد. وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ( )، وإليه يعود( ). وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا بأنه يفعل ما يريد ويتكلم بما يشاء ويحكم على عباده بأحكامه القدرية وأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية، فهو الحاكم المالك ومن سواه مملوك محكوم عليه، فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه. ويؤمنون بما جاء به الكتاب وتواترت به السنة أن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة( ) وأن نعيم رؤيته والفوز برضوانه أكبر النعيم واللذة، وأن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبدا، وأن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة، فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها( ). وأن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا، الذي استحق الثواب وسلم من العقاب، ومن انتقص منها شيئا نقص من إيمانه بقدر ذلك. ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير وينقص بالمعصية والشر. ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا مع الاستعانة بالله. فهم حريصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله. وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم، ويتبعون رسول الله في الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول، والنصيحة للمؤمنين أتباع طريقهم( ). ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو خاتم النبيين. أرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا وليقوم الخلق بعبادة الله ويستعينوا برزقه على ذلك. ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم وأعظمهم بيانا؛ فيعظمونه ويحبونه، ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم، ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه، ويقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه( ). ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد، فهو أعلى الخلق مقاما وأعظمهم جاها، وأكملهم في كل فضيلة؛ لم يبق خيرٌّ إلا دلَّ أمته عليه، ولا شرٌّ إلا حذرهم منه. وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله الله؛ لا يفرقون بين أحد من رسله. ويؤمنون بالقدر كله، وأن جميع أعمال العباد ـ خيرها وشرها ـ قد أحاط بها علم الله، وجرى بها قلمه، ونفذت فيها مشيئته، وتعلقت بها حكمته، حيث خلق للعباد قدرة وإرادة، تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم، لم يجبرهم على شيء منها، بل مختارون لها، وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته( ). ومن أصول أهل السنة أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين، ومن له حق، وبالإحسان إلى الخلق أجمعين، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنهم وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها، ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا ويقينا أحسنهم أعمالا وأخلاقا، وأصدقهم أقوالا، وأهداهم على كل خير وفضيلة، وأبعدهم من كل رذيلة. ويأمرون بالقيام بشرائع الدين على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها والتحذير من مفسداتها ومنقصاتها، ويرون الجهاد في سبيل الله ماضيا مع البر والفاجر( )، وأنه ذروة سنام الدين( )؛ جهاد العلم والحجة وجهاد السلاح، وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع. ومن أصولهم الحث على جمع كلمة المسلمين والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها، والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض، والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا. ومن أصولهم النهي عن أذية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم، والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات والندب إلى الإحسان والفضل فيها. ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد  ، وأفضلهم أصحاب رسول الله  ، خصوصا الخلفاء الراشدون والعشرة المشهود لهم بالجنة، وأهل بدر وبيعة الرضوان والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ فيحبون الصحابة ويدينون لله بذلك. وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم( )، ويدينون لله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين، ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات. هذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون وإليها يدعون. ا.هـ. * * * إن كان تابع أحمد متوهبا فأنا المقر بأنني وهابي قوله: (أحمد) المقصود الرسول  ، فقد جاء في القرآن الكريم صريحا بذلك في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف: 6]. يبين الله تعالى بأن الرسول  لما جاء بالحق وهي دعوة الله وحده ونبذ عبادة الأوثان قالوا عنه ساحر وكذاب. وأيضا جاء اسم محمد صريحا في قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]. قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب زاد المعاد مجلد رقم واحد في شرح أسمائه  وسلم "محمدا": "هو كثير الخصال التي يحمد عليها، وأحمد هو الذي يحمد أفضل مما يحمد غيره. فمحمد في الكثرة والكمية، وأحمد في الصفة والكيفية، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره وأفضل مما يستحق غيره، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر. فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا أبلغ في مدحه وأكمل معنى، ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحمَّاد أي: كثير الحمد، فإنه  كان أكثر الخلق حمدًا لربه. فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه، لكان الأولى به الحمَّاد، كما سميت بذلك أمته. وأيضا: فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائصه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا  . وأحمد وهو الذي يحمده أهل السماء وأهل الأرض وأهل الدنيا وأهل الآخرة لكثرة خصائله المحمودة التي تفوق عدَّ العادِّين وإحصاء المحصين، وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب "الصلاة والسلام" عليه ، وإنما ذكرنا هاهنا كلمات يسيرة اقتضتها حال المسافر وتشتت قلبه وتفرق همته، وبالله المستعان وعليه التكلان" ا.هـ( ). قوله: (أنا المقر بأنني وهابي): أي إن كان يتبع محمدًا  حق الاتباع فأنا وإن تسميت باسمه لا يضر ذلك ما دام المنهج هو منهج محمد  . ولا أتبع شيخًا ولا إمامًا ولا مذهبًا ما دام فيه مخالفة لطريقة محمد . وهذا فيه رد على المتعصبين لمذاهبهم، وذلك عندما يقال لأحدهم: هذا العمل يُخالف السنة ـ يرد عليك ويقول: أنا على المذهب الفلاني. وهذا خطأ في اتباع المنهج الصحيح. علما بأن أقوال الأئمة الأربعة ـ رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم ـ صريحة بعدم اتباع أقوالهم إذا كانت تخالف قول الرسول  ؛ وإليك بعض أقوالهم: 1- قال الإمام أبو حنيفة: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وقال أيضا: "حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي". وأيضا قال: "فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا"، وكذلك قال: "إذا قلت قولا يخالف كتاب الله وخبر الرسول  فاتركوا قولي".أ.هـ. 2- قال الإمام مالك بن أنس: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه". وقال ـ رحمه الله تعالى ـ: "ليس أحد بعد النبي  إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ". ا.هـ. 3- قال الإمام الشافعي: "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله  وتعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله  خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله ، وهو قولي". وقال أيضا: "أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله  لم يحل أن يدعها لقول أحد، وكذلك قال: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله  فقولوا بسنة رسول الله  ودعوا ما قلت". وقال للإمام أحمد ذات يوم: "أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث فأعلموني به أي شيء يكون: كوفيا أو بصريا أو شاميا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا". وقال أيضا: "كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله  عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي".أ.هـ. 4- قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى ورضي الله عنه -: "لا تُقلدني ولا تُقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا". وقال أيضا: "من رد حديث رسول الله  وسلم فهو على شفا هلكة"( ). عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله  يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»( ). ومما يستفاد من هذا الحديث أن المرء إذا تبين له أن عالما اجتهد في مسألة ثم أخطأ فيها لا يجوز له بعد ذلك متابعة هذا العالم لأن الحق هو ما قاله ورسوله  . وظاهر كلام الأئمة الأربعة ـ رحمهم الله تعالى ـ يدل على ذلك وأنه لا يجوز لأي إنسان كائن ما كان أن يتبع قولهم إذا كان فيه مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله  . والله تعالى أعلم. * * * أنفي الشريك عن الإله فليس لي رب سوى المتفرد الوهاب قوله: (أنفي الشريك عن الإله فليس لي رب سوى المتفرد الوهاب)( ) قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب "القول السديد في شرح كتاب التوحيد": وذلك يرجع إلى أمرين: الأول: نفي الألوهية كلها عن غير الله، بأن يعلم ويعتقد أن لا يستحق الألوهية ولا شيئا من العبودية أحد من الخلق؛ لا نبي مرسل ولا ملك مُقرب ولا غيرهما، وأنه ليس لأحد من الخلق في ذلك حظ ولا نصيب. والأمر الثاني: إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له، وتفرده بمعاني الألوهية كلها وهي نعوت الكمال كلها، ولا يكفي هذا الاعتقاد وحده حتى يحققه العبد بإخلاص كلمة الدين لله فيقوم بالإسلام والإيمان والإحسان وبحقوق الله وحقوق خلقه قاصدًا بذلك وجه الله وطالبًا رضوانه وثوابه. ويعلم أن تمام تفسيرها وتحقيقها البراءة من عبادة غير الله، وأن اتخاذ أنداد يحبهم كحب الله أو يطيعهم كطاعة الله أو يعمل لهم كما يعمل لله ـ ينافي معنى لا إله إلا الله أشد المنافاة. وبين الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) ـ رحمه الله تعالى ـ أن من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله قوله  : «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حَرُم ماله ودمه، وحسابه على الله»( ) فلم يجعل مجرد التلفظ بها عاصمًا للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها؛ بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ولا دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله؛ فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه، فتبين بذلك أنه لابد من اعتقاد وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، ومن الإقرار بذلك اعتقادًا ونطقا، ولابد من القيام بعبادة الله وحده طاعة لله وانقيادًا، ولابد من البراءة مما ينافي ذلك عقدًا وقولًا وفعلًا. ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين بتوحيد الله وموالاتهم ونصرتهم، وبغض أهل الكفر والشرك ومعاداتهم؛ لا تغني في هذا المقام الألفاظ المجردة ولا الدعاوي الخالية من الحقيقة؛ بل لابد أن يتطابق العلم والاعتقاد والقول والعمل؛ فإن هذه الأشياء متلازمة متى تخلف واحد منها تخلفت البقية. والله أعلم. ا.هـ. * * * لا قبة تُرجى ولا وثن ولا قبر له سبب من الأسباب (قوله): (لا قبة ترجى) وهي ما يوضع على قبور الصالحين وأولياء الطوائف الضالة، وهي على شكل خيمة توضع على القبر ثم يطوفون حوله ويدعونه من دون الله،وهذا شرك بالله تعالى، وقد أمر الرسول  علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه( ). قال صاحب لسان العرب ابن منظور ـ رحمه الله تعالى ـ: وفي حديث الاعتكاف: رأى قبة مضروبة في المسجد. القبة من الخيام: بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب.أ.هـ. قوله: (ولا وثن ولا قبر له سبب من الأسباب) قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد: روى مالك في الموطأ: أن رسول الله  قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»( )( ). ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد "أفرأيتم اللات والعزى" قال: كان يَلِّتُّ لهم السويق فمات فعكفوا على قبره. وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يَلِّتُّ السويق للحجاج. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لعن رسول الله  زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)( ). * * * كلا ولا حجر ولا شجر ولا عين ولا نصب من الأنصاب (قوله): (كلا ولا حجر ولا شجر) عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله  إلى حنين ونحن حُدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله؟ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله  : «الله أكبر إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم»( ). قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب "القول السديد في شرح كتاب التوحيد": "باب: من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما، أي فإن ذلك من الشرك على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها، فإن هذا التبرك غلو فيها وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم انطباق الحد عليه، وهذا عام في كل شيء حتى مقام إبراهيم وحجرة النبي  ، وصخرة بيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة، وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله وخضوع لعظمته. فهو روح التعبد. فهذا تعظيم للخالق وتعبد له، وذلك تعظيم للمخلوق وتألُّه له. فالفرق بين الأمرين كالفرق بين الدعاء لله الذي هو إخلاص وتوحيد، والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتنديد".أ,هـ( ). ولا يجوز التبرك بالوقوف في أحد المشاعر المقدسة في غير الأوقات المشروعة مثل الوقوف بعرفة؛ وذلك لأن التبرك عبادة والعبادة توقيفية تبعية عن المشرع  . وكذلك ما نسمعه ونراه من بعض الذين يتبركون بغار حراء الذي في جبل النور، أو جبل ثور، وغير ذلك من الأماكن التي مر بها الرسول  اتفاقا من غير قصد( ). قوله: (ولا عين ولا نصب من الأنصاب) قد تقدم بأن العلماء اتفقوا على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار والأحجار والبقع، ومن ذلك الذهاب إلى عين الماء واعتقاد أنها تشفي من المرض، وهذا لا شك أنه شرك بالله تعالى، قال تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80]. فدل على أن الشافي المعافي هو الله سبحانه وتعالى. وكان من دعاء الرسول  عندما يصاب بمرض: «اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما»( ). ولكن إذا كان يذهب إلى أحد العيون لوجود مواد كبريتية وأملاح أو أن الماء حار لعلاج حساسية في الجلد أو تليين العظام ونحو ذلك فلا باس بذلك؛ لأن هذا لم يعتقد أن هذه العين هي الشافية من المرض، وإنما اعتقد أن هذا سبب في الشفاء وأن المسبب له هو الشافي وهو الله سبحانه وتعالى، ومثل ذلك أخذ الحبوب والحقن وغير ذلك من الأسباب يأخذه على أنها سبب ولا يعتقد أنها هي التي تشفي من المرض. قوله: (ولا نصب من الأنصاب) قال تعالى: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: 3]. يعني: وحرم عليكم أيضا ما ذبح على النصب وهي الأوثان وكانت حجارة تجمع ويذبح عليها( ). * * * أيضا ولست معلقا لتميمة أو حلقة أو ودعة( ) أو ناب (قوله): (أيضا ولست معلقا لتميمة) عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله  يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك»( ). قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ: "أما التمائم فهي تعاليق تتعلق بها قلوب متعلقيها. فمنها ما هو شرك أكبر كالتي تشتمل على الاستغاثة بالشياطين أو غيرهم من المخلوقين؛ فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك. ومنها ما هو محرم كالتي فيها أسماء لا يفهم معناها لأنها تجر إلى الشرك. وأما التعاليق التي فيها قرآن أو أحاديث أو أدعية طيبة محترمة فالأولى تركها لعدم ورودها عن الشارع، ولكونها يتوسل بها إلى غيرها من المحرم، ولأن الغالب على متعلقها أنه لا يحترمها ويدخل بها المواضع القذرة. أما الرقى ففيها تفصيل: فإن كانت من القرآن أو السنة أو الكلام الحسن فإنها مندوبة في حق الراقي لأنها من باب الإحسان ولما فيها من النفع، وهي جائزة في حق المرقي إلا أنه لا ينبغي له أن يبتدئ بطلبها فإن من كمال توكل العبد وقوة يقينه أن لا يسأل أحدا من الخلق لا رقية ولا غيرها، بل ينبغي إذا سأل أحدا أن يدعو له أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه بتسببه لهذه العبودية له من مصلحة نفسه، وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانيه البديعة التي لا يوفق للتفقه فيها والعمل بها إلا الكمَّل من العباد. وإن كانت الرقية يدعى بها غير الله ويطلب الشفاء من غيره فهذا هو الشرك الأكبر لأنه دعاء واستغاثة بغير الله. فافهم هذا التفصيل وإياك أن تحكم على الرقى بحكم واحد مع تفاوتها في أسبابها وغاياتها"( )( ). قوله: (أو حلقة أو ودعة أو ناب) قال تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ [الزمر: 38]. وعن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ أن النبي  رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: «ما هذه؟» قال: من الواهنة. فقال: «انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا»( ) رواه أحمد ـ رحمه الله ـ بسند لا بأس به. وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له»( ). ومن الشرك لبس الحلقة أو الودعة أو ناب الذئب واعتقد أنه يدفع شرا أو يجلب خيرا. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ: "وهذا الباب يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب. وتفصيل القول فيها: أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور: الأول: أن لا يجعل منها سبباً إلا ما ثبت أنه سبب شرعاً أو قدراً. الثاني: أن لا يعتمد العبد عليها بل يعتمد على مسببها ومقدرها مع قيامه بالمشروع منها وحرصه على النافع منها. الثالث: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه. والله يتصرف فيها كيف يشاء؛ إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته ليقوم بها العباد ويعرفوا بذلك تمام حكمته حيث ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها، وإن شاء غيرها كيف يشاء لئلا يعتمد عليها العباد وليعلموا كمال قدرته، وأن التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده. فهذا هو الواجب على العبد في نظره وعمله بجميع الأسباب. إذا علم ذلك فمن لبس الحلقة أو الخيط أو نحوهما قاصدا بذلك رفع البلاء بعد نزوله أو دفعه قبل نزوله فقد أشرك، لأنه إن اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة فهذا الشرك الأكبر، وهو شرك في الربوبية حيث اعتقد شريكا مع الله في الخلق والتدبير، وشرك في العبودية حيث تأله لذلك وعلق به قلبه طمعا ورجاء لنفعه. وإن اعتقد أن الله هو الدافع الرافع وحده ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء فقد جعل ما ليس سببا شرعيا ولا قدريا سببا، وهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر. أما الشرع فإنه ينهي عن ذلك أشد النهي، وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة. أما القدر فليس هذا من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود، ولا من الأدوية المباحة النافعة، وكذلك هو من جملة وسائل الشرك؛ فإنه لابد أن يتعلق قلب متعلقها بها وذلك نوع شرك ووسيلة إليه. فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه التي يتوسل بها إلى رضاء الله وثوابه، ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو جرب نفعها مثل الأدوية المباحة ـ كان المتعلق بها متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها، فيتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه وتوحيده، فإنه لو تم توحيده لم يتعلق قلبه بما ينافيه، وذلك أيضا نقص في العقل حيث تعلق بغير متعلق ولا نافع بوجه من الوجوه بل هو ضرر محض، والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين وعلى تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول المزكية للنفوس المصلحة للأحوال كلها دينها ودنيويها، والله أعلم"( ). * * * لرجاء نفع أو لدفع بلية الله ينفعني ويدفع ما بي (قوله): لرجاء نفع أو لدفع بلية الله ينفعني ويدفع ما بي أي لا يدعو هذه الأوثان أو يطوف حول قبر أو حجر أو يتبرك بشجر أو عين ولا نصب ولا يعلق تمائم أو حلقة أو ودعة أو ناب ضبعة أو جلد ذئب؛ أملا وانتظارا لنفع أو لدفع بلية، أو مصيبة وقعت به فإن الذي ينفع ويدفع هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106] وقال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107]. وفي الحديث عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت خلف النبي  يوما، فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»( ). قال في معارج القبول: ومنهم من يقول إنه إذا وقع بصر الذئب على جني لا يستطيع أن يفر منه حتى يأخذه، ولهذا يعلقون عينه إذا مات على الصبيان ونحوهم. ا.هـ( ). وهذا الاعتقاد وقع في زماننا وذلك عندما وضع الناس ناب الذئب أو جلده في بيوتهم وفي سياراتهم، واعتقدوا أنه يدفع عنهم الجني وهذا شرك وكفر بالله أعاذنا الله والمسلمين منه. * * * والابتداع وكل أمر محدث في الدين ينكره أولو الألباب (قوله): والابتداع وكل أمر محدث في الدين يكره أولو الألباب عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله  : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ: حديث عائشة يدل على المنطوق والمفهوم. أما المنطوق: فإنه يدل على أن كل بدعة أحدثت في الدين ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة، سواء كانت من البدع القولية الكلامية. كالتجهم والرفض والاعتزال وغيرها. أو من البدع العملية كالتعبد لله بعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله. فإن ذلك كله مردود على أصحابه وأهله مذمومون بحسب بدعهم وبعدها عن الدين. فمن أخبر بغير ما أخبر الله به ورسوله، أو تعبد بشيء لم يأذن الله به ورسوله ولم يشرعه: فهو مبتدع، ومن حرم المباحات، أو تعبد بغير الشرعيات: فهو مبتدع( ). وأما المفهوم: فإن من عمل عملا عليه أمر الله ورسوله وهو التعبد لله بالعقائد الصحيحة والأعمال الصالحة من واجب ومستحب: فعمله مقبول وسعيه مشكور ويستدل بهذا الحديث على أن كل عبادة فعلت على وجه منهي عنه فإنها فاسدة، لأنه ليس عليها أمر للشارع وأن النهي يقتضي الفساد: وكل معاملة نهى الشارع عنها فإنها لاغية لا يعتد بها( ). * * * أرجو بأني لا أقاربه ولا أرضاه دينا وهو غير صواب (قوله): أرجو بأني لا أقاربه ولا أرضاه دينا وهو غير صواب قال في لسان العرب: رجأ: أرجأ الأمر: أخره، وترك الهمزة لغة. ابن السكيت أرجأت الأمر وأرجيته إذا أخرته. وقرئ: أرجه وأرجئه. وقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب: 51]. قال الزجاج: هذا مما خص الله تعالى به نبيه محمدا  ، فكان له أن يؤخر من يشاء من نسائه وليس ذلك لغيره من أمته، وله أن يرد من أخر إلى فراشه.أ.هـ( ). وجاء معنى الرجاء أنه الأمل والانتظار، قال تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ [العنكبوت: 5] أي يأمل وينتظر البعث والجزاء يوم القيامة حيث يلقى ربه تعالى.أ.هـ( ). ولكن الذي معنا في هذا البيت هو الترك والبعد عن كل أمر نهى عنه الشارع من قول أو فعل وكل أمر محدث ومبتدع. فإنه يجب على كل مسلم ومسلمة الحذر منه والبعد عنه. وذلك بالصدق مع الله سبحانه وتعالى وإخلاص العمل لله ومتابعة النبي  في كل أمر من أمور العبادة فإن هذين الشرطين لازمان لصحة قبول العبادة، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 4]. * * * وأعوذ من جهمية عنها عتت بخلاف كل مؤول مرتاب قوله: (وأعوذ) قال الطبري في تفسيره (فاستعذ) أي استجر واعتصم. أي يستجير ويعتصم من فتنة الجهمية وغيرهم من الطرق الهدامة التي تخالف منهج أهل السنة والجماعة ولا شك أن الاعتصام والاستجارة لا تكون إلا بالله وذلك بالتوبة والعودة إلى الله وصدق القول والعمل معه سبحانه وتعالى. قوله: (من جهمية) قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح كتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري: الجهمية هم أتباع الجهم بن صفوان وليس الجهم بن صفوان هو رأس الأمر في التعطيل، بل رأس الأمر في التعطيل شيخه الجعد بن درهم، لكن الجهم كان فصيحا بليغا نشيطا فحرك الدعوة ونشرها وناظر فيها وجادل فيها فنسب المذهب إليه، وإن كان المذهب في الأصل من الجعد بن درهم وأول هذا المذهب الخبيث مبني على شيئين: 1- إنكار المحبة لله. 2- وإنكار الكلام لله. قال الجعد: الله لا يحب ولا يتكلم. وهذا هدم للدين كله، إذا كان لا يحب صار المؤمن والكافر عند الله سواء، وإذا كان لا يتكلم صارت الشرائع والخلق سواء. يعني أن حكمه الكوني وحكمه الشرعي سواء. وهذا تعطيل واضح وعلى هذا فنقول: الجعد ابن درهم زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما. قال هذا إنكار تأويل لا إنكار جحد، لأنه لو كان يريد إنكار الجحد لأعلن على نفسه بالكفر. إذ أن من أنكر حرفا واحدا من القرآن فهو كافر لكنه أنكر إنكار تأويل، قال: إن الله يتكلم وإن الله اتخذ إبراهيم خليلا لكن ليس على المعنى الذي تريدون. اتخذه خليلا من الخلة "بالكسر" وهي الاحتياج والفقر وليس الخلة التي هي المحبة أو على أنواع المحبة. ولم يكلم موسى تكليما بمعنى الكلام الذي يسمع لكن كَلَمَه أي جرحه بمخالب الحكمة، لأن الكَلْم في اللغة بمعنى الجرح، ومنه قوله  : «ما من مكلوم يُكْلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكَلْمُه يثعب دما اللون لون دم والريح ريح المسك»( ). معنى كَلْمُه يعني جرحه هذا على سبيل الاستعارة. وعلى كلامه كأن الحكمة وحش لها أظفار جرح الله بها موسى عليه السلام ولا شك أن هذا الكلام منكر عظيم، ولكن من طبع على قلبه فإنه لا يرى الباطل باطلا والعياذ بالله، ويقال: إنه لما خرج خالد بن عبد الله القسري( ) ذات عيد من أعياد الأضحى، وكان قد حبس الجعد ابن درهم، خرج به موثقا وخطب الناس، وقال: أيها الناس ضحوا تقبل ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ثم نزل من المنبر فذبحه. يقول ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله تعالى ـ: ولأجل ذا ضحى بجعد خالد القسري يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان ثم قال شيخنا فالبخاري ـ رحمة الله تعالى عليه ـ، قال: التوحيد والرد على الجهمية ويفهم من هذا الكلام أن الجهمية في رأي البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ ليسوا من أهل التوحيد، وقد صرح الكثير من العلماء بكفر الجهمية وأنهم كفار.أ.هـ( ). قوله: (عنها عتت بخلاف كل مؤول مرتاب). أي أن الجهمية خاصمت وجادلت وناظرت في سبيل المذهب الباطل بتأويلات مخالفة لنصوص الشريعة وقد أوقعت بذلك من أوقعت في تشكيكات في دينهم، نعوذ بالله منهم. (وعتت معناه امتنعت من طاعة الله ورسوله من العتو وهو الامتناع والتكبر) ( ). قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله تعالى ـ: الجهمية افترقت ثلاث فرق: الأولى: قالت القرآن كلام الله مخلوق. الثانية: قالت القرآن كلام الله وسكتت وهي الواقفة الملعونة. الثالثة: قالت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة( ). يقول ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: "وحقيقة قول الجهم هو قول فرعون وهو جحد الخالق وتعطيل كلامه ودينه".أ.هـ( ). * * * والاستواء فإن حسبي قدوة فيه مقال السادة الأنجاب قوله: (والاستواء) أي العلو والارتفاع، قال الطبري ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] أي ارتفع على عرشه وعلا، ا.هـ. قوله: (فإن حسبي قدوة) أي أنهم كفوني في بيان معنى الاستواء والرد على من حرف معنى الاستواء وعلى هذا فأنا أتبعهم وأقتدي بهم فيما قالوا في معنى الاستواء. بعكس أهل الضلال المعطلين والمكيفين والمحرفين الذين قالوا عن الاستواء قولا يخالف منهج أهل السنة والجماعة. قوله: (فيه مقال السادة الأنجاب) أي ما قاله الأئمة الأربعة في معنى الاستواء وقد وفقهم الله إلى القول السديد وصاروا بذلك سادة في العلم على أهل زمانهم أئمة يقتدى بهم، أنجاب خلفوا بعد موتهم العلم العظيم الذي استفاد منه من جاء بعدهم من أهل العلم فرحمهم الله رحمة واسعة وجمعنا معهم في دار كرامته إنه جواد كريم وسوف نذكر لك إن شاء الله تعالى أقوالهم في معنى الاستواء. * * * الشافعي ومالك وأبي حنيـ ـفة وابن حنبل التقي الأواب قوله (الشافعي): هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ رحمة الله تعالى عليه ـ: قول الإمام الشافعي عن الاستواء: "القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء.أ.هـ( ). قوله (ومالك) هو الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة قول الإمام مالك عن الاستواء: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء" وجاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء( ). ثم قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج.أ.هـ. قوله (وأبي حنيفة) هو الإمام أبو حنيفة النعمان ابن ثابت ـ رحمة الله تعالى عليه ـ وقول الإمام أبي حنيفة في الاستواء. سئل الإمام أبو حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو الأرض قال: قد كفر، إن الله تعالى يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]. وعرشه فوق سماواته، فقلت: إنه يقول: أقول إنه على العرش ولكنه قال: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض! قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر لأن الله تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.أ.هـ. قوله: (ابن حنبل) أي الإمام بن حنبل ـ رحمة الله تعالى عليه: قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي: ربنا تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان، قال: نعم لا يخلو شيء من علمه. أ.هـ( ). * * * وبعصرنا من جاء معتقدا به صاحوا عليه مجسم وهابي قوله: وبعصرنا من جاء معتقداً به صاحوا عليه مجسم وهابي [أي من اعتقد اعتقاد السلف في هذا العصر قالوا عنه إنه مجسم لأنه يثبت الصفات لله عز وجل وذلك يقتضي التجسيم عندهم وقالوا عنه أيضا: إنه وهابي نسبة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب]( ) لأن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب كان يعتقد في الاستواء ما كان يعتقده السلف الصالح من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تحريف. كان ـ رحمه الله ـ متبعا لا مبتدعا. قال الشيخ حمد بن ناصر آل معمر، عن الإمام محمد بن عبد الوهاب كان شيخنا ـ رحمه الله تعالى ـ وأتباعه يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتجاوزون القرآن والحديث لأنهم متبعون لا مبتدعون فلا يكيفون ولا يشبهون ولا يعطلون بل يثبتون جميع ما نطق به الكتاب من الصفات وما وردت به السنة مما رواه الثقات، ويعتقدون أنها صفات حقيقية منزهة عن التشبيه والتعطيل كما أنه سبحانه له ذات منزهة عن التشبيه والتعطيل، فالقول عندهم في الصفات كالقول في الذات، فكما أن ذاته ذات حقيقة لا تشبه الذوات، فصفاته حقيقة لا تشبه الصفات. وهذا هو اعتقاد سلف الأمة وأئمة الدين وهو مخالف لاعتقاد المشبهين واعتقاد المعطلين.أ.هـ( ). وبهذه العقيدة التي اعتقدها الشيخ في أسماء الله وصفاته الحسنى وكذلك دعوته إلى التوحيد ونبذ الشركة والخرافات والطواف حول القبور والرد على أهلها أيقن أهل البدع والزيغ بأن الشيخ مجسم فصاحوا عليه وأعلنوا للناس بأنه مجسم يقول بأن لله يدين وقدمين وبصر وسمع وأنه جاء بمذهب جديد "المذهب الوهابي" وقولهم هذا ضلال وباطل ما صنعوا، فالشيخ ـ رحمة الله تعالى عليه ـ أثبت لله ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تشبيه أي تنزيه من دون تعطيل وإثبات من دون تكييف. ولكن الذين فسدت عقائدهم واتبعوا أهواءه وشهواتهم وصاروا يرون الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة لابد أن يدافعوا عن مذاهبهم ومعتقداتهم بكل طريقة ممكنة ولذلك اتهموا الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ بأنه مجسم وأنه جاء بمذهب جديد باسم الدعوة الوهابية كي يصرفوا الناس عنه، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج فإن الحق مثل نور الشمس لابد أن يظهر للناس يوما من الأيام من نظر إليه وعرفه واطمأن له أخذه ولو كان من عدوه. قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء: 18]. اللهم ثبتا بالقول الثابت حتى يأتينا اليقين. آمين. جاء الحديث بغربة الإسلام فلـ ـيبك المحب لغربة الأحباب قوله: جاء الحديث بغربة الإسلام فلـ ـيبك المحب لغربة الأحباب قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء»( ). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»( ). والغريب هو الذي تمسك بما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم عقيدة وشريعة وأخلاقًا وسلوكًا وعبادة شاملة بكل ما أمر الله به، وصبر على ذلك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم»، قالوا يا نبي الله أو منهم؟ قال: «بل منكم»( ). فهؤلاء الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جدا سموا غرباء فإن الأكثر على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا فلا غربة عليهم وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام: 116] ( ). فالله يحمينا ويحفظ ديننا من شر كل معاند سباب قوله: فالله يحمينا ويحفظ ديننا من شر كل معاند سباب حماية الله وحفظه لعباده من شر أعدائهم وخاصة العدو الأول الشيطان نعوذ بالله منه لا تكون إلا بشروط جاءت في كتاب الله منها قوله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7]. وكذلك قوله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41]. وكذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك»( ). فهذه الشروط إذا قام بها العبد كما أراد الله سبحانه وتعالى فإن الله سوف يحميهم من كل شر ومن كل عدو مهما بلغت قوته فإن القوة والعزة لله عز وجل. ولكن ما نراه اليوم من تدهور المسلمين وتفككهم في كل مكان هو بسبب بعدهم عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تتداعى الأكلة على قصعتها» قال: قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: «أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل وينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن» قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: «حب الحياة، وكراهية الموت»( ). واعلم يا أخي أن من عرف الله ثم أعرض عنه سلط الله عليه من لا يعرفه نعوذ بالله من الخذلان. فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى بأن يهدينا ويهدي ضال المسلمين ويثبت مطيعهم، وأن يوفق ولاة أمورهم إلى تحكيم كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه جواد كريم. ويؤيد الدين الحنيف بعصبة متمسكين بسنة وكتاب قوله: (ويؤيد) أي ينصر هذا الدين بالدفاع عنه وكما جاء في حديث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»( ). وفي هذا الحديث بيان أن الله سبحانه وتعالى يسخر لهذا الدين الرجل ولو كان فيه من الفجور لنصرته والدفاع عنه وقتال أعدائه، فلله الحكمة البالغة في ذلك ( ). قال تعالى: وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [آل عمران: 13]. قوله: (الدين الحنيف) معنى الدين الحنيف المائل عن الكفر، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: اعلم أرشدك الله إلى طاعته أن الحنيفية هي ملة إبراهيم عليه السلام وهي أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]. ومعنى يعبدون: أي يوحدون وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة. وأعظم ما نهى الله عنه الشرك وهو دعوة غيره معه. قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ( ). قوله: (بعصبة) أي جماعة قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور: 11]. وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة»( ). قوله: (متمسكين) وهي كلمة أبلغ من ممسكين أي شادين عاضين على دينهم، ينفذون ما أمرهم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ويخشون من البدع والشهوات. عن المقداد بن معد يكرب الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه» ( ) أي أعطي صلوات ربي وسلامه عليه القرآن والسنة. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»( ). قوله: (بسنة) أي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتشمل قوله وفعله وإقراره. مثال على السنة القولية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»( ). مثال على السنة الفعلية: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة»( ). مثال على إقراره: عن جابر ـ رضي الله عنه ـ «أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة»( ). قوله: (وكتاب) أي القرآن الكريم يعملون بما فيه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف، بل يفعلون الأوامر ويجتنبون الزواجر وهم راضون ومستسلمون لربهم وخالقهم والمنعم عليهم لأنه صاحب الفضل في الأولى والآخرة وصاحب الحمد في الأولى والآخرة فله الحمد والمنة ( ). لا يأخذون برأيهم وقياسهم ولهم إلى الوحيين خير مآب قوله: (لا يأخذون برأيهم وقياسهم) أي لا يأخذون أمور دينهم من أقوال وأفعال برأيهم وقياسهم الذي ليس له مستمد من الكتاب والسنة. قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه" ( ).... قوله: (ولهم إلى الوحيين خير مآب) أي أن الفلاح والسعادة التي يرجونها يعتقدون أنها بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن هذا خير لهم في دينهم والسلامة من الوقوع في البدع والمحدثات في الدين والنجاة عند الموت وبعد الموت، ويوم يقوم الأشهاد، قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62 ، 63]. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت: 30 ، 31]. قال الطبري في تفسيره أي وحدوه وبرئوا من غيره وماتوا على التوحيد ولم يشركوا به شيئاً، حتى لحقوا بالله عز وجل وعند الموت تتهبط عليهم الملائكة من عند الله، تقول لهم: لا تخافوا ما تُقدموا عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم نحن الذين كنا نتولاكم في الدنيا، وذكر أنهم الحفظة ويقولون نحن نحفظكم الآن كما كنا لكم في الدنيا.أ.هـ. قد أخبر المختار عنهم أنهم غرباء بين الأهل والأصحاب قوله: قد أخبر المختار عنهم أنهم غرباء بين الأهل والأصحاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء»( ). وعن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي»( ). أي أنهم غرباء بين أهليهم وأصحابهم الذين تنكروا عليهم وبدؤوا ينظرون إليهم أنهم متشددون متعصبون موسوسون وأنهم زادوا في الدين وأحدثوا ما ليس منه، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ [المطففين: 29 - 32]. وفي هذه الآيات العظيمة بيان من الله تعالى بأن المؤمنين المتمسكون بدينهم يظهر من بينهم بل من أقاربهم من يضحك منهم ويستهزئ بهم ويغمزهم ويفرح بهذا وينقلب إلى أهله مسرورا، وقد حصل هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عمه أبي لهب ومن بعض رجال قريش أمثال أبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم من كفار قريش، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبروا وجاهدوا في ذلك حتى نصرهم الله عليهم وأهلك أعداءهم وسوف يرى أعداء الله وأعداؤهم العذاب الشديد والضحك والاستهزاء بهم وذلك يوم القيامة عندما يكون المؤمنون في جنات النعيم فرحين بصبرهم وما وعدهم ربهم؛ يضحكون على الكفار الذين ضحكوا عليهم في الدنيا، قال تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: 34 - 36]. فنعوذ بالله من الاستهزاء بالدين وأهله فإنه كفر ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أعذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقال عوف بن مالك ـ رضي الله عنه( ): "كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذهب عوف ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق، وفي رواية عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: (والنبي صلى الله عليه وسلم) يقول: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَإلى قوله تعالى:لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ( ). سلكوا طريق السالكين إلى الهدى ومشوا على مناهجهم بصواب قوله: (سلكوا طريق السالكين إلى الهدى) الطريق الذين لا اعوجاج فيه أي الصراط المستقيم طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهو الذي ندعو الله في كل ركعة من صلاتنا ليهدينا إياه، قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: «هذا سبيل الله، ثم خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[الأنعام: 153]»( ). قوله: (ومشوا على مناهجهم بصواب) أي أنهم اقتفوا أثر السلف الصالح من دون زيادة أو نقص وهذا هو معنى المنهج الصواب. فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة»( ). وفي رواية أخرى: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة» قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»( ). وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة»( ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض»( ). إذا القاعدة الكبرى التي عليها الفلاح والسعادة والنصر والتمكين في الأرض لا تكون إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يكفي ذلك بل لابد أن يكون الدافع إلى ذلك الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سوف تكون هناك طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من سفههم أو خذلهم. قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله»( ) وفي رواية الترمذي «حتى تقوم الساعة»( ). اللهم اجعلنا من أهل الحق الذين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي النصر أو يأتي اليقين، اللهم آمين. وإن إقامة دولة إسلامية حقيقية في أي مكان وزمان لابد أن تكون قواعدها مبنية على الإخلاص لله بمعنى أن لا يعبد إلا الله ولا يذبح ولا ينذر إلا لله ولا يطاف إلا حول الكعبة فقط، لا يطاف حول القبور مهما كانت مكانتها عند مجتمعاتها وبالجملة لا يصرف أي عمل أو قول من العبادات إلا لله سبحانه وتعالى. قال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18]. والأمر الثاني: أن تكون جميع الأعمال والأقوال متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا بدع ولا خرافات ولا غير ذلك. وكما قال الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ : "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". لكن ما نسمعه ونراه بين الحين والآخر من بعض الدول التي تصرخ باسم الإسلام ثم بعد فترة يتبين أنها من أجل الزعامة والكرسي لا من أجل رفع راية الإسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7] وقال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41] فمن أراد طريق محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه فهذا هو الطريق مثل نور الشمس. ومن أراد طريق الشيطان والهوى فليختر ما يشاء فالله حسبنا هو مولانا ونعم الوكيل ( ). من أجل ذا أهل الغلو تنافروا عنهم فقلنا ليس ذا بعجاب قوله: (من أجل ذا أهل الغلو تنافروا) أي بسبب تمسكهم بالكتاب والسنة ومحاربة أهل البدع قام عليهم أهل الغلو بالعداوة والبغضاء والمحاربة بكل وسيلة ممكنة. قوله: (فقلنا ليس ذا بعجاب) أي ليس هذا الأمر الذي يحصل لهم من أعدائهم من العداوة والمكر بغريب وغير معهود؛ بل هذه سنة الله في اتباع الرسل عليهم السلام حيث أن الله أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم قصص الأنبياء الذين من قبله، وما حصل لهم من الأذى والمكر والخداع وهذا من باب الاستئناس والطمأنينة والتثبيت له صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود: 120] وإليك بعض هذه القصص: قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر: 9 ، 10]. قال تعالى: وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ [الذاريات: 38 - 40]. وقال تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: 18 - 20]. وقال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ [القمر: 23 ، 24] إلى قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ [القمر: 31]. يتبين لنا من الآيات السابقة أن العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل دائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فمن صبر على الحق وجد خيرا في الدنيا، وفي الآخرة الفوز بجنات النعيم ورضى رب العالمين، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذه الآية: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين". اللهم صبرنا على الحق حتى يأتينا اليقين، يا معين المستغيثين برحمتك يا أرحم الراحمين. نفر الذين دعاهم خير الورى إذ لقبوه بساحر كذاب قوله: نفر الذين دعاهم خير الورى إذ لقبوه بساحر كذاب بعد أن ذكرنا أن أتباع الرسل عليهم السلام لم يسلموا من العداوة أردف الشاعر هذا البيت يبين ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أعدائه من كفار قريش وسوف نذكر نبذة حول ما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش: 1- أبو لهب: وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أشد الناس تكذيبا للرسول صلى الله عليه وسلم وأكثرهم أذى له حتى أنه كان يطرح العذرة والنتن على باب النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان مجاورا له. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد ذلك يقول: (أي جوار هذا يا بني عبد المطلب). ومر حمزة بأبي لهب وهو يطرح العذرة على باب النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها وطرحها على رأسه وكانت امرأته أم جميل العوراء في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة بغضه وقد لقبها الرحمن في كتابه: بحمالة الحطب، وهي القائلة: مُذَمَّمًا عصينا. وأمره أبينا. ودينه قلينا. قالت هذا لما نزلت سورة المسد تحمل لها ولزوجها الهلاك في الدنيا والخلود في النار في الآخرة. 2- الوليد بن المغيرة المخزومي: وهو القائل لقريش إن الناس يأتونكم في الحج فيسألونكم عن محمد فلا تختلف أقوالكم فيه بأن يقول بعضكم هو شاعر وآخر يقول هو كاهن ولكن قولوا كلمة واحدة هو ساحر. 3- أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي: وكان من أشد الناس عداوة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل: "لئن سب محمد آلهتنا سببنا إلهه، فأنزل الله تعالى في سورة الأنعام: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108]". 4- النضر بن الحارث: وكان من أشد الناس تكذيبا للنبي صلى الله عليه وسلم وأذى له ولأصحابه، وكان يقرأ كتب الفرس ويخالط اليهود والنصارى، ولما ذكر النبي المنتظر وقرب مبعثه قال: "إن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم، فأنزل الله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 42 ، 43]. 5- عقبة بن أبي معيط الأموي: وكان من أشد الناس أذى للرسول وعداوة له وللمسلمين. وهو الذي وضع سلى الجزور بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. هلك هذا الطاغية الخبيث ببدر وأسر وصلب وهو أول مصلوب في الإسلام، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعاقر ناقة صالح قدار بن سالف عليهما معا لعائن الله. 6- الأسود بن عبد يغوث الزهري: كان من المستهزئين وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى، وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم مستهزئا به: أما كُلمت اليوم من السماء يا محمد؟. 7- الحارث بن قيس السهمي: وكان أحد المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم الذين لا يبرحون يؤذونه طوال حياتهم وكان يقول: قد غر محمد أصحابه ووعدهم أن يحيوا بعد الموت والله ما يهلكنا إلا الدهر وفيه نزل قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية: 23 ، 24]. 8- أُبَيُّ وأمية ابنا خلف: وكانا من أشد الناس أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوة له ولأصحابه واستهزاء بدين الله. إذ جاء أبي عليه لعائن الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم ففتته بيده وقال: زعمت أن ربك يحيي هذا العظم. وفيه نزل قوله تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 78 ، 79]. وقد هلك أمية يوم بدر مرذولا مخزيا شر ميتة، وهلك أخوه أبي بطريق مكة إذ ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم بحربة في ترقوته في أحد فهلك بها في طريقه إلى جهنم وبئس المصير. 9- أبو قيس بن الفاكة بن المغيرة: وكان ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويعين أبا جهل على ذلك. هلك ببدر على يد حمزة بن عبد المطلب عم الحبيب صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه. 10- العاص بن وائل السهمي: والد عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ وكان من المستهزئين وهو القائل لما مات القاسم ابن النبي صلى الله عليه وسلم: إن محمدا أبتر لا يعيش له ولد ذكر، فأنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ ( ) هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 1 - 3]( ). 11- نُبَيه ومُنَبِّه ابنا الحجاج السهميان: وكانا من المستهزئين المؤذيين لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وكانا إذا لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان: أما وجد من يبعثه غيرك؟ إن ها هنا من هو أسن( ) منك وأيسر( ) هلك كل منهما ببدر فقتل علي ـ رضي الله عنه ـ منبها. والآخر لا يُدرى من قتله. 12- الأسود بن المطلب بن أسد: ويكنى أبا زمعة وكان من المستهزئين إذا كان مع أصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون قد جاءك ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر ويصفرون ويصفقون لهوا وضحكا وسخرية، وقد دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعمى ويثْكل ( ) ولده، فعمى وثكل ولده، ومات بمكة والناس يتجهزون لأحد وهو يحرض الكفار على الخروج مع ما هو عليه من المرض من شدة بغضه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهلك أعمى أثكل. 13- طعيمة بن عدي بن نوفل: كان ممن يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشتمونه ويكذبونه، أسر ببدر وقتل صبرا بها. 14- مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان: كان من المستهزئين، وكان سفيها فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فمات بمكة بعدما امتلأ رأسه قيحا. 15- ركانة بن عبد زيد: وكان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم واستهزاء به، فقال يوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب، فإن صرعتني علمت أنك صادق، ولم يقدر على صرعه أحد، فصارعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فصرعه ودعاه إلى الإسلام فأبى أن يسلم وقال: لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة! فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «أقبلي» فأقبلت تخد( ) فقال ركانة: ما رأيت سحرا أعظم من هذا مرها فلترجع. فأمرها صلى الله عليه وسلم فعادت إلى مكانها. فقال ركانة: هذا سحر عظيم. قال ابن الأثير ـ رحمه الله تعالى ـ هؤلاء أشد عداوة للرسول وما عداهم من رؤساء قريش كانوا أقل عداوة من هؤلاء كعتبة وشيبة ابني ربيعة وغيرهما. وهناك جماعة كانوا شديدي الأذى والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكنهم آمنوا وأسلموا وحسن إسلامهم كأبي سفيان بن حرب والحكم بن أبي العاص وعبد الله بن أمية المخزومي أخو أم سلمة لأبيها ـ رضي الله عنهما( ). مع علمهم بأمانة وديانة فيه ومكرمة وصدق جواب قوله: مع علمهم بأمانة وديانة فيه ومكرمة وصدق جواب أي كفار قريش الذين نفروا من دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلمون علم اليقين بأنه صادق وأمين وبعيد عن أصنامهم لا يجلس إليها مع علمه صلى الله عليه وسلم بعدم نفعها وضررها، ولأن الله سبحانه وتعالى حماه وحفظه منها. ويعلمون كذلك بأنه كريم وأنه من أفضل القبائل وأكرمها وأشرفها على الإطلاق، لأن الله اختاره بأن يكون أفضل الأنبياء، فلزم أن يكون من أفضل القبائل على الإطلاق، وكان يعرف عندهم بالصادق الأمين ولم يعرف عنه الكذب يوما من الأيام، وعندما اختلفت القبائل على وضع الحجر الأسود ومن يكون له الشرف بهذا العمل العظيم. قال الشيخ أبو بكر الجزائري: "وكادوا أن يقتتلوا وأخيرا ألهمهم الله إلى تحكيم أول من يقبل من باب الصفا، ومازالوا كذلك حتى أقبل محمد صلى الله عليه وسلم فما أن رأوه مقبلا حتى قالوا: هذا محمد الأمين رضينا به حكما. وفعلا رضي صلى الله عليه وسلم بتحكيمهم له، فأمرهم أن يبسطوا ثوبا فوضعه فيه ثم أمر ممثلي قبائل قريش أن يأخذ ممثل كل قبيلة بطرف الثوب ورفعوه. ولما حاذوا به مكانه من الجدار رفعه بيديه الكريمتين فوضعه مكانه وبذلك حقنت دماء قريش. وعادت الألفة والمودة بين رجالات قريش فكان هذا الحكم والتحكيم أكبر مظهر من مظاهر الكمال المحمدي قبل إنبائه وإرساله نبياً ورسولاً. وكذلك من المواقف التي كانت شهادة من قريش على صدق محمد صلى الله عليه وسلم عندما نزلت الآية الكريمة التي تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينذر عشيرته الأقربين، قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] فصعد صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا ونادى بأعلى صوته قائلا: «واصحباه!! واصحباه!!» فهز صوته حثيات وادي مكة وأقبل الناس نحو النداء زرفات ووحداناً حتى امتلأت ساحة الصفا، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالبدر ليلة هالته، فقال: «يا معشر قريش، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم. فقال: «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد أنقذوا أنفسكم من النار» فقام أبو لهب، فقال: تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا. فأنزل الله تعالى سورة المسد: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد: 1 - 5]" ( ). صلى عليه الله ما هب الصبا وعلى جميع الآل والأصحاب قوله: (صلى عليه الله) قال أبو العالية: الصلاة من الله عز وجل ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ذكره عنه البخاري. ومنه قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ [الأحزاب: 43] وفي الصحيحين من الحديث القدسي «وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». قوله: (وعلى جميع الآل) أي آله صلى الله عليه وسلم وهم أتباعه وأنصاره إلى يوم القيامة كما قيل: آل النبي هم أتباع ملته على الشريعة من عجم ومن عرب لو لم يكن آله إلا قرابته صلى المصلي على الطاغي أبي لهب ويدخل الصحابة في ذلك من باب أولى، ويدخل فيه أهل بيته من قرابته وأزواجه وذريته من باب أولى. قوله: (الأصحاب) جمع صاحبي وهو من رأى أو لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ولو لحظة ومات على ذلك ولو تخللت ردة في الأصح ( ). قال الجوهري: "ويقال صحبه وصحب صحابه، والصحابة بمعنى الأصحاب، واحده صاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة ومات على الإيمان وإن لم يره كابن أم مكتوم وإن لم يرو عنه" ( ). * * * فائدة 1- الصلاة من الله: الثناء لعباده في الملأ الأعلى. 2- الصلاة من الملائكة: الاستغفار لعباد الله. 3- الصلاة من الآدميين: الدعاء لعباد الله. هذا ما استطعنا جمعه وكتابته ونحن الضعفاء إلى الله، نرجو رحمته وليس لنا غنا عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك ونحن الفقراء إلى الله نسأله دائما وأبدا من فضله فهو الجواد الكريم ذو العرش العظيم الذي يشكر القليل ويجزل العطاء الوفير من دون حساب، الكريم الحنان المنان. اللهم يا حي يا قيوم يا من لا إله غيره يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. يا عزيز يا حكيم يا من لا يعجزه أحد في السماوات والأرض يا من يفعل ما يشاء إذا شاء كيف شاء متى شاء لا معقب لأمره ولا لحكمه وهو على كل شيء قدير. يا من لا يزول ملكه بطاعة الطائعين ولا ينقصه بمعصية العاصين، يا من يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسطها بالنهار ليتوب مسيء الليل، يا من على العرش استوى، يا من لا يغيب عنه شيء من أفعال عباده، يا من يسمع دبيب النملة السوداء على الصفاة الملساء في ظلمة الليل. نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحد من خلقك أن أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عنك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وأحزاننا. اللهم إنا نسألك أن تجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وأن تجعل فيها النفع والفائدة لإخواننا المسلمين في كل مكان وزمان، كما نسألك أن تعيذنا وإخواننا المسلمين من الشرك والرياء والنفاق، وكل عمل لا يرضيك عنا. اللهم ما كان في هذه الرسالة من صواب فمن توفيقك ومنك، وما كان فيها من خطاء أو زلل فمن نفسي والشيطان، وأعوذ بك أن أضل أحد من عبادك أو أكون سببا في ذلك، اللهم إن كنت تعلم بوجود خطأ أو زلل في هذه الرسالة وقد غاب عنا اللهم قيض له من يعدله ويبين خطأه، اللهم اغفر وارحم كل من شارك في كتابتها ومراجعتها وتصحيحها وطباعتها وجميع المسلمين آمين. اللهم اجعلها حجة لنا يوم القيامة، لا علينا. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان وزمان إلى تحكيم كتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اغفر لي ولوالدي ومشايخي، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على نبينا محمد عبدك ورسولك سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين ورضي الله عن آله وأصحابه وأهل بيته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك ووالدينا وإخواننا وجميع المسلمين آمين. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. والحمد لله رب العالمين. تمت بحمد الله ومنه وفضله في نهاية رجب 1416هـ ليلة الجمعة الساعة الحادية عشرة ليلا. وكتبه الفقير إلى عفو ربه تعالى محمد بن صالح بن محمد الحربي( ) الخرج: ص. ب245 الرمز البريدي 11943 مصادر الكتاب 1- علوم القرآن الكريم: ‌أ- القرآن الكريم. ‌ب- تفسير الطبري. ‌ج- أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري. 2- علوم العقيدة: ‌أ- كتاب التوحيد، محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ ‌ب- القول السديد في شرح كتاب التوحيد، السعدي ـ رحمه الله تعالى. ‌ج- معارج القبول، حافظ أحمد الحكمي ـ رحمه الله تعالى. ‌د- التحفة المدنية في العقيدة السلفية، للشيخ حمد بن ناصر آل معمر، بتحقيق: عبد الكريم بن برجس. 3- علوم الحديث: ‌أ- صحيح البخاري. ‌ب- صحيح مسلم. ‌ج- سنن أبي داود. ‌د- سنن الترمذي. ‌ه- سنن النسائي. ‌و- سنن ابن ماجة. ‌ز- مسند الإمام أحمد بن حنبل. ‌ح- السلسلة الصحيحة للألباني. ‌ط- الأربعين النووية. ‌ي- جامع العلوم والحكم، ابن رجب. ‌ك- بهجة قلوب الأبرار، السعدي. 4- علوم اللغة: - لسان العرب، ابن منظور. 5- علوم السيرة: ‌أ- سير أعلام النبلاء للذهبي. ‌ب- هذا الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب، أبو بكر الجزائري. فهرس الكتاب متن عقيدة المسلم 5 المقدمة 8 عقيدة المسلم 11 فائدة 70 مصادر الكتاب 73 فهرس الكتاب 75 * * *