تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت) الكتاب : تفسير البيضاوى ـ موافق للمطبوع المؤلف : البيضاوي دار النشر : دار الفكر - بيروت عدد الأجزاء / 5 [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ] " صفحة رقم 3 " سورة آل عمران بسم الله الرحمن الرحيم آل عمران : ( 1 - 2 ) الم ) الم ( ) الله لا إله إلا هو ( إنما فتح الميم في المشهور وكان حقها أن يوقف عليها لإلقاء حركة الهمزة عليها ليدل على أنها في حكم الثابت لأنها أسقطت للتخفيف لا للدرج فإن الميم في حكم الوقف كقولهم واحد اثنان بإلقاء حركة الهمزة على الدال لا لالتقاء الساكنين فإنه غير محذور في باب الوقف ولذلك لم تحرك الميم في لام وقرئ بكسرها على توهم التحريك لالتقاء الساكنين وقرأ أبو بكر بسكونها والابتداء بما بعدها على الأصل ) الحي القيوم ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور في البقرة الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي طه وعنت الوجوه للحي القيوم آل عمران : ( 3 ) نزل عليك الكتاب . . . . . ) نزل عليك الكتاب ( القرآن نجوما ________________________________________ " صفحة رقم 4 " ) بالحق ( بالعدل أو بالصدق في أخباره أو بالحجج المحققة أنه من عند الله وهو في موضع الحال ) مصدقا لما بين يديه ( من الكتب ) وأنزل التوراة والإنجيل ( جملة على موسى وعيسى واشتقاقهما من الورى والنجل ووزنهما بتفعلة وافعيل تعسف لأنهما أعجميان ويؤيد ذلك أنه قرئ ) الإنجيل ( بفتح الهمزة وهو ليس من أبنية العربية وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان والكسائي التوراة بالإمالة في جميع القرآن ونافع وحمزة بين اللفظين إلا قالون فإنه قرأ بالفتح كقراءة الباقين آل عمران : ( 4 ) من قبل هدى . . . . . ) من قبل ( من قبل تنزيل القرآن ) هدى للناس ( على العموم إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا وإلا فالمراد به قومهما ) وأنزل الفرقان ( يريد به جنس الكتب الإلهية فإنها فارقة بين الحق والباطل ذكر ذلك بعد ذكر الكتب الثلاثة ليعم ما عداها كأنه قال ________________________________________ " صفحة رقم 5 " وأنزل سائر ما يفرق به بين الحق والباطل أو الزبور أو القرآن وكرر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيما وإظهارا لفضله من حيث إنه يشاركهما في كونه وحيا منزلا ويتميز بأنه معجز يفرق بين المحق والمبطل أو المعجزات ) إن الذين كفروا بآيات الله ( من كتبه المنزلة وغيرها ) لهم عذاب شديد ( بسبب كفرهم ) والله عزيز ( غالب لا يمنع من التعذيب ) ذو انتقام ( لا يقدر على مثله منتقم والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بالفتح والكسر وهو وعيد جيء به بعد تقرير التوحيد والإشارة إلى ما هو العمدة في إثبات النبوة تعظيما للأمر وزجرا عن الإعراض عنه ________________________________________ " صفحة رقم 6 " آل عمران : ( 5 ) إن الله لا . . . . . ) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( أي شيء كائن في العالم كليا كان أو جزئيا إيمانا أوكفرا فعبر عنه بالسماء والأرض إذ الحس لا يتجاوزهما وإنما قدم الأرض ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها وهو كالدليل على كونه حيا آل عمران : ( 6 ) هو الذي يصوركم . . . . . وقوله ) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( أي من الصور المختلفة كالدليل على القيومية والاستدلال على أنه عالم بإتقان فعله في خلق الجنين وتصويره وقرئ / تصوركم / أي صوركم لنفسه وعبادته ) لا إله إلا هو ( إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله ) العزيز الحكيم ( إشارة إلى كمال قدرته ________________________________________ " صفحة رقم 7 " وتناهي حكمته قيل هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان ربا فإن وفد نجران لما حاجوا فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت السورة من أولها إلى نيف وثمانين آية تقريرا لما احتج به عليهم وأجاب عن شبههم آل عمران : ( 7 ) هو الذي أنزل . . . . . ) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ( أحكمت عبارتها بأن حفظت من الإجمال والاحتمال ) هن أم الكتاب ( أصله يرد إليها غيرها والقياس أمهات فأفرد على تأويل كل واحدة أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة ) وأخر متشابهات ( محتملات لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها فينالوا بها وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها والتوفيق بينها وبين المحكمات معالي الدرجات وأما قوله تعالى ) الر كتاب أحكمت آياته ( فمعناه أنها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ وقوله ) كتابا متشابها ( فمعناه أنه يشبه بعضه بعضا في ________________________________________ " صفحة رقم 8 " صحة المعنى وجزالة اللفظ و ) أخر ( جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه وصف معدول عن الآخر ولا يلزم منه معرفته لأن معناه أن القياس أن يعرف ولم يعرف لا أنه في معنى المعرف أو عن ) أخر ( من ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( عدول عن الحق كالمبتدعة ) فيتبعون ما تشابه منه ( فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل ) ابتغاء الفتنة ( طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه ) وابتغاء تأويله ( وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه ويحتمل أن يكون الداعي إلى الاتباع مجموع الطلبتين أو كل واحدة منهما على التعاقب والأول يناسب المعاند والثاني يلائم الجاهل ) وما يعلم تأويله ( الذي يجب أن يحمل عليه ) إلا الله والراسخون في العلم ( أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه ومن وقف على ) إلا الله ( فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه كمدة بقاء الدنيا ووقت ________________________________________ " صفحة رقم 9 " قيام الساعة وخواص الأعداد كعدد الزبانية أو بمبادل القاطع على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد ) يقولون آمنا به ( استئناف موضح لحال ) والراسخون ( أو حال منهم أو خبر أن جعلته مبتدأ ) كل من عند ربنا ( أي كل من المتشابه والمحكم من عنده ) وما يذكر إلا أولوا الألباب ( مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله وهو تجرد العقل عن غواشي الحس واتصال الآية بما ________________________________________ " صفحة رقم 10 " قبلها من حيث إنها تصوير الروح بالعلم وتربيته وما قبلها في تصوير الجسد وتسويته أو أنها جواب عن تشبث النصارى بنحو قوله تعالى ) وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ( كما أنه جواب عن قوله لا أب له غير الله فتعين أن يكون هو أباه تعالى مصور الأجنة كيف يشاء فيصور من نطفة أب ومن غيرها وبأنه صوره في الرحم والمصور لا يكون أب المصور آل عمران : ( 8 ) ربنا لا تزغ . . . . . ) ربنا لا تزغ قلوبنا ( من مقال الراسخين وقيل استئناف والمعنى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه قال ( صلى الله عليه وسلم ) قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه وقيل لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا ) بعد إذ هديتنا ( إلى الحق والإيمان بالقسمين من المحكم والمتشابه وبعد نصب على الظرف وإذ في موضع الجر بإضافته إليه وقيل إنه بمعنى إن ) وهب لنا من لدنك رحمة ( تزلفنا إليك ونفوز بها عندك أو توفيقا للثبات على الحق ________________________________________ " صفحة رقم 11 " أو مغفرة للذنوب ) إنك أنت الوهاب ( لكل سؤال وفيه دليل على أن الهدى والضلال من الله وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء آل عمران : ( 9 ) ربنا إنك جامع . . . . . ) ربنا إنك جامع الناس ليوم ( لحساب يوم أو لجزائه ) لا ريب فيه ( في وقوع اليوم وما فيه من الحشر والجزاء نبهوا به على أن معظم غرضهم من الطلبتين ما يتعلق بالآخرة فإنها المقصد والمال ) إن الله لا يخلف الميعاد ( فإن الإلهية تنافيه وللإشعار به وتعظيم الموعود لون الخطاب واستدل به الوعيدية وأجيب بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقا آل عمران : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا ( عام في الكفرة وقيل المراد به وفد نجران أو اليهود أو مشركوا العرب ) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ( أي من رحمته أو طاعته على معنى البدلية أو من عذابه ) وأولئك هم وقود النار ( حطبها وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها ________________________________________ " صفحة رقم 12 " آل عمران : ( 11 ) كدأب آل فرعون . . . . . ) كدأب آل فرعون ( متصل بما قبله أي لن تغن عن أولئك أو توقد بهم كما توقد بأولئك أو استئناف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب وهو مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فنقل إلى معنى الشأن ) والذين من قبلهم ( عطف على ) آل فرعون ( وقيل استئناف ) كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ( حال بإضمار قد أو استئناف بتفسير حالهم أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم ) والله شديد العقاب ( تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف الكفرة آل عمران : ( 12 ) قل للذين كفروا . . . . . ) قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم ( أي قل لمشركي مكة ستغلبون يعني يوم بدر وقيل لليهود فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) جمعهم بعد بدر في سوق بني قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش فقالوا لا يغرنك أنك أصبت أغمارا لا علم لهم بالحرب لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس فنزلت وقد صدق الله وعده لهم بقتل قريظة وإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على من عداهم وهو من دلائل النبوة وقرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما على أن الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه ) وبئس المهاد ( تمام ما يقال لهم أو استئناف وتقدير بئس المهاد جهنم أو ما مهدوه لأنفسهم ________________________________________ " صفحة رقم 13 " آل عمران : ( 13 ) قد كان لكم . . . . . ) قد كان لكم آية ( الخطاب لقريش أو لليهود وقيل للمؤمنين ) في فئتين التقتا ( يوم بدر ) فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم ( يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين وكان قريبا من ألف أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر وذلك كان بعد ما قللهم في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم وتوجهوا إليهم قلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا مددا من الله تعالى للمؤمنين أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم ويتيقنوا بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله ) فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ( ويؤيده قراءة نافع ويعقوب بالتاء وقرئ بهما على البناء للمفعول أي يريهم الله أو يريكم ذلك بقدرته وفئة بالجر على البدل من فئتين والنصب على الاختصاص أو الحال من فاعل التفتا ) رأي العين ( ________________________________________ " صفحة رقم 14 " رؤية ظاهرة معاينة ) والله يؤيد بنصره من يشاء ( نصره كما أيد أهل بدر ) إن في ذلك ( أي التقليل والتكثير أو غلبة القليل عديم العدة في الكثير شاكي السلاح وكون الواقعة آية أيضا يحتملها ويحتمل وقوع الأمر على ما أخبر به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) لعبرة لأولي الأبصار ( أي لعظة لذوي البصائر وقيل لمن أبصرهم آل عمران : ( 14 ) زين للناس حب . . . . . ) زين للناس حب الشهوات ( أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء على أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى ) أحببت حب الخير ( والمزين هو الله تعالى لأنه الخالق للأفعال والدواعي ولعله زينة ابتلاء أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع وقيل الشيطان فإن الآية في معرض الذم وفرق الجبائي بين المباح والمحرم ) من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ( ________________________________________ " صفحة رقم 15 " بيان للشهوات والقنطار المال الكثير وقيل مائة ألف دينار وقيل ملء مسك ثور واختلف في أنه فعلال أو فنعال والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم بدرة مبدرة والمسومة المعلمة من السومة وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها أو المطهمة والأنعام الإبل والبقر والغنم ) ذلك متاع الحياة الدنيا ( إشارة إلى ما ذكر ) والله عنده حسن المآب ( أي المرجع وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة الفانية آل عمران : ( 15 ) قل أؤنبئكم بخير . . . . . ) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ( يريد به تقرير أن ثواب الله تعالى خير من مستلذات الدنيا ) للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( استئناف لبيان ما هو خير ويجوز أن يتعلق اللام بخير ويرتفع جنات على ما هو جنات ويؤيده قراءة من جرها بدلا من ) خير ( ) وأزواج مطهرة ( مما يستقذر من النساء ) ورضوان من الله ( قرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن بضم الراء ما خلا الحرف الثاني في المائدة وهو قوله تعالى ) رضوانه سبل السلام ( بكسر الراء وهما لغتان ) والله بصير بالعباد ( أي بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء أو بأحوال الذين اتقوا فلذلك أعد لهم جنات وقد نبه بهذه الآية على نعمه فأدناها متاع الحياة الدنيا وأعلاها رضوان الله تعالى لقوله تعالى ) ورضوان من الله أكبر ( وأوسطها الجنة ونعيمها ________________________________________ " صفحة رقم 16 " آل عمران : ( 16 ) الذين يقولون ربنا . . . . . ) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ( صفة للمتقين أو للعباد أو مدح منصوب أو مرفوع وفي ترتيب السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كاف في استحقاق المغفرة أو الاستعداد لها آل عمران : ( 17 ) الصابرين والصادقين والقانتين . . . . . ) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ( حصر لمقامات السالك على أحسن ترتيب فإن معاملته مع الله تعالى إما توسل وإما طلب والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما وإما بالبدن وهو إما قولي وهو الصدق وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة وإما بالمال وهو الإنفاق في سبل الخير وإما الطلب فبالاستغفار لأن المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها وتوسيط الواو بينهما للدلالة على استقلال كل واحد منهما وكمالهم فيها أو لتغاير الموصوفين بها وتخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة لأن العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع للمجتهدين قيل إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون ________________________________________ " صفحة رقم 17 " آل عمران : ( 18 ) شهد الله أنه . . . . . ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( بين وحدانيته بنصب الدلائل الدالة عليها وإنزال الآيات الناطقة بها ) والملائكة ( بالإقرار ) وأولو العلم ( بالإيمان بها والاحتجاج عليها شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد ) قائما بالقسط ( مقيما للعدل في قسمه وحكمه وانتصابه على الحال من الله وإنما جاز إفراده بها ولم يجز جاء زيد وعمرو راكبا لعدم اللبس كقوله تعالى ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ( أو من هو والعامل فيها معنى ________________________________________ " صفحة رقم 18 " الجملة أي تفرد قائما أو أحقه لأنها حال مؤكدة أو على المدح أو الصفة للمنفي وفيه ضعف للفصل وهو مندرج في المشهود به إذا جعلته صفة أو حالا من الضمير وقرئ القائم بالقسط على البدل عن هو أو الخبر لمحذوف ) لا إله إلا هو ( كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبني عليه قوله ) العزيز الحكيم ( فيعلم أنه الموصوف بهما وقدم العزيز لتقديم العلم بقدرته على العلم بحكمته ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد وقد روي في فضلهما أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى إن لعبدي هذا عندي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد ادخلوا عبدي الجنة وهي دليل على فضل علم أصول الدين وشرف أهله آل عمران : ( 19 ) إن الدين عند . . . . . ) إن الدين عند الله الإسلام ( جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل من أنه بدل الكل أن فسر الإسلام بالإيمان أو بما يتضمنه وبدل اشتمال إن ________________________________________ " صفحة رقم 19 " فسر بالشريعة وقرئ أنه بالكسر وأن بالفتح على وقوع الفعل على الثاني واعتراض ما بينهما أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى لتضمنه معناهما ) وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ( من اليهود والنصارى أو من أرباب الكتب المتقدمة في دين الإسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقا أو في التوحيد فثلثت النصارى ) وقالت اليهود عزير ابن الله ( وقيل هم قوم موسى اختلفوا بعده وقيل هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه السلام ) إلا من بعد ما جاءهم العلم ( أي بعد ما علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالآيات والحجج ) بغيا بينهم ( حسدا بينهم وطلبا للرئاسة لا لشبهة وخفاء في الأمر ) ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ( وعيد لمن كفر منهم ________________________________________ " صفحة رقم 20 " آل عمران : ( 20 ) فإن حاجوك فقل . . . . . ) فإن حاجوك ( في الدين أو جادلوك فيه بعد ما أقمت الحجج ) فقل أسلمت وجهي لله ( أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره وهو الدين القويم الذي قامت به الحجج ودعت إليه الآيات والرسل وإنما عبر بالوجه عن النفس لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس ) ومن اتبعن ( عطف على التاء في أسلمت وحسن للفصل أو مفعول معه ) وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ( الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب ) أأسلمتم ( كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة أم أنتم بعد على كفركم ونظيره قوله ) فهل أنتم منتهون ( وفيه تعيير لهم بالبلادة أو المعاندة ) فإن أسلموا فقد اهتدوا ( فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال ) وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ( أي فلم يضروك إذ ما عليك إلا أن تبلغ وقد بلغت ) والله بصير بالعباد ( وعد ووعيد آل عمران : ( 21 ) إن الذين يكفرون . . . . . ) إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ( هم أهل الكتاب الذين في عصره ( صلى الله عليه وسلم ) قتل أولهم الأنبياء ومتابعيهم وهم رضوا به وقصدوا قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ولكن الله عصمهم وقد سبق مثله في سورة البقرة وقرأ حمزة / ويقاتلون / الذين وقد منع سيبويه إدخال الفاء في خبر إن كليت ولعل ولذلك قيل الخبر آل عمران : ( 22 ) أولئك الذين حبطت . . . . . ) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ( كقولك زيد فافهم رجل صالح ________________________________________ " صفحة رقم 21 " والفرق أنه لا يغير معنى الابتداء بخلافهما ) وما لهم من ناصرين ( يدفع عنهم العذاب آل عمران : ( 23 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( أي التوراة أو جنس الكتب السماوية ومن للتبعيض أو للبيان وتنكير النصيب يحتمل التعظيم والتحقير ) يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ( الداعي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكتاب الله القرآن أو التوراة لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) دخل مدراسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت فقال على دين إبراهيم فقالا إن إبراهيم كان يهوديا فقال هلموا إلى التوراة فإنها بيننا وبينكم فأبيا فنزلت وقيل نزلت في الرجم وقرئ ليحكم على البناء للمفعول فيكون الاختلاف فيما بينهم وفيه دليل على أن الأدلة السمعية حجة في الأصول ________________________________________ " صفحة رقم 22 " ) ثم يتولى فريق منهم ( استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب ) وهم معرضون ( وهم قوم عادتهم الإعراض والجملة حال من فريق وإنما ساغ لتخصصه بالصفة آل عمران : ( 24 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى التولي والإعراض ) بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ( بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم لهذا الإعتقاد الزائغ والطمع الفارغ ) وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( من أن النار لن تمسهم إلا أياما قلائل أو أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم أو أنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم آل عمران : ( 25 ) فكيف إذا جمعناهم . . . . . ) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ( استعظام لما يحيق بهم في الآخرة وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودات روي أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار ) ووفيت كل نفس ما كسبت ( جزاء ما كسبت وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار لأن توفية إيمانه وعمله لا تكون في النار ولا قبل دخولها فإذن هي بعد الخلاص منها ) وهم لا يظلمون ( الضمير لكل نفس على المعنى لأنه في معنى كل إنسان ________________________________________ " صفحة رقم 23 " آل عمران : ( 26 ) قل اللهم مالك . . . . . ) قل اللهم ( الميم عوض عن يا ولذلك لا يجتمعان وهو من خصائص هذا الاسم كدخول يا عليه مع لام التعريف وقطع همزته وتاء القسم وقيل أصله يا الله أمنا بخير فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته ) مالك الملك ( يتصرف فيما يمكن التصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون وهو نداء ثان عند سيبويه فإن الميم عنده تمنع الوصفية ) تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ( تعطي منه ما تشاء من تشاء ________________________________________ " صفحة رقم 24 " وتسترد فالملك الأول عام والآخران بعضان منه وقيل المراد بالملك النبوة ونزعها نقلها من قوم إلى قوم ) وتعز من تشاء وتذل من تشاء ( في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان ) بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ( ذكر الخير وحده لأنه المقضي بالذات والشر مقضي بالعرض إذ لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيرا كليا أو لمراعاة الأدب في الخطاب أو لأن الكلام وقع فيه إذ روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخبره فجاء ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذ المعول منه فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء منه ما بين لابتيها لكأن بها مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر وكبر معه المسلمون وقال أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقال أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم ثم ضرب الثالثة فقال أضاءت لي منها قصور صنعاء وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة على كلها فابشروا فقال المنافقون ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكموأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق فنزلت فنبه على أن الشر أيضا بيده بقول ) إنك على كل شيء قدير ( ________________________________________ " صفحة رقم 25 " آل عمران : ( 27 ) تولج الليل في . . . . . ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ( عقب ذلك ببيان قدرته على معاقبة الليل والنهار والموت والحياة وسعة فضله دلالة على أن من قدر على ذلك قدر على معاقبة الذل والعز وإيتاء الملك ونزعه والولوج الدخول في مضيق وإيلاج الليل والنهار إدخال أحدهما في الآخر بالتعقيب أو الزيادة والنقص وإخراج الحي من الميت وبالعكس إنشاء الحيوانات من موادها وإماتتها أو إنشاء الحيوان من النطفة والنطفة منه وقيل إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر ) الميت ( بالتخفيف آل عمران : ( 28 ) لا يتخذ المؤمنون . . . . . ) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ( نهوا عن موالاتهم لقرابة وصداقة جاهلية ونحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم إلا في الله أو عن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية ) من دون المؤمنين ( إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة ) ومن يفعل ذلك ( أي اتخاذهم أولياء ) فليس من الله في شيء ( أي من ولايته في شيء يصح أن يسمى ولاية فإن موالاة المتعاديين لا يجتمعان قال " تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك ليس النوك عنك بعازب " ________________________________________ " صفحة رقم 26 " ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( إلا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه أو اتقاء والفعل معدى بمن لأنه في معنى تحذروا وتخافوا وقرأ يعقوب / تقية / منع عن موالاتهم ظاهرا وباطنا في الأوقات كلها إلا وقت المخافة فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز كما قال عيسى عليه السلام كن وسطا وامش جانبا ) ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ( فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي النهي في القبح وذكر النفس ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه تعالى فلا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة آل عمران : ( 29 ) قل إن تخفوا . . . . . ) قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ( أي أنه يعلم ضمائركم من ولاية الكفار وغيرها إن تخفوها أو تبدوها ) ويعلم ما في السماوات وما في الأرض ( فيعلم سركم وعلنكم ) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على عقوبتكم إن لم تنتهوا ما نهيتم عنه والآية بيان لقوله تعالى ) ويحذركم الله نفسه ( وكأنه قال ويحذركم نفسه لإنها متصفة بعلم ذاتي محيط بالمعلومات كلها وقدرة ذاتية تعم المقدورات بأسرها فلا تجسروا على عصيانه إذ ما من معصية إلا وهو مطلع عليها قادر على العقاب بها آل عمران : ( 30 ) يوم تجد كل . . . . . ) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ( ) يوم ( منصوب بتود أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو ________________________________________ " صفحة رقم 27 " جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا أو بمضمر نحو اذكر و ) تود ( حال من الضمير في عملت أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصور على ) ما عملت من خير ( ولا تكون ) ما ( شرطية لارتفاع ) تود ( وقرئ ) ودت ( وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية كائن وأوفق للقراءة المشهورة ) ويحذركم الله نفسه ( كرره للتأكيد والتذكير ) والله رؤوف بالعباد ( إشارة إلى أنه تعالى إنما نهاهم وحذرهم رأفة بهم ومراعاة لصلاحهم أو أنه لذو مغفرة وذو عقاب أليم فترجى رحمته ويخشى عذابه آل عمران : ( 31 ) قل إن كنتم . . . . . ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ( المحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفي الله وذلك ________________________________________ " صفحة رقم 28 " يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول في عبادته والحرص على مطاوعته ) يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( جواب للأمر أي يرض عنكم ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جناب عزه ويبوئكم في جوار قدسه عبر عن ذلك بالمحبة على طريق الاستعارة أو المقابلة ) والله غفور رحيم ( لمن تحبب إليه بطاعته واتباع نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) روي أنها نزلت لما قالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل نزلت في وفد نجران لما قالوا إنما نعبد المسيح حبا لله وقيل في أقوام زعموا على عهده ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم يحبون الله فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل آل عمران : ( 32 ) قل أطيعوا الله . . . . . ) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا ( يحتمل المضي والمضارعة بمعنى فإن تتولوا ) فإن الله لا يحب الكافرين ( لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم وإنما لم يقل لا يحبهم لقصد العموم والدلالة على أن التولي كفر وإنه من هذه الحيثية ينفي محبة الله وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين ________________________________________ " صفحة رقم 29 " آل عمران : ( 33 ) إن الله اصطفى . . . . . ) إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ( بالرسالة والخصائص الروحانية والجسمانية ولذلك قووا على ما لم يقو عليه غيرهم لما أوجب طاعة الرسول وبين أنها الجالبة لمحبة الله عقب ذلك ببيان مناقبهم تحريضا عليها وبه استدل على فضلهم على الملائكة ) وآل إبراهيم ( إسماعيل وإسحق وأولادهما وقد دخل فيهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وآل عمران ( موسى وهرون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب أو عيسى وأمه مريم بنت عمران بن ماثان بن العازار بن أبي يوذ بن يوزن بن زربابل بن ساليان بن يوحنا بن أوشيا بن أمون بن منشكن بن حازقا بن أخاز بن يوثام بن عوزيا بن يورام بن ساقط بن ايشا بن راجعيم بن سليمان بن داود بن ايشي بن عوبد بن سلمون بن ياعز بن نحشون بن عمياد بن رام بن حصروم بن فارص بن يهوذا بن يعقوب عليه السلام وكان بين العمرانين ألف وثمانمائة سنة آل عمران : ( 34 ) ذرية بعضها من . . . . . ) ذرية بعضها من بعض ( حال أو بدل من الآلين أو منهما ومن نوح أي إنهم ذرية واحدة متشعبة بعضها من بعض وقيل بعضها من بعض في الدين والذرية الولد يقع على الواحد والجمع فعلية من الذر أو فعولة من الذرء أبدلت همزتها ياء ثم قلبت الواو ياء وأدغمت ) والله سميع عليم ( بأقوال الناس وأعمالهم فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل أو سميع بقول امرأة عمران عليم بنيتها آل عمران : ( 35 ) إذ قالت امرأة . . . . . ) إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني ( فينتصب به إذ على التنازع وقيل نصبه بإضمار اذكر وهذه حنة بنت فاقوذ جدة عيسى وكانت لعمران بن يصهر بنت ________________________________________ " صفحة رقم 30 " اسمها مريم أكبر من موسى وهرون فظن أن المراد زوجته ويرده كفالة زكريا فإنه كان معاصرا لابن ماثان وتزوج بنته ايشاع وكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة من الأب روي أنها كانت عاقرا عجوزا فبينما هي في ظل شجرة إذ رأت طائرا يطعم فرخه فحنت إلى الولد وتمنته فقالت اللهم إن لك علي نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه فحملت بمريم وهلك عمران وكان هذا النذر مشروعا في عهدهم للغلمان فلعلها بنت الأمر على التقدير أو طلبت ذكرا ) محررا ( معتقا لخدمته لا أشغله بشيء أو مخلصا للعبادة ونصبه على الحال ) فتقبل مني ( ما نذرته ) إنك أنت السميع العليم ( لقولي ونيتي آل عمران : ( 36 ) فلما وضعتها قالت . . . . . ) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى ( الضمير لما في بطنها وتأنيثه لأنه كان أنثى وجاز انتصاب أنثى حالا عنه لأن تأنيثها علم منه فإن الحال وصاحبها بالذات واحدا ________________________________________ " صفحة رقم 31 " أو على تأويل مؤنث كالنفس والحبلة وإنما قالته تحسرا وتحزنا إلى ربها لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرا ولذلك نذرت تحريره ) والله أعلم بما وضعت ( أي بالشيء الذي وضعت هو استئناف من الله تعالى تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بشأنها وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب ) وضعت ( على أنه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل الله سبحانه وتعالى فيه سرا أو الأنثى كانت خيرا وقريء ) وضعت ( على أنه خطاب الله تعالى لها ) وليس الذكر كالأنثى ( بيان لقوله ) والله أعلم ( أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت واللام فيهما للعهد ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والأنثى سيان فيما نذرت فتكون اللام للجنس ) وإني سميتها مريم ( عطف على ما قبلها من مقالها وما بينهما اعتراض وإنما ذكرت ذلك لربها تقربا إليه وطلبا لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها فإن مريم في لغتهم بمعنى العابدة وفيه دليل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور متغايرة ) وإني أعيذها بك ( أجيرها بحفظك ) وذريتها من الشيطان الرجيم ( المطرود وأصل الرجم الرمي بالحجارة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل من مسه إلا مريم وابنها ومعناه أن الشيطان ________________________________________ " صفحة رقم 32 " صفحة فارغة ________________________________________ " صفحة رقم 33 " يطمع في إغواء كل مولود يتأثر منه إلا مريم وابنها فإن الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة آل عمران : ( 37 ) فتقبلها ربها بقبول . . . . . ) فتقبلها ربها ( فرضي بها في النذر مكان الذكر ) بقبول حسن ( أي بوجه حسن يقبل به النذائر وهو إقامتها مقام الذكر أو تسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسدانة روي أن حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم فإن بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم فقال زكريا أنا أحق بها عندي خالتها فأبوا إلا القرعة وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها زكريا ويجوز أن يكون مصدرا على تقدير مضاف أي بذي قبول حسن وأن يكون تقبل بمعنى استقبل كتقضي وتعجل أي فأخذها في أول أمرها حين ________________________________________ " صفحة رقم 34 " ولدت بقبول حسن ) وأنبتها نباتا حسنا ( مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها ) وكفلها زكريا ( شدد الفاء حمزة والكسائي وعاصم وقصروا زكريا غير عاصم في رواية ابن عياش على أن الفاعل هو الله تعالى وزكريا مفعول أي جعله كافلا لها وضامنا لمصالحها وخفف الباقون ومدوا زكرياء مرفوعا ) كلما دخل عليها زكريا المحراب ( أي الغرفة التي بنيت لها أو المسجد أو أشرف مواضعه ومقدمها سمي به لأنه محل محاربة الشيطان كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس ) وجد عندها رزقا ( جواب ) كلما ( وناصبه روي أنه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس ) قال يا مريم أنى لك هذا ( من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك وهو دليل جواز الكرامة للأولياء جعل ذلك معجزة زكريا يدفعه اشتباه الأمر عليه ) قالت هو من عند الله ( فلا تستبعده قيل تكلمت صغيرة كعيسى عليه السلام ولم ترضع ثديا قط وكان رزقها ينزل عليها من الجنة ) إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ( بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا به وهو يحتمل أن يكون من كلامهما وأن يكون من كلام الله تعالى روي أن فاطمة رضي الله تعالى عنها أهدت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رغيفين وبضعة لحم فرجع بها إليها ________________________________________ " صفحة رقم 35 " وقال هلمي يا بنية فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما فقال لها أنى لك هذا فقالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فقال الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل ثم جمع عليا والحسن والحسين وجمع أهل بيته عليه حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو فأوسعت على جيرانها آل عمران : ( 38 ) هنالك دعا زكريا . . . . . ) هنالك دعا زكريا ربه ( في ذلك المكان أو الوقت إذ يستعار هنا وثم وحيث للزمان لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله تعالى ) قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ( كما وهبتها لحنة العجوز العاقر وقيل لما رأى الفواكه في غير أوانها انتبه على جواز ولادة العاقر من الشيخ فسأل وقال هب لي من لدنك ذرية لأنه لم يكن على الوجوه المعتادة وبالأسباب المعهودة ) إنك سميع الدعاء ( مجيبه آل عمران : ( 39 ) فنادته الملائكة وهو . . . . . ) فنادته الملائكة ( أي من جنسهم كقولهم زيد يركب الخيل فإن المنادي كان جبريل وحده وقرأ حمزة والكسائي / فناداه / بالإمالة والتذكير ) وهو قائم يصلي في المحراب ( أي قائما في الصلاة و ) يصلي ( صفة قائم أو خبر أو حال آخر أو حال من الضمير في قائم ) أن الله يبشرك بيحيى ( أي بأن الله وقرأ نافع وابن عامر بالكسر على إرادة القول أو لأن النداء نوع منه وقرأ حمزة والكسائي ) يبشرك ( و ) يحيي ( اسم أعجمي وإن جعل عربيا فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل ) مصدقا بكلمة من الله ( أي بعيسى عليه السلام سمي بذلك لأنه وجد بأمره تعالى دون أب فشابه البدعيات التي هي ________________________________________ " صفحة رقم 36 " عالم الأمر أو بكتاب الله سمي كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته ) وسيدا ( يسود قومه ويفوقهم وكان فائقا للناس كلهم في أنه ما هم بمعصية قط ) وحصورا ( مبالغا في حبس النفس عن الشهوات والملاهي روي أنه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت ) ونبيا من الصالحين ( ناشئا منهم أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة آل عمران : ( 40 ) قال رب أنى . . . . . ) قال رب أنى يكون لي غلام ( استبعادا من حيث العادة أو استعظاما أو تعجيبا أو استفهاما عن كيفية حدوثه ) وقد بلغني الكبر ( أدركني كبر السن وأثر في وكان له تسع وتسعون ولامرأته ثمان وتسعون سنة ) وامرأتي عاقر ( لا تلد من العقر وهو القطع لأنها ذات عقر من الأولاد ) قال كذلك الله يفعل ما يشاء ( أي يفعل ما يشاء من العجائب مثل ذلك الفعل وهو إنشاء الولد من شيخ فان وعجوز عاقر أو كما أنت عليه وزوجك من الكبر والعقر يفعل ما يشاء من خلق الولد أو كذلك الله مبتدأ وخبر أي الله على مثل هذه ________________________________________ " صفحة رقم 37 " الصفة ويفعل ما يشاء بيان له أو كذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك والله يفعل ما يشاء بيان له آل عمران : ( 41 ) قال رب اجعل . . . . . ) قال رب اجعل لي آية ( علامة أعرف بها الحبل لاستقبله بالبشاشة والشكر وتزيح مشقة الانتظار ) قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ( أي لا تقدر على تكليم الناس ثلاثا وإنما حبس لسانه عن مكالمتهم خاصة ليخلص المدة لذكر الله تعالى وشكره قضاء لحق النعمة وكأنه قال آيتك أن يحبس لسانك إلا عن الشكر وأحسن الجواب ما اشتق من السؤال ) إلا رمزا ( إشارة بنحو يد أو رأس وأصله التحرك ومنه الراموز للبحر والاستثناء منقطع وقيل متصل والمراد بالكلام ما دل على الضمير وقرئ ) رمزا ( بفتحتين كخدم جمع رامز ورمزا كرسل جمع رموز على أنه حال منه ومن الناس بمعنى مترامزين كقوله " متى ما تلقني فردين ترجف روانف أليتيك وتستطارا " ) واذكر ربك كثيرا ( في أيام الحبسة وهو مؤكد لما قبله مبين للغرض منه وتقييد الأمر بالكثرة يدل على أنه لا يفيد التكرار ) وسبح بالعشي ( من الزوال إلى الغروب وقيل من العصر أو الغروب إلى ذهاب صدر الليل ) والإبكار ( من طلوع الفجر إلى الضحى وقرئ بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار ________________________________________ " صفحة رقم 38 " آل عمران : ( 42 ) وإذ قالت الملائكة . . . . . ) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ( كلموها شفاها كرامة لها ومن أنكر الكرامة زعم أن ذلك كانت معجزة لزكريا أو إرهاصا لنبوة عيسى عليه الصلاة والسلام فإن الإجماع على أنه سبحانه وتعالى لم يستنبئ امرأة لقوله تعالى ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( وقيل ألهموها والاصطفاء الأول تقبلها من أمها ولم يقبل قبلها أنثى وتفريغها للعبادة وإغناؤها برزق الجنة عن الكسب وتطهيرها عما يستقذر من النساء والثاني هدايتها وإرسال الملائكة إليها وتخصيصها بالكرامات السنية كالوالد من غير أب وتبرئتها مما قذفتها به اليهود بإنطاق الطفل وجعلها وابنها آية للعالمين آل عمران : ( 43 ) يا مريم اقنتي . . . . . ) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ( أمرت بالصلاة في الجماعة بذكر أركانها مبالغة في المحافظة عليها وقدم السجود على الركوع إما لكونه كذلك في شريعتهم أو للتنبيه على أن الواو لا توجب الترتيب أو ليقترن اركعي بالراكعين للإيذان بأن من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلين وقيل المراد بالقنوت إدامة الطاعة كقوله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 39 " ) أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ( وبالسجود الصلاة كقوله تعالى ) وأدبار السجود ( وبالركوع الخشوع والإخبات آل عمران : ( 44 ) ذلك من أنباء . . . . . ) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ( أي ما ذكرنا من القصص من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي ) وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ( أقداحهم للاقتراع وقيل اقترعوا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة تبركا والمراد تقرير كونه وحيا على سبيل التهكم بمنكريه فإن طريق معرفة الوقائع المشاهدة والسماع وعدم السماع معلوم لا شبهة فيه عندهم فبقي أن يكون الإتهام باحتمال العيان ولا يظن به عاقل ) أيهم يكفل مريم ( متعلق بمحذوف دل عليه ) يلقون أقلامهم ( أي يلقونها ليعلموا أو يقولوا ) أيهم يكفل مريم ( ) وما كنت لديهم إذ يختصمون ( تنافسا في كفالتها آل عمران : ( 45 ) إذ قالت الملائكة . . . . . ) إذ قالت الملائكة ( بدل من ) إذ قالت ( الأولى وما بينهما اعتراض أو من ) إذ يختصمون ( ________________________________________ " صفحة رقم 40 " على أن وقوع الاختصام والبشارة في زمان متسع كقولك لقيته في سنة كذا ) يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ( المسيح لقبه وهو من الألقاب المشرفة كالصديق وأصله بالعبرية مشيحا معناه المبارك وعيسى معرب ايشوع واشتقاقهما من المسح لأنهما مسح بالبركة أو بما طهره من الذنوب أو مسح الأرض ولم يقم في موضع أو مسحه جبريل ومن العيس وهو بياض يعلوه حمرة تكلف لا طائل تحته وابن مريم لما كان صفة تميز تمييز الأسماء نظمت في سلكها ولا ينافي تعدد الخبر وإفراد المبتدأ فإنه اسم جنس مضاف ويحتمل أن يراد به أن الذي يعرف به ويتميز عن غيره هذه الثلاثة فإن الاسم علامة المسمى والمميز له ممن سواه ويجوز أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف وابن مريم صفته وإنما قيل ابن مريم والخطاب لها تنبيها على أنه يولد من غير أب إذ الأولاد تنسب إلى الآباء ولا تنسب إلى الأم إلا إذا فقد الأب ) وجيها في الدنيا والآخرة ( حال مقدرة من كلمة وهي وإن كانت نكرة لكنها موصوفة وتذكيره للمعنى والوجاهة في الدنيا النبوة وفي الآخرة الشفاعة ) ومن المقربين ( من الله وقيل إشارة إلى علو درجته في الجنة أو رفعه إلى السماء وصحبة الملائكة آل عمران : ( 46 ) ويكلم الناس في . . . . . ) ويكلم الناس في المهد وكهلا ( أي يكلمهم حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء ________________________________________ " صفحة رقم 41 " من غير تفاوت والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي في مضجعه وقيل إنه رفع شابا والمراد وكهلا بعد نزوله وذكر أحواله المختلفة المتنافية إرشادا إلى أنه بمعزل عن الألوهية ) ومن الصالحين ( حال ثالث من كلمة أو ضميرها الذي في يكلم آل عمران : ( 47 ) قالت رب أنى . . . . . ) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ( تعجب أو استبعاد عادي أو استفهام عن أنه يكون بتزوج أو غيره ) قال كذلك الله يخلق ما يشاء ( القائل جبريل أو الله تعالى وجبريل حكى لها قول الله تعالى ) إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( إشارة إلى أنه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرجا بأسباب ومواد يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك آل عمران : ( 48 ) ويعلمه الكتاب والحكمة . . . . . ) ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ( كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها وإزاحة لما همها من خوف اللوم لما علمت أنها تلد من غير زوج أو عطف على يبشرك أو وجيها و ) الكتاب ( الكتبة أو جنس الكتب المنزلة وخص الكتابان لفضلهما وقرأ نافع وعاصم ) ويعلمه ( بالياء ________________________________________ " صفحة رقم 42 " آل عمران : ( 49 ) ورسولا إلى بني . . . . . ) ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ( منصوب بمضمر على إرادة القول تقديره ويقول أرسلت رسولا بأني قد جئتكم أو بالعطف على الأحوال المتقدمة مضمنا معنى النطق فكأنه قال وناطقا بأني قد جئتكم وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم ) أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ( نصب بدل من أني قد جئتكم أو جر بدل من آية أو رفع على هي أني أخلق لكم والمعنى أقدر لكم وأصور شيئا مثل صورة الطير وقرأ نافع ) إني ( بالكسر ) فأنفخ فيه ( الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل ) فيكون طيرا بإذن الله ( فيصير حيا طيارا بأمر الله نبه به على أن إحياءه من الله تعالى لا منه وقرأ نافع هنا وفي المائدة طائرا بالألف والهمزة ) وأبرئ الأكمه والأبرص ( الأكمة الذي ولد أعمى أو الممسوح العين روي أن ربما كان يجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى عليه الصلاة والسلام وما يداوي إلا بالدعاء ) وأحيي الموتى بإذن الله ( كرر بإذن الله دفعا لتوهم الألوهية فإن الإحياء ليس من جنس الأفعال البشرية ) وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ( بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها ) إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ( موفقين للإيمان فإن غيرهم لا ينتفع بالمعجزات أو مصدقين للحق غير معاندين آل عمران : ( 50 ) ومصدقا لما بين . . . . . ) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ( عطف على ) رسولا ( على الوجهين أو ________________________________________ " صفحة رقم 43 " منصوب بإضمار فعل دل عليه ) قد جئتكم ( أي وجئتكم مصدقا ) ولأحل لكم ( مقدر بإضماره أو مردود على قوله ) أني قد جئتكم بآية ( أو معطوف على معنى ) مصدقا ( كقولهم جئتك معتذرا ولأطيب قلبك ) بعض الذي حرم عليكم ( أي في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام كالشحوم والثروب والسمك ولحوم الإبل والعمل في السبت وهو يدل على أن شرعه كان ناسخا لشرع موسى عليه الصلاة والسلام ولا يخل ذلك بكونه مصدقا للتوراة كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض وتكاذب فإن النسخ في الحقيقة بيان وتخصيص في الأزمان ) وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ) آل عمران : ( 51 ) إن الله ربي . . . . . ) إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( أي جئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربكم وهو قوله ) إن الله ربي وربكم ( فإنه دعوة الحق المجمع عليها فيما بين الرسل الفارقة بين النبي والساحر أو جئتكم بآية على أن الله ربي وربكم وقوله ) فاتقوا الله وأطيعون ( اعتراض والظاهر أنه تكرير لقوله ) قد جئتكم بآية من ربكم ( أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم والأول لتمهيد الحجة والثاني لتقريبها إلى الحكم ولذلك رتب عليه بالفاء قوله تعالى ) فاتقوا الله ( أي لما جئتكم بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعون فيما أدعوكم إليه ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال ) إن الله ربي وربكم ( إشارة إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي ________________________________________ " صفحة رقم 44 " غايته التوحيد وقال ) فاعبدوه ( إشارة إلى استكمال القوة العلمية فإنه بملازمة الطاعة التي هي الإتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي ثم قرر ذلك بأن بين أن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة ونظيره قوله ( صلى الله عليه وسلم ) قل آمنت بالله ثم استقم آل عمران : ( 52 ) فلما أحس عيسى . . . . . ) فلما أحس عيسى منهم الكفر ( تحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس ) قال من أنصاري إلى الله ( ملتجئا إلى الله تعالى أو ذاهبا أو ضاما إليه ويجوز أن يتعلق الجار ب ) أنصاري ( مضمنا معنى الإضافة أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله تعالى في نصري وقيل إلى ها هنا بمعنى مع أو في أو اللام ) قال الحواريون ( حواري الرجل خاصته من الحور وهو البياض الخالص ومه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم وقيل كانوا ملوكا يلبسون البيض استنصر بهم عيسى عليه الصلاة والسلام من اليهود وقيل قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ) نحن أنصار الله ( أي أنصار دين الله ) آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ( لتشهد لنا يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم آل عمران : ( 53 ) ربنا آمنا بما . . . . . ) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ( أي مع الشاهدين بوحدانيتك أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأتباعهم أو مع أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإنهم شهداء على الناس آل عمران : ( 54 ) ومكروا ومكر الله . . . . . ) ومكروا ( أي الذين أحس منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة ) ومكر الله ( حين رفع عيسى عليه الصلاة والسلام وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والإزدواج ) والله خير الماكرين ( أقواهم مكرا وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب ________________________________________ " صفحة رقم 45 " آل عمران : ( 55 ) إذ قال الله . . . . . ) إذ قال الله ( ظرف لمكر الله أو خير الماكرين أو المضمر مثل وقع ذلك ) يا عيسى إني متوفيك ( أي مستوفي أجلك ومؤخرك إلى أجلك المسمى عاصما إياك من قتلهم أو قابضك من الأرض من توفيت مالي أو متوفيك نائما إذ روي أنه رفع نائما أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت وقيل أماته الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء وإليه ذهبت النصارى ) ورافعك إلي ( إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي ) ومطهرك من الذين كفروا ( من سوء جوازهم أو قصدهم ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ( يعاونهم بالحجة أو السيف في غالب الأمر ومتبعوه من آمن بنبوته من المسلمين والنصارى وإلى الآن لم تسمع غلبة لليهود عليهم ولم يتفق لهم ملك ودولة ) ثم إلي مرجعكم ( الضمير لعيسى عليه الصلاة والسلام ومن تبعه ومن كفر به وغلب المخاطبين على الغائبين ) فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( من أمر الدين آل عمران : ( 56 - 57 ) فأما الذين كفروا . . . . . ) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ( ) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ( تفسير للحكم وتفصيل له وقرأ حفص ) فيوفيهم ( بالياء ) والله لا يحب الظالمين ( تقرير لذلك آل عمران : ( 58 ) ذلك نتلوه عليك . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره ) نتلوه عليك ( وقوله ومن الآيات حال من الهاء ويجوز أن يكون الخبر ونتلوه حالا على أن العامل ________________________________________ " صفحة رقم 46 " معنى الإشارة وأن يكونا خبرين وأن ينتصب بمضمر يفسره نتلوه ) والذكر الحكيم ( المشتمل على الحكم أو المحكم الممنوع عن تطرق الخلل إليه يريد به القرآن وقيل اللوح آل عمران : ( 59 ) إن مثل عيسى . . . . . ) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ( إن شأنه الغريب كشأن آدم عليه الصلاة والسلام ) خلقه من تراب ( جملة مفسرة للتمثيل مبينة لما به الشبه وهو أنه خلق بلا أب كما خلق آدم من التراب بلا أب وأم شبه حاله بما هو أعرب منه إفحاما للخصم وقطعا لمواد الشبهة والمعنى خلق قالبه من التراب ) ثم قال له كن ( أي أنشأه بشرا كقوله تعالى ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( أو قدر تكوينه من التراب ثم كونه ويجوز أن يكون ثم لتراخي الخبر لا المخبر ) فيكون ( حكاية حال ماضية آل عمران : ( 60 ) الحق من ربك . . . . . ) الحق من ربك ( خبر محذوف أي هو الحق وقيل ) الحق ( مبتدأ و ) من ربك ( خبره أي الحق المذكور من الله تعالى ) فلا تكن من الممترين ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) على طريقة التهييج لزيادة الثبات أو لكل سامع آل عمران : ( 61 ) فمن حاجك فيه . . . . . ) فمن حاجك ( من النصاري ) فيه ( في عيسى ) من بعد ما جاءك من العلم ( أي من البينات الموجبة للعلم ) فقل تعالوا ( هلموا بالرأي والعزم ) ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ( أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحمل عليها وإنما قدمهم على الأنفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ) ثم نبتهل ( أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالضم والفتح ________________________________________ " صفحة رقم 47 " اللعنة وأصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار ) فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( عطف فيه بيان روي أنهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم ما ترى فقال والله لقد عرفتم نبوته ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقفهم يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فأذعنوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبذلوا له الجزية ألفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد فقال ( صلى الله عليه وسلم ) والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر وهو دليل على نبوته وفضل من أتى بهم من أهل بيته آل عمران : ( 62 ) إن هذا لهو . . . . . ) إن هذا ( أي ما قص من نبأ عيسى ومريم ) لهو القصص الحق ( بجملتها خبر إن أو هو فصل يفيد أن ما ذكره في شأن عيسى ومريم حق دون ما ذكروه وما بعده خبر واللام دخلت فيه لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر وأصلها أن تدخل على المبتدأ ) وما من إله إلا الله ( صرح فيه ب ) من ( المزيدة للاستغراق تأكيدا للرد على النصارى في تثليثهم ) وإن الله لهو العزيز الحكيم ( لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية ________________________________________ " صفحة رقم 48 " آل عمران : ( 63 ) فإن تولوا فإن . . . . . ) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ( وعيد لهم ووضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والاعتقاد المؤدي إلى فساد النفس بل وإلى فساد العالم آل عمران : ( 64 ) قل يا أهل . . . . . ) قل يا أهل الكتاب ( يعم أهل الكتابين وقيل يريد به وفد نجران أو يهود المدينة ) تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ( لا يختلف فيها الرسل والكتب ويفسرها ما بعدها ) ألا نعبد إلا الله ( أن نوحده بالعبادة ونخلص فيها ) ولا نشرك به شيئا ( ولا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلا لأن يعبد ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ( ولا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل لأن كلا منهم بعضنا بشر مثلنا روي أنه لما نزلت ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( قال عدي بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك ) فإن تولوا ( عن التوحيد ) فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل ________________________________________ " صفحة رقم 49 " تنبيه أنظر إلى ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الإرشاد وحسن التدرج في الحجاج بين أولا أحوال عيسى عليه الصلاة والسلام وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للألوهية ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الإعجاز ثم لما أعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالإرشاد وسلك طريقا أسهل وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والإنجيل وسائر الأنبياء والكتب ثم لما لم يجد ذلك أيضا عليهم وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم أعرض عن ذلك وقال ) فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) آل عمران : ( 65 ) يا أهل الكتاب . . . . . ) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ( تنازعت اليهود والنصارى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام وزعم كل فريق أنه منهم وترافعوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت والمعنى أن اليهودية والنصرانية حدثنا بنزول التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة وعيسى بألفين فكيف يكون عليهما ) أفلا تعقلون ( فتدعون المحال آل عمران : ( 66 ) ها أنتم هؤلاء . . . . . ) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ( ها حرف تنبيه نبهوا بها على حالهم التي غفلوا عنها وأنتم مبتدأ و ) هؤلاء ( خبره و ) حاججتم ( جملة أخرى مبينة للأولى أي أنتم هؤلاء الحمقى وبيان حماقتكم أنكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والإنجيل عنادا أو تدعون وروده فيه فلم تجادلون فيما لا علم لكم به ولا ذكر له في كتابكم من دين إبراهيم وقيل ) هؤلاء ( بمعنى الذين و ) حاججتم ( صلته وقيل ها أنتم أصله أأنتم على الاستفهام للتعجب من حماقتهم فقلبت الهمزة هاء وقرأ نافع وأبو عمرو ) ها أنتم ( حيث وقع بالمد من غير همز وورش ________________________________________ " صفحة رقم 50 " أقل مدا وقنبل بالهمز من غير ألف بعد الهاء والباقون بالمد والهمز والبزي بقصر المد على أصله ) والله يعلم ( ما حاججتم فيه ) وأنتم لا تعلمون ( وأنتم جاهلون به آل عمران : ( 67 ) ما كان إبراهيم . . . . . ) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ( تصريح بمقتضى ما قرره من البرهان ) ولكن كان حنيفا ( مائلا عن العقائد الزائغة ) مسلما ( منقادا لله وليس المراد أنه كان على ملة الإسلام وإلا لاشترك الإلزام ) وما كان من المشركين ( تعريض بأنهم مشركون لإشراكهم به عزيرا والمسيح ورد لادعاء المشركين أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام آل عمران : ( 68 ) إن أولى الناس . . . . . ) إن أولى الناس بإبراهيم ( إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب ________________________________________ " صفحة رقم 51 " ) للذين اتبعوه ( من أمته ) وهذا النبي والذين آمنوا ( لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة وقرئ والنبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه وبالجر عطفا على إبراهيم ) والله ولي المؤمنين ( ينصرهم ويجازيهم الحسنى لإيمانهم آل عمران : ( 69 ) ودت طائفة من . . . . . ) ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ( نزلت في اليهود لما دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية و ) لو ( بمعنى أن ) وما يضلون إلا أنفسهم ( وما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله إلا عليهم إذ يضاعف به عذابهم أو ما يضلون إلا أمثالهم ) وما يشعرون ( وزره واختصاص ضرره بهم ________________________________________ " صفحة رقم 52 " آل عمران : ( 70 ) يا أهل الكتاب . . . . . ) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ( بما نطقت به التوراة والإنجيل ودلت على نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأنتم تشهدون ( أنها آيات الله أو بالقرآن وأنتم تشهدون نعته في الكتابين أو تعلمون بالمعجزات أنه حق آل عمران : ( 71 ) يا أهل الكتاب . . . . . ) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ( بالتحريف وإبراز الباطل في صورته أو بالتقصير في التمييز بينهما وقرئ تلبسون بالتشديد وتلبسون بفتح الباء أي تلبسون الحق مع الباطل كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) كلابس ثوبي زور ) وتكتمون الحق ( نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونعته ) وأنتم تعلمون ( عالمين بما تكتمونه آل عمران : ( 72 ) وقالت طائفة من . . . . . ) وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ( أي أظهروا الإيمان بالقرآن أول النهار ) واكفروا آخره لعلهم يرجعون ( واكفروا به آخره لعلهم يشكون في دينهم ظنا بأنكم رجعتم لخلل ظهر لكم والمراد بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف قالا لأصحابهما لما حولت القبلة آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم وصلوا إلى الصخرة آخره لعلهم يقولون هم أعلم منا وقد رجعوا فيرجعون وقيل اثنا عشر من أحبار خيبر تقاولوا بأن يدخلوا في الإسلام أول النهار ويقولوا آخره نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بالنعت الذي ورد في التوراة لعل أصحابه يشكون فيه ________________________________________ " صفحة رقم 53 " آل عمران : ( 73 ) ولا تؤمنوا إلا . . . . . ) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ( ولا تقروا عن تصديق قلب إلا لأهل دينكم أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار لمن كان على دينكم فإن رجوعهم أرجى وأهم ) قل إن الهدى هدى الله ( هو يهدي من يشاء إلى الإيمان ويثبته عليه ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( متعلق بمحذوف أي دبرتم ذلك وقلتم لأن يؤتى أحد المعنى أن الحسد حملكم على ذلك أو بلا تؤمنوا أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأشياعكم ولا تفشوه إلى المسلمين لئلا يزيد ثباتهم ولا إلى المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام وقوله ) قل إن الهدى هدى الله ( اعتراض يدل على أن كيدهم لا يجدي بطائل أو خبر إن على أن هدى الله بدل من الهدى وقراءة ابن كثير ) أن يؤتى ( على الاستفهام للتقريع تؤيد الوجه الأول أي إلا أن يؤتى أحد دبرتم وقرئ ) إن ( على أنها نافية فيكون من كلام الطائفة أي ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم وقولوا لهم ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) أو يحاجوكم عند ربكم ( عطف على ) أن يؤتى ( على الوجهين الأولين وعلى الثالث معناه حتى يحاجوكم عند ربكم فيدحضوا حجتكم عند ربكم والواو ضمير أحد لأنه في معنى الجمع إذ المراد به غير أتباعهم ) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ( ________________________________________ " صفحة رقم 54 " آل عمران : ( 74 ) يختص برحمته من . . . . . ) يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( رد وإبطال لما زعموه بالحجة الواضحة آل عمران : ( 75 ) ومن أهل الكتاب . . . . . ) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ( كعبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه ) ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ( كفنحاص بن عازوراء استودعه قرشي آخر دينارا فجحده وقيل المأمونون على الكثير النصارى إذ الغالب فيهم الأمانة والخائنون في القليل اليهود إذ الغالب عليهم الخيانة وقرأ حمزة وأبو بكر وأبو عمرو ) يؤده إليك ( و ) لا يؤده إليك ( بإسكان الهاء وقالون باختلاس كسرة الهاء وكذا روي عن حفص والباقون بإشباع الكسرة ) إلا ما دمت عليه قائما ( إلا مدة دوامك قائما على رأسه مبالغا في مطالبته بالتقاضي والترافع وإقامة البينة ) ذلك ( إشارة إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله ) لا يؤده ( ) بأنهم قالوا ( بسبب قولهم ) ليس علينا في الأميين سبيل ( أي ليس علينا في شأن من ليسوا من أهل الكتاب ولم يكونوا على ديننا عتاب وذم ) ويقولون على الله الكذب ( بادعائهم ذلك ) وهم يعلمون ( أنهم كاذبون وذلك لأنهم استحلوا ظلم من خالفهم وقالوا لم يجعل لهم في التوراة حرمة وقيل عامل اليهود رجالا من قريش فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا سقط حقكم حيث تركتم دينكم وزعموا أنه كذلك في كتابهم وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال عند نزولها كذب أعداء الله ما من ________________________________________ " صفحة رقم 55 " شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر آل عمران : ( 76 ) بلى من أوفى . . . . . ) بلى ( إثبات لما نفوه أي بلى عليهم فيهم سبيل ) من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين ( استئناف مقرر للجملة التي سدت ) بلى ( مسدها والضمير المجرور لمن أو لله وعموم المتقين ناب عن الراجع من الجزاء إلى ) من ( وأشعر بأن التقوى ملاك الأمر وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي آل عمران : ( 77 ) إن الذين يشترون . . . . . ) إن الذين يشترون ( يستبدلون ) بعهد الله ( بما عاهدوا الله عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات ) وأيمانهم ( وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه ) ثمنا قليلا ( متاع الدنيا ) أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ( بما يسرهم أو بشيء أصلا وأن الملائكة يسألونهم يوم القيامة أو لا ينتفعون بكلمات الله وآياته والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم لقوله ) ولا ينظر إليهم يوم القيامة ( فإن من سخط على غيره واستهان به أعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات نحوه كما أن من اعتد بغيره يقاوله ويكثر النظر إليه ) ولا يزكيهم ( ولا يثني عليهم ) ولهم عذاب أليم ( على ما فعلوه قيل إنها نزلت في أحبار حرفوا التوراة وبدلوا نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به وقيل نزلت في ترافع كان بين الأشعث بن قيس ويهودي في بئر أو أرض وتوجهه الحلف على اليهودي ________________________________________ " صفحة رقم 56 " آل عمران : ( 78 ) وإن منهم لفريقا . . . . . ) وإن منهم لفريقا ( يعني المحرفين ككعب ومالك وحيي بن أخطب ) يلوون ألسنتهم بالكتاب ( يفتلونها بقراءته فيميلونها عن المنزل إلى المحرف أو يعطفونها بشبه الكتاب وقرئ / يلون / على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها ) لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ( الضمير للمحرف المدلول عليه بقوله ) يلوون ( وقرئ ليحبسوه بالياء والضمير أيضا للمسلمين ) ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ( تأكيد لقوله ) وما هو من الكتاب ( وتشنيع عليهم وبيان لأنهم يزعمون ذلك تصريحا لا تعريضا أي ليس هو نازلا من عنده وهذا لا يقتضي أن لا يكون فعل العبد فعل الله تعالى ) ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه آل عمران : ( 79 ) ما كان لبشر . . . . . ) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ( تكذيب ورد على عبده عيسى عليه السلام وقيل أن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا فقال معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر بعبادة غير الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت وقيل قال رجل يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله ) ولكن كونوا ربانيين ( ولكن يقول كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون كاللحياني والرقباني وهو الكامل في العلم والعمل ) بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( بسبب ________________________________________ " صفحة رقم 57 " كونكم معلمين الكتاب وبسبب كونكم دارسين له فإن فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب تعلمون بمعنى عالمين وقرئ ) تدرسون ( من التدريس وتدرسون من أدرس بمعنى درس كأكرم وكرم ويجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى على تقدير وبما كنتم تدرسونه على الناس آل عمران : ( 80 ) ولا يأمركم أن . . . . . ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( نصبه ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب عطفا على ثم يقول وتكون لا مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله ) ما كان ( أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا أو غير مزيدة على معنى أنه ليس له أن يأمر بعبادته ولا يأمر باتخاذ أكفائه أربابا بل ينهى عنه وهو أدنى من العبادة ورفعه الباقون على الاستئناف ويحتمل الحال وقرأ أبو عمرو على أصله برواية الدوري باختلاس الضم ) أيأمركم بالكفر ( إنكار والضمير فيه للبشر وقيل ________________________________________ " صفحة رقم 58 " لله ) بعد إذ أنتم مسلمون ( دليل على أن الخطاب للمسلمين وهم المتسأذنون لأن يسجدوا له آل عمران : ( 81 ) وإذ أخذ الله . . . . . ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ( قيل إنه على ظاهره وإذا كان هذا حكم الأنبياء كان الأمم به أولى وقيل معناه أنه تعالى أخذ الميثاق من النبيين وأممهم واستغنى بذكرهم عن ذكر الأمم وقيل إضافة الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الفاعل والمعنى وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم وقيل المراد أولاد النبيين على حذف المضاف وهم بنو إسرائيل أو سماهم نبيين تهكما لأنهم كانوا يقولون نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب والنبيون كانوا منا واللام في ) لما ( موطئه للقسم لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف وما تحتمل الشرطية ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط وتحتمل الخبرية وقرأ حمزة ) لما ( بالكسر على أن ما مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب ثم مجيء رسول مصدق له أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه أو موصولة ________________________________________ " صفحة رقم 59 " والمعنى أخذه للذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له وقرئ ) لما ( بمعنى حين آتيتكم أو لمن أجل ما آتيتكم على أن أصله لمن ما بالإدغام فحذف إحدى الميمات الثلاث استثقالا وقرأ نافع ) آتيناكم ( بالنون والألف جميعا ) قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ( أي عهدي سمي به لأنه يؤصر أي يشد وقرئ بالضم وهو إما لغة فيه كعبر وعبر أو جمع إصار وهو ما يشد به ) قالوا أقررنا قال فاشهدوا ( أي فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار وقيل الخطاب فيه للملائكة ) وأنا معكم من الشاهدين ( وأنا أيضا على إقراركم وتشاهدكم شاهد وهو توكيد وتحذير عظيم آل عمران : ( 82 ) فمن تولى بعد . . . . . ) فمن تولى بعد ذلك ( بعد الميثاق والتوكيد بالإقرار والشهادة ) فأولئك هم الفاسقون ( المتمردون من الكفرة آل عمران : ( 83 ) أفغير دين الله . . . . . ) أفغير دين الله يبغون ( عطف على الجملة المتقدمة والهمزة متوسطة بينهما للإنكار أو محذوف تقديره أتتولون فغير دين الله تبغون وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار والفعل بلفظ الغيبة عند أبي عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب وبالتاء عند الباقين على تقدير وقل له ) وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( أي طائعين ________________________________________ " صفحة رقم 60 " بالنظر واتباع الحجة وكارهين بالسيف ومعاينة ما يلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت أو مختارين كالملائكة والمؤمنين ومسخرين كالكفرة فإنهم لا يقدرون أن يمتنعوا عما قضى عليهم ) وإليه يرجعون ( وقرئ بالياء على أن الضمير لمن آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . . ) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ( أمر للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالإيمان والقرآن كما هو منزل عليه بتوسط تبليغه إليهم وأيضا المنسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم أو بأن يتكلم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له والنزول كما يعدى بإلى لأنه ينتهي إلى الرسل يعدى بعلى لأنه من فوق وإنما قدم المنزل ( صلى الله عليه وسلم ) على المنزل على سائر الرسل لأنه المعرف له والعيار عليه ) لا نفرق بين أحد منهم ( بالتصديق والتكذيب ) ونحن له مسلمون ( منقادون أو مخلصون في عبادته ________________________________________ " صفحة رقم 61 " آل عمران : ( 85 ) ومن يبتغ غير . . . . . ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا ( أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله ) فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ( الواقعين في الخسران والمعنى أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع واقع في الخسران بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها واستدل به على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان غيره لم يقبل والجواب إنه ينفي قبول كل دين يغايره لا قبول كل ما يغايره ولعل الدين أيضا للأعمال آل عمران : ( 86 ) كيف يهدي الله . . . . . ) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ( استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتد ) وشهدوا ( عطف على ما في ) إيمانهم ( من معنى الفعل ونظيره فأصدق وأكن أو حال بإضمار قد من كفروا وهو على الوجهين دليل على أن الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ووضع الكفر موضع الإيمان فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه ________________________________________ " صفحة رقم 62 " آل عمران : ( 87 ) أولئك جزاؤهم أن . . . . . ) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( يدل بمنطوقه على جواز لعنهم وبمفهومه على نفي جواز لعن غيرهم ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون عن الهدى مؤيسون عن الرحمة رأسا بخلاف غيرهم والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضا يلعن منكر الحق والمرتد عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه آل عمران : ( 88 ) خالدين فيها لا . . . . . ) خالدين فيها ( في اللعنة أو العقوبة أو النار وإن لم يجز ذكرهما لدلالة الكلام عليهما ) لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) آل عمران : ( 89 ) إلا الذين تابوا . . . . . ) إلا الذين تابوا من بعد ذلك ( أي من بعد الارتداد ) وأصلحوا ( ما أفسدوا ويجوز أن لا يقدر له مفعول بمعنى ودخلوا في الصلاح ) فإن الله غفور ( يقبل توبته ) رحيم ( يتفضل عليه قيل إنها نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه أن سلوا هل لي من توبة فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية فرجع إلى المدينة فتاب ________________________________________ " صفحة رقم 63 " آل عمران : ( 90 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا ( كاليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن أو كفروا بمحمد بعد ما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق أو كقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره ) لن تقبل توبتهم ( لأنهم لا يتوبون أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكني عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظا في شأنهم وإبرازا لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة أو لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقا لارتدادهم وزيادة كفرهم ولذلك لم تدخل الفاء فيه ) وأولئك هم الضالون ( الثابتون على الضلال آل عمران : ( 91 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ( لما كان الموت على الكفر سببا لامتناع قبول الفدية أدخل الفاء ها هنا للإشعار به وملء الشيء ما يملؤه و ) ذهبا ( نصب على التمييز وقرئ بالرفع على البدل من ) ملء ( أو الخبر لمحذوف ) ولو افتدى به ( محمول على المعنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء ________________________________________ " صفحة رقم 64 " الأرض ذهبا أو معطوف على مضمر تقديره فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تقرب به في الدنيا ولو افتدى به من العذاب في الآخرة أو المراد ولو افتدى بمثله كقوله تعالى ) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله ( والمثل يحذف ويراد كثيرا لأن المثلين في حكم شيء واحد ) أولئك لهم عذاب أليم ( مبالغة في التحذير وإقناط لأن من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرما ) وما لهم من ناصرين ( في دفع العذاب ومن مزيدة للاستغراق آل عمران : ( 92 ) لن تنالوا البر . . . . . ) لن تنالوا البر ( أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضى والجنة ) حتى تنفقوا مما تحبون ( أي من المال أو ما يعمه ________________________________________ " صفحة رقم 65 " وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيله روي أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحاء فضعها حيث أراك الله فقال بخ بخ ذاك مال رابح أو رائح وإني أرى أن تجعلها في الأقربين وجاء زيد بن حارثة بفرس كان يحبها فقال هذه في سبيل الله فحمل عليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أسامة بن زيد فقال زيد إنما أردت أن أتصدق بها فقال ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد قبلها منك وذلك يدل على أن إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل وأن الآية تعم الإنفاق الواجب والمستحب وقرئ بعض ما تحبون وهو يدل على أن من للتبعيض ويحتمل التبيين ) وما تنفقوا من شيء ( أي من أي شيء محبوب أو غيره ومن لبيان ما ) فإن الله به عليم ( فيجازيكم بحسبه آل عمران : ( 93 ) كل الطعام كان . . . . . ) كل الطعام ( أي المطعومات والمراد أكلها ) كان حلا لبني إسرائيل ( حلالا لهم ________________________________________ " صفحة رقم 66 " وهو مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى ) لا هن حل لهم ( ) إلا ما حرم إسرائيل ( يعقوب ) على نفسه ( كلحوم الإبل وألبانها وقيل كان به عرق النسا فنذر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه وقيل فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء واحتج به من جوز للنبي أن يجتهد وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فيه فهو كتحريمه ابتداء ) من قبل أن تنزل التوراة ( أي من قبل إنزالها مشتملة على تحريم ما حرم عليهم لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديدا وذلك رد على اليهود في دعوى البراءة مما نعى عليهم في قوله تعالى ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات ( وقوله ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( الآيتين بأن قالوا لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده حتى انتهى الأمر إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا وفي منع النسخ والطعن في دعوى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) موافقة إبراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإبل وألبانها ) قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرما روي أنه عليه السلام لما قاله لهم بهتوا ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة وفيه دليل على نبوته آل عمران : ( 94 ) فمن افترى على . . . . . ) فمن افترى على الله الكذب ( ابتدعه على الله بزعمه أنه حرم ذلك قبل نزول التوراة على بني إسرائيل ومن قبلهم ) من بعد ذلك ( من بعد ما لزمتهم الحجة ) فأولئك هم الظالمون ( الذين لا ينصفون من أنفسهم ويكابرون الحق بعدما وضح لهم ________________________________________ " صفحة رقم 67 " آل عمران : ( 95 ) قل صدق الله . . . . . ) قل صدق الله ( تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون ) فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا ( أي ملة الإسلام التي هي في الأصل ملة إبراهيم أو مثل ملته حتى تتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة لتسوية الأغراض الدنيوية وألزمتكم تحريم طيبات أحلها الله لإبراهيم ومن تبعه ) وما كان من المشركين ( فيه إشارة إلى أن اتباعه واجب في التوحيد الصرف والاستقامة في الدين والتجنب عن الإفراط والتفريط وتعريض بشرك اليهود آل عمران : ( 96 ) إن أول بيت . . . . . ) إن أول بيت وضع للناس ( أي وضع للعبادة وجعل متعبدا لهم والواضع هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرئ على البناء للفاعل ) للذي ببكة ( للبيت الذي ) ببكة ( وهي لغة في مكة كالنبيط والنميط وأمر راتب وراتم ولازب ولازم وقيل هي موضع المسجد ومكة البلد من بكة إذا زحمه أو من بكة إذا دقه فإنها تبك أعناق الجبابرة روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن أول بيت وضع للناس فقال المسجد الحرام ثم بيت المقدس وسئل كم بينهما فقال أربعون سنة وقيل أول من بناه إبراهيم ثم هدم فبناه قوم من جرهم ثم العمالقة ثم قريش وقيل هو أول بيت بناه آدم فانطمس في الطوفان ثم بناه إبراهيم وقيل كان في موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح يطوف به الملائكة فلما أهبط آدم أمر بأن يحجه ويطوف حوله ورفع في الطوفان إلى السماء الرابعة تطوف به ملائكة السموات وهو لا يلائم ظاهر الآية وقيل المراد إنه أول بيت بالشرف لا بالزمان ) مباركا ( كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله حال من المستكن في الظرف ________________________________________ " صفحة رقم 68 " ) وهدى للعالمين ( لأنه قبلتهم ومتعبدهم ولأن فيه آيات عجيبة كما قال آل عمران : ( 97 ) فيه آيات بينات . . . . . ) فيه آيات بينات ( كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار وأن ضواري السباع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها وإن كل جبار قصده بسوء قهره الله كأصحاب الفيل و الجملة مفسرة للهدى أو حال أخرى ) مقام إبراهيم ( مبتدأ محذوف خبره أي منها مقام إبراهيم أو بدل من آيات بدل البعض من الكل وقيل عطف بيان على أن المراد بالآيات أثر القدم في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصخار وإبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة ويؤيده أنه قرئ ) آية ( بينة على التوحيد وسبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه ) ومن دخله كان آمنا ( جملة ابتدائية أو شرطية معطوفة من حيث المعنى على مقام لأنه في معنى أمن من دخله أي ومنها أمن من دخله أو فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله اقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة وطوى ذكر غيرهما كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) حبب إلي من دنياكم ________________________________________ " صفحة رقم 69 " ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة لأن فيها غنية عن غيرها في الدارين بقاء الأثر مدى الدهر والأمن من العذاب يوم القيامة قال ( صلى الله عليه وسلم ) من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا وعند أبي حنيفة من لزمه القتل بردة أو قصاص أو غيرهما والتجأ إلى الحرم لم يتعرض له ولكن ألجئ إلى الخروج ) ولله على الناس حج البيت ( قصده للزيارة على الوجه المخصوص وقرئ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص ) حج ( بالكسر وهي لغة نجد ) من استطاع إليه سبيلا ( بدل من الناس بدل البعض من الكل مخصص له وقد فسر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الاستطاعة بالزاد والراحلة وهو يؤيد قول الشافعي رضي الله عنه إنها بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه وقال مالك رحمه الله تعالى إنها بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إنها بمجموع الأمرين والضمير في إليه للبيت أو الحج وكل ما أتى إلى الشيء فهو سبيله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه ولذلك قال ________________________________________ " صفحة رقم 70 " ( صلى الله عليه وسلم ) من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوه بصيغة الخبر وإبرازه في الصورة الإسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس وتعميم الحكم أولا ثم تخصيصه ثانيا فإنه كإيضاح بعد إيهام وتثنية وتكرير للمراد وتسمية ترك الحج كفرا من حيث إنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان وقوله ) عن العالمين ( يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله روي أنه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرباب الملل فخطبهم وقال إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وكفرت به خمس ملل فنزل ومن كفر ________________________________________ " صفحة رقم 71 " آل عمران : ( 98 ) قل يا أهل . . . . . ) قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ( أي بآياته السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب دليل على أن كفرهم أقبح لأن معرفتهم بالآيات أقوى وأنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والإنجيل فهم كافرون بهما ) والله شهيد على ما تعملون ( والحال أنه شهيد مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها لا ينفعكم التحريف والاستسرار آل عمران : ( 99 ) قل يا أهل . . . . . ) قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن ( كرر الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم وإشعارا بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العذاب وسبيل الله في دينه الحق المأمور بسلوكه وهو الإسلام قيل كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم حتى أتوا الأوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب ليعودوا لمثله ويحتالون لصدهم عنه ) تبغونها عوجا ( حال من الواو أي باغين طالبين لها اعوجاجا بأن تلبسوا على الناس وتوهموا أن فيه عوجا عن الحق بمنع النسخ وتغيير صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحوهما أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم ) وأنتم شهداء ( إنها سبيل الله والصد عنها ضلال وإضلال أو أنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا ) وما الله بغافل عما تعملون ( وعيد لهم ولما كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به ختمها بقوله ) والله شهيد على ما تعملون ( ولما كان في هذه الآية صدهم للمؤمنين عن الإسلام وكانوا يخفونه ويحتالون فيه قال وما الله بغافل عما تعملون ________________________________________ " صفحة رقم 72 " آل عمران : ( 100 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ( نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح واجتمع مع القبيلتين خلق عظيم فتوجه إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وقال أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بين قلوبكم فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا وانصرفوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما خاطبهم الله بنفسه بعدما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب إظهارا لجلالة قدرهم وإشعارا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم آل عمران : ( 101 ) وكيف تكفرون وأنتم . . . . . ) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ( إنكار وتعجيب لكفرهم في حال اجتمع لهم الأسباب الداعية إلى الإيمان الصارفة عن الكفر ) ومن يعتصم بالله ( ومن يتمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره ) فقد هدي إلى صراط مستقيم ( فقد اهتدى لا محالة آل عمران : ( 102 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ( حق تقواه وما يجب منها وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم كقوله ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه هو أن يطيع فلا يعصي ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى وقيل هو أن تنزه الطاعة عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها وفي هذا ________________________________________ " صفحة رقم 73 " الأمر تأكيد للنهي عن طاعة أهل الكتاب وأصل تقاة وقية فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤده وتخمه والياء ألفا ) ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( أي ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد أخرى وقد يتوجه نحو المجموع دونهما وكذلك النفي آل عمران : ( 103 ) واعتصموا بحبل الله . . . . . ) واعتصموا بحبل الله جميعا ( بدين الإسلام أو بكتابه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) القرآن حبل الله المتين استعار له الحبل من حيث أن التمسك به سبب للنجاة من الردي كما أن التمسك بالحبل سبب للسلامة من التردي والوثوق به والاعتماد عليه الاعتصام ترشيحا للمجاز ) جميعا ( مجتمعين عليه ) ولا تفرقوا ( أي ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع ________________________________________ " صفحة رقم 74 " الاختلاف بينكم كأهل الكتاب أو لا تتفرقوا تفرقكم في الجاهلية يحارب بعضكم بعضا أو لا تذكروا ما يوجب التفرق ويزيل الألفة ) واذكروا نعمة الله عليكم ( التي من جملتها الهداية والتوفيق للإسلام المؤدي إلى التآلف وزوال الغل ) إذ كنتم أعداء ( في الجاهلية متقاتلين ) فألف بين قلوبكم ( بالإسلام ) فأصبحتم بنعمته إخوانا ( متحابين مجتمعين على الأخوة في الله وقيل كان الأوس والخزرج أخوين فوقع بين أولادهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتى أطفأها الله بالإسلام وألف بينهم برسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكنتم على شفا حفرة من النار ( مشفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتم في النار ) فأنقذكم منها ( بالإسلام والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا وتأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه أو لأنه بمعنى الشفة فإن شفا البئر وشفتها طرفها كالجانب والجانبة وأصله شفو فقلبت الواو ألفا في المذكر وحذفت في المؤنث ) كذلك ( مثل ذلك التبيين ) يبين الله لكم آياته ( دلائله ) لعلكم تهتدون ( إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه آل عمران : ( 104 ) ولتكن منكم أمة . . . . . ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( من ________________________________________ " صفحة رقم 75 " للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ولأنه لا يصلح له كل أحد إذ للمتصدي له شروط لا يشترك فيها جميع الأمة كالعلم بالأحكام ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها والتمكن من القيام بها خاطب الجميع وطلب فعل بعضهم ليدل على أنه واجب على الكل حتى لو تركوه رأسا أثموا جميعا ولكن يسقط بفعل بعضهم وهكذا كل ما هو فرض كفاية أو للتبيين بمعنى وكونوا أمة يدعون كقوله تعالى ) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف ( والدعاء إلى الخير يعم الدعاء إلى ما فيه صلاح ديني أو دنيوي وعطف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه عطف الخاص على العام للإيذان بفضله ) وأولئك هم المفلحون ( المخصوصون بكمال الفلاح وروي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل من خير الناس فقال آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم والأمر بالمعروف يكون واجبا ومندوبا على حسب ما يؤمر به والنهي عن المنكر واجب كله لأن جميع ما أنكره الشرع حرام والأظهر أن العاصي يجب ________________________________________ " صفحة رقم 76 " عليه أن ينهى عما يرتكبه لأنه يجب عليه تركه وإنكاره فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر آل عمران : ( 105 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . ) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ( كاليهود والنصارى اختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال الآخرة على ما عرفت ) من بعد ما جاءهم البينات ( الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه والأظهر أن النهي فيه مخصوص بالتفرق في الأصول دون الفروع لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) اختلاف أمتي رحمة ولقوله ( صلى الله عليه وسلم ) من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد ) وأولئك لهم عذاب عظيم ( وعيد للذين تفرقوا وتهديد على التشبه بهم ________________________________________ " صفحة رقم 77 " آل عمران : ( 106 ) يوم تبيض وجوه . . . . . ) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ( نصب بما في لهم من معنى الفعل أو بإضمار اذكر وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك ) فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ( على إرادة القول أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم وهم المرتدون أو أهل الكتاب كفروا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد إيمانهم به قبل مبعثه أو جميع الكفار كفروا بعدما أقروا به حين أشهدهم على أنفسهم أو تمكنوا من الإيمان بالنظر في الدلائل والآيات ) فذوقوا العذاب ( أمر إهانة ) بما كنتم تكفرون ( بسبب كفركم أو جزاء لكفركم آل عمران : ( 107 ) وأما الذين ابيضت . . . . . ) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله ( يعني الجنة والثواب المخلد عبر عن ذلك بالرحمة تنبيها على أن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى لا يدخل الجنة إلا برحمته وفضله وكان حق الترتيب أن يقدم ذكرهم لكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم ) هم فيها خالدون ( أخرجه مخرج الاستئناف للتأكيد كأنه قيل كيف يكونون فيها فقال هم فيها خالدون آل عمران : ( 108 ) تلك آيات الله . . . . . ) تلك آيات الله ( الواردة في وعده ووعيده ) نتلوها عليك بالحق ( ملتبسة بالحق لا شبهة فيها ) وما الله يريد ظلما للعالمين ( إذ يستحيل الظلم منه لأنه لا يحق عليه شيء فيظلم بنقصه ولا يمنع عن شيء فيظلم بفعله لأنه المالك على الإطلاق كما قال ________________________________________ " صفحة رقم 78 " آل عمران : ( 109 ) ولله ما في . . . . . ) ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ( فيجازي كلا بما وعد له وأوعد آل عمران : ( 110 ) كنتم خير أمة . . . . . ) كنتم خير أمة ( دل على خيريتهم فيما مضى ولم يدل على انقطاع طرأ كقوله تعالى ) إن الله كان غفورا رحيما ( وقيل كنتم في علم الله أو في اللوح المحفوظ أو فيما بين الأمم المتقدمين ) أخرجت للناس ( أي أظهرت لهم ) تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ( استئناف بين به كونهم ) خير أمة ( أو خبر ثان لكنتم ) وتؤمنون بالله ( يتضمن الإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به لأن الإيمان به إنما يحق ويعتد به إذا حصل الإيمان بكل ما أمر أن يؤمن به وإنما أخره وحقه أن يقدم لأنه قصد بذكره الدلالة على أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر إيمانا بالله وتصديقا به وإظهارا لدينه واستدل بهذه الآية على إن الإجماع حجة لأنها تقتضي كونهم آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر إذ اللام ________________________________________ " صفحة رقم 79 " فيهما للاستغراق فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك ) ولو آمن أهل الكتاب ( إيمانا كما ينبغي ) لكان خيرا لهم ( لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه ) منهم المؤمنون ( كعبد الله بن سلام وأصحابه ) وأكثرهم الفاسقون ( المتمردون في الكفر وهذه الجملة والتي بعدها واردتان على سبيل الاستطراد آل عمران : ( 111 ) لن يضروكم إلا . . . . . ) لن يضروكم إلا أذى ( ضررا يسيرا كطعن وتهديد ) وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ( ينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر ) ثم لا ينصرون ( ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم نفي إضرارهم سوى ما يكون بقول وقرر ذلك بأنهم لو قاموا إلى القتال كانت الدبرة عليهم ثم أخبر بأنه تكون عاقبتهم العجز والخذلان وقرئ / لا ينصروا / عطفا على يولوا على أن ثم للتراخي في الرتبة فيكون عدم النصر مقيدا بقتالهم وهذه الآية من المغيبات التي وافقها الواقع إذ كان ذلك حال قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر آل عمران : ( 112 ) ضربت عليهم الذلة . . . . . ) ضربت عليهم الذلة ( هدر النفس والمال والأهل أو ذل التمسك بالباطل والجزية ) أينما ثقفوا ( وجدوا ) إلا بحبل من الله وحبل من الناس ( استثناء من أعم عام الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين أو ملتبسين بذمة الله أو كتابة الذي آتاهم وذمة المسلمين أو بدين الإسلام واتباع سبيل المؤمنين ) وباؤوا بغضب من الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 80 " رجعوا به مستوجبين له ) وضربت عليهم المسكنة ( فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله واليهود في غالب الأمر فقراء ومساكين ) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب ) بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ( بسبب كفرهم بالآيات وقتلهم الأنبياء والتقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقا بحسب اعتقادهم أيضا ) ذلك ( أي الكفر والقتل ) بما عصوا وكانوا يعتدون ( بسبب عصيانهم واعتدائهم على حدود الله فإن الإصرار على الصغائر يفضي إلى الكبائر والاستمرار عليها يؤدي إلى الكفر وقيل معناه أن ضرب الذلة في الدنيا واستيجاب الغضب في الآخرة كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو مسبب عن عصيانهم واعتدائهم من حيث إنهم مخاطبون بالفروع أيضا آل عمران : ( 113 ) ليسوا سواء من . . . . . ) ليسوا سواء ( في المساوي والضمير لأهل الكتاب ) من أهل الكتاب أمة قائمة ( ________________________________________ " صفحة رقم 81 " استئناف لبيان نفي الاستواء والقائمة المستقيمة العادلة من أقمت العود فقام وهم الذين أسلموا منهم ) يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ( يتلون القرآن في تهجدهم عبر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح وقيل المراد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أخرها ثم خرج فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال أما أنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم آل عمران : ( 114 ) يؤمنون بالله واليوم . . . . . ) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات ( صفات أخر لأمة وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود فإنهم منحرفون عن الحق غير متعبدين في الليل مشركون بالله ملحدون في صفاته واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات ) وأولئك من الصالحين ( أي الموصوفون بتلك الصفات ممن صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه آل عمران : ( 115 ) وما يفعلوا من . . . . . ) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ( فلن يضيع ولا ينقص ثوابه البتة سمي ذلك كفرانا كما سمي توفية الثواب شكرا وتعديته إلى مفعولين لتضمنه معنى الحرمان وقرأ حفص وحمزة والكسائي ) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ( بالياء والباقون بالتاء ) والله عليم بالمتقين ( بشارة لهم وإشعار بأن التقوى مبدأ الخير وحسن العمل وأن الفائز عند الله هو أهل التقوى ________________________________________ " صفحة رقم 82 " آل عمران : ( 116 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ( من العذاب أو من الغناء فيكون مصدرا ) وأولئك أصحاب النار ( ملازموها ) هم فيها خالدون ) آل عمران : ( 117 ) مثل ما ينفقون . . . . . ) مثل ما ينفقون ( ما ينفق الكفرة قربة أو مفاخرة وسمعة أو المنافقون رياء أو خوفا ) في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ( برد شديد والشائع إطلاقه للريح الباردة كالصرر فهو في الأصل مصدر نعت به أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك برد بارد ) أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم ( بالكفر والمعاصي ) فأهلكته ( عقوبة لهم لأن الإهلاك عن سخط أشد والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته صر فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما في الدنيا والآخرة وهو من التشبيه المركب ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه للريح دون الحرث ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث ) وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ( أي ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم ولكنهم ظلموا أنفسهم لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم ________________________________________ " صفحة رقم 83 " بارتكاب ما استحقوا به العقوبة وقرئ ) ولكن ( أي ولكن أنفسهم يظلمونها ولا يجوز أن يقدر ضمير الشأن لأنه لا يحذف إلا في ضرورة الشعر كقوله " وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق " آل عمران : ( 118 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ( وليجة وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب كما شبه بالشعار قال ( صلى الله عليه وسلم ) الأنصار شعار والناس دثار ) من دونكم ( من دون المسلمين وهو متعلق بلا تتخذوا أو بمحذوف هو صفة بطانة أي بطانة كائنة من دونكم ) لا يألونكم خبالا ( أي لا يقصرون لكم في الفساد والألو التقصير وأصله أن يعدى بالحرف وعدي إلى مفعولين كقولهم لا آلوك نصحا على تضمين معنى المنع أو النقص ) ودوا ما عنتم ( تمنوا عنتكم وهو شدة الضرر والمشقة ________________________________________ " صفحة رقم 84 " وما مصدرية ) قد بدت البغضاء من أفواههم ( أي في كلامهم لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم ) وما تخفي صدورهم أكبر ( مما بدا لأن بدوه ليس عن روية واختيار ) قد بينا لكم الآيات ( الدالة على وجوب الإخلاص وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين ) إن كنتم تعقلون ( ما بين لكم والجمل الأربع جاءت مستأنفات على التعليل ويجوز أن تكون الثلاث الأول صفات لبطانة ________________________________________ " صفحة رقم 85 " آل عمران : ( 119 ) ها أنتم أولاء . . . . . ) ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ( أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاة الكفار وتحبونهم ولا يحبونكم بيان لخطئهم في موالاتهم وهو خبر ثان أو خبر لأولاء والجملة خبر لأنتم كقولك أنت زيد تحبه أو صلته أو حال والعامل فيها معنى الإشارة ويجوز أن ينصب أولاء بفعل مضمر يفسره ما بعده وتكون الجملة خبرا ) وتؤمنون بالكتاب كله ( بجنس الكتاب كله وهو حال من لا يحبونكم والمعنى إنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم ) وإذا لقوكم قالوا آمنا ( نفاقا وتغريرا ) وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( من أجله تأسفا وتحسرا حيث لم يجدوا إلى التشفي سبيلا ) قل موتوا بغيظكم ( دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وأهله حتى يهلكوا به ) إن الله عليم بذات الصدور ( فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق وهو يحتمل أن يكون من المقول أي وقل لهم إن الله عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض ________________________________________ " صفحة رقم 86 " الأنامل غيظا وأن يكون خارجا عنه بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب من اطلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم آل عمران : ( 120 ) إن تمسسكم حسنة . . . . . ) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ( بيان لتناهي عداوتهم إلى حد حسدوا ما نالهم من خير ومنفعة وشمتوا بما أصابهم من ضر وشدة والمس مستعار للإصابة ) وإن تصبروا ( على عداوتهم أو على مشاق التكاليف ) وتتقوا ( موالاتهم أو ما حرم الله جل جلاله عليكم ) لا يضركم كيدهم شيئا ( بفضل الله عز وجل وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولأن المجد في الأمر المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال جريا على الخصم وضمه الراء للاتباع كضمه مد وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب ) لا يضركم ( من ضاره يضيره ) إن الله بما يعملون ( من الصبر والتقوى وغيرهما ) محيط ( أي محيط علمه فيجازيكم مما أنتم أهله وقرئ بالياء أي ) بما يعملون ( في عداوتكم عليم فيعاقبهم عليه آل عمران : ( 121 ) وإذ غدوت من . . . . . ) وإذ غدوت ( أي واذكر إذ غدوت ) من أهلك ( أي من حجرة عائشة رضي الله عنها ) تبوئ المؤمنين ( تنزلهم أو تسوي وتهيئ لهم ويؤيده القراءة باللام ) مقاعد للقتال ( مواقف وأماكن له وقد يستعمل المقعد والمقام بمعنى المكان على الاتساع كقوله تعالى ) في مقعد صدق ( وقوله تعالى ) قبل أن تقوم من مقامك ( ) والله سميع ( لأقوالكم ) عليم ( بنياتكم روي أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء ثاني عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة فاستشار الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وقد دعا ________________________________________ " صفحة رقم 87 " عبد الله بن أبي بن سلول ولم يدعه قبل فقال هو وأكثر الأنصار أقم يا رسول الله بالمدينة ولا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال ورماهم النساء والصبيان بالحجارة وإن رجعوا رجعوا خائبين وأشار بعضهم إلى الخروج فقال ( صلى الله عليه وسلم ) رأيت في منامي بقرة مذبوحة حولي فأولتها خيرا ورأيت في ذباب سيفي ثلما فأولته هزيمة ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم فقال رجال فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد اخرج بنا إلى أعدائنا وبالغوا حتى دخل ولبس لامته فلما رأوا ذلك ندموا على مبالغتهم وقالوا اصنع يا رسول الله ما رأيت فقال لا ينبغي لنبي أن يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل فخرج بعد صلاة الجمعة وأصبح بشعب أحد يوم السبت ونزل في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفهم وأمر عبد الله بن جبير على الرماة وقال انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا آل عمران : ( 122 ) إذ همت طائفتان . . . . . ) إذ همت ( متعلق بقوله ) سميع عليم ( أو بدل من إذ غدوت ) طائفتان منكم ( بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر ) أن تفشلا ( أن تجبنا وتضعفا روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) خرج في زهاء ألف رجل ووعد لهم النصر إن صبروا فلما بلغوا الشوط انخذل ابن أبي في ثلاثمائة رجل وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري وقال أنشدكم الله والإسلام في نبيكم وأنفسكم فقال ابن أبي لو نعلم قتالا لاتبعناكم فهم الحيان باتباعه فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والظاهر أنها ما كانت عزيمة لقوله تعالى ) والله وليهما ( أي ________________________________________ " صفحة رقم 88 " عاصمهما من اتباع تلك الخطرة ويجوز أن يراد الله ناصرهما فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( أي فليتوكلوا عليه ولا يتوكلوا على غيره لينصرهم كما نصرهم ببدر آل عمران : ( 123 ) ولقد نصركم الله . . . . . ) ولقد نصركم الله ببدر ( تذكير ببعض ما أفادهم التوكل وبدر ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به ) وأنتم أذلة ( حال من الضمير وإنما قال أذلة ولم يقل ذلائل تنبيها على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح ) فاتقوا الله ( في الثبات ) لعلكم تشكرون ( بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصره أو لعلكم بنعم الله عليكم فتشكرون فوضع الشكر موضع الأنعام لأنه سببه آل عمران : ( 124 ) إذ تقول للمؤمنين . . . . . ) إذ تقول للمؤمنين ( ظرف لنصركم وقيل بدل ثان من إذ غدوت على أن قوله لهم يوم أحد وكان مع اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة فلما لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لم تنزل الملائكة ) ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( إنكار أن لا يكفيهم ذلك وإنما جيء بلن إشعارا بأنهم كانوا كالآيسين من النصر لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم قيل أمدهم الله يوم بدر أولا بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف وقرأ ابن عامر ) منزلين ( بالتشديد للتكثير أو للتدريج ________________________________________ " صفحة رقم 89 " آل عمران : ( 125 ) بلى إن تصبروا . . . . . ) بلى ( إيجاب لما بعد لن أي بلى يكفيكم ثم وعد لهم الزيادة على الصبر والتقوى حثا عليهما وتقوية لقلوبهم فقال ) إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم ( أي المشركون ) من فورهم هذا ( من ساعتهم هذه وهو في الأصل مصدر من فارت القدر إذ غلت فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي والمعنى إن يأتوكم في الحال ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ( في حال إتيانهم بلا تراخ ولا تأخير ) مسومين ( معلمين من التسويم الذي هو إظهار سيما الشيء لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه تسوموا فإن الملائكة قد تسومت أو مرسلين من التسويم بمعنى الأسامة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو آل عمران : ( 126 ) وما جعله الله . . . . . ) وما جعله الله ( وما جعل إمدادكم بالملائكة ) إلا بشرى لكم ( إلا بشارة لكم بالنصر ) ولتطمئن قلوبكم به ( ولتسكن إليه من الخوف ) وما النصر إلا من عند الله ( لا من العدة والعدد وهو تنبيه على أنه لا حاجة في نصرهم إلى مدد وإنما أمدهم ووعد لهم به إشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث إن نظر العامة إلى الأسباب أكثر وحثا على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم ) العزيز ( الذي لا يغالب في أقضيته ) الحكيم ( الذي ينصر ويخذل بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة والمصلحة آل عمران : ( 127 ) ليقطع طرفا من . . . . . ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( متعلق بنصركم أو ) وما النصر ( إن كان اللام فيه للعهد والمعنى لينقص منهم بقتل بعض وأسر آخرين وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين ________________________________________ " صفحة رقم 90 " وأسر سبعين من صناديدهم ) أو يكبتهم ( أو يخزيهم والكبت شدة الغيظ أو وهن يقع في القلب وأو للتنويع دون الترديد ) فينقلبوا خائبين ( فينهزموا منقطعي الأمال آل عمران : ( 128 ) ليس لك من . . . . . ) ليس لك من الأمر شيء ( اعتراض ) أو يتوب عليهم أو يعذبهم ( عطف على قوله أو يكبتهم والمعنى أن الله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شيء وإنما أنت عبد مأمور لإنذارهم وجهادهم ويحتمل أن يكون معطوفا على الأمر أو شيء بإضمار أن أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم وأن تكون أو بمعنى إلا أن أي ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتسر به أو يعذبهم فتشفي منهم روي أن عتبة بن أبي وقاص شجه يوم أحد وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فنزلت وقيل هم أن يدعوا عليهم فنهاه الله لعلمه بأن فيهم من يؤمن ) فإنهم ظالمون ( قد استحقوا التعذيب بظلمهم آل عمران : ( 129 ) ولله ما في . . . . . ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا فله الأمر كله لا لك ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( ________________________________________ " صفحة رقم 91 " صريح في نفي وجوب التعذيب والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافي له ) والله غفور رحيم ( لعباده فلا تبادر إلى الدعاء عليهم آل عمران : ( 130 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ( لا تزيدوا زيادات مكررة ولعل التخصيص بحسب الواقع إذ كان الرجل منهم يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى حتى يستغرق بالشيء الطفيف مال المديون وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب مضعفة ) واتقوا الله ( فيما نهيتم عنه ) لعلكم تفلحون ( راجين الفلاح آل عمران : ( 131 ) واتقوا النار التي . . . . . ) واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( بالتحرز عن متابعتهم وتعاطي أفعالهم وفيه تنبيه على أن النار بالذات معدة للكافرين وبالعرض للعصاة آل عمران : ( 132 ) وأطيعوا الله والرسول . . . . . ) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ( اتبع الوعيد بالوعد ترهيبا عن المخالفة وترغيبا في الطاعة ولعل وعسى في أمثال ذلك دليل عزة التوصل إلى ما جعل خبرا له ________________________________________ " صفحة رقم 92 " آل عمران : ( 133 ) وسارعوا إلى مغفرة . . . . . ) وسارعوا ( بادروا وأقبلوا ) إلى مغفرة من ربكم ( إلى ما يستحق به المغفرة كالإسلام والتوبة والإخلاص وقرأ نافع وابن عامر سارعوا بلا واو ) وجنة عرضها السماوات والأرض ( أي عرضها كعرضهما وذكر العرض للمبالغة في وصفها بالسعة على طريقة التمثيل لأنه دون الطول وعن ابن عباس كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض ) أعدت للمتقين ( هيئت لهم وفيه دليل على أن الجنة مخلوقة وإنها خارجة عن هذا العالم ________________________________________ " صفحة رقم 93 " آل عمران : ( 134 ) الذين ينفقون في . . . . . ) الذين ينفقون ( صفة مادحة للمتقين أو مدح منصوب أو مرفوع ) في السراء والضراء ( في حالتي الرخاء والشدة أو الأحوال كلها إذ الإنسان لا يخلو عن مسرة أو مضرة أي لا يخلون في حال ما بإنفاق ما قدروا عليه من قليل أو كثير ) والكاظمين الغيظ ( الممسكين عليه الكافين عن إمضائه مع القدرة من كظمت القرية إذا ملأتها وشددت رأسها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كظم غيظا وهو يقدر على إنقاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا ) والعافين عن الناس ( التاركين عقوبة من استحقوا مؤاخذته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصم الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت ) والله يحب المحسنين ( يحتمل الجنس ويدخل تحته هؤلاء والعهد فتكون الإشارة إليهم آل عمران : ( 135 ) والذين إذا فعلوا . . . . . ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( فعلة بالغة في القبح كالزنى ) أو ظلموا أنفسهم ( بأن أذنبوا أي ذنب كان وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة ولعل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك ) ذكروا الله ( تذكروا وعيده أو حكمه أو حقه العظيم ) فاستغفروا لذنوبهم ( بالندم والتوبة ) ومن يغفر الذنوب إلا الله ( استفهام بمعنى النفي معترض بين المعطوفين والمراد به وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة والحث على ________________________________________ " صفحة رقم 94 " الاستغفار والوعد بقبول التوبة ) ولم يصروا على ما فعلوا ( ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) وهم يعلمون ( حال من يصروا أي ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به آل عمران : ( 136 ) أولئك جزاؤهم مغفرة . . . . . ) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( خبر للذين إن ابتدأت به وجملة مستأنفة مبينة لما قبلها إن عطفته على المتقين أو على الذين ينفقون ولا يلزم من إعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاء لهم إن لا يدخلها المصرون كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم وتنكير جنات على الأول يدل على أن ما هم أدون مما للمتقين الموصوفين بتلك الصفات المذكورة في الآية المتقدمة وكفاك فارقا بين القبيلين أنه فصل آيتهم بأن بين أنهم محسنون مستوجبون لمحبة الله وذلك لأنهم حافظوا على حدود الشرع وتخطوا إلى التخصص بمكارمه وفصل آية ________________________________________ " صفحة رقم 95 " هؤلاء بقوله ) ونعم أجر العاملين ( لأن المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل بعض ما فوت على نفسه وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير ولعل تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النكتة والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ونعم أجر العاملين ذلك يعني المغفرة والجنات آل عمران : ( 137 ) قد خلت من . . . . . ) قد خلت من قبلكم سنن ( وقائع سنها الله في الأمم المكذبة كقوله تعالى ) وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ( وقيل أمم قال ما عاين الناس من فضل كفضلكمو ولا رأوا مثله في سالف السنن ) فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم آل عمران : ( 138 ) هذا بيان للناس . . . . . ) هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ( إشارة إلى قوله ) قد خلت ( أو مفهوم قوله ) فانظروا ( أي أنه مع كونه بيانا للمكذبين فهو زيادة بصيرة وموعظة للمتقين أو إلى ما لخص من أمر المتقين والتائبين وقوله قد خلت جملة معترضة للحث على الإيمان والتوبة وقيل إلى القرآن آل عمران : ( 139 ) ولا تهنوا ولا . . . . . ) ولا تهنوا ولا تحزنوا ( تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد والمعنى لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ولا تحزنوا على من قتل منكم ) وأنتم الأعلون ( وحالكم إنكم أعلى منهم شأنا فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة وإنهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار أو لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم أو وأنتم الأعلون في العاقبة فيكون بشارة لهم بالنصر والغلبة ) إن كنتم مؤمنين ( متعلق بالنهي أي لا تهنوا إن صح إيمانكم فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله أو بالأعلون ________________________________________ " صفحة رقم 96 " آل عمران : ( 140 ) إن يمسسكم قرح . . . . . ) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ( قرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم بضم القاف والباقون بالفتح وهما لغتان كالضعف والضعف وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها والمعنى إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى بأن لا تضعفوا فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون وقيل كلا المسين كان يوم أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وتلك الأيام نداولها بين الناس ( نصرفها بينهم تدليل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كقوله " فيوما علينا ويوما لنا ويوم نساء ويوم نسر " والمداولة كالمعاودة يقال داولت الشيء بينهم فتداولوه والأيام تحتمل الوصف والخبر و ) نداولها ( يحتمل الخبر والحال والمراد بها أوقات النصر والغلبة ) وليعلم الله الذين آمنوا ( عطف على علة محذوفة أي نداولها ليكون كيت وكيت وليعلم الله إيذانا بأن العلة فيه غير واحدة وإن ما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم أو الفعل المعلل به محذوف تقديره وليتميز الثابتون على الإيمان من الذين على حرف فعلنا ذلك والقصد في أمثاله ونقائضه ليس إلى إثبات علمه تعالى ونفيه بل إلى إثبات المعلوم ونفيه على طريق ________________________________________ " صفحة رقم 97 " البرهان وقيل معناه ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا ) ويتخذ منكم شهداء ( ويكرم ناسا منكم بالشهادة يريد شهداء أحد أو يتخذ منكم شهودا معدلين بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد ) والله لا يحب الظالمين ( الذين يضمرون خلاف ما يظهرون أو الكافرين وهو اعتراض وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وإنما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين آل عمران : ( 141 ) وليمحص الله الذين . . . . . ) وليمحص الله الذين آمنوا ( ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم ) ويمحق الكافرين ( ويهلكهم إن كانت عليهم والمحق نقص الشيء قليلا قليلا آل عمران : ( 142 ) أم حسبتم أن . . . . . ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ( بل أحسبتم ومعناه الإنكار ) ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( ولما تجاهدوا وفيه دليل على أن الجهاد فرض كفاية والفرق بين ) لما ( ولم إن فيه توقع الفعل فيما يستقبل وقرئ ) يعلم ( بفتح الميم على أن أصله يعلمن فحذفت النون ) ويعلم الصابرين ( نصب بإضمار أن على أن الواو للجمع وقرئ بالرفع على أن الواو للحال كأنه قال ولما تجاهدوا وأنتم صابرون آل عمران : ( 143 ) ولقد كنتم تمنون . . . . . ) ولقد كنتم تمنون الموت ( أي الحرب فإنها من أسباب الموت أو الموت بالشهادة والخطاب للذين لم ________________________________________ " صفحة رقم 98 " يشهدوا بدرا وتمنوا أن يشهدوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مشهدا لينالوا ما نال شهداء بدر من الكرامة فألحوا يوم أحد على الخروج ) من قبل أن تلقوه ( من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته ) فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( أي فقد رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم وهو توبيخ لهم على أنهم تمنوا الحرب وتسببوا لها ثم جبنوا وانهزموا عنها أو على تمني الشهادة فإن في تمنيها تمني غلبة الكفار آل عمران : ( 144 ) وما محمد إلا . . . . . ) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل ) أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ( إنكارا لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به وقيل الفاء للسببية والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته روي أنه لما رمى عبد الله بن قميئة الحارثي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه وكان صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد قتلت محمدا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأ الناس وجعل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو إلي عباد الله فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتى كشفوا عنه المشركين وتفرق الباقون وقال بعضهم ليت ابن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان وقال ناس من المنافقين لو كان نبيا لما قتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك رضي الله عنهما يا ________________________________________ " صفحة رقم 99 " قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت وما تصنعون بالحياة بعده فقاتلوا على ما قاتل عليه ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما يقولون وأبرأ إليك منه وشد بسيفه فقاتل حتى قتل فنزلت ) ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ( بارتداده بل يضر نفسه ) وسيجزي الله الشاكرين ( على نعمة الإسلام بالثبات عليه كأنس وأضرابه آل عمران : ( 145 ) وما كان لنفس . . . . . ) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ( إلا بمشيئة الله تعالى أو بإذنه لملك الموت عليه الصلاة والسلام في قبض روحه والمعنى أن لكل نفس أجلا مسمى في علمه تعالى وقضائه ) لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( بالإحجام عن القتال والإقدام عليه وفيه تحريض وتشجيع على القتال ووعد للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالحفظ وتأخير الأجل ) كتابا ( مصدر مؤكد إذ المعنى كتب الموت كتابا ) مؤجلا ( صفة له أي مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر ) ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ( تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد فإن المسلمين حملوا على المشركين وهزموهم وأخذوا ينهبون فلما رأى الرماة ذلك أقبلوا على النهب وخلوا ________________________________________ " صفحة رقم 100 " مكانهم فانتهز المشركون وحملوا عليهم من ورائهم فهزموهم ) ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ( أي من ثوابها ) وسنجزي الشاكرين ( الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد آل عمران : ( 146 ) وكأين من نبي . . . . . ) وكأين ( أصله أي دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى كم والنون تنوين أثبت في الخط على غير قياس وقرأ ابن كثير وكائن ككاعن ووجهه أنه قلب قلب الكلمة الواحدة كقولهم وعملي في لعمري فصار كأين ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف ثم أبدلت الياء الأخرى ألفا كما أبدلت من طائي ) من نبي ( بيان له ) قاتل معه ربيون كثير ( ربانيون علماء أتقياء أو عابدون لربهم وقيل جماعات والربى منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب ) قتل ( وإسناده إلى ) ربيون ( أو ضمير النبي ومعه ربيون حال منه ويؤيد الأول أنه قرئ بالتشديد وقرئ ) ربيون ( بالفتح على الأصل وبالضم وهو من تغييرات النسب كالكسر ) فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 101 " فما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم ) وما ضعفوا ( عن العدو أو في الدين ) وما استكانوا ( وما خضعوا للعدو وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له وهذا تعريف بما أصابهم عند الإرجاف بقتله ( صلى الله عليه وسلم ) ) والله يحب الصابرين ( فينصرهم ويعظم قدرهم آل عمران : ( 147 ) وما كان قولهم . . . . . ) وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( أي وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم هضما لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالها والاستغفار عنها ثم طلب التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو ليكون عن خضوع وطهارة فيكون أقرب إلى الإجابة وإنما جعل قولهم خيرا لأن أن قالوا أعرف لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث آل عمران : ( 148 ) فآتاهم الله ثواب . . . . . ) فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ( فأتاهم الله بسبب الاستغفار واللجأ إلى الله النصر والغنيمة والعز وحسن الذكر في الدنيا والجنة والنعيم في الآخرة وخص ثوابها بالحسن إشعارا بفضله وأنه المعتد به عند الله آل عمران : ( 149 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم ( أي إلى الكفر ) على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ( ________________________________________ " صفحة رقم 102 " نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم ولو كان محمد نبيا لما قتل وقيل أن تستكينوا لأبي سفيان وأشياعه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينهم وقيل عام في مطاوعة الكفرة والنزول على حكمهم فإنه يستجر إلى موافقتهم آل عمران : ( 150 ) بل الله مولاكم . . . . . ) بل الله مولاكم ( ناصركم وقرئ بالنصب على تقدير بل أطيعوا الله مولاكم ) وهو خير الناصرين ( فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره آل عمران : ( 151 ) سنلقي في قلوب . . . . . ) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ونادى أبو سفيان يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله وقيل لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلوهم فألقى الله الرعب في قلوبهم وقرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بالضم على الأصل في كل القرآن ) بما أشركوا بالله ( بسبب إشراكهم به ) ما لم ينزل به سلطانا ( أي آلهة ليس على إشراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطانا وهو كقوله " ولا ترى الضب بها ينجحر " وأصل السلطنة القوة ومنه السليط لقوة اشتعاله والسلاطة لحدة اللسان ) ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ( أي مثواهم فوضع الظاهر موضع المضمر للتغليظ والتعليل آل عمران : ( 152 ) ولقد صدقكم الله . . . . . ) ولقد صدقكم الله وعده ( أي وعده إياكم بالنصر بشرط التقوى والصبر وكان ________________________________________ " صفحة رقم 103 " كذلك حتى خالف الرماة فإن المشركين لما أقبلوا جعل الرماة يرشقونهم بالنبل والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم ) إذ تحسونهم بإذنه ( تقتلونهم من حسه إذا أبطل حسه ) حتى إذا فشلتم ( جبنتم وضعف رأيكم أو ملتم إلى الغنيمة فإن الحرص من ضعف العقل ) وتنازعتم في الأمر ( يعني اختلاف الرماة حين انهزم المشركون فقال بعضهم فما موقفنا ها هنا وقال آخرون لا نخالف أمر الرسول فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب وهو المعني بقوله ) وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ( من الظفر والغنيمة وانهزام العدو وجواب إذا محذوف وهو امتحنكم ) منكم من يريد الدنيا ( وهم التاركون المركز للغنيمة ) ومنكم من يريد الآخرة ( وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ثم صرفكم عنهم ( ثم كفكم عنهم حتى حالت الحال فغلبوكم ) ليبتليكم ( على المصائب ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها ) ولقد عفا عنكم ( تفضلا ولما علم من ندمكم على المخالفة ) والله ذو فضل على المؤمنين ( يتفضل عليهم بالعفو أو في الأحوال كلها سواء اديل لهم أو عليهم إذ الابتلاء أيضا رحمة آل عمران : ( 153 ) إذ تصعدون ولا . . . . . ) إذ تصعدون ( متعلق بصرفكم أو ليبتليكم أو بمقدر كاذكروا والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض يقال أصعدنا من مكة إلى المدينة ) ولا تلوون على أحد ( لا يقف ________________________________________ " صفحة رقم 104 " أحد لأحد ولا ينتظره ) والرسول يدعوكم ( كان يقول إلي عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة ) في أخراكم ( في ساقتكم أو في جماعتكم الأخرى ) فأثابكم غما بغم ( عطف على صرفكم والمعنى فجازاكم الله عن فشلكم وعصيانكم غما متصلا بغم من الاغتمام بالقتل والجرح وظفر المشركين والإرجاف بقتل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعصيانكم له ) لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ( لتتمرنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزنوا فيما بعد على نفع فائت ولا ضر لاحق وقيل ) لا ( مزيدة والمعنى لتأسفوا على ما فاتكم من الظفر والغنيمة وعلى ما أصابكم من الجرح والهزيمة عقوبة لكم وقيل الضمير في فأثابكم للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أي فآساكم في الاغتمام فاغتم بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه ولم يثر بكم على عصيانكم تسلية لكم كيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر ولا على ما أصابكم من الهزيمة ) والله خبير بما تعملون ( عليم بأعمالكم وبما قصدتم بها آل عمران : ( 154 ) ثم أنزل عليكم . . . . . ) ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ( أنزل الله عليكم الأمن حتى أخذكم النعاس وعن أبي طلحة غشينا النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ثم يسقط فيأخذه والأمنة الأمن نصب على المفعول ونعاسا بدل منها أو هو المفعول و ) أمنة ( حال منه متقدمة أو مفعول له أو حال من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة وقرئ ) أمنة ( بسكون الميم كأنها المرة في الإمر ) يغشى طائفة منكم ( أي النعاس وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ردا على الأمنة والطائفة المؤمنون حقا ) وطائفة ( هم المنافقون ) قد أهمتهم أنفسهم ( أوقعتهم أنفسهم في الهموم أو ما يهمهم ________________________________________ " صفحة رقم 105 " إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها ) يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ( صفة أخرى لطائفة أو حال أو استئناف على وجه البيان لما قبله وغير الحق نصب على المصدر أي يظنون بالله غير الظن الحق الذي يحق أن يظن به و ) ظن الجاهلية ( بدله وهو الظن المختص بالملة الجاهلية وأهلها ) يقولون ( أي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بدل من يظنون ) هل لنا من الأمر من شيء ( هل لنا مما أمر الله ووعد من النصر والظفر نصيب قط وقيل أخبر ابن أبي بقتل بني الخزرج فقال ذلك والمعنى إنا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا فلم يبق لنا من الأمر شيء أو هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شيء ) قل إن الأمر كله لله ( أي الغلبة الحقيقية لله تعالى ولأوليائه فإن حزب الله هم الغالبون أو القضاء له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو اعتراض وقرأ أبو عمرو ويعقوب كله بالرفع على الابتداء ) يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ( حال من الضمير يقولون أي يقولون مظهرين إنهم مسترشدون طالبون النصر مبطلين الإنكار والتكذيب ) يقولون ( أي في أنفسهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض وهو بدل من يخفون أو استئناف على وجه البيان له ) لو كان لنا من الأمر شيء ( كما وعد محمد أو زعم أن الأمر كله لله ولأوليائه أو لو كان لنا اختيار وتدبير ولم نبرح كما ________________________________________ " صفحة رقم 106 " كان ابن أبي وغيره ) ما قتلنا ها هنا ( لما غلبنا أو لما قتل من قتل منا في هذه المعركة ) قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ( أي لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتبه في اللوح المحفوظ إلى مصارعهم ولم تنفعهم الإقامة بالمدينة ولم ينج منهم أحد فإنه قدر الأمور ودبرها في سابق قضائه لا معقب لحكمه ) وليبتلي الله ما في صدوركم ( وليمتحن ما في صدوركم ويظهر سرائرها من الإخلاص والنفاق وهو علة فعل محذوف أي وفعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي لبرز لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة وللابتلاء أو على لكيلا تحزنوا ) وليمحص ما في قلوبكم ( وليكشفه ويميزه أو يخلصه من الوساوس ) والله عليم بذات الصدور ( بخفياتها قل إظهارها وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين آل عمران : ( 155 ) إن الذين تولوا . . . . . ) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ( يعني إن الذين انهزموا يوم أحد إنما كان السبب في انهزامهم أن الشيطان طلب منهم الزلل فأطاعوه واقترفوا ذنوبا لمخالفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بترك المركز والحرص على الغنيمة أو الحياة فمنعوا التأييد وقوة القلب وقيل استزلال الشيطان توليهم وذلك بسبب ذنوب تقدمت لهم فإن المعاصي يجر بعضها بعضا كالطاعة وقيل استزلهم بذكر ذنوب سلفت منهم فكرهوا القتال قبل إخلاص التوبة والخروج من المظلمة ) ولقد عفا الله عنهم ( لتوبتهم واعتذارهم ) إن الله غفور ( للذنوب ) حليم ( لا يعاجل بعقوبة الذنب كي يتوب آل عمران : ( 156 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ( يعني المنافقين ) وقالوا لإخوانهم ( لأجلهم وفيهم ومعنى أخوتهم اتفاقهم في النسب أو المذهب ) إذا ضربوا في الأرض ( إذا ________________________________________ " صفحة رقم 107 " سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها وكان حقه إذ لقوله قالوا لكنه جاء على حكاية الحال الماضية ) أو كانوا غزى ( جمع غاز كعاف وعفى ) لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ( مفعول قالوا وهو يدل على إن أخوانهم لم يكونوا مخاطبين به ) ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ( متعلق ب ) قالوا ( على إن اللام لام العاقبة مثلها في ليكون لهم عدوا وحزنا أو لا تكونوا أي لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول والاعتقاد ليجعله حسرة في قلوبهم خاصة فذلك إشارة إلى ما دل عليه قولهم من الإعتقاد وقيل إلى ما دل عليه النهي أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم فإن مخالفتهم ومضادتهم مما يغمهم ) والله يحيي ويميت ( ردا لقولهم أي هو المؤثر في الحياة والممات لا الإقامة والسفر فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد ) والله بما تعملون بصير ( تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على أنه وعيد للذين كفروا آل عمران : ( 157 ) ولئن قتلتم في . . . . . ) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ( أي متم في سبيله وقرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر ________________________________________ " صفحة رقم 108 " الميم من مات يمات ) لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( جواب القسم وهو ساد مسد الجزاء والمعنى إن السفر والغزو ليس مما يجلب الموت ويقدم الأجل وإن وقع ذلك في سبيل الله فما تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم تموتوا وقرأ حفص بالياء آل عمران : ( 158 ) ولئن متم أو . . . . . ) ولئن متم أو قتلتم ( أي على أي وجه اتفق هلاككم ) لإلى الله تحشرون ( لإلى معبودكم الذي توجهتم إليه وبذلتم مهجكم لوجهه لا إلى غيره لا محالة تحشرون فيوفي جزائكم ويعظم ثوابكم وقرأ نافع وحمزة والكسائي ) متم ( بالكسر آل عمران : ( 159 ) فبما رحمة من . . . . . ) فبما رحمة من الله لنت لهم ( أي فبرحمة وما مزيدة للتأكيد والتنبيه والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله وهو ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق بهم حتى اغتم لهم بعد أن خالفوه ) ولو كنت فظا ( سيئ الخلق جافيا ) غليظ القلب ( قاسية ) لانفضوا من حولك ( لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك ) فاعف عنهم ( فيما يختص بك ) واستغفر لهم ( فيما لله ) وشاورهم في الأمر ( أي في أمر الحرب إذ الكلام فيه أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للأمة ) فإذا عزمت ( فإذا وطنت نفسك على شيء بعد الشورى ) فتوكل على الله ( في إمضاء أمرك على ما هو ________________________________________ " صفحة رقم 109 " أصلح لك فإنه لا يعلمه سواه وقرئ ) فإذا عزمت ( على التكلم أي فإذا عزمت لك على شيء وعينته لك فتوكل على الله ولا تشاور فيه أحدا ) إن الله يحب المتوكلين ( فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح آل عمران : ( 160 ) إن ينصركم الله . . . . . ) إن ينصركم الله ( كما نصركم يوم بدر ) فلا غالب لكم ( فلا أحد يغلبكم ) وإن يخذلكم ( كما خذلكم يوم أحد ) فمن ذا الذي ينصركم من بعده ( من بعد خذلانه أو من بعد الله بمعنى إذا جاوزتموه فلا ناصر لكم وهذا تنبيه على المقتضى للتوكل وتحريض على ما يستحق به النصر من الله وتحذير عما يستجلب خذلانه ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( فليخصوه بالتوكل عليه لما علموا أن لا ناصر لهم سواه وآمنوا به آل عمران : ( 161 ) وما كان لنبي . . . . . ) وما كان لنبي أن يغل ( وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فإن النبوة تنافي الخيانة يقال غل شيئا من المغنم يغل غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه في خفية والمراد منه إما براءة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عما اتهم به إذ روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخذها أو ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم الغنائم وإما المبالغة في النهي للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على ما روي أنه بعث طلائع فغنم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقسم على من معه ولم يقسم للطلائع فنزلت فيكون تسمية حرمان بعض المستحقين غلولا تغليظا ومبالغة ثانية وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب ) أن يغل ( على البناء للمفعول والمعنى وما صح له أن يوجد غالا أو أن ينسب إلى الغلول ) ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ( ________________________________________ " صفحة رقم 110 " يأت بالذي غله يحمله على عنقه كما جاء في الحديث أو بما احتمل من وباله وإثمه ) ثم توفى كل نفس ما كسبت ( يعني تعطي جزاء ما كسبت وافيا وكان اللائق بما قبله أن يقال ثم يوفى ما كسبت لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى ) وهم لا يظلمون ( فلا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم آل عمران : ( 162 ) أفمن اتبع رضوان . . . . . ) أفمن اتبع رضوان الله ( بالطاعة ) كمن باء ( رجع ) بسخط من الله ( بسبب المعاصي ) ومأواه جهنم وبئس المصير ( الفرق بينه وبين المرجع إن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى ولا كذلك المرجع آل عمران : ( 163 ) هم درجات عند . . . . . ) هم درجات عند الله ( شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب أو هم ذوو درجات ) والله بصير بما يعملون ( عالم بأعمالهم ودرجاتهم صادرة عنهم فيجازيهم على حسبها ________________________________________ " صفحة رقم 111 " آل عمران : ( 164 ) لقد من الله . . . . . ) لقد من الله على المؤمنين ( أنعم على من آمن مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من قومه وتخصيصهم مع أن نعمة البعثة عامة لزيادة انتفاعهم بها وقرئ / لمن من الله / على أنه خبر مبتدأ محذوف مثل منه أو بعثه ) إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ( من نسبهم أو من جنسهم عربيا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله في الصدق والأمانة مفتخرين به وقرئ من ) أنفسهم ( أي من أشرفهم لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان من أشرف قبائل العرب وبطونهم ) يتلو عليهم آياته ( أي القرآن بعدما كانوا جهالا لم يسمعوا الوحي ) ويزكيهم ( يطهرهم من دنس الطباع وسوء الإعتقاد والأعمال ) ويعلمهم الكتاب والحكمة ( أي القرآن والسنة ) وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( إن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والمعنى وإن الشأن كانوا من قبل بعثه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في ضلال ظاهر آل عمران : ( 165 ) أو لما أصابتكم . . . . . ) أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ( الهمزة للتقريع والتقرير والواو عاطفة للجملة على ما سبق من قصة أحد أو على محذوف مثل أفعلتم كذا وقلتم ________________________________________ " صفحة رقم 112 " ولما ظرفه المضاف إلى ما أصابتكم أي أقلتم حين أصابتكم مصيبة وهي قتل سبعين منكم يوم أحد والحال إنكم نلتم ضعفها يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله النصر ) قل هو من عند أنفسكم ( أي مما اقترفته أنفسكم من مخالفة الأمر بترك المركز فإن الوعد كان مشروطا بالثبات والمطاوعة أو اختيار الخروج من المدينة وعن علي رضي الله تعالى عنه باختياركم الفداء يوم بدر ) إن الله على كل شيء قدير ( فيقدر على النصر ومنعه وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم آل عمران : ( 166 ) وما أصابكم يوم . . . . . ) وما أصابكم يوم التقى الجمعان ( جمع المسلمين وجمع المشركين يريد يوم أحد ) فبإذن الله ( فهو كائن بقضائه أو تخليته الكفار سماها إذنا لأنها من لوازمه ) وليعلم المؤمنين ) آل عمران : ( 167 ) وليعلم الذين نافقوا . . . . . ) وليعلم الذين نافقوا ( وليتميز المؤمنون والمنافقون فيظهر إيمان هؤلاء وكفر هؤلاء ) وقيل لهم ( عطف على نافقوا داخل في الصلة أو كلام مبتدأ ) تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ( تقسيم للأمر عليهم وتخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدفع عن الأنفس والأموال وقيل معناه قاتلوا الكفرة أو ادفعوهم بتكثيرهم سواد المجاهدين فإن كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه ) قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ( لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم فيه لكن ما أنتم عليه ليس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلى التهلكة أو لو نحسن قتالا لاتبعناكم فيه وإنما قالوه دغلا واستهزاء ) هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ( لانخذالهم وكلامهم هذا فإنهما أول أمارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم وقيل ________________________________________ " صفحة رقم 113 " هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان إذ كان انخذالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلا للمؤمنين ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( يظهرون خلاف ما يضمرون لا توطئ قلوبهم ألسنتهم بالإيمان وإضافة القول إلى الأفواه تأكيد وتصوير ) والله أعلم بما يكتمون ( من النفاق وما يخلوا به بعضهم إلى بعض فإنه يعلمه مفصلا بعلم واجب وأنتم تعلمونه مجملا بأمارات آل عمران : ( 168 ) الذين قالوا لإخوانهم . . . . . ) الذين قالوا ( رفع بدلا من واو ) يكتمون ( أو نصب على الذم أو الوصف للذين نافقوا أو جر بدلا من الضمير في ) بأفواههم ( أو ) قلوبهم ( كقوله " على حالة لو أن في القوم حاتما على جوده لضن بالماء حاتم " ) لإخوانهم ( أي لأجلهم يريد من قتل يوم أحد من أقاربهم أو من جنسهم ) وقعدوا ( حال مقدرة بقد أي قالوا قاعدين عن القتال ) لو أطاعونا ( في القعود بالمدينة ) ما قتلوا ( كما لم نقتل وقرأ هشام ) ما قتلوا ( بتشديد التاء ) قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ( أي إن كنتم صادقين إنكم تقدرون على دفع القتل عمن كتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه فإنه أحرى بكم والمعنى أن القعود غير مغن عن الموت فإن أسباب الموت كثيرة كما أن القتال يكون سببا للهلاك والقعود سببا للنجاة قد يكون الأمر بالعكس آل عمران : ( 169 ) ولا تحسبن الذين . . . . . ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( نزلت في شهداء أحد وقيل في ________________________________________ " صفحة رقم 114 " شهداء بدر والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد وقرئ بالياء على إسناده إلى ضمير الرسول أو من يحسب أو إلى الذين قتلوا والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين ) بل أحياء ( أي بل هم أحياء وقرئ بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء ) عند ربهم ( ذوو زلفى منه ) يرزقون ( من الجنة وهو تأكيد لكونهم أحياء آل عمران : ( 170 ) فرحين بما آتاهم . . . . . ) فرحين بما آتاهم الله من فضله ( وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله تعالى والتمتع بنعيم الجنة ) ويستبشرون ( يسرون بالبشارة ) بالذين لم يلحقوا بهم ( أي بإخوانهم المؤمنين الذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم ) من خلفهم ( أي الذين من خلفهم زمانا أو رتبة ) ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( بدل من الذين والمعنى إنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة وحال من تركوا من خلفهم من المؤمنين وهو إنهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة لا يكدرها خوف وقوع محذور وحزن فوات محبوب والآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو جوهر مدرك بذاته لا يفنى بخراب البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون ) النار يعرضون عليها ( الآية وما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل ________________________________________ " صفحة رقم 115 " معلقة في ظل العرش ومن أنكر ذلك ولم ير الروح إلا ريحا وعرضا قال هم أحياء يوم القيامة وإنما وصفوا به في الحال لتحققه ودنوه أو أحياء بالذكر أو بالإيمان وفيها حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وبعث على ازدياد الطاعة وإحماد لمن يتمنى لإخوانه مثل ما أنعم عليه وبشرى للمؤمنين بالفلاح آل عمران : ( 171 ) يستبشرون بنعمة من . . . . . ) يستبشرون ( كرره للتأكيد وليعلق به ما هو بيان لقوله ) ألا خوف عليهم ( ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم ) بنعمة من الله ( ثوابا لأعمالهم ) وفضل ( زيادة عليه كقوله تعالى ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( وتنكيرهما للتعظيم ) وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( من جملة المستبشر به عطف على فضل وقرأ الكسائي بالكسر على أنه استئناف معترض دال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة آل عمران : ( 172 ) الذين استجابوا لله . . . . . ) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ( صفة للمؤمنين أو نصب على المدح أو مبتدأ خبره ) للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( بجملته ومن ________________________________________ " صفحة رقم 116 " البيان والمقصود من ذكر الوصفين المدح والتعليل لا التقييد لأن المستجيبين كلهم محسنون متقون روي أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فندب أصحابه للخروج في طلبه وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج ( صلى الله عليه وسلم ) مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي ثمانية أميال من المدينة وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت آل عمران : ( 173 ) الذين قال لهم . . . . . ) الذين قال لهم الناس ( يعني الركب الذين استقبلوهم من عبد قيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم كما يقال فلان يركب الخيل وما له إلا فرس واحد لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه ) إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ( يعني أبا سفيان وأصحابه روي أنه نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله تعالى فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل بمر الظهران فأنزل الله الرعب في قلبه وبدا له أن يرجع فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب أن ثبطوا المسلمين وقيل لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فسأله ذلك والتزم له عشرا من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد افترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم ففتروا فقال ( صلى الله عليه وسلم ) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله ) فزادهم إيمانا ( الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله أن أريد به نعيم وحده والبارز للمقول لهم والمعنى إنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله وازداد ________________________________________ " صفحة رقم 117 " إيمانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص قال نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار وهذا ظاهر إن جعل الطاعة من جملة الإيمان وكذا إن لن تجعل فإن اليقين يزداد بالإلف وكثرة التأمل وتناصر الحجج ) وقالوا حسبنا الله ( محسبنا وكافينا من أحسبه إذا كفاه ويدل على أنه بمعنى المحسب إنه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك هذا رجل حسبك ) ونعم الوكيل ( ونعم الموكول إليه هو فيه آل عمران : ( 174 ) فانقلبوا بنعمة من . . . . . ) فانقلبوا ( فرجعوا من بدر ) بنعمة من الله ( عافية وثبات على الإيمان وزيادة ) وفضل ( وربح في التجارة فإنهم لما أتوا بدرا وأوفوا بها سوقا فاتجروا وربحوا ) لم يمسسهم سوء ( من جراحة وكيد عدو ) واتبعوا رضوان الله ( الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم ) والله ذو فضل عظيم ( قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين وإظهار الجراءة على العدو وبالحفظ عن كل ما يسوءهم وإصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل وفيه تحسير للمتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به آل عمران : ( 175 ) إنما ذلكم الشيطان . . . . . ) إنما ذلكم الشيطان ( يريد به المثبط نعيما أو أبا سفيان والشيطان خبر ) ذلكم ( وما بعده بيان لشيطنته أو صفته وما بعده خبر ويجوز أن تكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف أي إنما ذلكم قول الشيطان يعني إبليس عليه اللعنة ) يخوف أولياءه ( القاعدين عن ________________________________________ " صفحة رقم 118 " الخروج مع الرسول أو يخوفكم أولياؤه الذين هم أبو سفيان وأصحابه ) فلا تخافوهم ( الضمير للناس الثاني على الأول وإلى الأولياء على الثاني ) وخافون ( في مخالف أمري فجاهدوا مع رسولي ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس آل عمران : ( 176 ) ولا يحزنك الذين . . . . . ) ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ( يقعون فيه سريعا حرصا عليه وهم المنافقون من المتخلفين أو قوم ارتدوا عن الإسلام والمعنى لا يحزنك خوف أن يضروك ويعينوا عليك لقوله ) إنهم لن يضروا الله شيئا ( أي لن يضروا أولياء الله شيئا بمسارعتهم في الكفر وإنما يضرون بها أنفسهم وشيئا يحتمل المفعول والمصدر وقرأ نافع ) يحزنك ( بضم الياء وكسر الزاي حيث وقع ما خلا قوله في الأنبياء لا يحزنهم الفزع الأكبر فإنه فتح الياء وضم الزاي فيه والباقون كذلك في الكل ) يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ( نصيبا من الثواب في الآخرة وهو يدل على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر وفي ذكر الإرادة إشعار بأن كفرهم بلغ الغاية حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يكون ________________________________________ " صفحة رقم 119 " لهم حظ من رحمته وإن مسارعتهم في الكفر لأنه تعالى لم يرد أن يكون لهم حظ في الآخرة ) ولهم عذاب عظيم ( مع الحرمان عن الثواب آل عمران : ( 177 ) إن الذين اشتروا . . . . . ) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ( تكرير للتأكيد أو تعميم للكفرة بعد تخصيص من نافق من المتخلفين أو ارتد من العرب آل عمران : ( 178 ) ولا يحسبن الذين . . . . . ) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ( خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يحسب والذين مفعول و ) أنما نملي ( لهم بدل منه وإنما اقتصر على مفعول واحد لأن التعويل على البدل وهو ينوب عن المفعولين كقوله تعالى ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ( أو المفعول الثاني على تقدير مضاف مثل ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم أو ولا تحسبن حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم وما مصدرية وكان حقها أن تفصل في الخط ولكنها وقعت متصلة في الإمام فاتبع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي ويعقوب بالياء على ) إن الذين ( فاعل وإن مع ما في حيزه مفعول وفتح سينه في جميع القرآن ابن عامر وحمزة وعاصم والإملاء الإمهال وإطالة العمر وقيل تخليتهم وشأنهم من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعي كيف شاء ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( استئناف بما هو العلة للحكم قبلها وما كافة ________________________________________ " صفحة رقم 120 " واللام لام الإرادة وعند المعتزلة لام العاقبة وقرئ ) إنما ( بالفتح هنا وبكسر الأولى ولا يحسبن بالياء على معنى ) ولا يحسبن الذين كفروا ( أن إملاءنا لهم لازدياد الإثم بل للتوبة والدخول في الإيمان و ) أنما نملي لهم خير ( اعتراض معناه أن إملاءنا خير لهم أن انتبهوا وتداركوا فيه ما فرط منهم ) ولهم عذاب مهين ( على هذا يجوز أن يكون حالا من الواو أي ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين ________________________________________ " صفحة رقم 121 " آل عمران : ( 179 ) ما كان الله . . . . . ) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ( الخطاب لعامة المخلصين والمنافقين في عصره والمعنى لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم حتى يميز المنافق من المخلص بالوحي إلى نبيه بأحوالكم أو بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن لها إلا الخلص المخلصون منكم كبذل الأموال والأنفس في سبيل الله ليختبر النبي به بواطنكم ويستدل به على عقائدكم وقرأ حمزة والكسائي ) حتى يميز ( هنا وفي الأنفال بضم الياء وفتح الميم وكسر الياء وتشديدها والباقون بفتح الياء وكسر الميم وسكون الياء ) وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ( وما كان الله ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من كفر وإيمان ولكن الله يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات أو ينصب له ما يدل عليها ) فآمنوا بالله ورسله ( بصفة الإخلاص أو بأن تعلموه وحده مطلعا على الغيب وتعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون إلا ما علمهم الله ولا يقولون إلا ما أوحي إليهم روي أن الكفرة قالوا إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فنزلت عن السدي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال عرضت علي أمتي وأعلمت من يؤمن بي ومن ________________________________________ " صفحة رقم 122 " يكفر فقال المنافقون إن يزعم أنه يعرف من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فنزلت ) وإن تؤمنوا ( حق الإيمان ) وتتقوا ( النفاق ) فلكم أجر عظيم ( لا يقادر قدره آل عمران : ( 180 ) ولا يحسبن الذين . . . . . ) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ( القراءات فيه على ما سبق ومن قرأ بالتاء قدر مضافا ليتطابق مفعولاه أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم وكذا من قرأ بالياء إن جعل الفاعل ضمير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو من يحسب وإن جعله الموصول كان المفعول الأول محذوفا لدلالة يبخلون عليه أي ولا يحسبن البخلاء بخلهم هو خيرا لهم ) بل هو ( أي البخل ) شر لهم ( لاستجلاب العقاب عليهم ) سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ( بيان لذلك والمعنى سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق وعنه ________________________________________ " صفحة رقم 123 " ( صلى الله عليه وسلم ) ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعله الله شجاعا في عنقه يوم القيامة ) ولله ميراث السماوات والأرض ( وله ما فيهما مما يتوارث فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيله أو أنه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم وتبقى عليهم الحسرة والعقوبة ) والله بما تعملون ( من المنع والإعطاء ) خبير ( فمجازيهم وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بالتاء على الالتفات وهو أبلغ في الوعيد آل عمران : ( 181 ) لقد سمع الله . . . . . ) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ( قالته اليهود لما سمعوا ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( وروي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كتب مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فقال فنحاص بن عازوراء إن الله فقير حتى سأل القرض فلطمه أبو بكر رضي الله عنه على وجهه وقال لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك فشكاه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجحد ما قاله فنزلت والمعنى أنه لم يخف عليه وأنه أعد لهم العقاب عليه ) سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ( أي سنكتبه في صحائف الكتبة أو سنحفظه في علمنا لا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله عز وجل واستهزاء بالقرآن ________________________________________ " صفحة رقم 124 " والرسول ولذلك نظمه مع قتل الأنبياء وفيه تنبيه على أنه ليس أول جريمة ارتكبوها وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد منه أمثال هذا القول وقرأ حمزة / سيكتب / بالياء وضمها وفتح التاء وقتلهم بالرفع ويقول بالياء ) ونقول ذوقوا عذاب الحريق ( أي وننتقم منهم بأن نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق وفيه مبالغات في الوعيد والذوق إدراك الطعوم وعلى الاتساع يستعمل لإدراك سائر المحسوسات والحالات وذكره ها هنا لأن العذاب مرتب على قولهم الناشئ عن البخل والتهالك على المال وغالب حاجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم ومعظم بخله به للخوف من فقدانه ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال آل عمران : ( 182 ) ذلك بما قدمت . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى العذاب ) بما قدمت أيديكم ( من قتل الأنبياء وقولهم هذا وسائر معاصيهم عبر بالأيدي عن الأنفس لأن أكثر أعمالها بهن ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( عطف على ما قدمت وسببيته للعذاب من حيث إن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن ومعاقبة المسيء ________________________________________ " صفحة رقم 125 " آل عمران : ( 183 ) الذين قالوا إن . . . . . ) الذين قالوا ( هم كعب بن الأشرف ومالك وحيي وفنحاص ووهب بن يهوذا ) إن الله عهد إلينا ( أمرنا في التوراة وأوصانا ) ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ( بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل وهو أن يقرب بقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار سماوية فتأكله أي تحيله إلى طبعها بالإحراق وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك ) قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ( تكذيب وإلزام بأن رسلا جاؤهم قبله كزكريا ويحيى بمعجزات أخر موجبة للتصديق وبما اقترحوه فقتلوهم فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان توقفهم وامتناعهم عن الإيمان لأجله فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر واجترؤا على قتله آل عمران : ( 184 ) فإن كذبوك فقد . . . . . ) فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ( ________________________________________ " صفحة رقم 126 " تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من تكذيب قومه واليهود والزبر جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرت الشيء إذا حسبته والكتاب في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامة القرآن وقيل الزبر المواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته وقرأ ابن عامر وبالزبر وهشام وبالكتاب بإعادة الجار للدلالة على أنها مغايرة للبينات بالذات آل عمران : ( 185 ) كل نفس ذائقة . . . . . ) كل نفس ذائقة الموت ( وعد ووعيد للمصدق والمكذب وقرئ ) ذائقة الموت ( بالنصب مع التنوين وعدمه كقوله ) ولا يذكرون الله إلا قليلا ( ) وإنما توفون أجوركم ( تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا ) يوم القيامة ( يوم قيامكم من القبور ولفظ التوفية يشعر بأنه قد يكون قبلها بعض الأجور ويؤيده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ) فمن زحزح عن النار ( بعد ________________________________________ " صفحة رقم 127 " عنها والزحزحة في الأصل تكرير الزح وهو الجذب بعجلة ) وأدخل الجنة فقد فاز ( بالنجاة ونيل المراد والفوز الظفر بالبغية وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يجب أن يؤتى إليه ) وما الحياة الدنيا ( أي لذاتها وزخارفها ) إلا متاع الغرور ( شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه وهذا لمن أثرها على الآخرة فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ والغرور مصدر أو جمع غار آل عمران : ( 186 ) لتبلون في أموالكم . . . . . ) لتبلون ( أي والله لتختبرن ) في أموالكم ( بتكليف الإنفاق وما يصيبها من الآفات ) وأنفسكم ( بالجهاد والقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف والأمراض والمتاعب ) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ( من هجاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والطعن في الدين وإغراء الكفرة على المسلمين أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال ويستعدوا للقائها حتى لا يرهقهم نزولها ) وإن تصبروا ( على ذلك ) وتتقوا ( مخالفة أمر الله ) فإن ذلك ( يعني الصبر والتقوى ) من عزم الأمور ( من معزومات الأمور التي يجب العزم عليها أو مما عزم الله عليه أي أمر به وبالغ فيه والعزم في الأصل ثبات الرأي على الشيء نحو إمضائه آل عمران : ( 187 ) وإذ أخذ الله . . . . . ) وإذ أخذ الله ( أي اذكر وقت أخذه ) ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( يريد به العلماء ) لتبيننه للناس ولا تكتمونه ( حكاية لمخاطبتهم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش بالياء لأنهم غيب واللام جواب القسم الذي ناب عنه قوله ) أخذ الله ميثاق الذين ( والضمير للكتاب ) فنبذوه ( أي الميثاق ) وراء ظهورهم ( فلم يراعوه ولم ________________________________________ " صفحة رقم 128 " يتلفتوا إليه والنبذ وراء الظهر مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات ونقيضه جعله نصب عينيه وإلقاؤه بين عينيه ) واشتروا به ( وأخذوا بدله ) ثمنا قليلا ( من حطام الدنيا وأعراضها ) فبئس ما يشترون ( يختارون لأنفسهم وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار وعن علي رضي الله تعالى عنه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا آل عمران : ( 188 ) لا تحسبن الذين . . . . . ) لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ( الخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن ضم الباء جعل الخطاب له وللمؤمنين والمفعول الأول ) الذين يفرحون ( والثاني ) بمفازة ( وقوله ) فلا تحسبنهم ( تأكيد والمعنى لا تحسبن الذين يفرحون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والإخبار بالصدق بمفازة بمنجاة من العذاب أي فائزين بالنجاة منه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني على أن الذين فاعل ومفعولا يحسبن محذوفان يدل عليهما مفعولا مؤكدة فكأنه قيل ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة أو المفعول الأول محذوف وقوله فلا تحسبنهم تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الأول ) ولهم عذاب أليم ( بكفرهم وتدليسهم روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فأخبروه بخلاف ما كان فيها وأروه أنهم قد صدقوه وفرحوا بما فعلوا فنزلت وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الغزو ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في ________________________________________ " صفحة رقم 129 " التخلف واستحمدوا به وقيل نزلت في المنافقين فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة آل عمران : ( 189 ) ولله ملك السماوات . . . . . ) ولله ملك السماوات والأرض ( فهو يملك أمرهم ) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على عقابهم وقيل هو رد لقولهم إن الله فقير آل عمران : ( 190 ) إن في خلق . . . . . ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( لدلائل واضحة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحس والوهم كما سبق في سورة البقرة ولعل الاقتصار على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن مناط الاستدلال هو التغير وهذه متعرضة لجملة أنواعه فإنه إما أن يكون في ذات الشيء كتغير الليل والنهار أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها أو الخارج عنه كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ________________________________________ " صفحة رقم 130 " آل عمران : ( 191 ) الذين يذكرون الله . . . . . ) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ( أي يذكرونه دائما على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله وقيل معناه يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب تومئ إيماء فهو حجة للشافعي رضي الله عنه في أن المريض يصلي مضطجعا على جنبه الأيمن مستقبلا بمقاديم بدنه ) ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ( استدلالا واعتبارا وهو أفضل العبادات كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) لا عبادة كالتفكر لأنه ________________________________________ " صفحة رقم 131 " المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم فقال أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله ) ربنا ما خلقت هذا باطلا ( على إرادة القول أي يتفكرون قائلين ذلك وهذا إشارة إلى المتفكر فيه أي الخلق على أنه أريد به المخلوق من السموات والأرض أو إليهما لأنهما في معنى المخلوق والمعنى ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمه بل خلقته لحكم عظيمة من جملتها أن يكون مبدأ لوجود الإنسان وسببا لمعاشه ودليلا يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك لينال الحياة الأبدية والسعادة السرمدية في جوارك ) سبحانك ( تنزيها لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض ) فقنا عذاب النار ( للإخلال بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه وفائدة الفاء هي الدلالة على أن علمهم بما لأجله خلقت السموات والأرض حملهم على الاستعاذة آل عمران : ( 192 ) ربنا إنك من . . . . . ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( غاية الإخزاء وهو نظير قولهم من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك والمراد به تهويل المستعاذ منه تنبيها على شدة خوفهم وطلبهم ________________________________________ " صفحة رقم 132 " الوقاية منه وفيه إشعار بأن العذاب الروحاني أفظع ) وما للظالمين من أنصار ( أراد بهم المدخلين ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم سبب لإدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص منها ولا يلزم من نفي النصرة نفي الشفاعة لأن النصر دفع بقهر آل عمران : ( 193 ) ربنا إننا سمعنا . . . . . ) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ( أوقع الفعل على المسمع وحذف المسموع لدلالة وصفه عليه وفيه مبالغة ليست في إيقاعه على نفس المسموع وفي تنكير المنادي وإطلاقه ثم تقييده تعظيم لشأنه والمراد به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل القرآن والنداء والدعاء ونحوهما يعدى بإلى واللام لتضمنها معنى الانتهاء والاختصاص ) أن آمنوا بربكم فآمنا ( أي بأن آمنوا فامتثلنا ) ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ( كبائرنا فإنها ذات تبعة ________________________________________ " صفحة رقم 133 " ) وكفر عنا سيئاتنا ( صغائرنا فإنها مستقبحة ولكن مكفرة عن مجتنب الكبائر ) وتوفنا مع الأبرار ( مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم وفيه تنبيه على أنهم محبون لقاء الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه والأبرار جمع بر أو بار كأرباب وأصحاب آل عمران : ( 194 ) ربنا وآتنا ما . . . . . ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( أي ما وعدتنا على تصديق رسلك من الثواب لما أظهر امتثاله لما أمر به سأل ما وعد عليه لا خوفا من إخلاف الوعد بل مخافة أن لا يكون من الموعودين لسوء عاقبة أو قصور في الامتثال أو تعبدا واستكانة ويجوز أن يعلق على بمحذوف تقديره ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا عليهم وقيل معناه على ألسنة رسلك ) ولا تخزنا يوم القيامة ( بأن تعصمنا عما يقتضيه ) إنك لا تخلف الميعاد ( بإثابة المؤمن وإجابة الداعي وعن ابن عباس رضي الله عنهما الميعاد البعث بعد الموت وتكرير ربنا للمبالغة في الابتهال والدلالة على أن استقلال المطالب وعلو شأنها وفي الآثار من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف ________________________________________ " صفحة رقم 134 " آل عمران : ( 195 ) فاستجاب لهم ربهم . . . . . ) فاستجاب لهم ربهم ( إلى طلبتهم وهو أخص من أجاب ويعدي بنفسه وباللام ) أني لا أضيع عمل عامل منكم ( أي بأني لا أضيع وقرئ بالكسر على إرادة القول ) من ذكر أو أنثى ( بيان عامل ) بعضكم من بعض ( لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر أو لأنهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال والاتحاد أو للاجتماع والاتفاق في الدين وهي جملة معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال روي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت ) فالذين هاجروا ( إلخ تفصيل لأعمال العمال وما أعد لهم من الثواب على سبيل المدح والتعظيم والمعنى فالذين هاجروا الشرك أو الأوطان والعشائر للدين ) وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي ( بسبب إيمانهم بالله ومن أجله ) وقاتلوا ( الكفار ) وقتلوا ( في الجهاد وقرأ حمزة والكسائي بالعكس لأن الواو لا توجب ترتيبا والثاني أفضل أو لأن المراد لما قتل منهم قوم قاتل الباقون ولم يضعفوا وشدد ابن كثير وابن عامر ) قتلوا ( للتكثير ) لأكفرن عنهم سيئاتهم ( لأمحونها ) ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله ( أي أثيبهم بذلك إثابة من عند الله تفضلا منه فهو مصدر مؤكد ) والله عنده حسن الثواب ( على الطاعات قادر عليه ________________________________________ " صفحة رقم 135 " آل عمران : ( 196 ) لا يغرنك تقلب . . . . . ) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ( والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد أمته أو تثبيته على ما كان عليه كقوله ) فلا تطع المكذبين ( أو لكل أحد والنهي في المعنى للمخاطب وإنما جعل للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب للمبالغة والمعنى لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم روي أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون إن أعداء الله فيمانرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت آل عمران : ( 197 ) متاع قليل ثم . . . . . ) متاع قليل ( خبر مبتدأ محذوف أي ذلك التقلب متاع قليل لقصر مدته في جنب ما أعد الله للمؤمنين قال ( صلى الله عليه وسلم ) ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ) ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ( أي ما مهدوا لأنفسهم ________________________________________ " صفحة رقم 136 " آل عمران : ( 198 ) لكن الذين اتقوا . . . . . ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله ( النزل والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة قال أبو الشعر الضبي " وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات نزلا " وانتصابه على الحال من جنات والعامل فيها الظرف وقيل إنه مصدر مؤكد والتقدير أنزلوها نزلا ) وما عند الله ( لكثرته ودوامه ) خير للأبرار ( مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله آل عمران : ( 199 ) وإن من أهل . . . . . ) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ( نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل في أربعين من نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا نصارى فأسلموا وقيل في أصحمة النجاشي لما نعاه جبريل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فخرج فصلى عليه فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط وإنما دخلت اللام على الاسم للفصل بينه وبين إن بالظرف ) وما أنزل إليكم ( من القرآن ) وما أنزل إليهم ( من الكتابين ) خاشعين لله ( حال من فاعل يؤمن وجمعه باعتبار المعنى ) لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ( كما يفعله المحرفون من أحبارهم ) أولئك لهم أجرهم عند ربهم ( ما خص بهم من الأجر ووعده في قوله تعالى ) أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( ) إن الله سريع الحساب ( لعمله بالأعمال وما يستوجبه من الجزاء واستغنائه عن التأمل والاحتياط والمراد أن الأجر الموعود سريع الوصول فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء آل عمران : ( 200 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اصبروا ( على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد ) وصابروا ( وغالبوا أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب وأعدى عدوكم في الصبر على ________________________________________ " صفحة رقم 137 " مخالفة الهوى وتخصيصه بعد الأمر بالصبر مطلقا لشدته ) ورابطوا ( أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصدين للغزو وأنفسكم على الطاعة كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر رمضان وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة ) واتقوا الله لعلكم تفلحون ( فاتقوه بالتبري عما سواه لكي تفلحوا غاية الفلاح أو واتقوا القبائح لعلكم تفلحون بنيل المقامات الثلاثة المرتبة التي هي الصبر على مضض الطاعات ومصابرة النفس في رفض العادات ومرابطة السر على جناب الحق لترصد الواردات المعبر عنها بالشريعة والطريقة والحقيقة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب الشمس والله أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 138 " سورة النساء بسم الله الرحمن الرحيم النساء : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس ( خطاب يعم بني آدم ) اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ( هي آدم ) وخلق منها زوجها ( عطف على خلقكم أي خلقكم من شخص واحد وخلق منه أمكم حواء من ضلع من أضلاعه أو محذوف تقديره من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها وهو تقرير لخلقهم من نفس واحدة ) وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ( بيان لكيفية تولدهم منهما والمعنى ونشر من تلك النفس والزوج المخلوقة منها بنين وبنات كثيرة واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكن أكثر ________________________________________ " صفحة رقم 139 " وذكر ) كثيرا ( حملا على الجمع وترتيب الأمر بالتقوى على هذه القصة لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى والنعمة الباهرة التي توجب طاعة موليها أو لأن المراد به تمهيد الأمر بالتقوى فيما يتصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه على ما دلت عليه الآيات التي بعدها وقرئ وخالق وباث على حذف مبتدأ تقديره وهو خالق وباث ) واتقوا الله الذي تساءلون به ( أي يسأل بعضكم بعضا تقول أسألك بالله وأصله تتساءلون فأدغمت التاء الثانية في السين وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بطرحها ) والأرحام ( بالنصب عطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا أو على الله أي اتقوا الله واتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وقرأ حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور وهو ضعيف لأنه كبعض الكلمة وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ محذوف ________________________________________ " صفحة رقم 140 " الخبر تقديره والأرحام كذلك أي مما يتقى أو يتساءل به وقد نبه سبحانه وتعالى إذ قرن الأرحام باسمه الكريم على أن صلتها بمكان منه وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) الرحم معلقة بالعرش تقول ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ) إن الله كان عليكم رقيبا ( حافظا مطلعا النساء : ( 2 ) وآتوا اليتامى أموالهم . . . . . ) وآتوا اليتامى أموالهم ( أي إذا بلغوا واليتامى جمع يتيم وهو الذي مات أبوه من اليتم وهو الانفراد ومنه الدرة اليتيمة إما على أنه لما جرى مجرى الأسماء كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى أو على أنه جمع على يتمي كأسرى لأنه من باب الآفات ثم جمع يتمي على يتامى كأسري وأسارى والاشتقاق يقتضي وقوعه على الصغار والكبار لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ وروده في الآية إما للبلغ على الأصل أو الاتساع لقرب عهدهم بالصغر حثا على أن يدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم قبل أن يزول ________________________________________ " صفحة رقم 141 " عنهم هذا الاسم إن أونس منهم الرشد ولذلك أمر بابتلائهم صغارا أو لغير البلغ والحكم مقيد فكأنه قال وآتوهم إذا بلغوا ويؤيد الأول ما روي أن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ طلب المال منه فمنعه فنزلت فلما سمعها العم قال أطعنا الله ورسوله نعوذ بالله من الحوب الكبير ) ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ( ولا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم أو الأمر الخبيث وهو اختزال أموالهم بالأمر الطيب الذي هو حفظها وقيل ولا تأخذوا الرفيع من أموالهم وتعطوا الخسيس مكانها وهذا تبديل وليس بتبدل ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم أي لا تنفقوهما معا ولا تسووا بينهما وهذا حلال وذاك حرام وهو فيما زاد على قدر أجره لقوله تعالى ) فليأكل بالمعروف ( ) أنه ( الضمير للأكل ) كان حوبا كبيرا ( ذنبا عظيما وقرئ حوبا وهو مصدر حاب ) حوبا ( وحابا كقال قولا وقالا النساء : ( 3 ) وإن خفتم ألا . . . . . ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ( أي إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فتزوجوا ما طاب لكم من غيرهن إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال فيتزوجها ضنا بها فربما يجتمع عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى فتحرجتم منها ________________________________________ " صفحة رقم 142 " فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء فانكحوا مقدارا يمكنكم الوفاء بحقه لأن المتحرج من الذنب ينبغي أن يتحرج من الذنوب كلها على ما روي أنه تعالى لما عظم أمر اليتامى تحرجوا من ولايتهم وما كانوا يتحرجون من تكثير النساء وإضاعتهم فنزلت وقيل كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى ولا يتحرجون من الزنى فقيل لهم إن خفتم أن لا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزنى فانكحوا ما حل لكم وإنما عبر عنهن بما ذهابا إلى الصفة أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن ونظيره ) أو ما ملكت أيمانكم ( وقرئ ) تقسطوا ( بفتح التاء على أن ) لا ( مزيدة أي إن خفتم إن تجوروا ) مثنى وثلاث ورباع ( معدولة عن أعداد مكررة وهي ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وهي غير منصرفة للعدل والصفة فإنها بنيت صفات وإن كانت أصولها لم تبن لها وقيل لتكرير العدل فإنها معدولة باعتبار الصفة والتكرير منصوبة على الحال من فاعل طاب ومعناها الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين كقولك اقتسموا ________________________________________ " صفحة رقم 143 " هذه البدرة درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة ولو أفردت كان المعنى تجويز الجمع بين هذه ________________________________________ " صفحة رقم 144 " الأعداد دون التوزيع ولو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد ) فإن خفتم ألا تعدلوا ( بين هذه الأعداد أيضا ) فواحدة ( فاختاروا أو فانكحوا واحدة وذروا الجمع وقرئ بالرفع على أنه فاعل محذوف أو خبره تقديره فتكفيكم واحدة أو فالمقنع واحدة ) أو ما ملكت أيمانكم ( سوى بين الواحدة من الأزواج والعدد من السراري لخفة مؤنهن وعدم وجوب القسم بينهن ) ذلك ( أي التقليل منهن أو اختيار الواحدة أو التسري ) أدنى ألا تعولوا ( ________________________________________ " صفحة رقم 145 " أقرب من أن لا تميلوا يقال عال الميزان إذا مال وعال الحاكم إذا جار وعول الفريضة الميل عن حد السهام المسماة وفسر بأن لا تكثر عيالكم على أنه من عال الرجل عياله يعولهم إذا مانهم فعبر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية ويؤيده قراءة / أن لا تعيلوا / من أعال الرجل إذا كثر عياله ولعل المراد بالعيال الأزواج وإن أريد الأولاد فلأن التسري مظنة قلة الولد بالإضافة إلى التزوج لجواز العزل فيه كتزوج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع النساء : ( 4 ) وآتوا النساء صدقاتهن . . . . . ) وآتوا النساء صدقاتهن ( مهورهن وقرئ بفتح الصاد وسكون الدال على التخفيف وبضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة كغرفة وبضمهما على التوحيد وهو ________________________________________ " صفحة رقم 146 " تثقيل صدقة كظلمة في ظلمة ) نحلة ( أي عطية يقال نحلة كذا نحلة ونحلا إذا أعطاه إياه عن طيب نفس بلا توقع عوض ومن فسرها بالفريضة ونحوها نظر إلى مفهوم الآية لا إلى موضوع اللفظ ونصبها على المصدر لأنها في معنى الإيتاء أو الحال من الواو أو الصدقات أي آتوهن صدقاتهن ناحلين أو منحولة وقيل المعنى نحلة من الله وتفضلا منه عليهن فتكون حالا من الصدقات وقيل ديانة من قولهم انتحل فلان كذا إذا دان به على أنه مفعول له أو حال من الصدقات أي دينا من الله تعالى شرعه والخطاب للأزواج وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور مولياتهم ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ( للصداق حملا على المعنى أو جرى مجرى اسم الإشارة كقول رؤبة ________________________________________ " صفحة رقم 147 " " كأنه في الجلد توليع البهق " إذ سئل فقال أردت كأن ذاك وقيل للإيتاء ونفسا تمييز لبيان الجنس ولذلك وحد والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق عن طيب نفس لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعداه بعن لتضمن معنى التجافي والتجاوز وقال منه بعثا لهن على تقليل الموهوب ) فكلوه هنيئا مريئا ( فخذوه وأنفقوه حلالا بلا تبعة والهنيء والمريء صفتان من هنأ الطعام ومرأ إذا ساغ من غير غصص أقيمتا مقام مصدريهما أو وصف بهما المصدر أو جعلتا حالا من الضمير وقيل الهنيء ما يلذه الإنسان والمريء ما تحمد عاقبته روي أنا ناسا كانوا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا مما ساق إليها فنزلت النساء : ( 5 ) ولا تؤتوا السفهاء . . . . . ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( نهي للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة وقيل نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله تعالى من ________________________________________ " صفحة رقم 148 " المال فيعطى امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقولهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم وهو أوفق لقوله ) التي جعل الله لكم قياما ( أي تقومون بها وتنتعشون وعلى الأول يؤول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياما سمي ما به القيام قياما للمبالغة وقرأ نافع وابن عامر ) قيما ( بمعناه كعوذ بمعنى عياذ وقرئ قواما وهو ما يقام به ) وارزقوهم فيها واكسوهم ( واجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون إليه ) وقولوا لهم قولا معروفا ( عدة جميلة تطيب بها نفوسهم والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه النساء : ( 6 ) وابتلوا اليتامى حتى . . . . . ) وابتلوا اليتامى ( اختبروهم قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في صلاح الدين والتهدي إلى ضبط المال وحسن التصرف بأن يكل إليه مقدمات العقد وعن أبي حنيفة رحمه الله ________________________________________ " صفحة رقم 149 " تعالى بأن يدفع إليه ما يتصرف فيه ) حتى إذا بلغوا النكاح ( حتى إذا بلغوا حد البلوغ بأن يحتلم أو يستكمل خمس عشرة سنة عندنا لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا استكمل الولد خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه وأقيمت عليه الحدود وثماني عشرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبلوغ النكاح كناية عن البلوغ لأنه يصلح للنكاح عنده ) فإن آنستم منهم رشدا ( فإن أبصرتم منهم رشدا وقرئ أحستم بمعنى أحسستم ) فادفعوا إليهم أموالهم ( من غير تأخير عن حد البلوغ ونظم الآية أن إن الشرطية جواب إذا المتضمنة معنى الشرط والجملة غاية الابتلاء فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم وهو دليل على أنه لا يدفع إليهم ما لم يؤنس منهم الرشد وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا زادت على سن البلوغ سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير الأحوال إذ الطفل يميز بعدها ويؤمر بالعبادة دفع إليه المال وإن لم يؤنس منه الرشد ) ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ( مسرفين ومبادرين كبرهم أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم ) ومن كان غنيا فليستعفف ( من أكلها ) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( ________________________________________ " صفحة رقم 150 " بقدر حاجته وأجرة سعيه ولفظ الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر بأن الولي له حق في مال الصبي وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أن رجلا قال له إن في حجري يتيما أفآكل من ماله قال كل بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله وإيراد هذا التقسيم بعد قوله ولا تأكلوها يدل على أنه نهي للأولياء أن يأخذوا وينفقوا على أنفسهم أموال اليتامى ) فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ( بأنهم قبضوها فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة ووجوب الضمان وظاهره يدل على أن القيم لا يصدق في دعواه إلا بالبينة وهو المختار عندنا وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة ) وكفى بالله حسيبا ( محاسبا فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تتجاوزوا ما حد لكم النساء : ( 7 ) للرجال نصيب مما . . . . . ) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( ________________________________________ " صفحة رقم 151 " يريد بهم المتوارثين بالقرابة ) مما قل منه أو كثر ( بدل مما ترك بإعادة العامل ) نصيبا مفروضا ( نصب على أنه مصدر مؤكد كقوله تعالى ) فريضة من الله ( أو حال إذ المعنى ثبت لهم مفروضا نصيب أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مقطوعا واجبا لهم وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه روي أن أوس بن الصامت الأنصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون إنما يرث من يحارب ويذب عن الحوزة فجاءت أم كحة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مسجد الفضيخ فشكت إليه فقال ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله فنزلت فبعث إليهما لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن الله قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزلت ) يوصيكم الله ( فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابن العم وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقف الخطاب النساء : ( 8 ) وإذا حضر القسمة . . . . . ) وإذا حضر القسمة أولوا القربى ( ممن لا يرث ) واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ( ________________________________________ " صفحة رقم 152 " فاعطوهم شيئا من المقسوم تطييبا لقلوبهم وتصدقا عليهم وهو أمر ندب للبلغ من الورثة وقيل أمر وجوب ثم اختلف في نسخة والضمير لما ترك أو دل عليه القسمة ) وقولوا لهم قولا معروفا ( وهو أن يدعوا لهم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم النساء : ( 9 ) وليخش الذين لو . . . . . ) وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ( أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه أن يضر بهم بصرف المال عنهم أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوزون حرمانهم أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ولو بما في حيزه جعل صلة للذين على معنى وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافا خافوا عليهم الضياع وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده وتهديد للمخالف بحال أولاده ) فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ( أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية بعدما أمرهم بها مراعاة للمبدأ والمنتهى إذ لا ينفع الأول دون الثاني ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب أو للمريض ما يصده عن الإسراف في الوصية وتضييع حق الورثة ويذكره التوبة وكلمة الشهادة أو لحاضري القسمة عذرا جميلا ووعدا حسنا أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة النساء : ( 10 ) إن الذين يأكلون . . . . . ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ( ظالمين أو على وجه الظلم ) إنما يأكلون في بطونهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 153 " ملء بطونهم ) نارا ( ما يجر إلى النار ويؤول إليها وعن أبي بردة رضي الله تعالى عنه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال يبعث الله قوما من قبورهم تتأجج أفواههم نارا فقيل من هم فقال ألم تر أن الله يقول ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ( ) وسيصلون سعيرا ( سيدخلون نارا وأي نار وقرأ ابن عامر وابن عياش عن عاصم بضم الياء مخففا وقرئ به مشددا يقال صلى النار قاسى حرها وصليته شويته وأصليته وصليته ألقيته فيها والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار إذا ألهبتها النساء : ( 11 ) يوصيكم الله في . . . . . ) يوصيكم الله ( يأمركم ويعهد إليكم ) في أولادكم ( في شأن ميراثهم وهو إجمال تفصيله ) للذكر مثل حظ الأنثيين ( أي يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان فيضعف نصيبه وتخصيص الذكر بالتنصيص على حظه لأن القصد إلى بيان فضله والتنبيه على أن التضعيف كاف للتفضيل فلا يحرمن بالكلية وقد اشتركا في الجهة والمعنى للذكر منهم فحذف للعلم به ) فإن كن نساء ( أي إن كان الأولاد نساء خلصا ليس معهن ذكر الضمير فأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات فوق اثنتين خبر ثان أو صفة للنساء أي نساء زائدات على اثنتين ) فلهن ثلثا ما ترك ( المتوفى منكم ويدل عليه المعنى ) وإن كانت واحدة فلها النصف ( أي وإن كانت المولودة واحدة وقرأ نافع بالرفع ________________________________________ " صفحة رقم 154 " على كان التامة واختلف في الثنتين فقال ابن عباس رضي الله عنهما حكمهما حكم الواحدة لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما وقال الباقون حكمهما حكم ما فوقهما لأنه تعالى لما بين أن حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى وهو الثلثان اقتضى ذلك أن فرضهما الثلثان ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد رد ذلك بقوله ) فإن كن نساء فوق اثنتين ( ويؤيد ذلك أن البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالحري أن تستحقه مع أخت مثلها وأن البنتين أمس رحما من الأختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله تعالى ) فلهما الثلثان مما ترك ( ) ولأبويه ( ولأبوي الميت ) لكل واحد منهما ( بدل منه بتكرير العامل وفائدته التنصيص على استحقاق كل واحد منهما السدس والتفصيل بعد الإجمال تأكيدا ) السدس مما ترك إن كان له ( أي للميت ) ولد ( ذكر أو أنثى غير أن الأب يأخذ السدس مع الأنثى بالفريضة وما بقي من ذوي الفروض أيضا بالعصوبة ) فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه ( فحسب ) فلأمه الثلث ( مما ترك وإنما لم يذكر حصة الأب لأنه لما فرض أن الوارث أبواه فقط وعين نصيب الأم علم أن الباقي للأب وكأنه قال فلهما ما ترك أثلاثا وعلى هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزوجين ثلث ما بقي من فرضه كما قاله الجمهور لا ثلث المال كما قاله ابن عباس فإنه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب وهو خلاف وضع الشرع ) فإن كان له إخوة فلأمه السدس ( ________________________________________ " صفحة رقم 155 " بإطلاقه يدل على أن الإخوة يردونها من الثلث إلى السدس وإن كانوا لا يرثون مع الأب وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم والجمهور على أن المراد بالأخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث سواء كان من الإخوة أو من الأخوات وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يحجب الأم من الثلث ما دون الثلاثة ولا الأخوات الخلص أخذا بالظاهر وقرأ حمزة والكسائي ) فلأمه ( بكسر الهمزة اتباعا للكسرة التي قبلها ) من بعد وصية يوصي بها أو دين ( متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها أي هذه الأنصباء للورثة من بعد ما كان من وصية أو دين وإنما قال بأو التي للإباحة دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب مقدمان على القسمة مجموعين ومنفردين وقدم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم لأنها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب إليها الجميع والدين إنما يكون على الندور وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بفتح الصاد ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ( أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم فتحروا فيهم ما أوصاكم الله به ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه روي أن أحد ________________________________________ " صفحة رقم 156 " المتوالدين إذا كان أرفع درجة من الآخر في الجنة سأل أن يرفع إليه فيرفع بشفاعته أو من مورثيكم منهم أو من أوصى منهم فعرضكم للثواب بإمضاء وصيته أو من لم يوص فوفر عليكم ماله فهو اعتراض مؤكد لأمر القسمة أو تنفيذ الوصية ) فريضة من الله ( مصدر مؤكد أو مصدر يوصيكم الله لأنه في معنى يأمركم ويفرض عليكم ) إن الله كان عليما ( بالمصالح والرتب ) حكيما ( فيما قضى وقدر النساء : ( 12 ) ولكم نصف ما . . . . . ) ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن ( أي ولد وارث من بطنها أو من صلب بنيها أو بني بنيها وإن سفل ذكرا كان أو أنثى منكم أو من غيركم ) من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ( فرض للرجل بحق الزواج ضعف ما للمرأة كما في النسب وهكذا قياس كل رجل وامرأة اشتركا في الجهة والقرب ولا يستثنى منه إلا أولاد الأم والمعتق والمعتقة وتستوي الواحدة والعدد منهم في الربع والثمن ) وإن كان رجل ( أي الميت ) يورث ( أي يورث منه من ورث صفة رجل ) كلالة ( خبر كان أو يورث خبره وكلالة حال من الضمير فيه وهو من لم يخلف ولدا ولا والدا أو مفعول له والمراد بها قرابة ليست من جهة الوالد والولد ويجوز أن يكون الرجل الوارث ويورث من أورث وكلالة من ليس له بوالد ولا ولد ________________________________________ " صفحة رقم 157 " وقرئ ) يورث ( على البناء للفاعل فالرجل الميت وكلالة تحتمل المعاني الثلاثة وعلى الأول خبر أو حال وعلى الثاني مفعول له وعلى الثالث مفعول به وهي في الأصل مصدر بمعنى الكلال قال الأعشى " فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من حفا حتى ألاقي محمدا " فاستعيرت لقرابة ليست بالبعضية لأنها كالة بالإضافة إليها ثم وصف بها المورث والوارث بمعنى ذي كلالة كقولك فلان من قرابتي ) أو امرأة ( عطف على رجل ) وله ( أي وللرجل وأكتفي بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه ) أخ أو أخت ( أي من الأم ويدل عليه قراءة أبي وسعد بن مالك " وله أخ أو أخت من الأم " وأنه ذكر في آخر السورة أن للأختين الثلثين وللأخوة الكل وهو لا يليق بأولاد الأم وأن ما قدر ههنا فرض الأم فيناسب أن يكون لأولادها ) فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ( ________________________________________ " صفحة رقم 158 " سوى بين الذكر والأنثى في القسمة لأن الإدلاء بمحض الأنوثة ومفهوم الآية أنهم لا يرثون ذلك مع الأم والجدة كما لا يرثون مع البنت وبنت الابن فخص فيه بالإجماع ) من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ( أي غير مضار لورثته بالزيادة على الثلث أو قصد المضارة بالوصية دون القربة والإقرار بدين لا يلزمه وهو حال من فاعل يوصى المذكور في هذه القراءة والمدلول عليه بقوله يوصى على البناء للمفعول في قراءة ابن كثير وابن عامر وابن عياش عن عاصم ) وصية من الله ( مصدر مؤكد أو منصوب بغير مضار على المفعول به ويؤيده أنه قرئ ) غير مضار وصية ( بالإضافة أي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بالزيادة أو وصية منه بالأولاد بالإسراف في الوصية والإقرار الكاذب ) والله عليم ( بالمضار وغيره ) حليم ( لا يعاجل بعقوبته النساء : ( 13 ) تلك حدود الله . . . . . ) تلك ( إشارة إلى الأحكام التي قدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث ) حدود الله ( شرائعه التي هي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها ) ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 159 " النساء : ( 14 ) ومن يعص الله . . . . . ) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ( توحيد الضمير في يدخله وجمع ) خالدين ( للفظ والمعنى وقرأ نافع وابن عامر / ندخله / بالنون و ) خالدين ( حال مقدرة كقولك مررت برجل معه صقر صائدا به غدا وكذلك خالدا وليستا صفتين لجنات ونارا وإلا لوجب إبراز الضمير لأنهما جريا على غير من هما له النساء : ( 15 ) واللاتي يأتين الفاحشة . . . . . ) واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ( أي يفعلنها يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها إذا فعلها والفاحشة الزنا لزيادة قبحها وشناعتها ) فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ( فاطلبوا ممن قذفهن أربعة من رجال المؤمنين تشهد عليهن ) فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت ( فاحبسوهن في البيوت واجعلوها سجنا عليهن ) حتى يتوفاهن الموت ( يستوفي أرواحهن الموت أو يتوفاهن ملائكة الموت قيل كان ذلك عقوبتهن في أوائل الإسلام فنسخ بالحد ويحتمل أن يكون المراد به التوصية بإمساكهن بعد أن يجلدن كيلا يجري عليهن ما جري بسبب الخروج والتعرض للرجال لم يذكر الحد استغناء بقوله تعالى ) الزانية والزاني ( ) أو يجعل الله لهن سبيلا ( كتعيين الحد المخلص عن الحبس أو النكاح المغني عن السفاح ) واللذان يأتيانها منكم ( يعني الزانية والزاني وقرأ ابن كثير النساء : ( 16 ) واللذان يأتيانها منكم . . . . . ) واللذان ( بتشديد النون وتمكين مد الألف والباقون بالتخفيف من غير تمكين ) فآذوهما ( بالتوبيخ والتقريع وقيل بالتعيير والجلد ) فإن تابا وأصلحا فأعرضوا ( ________________________________________ " صفحة رقم 160 " عنهما فاقطعوا عنهما الإيذاء أو أعرضوا عنهما بالإغماض والستر ) إن الله كان توابا رحيما ( علة الأمر بالإعراض وترك المذمة قيل هذه الآية سابقة على الأولى نزولا وكان عقوبة الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد وقيل الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين والزانية والزاني في الزناة النساء : ( 16 ) واللذان يأتيانها منكم . . . . . ) إنما التوبة على الله ( أي إن قبول التوبة كالمحتوم على الله بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته ) للذين يعملون السوء بجهالة ( متلبسين بها سفها فإن ارتكاب الذنب سفها وتجاهل ولذلك قيل من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته ) ثم يتوبون من قريب ( من زمان قريب أي قبل حضور الموت لقوله تعالى ) حتى إذا حضر أحدهم الموت ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر وسماه ________________________________________ " صفحة رقم 161 " قريبا لأن أمد الحياة قريب لقوله تعالى ) قل متاع الدنيا قليل ( أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبة فيطبع عليها فيتعذر عليهم الرجوع و ) من ( للتبعيض أي يتوبون في أي جزء من الزمان القريب الذي هو ما قبل أن ينزل بهم سلطان الموت أو يزين السوء ) فأولئك يتوب الله عليهم ( وعد بالوفاء بما وعد به وكتب على نفسه بقوله النساء : ( 18 ) وليست التوبة للذين . . . . . ) إنما التوبة على الله ( ) وكان الله عليما ( فهو يعلم بإخلاصهم في التوبة ) حكيما ( والحكيم لا يعاقب التائب ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار ( سوى بين من سوف يتوب إلى حضور الموت من الفسقة والكفار وبين من مات على الكفر في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة وكأنه قال وتوبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء وقيل المراد بالذين يعملون السوء ________________________________________ " صفحة رقم 162 " عصاة المؤمنين وبالذين يعملون السيئات المنافقون لتضاعف كفرهم وسوء أعمالهم وبالذين يموتون الكفار ) أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ( تأكيد لعدم قبول توبتهم وبيان أن العذاب أعده لهم لا يعجزه عذابهم متى شاء والاعتداد التهيئة من العتاد وهو العدة وقيل أصله أعددنا فأبدلت الدال الأولى تاء النساء : ( 19 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( كان الرجل إذا مات وله عصبة ألقى ثوبه على امرأته وقال أنا أحق بها ثم إن شاء تزوجها بصداقها الأول وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها وإن شاء عضلها لتفتدي بما ورثت من زوجها فنهوا عن ذلك وقيل لا يحل لكم أن تأخذوهن على سبيل الإرث فتتزوجوهن كارهات لذلك أو مكرهات عليه وقرأ حمزة والكسائي ) كرها ( بالضم في مواضعه وهما لغتان وقيل بالضم المشقة وبالفتح ما يكره عليه ) ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ( عطف على ) أن ترثوا ( ولا لتأكيد النفي أي ولا تمنعوهن من التزويج وأصل العضل التضييق يقال عضلت الدجاجة ببيضها وقيل الخطاب مع الأزواج كانوا يحبسون النساء من غير حاجة ورغبة حتى يرثوا منهن أو يختلعن بمهورهن وقيل تم الكلام بقوله كرها ثم خاطب الأزواج ونهاهم عن العضل ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له تقديره ولا تعضلوهن للافتداء إلا وقت أن يأتين بفاحشة أو ولا تعضلوهن لعلة إلا أن يأتين بفاحشة وقرأ ابن كثير وأبو بكر ) مبينة ( هنا وفي الأحزاب والطلاق بفتح الياء والباقون بكسرها فيهن ) وعاشروهن بالمعروف ( ________________________________________ " صفحة رقم 163 " بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول ) فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( أي فلا تفارقوهن لكراهة النفس فإنها قد تكره ما هو أصلح دينا وأكثر خيرا وقد تحب ما هو بخلافه وليكن نظركم إلى ما هو أصلح للدين وأدنى إلى الخير وعسى في الأصل علة فأقيم مقامه والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم النساء : ( 20 ) وإن أردتم استبدال . . . . . ) وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ( تطليق امرأة وتزوج أخرى ) وآتيتم إحداهن ( أي إحدى الزوجات جمع الضمير لأنه أراد بالزوج الجنس ) قنطارا ( مالا كثيرا ) فلا تأخذوا منه شيئا ( أي من قنطار ) أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ( إستفهام إنكار وتوبيخ أي تأخذونه باهتين وآثمين ويحتمل النصب على العلة كما في قولك قعدت عن الحرب جبنا لأن الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم قيل كان الرجل منهم إذا أراد امرأة جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه وقد يستعمل في الفعل الباطل ولذلك فسر ههنا بالظلم النساء : ( 21 ) وكيف تأخذونه وقد . . . . . ) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( إنكار لاسترداد المهر والحال أنه وصل إليها بالملامسة ودخل بها وتقرر المهر ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( عهدا وثيقا وهو حق الصحبة والممازحة أو ما أوثق الله عليهم في شأنهن بقوله ) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( أو ما أشار إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ________________________________________ " صفحة رقم 164 " النساء : ( 22 ) ولا تنكحوا ما . . . . . ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ( ولا تنكحوا التي نكحها آباؤكم وإنما ذكر ما دون من لأنه أريد به الصفة وقيل ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر ) من النساء ( بيان ما نكح على الوجهين ) إلا ما قد سلف ( استثناء من المعنى اللازم للنهي وكأنه قيل وتستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف أو من اللفظ للمبالغة في التحريم والتعميم كقوله " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب " والمعنى ولا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف إن أمكنكم أن تنكحوهن وقيل الاستثناء منقطع ومعناه لكن ما قد سلف فإنه لا مؤاخذة عليه لأنه مقرر ) إنه كان فاحشة ومقتا ( علة للنهي أي إن نكاحهن كان فاحشة عند الله ما رخص فيه لأمة من الأمم ممقوتا عند ذوي المروءات ولذلك سمي ولد الرجل من زوجة أبيه المقتي ) وساء سبيلا ( سبيل من يراه ويفعله ________________________________________ " صفحة رقم 165 " النساء : ( 23 ) حرمت عليكم أمهاتكم . . . . . ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ( ليس المراد تحريم ذواتهن بل تحريم نكاحهن أنه معظم ما يقصد منهن ولأنه المتبادر إلى الفهم كتحريم الأكل من قوله ) حرمت عليكم الميتة ( ولأن ما قبله وما بعده في النكاح وأمهاتكم تعم من ولدتك أو ولدت من ولدك وإن علت وبناتكم تتناول من ولدتها أو ولدت من ولدها وإن سفلت وأخواتكم الأخوات من الأوجه الثلاثة وكذلك الباقيات والعمة كل أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك والخالة كل أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك قريبا أو بعيدا وبنات الأخ وبنات الأخت تتناول القربى والبعدى ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ( نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما والمرضعة أختا وأمرها على قياس النسب باعتبار المرضعة ووالد الطفل الذي در عليه اللبن قال ( صلى الله عليه وسلم ) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ________________________________________ " صفحة رقم 166 " واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع من هذا الأصل ليس بصحيح فإن حرمتهما من النسب بالمصاهرة دون النسب ) وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ( ذكر أولا محرمات النسب ثم محرمات الرضاعة لأن لها لحمة كلحمة النسب ثم محرمات المصاهرة فإن تحريمهن عارض لمصلحة الزواج والربائب جمع ربيبة والربيب ولد المرأة من آخر سمي به لأنه يربه كما يرب ولده في غالب الأمر فعيل بمعنى مفعول وإنما لحقه التاء لأنه صار اسما ومن نسائكم متعلق بربائبكم واللاتي بصلتها صفة لها مقيدة للفظ والحكم بالإجماع قضية للنظم ولا يجوز تعليقها بالأمهات ________________________________________ " صفحة رقم 167 " أيضا لأن من إذا علقتها بالربائب كانت ابتدائية وإذا علقتها بالأمهات لم يجز ذلك بل وجب أن يكون بيانا لنسائكم والكلمة الواحدة لا تحمل على معنيين عند جمهور الأدباء اللهم إذا جعلتها للاتصال كقوله " إذا حاولت في أسد فجورا فإني لست منك ولست مني " على معنى أن أمهات النساء وبناتهن متصلات بهن لكن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فرق بينهما فقال في رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها إنه لا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يحل له أن يتزوج أمها وإليه ذهب عامة العلماء غير أنه روي عن علي رضي الله تعالى عنه تقييد التحريم فيهما ولا يجوز أن يكون الموصول الثاني صفة للنساءين لأن عاملهما مختلف وفائدة قوله ) في حجوركم ( تقوية العلة وتكميلها والمعنى أن الربائب إذا دخلتم بأمهاتهن ________________________________________ " صفحة رقم 168 " وهن في احتضانكم أو بصدده تقوى الشبه بينها وبين أولادكم وصارت أحقاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة وإليه ذهب جمهور العلماء وقد روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعله شرطا والأمهات والربائب يتناولان القريبة والبعيدة وقوله دخلتم بهن أي دخلتم معهن الستر وهي كناية عن الجماع ويؤثر في حرمة المصاهرة ما ليس بزنا كالوطء بشبهة أو ملك يمين وعند أبي حنيفة لمس المنكوحة ونحوه كالدخول ) فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( تصريح بعد إشعار دفعا للقياس ) وحلائل أبنائكم ( زوجاتهم سميت الزوجة حليلة لحلها أو لحلولها مع الزوج ) الذين من أصلابكم ( احتراز عن المتبنين لا عن أبناء الولد ) وأن تجمعوا بين الأختين ( في موضع الرفع عطفا على المحرمات والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح فإن المحرمات المعدودة كما هي محرمة في النكاح فهي محرمة في ملك اليمين ولذلك قال عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما حرمتهما آية وأحلتهما آية يعنيان هذه الآية وقوله ) أو ما ملكت أيمانكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 169 " فرجح علي كرم الله وجهه التحريم وعثمان رضي الله عنه التحليل وقول علي أظهر لأن آية التحليل مخصوصة في غير ذلك ولقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام ) إلا ما قد سلف ( استثناء من لازم المعنى أو منقطع معناه لكن ما قد سلف مغفور لقوله ) إن الله كان غفورا رحيما ) النساء : ( 24 ) والمحصنات من النساء . . . . . ) والمحصنات من النساء ( ذوات الأزواج أحصنهن التزويج أو الأزواج وقرأ الكسائي بكسر الصاد في جميع القرآن لأنهن أحصن فروجهن ) إلا ما ملكت أيمانكم ( يريد ما ملكت أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار فهن حلال للسابين والنكاح ________________________________________ " صفحة رقم 170 " مرتفع بالسبي لقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج كفار فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت الآية فاستحللناهن وإياه عنى الفرزدق بقوله " وذات حليل أنكحتها رماحنا حلال لمن يبني بها لم تطلق " وقال أبو حنيفة لو سبي الزوجان لم يرتفع النكاح ولم تحل للسابي وإطلاق الآية والحديث حجة عليه ) كتاب الله عليكم ( مصدر مؤكد أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا وقرئ ) كتب ( الله بالجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم وكتب الله بلفظ الفعل ) وأحل لكم ( عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعول عطفا على ) حرمت ( ) ما وراء ذلكم ( ما سوى المحرمات الثمان المذكورة وخص عنه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر ________________________________________ " صفحة رقم 171 " محرمات الرضاع والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها ) أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ( مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلكم إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصرف في مهورهن أو أثمانهن في حال كونكم محصنين غير مسافحين ويجوز أن لا يقدر مفعول تبتغوا وكأنه قيل إرادة أن تصرفوا أموالكم محصنين غير مسافيحين أو بدل مما وراء ذلكم بدل الاشتمال واحتج به الحنفية على أن المهر لا بد وأن يكون مالا ولا حجة فيه والإحصان العفة فإنها تحصين للنفس عن اللوم والعقاب والسفاح الزنا من السفح وهو صب المني فإنه الغرض منه ) فما استمتعتم به منهن ( فمن تمتعتم به من المنكوحات أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن ) فآتوهن أجورهن ( مهورهن فإن المهر في مقابلة الاستمتاع ) فريضة ( حال من الأجور بمعنى مفروضة أو صفة مصدر محذوف أي إيتاء مفروضا أو مصدر مؤكد ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ( فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه بالتراضي أو فيما تراضيا به من نفقة أو مقام أو فراق وقيل نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة ثم نسخت لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أباحها ثم أصبح يقول يا أيها الناس إني ________________________________________ " صفحة رقم 172 " كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا أن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة وهي النكاح المؤقت بوقت معلوم سمي بها إذ الغرض منه مجرد الاستمتاع بالمرأة أو تمتيعها بما تعطي وجوزها ابن عباس رضي الله عنهما ثم رجع عنه ) إن الله كان عليما ( بالمصالح ) حكيما ( فيما شرع من الأحكام النساء : ( 25 ) ومن لم يستطع . . . . . ) ومن لم يستطع منكم طولا ( غنى واعتلاء وأصله الفضل والزيادة ) أن ينكح المحصنات المؤمنات ( في موضع النصب بطولا أو بفعل مقدر صفة له أي ومن لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات أو من لم يستطع منكم غنى يبلغ به نكاح المحصنات يعني الحرائر لقوله ) فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ( يعني الإماء المؤمنات فظاهر الآية حجة للشافعي رضي الله تعالى عنه في تحريم نكاح الأمة على من ملك ما يجعله صداق حرة ومنع نكاح الأمة الكتابية مطلقا وأول أبو حنيفة رحمه الله تعالى طول المحصنات بأن يملك فراشهن على أن النكاح هو الوطء وحمل قوله ) من فتياتكم المؤمنات ( على الأفضل كما حمل عليه في قوله ) المحصنات المؤمنات ( ومن أصحابنا من حمله أيضا على التقييد وجوز نكاح الأمة لمن قدر على الحرة الكتابية دون ________________________________________ " صفحة رقم 173 " المؤمنة حذرا عن مخالطة الكفار وموالاتهم والمحذور في نكاح الأمة رق الولد وما فيه من المهانة ونقصان حق الزوج ) والله أعلم بإيمانكم ( فاكتفوا بظاهر الإيمان فإنه العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان فرب أمة تفضل الحرة فيه ومن حقكم أن تعتبروا فضل الإيمان لا فضل النسب والمراد تأنيسهم بنكاح الإماء ومنعهم عن الاستنكاف منه ويؤيده ) بعضكم من بعض ( أنتم وأرقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الإسلام ) فانكحوهن بإذن أهلهن ( يريد أربابهن واعتبار إذنهم مطلقا لا إشعار له على أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهم حتى يحتج به الحنفية ) وآتوهن أجورهن ( أي أدوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن فحذف ذلك لتقدم ذكره أو إلى مواليهن فحذف المضاف للعلم بأن المهر للسيد لأنه عوض عن حقه فيجب أن يؤدي إليه وقال مالك رضي الله عنه المهر للأمة ذهابا إلى الظاهر ) بالمعروف ( بغير مطل وإضرار ونقصان ) محصنات ( عفائف ) غير مسافحات ( ________________________________________ " صفحة رقم 174 " غير مجاهرات بالسفاح ) ولا متخذات أخدان ( أخلاء في السر ) فإذا أحصن ( بالتزويج قرأ أبو بكر وحمزة بفتح الهمزة والصاد والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد ) فإن أتين بفاحشة ( زنى ) فعليهن نصف ما على المحصنات ( يعني الحرائر ) من العذاب ( من الحد لقوله تعالى ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( وهو يدل على أن حد العبد نصف حد الحر وأنه لا يرجم لأن الرجم لا ينتصف ذلك أي نكاح الإماء ) لمن خشي العنت منكم ( لمن خاف الوقوع في الزنى وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر مستعار لكل مشقة وضرر ولا ضرر أعظم من مواقعه الإثم بأفحش القبائح وقيل المراد به الحد وهذا شرط آخر لنكاح الإماء ) وأن تصبروا خير لكم ( أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خير لكم قال ( صلى الله عليه وسلم ) الحرائر صلاح البيت والإماء هلاكه ) والله غفور ( لمن لم يصبر ) رحيم ( بأن رخص له النساء : ( 26 ) يريد الله ليبين . . . . . ) يريد الله ليبين لكم ( ما تعبدكم به من الحلال والحرام أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم وليبن مفعول يريد واللام زيدت لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة كما في قول قيس بن سعد ________________________________________ " صفحة رقم 175 " " أردت لكيما يعلم الناس أنه سراويل قيس والوفود شهود " وقيل المفعول محذوف وليبين مفعول له أي يريد الحق لأجله ) ويهديكم سنن الذين من قبلكم ( مناهج من تقدمكم من أهل الرشد لتسلكوا طرقهم ) ويتوب عليكم ( ويغفر لكم ذنوبكم أو يرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي ويحثكم على التوبة أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم ) والله عليم ( بها ) حكيم ( في وضعها النساء : ( 27 ) والله يريد أن . . . . . ) والله يريد أن يتوب عليكم ( كرره للتأكيد والمبالغة ) ويريد الذين يتبعون الشهوات ( يعني الفجرة فإن اتباع الشهوات الائتمار لها وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له في الحقيقة لا لها وقيل المجوس وقيل اليهود فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت ) أن تميلوا ( عن الحق بموافقتهم ________________________________________ " صفحة رقم 176 " على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات ) ميلا عظيما ( بالإضافة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل لها النساء : ( 28 ) يريد الله أن . . . . . ) يريد الله أن يخفف عنكم ( فلذلك شرع لكم الشرعة الحنيفية السمحة السهلة ورخص لكم في المضايق كإحلال نكاح الأمة ) وخلق الإنسان ضعيفا ( لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثمان آيات في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت هذه الثلاث ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( ) من يعمل سوءا يجز به ( ) ما يفعل الله بعذابكم ) النساء : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( بما لم يبحه الشرع كالغصب والربا والقمار ) إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( استثناء منقطع أي ولكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه أو اقصدوا كون تجارة وعن تراض صفة لتجارة أي تجارة صادرة عن تراضي المتعاقدين وتخصيص التجارة من الوجوه التي بها يحل تناول مال الغير لأنها أغلب وأرفق لذوي المروءات ويجوز أن يراد بها الانتقال مطلقا وقيل المراد بالنهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله وبالتجارة صرفه فيما يرضاه وقرأ الكوفيون ) تجارة ( بالنصب على كان الناقصة وإضمار الاسم أي إلا أن تكون التجارة أو ________________________________________ " صفحة رقم 177 " الجهة تجارة ) ولا تقتلوا أنفسكم ( بالبخع كما تفعله جهلة الهند أو بإلقاء النفس إلى التهلكة ويؤيده ما روي أن عمرو بن العاص تأوله التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بارتكاب ما يؤدي إلى قتلها أو باقتراف ما يذلها ويرديها فإنه القتل الحقيقي للنفس وقيل المراد بالأنفس من كان من أهل دينهم فإن المؤمنين كنفس واحدة جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما تستكمل النفوس وتستوفى فضائلها رأفة بهم ورحمة كمال أشار إليه بقوله ) إن الله كان بكم رحيما ( أي أمر ما أمر ونهى عما نهى لفرط رحمته عليكم وقيل معناه إنه كان بكم يا أمة محمد رحيما لما أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه النساء : ( 30 ) ومن يفعل ذلك . . . . . ) ومن يفعل ذلك ( إشارة إلى القتل أو ما سبق من المحرمات ) عدوانا وظلما ( إفراطا في التجاوز عن الحق وإتيانا بما لا يستحقه وقيل أراد بالعدوان التعدي على الغير ________________________________________ " صفحة رقم 178 " وبالظلم ظلم النفس بتعريضها للعقاب ) فسوف نصليه نارا ( ندخله إياها وقرئ بالتشديد من صلى وبفتح النون من صلاة يصليه ومنه شاة مصلية ويصليه بالياء والضمير لله تعالى أو لذلك من حيث إنه سبب الصلي ) وكان ذلك على الله يسيرا ( لا عسر فيه ولا صارف عنه النساء : ( 31 ) إن تجتنبوا كبائر . . . . . ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( كبائر الذنوب التي نهاكم الله ورسوله عنها وقرئ كبير على إرادة الجنس ) نكفر عنكم سيئاتكم ( نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم واختلف في الكبائر والأقرب أن الكبير كل ذنب رتب الشارع عليه حدا أو صرح بالوعيد فيه وقيل ما علم حرمته بقاطع وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنها سبع الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والربا والفرار من الزحف وعقوق الوالدين وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الكبائر إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع وقيل أراد ههنا أنواع الشرك لقوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( وقيل صغر الذنوب وكبرها بالإضافة إلى ما فوقها وما تحتها فأكبر ________________________________________ " صفحة رقم 179 " الكبائر الشرك وأصغر الصغائر حديث النفس وبينهما وسائط يصدق عليها الأمران فمن عن له أمران منها ودعت نفسه إليها بحيث لا يتمالك فكفها عن أكبرها كفر عنه ما ارتكبه لما استحق من الثواب على اجتناب الأكبر ولعل هذا مما يتفاوت باعتبار الأشخاص والأحوال ألا ترى أنه تعالى عاتب نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) في كثير من خطواته التي لم تعد على غيره خطيئة فضلا عن أن يؤاخذه عليها ) وندخلكم مدخلا كريما ( الجنة وما وعد من الثواب أو إدخالا مع كرامة وقرأ نافع هنا وفي الحج بفتح الميم وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر ________________________________________ " صفحة رقم 180 " النساء : ( 32 ) ولا تتمنوا ما . . . . . ) ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ( من الأمور الدنيوية كالجاه والمال فلعل عدمه خير والمقتضي للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي معربة عن عدم الرضا بما قسم الله له وأنه تشه لحصول الشيء له من غير طلب وهو مذموم لأن تمني ما لم يقدر ________________________________________ " صفحة رقم 181 " له معارضة لحكمة القدر وتمني ما قدر له بكسب بطالة وتضييع حظ وتمني ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال ) للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ( بيان لذلك أي لكل من الرجال والنساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله فاطلبوا الفضل من الله تعالى بالعمل لا بالحسد والتمني كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ليس الإيمان بالتمني وقيل المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه وجعل ما قسم لكل منهم على حسب ما عرف من حاله الموجبة للزيادة والنقص كالمكتسب له ) واسألوا الله من فضله ( أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله مثله من خزائنه التي لا تنفذ وهو يدل على أن المنهي عنه هو الحسد أو لا تتمنوا واسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليكم وقرأ ابن كثير والكسائي ) واسألوا الله من فضله ( وسلهم فسل الذين وشبهه إذا كان أمرا مواجها به وقبل السين واو أو فاء بغير همز وحمزة في الوقف على أصله والباقون بالهمز ) إن الله كان بكل شيء عليما ( فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل ________________________________________ " صفحة رقم 182 " عن علم وتبيان روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث ليتنا كنا رجالا فنزلت النساء : ( 33 ) ولكل جعلنا موالي . . . . . ) ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ( أي ولكل تركة جعلنا وراثا يلونها ويحرزونها ومما ترك بيان لكل مع الفصل بالعامل أو لكل ميت جعلنا وراثا مما ترك على ________________________________________ " صفحة رقم 183 " أن من صلة موالي لأنه في معنى الوارث وفي ترك ضمير كل والوالدان والأقربون استئناف مفسر للموالي وفيه خروج الأولاد فإن الأقربون لا يتناولهم كما لا يتناول الوالدين أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك الوالدان والأقربون على إن جعلنا موالي صفة كل والراجع إليه محذوف على هذا فالجملة من مبتدأ وخبر ) والذين عقدت أيمانكم ( موالى الموالاة كان الحليف يورث السدس من مال حليفه فنسخ بقوله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقد على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث أو الأزواج على أن العقد عقد النكاح وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط وخبره ) فآتوهم نصيبهم ( أو منصوب بمضمر يفسره ما ________________________________________ " صفحة رقم 184 " بعده كقولك زيدا فاضربه أو معطوف على الوالدان وقوله فآتوهم جملة مسببة عن الجملة المتقدمة مؤكدة لها والضمير للموالي وقرأ الكوفيون ) عقدت ( بمعنى عقدت عهودهم إيمانكم فحذف العهود وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه ثم حذف كما حذف في القراءة الأخرى ) إن الله كان على كل شيء شهيدا ( تهديد على منع نصيبهم النساء : ( 34 ) الرجال قوامون على . . . . . ) الرجال قوامون على النساء ( يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية وعلل ذلك بأمرين وهبي وكسبي فقال ) بما فضل الله بعضهم على بعض ( بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها والتعصيب وزيادة السهم في الميراث والاستبداد بالفراق ) وبما أنفقوا من أموالهم ( في نكاحهن كالمهر والنفقة روي أن سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصاري نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فانطلق بها أبوها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فشكى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لتقتص منه فنزلت فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير ) فالصالحات قانتات ( مطيعات لله قائمات بحقوق الأزواج ) حافظات للغيب ( لمواجب الغيب أي يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) خير النساء امرأة إن نظرت إليها ________________________________________ " صفحة رقم 185 " سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها وتلا الآية وقيل لأسرارهم ) بما حفظ الله ( بحفظ الله إياهن بالأمر على حفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد والتوفيق له أو بالذي حفظه الله لهن عليهم من المهر والنفقة والقيام بحفظهن والذب عنهن وقرئ ) بما حفظ الله ( بالنصب على أن ما موصولة فإنها لو كانت مصدرية لم يكن لحفظ فاعل والمعنى بالأمر الذي حفظ حق الله وطاعته وهو التعفف والشفقة على الرجال ) واللاتي تخافون نشوزهن ( عصيانهن وترفعهن عن مطاوعة الأزواج من النشز ) فعظوهن واهجروهن في المضاجع ( في المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف أو لا تباشروهن فيكون كناية عن الجماع وقيل المضاجع المبايت أي لا تباينوهن ) واضربوهن ( يعني ضربا غير مبرح ولا شائن والأمور الثلاثة مرتبة ينبغي أن يتدرج فيها ) فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( بالتوبيخ والإيذاء والمعنى فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) إن الله كان عليا كبيرا ( فاحذروه فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم أو أنه على علو شأنه يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عن أزواجكم أو أنه يتعالى ويتكبر أن يظلم أحدا أو ينقص حقه النساء : ( 35 ) وإن خفتم شقاق . . . . . ) وإن خفتم شقاق بينهما ( خلافا بين المرأة وزوجها أضمرها وإن لم يجر ذكرهما ________________________________________ " صفحة رقم 186 " لجرى ما يدل عليهما وإضافة الشقاق إلى الظرف إما لإجرائه مجرى المفعول به كقوله يا سارق الليلة أهل الدار أو لفاعل كقولهم نهارك صائم ) فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ( فابعثوا أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما لتبيين الأمر أو إصلاح ذات البين رجلا وسطا يصلح للحكومة والإصلاح من أهله وآخر من أهلها فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز وقيل الخطاب للأزواج والزوجات واستدل به على جواز التحكيم والأظهر أن النصب لإصلاح ذات البين أو لتبيين الأمر ولا يليان الجمع والتفريق إلا بإذن الزوجين وقال مالك لهما أن يتخالعا إن وجدا الصلاح فيه ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ( الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين أي إن قصدا الإصلاح أوقع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين وقيل كلاهما للحكمين أي إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما لتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما وقيل للزوجين أي إن أرادا الإصلاح وزوال الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه أصلح الله مبتغاه ) إن الله كان عليما خبيرا ( بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق ________________________________________ " صفحة رقم 187 " النساء : ( 36 ) واعبدوا الله ولا . . . . . ) واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ( صنما أو غيره أو شيئا من الإشراك جليا أو خفيا ) وبالوالدين إحسانا ( وأحسنوا بهما إحسانا ) وبذي القربى ( وبصاحب القرابة ) واليتامى والمساكين والجار ذي القربى ( أي الذي قرب جواره وقيل الذي له الجوار قرب واتصال بسبب أو دين وقرئ بالنصب على الاختصاص تعظيما لحقه ) والجار الجنب ( البعيد أو الذي لا قرابة له وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام وجار له حق واحد حق الجوار وهو المشرك من أهل الكتاب ) والصاحب بالجنب ( الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فإنه صحبك وحصل بجنبك وقيل المرأة ) وابن السبيل ( المسافر أو الضعيف ) وما ملكت أيمانكم ( العبيد والإماء ) إن الله لا يحب من كان مختالا ( متكبرا بأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم ) فخورا ( يتفاخر عليهم النساء : ( 37 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . . ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( بدل من قوله من كان أو نصب على الذم أو رفع عليه أي هم الذين أو مبتدأ خبره محذوف تقديره الذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون الناس بالبخل به وقرأ حمزة والكسائي ههنا وفي ) الحديد ( ) بالبخل ( بفتح الحرفين وهي لغة ) ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ( الغنى والعلم فهم أحقاء بكل ملامة ) وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ( وضع الظاهر فيه موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه ________________________________________ " صفحة رقم 188 " فهو كافر لنعمة الله وما كان كافرا لنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء والآية نزلت في طائفة من اليهود كانوا يقولون للأنصار تنصيحا لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر وقيل في الذين كتموا صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) النساء : ( 38 ) والذين ينفقون أموالهم . . . . . ) والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ( عطف على الذين يبخلون أو الكافرين وإنما شاركهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الإنفاق لا على من ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله ) ومن يكن الشيطان له قرينا ( ) ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( ليتحروا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركو مكة وقيل هم المنافقون ) ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ( تنبيه على أن الشيطان قرنهم فحملهم على ذلك وزينة لهم كقوله تعالى ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ( والمراد إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار النساء : ( 39 ) وماذا عليهم لو . . . . . ) وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا من ما رزقهم الله ( أي وما الذي عليهم أو أي تبعه تحيق بهم بسبب الإيمان والإنفاق في سبيل الله وهو توبيخ لهم على ________________________________________ " صفحة رقم 189 " الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا تضمن المنافع وإنما قدم الإيمان ها هنا وأخره في الآية لأخرى لأن القصد بذكره إلى التخصيص ها هنا والتعليل ثم ) وكان الله بهم عليما ( وعيد لهم النساء : ( 40 ) إن الله لا . . . . . ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء كالذرة وهي النملة الصغيرة ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء والمثقال مفعال من الثقل وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظم جزاؤه ) وإن تك حسنة ( وإن يكن ________________________________________ " صفحة رقم 190 " مثقال الذرة حسنة وأنت الضمير لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث وحذف النون من غير قياس تشبيها بحروف العلة وقرأ بن كثير ونافع ) حسنة ( بالرفع على كان التامة ) يضاعفها ( يضاعف ثوابها وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعفها وكلاهما بمعنى ) ويؤت من لدنه ( ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضل زائدا على ما وعد في مقابلة العمل ) أجرا عظيما ( عطاء جزيلا وإنما سماه أجرا لأنه تابع للأجر مزيد عليه النساء : ( 41 ) فكيف إذا جئنا . . . . . ) فكيف ( أي فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم ) إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( يعني نبيهم يشهد على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم والعامل في الظرف مضمون المبتدأ والخبر من هول الأمر وتعظيم الشأن ) وجئنا بك ( يا محمد ________________________________________ " صفحة رقم 191 " ) على هؤلاء شهيدا ( تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لعلمك بعقائدهم واستجماع شرعك مجامع قواعدهم وقيل هؤلاء إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم وقيل إلى المؤمنين كقوله تعالى ) لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) النساء : ( 42 ) يومئذ يود الذين . . . . . ) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ( بيان لحالهم حينئذ أي يود الذين جمعوا بين الكفر وعصيان الأمر أو الكفرة والعصاة في ذلك الوقت أن يدفنوا فتسوى بهم الأرض كالموتى أو لم يبعثوا أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء ) ولا يكتمون الله حديثا ( ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم وقيل الواو ________________________________________ " صفحة رقم 192 " للحال أي يودون أن تسوى بهم الأرض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم ) والله ربنا ما كنا مشركين ( إذ روي أنهم إذا قالوا ختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الأمر عليهم فيتمنون أن تسوى بهم الأرض وقرأ نافع وابن عامر ) تسوى بهم ( على أن أصله تتسوى فأدغمت التاء في السين وقرأ حمزة والكسائي ) تسوى ( على حذف التاء الثانية يقال سويته فتسوى النساء : ( 43 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ( أي لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو نوم أو خمر حتى تنتهوا وتعلموا ما تقولون في صلاتكم روي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صنع مادبة ودعا نفرا من الصحابة حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا حتى ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب فتقدم أحدهم ليصلي بهم فقرأ أعبد ما تعبدون فنزلت وقيل أراد بالصلاة مواضعها وهي ________________________________________ " صفحة رقم 193 " المساجد وليس المراد منه نهي السكران عن قربان الصلاة وإنما المراد النهي عن الإفراط في الشرب والسكر من السكر وهو السد وقرئ ) سكارى ( بالفتح وسكرى على أنه جمه كهلكى أو مفرد بمعنى وأنتم قوم سكرى أو جماعة سكرى وسكرى كحبلى على أنها صفة للجماعة ) ولا جنبا ( عطف على قوله ) وأنتم سكارى ( إذ الجملة في موضع النصب على الحال والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأنه يجري مجرى المصدر ) إلا عابري سبيل ( متعلق بقوله ) ولا جنبا ( استثناء من أعم الأحوال أي لا تقربوا الصلاة جنبا في عامة الأحوال إلا في السفر وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم ويشهد له تعقيبه بذكر التيمم أو صفة لقوله ) جنبا ( أي جنبا غير عابري سبيل وفيه دليل على أن التيمم لا يرفع الحدث ومن فسر الصلاة بمواضعها فسر عابري سبيل بالمجتازين فيها وجوز الجنب عبور المسجد وبه قال الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا يجوز له المرور في المسجد إلا إذا كان فيه الماء أو الطريق ) حتى تغتسلوا ( غاية النهي عن القربان حال الجنابة وفي الآية تنبيه على أن المصلي ينبغي أن يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه ويزكي نفسه عما يجب تطهيرها عنه ) وإن كنتم مرضى ( مرضا يخاف معه من استعمال الماء فإن الواجد كالفاقد أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه ) أو على سفر ( لا تجدونه فيه ) أو جاء أحد منكم من الغائط ( فأحدث بخروج ________________________________________ " صفحة رقم 194 " الخارج من أحد السبيلين وأصل الغائط المكان المطمئن من الأرض ) أو لامستم النساء ( أو ما مسستم بشرتهن ببشرتكم وبه استدل الشافعي على أن اللمس ينقض الوضوء وقيل أو جامعتموهن وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي المائدة لمستم واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة ) فلم تجدوا ماء ( فلم تتمكنوا من استعماله إذ الممنوع عنه كالمفقود ووجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب والحالة المقتضية له في غالب الأمر مرض أو سفر والجنب لما سبق ذكره اقتصر ________________________________________ " صفحة رقم 195 " على بيان حاله والمحدث لما لم يجر ذكره ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العذر مجملا فكأنه قيل وإن كنتم جنبا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم فلم تجدوا ماء ) فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ( أي فتعمدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا ولذلك قالت الحنفية لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح به أجزأه وقال أصحابنا لا بد من أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله تعالى في المائدة ) فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ( أي بعضه وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض واليد اسم للعضو إلى المنكب وما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) تيمم ومسح يديه إلى مرفقيه والقياس على الوضوء دليل على أن المراد ها هنا ) وأيديكم إلى المرافق ( ) إن الله كان عفوا غفورا ( فلذلك يسر الأمر عليكم ورخص لكم النساء : ( 44 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين أوتوا ( من رؤية البصر أي ألم تنظر إليهم أو القلب وعدي بإلى لتضمن معنى الانتهاء ) نصيبا من الكتاب ( حظا يسيرا من علم التوراة لأن المراد أحبار ________________________________________ " صفحة رقم 196 " اليهود ) يشترون الضلالة ( يختارونها على الهدى أو يستبدلونها به بعد تمكنهم منه أو حصوله لهم بإنكار نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل يأخذون الرشى ويحرفون التوراة ) ويريدون أن تضلوا ( أيها المؤمنون ) السبيل ( سبيل الحق النساء : ( 45 ) والله أعلم بأعدائكم . . . . . ) والله أعلم ( منكم ) بأعدائكم ( وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم فاحذروهم ) وكفى بالله وليا ( يلي أمركم ) وكفى بالله نصيرا ( يعينكم فثقوا عليه واكتفوا به عن غيره والباء تزاد في فاعل كفى لتوكيد الاتصال الإسنادي بالاتصال الإضافي النساء : ( 46 ) من الذين هادوا . . . . . ) من الذين هادوا يحرفون ( بيان للذين أوتوا نصيبا فإنه يحتملهم وغيرهم وما بينهما اعتراض أو بيان لأعدائكم أوصلة لنصيرا أي ينصركم من الذين هادوا ويحفظكم منهم أو خبر محذوف صفته يحرفون ) الكلم عن مواضعه ( أي من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بإزالته عنها وإثبات غيره فيها أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه وقرئ الكلم بكسر الكاف وسكون اللام جمع كلمة تخفيف كلمة ) ويقولون سمعنا ( قولك ) وعصينا ( أمرك ) واسمع غير مسمع ( ________________________________________ " صفحة رقم 197 " أي مدعوا عليك بلا سمعت لصمم أو موت أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه أو اسمع كلاما غير مسمع إياك لأن أذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به أو اسمع غير مسمع مكروها من قولهم أسمعه فلان إذا سبه وإنما قالوه نفاقا ) وراعنا ( انظرنا نكلمك أو نفهم كلامك ) ليا بألسنتهم ( فتلا بها وصرفا للكلام إلى ما يشبه السب حيث وضعوا راعنا المشابه لما يتسابون به موضع انظرنا وغير مسمع موضع لا أسمعت مكروها أو فتلا بها وضما لما يظهرون من الدعاء والتوقير إلى ما ________________________________________ " صفحة رقم 198 " يضمرون من السب والتحقير نفاقا ) وطعنا في الدين ( استهزاء به وسخرية ) ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا ( ولو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوه ) لكان خيرا لهم وأقوم ( لكان قولهم ذلك خيرا لهم وأعدل وإنما يجب حذف الفعل بعد لو في مثل ذلك لدلالة أن عليه ووقوعه موقعه ) ولكن لعنهم الله بكفرهم ( ولكن خذلهم الله وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم ) فلا يؤمنون إلا قليلا ( أي إلا إيمانا قليلا لا يعبأ به وهو الإيمان ببعض الآيات والرسل ويحتمل أن يراد بالقلة العدم كقوله " قليل التشكي للمهم يصيبه أو إلا قليلا منهم آمنوا أو سيؤمنون " النساء : ( 47 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ( من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها يعني الأقفاء أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا أو في الآخرة وأصل الطمس إزالة الأعلام المائلة وقد يطلق بمعنى الطلس في إزالة الصورة ولمطلق القلب والتغيير ولذلك قيل معناه من قبل أن نغير وجوها فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصغار والإدبار أو نردها إلى حيث جاءت منه وهي أذرعات الشام يعني إجلاء بني النضير ويقرب منه قول من قال إن المراد بالوجوه الرؤساء أو من قبل أن نطمس وجوها بأن نعمي الأبصار عن الاعتبار ونصم ________________________________________ " صفحة رقم 199 " الأسماع عن الإصغاء إلى الحق بالطبع ونردها عن الهداية إلى الضلالة ) أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ( أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السبت أو نمسخهم مسخا مثل مسخهم أو نلعنهم على لسانك كما لعناهم على لسان داود والضمير لأصحاب الوجوه أو للذين على طريقة الالتفات أو للوجوه إن أريد به الوجهاء وعطفه على الطمس بالمعنى الأول يدل على أن المراد به ليس مسخ الصورة في الدنيا ومن حمل الوعيد على تغيير الصورة في الدنيا قال إنه بعد مترقب أو كان وقوعه مشروطا بعدم إيمانهم وقد آمن ________________________________________ " صفحة رقم 200 " منهم طائفة ) وكان أمر الله ( بإيقاع شيء أو وعيده أو ما حكم به وقضاه ) مفعولا ( نافذا وكائنا فيقع لا محالة ما أوعدتم به إن لم تؤمنوا النساء : ( 48 ) إن الله لا . . . . . ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( لأنه بت الحكم على خلود عذابه وأن ذنبه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو بخلاف غيره ) ويغفر ما دون ذلك ( أي ما دون الشرك صغيرا كان أو كبيرا ) لمن يشاء ( تفضلا عليه وإحسانا والمعتزلة علقوه بالفعلين على معنى إن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء وهو من لم يتب ويغفر ما دونه لمن يشاء وهو من تاب وفيه تقييد بلا دليل إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولى منه ونقض لمذهبهم فإن تعليق الأمر ________________________________________ " صفحة رقم 201 " بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة والصفح بعدها فالآية كما هي حجة عليهم فهي حجة على الخوارج الذين زعموا أن كل ذنب شرك وأن صاحبه خالد في النار ) ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ( ارتكب ما يستحقر دونه الآثام وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذلك الاختلاق النساء : ( 49 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( يعني أهل الكتاب قالوا ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( وقيل ناس من اليهود جاؤوا بأطفالهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا هل على هؤلاء ذنب قال لا قالوا والله ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها ) بل الله يزكي من يشاء ( تنبيه على أن تزكيته تعالى هي المعتد بها دون تزكية غيره فإنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن وقبيح وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين وأصل التزكية نفي ما يستقبح فعلا أو قولا ) ولا يظلمون ( بالذم أو العقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حق ) فتيلا ( أدنى ظلم وأصغره وهو الخيط الذي في شق النواة يضرب به المثل في الحقارة ________________________________________ " صفحة رقم 202 " النساء : ( 50 ) انظر كيف يفترون . . . . . ) انظر كيف يفترون على الله الكذب ( في زعمهم أنهم أبناء الله وأزكياء عنده ) وكفى به ( بزعمهم هذا أو بالافتراء ) إثما مبينا ( لا يخفى كونه مأثما من بين آثامهم النساء : ( 51 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ( نزلت في يهود كانوا يقولون إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعوهم إليه محمد وقيل في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف في جمع من اليهود خرجوا إلى مكة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا أنتم أهل كتاب وأنتم اقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله وقيل أصله الجبس وهو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء والطاغوت يطلق لكل باطل من معبود أو غيره ) ويقولون للذين كفروا ( لأجلهم وفيهم ) هؤلاء ( إشارة إليهم ) أهدى من الذين آمنوا سبيلا ( أقوم دينا وأرشد طريقا النساء : ( 52 ) أولئك الذين لعنهم . . . . . ) أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ( يمنع العذاب منه بشفاعة أو غيرها النساء : ( 53 ) أم لهم نصيب . . . . . ) أم لهم نصيب من الملك ( أم منقطعة ومعنى الهمزة إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك وجحد لما زعمت اليهود من أن الملك سيصير إليهم ) فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ( أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا ما يوازي نقيرا وهو النقرة في ظهر النواة وهذا هو الإغراق في بيان شحهم فإنهم إن بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا فقراء أذلاء متفاقرين ويجوز أن يكون المعنى إنكار أنهم أوتوا نصيبا من ________________________________________ " صفحة رقم 203 " الملك على الكناية وأنهم لا يؤتون الناس شيئا وإذا وقع بعد الواو والفاء لا لتشريك مفرد جاز فيه الإلغاء والإعمال ولذلك قرئ فإذا لا يؤتوا الناس على النصب النساء : ( 54 ) أم يحسدون الناس . . . . . ) أم يحسدون الناس ( بل أيحسدون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه أو العرب أو الناس جميعا لأن من حسد على النبوة فكأنما حسد الناس كلهم كمالهم ورشدهم وبخعهم وأنكر عليهم الحسد كما ذمهم على البخل وهما شر الرذائل وكأن بينهما تلازما وتجاذبا ) على ما آتاهم الله من فضله ( يعني النبوة والكتاب والنصرة والإعزاز وجعل النبي الموعود منهم ) فقد آتينا آل إبراهيم ( الذين هم أسلاف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأبناء عمه ) الكتاب والحكمة ( النبوة ) وآتيناهم ملكا عظيما ( فلا يبعد أن يؤتيه الله مثل ما آتاهم النساء : ( 55 ) فمنهم من آمن . . . . . ) فمنهم ( من اليهود ) من آمن به ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو بما ذكر من حديث آل إبراهيم ) ومنهم من صد عنه ( أعرض عنه ولم يؤمن به وقيل معناه فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر ولم يكن في ذلك توهين أمره فكذلك لا يوهن كفر هؤلاء أمرك ) وكفى بجهنم سعيرا ( نارا مسعورة يعذبون بها أي إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم النساء : ( 56 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا ( كالبيان والتقرير لذلك ) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ( ________________________________________ " صفحة رقم 204 " بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى كقولك بدلت الخاتم قرطا أو بأن يزال عنه أثر الإحراق ليعود إحساسه للعذاب كما قال ) ليذوقوا العذاب ( أي ليدوم لهم ذوقه وقيل يخلق لهم مكانه جلد آخر والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية المدركة لا لآلة إدراكها فلا محذور ) إن الله كان عزيزا ( لا يمتنع عليه ما يريده ) حكيما ( يعاقب على وفق حكمته النساء : ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( قدم ذكر الكفار ووعيدهم على ذكر المؤمنين ووعدهم لأن الكلام فيهم وذكر المؤمنين بالعرض ) لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ( فينانا لا جوب فيه ودائما لا تنسخه الشمس وهو إشارة إلى النعمة التامة الدائمة والظليل صفة مشتقة من الظل لتأكيده كقولهم شمس شامس وليل أليل ويوم أيوم ________________________________________ " صفحة رقم 205 " النساء : ( 58 ) إن الله يأمركم . . . . . ) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( خطاب يعم المكلفين والأمانات وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة بن عبد الدار لما أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها رسول الله وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله وجهه يده وأخذه منه وفتح فدخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس رضي الله عنه أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت فأمره الله أن يرده إليه فأمر عليا رضي الله عنه أن يرده ويعتذر إليه وصار ذلك سببا لإسلامه ونزل الوحي بأن السدانة في أولاده أبدا ) وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ( أي وأن تحكموا بالإنصاف والسوية إذا قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم ولأن الحكم وظيفة الولاة قيل الخطاب لهم ) إن الله نعما يعظكم به ( أي نعم شيئا بيعظكم به أو نعم الشي الذي يعظكم به فما منصوبة موصوفة بيعظكم به أو مرفوعة موصولة به والمخصوص بالمدح محذوف وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكومات ) إن الله كان سميعا بصيرا ( بأقوالكم وأحكامكم وما تفعلون في الأمانات النساء : ( 59 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( يريد بهم أمراء ________________________________________ " صفحة رقم 206 " المسلمين في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وبعده ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية أمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بالعدل تنبيها على أن وجوب طاعتهم ما داموا على الحق وقيل علماء الشرع لقوله تعالى ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( ) فإن تنازعتم ( أنتم وأولو الأمر منكم ) في شيء ( من أمور الدين وهو يؤيد الوجه الأول إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس إلا أن يقال الخطاب لأولي الأمر على طريقة الالتفات ) فردوه ( فراجعوا فيه ) إلى الله ( إلى كتابه ) والرسول ( بالسؤال عنه في زمانه والمراجعة إلى سنته بعده واستدل به منكرو القياس وقالوا إنه تعالى أوجب رد المختلف إلى الكتاب والسنة دون القياس وأجيب بأن رد المختلف إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه وهو القياس ويؤيد ذلك الأمر به بعد الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله فإنه يدل على أن الأحكام ________________________________________ " صفحة رقم 207 " ثلاثة مثبت بالكتاب ومثبت بالسنة ومثبت بالرد إليهما على وجه القياس ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( فإن الإيمان يوجب ذلك ) ذلك ( أي الرد ) خير ( لكم ) وأحسن تأويلا ( عاقبة أو أحسن تأويلا من تأويلكم بلا رد النساء : ( 60 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ( عن ابن عباس رضي الله عنهما أن منافقا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال نتحاكم إلى عمر فقال اليهودي لعمر قضى لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يرض بقضائه وخاصم إليك فقال عمر رضي الله تعالى عنه للمنافق أكذلك فقال نعم فقال مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال هكذا أقضي لمن يرضى بقضاء الله ورسوله فنزلت وقال جبريل إن عمر قد فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل ________________________________________ " صفحة رقم 208 " عليه كما قال ) وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ( وقرئ أن / يكفروا بها / على أن الطاغوت جمع كقوله تعالى ) أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ) النساء : ( 61 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ( وقرئ ) تعالوا ( بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطا ثم ضم اللام لواو الضمير ) رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ( هو مصدر أو اسم للمصدر الذي هو الصد والفرق بينه وبين السد أنه غير محسوس والسد محسوس ويصدون في موضع الحال النساء : ( 62 ) فكيف إذا أصابتهم . . . . . ) فكيف ( يكون حالهم ) إذا أصابتهم مصيبة ( كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله تعالى ) بما قدمت أيديهم ( من التحاكم إلى غيرك وعدم الرضى بحكمك ) ثم جاؤوك ( حين يصابون للاعتذار عطف على أصابتهم وقيل على يصدون وما بينهما اعتراض ) يحلفون بالله ( حال ) إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( ما أردنا بذلك إلا الفصل بالوجه الأحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفتك وقيل جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه ________________________________________ " صفحة رقم 209 " النساء : ( 63 ) أولئك الذين يعلم . . . . . ) أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ( من النفاق فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب ) فأعرض عنهم ( أي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم ) وعظهم ( بلسانك وكفهم عما هم عليه ) وقل لهم في أنفسهم ( أي في معنى أنفسهم أو خاليا بهم فإن النصح في السر أنجع ) قولا بليغا ( يبلغ منهم ويؤثر فيهم أمرهم التجافي عن ذنوبهم والنصح لهم والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب وذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم السلام وتعليق الظرف ببليغا على معنى بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها ضعيف لأن معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به النساء : ( 64 ) وما أرسلنا من . . . . . ) وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ( بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافرا مستوجب القتل وتقريره أن إرسال الرسول لما لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم ________________________________________ " صفحة رقم 210 " يرض بحكمه لم يقبل رسالته ومن كان كذلك كان كافرا مستوجب القتل ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ( بالنفاق أو التحاكم إلى الطاغوت ) جاؤوك ( تائبين من ذلك وهو خبر أن وإذ متعلق به ) فاستغفروا الله ( بالتوبة والإخلاص ) واستغفر لهم الرسول ( واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعا وإنما عدل الخطاب تفخيما لشأنه وتنبيها على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظم جرمه ويشفع له ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب ) لوجدوا الله توابا رحيما ( لعلموه قابلا لتوبتهم متفضلا عليهم بالرحمة وإن فسر وجد بصادف كان توابا حالا ورحيما بدلا منه أو حالا من الضمير فيه النساء : ( 65 ) فلا وربك لا . . . . . ) فلا وربك ( أي فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله ) لا يؤمنون ( لأنها تزاد أيضا في الإثبات كقوله تعالى ) لا أقسم بهذا البلد ( ) حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 211 " فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه ) ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ( ضيقا مما حكمت به أو من حكمك أو شكا من أجله فإن الشاك في ضيق من أمره ) ويسلموا تسليما ( وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم النساء : ( 66 ) ولو أنا كتبنا . . . . . ) ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ( تعرضوا بها للقتل في الجهاد أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل وأن مصدرية أو مفسرة لأن كتبنا في معنى أمرنا ) أو اخرجوا من دياركم ( خروجهم حين استتيبوا من عبادة العجل وقرأ أبو عمرو ويعقوب أن اقتلوا بكسر النون على أصل التحريك أو اخرجوا بضم الواو للاتباع والتشبيه بواو الجمع في نحو قوله تعالى ) ولا تنسوا الفضل ( وقرأ حمزة وعاصم بكسرهما على الأصل والباقون بضمهما إجراء لهما مجرى الهمزة المتصلة بالفعل ) ما فعلوه إلا قليل منهم ( إلا أناس قليل وهم ________________________________________ " صفحة رقم 212 " المخلصون لما بين أن إيمانهم لا يتم إلا بأن يسلموا حق التسليم نبه على قصور أكثرهم ووهن إسلامهم والضمير للمكتوب ودل عليه كتبنا أو لأحد مصدري الفعلين وقرأ ابن عامر بالنصب على الاستثناء أو على إلا فعلا قليلا ) ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ( من متابعة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مطاوعته طوعا ورغبة ) لكان خيرا لهم ( في عاجلهم وآجلهم ) وأشد تثبيتا ( في دينهم لأنه أشد لتحصيل العلم ونفي الشك أو تثبيتا لثواب أعمالهم ونصبه على التمييز والآية أيضا مما نزلت في شأن المنافق اليهودي وقيل إنها والتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة خاصم زبيرا في شراج من الجرة كانا يسقيان بها النخل فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فقال حاطب لأن كان ابن عمتك فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أسق يا زبير ثم احبس الماء إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك ________________________________________ " صفحة رقم 213 " النساء : ( 67 ) وإذا لآتيناهم من . . . . . ) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ( جواب لسؤال مقدر كأنه قيل وما يكون لهم بعد التثبيت فقال وإذا لو تثبتوا لآتيناهم لأن ) إذا ( جواب وجزاء النساء : ( 68 ) ولهديناهم صراطا مستقيما ) ولهديناهم صراطا مستقيما ( يصلون بسلوكه جناب القدس ويفتح عليهم أبواب الغيب قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم النساء : ( 69 ) ومن يطع الله . . . . . ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ( مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق وأعظمهم قدرا ) من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ( بيان للذين أو حال منه أو من ضميره قسمهم أربعة بحسب منازلهم في العلم ________________________________________ " صفحة رقم 214 " والعمل وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته ولك أن تقول المنعم عليهم هم العارفون بالله وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين درجة العيان أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان والأولون إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريبا وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولا فيكونون كمن يرى الشيء بعيدا وهم الصديقون والآخرون إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهم العلماء الراسخون في ________________________________________ " صفحة رقم 215 " العلم الذين هم شهداء الله في أرضه وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم وهم الصالحون ) وحسن أولئك رفيقا ( في معنى التعجب و ) رفيقا ( في معنى التعجب ورفيقا على التمييز أو الحال ولم يجمع لأنه يقال للواحد والجمع كالصديق أو لأنه أريد وحسن كل واحد منهم رفيقا روي أن ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه فسأله عن حاله فقال ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترتفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا فنزلت النساء : ( 70 ) ذلك الفضل من . . . . . ) ذلك ( مبتدأ إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم ) الفضل ( صفته ) من الله ( خبره أو ________________________________________ " صفحة رقم 216 " الفضل خبره ومن الله حال والعامل فيه معنى الإشارة ) وكفى بالله عليما ( بجزاء من أطاعه أو بمقادير الفضل واستحقاق أهله النساء : ( 71 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ( تيقظوا واستعدوا للأعداء والحذر والحذر كالأثر والأثر وقيل ما يحذر به كالحزم والسلاح ) فانفروا ( فاخرجوا إلى الجهاد ) ثبات ( جماعات متفرقة جمع ثبة من ثبيت على فلان تثبية إذا ذكرت متفرق محاسنه ويجمع أيضا على ثبين جبرا لما حذف من عجزه ) أو انفروا جميعا ( مجتمعين كوكبة واحدة والآية وإن نزلت في الحرب لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات النساء : ( 72 ) وإن منكم لمن . . . . . ) وإن منكم لمن ليبطئن ( الخطاب لعسكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المؤمنين منهم والمنافقين والمبطئون منافقوهم تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد من بطأ بمعنى أبطأ وهو لازم أو ثبطوا غيرهم كما ثبط ابن أبي ناسا يوم أحد من بطأ منقولا من بطؤ كثقل من ثقل واللام الأولى للابتداء دخلت اسم إن للفصل بالخبر والثانية جواب قسم محذوف والقسم بجوابه صلة من والراجع إليه ما استكن في ليبطئن والتقدير وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن ) فإن أصابتكم مصيبة ( كقتل وهزيمة قال أي المبطئ ) قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ( حاضرا فيصيبني ما أصابهم ________________________________________ " صفحة رقم 217 " النساء : ( 73 ) ولئن أصابكم فضل . . . . . ) ولئن أصابكم فضل من الله ( كفتح وغنيمة ) ليقولن ( أكده تنبيها على فرط تحسره وقرئ بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى ) من ( ) كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ( اعتراض بين الفعل ومفعوله وهو ) يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ( للتنبيه على ضعف عقيدتهم وأن قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال أو حال من الضمير في ليقولن أو داخل في المقول أي يقول المبطئ لمن يبطئه من المنافقين وضعفه المسلمين تضريبا وحسدا كأن لم يكن بينكم وبين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مودة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فازيا ليتني كنت معهم وقيل إنه متصل بالجملة الأولى وهو ضعيف إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلق بها لفظا ومعنى وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب ) تكن ( بالتاء لتأنيث لفظ المودة والمنادى في يا ليتني محذوف أي يا قوم وقيل يا أطلق للتنبيه على الاتساع فأفوز نصب على جواب التمني وقرئ بالرفع على ________________________________________ " صفحة رقم 218 " تقدير فأنا أفوز في ذلك الوقت أو العطف على كنت النساء : ( 74 ) فليقاتل في سبيل . . . . . ) فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ( أي الذين يبيعونها بها والمعنى إن بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة أو الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة وهم المبطئون والمعنى حثهم على ترك ما حكي عنهم ) ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب ترغيبا في القتال وتكذيبا لقولهم ) قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ( وإنما قال ) فيقتل أو يغلب ( تنبيها على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة أو الدين بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل بل إلى إعلاء كلمة الحق وإعزاز الدين النساء : ( 75 ) وما لكم لا . . . . . ) وما لكم ( مبتدأ وخبر ) لا تقاتلون في سبيل الله ( حال والعامل فيها ما في الظرف من معنى الفعل ) والمستضعفين ( عطف على اسم الله تعالى أي وفي سبيل المستضعفين وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو أو على سبيل بحذف المضاف أي وفي خلاص المستضعفين ويجوز نصبه على الاختصاص فإن سبيل الله تعالى يعم أبواب الخير وتخليص ضعفه المسلمين من أيدي الكفار أعظمها وأخصها ) من الرجال والنساء والولدان ( بيان للمستضعفين وهم المسلمون الذين بقوا بمكة لصد المشركين أو ضعفهم عن الهجرة مستذلين ممتحنين وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيها على تناهي ظلم ________________________________________ " صفحة رقم 219 " المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان وأن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية وقيل المراد به العبيد والإماء وهو جمع وليد ) الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ( فاستجاب الله دعاءهم بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة وجعل لمن بقي منهم خير ولي وناصر بفتح مكة على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فتولاهم ونصرهم ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها والقرية مكة والظالم صفتها وتذكيره لتذكير ما أسند إليه فإن اسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه النساء : ( 76 ) الذين آمنوا يقاتلون . . . . . ) الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ( فيما يصلون به إلى الله سبحانه وتعالى ) والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ( فيما يبلغ بهم إلى الشيطان ) فقاتلوا أولياء الشيطان ( لما ذكر مقصد الفريقين أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشيطان ثم شجعهم بقوله ) إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( أي إن كيده للمؤمنين بالإضافة إلى كيد الله سبحانه وتعالى للكافرين ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا أولياءه فإن اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه ________________________________________ " صفحة رقم 220 " النساء : ( 77 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( أي عن القتال ) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( واشتغلوا بما أمرتم به ) فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ( يخشون الكفار أن يقتلوهم كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه وإذا للمفاجأة جواب لما وفريق مبتدأ منهم صفته ويخشون خبره وكخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول وقع موقع المصدر أو الحال من فاعل يخشون على معنى يخشون الناس مثل أهل خشية الله منه ) أو أشد خشية ( عطف عليه إن جعلته حالا وإن جعلته مصدرا فلا لأن أفعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل هو معطوف على اسم الله تعالى أي وكخشية الله تعالى أو كخشية أشد خشية منه على الفرض اللهم إلا أن تجعل الخشية ذات خشية كقولهم جد جده على معنى يخشون الناس خشية مثل خشية الله تعالى أو خشية أشد خشية من خشية الله ) وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ( استزادة في مدة الكف عن القتال حذرا عن الموت ويحتمل أنهم ما تفوهوا به ولكن قالوه في أنفسهم فحكى الله تعالى عنهم ) قل متاع الدنيا قليل ( سريع التقضي ) والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ( أي ولا تنقصون أدنى شيء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه أو من آجالكم المقدرة وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ) ولا يظلمون ( لتقدم الغيبة ________________________________________ " صفحة رقم 221 " النساء : ( 78 ) أينما تكونوا يدرككم . . . . . ) أينما تكونوا يدرككم الموت ( قرئ بالرفع على حذف الفاء كما في قوله من يفعل الحسنات الله يشكرها أو على أنه كلام مبتدأ وأينما متصل ب ) لا تظلمون ( ) ولو كنتم في بروج مشيدة ( في قصور أو حصون مرتفعة والبروج في الأصل بيوت على أطراف القصور من تبرجت المرأة إذا ظهرت وقرئ مشيدة بكسر الياء وصفا لها بوصف فاعلها كقولهم قصيدة شاعرة ومشيدة من شاد القصر إذا رفعه ) وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ( كما تقع الحسنة والسيئة على الطاعة والمعصية يقعان على النعمة والبلية وهما المراد في الآية أي وإن تصبهم نعمة كخصب نسبوها إلى الله سبحانه وتعالى وإن تصبهم بلية كقحط أضافوها إليك وقالوا إن هي إلا بشؤمك كما قالت اليهود منذ دخل محمد المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها ) قل كل من عند الله ( أي يبسط ويقبض حسب إرادته ) فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ( يوعظون به وهو القرآن فإنهم لو فهموه وتدبروا معانية لعلموا أن الكل من عند الله سبحانه وتعالى أو حديثا ما كبهائم لا أفهام لها أو حادثا من صروف الزمان فيتفكرون فيه فيعلمون أن القابض والباسط هو الله سبحانه وتعالى النساء : ( 79 ) ما أصابك من . . . . . ) ما أصابك ( يا إنسان ) من حسنة ( من نعمة ) فمن الله ( أي تفضلا منه فإن كل ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود فكيف يقتضي غيره ولذلك قال ________________________________________ " صفحة رقم 222 " ( صلى الله عليه وسلم ) ما يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى قيل ولا أنت قال ولا أنا ) وما أصابك من سيئة ( من بلية ) فمن نفسك ( لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي وهو لا ينافي قوله سبحانه وتعالى ) قل كل من عند الله ( فإن الكل منه إيجادا وإيصالا غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ما من مسلم يصيبه من وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر والآيتان كما ترى لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة ) وأرسلناك للناس رسولا ( ________________________________________ " صفحة رقم 223 " حال قصد بها التأكيد إن علق الجار بالفعل والتعميم إن علق بها أي رسولا للناس جميعا كقوله تعالى ) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( ويجوز نصبه على المصدر كقوله ولا خارجا من في زور كلام ) وكفى بالله شهيدا ( على رسالتك بنصب المعجزات النساء : ( 80 ) من يطع الرسول . . . . . ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الحقيقة مبلغ والأمر هو الله سبحانه وتعالى روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله فقال المنافقون لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا فنزلت ) ومن تولى ( عن طاعته ) فما أرسلناك عليهم حفيظا ( ________________________________________ " صفحة رقم 224 " تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب وهو حال من الكاف النساء : ( 81 ) ويقولون طاعة فإذا . . . . . ) ويقولون ( إذا أمرتهم بأمر ) طاعة ( أي أمرنا أو منا طاعة وأصلها النصب على المصدر ورفعها للدلالة على الثبات ) فإذا برزوا من عندك ( خرجوا ) بيت طائفة منهم غير الذي تقول ( أي زورت خلاف ما قلت لها أو ما قالت لك من القبول وضمان الطاعة والتبييت إما من البيتوتة لأن الأمور تدبر بالليل أو من بيت الشعر أو البيت المبني لأنه يسوي ويدبر وقرأ أبو عمرو وحمزة ) بيت طائفة ( بالإدغام لقربهما في المخرج ) والله يكتب ما يبيتون ( ________________________________________ " صفحة رقم 225 " يثبته في صحائفهم للمجازاة أو في جملة ما يوحى إليك لتطلع على أسرارهم ) فأعرض عنهم ( قلل المبالاة بهم أو تجاف عنهم ) وتوكل على الله ( في الأمور كلها سيما في شأنهم ) وكفى بالله وكيلا ( يكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم النساء : ( 82 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . . ) أفلا يتدبرون القرآن ( يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه وأصل التدبر النظر في أدبار الشيء ) ولو كان من عند غير الله ( أي ولو كان من كلام البشر كما تزعم الكفار ) لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( من تناقض المعنى وتفاوت النظم وكان بعضه فصيحا وبعضه ركيكا وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل ومطابقة بعض أخباره المستقبلة للواقع دون بعض وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية ولعل ذكره ها هنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم بل لاختلاف الأحوال في الحكم والمصالح النساء : ( 83 ) وإذا جاءهم أمر . . . . . ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف ( مما يوجب الأمن أو الخوف ) أذاعوا به ( أفشوه كما كان يفعله قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو أخبرهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوا به لعدم حزمهم فكانت إذاعتهم مفسدة والباء مزيدة أو لتضمن الإذاعة معنى التحدث ) ولو ردوه ( أي ولو ردوا ذلك الخبر ) إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ( إلى رأيه ورأي كبار ________________________________________ " صفحة رقم 226 " أصحابه البصراء بالأمور أو الأمراء ) لعلمه ( لعلم ما أخبروا به على أي وجه يذكر ) الذين يستنبطونه منهم ( يستخرجون تدابيره بتجاربهم وأنظارهم وقيل كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها فتعود وبالا على المسلمين ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم حتى يسمعوه منهم وتعرفوا أنه هل يذاع لعلم ذلك من هؤلاء الذين يستنبطونه من الرسول وأولي الأمر أي يستخرجون علمه من جهتهم وأصل الاستنباط إخراج النبط وهو الماء يخرج من البئر أول ما يحفر ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ) لاتبعتم الشيطان ( والكفر والضلال ) إلا قليلا ( أي إلا قليلا منكم تفضل الله عليه بعقل راجح اهتدى به إلى الحق والصواب وعصمه عن متابعة الشيطان كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل أو إلا اتباعا قليلا على الندور ________________________________________ " صفحة رقم 227 " النساء : ( 84 ) فقاتل في سبيل . . . . . ) فقاتل في سبيل الله ( أن تثبطوا وتركوك وحدك ) لا تكلف إلا نفسك ( إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت فخرج ( صلى الله عليه وسلم ) وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد وقرئ لا ) تكلف ( بالجزم ) ولا نكلف ( بالنون على بناء الفاعل أي لا نكلفك إلا فعل نفسك لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك لقوله ) وحرض المؤمنين ( على القتال إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض ) عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ( يعني قريشا وقد فعل بأن ألقى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا ) والله أشد بأسا ( من قريش ) وأشد تنكيلا ( تعذيبا منهم وهو تقريع وتهديد لمن لم يتبعه ________________________________________ " صفحة رقم 228 " النساء : ( 85 ) من يشفع شفاعة . . . . . ) من يشفع شفاعة حسنة ( راعى بها حق مسلم ودفع بها عنه ضرا أو جلب إليه نفعا ابتغاء لوجه الله تعالى ومنها الدعاء لمسلم قال ( صلى الله عليه وسلم ) من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك ) يكن له نصيب منها ( وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها ) ومن يشفع شفاعة سيئة ( يريد بها محرما ) يكن له كفل منها ( نصيب من وزرها مساو لها في القدر ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( مقتدرا من أقات على الشيء إذا قدر قال " وذي ضغن كففت الضغن عنه وكنت على مساءته مقيتا " أو شهيدا حافظا واشتقاقه من القوت فإنه يقوي البدن ويحفظه النساء : ( 86 ) وإذا حييتم بتحية . . . . . ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( الجمهور على أنه في السلام ويدل على وجوب الجواب إما بأحسن منه وهو أن يزيد عليه ورحمة الله فإن قاله المسلم زاد وبركاته وهي النهاية وإما برد مثله لما روي أن رجلا قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) السلام عليك فقال وعليك السلام ورحمة الله وقال آخر السلام عليك ورحمة الله فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته وقال آخر السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال وعليك فقال الرجل نقصتني فأين ما قال الله تعالى وتلا الآية فقال ( صلى الله عليه وسلم ) إنك لم تترك لي فضلا ________________________________________ " صفحة رقم 229 " فردت عليك مثله وذلك لاستجماعه أقسام المطالب السالمة عن المضار وحصول المنافع وثباتها ومنه قيل أو للترديد بين أن يحيى المسلم ببعض التحية وبين أن يحيى بتمامها وهذا الوجوب على الكفاية وحيث السلام مشروع فلا يرد في الخطبة وقراءة القرآن وفي الحمام وعند قضاء الحاجة ونحوها والتحية في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام وقيل المراد بالتحية العطية وواجب الثواب أو الرد على المتهب وهو قول قديم للشافعي رضي الله تعالى عنه ) إن الله كان على كل شيء حسيبا ( يحاسبكم على التحية وغيرها النساء : ( 87 ) الله لا إله . . . . . ) الله لا إله إلا هو ( مبتدأ وخبر أو ) الله ( مبتدأ والخبر ) ليجمعنكم إلى يوم القيامة ( أي الله والله ليحشرنكم من قبوركم إلى يوم القيامة أو مفضين إليه أو في يوم القيامة ولا إله إلا هو اعتراض والقيام والقيامة كالطلاب والطلابة وهي قيام الناس من القبور أو للحساب ) لا ريب فيه ( في اليوم أو في الجمع فهو حال من اليوم أو صفة للمصدر ) ومن أصدق من الله حديثا ( إنكار أن يكون أحد أكثر صدقا منه فإنه لا يتطرق الكذب إلى خبره بوجه لأنه نقص وهو على الله محال ________________________________________ " صفحة رقم 230 " النساء : ( 88 ) فما لكم في . . . . . ) فما لكم في المنافقين ( فما لكم تفرقتم في أمر المنافقين ) فئتين ( أي فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم وذلك أن ناسا منهم استأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا رحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون في إسلامهم وقيل نزلت في المتخلفين يوم أحد أو في قوم هاجروا ثم رجعوا معتلين باجتواء المدينة والاشتياق إلى الوطن أو قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة و ) فئتين ( حال عاملها لكم كقولك ما لك قائما و ) في المنافقين ( حال من ) فئتين ( أي متفرقتين فيهم أو من الضمير أي فما لكم تفترقون فيهم ومعنى الافتراق مستفاد من ) فئتين ( ) والله أركسهم بما كسبوا ( ردهم إلى حكم الكفرة ________________________________________ " صفحة رقم 231 " أو نكسهم بأن صيرهم للنار وأصل الركس رد الشيء مقلوبا ) أتريدون أن تهدوا من أضل الله ( أن تجعلوه من المهتدين ) ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( إلى الهدى النساء : ( 89 ) ودوا لو تكفرون . . . . . ) ودوا لو تكفرون كما كفروا ( تمنوا أن تكفروا ككفرهم ) فتكونون سواء ( فتكونون معهم سواء في الضلال وهو عطف على تكفرون ولو نصب على جواب التمني لجاز ) فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ( فلا توالوهم حتى يؤمنوا وتتحققوا إيمانهم بهجرة هي لله ورسوله لا لأغراض الدنيا وسبيل الله ما أمر بسلوكه ) فإن تولوا ( عن الإيمان الظاهر بالهجرة أو عن إظهار الإيمان ) فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ( كسائر الكفرة ) ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ( أي جانبوهم رأسا ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة النساء : ( 90 ) إلا الذين يصلون . . . . . ) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ( استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم أي إلا الذين يتصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم ويفارقون محاربتكم والقوم هم ________________________________________ " صفحة رقم 232 " خزاعة وقيل هم الأسلمون فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ماله وقيل بنو بكر بن زيد مناة ) أو جاؤوكم ( عطف على الصلة أي أو الذين جاؤوكم كافين عن قتالكم وقتال قومهم استثنى من المأمور بأخذهم وقتلهم من ترك المحاربين فلحق بالمعاهدين أو أتى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وكف عن قتال الفريقين أو على صفة وكأنه قيل إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم كافين عن القتال لكم وعليكم والأول أظهر لقوله فإن اعتزلوكم وقرئ بغير العاطف على أنه صفة بعد صفة أو بيان ليصلون أو ________________________________________ " صفحة رقم 233 " استئناف ) حصرت صدورهم ( حال بإضمار قد ويدل عليه أنه قرئ ) حصرت صدورهم ( وحصرات صدورهم أو بيان لجاءوكم وقيل صفة محذوف أي جاؤوكم قوما حصرت صدورهم وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غير مقاتلين والحصر الضيق والانقباض ) أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ( أي عن أن أو لأن أو كراهة أن يقاتلوكم ) ولو شاء الله لسلطهم عليكم ( بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم ) فلقاتلوكم ( ولم يكفوا عنكم ) فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم ( فإن لم يتعرضوا لكم ) وألقوا إليكم السلم ( الاستسلام والانقياد ) فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم النساء : ( 91 ) ستجدون آخرين يريدون . . . . . ) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ( هم أسد وغطفان وقيل بنو عبد الدار أتوا المدينة وأظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين فلما رجعوا كفروا ) كل ما ردوا إلى الفتنة ( دعوا إلى الكفر وإلى قتال المسلمين ) أركسوا فيها ( عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب ) فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ( وينبذوا إليكم العهد ) ويكفوا أيديهم ( عن قتالكم ) فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ( حيث تمكنتم منهم فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض ) وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ( حجة واضحة في التعرض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وغدرهم أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم النساء : ( 92 ) وما كان لمؤمن . . . . . ) وما كان لمؤمن ( وما صح له وليس من شأنه ) أن يقتل مؤمنا ( بغير حق ) إلا خطأ ( ________________________________________ " صفحة رقم 234 " فإنه على عرضته ونصبه على الحال أو المفعول له أي لا يقتله في شيء من الأحوال إلا حال الخطأ أو لا يقتله لعلة إلا للخطأ أو على أنه صفة مصدر محذوف أي قتلا خطأ وقيل ) ما كان ( نفي في معنى النهي والاستثناء منقطع أي لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما يذكر والخطأ ما لا يضامه القصد إلى الفعل أو الشخص أو لا يقصد به زهوق الروح غالبا أو لا يقصد به محظور كرمي مسلم في صف الكفار مع الجهل بإسلامه أو يكون فعل غير المكلف وقرئ / خطاء / بالمد و ) خطأ ( كعصا بتخفيف الهمزة والآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الأم لقي حارث بن زيد في طريق وكان قد أسلم ولم يشعر به عياش فقتله ) ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة ( أي فعليه أو فواجبه تحرير رقبة والتحرير الإعتاق والحر كالعتيق للكريم من الشيء ومنه حر الوجه لأكرم موضع منه سمي به لأن الكرم في الأحرار واللؤم في العبيد والرقبة عبر بها عن النسمة كما عبر عنها بالرأس ) مؤمنة ( محكوم بإسلامها وإن كانت صغيرة ) ودية مسلمة إلى أهله ( مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث لقول ضحاك بن سفيان الكلابي كتب إلي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها وهي على العاقلة فإن لم تكن فعلى بيت المال فإن لم يكن ففي ماله ) إلا أن يصدقوا ( إلا أن ________________________________________ " صفحة رقم 235 " يتصدقوا عليه بالدية سمي العفو عنها صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كل معروف صدقة وهو متعلق بعليه أو بمسلمة أي تجب الدية عليه أو يسلمها إلى أهله إلا حال تصدقهم عليه أو زمانه فهو في محل النصب على الحال من القاتل أو الأهل أو الظرف ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ( أي فإن كان المؤمن المقتول من قوم كفار محاربين أو في تضاعيفهم ولم يعلم إيمانه فعلى قاتله الكفارة دون الدية لأهله إذ لا وراثة بينه وبينهم ولأنهم محاربون ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ( أي وإن كان من قوم كفرة معاهدين أو أهل الذمة فحكمه حكم المسلمين في وجوب الكفارة والدية ولعله فيما إذا كان المقتول معاهدا أو ________________________________________ " صفحة رقم 236 " كان له وارث مسلم ) فمن لم يجد ( رقبة بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها ) فصيام شهرين متتابعين ( فعليه أو فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين ) توبة ( نصب على المفعول له أي شرع ذلك توبة من تاب الله عليه إذا قبل توبته أو على المصدر أي وتاب الله عليكم توبة أو الحال بحذف مضاف أي فعليه صيام شهرين ذا توبة ) من الله ( صفتها ) وكان الله عليما ( بحاله ) حكيما ( فيما أمر في شأنه النساء : ( 93 ) ومن يقتل مؤمنا . . . . . ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ( لما فيه من التهديد العظيم قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تقبل توبة قاتل المؤمن عمدا ولعله أراد به التشديد إذ روي عنه خلافه والجمهور على أنه مخصوص بمن لم يتب لقوله تعالى ) وإني لغفار لمن تاب ( ونحوه وهو عندنا إما مخصوص بالمستحل له كما ذكره عكرمة وغيره ويؤيده أنه نزل في مقيس بن ضبابة وجد ________________________________________ " صفحة رقم 237 " أخاه هشاما قتيلا في بني النجار ولم يظهر قاتله فأمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدفعوا إليه ديته فدفعوا إليه ثم حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكة مرتدا أو المراد بالخلود المكث الطويل فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم النساء : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ( سافرتم وذهبتم للغزو ) فتبينوا ( فاطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تعجلوا فيه وقرأ حمزة والكسائي / فتثبتوا / في الموضعين هنا وفي الحجرات من التثبت ) ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ( لمن حياكم بتحية الإسلام وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير الألف أي الاستسلام والانقياد وفسر به السلام أيضا ) لست مؤمنا ( وإنما فعلت ذلك متعوذا وقرئ ) مؤمنا ( بالفتح أي مبذولا له الأمان ) تبتغون عرض الحياة الدنيا ( تطلبون ماله الذي هو حطام سريع النفاذ وهو حال من الضمير في تقولوا مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وترك التثبت ) فعند الله مغانم ( لكم ) كثيرة ( نغنيكم عن قتل أمثاله لماله ) كذلك كنتم من قبل ( أي أول ما دخلتم في الإسلام تفوهتم بكلمتي الشهادة فحصنت بها دماؤكم وأموالكم من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم ) فمن الله عليكم ( بالاشتهار بالإيمان والاستقامة في الدين ) فتبينوا ( وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل الله بكم ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفا فإن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل امرئ مسلم وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ( ________________________________________ " صفحة رقم 238 " عالما به وبالغرض منه فلا تتهافتوا في القتل واحتاطوا فيه روي أن سرية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غزت أهل فدك فهربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا به وكبروا كبر ونزل وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة واستاق غنمه وقيل نزل في المقداد مر برجل في غنيمة فأراد قتله فقال لا إله إلا الله فقتله وقال ود لو فر بأهله وماله وفيه دليل على صحة إيمان المكره وأن المجتهد قد يخطأ وأن خطأه مغتفر النساء : ( 95 ) لا يستوي القاعدون . . . . . ) لا يستوي القاعدون ( عن الحرب ) من المؤمنين ( في موضع الحال من القاعدين أو من الضمير الذي فيه ) غير أولي الضرر ( بالرفع صفة للقاعدون لأنه لم يقصد بهم قوم بأعيانهم أو بدل منه وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الحال أو الاستثناء وقرئ بالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه وعن زيد بن ثابت أنها نزلت ولم يكن ________________________________________ " صفحة رقم 239 " فيها غير أولي الضرر فقال ابن أم مكتوم وكيف وأنا أعمى فغشي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مجلسه الوحي فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه فقال اكتب ) لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( ) والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ( أي لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعا لرتبته وأنفة عن انحطاط منزلته ) فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ( جملة موضحة لما نفي الاستواء فيه والقاعدون على التقييد السابق ودرجة نصب بنزع الخافض أي بدرجة أو على المصدر لأنه تضمن معنى التفضيل ووقع موقع المرة منه أو الحال بمعنى ذوي درجة ) وكلا ( من ________________________________________ " صفحة رقم 240 " القاعدين والمجاهدين ) وعد الله الحسنى ( المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نبتهم وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب ) وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ( نصب على المصدر لأن فضل بمعنى أجر أو المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإعطاء كأنه قيل وأعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما ________________________________________ " صفحة رقم 241 " النساء : ( 96 ) درجات منه ومغفرة . . . . . ) درجات منه ومغفرة ورحمة ( كل واحد منها بدل من أجرا ويجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك ضربته أسواطا وأجرا على الحال عنها تقدمت عليها لأنها نكرة ومغفرة ورحمة على المصدر بإضمار فعليهما كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه إجمالا وتفصيلا تعظيما للجهاد وترغيبا فيه وقيل الأول ما خولهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر والثاني ما جعل لهم في الآخرة وقيل المراد بالدرجة الأولى ارتفاع منزلتهم عند الله سبحانه وتعالى وبالدرجات منازلهم في الجنة وقيل القاعدون الأول هم الأضراء والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من جاهد نفسه وعليه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) وكان الله غفورا ( لما عسى أن يفرط منهم ) رحيما ( بما وعد لهم ________________________________________ " صفحة رقم 242 " النساء : ( 97 ) إن الذين توفاهم . . . . . ) إن الذين توفاهم الملائكة ( يحتمل الماضي والمضارع وقرئ ) توفتهم ( و ) توفاهم ( على مضارع وفيت بمعنى أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها ) ظالمي أنفسهم ( في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة فإنها نزلت في أناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة ) قالوا ( أي الملائكة توبيخا لهم ) فيم كنتم ( في أي شيء كنتم من أمر دينكم ) قالوا كنا مستضعفين في الأرض ( اعتذروا مما وبخوا به بضعفهم وعجزهم عن الهجرة أو عن إظهار الدين وإعلاء كلمة الله ) قالوا ( أي الملائكة تكذيبا لهم أو تبكيتا ) ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( إلى قطر آخر كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة ) فأولئك مأواهم جهنم ( لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار وهو خبر إن والفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط وقالوا فيم كنتم حال من الملائكة بإضمار قد أو الخبر قالوا والعائد محذوف أي قالوا لهم وهو جملة معطوفة على الجملة التي قبلها مستنتجة منها ) وساءت مصيرا ( مصيرهم نار جهنم وفي الآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان ________________________________________ " صفحة رقم 243 " شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام النساء : ( 98 ) إلا المستضعفين من . . . . . ) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ( استثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه وذكر الولد إن أريد به المماليك فظاهر وإن أريد به الصبيان فللمبالغة في الأمر والإشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها وأن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت ) لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ( صفة للمستضعفين إذ لا توقيت فيه أو حال منه أو من المستكن فيه واستطاعة الحيلة وجدان أسباب الهجرة وما تتوقف عليه واهتداء السبيل معرفة الطريق بنفسه أو بدليل النساء : ( 99 ) فأولئك عسى الله . . . . . ) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ( ذكر بكلمة الإطماع ولفظ العفو إيذانا بأن ترك الهجرة أمر خطير حتى إن المضطر من حقه أن لا يأمن ويترصد الفرصة ويعلق بها قلبه ) وكان الله عفوا غفورا ) النساء : ( 100 ) ومن يهاجر في . . . . . ) ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا ( متحولا من الرغام وهو التراب وقيل طريق يراغم قومه بسلوكه أي يفارقهم على رغم أنوفهم وهو أيضا من الرغام ) وسعة ( في الرزق وإظهار الدين ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ( ________________________________________ " صفحة رقم 244 " وقرئ ) يدركه ( بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ثم هو يدركه وبالنصب على إضمار أن كقوله " سأترك منزلي ببني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا " ) فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ( الوقوع والوجوب متقاربان والمعنى ثبت أجره عند الله تعالى ثبوت الأمر الواجب والآية الكريمة نزلت في جندب بن ضمرة حمله بنوه على سرير متوجها إلى المدينة فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله فقال اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايع عليه رسولك ( صلى الله عليه وسلم ) فمات النساء : ( 101 ) وإذا ضربتم في . . . . . ) وإذا ضربتم في الأرض ( سافرتم ) فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ( بتنصيف ركعاتها ونفي الحرج فيه يدل على جوازه دون وجوبه ويؤيده أن ( صلى الله عليه وسلم ) أتم في السفر وأن عائشة رضي الله تعالى عنها اعتمرت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت يا رسول الله قصرت وأتممت وصمت وأفطرت فقال أحسنت يا عائشة وأوجبه أبو حنيفة لقول عمر رضي الله تعالى عنه صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ________________________________________ " صفحة رقم 245 " ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر فظاهرهما يخالف الآية الكريمة فإن صحا فالأول مؤول بأنه كالتمام في الصحة والإجزاء والثاني لا ينفي جواز الزيادة فلا حاجة إلى تأويل الآية بأنهم ألفوا الأربع فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن ركعتي السفر قصر ونقصان فسمي الإتيان بهما قصرا على ظنهم ونفي الجنام فيه لتطبيب به نفوسهم وأقل سفر تقصر فيه أربعة برد عندنا وستة عند أبي حنيفة قرئ ) تقصروا ( من أقصر بمعنى قصر ومن الصلاة صفة محذوف أي شيئا من الصلاة عند سيبويه ومفعول تقصروا بزيادة عند الأخفش ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ( شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت ولذلك لم يعتبر مفهومها كما لم يعتبر في قوله تعالى ) فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ( وقد تظاهرت ________________________________________ " صفحة رقم 246 " السنن على جوازه أيضا في حال الأمن وقرئ من الصلاة أن يفتنكم بغير إن خفتم بمعنى كراهة أن يفتنكم وهو القتال والتعرض بما يكره النساء : ( 102 ) وإذا كنت فيهم . . . . . ) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( تعلق بمفهومه من خص صلاة الخوف بحضرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لفضل الجماعة وعامة الفقهاء على أنه تعالى علم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كيفيتها ليأتم به الأئمة بعده فإنهم نواب عنه فيكون حضورهم كحضوره ) فلتقم طائفة منهم معك ( فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك يصلون وتقوم الطائفة الأخرى تجاه العدو ) وليأخذوا أسلحتهم ( أي المصلون حزما وقيل الضمير للطائفة الأخرى وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم ) فإذا سجدوا ( يعني المصلين ) فليكونوا ( أي غير المصلين ) من ورائكم ( يحرسونكم يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن يصلي معه فغلب المخاطب على الغالب ) ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا ( لاشتغالهم بالحراسة ) فليصلوا معك ( ظاهره يدل على أن الإمام يصلي مرتين بكل طائفة مرة كما فعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببطن نخل وإن أريد به أن يصلي بكل ركعة إن كانت الصلاة ركعتين فكيفيته أن يصلي بالأولى ركعة وينتظر قائما حتى يتموا صلاتهم منفردين ويذهبوا إلى وجه العدو وتأتي الأخرى فيتم بهم الركعة الثانية ثم ينتظر قاعدا حتى يتموا صلاتهم ويسلموا بهم كما فعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذات الرقاع وقال أبو ________________________________________ " صفحة رقم 247 " حنيفة رضي الله تعالى عنه يصلي بالأولى ركعة ثم تذهب هذه وتقف بإزاء العدو وتأتي الأخرى فتصلي معه ركعة ويتم صلاته ثم تعود إلى وجه العدو وتأتي الأولى فتؤدي الركعة الثانية بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تعود وتأتي الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها ) وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ( جعل الحذر آلة يتحصن بها المغازي فجمع بينه وبين الأسلحة في وجوب الأخذ ونظيره قوله تعالى ) والذين تبوؤوا الدار والإيمان ( ) ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ( تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم فيشدون عليكم شدة واحدة وهو بيان ما لأجله أمروا بأخذ الحذر والسلاح ) ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ( رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض وهذا مما يؤيد أن الأمر بالأخذ للوجوب دون الاستحباب ) وخذوا حذركم ( أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر كي لا يهجم عليهم العدو ) إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ( وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار بعد الأمر بالحزم لتقوى قلوبهم وليعلموا أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم بل لأن الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ والتدبر فيتوكلوا على الله سبحانه وتعالى النساء : ( 103 ) فإذا قضيتم الصلاة . . . . . ) فإذا قضيتم الصلاة ( أديتم وفرغتم منها ) فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ( فداوموا على الذكر في جميع الأحوال أو إذا أردتم أداء الصلاة واشتد الخوف فأدوها كيفما أمكن قياما مسايفين ومقارعين وقعودا مرامين وعلى جنوبكم مثخنين ________________________________________ " صفحة رقم 248 " ) فإذا اطمأننتم ( سكنت قلوبكم من الخوف ) فأقيموا الصلاة ( فعدلوا واحفظوا أركانها وشرائطها وائتوا بها تامة ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( فرضا محدود الأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في شيء من الأحوال وهذا دليل على أن المراد بالذكر الصلاة وأنها واجبة الأداء حال المسايفة والاضطراب في المعركة وتعليل للأمر بالإيتاء بها كيفما أمكن وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يصلي المحارب حتى يطمئن النساء : ( 104 ) ولا تهنوا في . . . . . ) ولا تهنوا ( ولا تضعفوا ) في ابتغاء القوم ( في طلب الكفار بالقتال ) إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ( إلزام لهم وتقريع على التواني فيه بأن ضرر القتال دائر بين الفريقين غير مختص بهم وهم يرجون من الله بسببه من إظهار الدين واستحقاق الثروات ما لا يرجو عدوهم فينبغي أن يكونوا أرغب منهم في الحرب وأصبر عليها وقرئ ) إن تكونوا ( بالفتح بمعنى ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون ويكون قوله فإنهم يألمون علة للنهي عن الوهن لأجله والآية نزلت في بدر الصغرى ) وكان الله عليما ( بأعمالكم وضمائركم ) حكيما ( فيما يأمر وينهي النساء : ( 105 ) إنا أنزلنا إليك . . . . . ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ( نزلت في طعمة بن أبيرق من بني ظفر سرق درعا من جاره قتادة بن النعمان في جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه وخبأها عند زيد بن السمين اليهودي فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال دفعها إلى طعمة وشهد له ناس من اليهود فقالت بنو ظفر انطلقوا بنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا إن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي فهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يفعل ) بما أراك الله ( بما عرفك الله وأوحى به إليك وليس من الرؤية ________________________________________ " صفحة رقم 249 " بمعنى العلم وإلا لاستدعى ثلاثة مفاعيل ) ولا تكن للخائنين ( أي لأجلهم والذب عنهم ) خصيما ( للبرآء النساء : ( 106 ) واستغفر الله إن . . . . . ) واستغفر الله ( مما همت به ) إن الله كان غفورا رحيما ( لمن يستغفر النساء : ( 107 ) ولا تجادل عن . . . . . ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ( يخونونها فإن وبال خيانتهم يعود عليها أو جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلما عليها والضمير لطعمة وأمثاله أو له ولقومه فإنهم شاركوه في الإثم حيث شهدوا على براءته وخاصموا عنه ) إن الله لا يحب من كان خوانا ( مبالغا في الخيانة مصرا عليها ) أثيما ( منهمكا فيها روي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا بها ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله النساء : ( 108 ) يستخفون من الناس . . . . . ) يستخفون من الناس ( يستترون منهم حياء وخوفا ) ولا يستخفون من الله ( ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيا ويخاف منه ) وهو معهم ( لا يخفى عليه سرهم فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه ) إذ يبيتون ( يدبرون ويزورون ) ما لا يرضى من القول ( ________________________________________ " صفحة رقم 250 " من رمي البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور ) وكان الله بما يعملون محيطا ( لا يفوت عنه شيء النساء : ( 109 ) ها أنتم هؤلاء . . . . . ) ها أنتم هؤلاء ( مبتدأ وخبر ) جادلتم عنهم في الحياة الدنيا ( جملة مبينة لوقوع أولاء خبرا أو صلة عند من يجعله موصولا ) فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ( محاميا يحميهم من عذاب الله النساء : ( 110 ) ومن يعمل سوءا . . . . . ) ومن يعمل سوءا ( قبيحا يسوء به غيره ) أو يظلم نفسه ( بما يختص به ولا يتعداه وقيل المراد بالسوء ما دون الشرك وبالظلم الشرك وقيل الصغيرة والكبيرة ) ثم يستغفر الله ( بالتوبة ) يجد الله غفورا ( لذنوبه ) رحيما ( متفضلا عليه وفيه حث لطعمة وقومه على التوبة والاستغفار النساء : ( 111 ) ومن يكسب إثما . . . . . ) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه ( فلا يتعداه وباله كقوله تعالى ) وإن أسأتم فلها ( ) وكان الله عليما حكيما ( فهو عالم بفعله حكيم في مجازاته النساء : ( 112 ) ومن يكسب خطيئة . . . . . ) ومن يكسب خطيئة ( صغيرة أو ما لا عمد فيه ) أو إثما ( كبيرة أو ما كان عن عمد ) ثم يرم به بريئا ( كما رمى طعمة زيدا ووحد الضمير لمكان أو ) فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( بسبب رمي البريء وتبرئة النفس الخاطئة ولذلك سوى بينهما وإن كان مقترف أحدهما دون مقترف الآخر ________________________________________ " صفحة رقم 251 " النساء : ( 113 ) ولولا فضل الله . . . . . ) ولولا فضل الله عليك ورحمته ( بإعلام ما هم عليه بالوحي والضمير لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لهمت طائفة منهم ( أي من بني ظفر ) أن يضلوك ( عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال والجملة جواب لولا وليس القصد فيه إلى نفي همهم بل إلى نفي تأثيره فيه ) وما يضلون إلا أنفسهم ( لأنه ما أزلك عن الحق وعاد وباله عليهم ) وما يضرونك من شيء ( فإن الله سبحانه وتعالى عصمك وما خطر ببالك كان اعتمادا منك على ظاهر الأمر لا ميلا في الحكم ومن شيء في موضع النصب على المصدر أي شيء من الضرر ) وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم ( من خفيات الأمور أو من أمور الدين والأحكام ) وكان فضل الله عليك عظيما ( إذ لا فضل أعظم من النبوة النساء : ( 114 ) لا خير في . . . . . ) لا خير في كثير من نجواهم ( من متناجيهم كقوله تعالى ) وإذ هم نجوى ( أو من تناجيهم فقوله ) إلا من أمر بصدقة أو معروف ( على حذف مضاف أي إلا نجوى من ________________________________________ " صفحة رقم 252 " أمر أو على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل وفسرها هنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع وسائر ما فسر به ) أو إصلاح بين الناس ( أو إصلاح ذات البين ) ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( بني الكلام على الأمر ورتب الجزاء على الفعل ليدل على أنه لما دخل الآمر في زمرة الخيرين كان الفاعل أدخل فيهم وأن العمدة والغرض هو الفعل واعتبار الأمر من حيث إنه وصلة إليه وقيد الفعل بأن يقول لطلب مرضاة الله سبحانه وتعالى لأن الأعمال بالنيات وأن كل من فعل خيرا رياء وسمعة لم يستحق به من الله أجرا ووصف الأجر بالعظم تنبيها على حقارة ما فات في جنبه من أعراض الدنيا وقرأ حمزة وأبو عمرو ) يؤتيه ( بالياء النساء : ( 115 ) ومن يشاقق الرسول . . . . . ) ومن يشاقق الرسول ( يخالفه من الشق فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر ) من بعد ما تبين له الهدى ( ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات ) ويتبع غير سبيل المؤمنين ( غير ما هم عليه من اعتقاد أو عمل ) نوله ما تولى ( نجعله واليا لما تولى من الضلال ونخل بينه وبين ما اختاره ) ونصله جهنم ( وندخله فيها وقرئ بفتح النون ________________________________________ " صفحة رقم 253 " من صلاة ) وساءت مصيرا ( جهنم والآية تدل على حرمة مخالفة الإجماع لأنه سبحانه وتعالى رتب الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما والثاني باطل إذ يقبح أن يقال من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرما كان اتباع سبيلهم واجبا لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم وقد استقصيت الكلام فيه في مرصاد الأفهام إلى مبادئ الأحكام النساء : ( 116 ) إن الله لا . . . . . ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( كرره للتأكيد أو لقصة طعمة وقيل جاء شيخ إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال إني شيخ منهك في الذنوب ألا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ولم اتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جرأة وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا وإني لنادم تائب فما ترى حالي عند الله سبحانه وتعالى فنزلت ) ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ( عن الحق فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة وإنما ذكر في الآية الأولى فقد افترى لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب ومنشأ شركهم كان نوع افتراء وهو دعوى التبني على الله سبحانه وتعالى النساء : ( 117 ) إن يدعون من . . . . . ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( يعني اللات والعزى ومناة ونحوها كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان وذلك إما لتأنيث أسمائها كما قال ________________________________________ " صفحة رقم 254 " " وما ذكر فإن يسمن فأنثى شديد الأزم ليس له ضروس " فإنه عنى القراد وهو ما كان صغيرا سمي قرادا فإذا كبر سمي حلمة أو لأنها كانت جمادات والجمادات تؤنث من حيث إنها ضاهت الإناث لا نفعا لها ولعله سبحانه وتعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيها على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثا لأنه ينفعل ولا يفعل ومن حق المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم وقيل المراد الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى وهو جمع أنثى كرباب وربى وقرئ ) أنثى ( على التوحيد وأننا على أنه جمع أنيث كخبث وخبيث ووثنا بالتخفيف ووثنا بالتثقيل وهو جمع وثن كأسد وأسد وأسد وأثنا أثنا بهما على قلب الواو لضمها همزة ) وإن يدعون ( وإن يعبدون بعبادتها ) إلا شيطانا مريدا ( لأنه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها فكأن طاعته في ذلك عبادة له والمارد والمريد الذي لا يعلق بخير وأصل التركيب للملابسة ومنه ) صرح ممرد ( وغلام أمرد وشجرة مرداء للتي تناثر ورقها النساء : ( 118 ) لعنه الله وقال . . . . . ) لعنة الله ( صفة ثانية للشيطان ) وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ( عطف عليه أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الدال على فرط عداوته للناس وقد برهن سبحانه وتعالى أولا على أن الشرك ضلال في الغاية على سبيل التعليل ________________________________________ " صفحة رقم 255 " بأن ما يشركون به ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا وذلك ينافي الألوهية غاية المنافاة فإن الإله ينبغي أن يكون فاعلا غير منفعل ثم استدل عليه بأنه عبادة الشيطان وهي أفظع الضلال لثلاثة أوجه الأول أنه مريد منهمك في الضلال لا يعلق بشيء من الخير والهدى فتكون طاعته ضلالا بعيدا عن الهدى والثاني أنه ملعون لضلاله فلا تستجلب مطاوعته سوى الضلال واللعن والثالث أنه في غاية العداوة والسعي في إهلاكهم وموالاة من هذا شأنه غاية الضلال فضلا عن عبادته والمفروض المقطوع أي نصيبا قدر لي وفرض من قولهم فرض له في العطاء النساء : ( 119 ) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم . . . . . ) ولأضلنهم ( عن الحق ) ولأمنينهم ( الأماني الباطلة كطول الحياة وأن لا بعث ولا عقاب ) ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ( يشقونها لتحريم ما أحل الله وهي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب وإشارة إلى تحريم ما أحل ونقص كل ما خلق كاملا بالفعل أو القوة ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( عن وجهه وصورته أو صفته ويندرج فيه ما قيل من فقء عين الحامي وخصاء العبيد والوشم والوشر واللواط والسحق ونحو ذلك وعبادة الشمس والقمر وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإسلام واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا لكن الفقهاء خصوا في خصاء البهائم للحاجة والجمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقا أو أتاه فعلا ) ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 256 " بإيثاره ما يدعو إليه على ما أمر الله به ومجاوزته عن طاعة الله سبحانه وتعالى إلى طاعته ) فقد خسر خسرانا مبينا ( إذا ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكان من النار النساء : ( 120 ) يعدهم ويمنيهم وما . . . . . ) يعدهم ( ما لا ينجزه ) ويمنيهم ( ما لا ينالون ) وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد إما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه النساء : ( 121 ) أولئك مأواهم جهنم . . . . . ) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ( معدلا ومهربا من حاص يحيص إذا عدل وعنها حال منه وليس صلة له لأنه اسم مكان وإن جعل مصدرا فلا يعمل أيضا فيما قبله النساء : ( 122 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ( أي وعده وعدا وحق ذلك حقا فالأول مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة الإسمية التي قبله وعد والثاني مؤكد لغيره ويجوز أن ينصب الموصول بفعل يفسره ما بعده ووعد الله بقوله ) سندخلهم ( لأنه بمعنى نعدهم إدخالهم وحقا على أنه حال من ________________________________________ " صفحة رقم 257 " المصدر ) ومن أصدق من الله قيلا ( جملة مؤكدة بليغة والمقصود من الآية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه والمبالغة في توكيده ترغيبا للعباد في تحصيله النساء : ( 123 ) ليس بأمانيكم ولا . . . . . ) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ( أي ليس ما وعد الله من الثواب ينال بأمانيكم أيها المسلمون ولا بأماني أهل الكتاب وإنما ينال بالإيمان والعمل الصالح وقيل ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل روي أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولي بالله منكم وقال المسلمون نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة فنزلت وقيل الخطاب مع المشركين ويدل عليه تقدم ذكرهم أي ليس الأمر بأماني المشركين وهو قولهم لا جنة ولا نار وقولهم إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا ولا أماني أهل الكتاب وهو قولهم ) لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( وقولهم ) لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( ثم قرر ذلك وقال ) من يعمل سوءا يجز به ( عاجلا أو آجلا لما روي أنها لما نزلت قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فمن ينجو مع هذا يا رسول الله فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أما تحزن أما تمرض أما يصيبك الأراء قال بلى يا رسول الله قال هو ذاك ) ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ( ولا يجد لنفسه إذا جاوز موالاة الله ونصرته من يواليه وينصره في دفع العذاب عنه ________________________________________ " صفحة رقم 258 " النساء : ( 124 ) ومن يعمل من . . . . . ) ومن يعمل من الصالحات ( بعضها أو شيئا منها فإن كل أحد لا يتمكن من كلها وليس مكلفا بها ) من ذكر أو أنثى ( في موضع الحال من المستكن في يعمل و ) من ( للبيان أو من الصالحات أي كائنة من ذكر أو أنثى ومن للابتداء ) وهو مؤمن ( حال شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثواب المذكور وتنبيها على أنه لا اعتداد به دونه فيه ) فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ( بنقص شيء من الثواب وإذا لم ينقص ثواب المطيع فبالحري أن لا يزاد عقاب العاصي لأن المجازي أرحم الراحمين ولذلك اقتصر على ذكره عقيب الثواب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ) يدخلون الجنة ( هنا وفي ) غافر ( و ) مريم ( بضم الياء وفتح الخاء والباقون بفتح الياء وضم الخاء النساء : ( 125 ) ومن أحسن دينا . . . . . ) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ( أخلص نفسه لله لا يعرف لها ربا سواه وقيل بذل وجهه له في السجود وفي هذا الاستفهام تنبيه على أن ذلك منتهى ما تبلغه القوة البشرية ) وهو محسن ( آت بالحسنات تارك للسيئات ) واتبع ملة إبراهيم ( الموافقة لدين الإسلام المتفق على صحتها ) حنيفا ( مائلا عن سائر الأديان وهو حال من المتبع أو من الملة أو إبراهيم ) واتخذ الله إبراهيم خليلا ( اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله وإنما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيما لشأنه وتنصيصا على أنه الممدوح ________________________________________ " صفحة رقم 259 " والخلة من الخلال فإنه ود تخلل النفس وخالطها وقيل من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر أو من الخل وهو الطريق في الرمل فإنهما يترافقان في الطريقة أو من الخلة بمعنى الخصلة فإنهما يتوافقان في الخصال والجملة استئناف جيء بها للترغيب في اتباع ملته ( صلى الله عليه وسلم ) والإيذان بأنه نهاية في الحسن وغاية كمال البشر روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتاز منه فقال خليله لو كان إبراهيم يريد لنفسه لفعلت ولكن يريد للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملؤوا منها الغرائر حياء من الناس فلما أخبروا إبراهيم ساءه الخبر فغلبته عيناه فنام وقامت سارة إلى غرارة منها فأخرجت حوارى واختبزت فاستيقظ إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز فقال من أين لكم هذا فقالت من خليلك المصري فقال بل هو من عند خليلي الله عز وجل فسماه الله خليلا النساء : ( 126 ) ولله ما في . . . . . ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا يختار منهما من يشاء وما يشاء وقيل هو متصل بذكر العمال مقرر لوجوب طاعته على أهل السموات والأرض وكمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال ) وكان الله بكل شيء محيطا ( إحاطة علم وقدرة فكان عالما بأعمالهم فيجازيهم على خيرها وشرها ________________________________________ " صفحة رقم 260 " النساء : ( 127 ) ويستفتونك في النساء . . . . . ) ويستفتونك في النساء ( في ميراثهن إذ سبب نزوله أن عيينة بن حصن أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أخبرنا أنك تعطي الابنة النصف والأخت النصف وإنما كنا نورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة فقال ( صلى الله عليه وسلم ) " كذلك أمرت " ) قل الله يفتيكم فيهن ( يبين لكم حكمه فيهن والإفتاء تبيين المبهم ) وما يتلى عليكم في الكتاب ( عطف على اسم الله تعالى أو ضميره المستكن في يفتيكم وساغ للفصل فيكون الإفتاء مسندا إلى الله سبحانه وتعالى وإلى ما في القرآن من قوله تعالى ) يوصيكم الله ( ونحوه والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين مختلفين باعتبارين مختلفين ونظيره أغناني زيد وعطاؤه أو استئناف معترض لتعظيم المتلو عليهم على أن ما يتلى عليكم مبتدأ وفي الكتاب خبره والمراد به اللوح المحفوظ ويجوز أن ينصب على معنى ويبين لكم ما يملي عليكم أو يخفض على القسم كأنه قيل وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب ولا يجوز عطفه على المجرور في فيهن لاختلاله لفظا ومعنى ) في يتامى النساء ( صلة يتلى إن عطف الموصول على ما قبله أي يتلى عليكم في شأنهن وإلا فبدل من فيهن أو صلة أخرى ليفتيكم على معنى الله يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما تقول كلمتك اليوم في زيد وهذه الإضافة بمعنى من لأنها إضافة الشيء إلى جنسه وقرئ ييامى بياءين على أنه أيامى فقلبت همزته ________________________________________ " صفحة رقم 261 " ياء ) اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ( أي فرض لهن من الميراث ) وترغبون أن تنكحوهن ( في أن تنكحوهن أو عن أن تنكحوهن فإن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون مالهن وإلا كانوا يعضلونهن طمعا في ميراثهن والواو تحتمل الحال والعطف وليس فيه دليل على جواز تزويج اليتيمة إذ لا يلزم من الرغبة في نكاحها جريان العقد في صغرها ) والمستضعفين من الولدان ( عطف على يتامى النساء والعرب ما كانوا يورثونهم كما لا يورثون النساء ) وأن تقوموا لليتامى بالقسط ( أيضا عطف عليه أي ويفتيكم أو ما يتلى في أن تقوموا هذا إذا جعلت في يتامى صلة لأحدهما فإن جعلته بدلا فالوجه نصبهما عطفا على موضع فيهن ويجوز أن ينصب وأن تقوموا بإضمار فعل أي ويأمركم أن تقوموا وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقوقهم أو للقوام بالنصفة في شأنهم ) وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ( وعد لمن آثر الخير في ذلك النساء : ( 128 ) وإن امرأة خافت . . . . . ) وإن امرأة خافت من بعلها ( توقعت منه لما ظهر لها من المخايل وامرأة فاعل فعل يفسره الظاهر ) نشوزا ( تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها كراهة لها ومنعا لحقوقها ) أو إعراضا ( بأن يقل مجالستها ومحادثتها ) فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ( أن يتصالحا بأن تحط له بعض المهر أو القسم أو تهب له شيئا تستميله به وقرأ الكوفيون ) أن يصلحا ( من أصلح بين المتنازعين وعلى هذا جاز أن ينتصب صالحا على المفعول ________________________________________ " صفحة رقم 262 " به وبينهما ظرف أو حال منه أو على المصدر كما في القراءة الأولى والمفعول بينهما أو هو محذوف وقرئ ) يصلحا ( من أصلح بمعنى اصطلح ) والصلح خير ( من الفرقة أو سوء العشرة أو من الخصومة ولا يجوز أن يراد به التفضيل بل بيان أنه من الخيور كما أن الخصومة من الشرور وهو اعتراض وكذا قوله ) وأحضرت الأنفس الشح ( ولذلك اغتفر عدم مجانستهما والأول للترغيب في المصالحة والثاني لتمهيد العذر في المماكسة ومعنى إحضار الأنفس الشح جعلها حاضرة له مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتقصير في حقها ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها ) وإن تحسنوا ( في العشرة ) وتتقوا ( النشوز والإعراض ونقص الحق ) فإن الله كان بما تعملون ( من الإحسان والخصومة ) خبيرا ( عليما به وبالغرض فيه فيجازيكم عليه أقام كونه عالما بأعمالهم مقام إثابته إياهم عليها الذي هو في الحقيقة جواب الشرط إقامة للسبب مقام المسبب ________________________________________ " صفحة رقم 263 " النساء : ( 129 ) ولن تستطيعوا أن . . . . . ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( لأن العدل أن لا يقع ميل البتة وهو متعذر فلذلك كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم بين نسائه فيعدل ويقول هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) ولو حرصتم ( أي على تحري ذلك وبالغتم فيه ) فلا تميلوا كل الميل ( بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله ) فتذروها كالمعلقة ( التي ليست ذات بعل ولا مطلقة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ) وإن تصلحوا ( ما كنتم تفسدون من أمورهن ) وتتقوا ( فيم يستقبل من الزمان ) فإن الله كان غفورا رحيما ( يغفر لكم ما مضى من ميلكم النساء : ( 130 ) وإن يتفرقا يغن . . . . . ) وإن يتفرقا ( وقرئ وإن يفارق كل منهما صاحبه ) يغن الله كلا ( منهما عن الآخر ببدل أو سلوة ) من سعته ( غناه وقدرته ) وكان الله واسعا حكيما ( مقتدرا متقنا في أفعاله وأحكامه النساء : ( 131 ) ولله ما في . . . . . ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( تنبيه على كمال سعته وقدرته ) ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( يعني اليهود والنصارى ومن قبلهم و ) الكتاب ( للجنس و ) من ( متعلقة ب ) وصينا ( أو ب ) أوتوا ( ومساق الآية لتأكيد الأمر بالإخلاص ________________________________________ " صفحة رقم 264 " ) وإياكم ( عطف على الذين ) أن اتقوا الله ( بأن اتقوا الله ويجوز أن تكون أن مفسرة لأن التوصية في معنى القول ) وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ( على إرادة القول أي وقلنا لهم ولكم أن تكفروا فإن الله مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وإنما وصاكم لرحمته لا لحاجته ثم قرر ذلك بقوله ) وكان الله غنيا ( عن الخلق وعبادتهم ) حميدا ( في ذاته حمد وإن لم يحمد النساء : ( 132 ) ولله ما في . . . . . ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( ذكره ثالثا للدلالة على كونه غنيا حميدا فإن جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه وبما أفاض عليها من الوجود وأنواع الخصائص والكمالات على كونه حميدا ) وكفى بالله وكيلا ( راجع إلى قوله ) يغن الله كلا من سعته ( فإنه توكل بكفايتهما وما بينهما تقرير لذلك النساء : ( 133 ) إن يشأ يذهبكم . . . . . ) إن يشأ يذهبكم أيها الناس ( يفنكم ومفعول يشأ محذوف دل عليه الجواب ) ويأت بآخرين ( ويوجد قوما آخرين أو خلقا آخرين مكان الإنس ) وكان الله على ذلك ( من الإعدام والإيجاد ) قديرا ( بليغ القدرة لا يعجزه مراد وهذا أيضا تقرير لغناه وقدرته وتهديد لمن كفر به وخالف أمره وقيل هو خطاب لمن عادى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من العرب ومعناه معنى قوله تعالى ) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ( لما روي أنه لما نزلت ضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يده على ظهر سلمان وقال إنهم قوم هذا النساء : ( 134 ) من كان يريد . . . . . ) من كان يريد ثواب الدنيا ( كالمجاهد يجاهد للغنيمة ) فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ( ________________________________________ " صفحة رقم 265 " فما له يطلب أخسهما فليطلبهما كمن يقول ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ( أو ليطلب الأشرف منهما فإن من جاهد خالصا لله سبحانه وتعالى لم تخطئه الغنيمة وله في الآخرة ما هي في جنبه كلا شيء أو فعند الله ثواب الدارين فيعطي كلا ما يريده كقوله تعالى ) من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ( الآية ) وكان الله سميعا بصيرا ( عالما بالأغراض فيجازي كلا بحسب قصده النساء : ( 135 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ( مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته ) شهداء لله ( بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله سبحانه وتعالى وهو خبر ثان أو حال ) ولو على أنفسكم ( ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن تقروا عليها لأن الشهادة بيان للحق سواء كان عليه أو على غيره ) أو الوالدين والأقربين ( ولو على والديكم وأقاربكم ) إن يكن ( أي المشهود عليه أو كل واحد منه ومن المشهود له ) غنيا أو فقيرا ( فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة أو لا تجوروا فيها ميلا أو ترحما ) فالله أولى بهما ( بالغني والفقير وبالنظر لهما فلو لم تكن الشهادة عليهما أو لهما صلاحا لما شرعها وهو علة الجواب ________________________________________ " صفحة رقم 266 " أقيمت مقامه والضمير في بهما راجع لما دل عليه المذكور وهو جنسا الغني والفقير لا إليه وإلا لوحد ويشهد عليه أنه قرئ ) فالله أولى بهما ( ) فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ( لأن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا من العدل ) وإن تلووا ( ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل قرأه نافع وابن كثير وأبو بكر وأبو عمرو وعاصم والكسائي بإسكان اللام وبعدها واوان الأولى مضمومة والثانية ساكنة وقرأ حمزة وابن عامر وإن تلوا بمعنى وإن وليتم إقامة الشهادة فأديتموها ) أو تعرضوا ( عن آدائها ) فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( فيجازيكم عليه النساء : ( 136 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا ( خطاب للمسلمين أو للمنافقين أو لمؤمني أهل الكتاب إذ روي أن ابن سلام وأصحابه قالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه فنزلت ) آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ( اثبتوا على الإيمان بذلك وداوموا عليه أو آمنوا به بقلوبكم ________________________________________ " صفحة رقم 267 " كما آمنتم بألسنتكم أو آمنوا إيمانا تاما عاما يعم الكتب والرسل فإن الإيمان بالبعض كلا إيمان والكتاب الأول القرآن والثاني الجنس وقرأ نافع والكوفيون ) الذي نزل ( و ) الذي أنزل ( بفتح النون والهمزة والزاي والباقون بضم النون والهمزة وكسر الزاي ) ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ( أي ومن يكفر بشيء من ذلك ) فقد ضل ضلالا بعيدا ( عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه النساء : ( 137 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا ( يعني اليهود آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام ) ثم كفروا ( حين عبدوا العجل ) ثم آمنوا ( بعد عوده إليهم ) ثم كفروا ( بعيسى عليه الصلاة والسلام ) ثم ازدادوا كفرا ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو قوما تكرر منهم الارتداد ثم أصروا على الكفر وازدادوا تماديا في الغي ) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ( إذ يستبعد منهم أن يتوبوا عن الكفر ويثبتوا على الإيمان فإن قلوبهم ضربت بالكفر وبصائرهم عميت عن الحق لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم وخبر كان في أمثال ذلك محذوف تعلق به اللام مثل لم يكن الله مريدا ليغفر لهم ________________________________________ " صفحة رقم 268 " النساء : ( 138 ) بشر المنافقين بأن . . . . . ) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ( يدل على أن الآية في المنافقين وهم قد آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى ثم ازدادوا بالإصرار على النفاق وإفساد الأمر على المؤمنين ووضع ) بشر ( مكان أنذر تهكم بهم النساء : ( 139 ) الذين يتخذون الكافرين . . . . . ) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( في محل النصب أو الرفع على الذم بمعنى أريد الذين أو هم الذين ) أيبتغون عندهم العزة ( أيتعززون بموالاتهم ) فإن العزة لله جميعا ( لا يتعزز إلا من أعزه الله وقد كتب العزة لأوليائه فقال ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( ولا يؤبه بعزة غيرهم بالإضافة إليهم النساء : ( 140 ) وقد نزل عليكم . . . . . ) وقد نزل عليكم في الكتاب ( يعني القرآن وقرأ عاصم ) نزل ( وقرأ الباقون ) نزل ( على البناء للمفعول والقائم مقام فاعله ) أن إذا سمعتم آيات الله ( وهي المخففة والمعنى أنه إذا سمعتم ) يكفر بها ويستهزأ بها ( حالان من الآيات جيء بهما لتقييد النهي عن المجالسة في قوله ) فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( الذي هو جزاء الشرط بما إذا كان من يجالسه هازئا معاندا غير مرجو ويؤيده الغاية وهذا تذكار لما نزل عليهم بمكة من قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ( الآية ________________________________________ " صفحة رقم 269 " والضمير في معهم للكفرة المدلول عليهم بقوله يكفر بها ويستهزأ بها ) إنكم إذا مثلهم ( في الإثم لأنكم قادرون على الإعراض عنهم والإنكار عليهم أو الكفر إن رضيتم بذلك أو لأن الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار كانوا منافقين ويدل عليه ) إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ( يعني القاعدين والمقعود معهم وإذا ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر ولذلك لم يذكر بعدها الفعل وإفراد مثلهم لأنه كالمصدر أو للاستغناء بالإضافة إلى الجمع وقرئ بالفتح على البناء لإضافته إلى مبني كقوله تعالى ) مثل ما أنكم تنطقون ) النساء : ( 141 ) الذين يتربصون بكم . . . . . ) الذين يتربصون بكم ( ينتظرون وقوع أمر بكم وهو بدل من الذين يتخذون أو صفة للمنافقين والكافرين أو ذم مرفوع أو منصوب أو مبتدأ خبره ) فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ( مظاهرين لهم فاسهموا لنا مما غنمتم ) وإن كان للكافرين نصيب ( من الحرب فإنها سجال ) قالوا ألم نستحوذ عليكم ( أي قالوا للكفرة ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم والاستحواذ الاستيلاء وكان القياس أن يقال استحاذ يستحيذ استحاذة فجاءت على الأصل ) ونمنعكم من المؤمنين ( بأن خذلناهم بتخييل ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم فأشركونا فيما أصبتم وإنما سمي ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا لخسة حظهم فإنه مقصور على أمر دنيوي سريع الزوال ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( حينئذ أو في الدنيا والمراد بالسبيل الحجة واحتج به أصحابنا على فساد شراء الكافر المسلم والحنفية على حصول البينونة بنفس الارتداد وهو ضعيف لأنه لا ينفي أن يكون إذا عاد إلى الإيمان قبل مضي العدة ________________________________________ " صفحة رقم 270 " النساء : ( 142 ) إن المنافقين يخادعون . . . . . ) إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ( سبق الكلام فيه أول سورة البقرة ) وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ( متثاقلين كالمكره على الفعل وقرئ ) كسالى ( بالفتح وهما جمعا كسلان ) يراؤون الناس ( ليخالوهم مؤمنين المراءاة مفاعلة بمعنى التفعيل كنعم وناعم أو للمقابلة فإن المرائي يري من يرائيه عمله وهو يريه استحسانه ) ولا يذكرون الله إلا قليلا ( إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه وهو أقل أحواله أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى الذكر بالقلب وقيل المراد بالذكر الصلاة وقيل الذكر فيها فإنهم لا يذكرون فيها غير التكبير والتسليم النساء : ( 143 ) مذبذبين بين ذلك . . . . . ) مذبذبين بين ذلك ( حال من واو ) يراؤون ( كقوله ) ولا يذكرون ( أي يراؤونهم غير ذاكرين مذبذبين أو واو يذكرون أو منصوب على الذم والمعنى مرددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهي جعل الشيء مضطربا وأصله الذي بمعنى الطرد وقرئ بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو يتذبذبون كقولهم صلصل بمعنى تصلصل وقرئ بالدال غير المعجمة بمعنى أخذوا تارة في دبة وتارة في دبة وهي الطريقة ) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ( لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين أو لا صائرين إلى أحد الفريقين بالكلية ) ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( إلى الحق والصواب ونظيره ________________________________________ " صفحة رقم 271 " قوله تعالى ) ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) النساء : ( 144 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( فإنه صنيع المنافقين ودينهم فلا تتشبهوا بهم ) أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ( حجة بينة فإن موالاتهم دليل على النفاق أو سلطانا يسلط عليكم عقابه النساء : ( 145 ) إن المنافقين في . . . . . ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( وهو الطبقة التي في قعر جهنم وإنما كان كذلك لأنهم أخبث الكفرة إذ ضموا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعا للمسلمين وأما قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ونحوه فمن باب التشبيه والتغليظ وإنما سميت طبقاتها السبع دركات لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض وقرأ الكوفيون بسكون الراء وهي لغة كالسطر والسطر والتحريك أوجه لأنه يجمع على إدراك ) ولن تجد لهم نصيرا ( يخرجهم منه النساء : ( 146 ) إلا الذين تابوا . . . . . ) إلا الذين تابوا ( عن النفاق ) وأصلحوا ( ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق ) واعتصموا بالله ( وثقوا به أو تمسكوا بدينه ) وأخلصوا دينهم لله ( لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه سبحانه وتعالى ) فأولئك مع المؤمنين ( ومن عدادهم في الدارين ) وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ( فيساهمونهم فيه ________________________________________ " صفحة رقم 272 " النساء : ( 147 ) ما يفعل الله . . . . . ) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( أيتشفى به غيظا أو يدفع به ضررا أو يستجلب به نفعا وهو الغني المتعالي عن النفع والضر وإنما يعاقب المصر بكفره لأن إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا أزاله بالإيمان والشكر ونفى نفسه عنه تخلص من تبعته وإنما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولا فيشكر شكرا مبهما ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به ) وكان الله شاكرا ( مثيبا يقبل اليسير ويعطي الجزيل ) عليما ( بحق شكركم وإيمانكم النساء : ( 148 ) لا يحب الله . . . . . ) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ( إلا جهر من ظلم بالدعاء على الظالم والتظلم منه وروي أن رجلا ضاف قوما فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه فنزلت وقرئ من ظلم على البناء للفاعل فيكون الاستثناء منقطعا أي ولكن الظالم يفعل ما لا يحبه الله ) وكان الله سميعا ( لكلام المظلوم ) عليما ( بالظالم ________________________________________ " صفحة رقم 273 " النساء : ( 149 ) إن تبدوا خيرا . . . . . ) إن تبدوا خيرا ( طاعة وبرا ) أو تخفوه ( أو تفعلوه سرا ) أو تعفوا عن سوء ( لكم المؤاخذة عليه وهو المقصود وذكر إبداء الخير وإخفائه تشبيب له ولذلك رتب عليه قوله ) فإن الله كان عفوا قديرا ( أي يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم أولى بذلك وهو حث للمظلوم على العفو بعدما رخص له في الانتظار حملا على مكارم الأخلاق النساء : ( 150 ) إن الذين يكفرون . . . . . ) إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ( بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله ) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ( نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ________________________________________ " صفحة رقم 274 " ببعضهم ) ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ( طريقا وسطا بين الإيمان والكفر لا واسطة إذ الحق لا يختلف فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى لا يتم إلا بالإيمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلا أو إجمالا فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكل في الضلال كما قال الله تعالى ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ) النساء : ( 151 ) أولئك هم الكافرون . . . . . ) أولئك هم الكافرون ( هم الكاملون في الكفر لا عبرة بإيمانهم هذا ) حقا ( مصدر مؤكد لغيره أو صفة لمصدر الكافرين بمعنى هم الذين كفروا كفرا حقا أي يقينا محققا ) وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) النساء : ( 152 ) والذين آمنوا بالله . . . . . ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ( أضدادهم ومقابلوهم وإنما دخل بين على أحد وهو يقتضي متعددا لعمومه من حيث إنه وقع في سياق النفي ) أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ( الموعودة لهم وتصديره بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر وقرأ حفص عن عاصم وقالون عن يعقوب بالياء على تلوين الخطاب ) وكان الله غفورا ( لما فرط منهم ) رحيما ( عليهم بتضعيف حسناتهم النساء : ( 153 ) يسألك أهل الكتاب . . . . . ) يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ( نزلت في أحبار اليهود قالوا إن كنت صادقا فائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى عليه السلام وقيل كتابا محررا بخط سماوي على ألواح كما كانت التوراة أو كتابا نعاينه حين ينزل أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله ) فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ( جواب شرط مقدر أي إن ________________________________________ " صفحة رقم 275 " استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى عليه السلام أكبر منه وهذا السؤال وإن كان من آبائهم أسند إليهم لأنهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم والمعنى إن عرقهم راسخ في ذلك وأن ما اقترحوه عليك ليس بأول جهالاتهم وخيالاتهم ) فقالوا أرنا الله جهرة ( عيانا أرناه نره جهرة أو مجاهرين معاينين له ) فأخذتهم الصاعقة ( نار جاءت من قبل السماء فأهلكتهم ) بظلمهم ( بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم ما يستحيل في تلك الحال التي كانوا عليها وذلك لا يقتضي امتناع الرؤية مطلقا ) ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات ( هذه الجناية الثانية التي اقترفها أيضا أوائلهم والبينات المعجزات ولا يجوز حملها على التوراة إذ لم تأتهم بعد ) فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا ( تسلطا ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذهم النساء : ( 154 ) ورفعنا فوقهم الطور . . . . . ) ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم ( بسبب ميثاقهم ليقبلوه ) وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا ( على لسان موسى والطور مظل عليهم ) وقلنا لهم لا تعدوا في السبت ( على لسان داود عليه الصلاة والسلام ويحتمل أن يراد على لسان موسى حين ظلل الجبل عليهم فإنه شرع السبت ولكن كان الاعتداء فيه والمسخ به في زمن داود عليه الصلاة والسلام وقرأ ورش عن نافع ) لا تعدوا ( على أن أصله لا تتعدوا فأدغمت التاء في الدال وقرأ قالون بإخفاء حركة العين وتشديد الدال والنص عنه بالإسكان ) وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( على ذلك وهو قولهم سمعنا وأطعنا النساء : ( 155 ) فبما نقضهم ميثاقهم . . . . . ) فبما نقضهم ميثاقهم ( أي فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم وما مزيدة ________________________________________ " صفحة رقم 276 " للتأكيد والياء متعلقة بالفعل المحذوف ويجوز أن تتعلق بحرمنا عليهم طيبات فيكون التحريم بسبب النقص وما عطف عليه إلى قوله فبظلم لا بما دل عليه قوله ) بل طبع الله عليها ( مثل لا يؤمنون لأنه رد لقولهم قلوبنا غلف فيكون من صلة وقولهم المعطوف على المجرور فلا يعمل في جاره ) وكفرهم بآيات الله ( بالقرآن أو بما جاء في كتابهم ) وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف ( أوعية للعلوم أو في أكنة مما تدعونا إليه ) بل طبع الله عليها بكفرهم ( فجعلها محجوبة عن العلم أو خذلها ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر في المواعظ ) فلا يؤمنون إلا قليلا ( منهم كعبد الله بن سلام أو إيمانا قليلا إذ لا عبرة به لنقصانه النساء : ( 156 ) وبكفرهم وقولهم على . . . . . ) وبكفرهم ( بعيسى عليه الصلاة والسلام وهو معطوف على بكفرهم لأنه من أسباب الطبع أو على قوله ) فبما نقضهم ( ويجوز أن يعطف مجموع هذا وما عطف عليه على مجموع ما قبله ويكون تكرير ذكر الكفر إيذانا بتكرر كفرهم فإنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( يعني نسبتها إلى الزنا النساء : ( 157 ) وقولهم إنا قتلنا . . . . . ) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ( أي بزعمه ويحتمل أنهم قالوه استهزاء ونظيره أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وأن يكون استئنافا من الله سبحانه تعالى بمدحه أو وضعا للذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح ) وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 277 " روي أن رهطا من اليهود سبوه وأمه فدعا عليهم فمسخهم الله تعالى قردة وخنازير فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله تعالى بأنه يرفعه إلى السماء فقال لأصحابه أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقام رجل منهم فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب وقيل كان رجلا ينافقه فخرج ليدل عليه فألقى الله عليه شبهه فأخذ وصلب وقتل وقيل دخل طيطانوس اليهودي بيتا كان هو فيه فلم يجده وألقى الله عليه شبهه فلما خرج ظن أنه عيسى فأخذ وصلب وأمثال ذلك من الخوارق التي لا تستبعد في زمان النبوة وإنما ذمهم الله سبحانه وتعالى بما دل عليه الكلام من جراءتهم على الله سبحانه وتعالى وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات الباهرة وتبجحهم به لا بقولهم هذا على حسب حسبانهم و ) شبه ( مسند إلى الجار والمجرور كأنه قيل ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول أو في الأمر على قول من قال لم يقتل أحد ولكن أرجف بقتله فشاع بين الناس أو إلى ضمير المقتول لدلالة إنا قتلنا على أن ثم قتيلا ) وإن الذين اختلفوا فيه ( في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود إنه كان كاذبا فقتلناه حقا وتردد آخرون فقال بعضهم إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وقال بعضهم الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا وقال من سمع منه أن الله سبحانه وتعالى يرفعني إلى السماء أنه رفع إلى السماء وقال قوم صلب الناسوت وصعد اللاهوت ) لفي شك منه ( لفي تردد والشك كما يطلق ________________________________________ " صفحة رقم 278 " على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكده بقوله ) ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ( استثناء منقطع أي لكنهم يتبعون الظن ويجوز أن يفسر الشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزما كان أو غيره فيتصل الاستثناء ) وما قتلوه يقينا ( قتلا يقينا كما زعموه بقولهم ) إنا قتلنا المسيح ( أو متيقنين وقيل معناه ما علموه يقينا كقول الشاعر " كذاك تخبر عنها العالمات بها وقد قتلت بعلمي ذلكم يقينا " من قولهم قتلت الشيء علما ونحرته علما إذا أردت أن تبالغ في علمك النساء : ( 158 ) بل رفعه الله . . . . . ) بل رفعه الله إليه ( وإنكار لقتله وإثبات لرفعه ) وكان الله عزيزا ( لا يغلب على ما يريده ) حكيما ( فيما دبره لعيسى عليه الصلاة والسلام النساء : ( 159 ) وإن من أهل . . . . . ) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( أي وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به فقوله ) ليؤمنن به ( جملة قسمية وقعت صفة لأحد ويعود إليه الضمير الثاني والأول لعيسى عليه الصلاة والسلام والمعنى ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين أن تزهق روحه ولا ينفعه إيمانه ويؤيد ذلك أنه قرئ ) إلا ليؤمنن به قبل موته ( بضم النون لأن أحدا في معنى الجمع وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الإيمان به قبل أن يضطروا إليه ولم ينفعهم إيمانهم ________________________________________ " صفحة رقم 279 " وقيل الضميران لعيسى عليه أفضل الصلاة والسلام والمعنى أنه إذا نزل من السماء آمن به أهل الملل جميعا روي أنه عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه ) ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ( فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله النساء : ( 160 ) فبظلم من الذين . . . . . ) فبظلم من الذين هادوا ( أي فبأي ظلم منهم ) حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( يعني ما ذكره في قوله وعلى الذين هادوا حرمنا ) وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( ناسا كثيرا أو صدا كثيرا النساء : ( 161 ) وأخذهم الربا وقد . . . . . ) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ( كان الربا محرما عليهم كما هو محرم علينا وفيه دليل على دلالة النهي على التحريم ) وأكلهم أموال الناس بالباطل ( بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة ) وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ( دون من تاب وآمن النساء : ( 162 ) لكن الراسخون في . . . . . ) لكن الراسخون في العلم ( منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ) والمؤمنون ( أي منهم أو من المهاجرين والأنصار ) يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ( خبر المبتدأ ________________________________________ " صفحة رقم 280 " ) والمقيمين الصلاة ( نصب على المدح إن جعل يؤمنون الخبر لأولئك أو عطف على ما أنزل إليك والمراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي يؤمنون بالكتب والأنبياء وقرئ بالرفع عطفا على ) الراسخون ( أو على الضمير في ) يؤمنون ( أو على أنه مبتدأ والخبر ) أولئك سنؤتيهم ( ) والمؤتون الزكاة ( رفعه لأحد الأوجه المذكورة ) والمؤمنون بالله واليوم الآخر ( قدم عليه الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع لأنه المقصود بالآية ) أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح وقرأ حمزة / سيؤتيهم / بالياء النساء : ( 163 ) إنا أوحينا إليك . . . . . ) إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ( خصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيما لهم فإن إبراهيم أول أولي العزم منهم وعيسى آخرهم والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم ) وآتينا داود زبورا ( وقرأ حمزة ) زبورا ( بالضم وهو جمع زبر بمعنى مزبور ________________________________________ " صفحة رقم 281 " النساء : ( 164 ) ورسلا قد قصصناهم . . . . . ) ورسلا ( نصب بمضمر دل عليه أوحينا إليك كأرسلنا أو فسره ) قد قصصناهم عليك من قبل ( أي من قبل هذه السورة أو اليوم ) ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ( وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم وقد فضل الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم النساء : ( 165 ) رسلا مبشرين ومنذرين . . . . . ) رسلا مبشرين ومنذرين ( نصب على المدح أو بإضمار أرسلنا أو على الحال ويكون رسلا موطئا لما بعده كقولك مررت بزيد رجلا صالحا ) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ( فيقولوا لولا أرسلت إليها رسولا فينبهنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم وفيه تنبيه على أن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الناس ضرورة لقصور الكل عن إدراك جزيئات المصالح والأكثر عن إدراك كلياتها واللام متعلقة بأرسلنا أو بقوله ) مبشرين ومنذرين ( و ) حجة ( اسم كان وخبره ) للناس ( أو ) على الله ( والآخر حال ولا يجوز تعلقه بحجة لأنه مصدر وبعد ظرف لها أو صفة ) وكان الله عزيزا ( لا يغلب فيما يريد ) حكيما ( فيما دبر من أمر النبوة وخص كل نبي بنوع من الوحي والإعجاز النساء : ( 166 ) لكن الله يشهد . . . . . ) لكن الله يشهد ( استدراك عن مفهوم ما قبله فكأنه لما تعنتوا علي بسؤال كتاب ينزل عليهم من السماء واحتج عليهم بقوله ) إنا أوحينا إليك ( قال إنهم لا يشهدون ولكن الله يشهد أو أنهم أنكروه ولكن الله يثبته ويقرره ) بما أنزل إليك ( من القرآن المعجز الدال على نبوتك روي أنه لما نزل إنا أوحينا إليك قالوا ما نشهد لك فنزلت ) أنزله بعلمه ( أنزله متلبسا بعلمه الخاص به وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كل بليغ أو بحال من ________________________________________ " صفحة رقم 282 " يستعد للنبوة ويستاهل نزول الكتاب عليه أو بعلمه الذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم فالجار والمجرور على الأولين حال من الفاعل وعلى الثالث حال من المفعول والجملة كالتفسير لما قبلها ) والملائكة يشهدون ( أيضا بنبوتك وفيه تنبيه على أنهم يودون أن يعلموا صحة دعوى النبوة على وجه يستغني عن النظر والتأمل وهذا النوع من خواص الملك ولا سبيل للإنسان إلى العلم بأمثال ذلك سوى الفكر والنظر فلو أتى هؤلاء بالنظر الصحيح لعرفوا نبوتك وشهدوا بها كما عرفت الملائكة وشهدوا ) وكفى بالله شهيدا ( أي وكفى بما أقام من الحجج على صحة نبوتك عن الاستشهاد بغيره النساء : ( 167 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا ( لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال ولأن المضل يكون أغرق في الضلال وأبعد من الانقلاع عنه النساء : ( 168 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا وظلموا ( محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بإنكار نبوته أو الناس بصدهم عما فيه صلاحهم وخلاصهم أو بأعم من ذلك والآية تدل على أن الكفار مخاطبون بالفروع إذ المراد بهم الجامعون بين الكفر والظلم ) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ) النساء : ( 169 ) إلا طريق جهنم . . . . . ) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا ( لجرى حكمه السابق ووعده المحتوم على أن من مات على كفره فهو خالد في النار وخالدين حال مقدرة ) وكان ذلك على الله يسيرا ( لا يصعب عليه ولا يستعظمه النساء : ( 170 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ( لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرد ) فآمنوا خيرا لكم ( أي إيمانا خيرا لكم أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه وقيل تقديره يكن الإيمان خيرا لكم ومنعه البصريون لأن كان لا يحذف مع ________________________________________ " صفحة رقم 283 " اسمه إلا فيما لا بد منه ولأنه يؤدي إلى الشرط وجوابه ) وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض ( يعني وإن تكفروا فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم ونبه على غناه بقوله ) لله ما في السماوات والأرض ( وهو يعم ما اشتملتا عليه وما ركبتا منه ) وكان الله عليما ( بأحوالهم ) حكيما ( فيما دبر لهم النساء : ( 171 ) يا أهل الكتاب . . . . . ) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ( الخطاب للفريقين غلت اليهود في حط عيسى عليه الصلاة والسلام حتى رموه بأنه ولد من غير رشدة والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها وقيل الخطاب للنصارى خاصة فإنه أوفق لقوله ) ولا تقولوا على الله إلا الحق ( يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد ) إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ( أوصلها إليها وخصلها فيها ) وروح منه ( وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له وقيل سمي روحا لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب ) فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة ( أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم ويشهد عليه قوله تعالى ) أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( أو الله ثلاثة إن صح أنهم يقولون الله ثلاثة أقانيم الأب والابن وروح القدس ويريدون بالأب الذات وبالابن العلم وبروح ________________________________________ " صفحة رقم 284 " القدس الحياة ) انتهوا ( عن التثليث ) خيرا لكم ( نصبه كما سبق ) إنما الله إله واحد ( أي واحد بالذات لا تتعدد فيه بوجه ما ) له ما في السماوات وما في الأرض ( ملكا وخلقا لا يماثله شيء من ذلك فيتخذه ولدا ) وكفى بالله وكيلا ( تنبيه على غناه عن الولد فإن الحاجة إليه ليكون وكيلا لأبيه والله سبحانه وتعالى قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلقه أو يعينه النساء : ( 172 ) لن يستنكف المسيح . . . . . ) لن يستنكف المسيح ( لن يأنف من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك كيلا يرى أثره عليك ) أن يكون عبدا لله ( من أن يكون عبدا له فإن عبوديته شرف يتباهى به وإنما لمذلة والاستنكاف في عبودية غيره روي أن وفد نجران قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم تعيب صاحبنا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن صاحبكم قالوا عيسى عليه الصلاة والسلام قال عليه السلام وأي شيء أقول قالوا تقول إنه عبد الله ورسوله قال إنه ليس بعار أن يكون عبد الله قالوا بلى فنزلت ) ولا الملائكة المقربون ( عطف على المسيح أي ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدا لله واحتج به من زعم فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال مساقه لرد قول النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضي أن يكون المعطوف أعلى درجة من المعطوف عليه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة فلا يتجه ذلك وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير ________________________________________ " صفحة رقم 285 " دون التكبير كقولك أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس وإن أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة وهم الكروبيون الذين هم حول العرش أو من على منهم رتبة من الملائكة على المسيح من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا والنزاع فيه ) ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر ( ومن يرتفع عنها والاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وإنما يستعمل من حيث الاستحقاق بخلاف التكبر فإنه قد يكون بالاستحقاق ) فسيحشرهم إليه جميعا ( فيجازيهم النساء : ( 173 ) فأما الذين آمنوا . . . . . ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( تفصيل للمجازاة العامة المدلول عليها من فحوى الكلام وكأنه قال فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة أو لمجازاتهم فإن إثابة مقابلهم والإحسان إليهم تعذيب لهم بالغم والحسرة النساء : ( 174 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ( عنى بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن أي قد جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة وقيل البرهان الدين أو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن النساء : ( 175 ) فأما الذين آمنوا . . . . . ) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه ( في ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه لا قضاء لحق واجب ) وفضل ( إحسان زائد عليه ) ويهديهم إليه ( إلى الله سبحانه وتعالى وقيل إلى الموعود ) صراطا مستقيما ( هو الإسلام والطاعة في الدنيا وطريق الجنة في الآخرة النساء : ( 176 ) يستفتونك قل الله . . . . . ) يستفتونك ( أي في الكلالة حذفت لدلالة الجواب عليه روي أن جابر بن ________________________________________ " صفحة رقم 286 " عبد الله كان مريضا فعاده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني كلالة فكيف أصنع في مالي فنزلت وهي آخر ما نزل من الأحكام ) قل الله يفتيكم في الكلالة ( سبق تفسيرها في أول السورة ) إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ( ارتفع ) امرؤ ( بفعل يفسره الظاهر وليس له ولد صفة له أو حال من المستكن في هلك والواو في ) وله ( يحتمل الحال والعطف والمراد بالأخت الأخت من الأبوين أو الأب لأنه جعل أخوها عصبة وابن الأم لا يكون عصبة والولد على ظاهره فإن الأخت وإن ورثت مع البنت عند عامة العلماء غير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لكنها لا ترث النصف ) وهو يرثها ( أي والمرء يرث إن كان الأمر بالعكس ) إن لم يكن لها ولد ( ذكرا كان أو أنثى إن أريد بيرثها يرث جميع مالها وإلا فالمراد به الذكر إذ البنت لا تحجب الأخ والآية كما لم تدل على سقوط الأخوة بغير الولد لم تدل على عدم سقوطهم به وقد دلت السنة على أنهم لا يرثون مع الأب وكذا مفهوم قوله ) قل الله يفتيكم في الكلالة ( ________________________________________ " صفحة رقم 287 " إن فسرت بالميت ) فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ( الضمير لمن يرث بالأخوة وتثنيته محمولة على المعنى وفائدة الإخبار عنه باثنتين التنبيه على أن الحكم باعتبار العدد دون الصغر والكبر وغيرهما ) وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ( أصله وإن كانوا أخوة وأخوات فغلب المذكر ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي يبين الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا وقيل لئلا تضلوا فحذف لا وهو قول الكوفيين ) والله بكل شيء عليم ( فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النساء فكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة وورث ميراثا وأعطي من الأجر كمن اشترى محررا وبرئ من الشرك وكان في مشيئة الله تعالى من الذين يتجاوز عنهم ________________________________________ " صفحة رقم 288 " سورة المائدة وآياتها عشرون ومائة المائدة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ( الوفاء هو القيام بمقتضى العهد وكذلك الإيفاء والعهد الموثق قال الحطيئة " قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا " وأصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال ولعل المراد بالعقود ما يعم العقود التي عقدها الله سبحانه وتعالى على عباده وألزمها إياهم من التكاليف وما يعقدون بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به أو يحسن إن حملنا الأمر على المشترك بين الوجوب والندب ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( تفصيل للعقود والبهيمة كل ________________________________________ " صفحة رقم 289 " حي لا يميز وقيل كل ذات أربع وإضافتها إلى الأنعام للبيان كقولك ثوب خز ومعناه البهيمة من الأنعام وهي الأزواج الثمانية وألحق بها الظباء وبقر الوحش وقيل هما المراد بالبهيمة ونحوهما مما يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب وإضافتها إلى الأنعام لملابسة الشبه ) إلا ما يتلى عليكم ( إلا محرم ما يتلى عليكم كقوله تعالى ) حرمت عليكم الميتة ( أو إلا ما يتلى عليكم تحريمه ) غير محلي الصيد ( حال من الضمير في ________________________________________ " صفحة رقم 290 " ) لكم ( وقيل من واو ) أوفوا ( وقيل استثناء وفيه تعسف و ) الصيد ( يحتمل المصدر والمفعول ) وأنتم حرم ( حال مما استكن في ) محلي ( وال ) حرم ( جمع حرام وهو المحرم ) إن الله يحكم ما يريد ( من تحليل أو تحريم المائدة : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ( يعني مناسك الحج جمع شعيرة وهي اسم ما أشعر أي جعل شعارا سمى به أعمال الحج ومواقفه لأنها علامات الحج وأعلام النسك وقيل دين الله لقوله سبحانه وتعالى ) ومن يعظم شعائر الله ( أي دينه وقيل فرائضه التي حدها لعباده ) ولا الشهر الحرام ( بالقتال فيه أو بالنسيء ) ولا الهدي ( ما أهدي إلى الكعبة جمع هدية كجدي في جميع جدية السرح ) ولا القلائد ( أي ذوات القلائد من الهدي وعطفها على الهدي للاختصاص فإنها أشرف الهدي أو القلائد أنفسها والنهي عن إحلالها مبالغة في النهي عن التعرض للهدي ونظيره قوله تعالى ) ولا يبدين زينتهن ( ________________________________________ " صفحة رقم 291 " والقلائد جمع قلادة وهي ما قلد به الهدي من نعل أو لحاء شجر أو غيرهما ليعلم به أنه هدي فلا يتعرض له ) ولا آمين البيت الحرام ( قاصدين لزيارته ) يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ( أن يثيبهم ويرضى عنهم والجملة في موضع الحال من المستكن في آمين وليست صفة له لأنه عامل والمختار أن اسم الفاعل الموصوف لا يعمل وفائدته استنكار تعرض من هذا شأنه والتنبيه على المانع له وقيل معناه يبتغون من الله رزقا بالتجارة ورضوانا بزعمهم إذ روي أن الآية نزلت عام القضية في حجاج اليمامة لما هم المسلمون أن يتعرضوا لهم بسبب أنه كان فيهم الحطيم بن شريح بن ضبيعة وكان قد استاق سرح المدينة وعلى هذا فالآية منسوخة وقرئ تبتغون على خطاب المؤمنين ) وإذا حللتم فاصطادوا ( إذن في الاصطياد بعد زوال الإحرام ولا يلزم من إرادة الإباحة ههنا من الأمر دلالة الأمر الآتي بعد الحظر على الإباحة مطلقا وقرئ بكسر الفاء على إلقاء حركة الوصل عليها وهو ضعيف جدا وقرئ / أحللتم / يقال حل المحرم وأحل ) ولا يجرمنكم ( لا يحملنكم أو لا يكسبنكم ) شنآن قوم ( شدة بغضهم وعداوتهم وهو مصدر أضيف إلى المفعول أو الفاعل وقرأ ابن عامر وإسماعيل عن نافع وابن عياش عن عاصم بسكون النون وهو أيضا مصدر كليان أو نعت بمعنى بغيض قوم وفعلان في النعت أكثر كعطشان ________________________________________ " صفحة رقم 292 " وسكران ) أن صدوكم عن المسجد الحرام ( لأن صدوكم عنه عام الحديبية وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنه شرط معترض أغنى عن جوابه لا يجرمنكم ) أن تعتدوا ( بالانتقام وهو ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب ومن قرأ ) يجرمنكم ( بضم الياء جعله منقولا من المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين ) وتعاونوا على البر والتقوى ( على العفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى ) ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( للتشفي والانتقام ) واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( فانتقامه أشد المائدة : ( 3 ) حرمت عليكم الميتة . . . . . ) حرمت عليكم الميتة ( بيان ما يتلى عليكم والميتة ما فارقه الروح من غير تذكية ) والدم ( أي الدم المسفوح لقوله تعالى ) أو دما مسفوحا ( وكان أهل الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها ) ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ( أي رفع الصوت لغير الله به كقولهم باسم اللات والعزى عند ذبحه ) والمنخنقة ( أي التي ماتت بالخنق ) والموقوذة ( المضروبة بنحو خشب أو حجر حتى تموت من وقذته إذا ضربته ) والمتردية ( التي تردت من علو أو في بئر فماتت ) والنطيحة ( التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح والتاء فيها للنقل ) وما أكل السبع ( وما أكل منه السبع فمات وهو يدل على أن جوارح الصيد إذا أكلت مما اصطادته لم تحل ) إلا ما ذكيتم ( إلا ما أدركتم ذكاته وفيه حياة مستقرة من ذلك وقيل الاستثناء مخصوص بما أكل السبع والذكاة في الشرع ________________________________________ " صفحة رقم 293 " لقطع الحلقوم والمرئ بمحدد ) وما ذبح على النصب ( النصب واحد الأنصاب وهي أحجار كانت منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة وقيل هي الأصنام وعلى بمعنى اللام أو على أصلها بتقدير وما ذبح مسمى على الأصنام وقيل هو جمع والواحد نصاب ) وأن تستقسموا بالأزلام ( أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام وذلك أنهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربي وعلى الآخر نهاني ربي والثالث غفل فإن خرج الأمر مضوا على ذلك وإن خرج الناهي تجنبوا عنه وإن خرج الغفل أجلوها ثانيا فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم بالأزلام وقيل هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة وواحد الأزلام زلم كجمل وزلم كصرد ) ذلكم فسق ( إشارة إلى الاستقسام وكونه فسقا لأنه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أن ذلك طريق إليه وافتراء على الله سبحانه وتعالى إن أريد بربي الله وجهالة وشرك إن أريد به الصنم أو الميسر المحرم أو إلى تناول ما حرم عليهم ) اليوم ( لم يرد به يوما بعينه وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الآتية وقيل أراد يوم نزولها وقد نزلت بعد عصر يوم الجمعة في عرفة حجة الوداع ) يئس الذين كفروا من دينكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 294 " أي من إبطاله ورجوعكم عنه بتحيل هذه الخبائث وغيرها أو من أن يغلبوكم عليه ) فلا تخشوهم ( أن يظهروا عليكم ) واخشون ( وأخلصوا الخشية لي ) اليوم أكملت لكم دينكم ( بالنصر والإظهار على الأديان كلها أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد ) وأتممت عليكم نعمتي ( بالهداية والتوفيق أو بإكمال الدين أو بفتح مكة وهدم منار الجاهلية ) ورضيت لكم الإسلام دينا ( اخترته لكم دينا من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير ) فمن اضطر ( متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض لما يوجب التجنب عنها وهو أن تناولها فسوق ________________________________________ " صفحة رقم 295 " وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضي والمعنى فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات ) في مخمصة ( مجاعة ) غير متجانف لإثم ( غير مائل له ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة كقوله ) غير باغ ولا عاد ( ) فإن الله غفور رحيم ( لا يؤاخذه بأكله المائدة : ( 4 ) يسألونك ماذا أحل . . . . . ) يسألونك ماذا أحل لهم ( لما تضمن السؤال معنى القول أوقع على الجملة وقد سبق الكلام في ) ماذا ( وإنما قال لهم ولم يقل لنا على الحكاية لأن ) يسألونك ( بلفظ الغيبة وكلا الوجهين سائغ في أمثاله والمسؤول ما أحل لهم من المطاعم كأنهم لما تلي عليهم ما حرم عليهم سألوا عما أحل لهم ) قل أحل لكم الطيبات ( ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر عنه ومن مفهومه حرم مستخبثات العرب أو ما لم يدل نص ولا قياس على حرمته ) وما علمتم من الجوارح ( عطف على ) الطيبات ( إن جعلت ) ما ( موصولة على تقدير وصيد ما علمتم وجملة شرطية إن جعلت شرطا وجوابها ) فكلوا ( و ) الجوارح ( كواسب الصيد على أهلها من سباع ذوات الأربع والطير ) مكلبين ( معلمين ________________________________________ " صفحة رقم 296 " إياه الصيد والمكلب مؤدب الجوارح ومضر بها بالصيد مشتق من الكلب لأن التأديب يكون أكثر فيه وآثر أو لأن كل سبع يسمى كلبا لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم سلط عليهم كلبا من كلابك وانتصابه على الحال من علمتم وفائدتها المبالغة في التعليم ) تعلمونهن ( حال ثانية أو استئناف ) مما علمكم الله ( من الحيل وطرق التأديب فإن العلم بها إلهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه سبحانه وتعالى أو مما علمكم الله أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وأن ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه ) فكلوا مما أمسكن عليكم ( وهو ما لم تأكل منه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعدي بن حاتم وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه وإليه ذهب أكثر الفقهاء وقال بعضهم لا يشترط ذلك في سباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر وقال آخرون لا يشترط مطلقا ) واذكروا اسم الله عليه ( الضمير لما علمتم والمعنى سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن بمعنى سموا عليه إذا أدركتم ذكاته ________________________________________ " صفحة رقم 297 " ) واتقوا الله ( في محرماته ) إن الله سريع الحساب ( فيؤاخذكم بما جل ودق المائدة : ( 5 ) اليوم أحل لكم . . . . . ) اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ( يتناول الذبائح وغيرها ويعم الذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى واستثنى علي رضي الله عنه نصارى بني تغلب وقال ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر ولا يلحق بهم المجوس في ذلك وإن ألحقوا بهم في التقرير على الجزية لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم ) وطعامكم حل لهم ( فلا عليكم أن تطعموهم وتبيعوه منهم ولو حرم عليهم لم يجز ذلك ) والمحصنات من المؤمنات ( أي الحرائر أو العفائف وتخصيصهن بعث على ما هو الأولى ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( وإن كن حربيات وقال ابن عباس لا تحل الحربيات ) إذا آتيتموهن أجورهن ( مهورهن وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها والحث على ما هو الأولى وقيل المراد بإيتائها التزامها ) محصنين ( أعفاء ________________________________________ " صفحة رقم 298 " بالنكاح ) غير مسافحين ( غير مجاهرين بالزنا ) ولا متخذي أخدان ( مسرين به والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى ) ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ( يريد بالإيمان شرائع الإسلام وبالكفر إنكاره والامتناع عنه المائدة : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ( أي إذا أردتم القيام كقوله تعالى ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( عبر عن إرادة الفعل المسبب عنها للإيجاز والتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة أو إذا قصدتم الصلاة لأن التوجه إلى الشيء والقيام إليه قصد له وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا والإجماع على خلافه لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح فقال عمر رضي الله تعالى عنه صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال عمدا فعلته فقيل مطلق أريد به التقييد والمعنى إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وقيل الأمر فيه للندب وقيل كان ذلك أول الأمر ثم نسخ وهو ضعيف لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها ________________________________________ " صفحة رقم 299 " وحرموا حرامها ) فاغسلوا وجوهكم ( أمروا الماء عليها ولا حاجة إلى الدلك خلافا لمالك ) وأيديكم إلى المرافق ( الجمهور على دخول المرفقين في المغسول ولذلك قيل ) إلى ( بمعنى مع كقوله تعالى ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( أو متعلقة بمحذوف تقديره وأيديكم مضافة إلى المرافق ولو كان كذلك لم يبق لمعنى التحديد ولا لذكره مزيد فائدة لأن مطلق اليد يشتمل عليها وقيل إلى تفيد الغاية مطلقا وأما دخولها في الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما يعلم من خارج ولم يكن في الآية وكانت الأيدي متناولة لها فحكم بدخولها احتياطا وقيل إلى من حيث أنها تفيد الغاية تقتضي خروجها وإلا لم تكن غاية لقوله تعالى ) فنظرة إلى ميسرة ( وقوله تعالى ) ثم أتموا الصيام إلى الليل ( لكن لما لم تتميز الغاية ها هنا عن ذي الغاية وجب إدخالها احتياطا ) وامسحوا برؤوسكم ( الباء مزيدة وقيل للتبعيض فإنه الفارق بين قولك مسحت المنديل ________________________________________ " صفحة رقم 300 " وبالمنديل ووجهه أن يقال إنها تدل على تضمين الفعل معنى الإلصاق فكأنه قيل وألصقوا المسح برؤوسكم وذلك لا يقتضي الاستيعاب بخلاف ما لو قيل وامسحوا رؤوسكم فإنه كقوله ) فاغسلوا وجوهكم ( واختلف العلماء في قدر الواجب فأوجب الشافعي رضي الله تعالى عنه أقل ما يقع عليه الاسم أخذا باليقين وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه مسح ربع الرأس لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) مسح على ناصيته وهو قريب من الربع ومالك رضي الله تعالى عنه مسح كله أخذا بالاحتياط ) وأرجلكم إلى الكعبين ( نصبه نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب عطفا على وجوهكم ويؤيده السنة الشائعة وعمل الصحابة وقول أكثر الأئمة والتحديد إذ المسح لم يحد وجره الباقون على الجوار ونظيره كثير في القرآن والشعر كقوله تعالى ) عذاب يوم أليم ( ) وحور عين ( بالجر ________________________________________ " صفحة رقم 301 " في قراءة حمزة والكسائي وقولهم جحر ضب خرب وللنحاة باب في ذلك وفائدته التنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليها ويغسل غسلا يقرب من المسح وفي الفصل بينه وبين أخويه إيماء على وجوب الترتيب وقرئ بالرفع على ) وأرجلكم ( مغسولة ) وإن كنتم جنبا فاطهروا ( فاغتسلوا ) وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ( سبق تفسيره ولعل تكريره ليتصل الكلام في بيان أنواع الطهارة ) ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ( أي ما يريد الأمر بالطهارة للصلاة أو الأمر بالتيمم تضييقا عليكم ) ولكن يريد ليطهركم ( لينظفكم أو ليطهركم عن الذنوب فإن الوضوء تكفير للذنوب أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء فمفعول ) يريد ( في الموضعين ________________________________________ " صفحة رقم 302 " محذوف واللام للعلة وقيل مزيدة والمعنى ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج حتى لا يرخص لكم في التيمم ولكن يريد أن يطهركم وهو ضعيف لأن أن لا تقدر بعد المزيدة ) وليتم نعمته عليكم ( ليتم بشرعه ما هو مطهرة لأبدانكم ومكفرة لذنوبكم نعمته عليكم في الدين أوليتم برخصه إنعامه عليكم بعزائمه ) لعلكم تشكرون ( نعمته والآية مشتملة على سبعة أمور كلها مثنى طهارتان أصل وبدل والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل محدود وغير محدود وأن آلتهما مائع وجامد وموجبهما حدث أصغر وأكبر وأن المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر وأن الموعود عليهما تطهير الذنوب وإتمام النعمة المائدة : ( 7 ) واذكروا نعمة الله . . . . . ) واذكروا نعمة الله عليكم ( بالإسلام لتذكركم المنعم وترغبكم في شكره ) وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ( يعني الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره أو ميثاقه ليلة العقبة أو بيعة الرضوان ) واتقوا الله ( في إنساء نعمته ونقض ميثاقه ) إن الله عليم بذات الصدور ( أي بخفياتها فيجازيكم عليها فضلا عن جليات أعمالكم ________________________________________ " صفحة رقم 303 " المائدة : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ( عداه بعلى لتضمنه معنى الحمل والمعنى لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا مما في قلوبكم ) اعدلوا هو أقرب للتقوى ( أي العدل أقرب للتقوى صرح لهم بالأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعدما نهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى وإذا كان هذا للعدل مع الكفار فما ظنك بالعدل مع المؤمنين ) واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( فيجازيكم به وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل إن الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء ثائرة الغيظ المائدة : ( 9 ) وعد الله الذين . . . . . ) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ( إنما حذف ثاني مفعولي وعد استغناء بقوله ) لهم مغفرة ( فإنه استئناف يبينه وقيل الجملة في موضع المفعول فإن الوعد ضرب من القول وكأنه قال وعدهم هذا القول المائدة : ( 10 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . . ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( هذا من عادته تعالى أن يتبع حال أحد الفريقين حال الآخر وفاء بحق الدعوة وفيه مزيد وعد للمؤمنين وتطييب لقلوبهم ________________________________________ " صفحة رقم 304 " المائدة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ( روي أن المشركين رأوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه بعسفان قاموا إلى الظهر معا فلما صلوا ندموا ألا كانوا أكبوا عليهم وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إلى العصر فرد الله عليهم كيدهم بأن أنزل عليهم صلاة الخوف والآية إشارة إلى ذلك وقيل إشارة إلى ما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أتى قريظة ومعه الخلفاء الأربعة يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري يحسبهما مشركين فقالوا نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك فأجلسوه وهموا بقتله فعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه فأمسك الله يده فنزل جبريل فأخبره فخرج وقيل نزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منزلا وعلق سلاحه بشجرة وتفرق الناس عنه فجاء أعرابي فسل سيفه وقال من يمنعك مني فقال الله فأسقطه جبريل من يده فأخذه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقال من يمنعك مني فقال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فنزلت ) إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ( بالقتل والإهلاك يقال بسط إليه يده إذا بطش به وبسط إليه لسانه إذا شتمه ) فكف أيديهم عنكم ( منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم ) واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( فإنه الكافي لإيصال الخير ودفع الشر المائدة : ( 12 ) ولقد أخذ الله . . . . . ) ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( شاهدا من كل سبط ينقب عن أحوال قومه ويفتش عنها أو كفيلا يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به روي أن بني ________________________________________ " صفحة رقم 305 " إسرائيل لما فرغوا من فرعون واستقروا بمصر أمرهم الله سبحانه وتعالى بالمسير إلى أريحاء من أرض الشام وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال إني كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها فإني ناصركم وأمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يأخذ من كل سبط كفيلا عليهم بالوفاء بما أمروا به فأخذ عليهم الميثاق واختار منهم النقباء وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون الأخبار ونهاهم أن يحدثوا قومهم فرأوا أجراما عظيمة وبأسا شديدا فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ونكث الميثاق إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا ويوشع بن نون من سبط افراييم بن يوسف ) وقال الله إني معكم ( بالنصرة ) لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم ( أي نصرتموهم وقويتموهم وأصله الذب ومنه التعزيز ) وأقرضتم الله قرضا حسنا ( بالإنفاق في سبيل الخير وقرضا يحتمل المصدر والمفعول ) لأكفرن عنكم سيئاتكم ( جواب للقسم المدلول عليه باللام في لئن ساد مسد جواب الشرط ) ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك ( بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم ) منكم فقد ضل سواء السبيل ( ضلالا لا شبهة فيه ولا عذر معه بخلاف من كفر قبل ذلك إذ قد يمكن أن يكون له شبهة ويتوهم له معذرة المائدة : ( 13 ) فبما نقضهم ميثاقهم . . . . . ) فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ( طردناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية ) وجعلنا قلوبهم قاسية ( لا تنفعل عن الآيات والنذر وقرأ حمزة والكسائي / قسية / وهي إما مبالغة ) قاسية ( أو بمعنى رديئة من قولهم درهم قسي إذا كان مغشوشا وهو أيضا من القسوة فإن المغشوش فيه يبس وصلابة وقرئ / قسية / بإتباع القاف للسين ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( استئناف لبيان قسوة قلوبهم فإنه لا قسوة أشد من تغيير ________________________________________ " صفحة رقم 306 " كلام الله سبحانه وتعالى والافتراء عليه ويجوز أن يكون حالا من مفعول ) لعناهم ( لا من القلوب إذ لا ضمير له فيه ) ونسوا حظا ( وتركوا نصيبا وافيا ) مما ذكروا به ( من التوراة أو من اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أنهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما أنزل عليهم فلم ينالوه وقيل معناه أنهم حرفوها فزلت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم لما روي أن ابن مسعود قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( خيانة منهم أو فرقة خائنة أو خائن والتاء للمبالغة والمعنى أن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم ) إلا قليلا منهم ( لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم وقيل استثناء من قوله ) وجعلنا قلوبهم قاسية ( ) فاعف عنهم واصفح ( إن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية وقيل مطلق نسخ بآية السيف ) إن الله يحب المحسنين ( تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره المائدة : ( 14 ) ومن الذين قالوا . . . . . ) ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ( أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم وقيل تقديره ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا وإنما قال قالوا إنا ________________________________________ " صفحة رقم 307 " نصارى ليدل على أنهم سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله سبحانه وتعالى ) فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا ( فألزمنا من غري بالشيء إذا لصق به ) بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ( بين فرق النصارى وهم نسطورية ويعقوبية وملكانية أو بينهم وبين اليهود ) وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ( بالجزاء والعقاب المائدة : ( 15 ) يا أهل الكتاب . . . . . ) يا أهل الكتاب ( يعني اليهود والنصارى ووحد الكتاب لأنه للجنس ) قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ( كنت محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بأحمد ( صلى الله عليه وسلم ) في الإنجيل ) ويعفو عن كثير ( مما تخفونه لا يخبر به إذا لم يضطر إليه أمر ديني أو عن كثير منكم فلا يؤخذاه بجرمه ) قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ( يعني القرآن فإنه الكاشف لظلمات الشك والضلال والكتاب الواضح الإعجاز وقيل يريد بالنور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) المائدة : ( 16 ) يهدي به الله . . . . . ) يهدي به الله ( وحد الضمير لأن المراد بهما واحد أو لأنهما كواحد في الحكم ) من اتبع رضوانه ( من اتبع رضاه بالإيمان منهم ) سبل السلام ( طرق السلامة من العذاب أو سبل الله ) ويخرجهم من الظلمات إلى النور ( من أنواع الكفر إلى الإسلام ) بإذنه ( بإرادته أو توفيقه ) ويهديهم إلى صراط مستقيم ( طريق هو أقرب الطرق إلى الله سبحانه وتعالى ومؤد إليه لا محالة المائدة : ( 17 ) لقد كفر الذين . . . . . ) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ( هم الذين قالوا بالاتحاد منهم ________________________________________ " صفحة رقم 308 " وقيل لم يصرح به أحد منهم ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتا وقالوا لا إله إلا الله واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم ) قل فمن يملك من الله شيئا ( فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئا ) إن أراد أن يهلك المسيح ( عيسى ) ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ( احتج بذلك على فساد عقولهم وتقريره أن المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهية ) ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير ( إزاحة لما عرض لهم من الشبهة في أمره والمعنى أنه سبحانه وتعالى قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السموات والأرض ومن أصل كخلق ما بينهما فينشئ من أصل ليس من جنسه كآدم وكثير من الحيوانات ومن أصل يجانسه إما من ذكر وحده كما خلق حواء أو من أنثى وحدها كعيسى أو منهما كسائر الناس ________________________________________ " صفحة رقم 309 " المائدة : ( 18 ) وقالت اليهود والنصارى . . . . . ) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ( أشياع ابنيه عزيرا والمسيح كما قيل لأشياع ابن الزبير الحبيبون أو المقربون عنده قرب الأولاد من والدهم وقد سبق لنحو ذلك مزيد بيان في سورة آل عمران ) قل فلم يعذبكم بذنوبكم ( أي فإن صح ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم فإن من كان بهذا المنصب لا يفعل ما يوجب تعذيبه وقد عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياما معدودات ) بل أنتم بشر ممن خلق ( ممن خلقه الله تعالى ) يغفر لمن يشاء ( وهم من آمن به وبرسله ) ويعذب من يشاء ( وهم من كفر والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عنده ) ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ( كلها سواء في كونها خلقا وملكا له ) وإليه المصير ( فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته المائدة : ( 19 ) يا أهل الكتاب . . . . . ) يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم ( أي الدين وحذف لظهوره أو ما كتمتم وحذف لتقدم ذكره ويجوز أن لا يقدر مفعول على معنى يبذل لكم البيان والجملة في ________________________________________ " صفحة رقم 310 " موضع الحال أي جاءكم رسولنا مبينا لكم ) على فترة من الرسل ( متعلق بجاءكم أي جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحي أو يبين حال من الضمير فيه ) أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ( كراهة أن تقولوا ذلك وتعتذروا به ) فقد جاءكم بشير ونذير ( متعلق بمحذوف أي لا تعتذروا ب ) ما جاءنا ( فقد جاءكم ) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام إذ كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبي وعلى الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام كان بينهما ستمائة أو خمسمائة وتسع وستون سنة وأربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي وفي الآية امتنان عليهم بأن بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكونون إليه المائدة : ( 20 ) وإذ قال موسى . . . . . ) وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ( فأرشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ) وجعلكم ملوكا ( أي وجعل منكم أو فيكم وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون حتى قتلوا يحيى ________________________________________ " صفحة رقم 311 " وهموا بقتل عيسى وقيل لما كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله وجعلهم مالكين لأنفسهم وأمورهم سماهم ملوكا ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( من فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى ونحوها مما آتاهم الله وقيل المراد بالعالمين عالمي زمانهم المائدة : ( 21 ) يا قوم ادخلوا . . . . . ) يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ( أرض بيت المقدس سميت بذلك لأنها كانت قرار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومسكن المؤمنين وقيل الطور وما حوله وقيل دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقيل الشام ) التي كتب الله لكم ( قسمها لكم أو كتب في اللوح أنها تكون مسكنا لكم ولكن إن آمنتم وأطعتم لقوله لهم بعدما عصوا ) فإنها محرمة عليهم ( ) ولا ترتدوا على أدباركم ( ولا ترجعوا مدبرين خوفا من الجبابرة قيل لما سمعوا حالهم من النقباء بكوا وقالوا ليتنا متنا بمصر تعالوا نجعل علينا رأسا ينصرف بنا إلى مصر أو لا ترتدوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق على الله سبحانه وتعالى ) فتنقلبوا خاسرين ( ثواب الدارين ويجوز في فتنقلبوا الجزم على العطف والنصب على الجواب المائدة : ( 22 ) قالوا يا موسى . . . . . ) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين ( متغلبين لا تتأتى مقاومتهم والجبار فعال من ________________________________________ " صفحة رقم 312 " جبره على الأمر بمعنى أجبره وهو الذي يجبر الناس على ما يريده ) وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ( إذ لا طاقة لنا بهم المائدة : ( 23 ) قال رجلان من . . . . . ) قال رجلان ( كالب ويوشع ) من الذين يخافون ( أي يخافون الله سبحانه وتعالى ويتقونه وقيل كان رجلان من الجبابرة أسلما وسارا إلى موسى عليه الصلاة والسلام فعلى هذا الواو لبني إسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل ويشهد له أنه قرئ ) الذين يخافون ( بالضم أي المخوفين وعلى المعنى الأول يكون هذا من الإخافة أي من الذين يخوفون من الله عز وجل بالتذكير أو يخوفهم الوعيد ) أنعم الله عليهما ( بالإيمان والتثبيت وهو صفة ثانية لرجلان أو اعتراض ) ادخلوا عليهم الباب ( باب قريتهم أي باغتوهم وضاغطوهم في المضيق وامنعوهم من الأصحار ) فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ( لتعسر الكر عليهم في المضايق من عظم أجسامهم ولأنهم أجسام لا قلوب فيها ويجوز أن يكون علمهما بذلك من إخبار موسى عليه الصلاة والسلام وقوله ) كتب الله لكم ( أو مما علما من عادة الله سبحانه وتعالى في نصرة رسله وما عهدا من صنعه لموسى عليه الصلاة والسلام في قهر أعدائه ) وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( أي به ومصدقين بوعده المائدة : ( 24 ) قالوا يا موسى . . . . . ) قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ( نفوا دخولهم على التأكيد والتأبيد ) ما داموا فيها ( بدل البعض ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( قالوا ذلك استهانة بالله ________________________________________ " صفحة رقم 313 " ورسوله وعدم مبالاة بهما وقيل تقديره اذهب أنت وربك يعينك المائدة : ( 25 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ( قاله شكوى بثه وحزنه إلى الله سبحانه وتعالى لما خالفه قومه وأيس منهم ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون عليه السلام والرجلان المذكوران وإن كانا يوافقانه لم يثق عليهما لما كابد من تلون قومه ويجوز أن يراد بأخي من يواخيني في الدين فيدخلان فيه ويحتمل نصبه عطفا على نفسي أو على اسم إن ورفعه عطفا على الضمير في ) لا أملك ( أو على محل إن واسمها وجره عند الكوفيين عطفا على الضمير في نفسي ) فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ( بأن تحكم لنا بما نستحقه وتحكم عليهم بما يستحقونه أو بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم المائدة : ( 26 ) قال فإنها محرمة . . . . . ) قال فإنها ( قال فإن الأرض المقدسة ) محرمة عليهم ( لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم ) أربعين سنة يتيهون في الأرض ( عامل الظرف إما محرمة فيكون التحريم ________________________________________ " صفحة رقم 314 " مؤقتا غير مؤبد فلا يخالف ظاهر قوله ) التي كتب الله لكم ( ويؤيد ذلك ما روي أن موسى عليه الصلاة والسلام سار بعده بمن بقي من بني إسرائيل ففتح إريحاء وأقام بها ما شاء الله ثم قبض وقيل إنه قبض في التيه ولما احتضر أخبرهم بأن يوشع بعده نبي وأن الله سبحانه وتعالى أمره بقتال الجبابرة فسار بهم يوشع وقتل الجبابرة وصار الشام كله لبني إسرائيل وإما يتيهون أي يسيرون فيها متحيرين لا يرون طريقا فيكون التحريم مطلقا وقد قيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها بل هلكوا في التيه وإنما قاتل الجبابرة أولادهم روي أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون من الصباح إلى المساء فإذا هم بحيث ارتحلوا عنه وكان الغمام يظلهم من الشمس وعمود من نور يطلع بالليل فيضيء لهم وكان طعامهم المن والسلوى وماؤهم من الحجر الذي يحملونه والأكثر على أن موسى وهارون كانا معهم في التيه إلا أنه كان ذلك روحا لهما وزيادة في درجتهما وعقوبة لهم وأنهما ماتا فيه مات هارون وموسى بعده بسنة ثم دخل يوشع أريحاء بعد ثلاثة أشهر ومات النقباء فيه بغتة غير كالب ويوشع ) فلا تأس على القوم الفاسقين ( خاطب به موسى عليه الصلاة والسلام لما ندم على الدعاء عليهم وبين أنهم أحقاء بذلك لفسقهم المائدة : ( 27 ) واتل عليهم نبأ . . . . . ) واتل عليهم نبأ ابني آدم ( قابيل وهابيل أوحى الله سبحانه وتعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمة الآخر فسخط منه قابيل لأن توأمته كانت أجمل فقال لهما آدم قربا قربانا فمن أيكما قبل تزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطا وفعل ما فعل وقيل لم يرد لهما ابني آدم لصلبه وأنهما رجلان من بني إسرائيل ولذلك ________________________________________ " صفحة رقم 315 " قال ) كتبنا على بني إسرائيل ( ) بالحق ( صفة مصدر محذوف أي تلاوة ملتبسة بالحق أو حال من الضمير في اتل أو من نبأ أي ملتبسا بالصدق موافقا لما في كتب الأولين ) إذ قربا قربانا ( ظرف لنبأ أو حال منه أو بدل على حذف مضاف أي واتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت والقربان اسم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى من ذبيحة أو غيرها كما أن الحلوان اسم ما يحلى به أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن وقيل تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا قيل كان قابيل صاحب زرع وقرب أردأ قمح عنه وهابيل صاحب ضرع وقرب جملا سمينا ) فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ( لأنه سخط حكم الله سبحانه وتعالى ولم يخلص النية في قربانه وقصد إلى أخس ما عنده ) قال لأقتلنك ( نوعده بالقتل لفرط الحسد له على تقبل قربانه ولذلك ) قال إنما يتقبل الله من المتقين ( في جوابه أي إنما أتيت من قبل نفسك بترك التقوى لا من قبلي فلم تقتلني وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا في إزالة حظه فإن ذلك مما يضره ولا ينفعه وأن الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متق ________________________________________ " صفحة رقم 316 " المائدة : ( 28 ) لئن بسطت إلي . . . . . ) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ( قيل كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله سبحانه وتعالى لأن الدفع لم يبح بعد أو تحريا لما هو الأفضل قال ( صلى الله عليه وسلم ) كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وإنما قال ) ما أنا بباسط ( في جواب ) لئن بسطت ( للتبري عن هذا الفعل الشنيع رأسا والتحرز من أن يوصف به ويطلق عليه ولذلك أكد النفي بالباء المائدة : ( 29 ) إني أريد أن . . . . . ) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ( تعليل ثان للامتناع عن المعارضة والمقاومة والمعنى إنما استسلم لك إرادة أن تحمل إثمي ________________________________________ " صفحة رقم 317 " لو بسطت إليك يدي وإثمك ببسطك يدك إلي ونحوه المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم وقيل معنى بإثمي بإثم قتلي وبإثمك الذي لم يتقبل من أجله قربانك وكلاهما في موضع الحال أي ترجع ملتبسا بالإثمين حاملا لهما ولعله لم يرد معصية أخيه وشقاوته بل قصده بهذا الكلام إلى أن ذلك إن كان لا محالة واقفا فأريد أن يكون لك لا لي فالمراد بالذات أن لا يكون له أن يكون لأخيه ويجوز أن يكون المراد بالإثم عقوبته وإرادة عقاب العاصي جائزة المائدة : ( 30 ) فطوعت له نفسه . . . . . ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( فسهلته له ووسعته من طاع له المرتع إذا اتسع وقرئ / فطاوعت / على أنه فاعل بمعنى فعل أو على أن ) قتل أخيه ( كأنه دعاها إلى الإقدام عليه فطاوعته وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله ) فقتله فأصبح من الخاسرين ( دينا ودنيا إذ بقي مدة عمره مطرودا محزونا قيل قتل هابيل وهو ابن عشرين سنة عند عقبة ________________________________________ " صفحة رقم 318 " حراء وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم المائدة : ( 31 ) فبعث الله غرابا . . . . . ) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ( روي أنه لما قتله تحير في أمره ولم يدر ما يصنع به إذ كان أول ميت من بني آدم فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة والضمير في ليرى لله سبحانه وتعالى أو للغراب وكيف حال من الضمير في ) يواري ( والجملة ثاني مفعولي يرى والمراد بسوأة أخيه جسده الميت فإنه مما يستقبح أن يرى ) قال يا ويلتى ( كلمة جزع وتحسر والألف فيها بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتي احضري فهذا أوانك والويل والويلة الهلكة ) أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي ( لا أهتدي إلى مثل ما اهتدي إليه وقوله ) فأواري ( عطف على ) أكون ( وليس جواب الاستفهام إذ ليس المعنى ههنا لو عجزت لواريت وقرئ بالسكون على فأنا أواري أو على تسكين المنصوب تخفيفا ) فأصبح من النادمين ( على قتله لما كابد فيه من التحير في أمره وحمله على رقبته سنة أو أكثر على ما قيل وتلمذه للغراب واسوداد لونه وتبري أبويه منه أذ روي أنه لما قتله اسود جسده فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ________________________________________ " صفحة رقم 319 " ولذلك اسود جسدك وتبرأ منه ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك وعدم الظفر بما فعله من أجله المائدة : ( 32 ) من أجل ذلك . . . . . ) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ( بسببه قضينا عليهم وأجل في الأصل مصدر أجل شرا إذا جناه استعمل في تعليل الجنايات كقولهم من جراك فعلته أي من أن جررته أي جنيته ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تعليل ومن ابتدائية متعلقة بكتبنا أي ابتداء الكتب ونشوء من أجل ذلك ) أنه من قتل نفسا بغير نفس ( أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص ) أو فساد في الأرض ( أو بغير فساد فيها كالشرك أو قطع الطريق ) فكأنما قتل الناس جميعا ( من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه أو من حيث أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله سبحانه وتعالى والعذاب العظيم ) ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ( أي ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ترهيبا عن التعرض لها وترغيبا في المحاماة عليها ) ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ( أي بعد ما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم من أجل أمثال تلك الجناية وأرسلنا إليهم الرسل بالآيات الواضحة تأكيدا للأمر وتجديدا للعهد كي يتحاموا عنها وكثير منهم يسرفون في الأرض بالقتل ولا يبالون به وبهذا اتصلت القصة بما قبلها والإسراف التباعد عن حد الاعتدال في الأمر ________________________________________ " صفحة رقم 320 " المائدة : ( 33 ) إنما جزاء الذين . . . . . ) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( أي يحاربون أولياءهما وهم المسلمون جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما وأصل الحرب السلب والمراد به ههنا قطع الطريق وقيل المكابرة باللصوصية وإن كانت في مصر ) ويسعون في الأرض فسادا ( أي مفسدين ويجوز نصبه على العلة أو المصدر لأن سعيهم كان فسادا فكأنه قيل ويفسدون في الأرض فسادا ) أن يقتلوا ( أي قصاصا من غير صلب إن أفردوا القتل ) أو يصلبوا ( أي يصلبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال وللفقهاء خلاف في أنه يقتل ويصلب أو يصلب حيا ويترك أو يطعن حتى يموت ) أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ( تقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى إن أخذوا المال ولم يقتلوا ) أو ينفوا من الأرض ( ينفوا من بلد إلى بلد بحيث لا يتمكنون من القرار في موضع إن اقتصروا على الإخافة وفسر أبو حنيفة النفي بالحبس وأو في الآية على هذا للتفصيل وقيل إنه للتخيير والإمام مخير بين هذه ________________________________________ " صفحة رقم 321 " العقوبات في كل قاطع طريق ) ذلك لهم خزي في الدنيا ( ذل وفضيحة ) ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( لعظم ذنوبهم المائدة : ( 34 ) إلا الذين تابوا . . . . . ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ( استثناء مخصوص بما هو حق الله سبحانه وتعالى ويدل عليه قوله تعالى ) فاعلموا أن الله غفور رحيم ( أما القتل قصاصا فإلى الأولياء يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه وتقييد التوبة بالتقدم على القدرة يدل على أنها بعد القدرة لا تسقط الحد وإن أسقطت العذاب وأن الآية في قطاع المسلمين لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها المائدة : ( 35 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ( أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا إذا تقرب إليه وفي الحديث الوسيلة منزلة في الجنة ) وجاهدوا في سبيله ( بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة ) لعلكم تفلحون ( بالوصول إلى الله سبحانه وتعالى والفوز بكرامته ________________________________________ " صفحة رقم 322 " المائدة : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض ( من صنوف الأموال ) جميعا ومثله معه ليفتدوا به ( ليجعلوه فدية لأنفسهم ) من عذاب يوم القيامة ( واللام متعلقة بمحذوف تستدعيه لو إذ التقدير لو ثبت أن لهم ما في الأرض وتوحيد الضمير في به والمذكور شيئان إما لإجرائه مجرى اسم الإشارة في نحو قوله تعالى ) عوان بين ذلك ( أو لأن الواو ومثله بمعنى مع ) ما تقبل منهم ( جواب ولو بما في حيزه خبر إن والجملة تمثيل للزوم العذاب لهم وأنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه ) ولهم عذاب أليم ( تصريح بالمقصود منه وكذلك قوله المائدة : ( 37 ) يريدون أن يخرجوا . . . . . ) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ( وقرئ ) يخرجوا ( من أخرج وإنما قال ) وما هم بخارجين ( بدل وما يخرجون للمبالغة المائدة : ( 38 ) والسارق والسارقة فاقطعوا . . . . . ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ( جملتان عند سيبويه إذ التقدير فيما يتلى ________________________________________ " صفحة رقم 323 " عليكم السارق والسارقة أي حكمهما وجملة عند المبرد والفاء للسببية دخل الخبر لتضمنهما معنى الشرط إذ المعنى والذي سرق والتي سرقت وقرئ بالنصب وهو المختار في أمثاله لأن الإنشاء لا يقع خبرا إلا بإضمار وتأويل والسرقة أخذ مال الغير في خفية وإنما توجب القطع إذا كانت من حرز والمأخوذ ربع دينار أو ما يساويه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) القطع في ربع دينار فصاعدا وللعلماء خلاف في ذلك لأحاديث وردت فيه وقد استقصيت الكلام فيه في شرح المصابيح والمراد بالأيدي الإيمان ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه أيمانهما ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما في قوله تعالى ) فقد صغت قلوبكما ( اكتفاء بتثنية المضاف إليه واليد اسم لتمام العضو ولذلك ذهب الخوارج إلى أن المقطع هو المنكب والجمهور على أنه الرسغ لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) أتي بسارق فأمر بقطع يمينه منه ) جزاء بما كسبا نكالا من الله ( منصوبان على المفعول ________________________________________ " صفحة رقم 324 " له أو المصدر ودل على فعلهما فاقطعوا ) والله عزيز حكيم ) المائدة : ( 39 ) فمن تاب من . . . . . ) فمن تاب ( من السراق ) من بعد ظلمه ( أي بعد سرقته ) وأصلح ( أمره بالتقصي عن التبعات والعزم على أن لا يعود إليها ) فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ( يقبل توبته فلا يعذبه في الآخرة وأما القطع فلا يسقط بها عند الأكثرين لأن فيه حق المسروق منه المائدة : ( 40 ) ألم تعلم أن . . . . . ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ( الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد ) يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير ( قدم التعذيب على المغفرة إيتاء على ترتيب ما سبق أو لأن استحقاق التعذيب مقدم أو لأن المراد به القطع وهو في الدنيا المائدة : ( 41 ) يا أيها الرسول . . . . . ) يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ( أي صنيع الذين يقعون في الكفر سريعا أي في إظهاره إذا وجدوا منه فرصة ) من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ( أي من المنافقين والباء متعلقة بقالوا لا بآمنا والواو تحتمل الحال والعطف ) ومن الذين هادوا ( عطف على ) من الذين قالوا ( ) سماعون للكذب ( خبر محذوف أي ________________________________________ " صفحة رقم 325 " هم سماعون والضمير للفريقين أو للذين يسارعون ويجوز أن يكون مبتدأ ومن الذين خبره أي ومن اليهود قوم سماعون واللام في للكذب إما مزيدة للتأكيد أو لتضمين السماع معنى القبول أي قابلون لما تفتريه الأحبار أو للعلة والمفعول محذوف أي سماعون كلامك ليكذبوا عليك فيه ) سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ( أي لجمع آخرين من اليهود لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبرا وإفراطا في البغضاء والمعنى على الوجهين أي مصغون لهم قابلون كلامهم أو سماعون منك لأجلهم والإنهاء إليهم ويجوز أن تتعلق اللام بالكذب لأن سماعون الثاني مكرر للتأكيد أي سماعون ليكذبوا لقوم آخرين ) يحرفون الكلم من بعد مواضعه ( أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها إما لفظا بإهماله أو تغيير وضعه وإما معنى بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده والجملة صفة أخرى لقوم أو صفة لسماعون أو حال من الضمير فيه أو استئناف لا موضع له أو في موضع الرفع خبرا لمحذوف أي هم يحرفون وكذلك ) يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ( أي إن أوتيتم هذا المحرف فاقبلوه واعملوا به ) وإن لم تؤتوه ( بل أفتاكم محمد بخلافه ) فاحذروا ( أي احذروا قبول ما أفتاكم به روي أن شريفا من خيبر زنى بشريفة وكانا محصنين فكرهوا رجمهما فأرسلوهما مع رهط منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا إن أمركم بالجلد والتحميم فأقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا فأمرهم بالرجم فأبوا عنه فجعل ابن صوريا حكما بينه وبينهم وقال له أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من أحصن قال نعم فوثبوا عليه فقال خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالزانيين فرجما عند باب ________________________________________ " صفحة رقم 326 " المسجد ) ومن يرد الله فتنته ( ضلالته أو فضيحته ) فلن تملك له من الله شيئا ( فلن تستطيع له من الله شيئا في دفعها ) أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ( من الكفر وهو كما ترى نص على فساد قول المعتزلة ) لهم في الدنيا خزي ( هو أن بالجزية والخوف من المؤمنين ) ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( وهو الخلود في النار والضمير للذين هادوا إن استأنفت بقوله ومن الذين وإلا فللفريقين المائدة : ( 42 ) سماعون للكذب أكالون . . . . . ) سماعون للكذب ( كرره للتأكيد ) أكالون للسحت ( أي الحرام كالرشا من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب في المواضع الثلاثة بضمتين وهما لغتان كالعنق والعنق وقرئ بفتح السين على لفظ المصدر ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( تخيير لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا تحاكموا إليه بين الحكم والإعراض ولهذا قيل لو تحاكم كتابيان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم وهو قول للشافعي والأصح وجوبه إذا كان المترافعان أو أحدهما ذميا لأنا التزمنا الذب عنهم ودفع الظلم منهم والآية ليست في أهل الذمة وعند أبي حنيفة يجب مطلقا ) وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ( بأن يعادوك لإعراضك عنهم فإن الله سبحانه وتعالى يعصمك من الناس ) وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ( أي بالعدل الذي أمر الله به ) إن الله يحب المقسطين ( فيحفظهم ويعظم شأنهم ________________________________________ " صفحة رقم 327 " المائدة : ( 43 ) وكيف يحكمونك وعندهم . . . . . ) وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ( تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به والحال أن الحكم منصوص عليه في الكتاب الذي هو عندهم وتنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع وإنما طلبوا به ما يكون أهون عليهم وإن لم يكن حكم الله تعالى في زعمهم و ) فيها حكم الله ( حال من التوراة إن رفعتها بالظرف وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه وتأنيثها لكونها نظيرة المؤنث في كلامهم لفظا كموماة ودوداة ) ثم يتولون من بعد ذلك ( ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم بعد التحكيم وهو عطف على يحكمونك داخل في حكم التعجيب ) وما أولئك بالمؤمنين ( بكتابهم لإعراضهم عنه أولا وعما يوافقه ثانيا أو بك وبه المائدة : ( 44 ) إنا أنزلنا التوراة . . . . . ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ( يهدي إلى الحق ) ونور ( يكشف عما استبهم من الأحكام ) يحكم بها النبيون ( يعني أنبياء بني إسرائيل أو موسى ومن بعده إن قلنا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ وبهذه الآية تمسك القائل به ) الذين أسلموا ( صفة أجريت على النبيين مدحا لهم وتنويها بشأن المسلمين وتعريضا باليهود وأنهم بمعزل عن دين ________________________________________ " صفحة رقم 328 " الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واقتفاء هديهم ) للذين هادوا ( متعلق بأنزل أو بيحكم أي يحكمون بها في تحاكمهم وهو يدل على أن النبيين أنبياؤهم ) والربانيون والأحبار ( زهادهم وعلماؤهم السالكون طريقة أنبيائهم عطف على النبيون ) بما استحفظوا من كتاب الله ( بسبب أمر الله إياهم بأن يحفظوا كتابه من التضييع والتحريف والراجع إلى ما محذوف ومن للنبيين ) وكانوا عليه شهداء ( رقباء لا يتركون أن يغير أو شهداء يبينون ما يخفى منه كما فعل ابن صوريا ) فلا تخشوا الناس واخشون ( نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم ويداهنوا فيها خشية ظالم أو مراقبة كبير ) ولا تشتروا بآياتي ( ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها ) ثمنا قليلا ( هو الرشوة والجاه ) ومن لم يحكم بما أنزل الله ( مستهينا به منكرا له ) فأولئك هم الكافرون ( لاستهانتهم به وتمردهم بأن حكموا بغيره ولذلك وصفهم بقوله ) الكافرون ( و ) الظالمون ( و ) الفاسقون ( فكفرهم لإنكاره وظلمهم بالحكم على خلافه وفسقهم بالخروج عنه ويجوز أن يكون كل واحدة من الصفات الثلاث باعتبار حال انضمت إلى الامتناع عن الحكم به ملائمة لها أو لطائفة كما قيل هذه في المسلمين لاتصالها بخطابهم والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى ________________________________________ " صفحة رقم 329 " المائدة : ( 45 ) وكتبنا عليهم فيها . . . . . ) وكتبنا عليهم ( وفرضنا على اليهود ) فيها ( في التوراة ) أن النفس بالنفس ( أي أن النفس تقتل بالنفس ) والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن ( رفعها الكسائي على أنها جمل معطوفة على أن وما في حيزها باعتبار المعنى وكأنه قيل وكتبنا عليهم النفس بالنفس والعين بالعين فإن الكتابة والقراءة تقعان على الجمل كالقول أو مستأنفة ومعناها وكذلك العين مفقوءة بالعين والأنف مجدوعة بالأنف والأذن مصلومة بالأذن والسن مقلوعة بالسن أو على أن المرفوع منها معطوف على المستكن في قوله بالنفس وإنما ساغ لأنه في الأصل مفصول عنه بالطرف والجار والمجرور حال مبينة للمعنى وقرأ نافع ) والأذن بالأذن ( وفي أذنيه بإسكان الذال حيث وقع ) والجروح قصاص ( أي ذات قصاص وقرأه الكسائي أيضا بالرفع ووافقه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر على أنه إجمال للحكم بعد التفضيل ) فمن تصدق ( من المستحقين ) به ( ________________________________________ " صفحة رقم 330 " بالقصاص أي فمن عفا عنه ) فهو ( فالتصدق ) كفارة له ( للمتصدق يكفر الله به ذنوبه وقيل للجاني يسقط عنه ما لزمه وقرئ / فهو كفارته له / أي فالمتصدق كفارته التي يستحقها بالتصدق له لا ينقص منها شيء ) ومن لم يحكم بما أنزل الله ( من القصاص وغيره ) فأولئك هم الظالمون ) المائدة : ( 46 ) وقفينا على آثارهم . . . . . ) وقفينا على آثارهم ( أي وأتبعناهم على آثارهم فحذف المفعول لدلالة الجار والمجرور عليه والضمير للنبيون ) بعيسى ابن مريم ( مفعول ثان عدي إليه الفعل بالباء ) مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل ( وقرئ بفتح الهمزة ) فيه هدى ونور ( في موضع النصب بالحال ) ومصدقا لما بين يديه من التوراة ( عطف عليه وكذا قوله ) وهدى وموعظة للمتقين ( ويجوز نصبهما على المفعول له عطفا على محذوف أو تعلقا به وعطف ________________________________________ " صفحة رقم 331 " المائدة : ( 47 ) وليحكم أهل الإنجيل . . . . . ) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ( ) عليه ( في قراءة حمزة وعلى الأول اللام متعلقة بمحذوف أي وآتيناه ليحكم وقرئ / وأن ليحكم / على أن أن موصولة بالأمر كقولك أمرتك بأن قم أي وأمرنا بأن ليحكم ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ( عن حكمه أو عن الإيمان إن كان مستهينا به والآية تدل على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام وأن اليهودية منسوخة ببعثة عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه كان مستقلا بالشرع وحملها على وليحكموا بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة خلاف الظاهر المائدة : ( 48 ) وأنزلنا إليك الكتاب . . . . . ) وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ( أي القرآن ) مصدقا لما بين يديه من الكتاب ( من جنس الكتب المنزلة فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس ) ومهيمنا عليه ( ورقيبا على سائر الكتب يحفظه عن التغيير ويشهد له بالصحة والثبات وقرئ على بنية المفعول أي هو من عليه وحوفظ من التحريف والحافظ له هو الله سبحانه وتعالى أو الحفاظ في كل عصر ) فاحكم بينهم بما أنزل الله ( أي بما أنزل الله إليك ) ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ( بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه فعن صلة للاتتبع لتضمنه معنى لا تنحرف أو حال من فاعله أي لا تتبع أهواءهم مائلا عما جاءك ) لكل جعلنا منكم ( أيها الناس ) شرعة ( شريعة وهي الطريق إلى الماء شبه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية وقرئ بفتح الشين ) ومنهاجا ( وطريقا واضحا في الدين من نهج الأمر إذا ________________________________________ " صفحة رقم 332 " وضح واستدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة ) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( جماعة متفقة على دين واحد في جميع الأعصار من غير نسخ وتحويل ومفعول لو شاء محذوف دل عليه الجواب وقيل المعنى لو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لأجبركم عليه ) ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ( من الشرائع المختلفة المناسبة لكل عصر وقرن هل تعملون بها مذعنين لها معتقدين أن اختلافها بمقتضى الحكمة الإلهية أم تزيغون عن الحق وتفرطون في العمل ) فاستبقوا الخيرات ( فابتدروها انتهازا للفرصة وحيازة لفضل السبق والتقدم ) إلى الله مرجعكم جميعا ( استئناف فيه تعليل الأمر بالاستباق ووعد ووعيد للمبادرين والمقصرين ) فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ( بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل والعامل والمقصر المائدة : ( 49 ) وأن احكم بينهم . . . . . ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( عطف على الكتاب أي أنزلنا إليك الكتاب والحكم أو على الحق أي أنزلناه بالحق وبأن احكم ويجوز أن يكون جملة بتقدير وأمرنا أن أحكم ) ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ( أي أن يضلوك ويصرفوك عنه وأن بصلته بدل من هم بدل الاشتمال أي احذر فتنتهم أو مفعول له أي احذرهم مخافة أن يفتنوك روي أن أحبار اليهود قالوا اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فقالوا يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم إن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) فإن تولوا ( عن الحكم المنزل وأرادوا غيره ) فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 333 " يعني ذنب التولي عن حكم الله سبحانه وتعالى فعبر عنه بذلك تنبيها على أن لهم ذنوبا كثيرة وهذا مع عظمه واحد منها معدود من جملتها وفيه دلالة على التعظيم كما في التنكير ونظيره قول لبيد " أو يرتبط بعض النفوس حمامها " ) وإن كثيرا من الناس لفاسقون ( لمتمردون في الكفر معتدون فيه المائدة : ( 50 ) أفحكم الجاهلية يبغون . . . . . ) أفحكم الجاهلية يبغون ( الذي هو الميل والمداهنة في الحكم والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى وقيل نزلت في بني قريظة والنضير طلبوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى وقرئ برفع الحكم على أنه مبتدأ و ) يبغون ( خبره والراجع محذوف حذفه في الصلة في قوله تعالى ) أهذا الذي بعث الله رسولا ( واستضعف ذلك في غير الشعر وقرئ أفحكم الجاهلية أي يبغون حاكما كحكام الجاهلية يحكم بحسب شهيتهم وقرأ ابن عامر / تبغون / بالتاء على قل لهم أفحكم الجاهلية تبغون ) ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ( أي عندهم واللام للبيان كما في قوله تعالى ) هيت لك ( أي هذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور ويتحققون الأشياء بأنظارهم فيعلمون أن لا أحسن حكما من الله سبحانه وتعالى المائدة : ( 51 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ( فلا تعتمدوا عليهم ولا ________________________________________ " صفحة رقم 334 " تعاشروهم معاشرة الأحباب ) بعضهم أولياء بعض ( إيماء على علة النهي أي فإنهم متفقون على خلافكم يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين واجماعهم على مضادتكم ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( أي ومن والاهم منكم فإنه من جملتهم وهذا التشديد في وجوب مجانبتهم كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) لا تتراءى ناراهما أو لأن الموالي لهم كانوا منافقين ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( أي الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم المائدة : ( 52 ) فترى الذين في . . . . . ) فترى الذين في قلوبهم مرض ( يعني ابن أبي وأضرابه ) يسارعون فيهم ( أي في موالاتهم ومعاونتهم ) يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ( يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم ________________________________________ " صفحة رقم 335 " دائرة من دوائر الزمان بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار روي أن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لي موالي من اليهود كثيرا عددهم وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال ابن أبي إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية موالي فنزلت ) فعسى الله أن يأتي بالفتح ( لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أعدائه وإظهار المسلمين ) أو أمر من عنده ( يقطع شأفة اليهود من القتل والإجلاء أو الأمر بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم ) فيصبحوا ( أي هؤلاء المنافقون ) على ما أسروا في أنفسهم نادمين ( على ما استبطنوه من الكفر والشك في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فضلا عما أظهروه مما أشعر على نفاقهم المائدة : ( 53 ) ويقول الذين آمنوا . . . . . ) ويقول الذين آمنوا ( بالرفع قراءة عاصم وحمزة والكسائي على أنه كلام مبتدأ ويؤيده قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر مرفوعا بغير واو على أنه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ وبالنصب قراءة أبي عمرو ويعقوب عطفا على أن يأتي باعتبار المعنى وكأنه قال عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا أو يجعله بدلا من اسم الله تعالى داخلا في اسم عسى مغنيا عن الخبر بما تضمنه من الحدث أو على الفتح بمعنى عسى الله أن يأتي بالفتح وبقول المؤمنين فإن الإتيان بما يوجبه كالإتيان به ) أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 336 " يقول المؤمنين بعضهم لبعض تعجبا من حال المنافقين وتبجحا بما من الله سبحانه وتعالى عليهم من الإخلاص أو يقولونه لليهود فإن المنافقين حلفوا لهم بالمعاضدة كما حكى الله عنه ) وإن قوتلتم لننصرنكم ( وجهد الأيمان أغلظها وهو في الأصل مصدر ونصبه على الحال على تقدير وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا ) حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ( إما من جملة المقول أو من قول الله سبحانه وتعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم وفيه معنى التعجب كأنه قيل أحبط أعمالهم فما أخسرهم المائدة : ( 54 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ( قرأه على الأصل نافع وابن عامر وهو ________________________________________ " صفحة رقم 337 " كذلك في الإمام والباقون بالإدغام وهذا من الكائنات التي أخبر الله تعالى عنها قبل وقوعها وقد ارتد من العرب في أواخر عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث فرق بنو ملدج وكان رئيسهم ذا الخمار الأسود العنسي تنبأ باليمن واستولى على بلاده ثم قتله فيروز الديلمي ليلة قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من غدها وأخبر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في تلك الليلة فسر المسلمون وأتى الخبر في أواخر ربيع الأول وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة تنبأ وكتب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك فأجاب من محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين فحاربه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجند من المسلمين وقتله وحشي قاتل حمزة وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالدا فهرب بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه سبع فزارة قوم غيبنه بن حصن وغطفان قوم فرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة زوجة مسيلمة وكندة قوم الأشعث بن قيس وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد وكفى الله أمرهم على يده وفي إمرة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غسان قوم جبلة بن الأيهم تنصر وسار إلى الشام ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( قيل هم أهل اليمن لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أشار إلى أبي موسى الأشعري وقال هم قوم هذا وقيل الفرس لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عنهم فضرب يده على عاتق سلمان وقال هذا وذووه وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية ألفان من النخع وخمسة آلاف من ________________________________________ " صفحة رقم 338 " كندة وبجيله وثلاثة آلاف من أفناء الناس والراجع إلى من محذوف تقديره فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز عن معاصيه ) أذلة على المؤمنين ( عاطفين عليهم متذللين لهم جمع ذليل لا ذلول فإن جمعه ذلل واستعماله مع على إما لتضمنه معنى العطف والحنو أو للتنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خاضعون لهم أو للمقابلة ) أعزة على الكافرين ( شداد متغلبين عليهم من عزه إذا غلبه وقرئ بالنصب على الحال ) يجاهدون في سبيل الله ( صفة أخرى لقوم أو حال من الضمير في أعزة ) ولا يخافون لومة لائم ( عطف على يجاهدون بمعنى أنهم الجامعون بين المجاهدة في سبيل الله والتصلب في دينه أو حال بمعنى أنهم مجاهدون حالهم خلاف حال المنافقين فإنهم يخرجون في جيش المسلمين خائفين ملامة أوليائهم من اليهود فلا يعملون شيئا يلحقهم فيه لوم من جهتهم واللومة المرة من اللوم وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان ) ذلك ( إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف ) فضل الله يؤتيه من يشاء ( يمنحه ويوفق له ) والله واسع ( كثير الفضل ) عليم ( بمن هو أهله المائدة : ( 55 ) إنما وليكم الله . . . . . ) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ( لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقبيه من هو ________________________________________ " صفحة رقم 339 " حقيق بها وإنما قال ) وليكم الله ( ولم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين على التبع ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح ) وهم راكعون ( متخشعون في صلاتهم وزكاتهم وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصا على الإحسان ومسارعه إليه وإنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه واستدل بها الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضا خلاف ________________________________________ " صفحة رقم 340 " الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن صدقة التطوع تسمى زكاة المائدة : ( 56 ) ومن يتول الله . . . . . ) ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ( ومن يتخذهم أولياء ) فإن حزب الله هم الغالبون ( أي فإنهم هم الغالبون ولكن وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على البرهان عليه فكأنه قيل ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم وتعريضا لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حز بهم المائدة : ( 57 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ( نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما وقد رتب النهي عن موالاتهم على اتخاذهم دينهم هزوا ولعبا إيماء إلى العلة وتنبيها على أن من هذا شأنه بعيد عن الموالاة جدير ________________________________________ " صفحة رقم 341 " بالمعاداة والبغضاء وفصل المستهزئين بأهل الكتاب والكفار على قراءة من جره وهم أبو عمرو والكسائي ويعقوب والكفار وإن عم أهل الكتاب يطلق على المشركين خاصة لتضاعف كفرهم ومن نصبه عطفه على الذين اتخذوا على أن النهي عن موالاة من ليس على الحق رأسا سواء من كان ذا دين تبع فيه الهوى وحرفه عن الصواب كأهل الكتاب ومن لم يكن كالمشركين ) واتقوا الله ( بترك المناهي ) إن كنتم مؤمنين ( لأن الإيمان حقا يقتضي ذلك وقيل إن كنتم مؤمنين بوعده ووعيده المائدة : ( 58 ) وإذا ناديتم إلى . . . . . ) وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ( أي اتخذوا الصلاة أو المنادة وفيه دليل على أن الأذان مشروع للصلاة روي أن نصرانيا بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله قال أحرق الله الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار وأهله نيام فتطاير شررها في البيت فأحرقه وأهله ) ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( فإن السفه يؤدي إلى الجهل بالحق والهزؤ به والعقل يمنع منه المائدة : ( 59 ) قل يا أهل . . . . . ) قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا ( هل تنكرون منا وتعيبون يقال نقم منه كذا إذا أنكره وانتقم إذا كافأه وقرئ ) تنقمون ( بفتح القاف وهي لغة ) إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ( الإيمان بالكتب المنزلة كلها ) وأن أكثركم فاسقون ( عطف على ) أن آمنا ( وكأن المستثنى لازم الأمرين وهو المخالفة أي ما تنكرون منا إلا مخالفتكم ________________________________________ " صفحة رقم 342 " حيث دخلنا الإيمان وأنتم خارجون منه أو كان الأصل واعتقاد أن أكثركم فاسقون فحذف المضاف أو على ما أي وما تنقمون منا إلا الإيمان بالله وبما أنزل وبأن أكثركم فاسقون أو على علة محذوفة والتقدير هل تنقمون منا إلا أن آمنا لقلة إنصافكم وفسقكم أو نصب بإضمار فعل يدل عليه هل تنقمون أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون أو رفع على الابتداء والخبر محذوف أي وفسقكم ثابت معلوم عندكم ولكن حب الرياسة والمال يمنعكم عن الإنصاف والآية خطاب ليهود سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عمن يؤمن به فقال ) آمنا بالله وما أنزل إلينا ( إلى قوله ) ونحن له مسلمون ( فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى لا نعلم دينا شرا من دينكم المائدة : ( 60 ) قل هل أنبئكم . . . . . ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك ( أي من ذلك المنقوم ) مثوبة عند الله ( جزاء ثابتا عند الله سبحانه وتعالى والمثوبة مختصة بالخير كالعقوبة بالشر فوضعت ها هنا موضعها على طريقة قوله " تحية بينهم ضرب وجيع " ________________________________________ " صفحة رقم 343 " ونصبها على التمييز عن بشر ) من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ( بدل من بشر على حذف مضاف أي بشر من أهل ذلك من لعنه الله أو بشر من ذلك دين من لعنه الله أو خبر محذوف أي هو من لعنه الله وهم اليهود أبعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات ومسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السبت وبعضهم خنازير وهم كفار أهل مائدة عيسى عليه الصلاة والسلام وقيل كلا المسخين في أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة ومشايخهم خنازير ) وعبد الطاغوت ( عطف على صلة من وكذا ) وعبد الطاغوت ( على البناء للمفعول ورفع ) الطاغوت ( و ) عبد ( بمعنى صار معبودا فيكون الراجع محذوفا أي فيهم أو بينهم ومن قرأ / وعابد الطاغوت / أو ) عبد ( على أنه نعت كفطن ويقظ أو عبدة أو ) وعبد الطاغوت ( على أنه جمع كخدم أو أن أصله عبدة فحذف التاء للإضافة عطفه على القردة ومن قرأ ) وعبد الطاغوت ( بالجر عطفه على من والمراد ) من ( الطاغوت العجل وقيل الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى ) أولئك ( أي الملعونون ) شر مكانا ( جعل مكانهم شرا ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم وقيل ) مكانا ( منصرفا ) وأضل عن سواء السبيل ( قصد الطريق المتوسط بين غلو النصارى وقدح اليهود والمراد من صيغتي التفضيل الزيادة مطلقا لا بالإضافة إلى المؤمنين في الشرارة والضلالة ________________________________________ " صفحة رقم 344 " المائدة : ( 61 ) وإذا جاؤوكم قالوا . . . . . ) وإذا جاؤوكم قالوا آمنا ( نزلت في يهود نافقوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو في عامة المنافقين ) وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ( أي يخرجون من عندك كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك والجملتان حالان من فاعل قالوا وبالكفر وبه حالان من فاعلي دخلوا وخرجوا وقد وإن دخلت لتقريب الماضي من الحال ليصح أن يقع حالا أفادت أيضا لما فيها من التوقع أن إمارة النفاق كانت لائحة عليهم وكان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يظنه ولذلك قال ) والله أعلم بما كانوا يكتمون ( أي من الكفر وفيه وعيد لهم المائدة : ( 62 ) وترى كثيرا منهم . . . . . ) وترى كثيرا منهم ( أي من اليهود أو من المنافقين ) يسارعون في الإثم ( أي الحرام وقيل الكذب لقوله ) عن قولهم الإثم ( ) والعدوان ( الظلم أو مجاوزة الحد في المعاصي وقيل ) الإثم ( ما يختص بهم والعدوان ما يتعدى إلى غيرهم ) وأكلهم السحت ( أي الحرام خصه بالذكر للمبالغة ) لبئس ما كانوا يعملون ( لبئس شيئا عملوه المائدة : ( 63 ) لولا ينهاهم الربانيون . . . . . ) لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ( تحضيض لعلمائهم على النهي عن ذلك فإن لولا إذا دخل على الماضي أفاد التوبيخ وإذا دخل على ________________________________________ " صفحة رقم 345 " المستقبل أفاد التحضيض ) لبئس ما كانوا يصنعون ( أبلغ من قوله لبئس ما كانوا يعملون من حيث إن الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه وترو وتحري إجادة ولذلك ذم به خواصهم ولأن ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فكان جديرا بأبلغ الذم المائدة : ( 64 ) وقالت اليهود يد . . . . . ) وقالت اليهود يد الله مغلولة ( أي هو ممسك يقتر بالرزق وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ولا قصد فيه إلى إثبات يد وغل وبسط ولذلك يستعمل حيث لا يتصور ذلك كقوله " جاد الحمى بسط اليدين بوابل شكرت نداه تلاعه ووهاده " ونظيره من المجازات المركبة شابت لمة الليل وقيل معناه إنه فقير لقوله تعالى ) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ( ) غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ( دعاء عليهم بالبخل والنكد أو بالفقر والمسكنة أو بغل الأيدي حقيقة يغلون أسارى في الدنيا ومسحوبين إلى النار في الآخرة فتكون المطابقة من حيث اللفظ وملاحظة الأصل كقولك سبني سب الله دابره ) بل يداه مبسوطتان ( ثنى اليد مبالغة في الرد ونفي البخل ________________________________________ " صفحة رقم 346 " عنه تعالى وإثباتا لغاية الجود فإن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطيه بيديه وتنبيها على منح الدنيا والآخرة وعلى ما يعطي للاستدراج وما يعطي للإكرام ) ينفق كيف يشاء ( تأكيد لذلك أي هو مختار في إنفاقه يوسع تارة ويضيق أخرى على حسب مشيئته ومقتضى حكمته لا على تعاقب سعة وضيق في ذات يد ولا يجوز جعله حالا من الهاء للفصل بينهما بالخبر ولأنها مضاف إليها ولا من اليدين إذ لا ضمير لهما فيه ولا من ضميرهما لذلك والآية نزلت في فنحاص بن عازوراء فإنه قال ذلك لما كف الله عن اليهود ما بسط عليهم من السعة بشؤم تكذيبهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأشرك فيه الآخرون لأنهم رضوا بقوله ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ( أي هم طاغون كافرون ويزدادون طغيانا وكفرا بما يسمعون من القرآن كما يزداد المريض مرضا من تناول الغذاء الصالح للأصحاء ) وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ( فلا تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم ) كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ( كلما أرادوا حرب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإثارة شر عليه ردهم الله سبحانه وتعالى بأن أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم أو كلما أرادوا حرب أحد غلبوا فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط الله عليهم بختنصر ثم أفسدوا فسلط عليهم فطرس الرومي ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس ثم أفسدوا فسلط عليهم ________________________________________ " صفحة رقم 347 " المسلمين وللحرب صلة أوقدوا أو صفة نارا ) ويسعون في الأرض فسادا ( أي للفساد وهو اجتهادهم في الكيد وإثارة الحروب والفتن وهتك المحارم ) والله لا يحب المفسدين ( فلا يجازيهم إلا شرا المائدة : ( 65 ) ولو أن أهل . . . . . ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به ) واتقوا ( ما عددنا من معاصيهم ونحوه ) لكفرنا عنهم سيئاتهم ( التي فعلوها ولم نؤاخذهم بها ) ولأدخلناهم جنات النعيم ( وجعلناهم داخلين فيها وفيه تنبيه على عظم معاصيهم وكثرة ذنوبهم وأن الإسلام يجب ما قبله وإن جل وأن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم المائدة : ( 66 ) ولو أنهم أقاموا . . . . . ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( بإذاعة ما فيهما من نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقيام بأحكامها ) وما أنزل إليهم من ربهم ( يعني سائر الكتب المنزلة فإنها من حيث إنهم مكلفون بالإيمان بها كالمنزل إليهم أو القرآن ) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض أو يكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار فيجتنونها من رأس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض بين بذلك أن ما كف عنهم بشؤم كفرهم ومعاصيهم لا لقصور الفيض ولو أنهم آمنوا وأقاموا ما أمروا به لوسع عليهم وجعل لهم خير الدارين ) منهم أمة مقتصدة ( عادلة غير غالية ولا مقصرة وهم الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل مقتصدة متوسطة في عداوته ) وكثير منهم ساء ما يعملون ( أي بئس ما يعملونه وفيه معنى التعجب أي ما أسوأ عملهم وهو المعاندة وتحريف الحق والإعراض عنه والإفراط في العداوة المائدة : ( 67 ) يا أيها الرسول . . . . . ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( جميع ما أنزل إليك غير مراقب أحدا ولا خائف مكروها ) وإن لم تفعل ( وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك ) فما بلغت رسالته ( فما ________________________________________ " صفحة رقم 348 " أديت شيئا منها لأن كتمان بعضها يضيع ما أدي منها كترك بعض أركان الصلاة فإن غرض الدعوة ينتقض به أو فكأنك ما بلغت شيئا منها كقوله ) فكأنما قتل الناس جميعا ( من حيث أن كتمان البعض والكل سواء في الشفاعة واستجلاب العقاب وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر رسالاته بالجمع وكسر التاء ) والله يعصمك من الناس ( عدة وضمان من الله سبحانه وتعالى بعصمة روحه ( صلى الله عليه وسلم ) من تعرض الأعادي وإزاحة لمعاذيره ) إن الله لا يهدي القوم الكافرين ( لا يمكنهم مما يريدون بك وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعا فأوحى الله تعالى إلي إن لم تبلغ رسالتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت وعن أنس رضي الله تعالى عنه كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدم فقال انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس وظاهر الآية يوجب تبليغ كل ما أنزل ولعل المراد به تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد وقصد بإنزاله إطلاعهم عليه فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه المائدة : ( 68 ) قل يا أهل . . . . . ) قل يا أهل الكتاب لستم على شيء ( أي دين يعتد به ويصح أن يسمى شيئا لأنه باطل ) حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ( ومن إقامتها الإيمان ________________________________________ " صفحة رقم 349 " بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والإذعان لحكمه فإن الكتب الإلهية بأسرها آمرة بالإيمان بمن صدقه والمعجزة ناطقة بوجوب الطاعة له والمراد إقامة أصولها وما لم ينسخ من فروعها ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين ( فلا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم بما تبلغه إليهم فإن ضرر ذلك لاحق بهم لا يتخطاهم وفي المؤمنين مندوحة لك عنهم المائدة : ( 69 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى ( سبق تفسيره في سورة البقرة والصابئون رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز إن والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك كقوله " فإني وقيار بها لغريب " وقوله " وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق " أي فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك وهو كاعتراض دل به على أنه لما كان الصابئون مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح كان غيرهم أولى بذلك ويجوز أن يكون والنصارى معطوفا عليه ومن آمن خبرهما وخبر إن مقدر دل عليه ما بعده كقوله " نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف " ________________________________________ " صفحة رقم 350 " ولا يجوز عطفه على محل إن واسمها فإنه مشروط بالفراغ من الخبر إذ لو عطف عليه قبله كان الخبر خبر المبتدأ وخبر إن معا فيجتمع عليه عاملان ولا على الضمير في هادوا لعدم التأكيد والفصل ولأنه يوجب كون الصابئين هودا وقيل إن بمعنى نعم وما بعدها في موضع الرفع بالابتداء وقيل ) والصابئون ( منصوب بالفتحة وذلك كما جوز بالياء جوز بالواو ) من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ( في محل الرفع بالابتداء وخبره ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( والجملة خبر إن أو خبر المبتدأ كما مر والراجع محذوف أي من آمن منهم أو النصب على البدل من اسم إن وما عطف عليه وقرئ و / الصابئين / وهو الظاهر و / الصابيون / بقلب الهمزة ياء و / الصابون / بحذفها من صبأ بإبدال الهمزة ألفا أو من صبوت لأنهم صبوا إلى اتباع الشهوات ولم يتبعوا شرعا ولا عقلا المائدة : ( 70 ) لقد أخذنا ميثاق . . . . . ) لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا ( ليذكروهم وليبينوا لهم أمر دينهم ) كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ( بما يخالف هواهم من الشرائع ومشاق التكاليف ) فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( جواب الشرط والجملة صفة رسلا والراجع ________________________________________ " صفحة رقم 351 " محذوف أي رسول منهم وقيل الجواب محذوف دل عليه ذلك وهو استئناف وإنما جيء ب ) يقتلون ( موضع قتلوا على حكاية الحال الماضية استحضارا لها واستفظاعا للقتل وتنبيها على أن ذلك من ديدنهم ماضيا ومستقبلا ومحافظة على رؤوس الآي المائدة : ( 71 ) وحسبوا ألا تكون . . . . . ) وحسبوا ألا تكون فتنة ( أي وحسب بنو إسرائيل أن لا يصيبهم بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب ) لا تكون ( بالرفع على أن هي المخففة من الثقيلة وأصله أنه لا تكون فتنة فخففت أن وحذف ضمير الشأن فصار أن لا تكون وإدخال فعل الحسبان عليها وهي للتحقيق تنزيل له منزلة العلم لتمكنه في قلوبهم ________________________________________ " صفحة رقم 352 " و ) إن ( أو ) إن ( بما في حيزها ساد مسد مفعوليه ) فعموا ( عن الدين أو الدلائل والهدى ) وصموا ( عن استماع الحق كما فعلوا حين عبدوا العجل ) ثم تاب الله عليهم ( أي ثم تابوا فتاب الله عليهم ) ثم عموا وصموا ( كرة أخرى وقرئ بالضم فيهما على أن الله تعالى أعماهم وأصمهم أي رماهم بالعمى والصمم وهو قليل واللغة الفاشية أعمى وأصم ) كثير منهم ( بدل من الضمير أو فاعل والواو علامة الجمع كقولهم أكلوني البراغيث أو خبر مبتدأ محذوف أي العمى والصم كثير منهم وقيل مبتدأ والجملة قبله خبره وهو ضعيف لأن تقديم الخبر في مثله ممتنع ) والله بصير بما يعملون ( فيجازيهم على وفق أعمالهم المائدة : ( 72 ) لقد كفر الذين . . . . . ) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ( أي إني عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي وخالقكم ) إنه من يشرك بالله ( أي في عبادته أو فيما يختص به من الصفات والأفعال ) فقد حرم الله عليه الجنة ( يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم فإنها دار الموحدين ) ومأواه النار ( فإنها ________________________________________ " صفحة رقم 353 " المعدة للمشركين ) وما للظالمين من أنصار ( أي وما لهم أحد ينصرهم من النار فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا على أنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحق وهو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأن يكون من كلام الله تعالى نبه به على أنهم قالوا ذلك تعظيما لعيسى ( صلى الله عليه وسلم ) وتقربا إليه وهو معاديهم بذلك ومخاصمهم فيه فما ظنك بغيره المائدة : ( 73 ) لقد كفر الذين . . . . . ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ( أي أحد ثلاثة وهو حكاية عما قاله النسطورية والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد ) وما من إله إلا إله واحد ( وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مبدئ جميع الموجودات إلا إله واحد موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة ومن مزيدة للاستغراق ) وإن لم ينتهوا عما يقولون ( ولم يوحدوا ) ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر أو ليمسن الذين كفروا من النصارى وضعه موضع ليمسنهم تكريرا للشهادة على كفرهم وتنبيها على أن العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه المائدة : ( 74 ) أفلا يتوبون إلى . . . . . فلذلك عقبه بقوله ) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ( أي أفلا يتوبون بالانتهاء عن تلك العقائد والأقوال ________________________________________ " صفحة رقم 354 " الزائغة ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد ) والله غفور رحيم ( يغفر لهم ويمنحهم من فضله إن تابوا وفي هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم المائدة : ( 75 ) ما المسيح ابن . . . . . ) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( أي ما هو إلا رسول كالرسل قبله خصه الله سبحانه وتعالى بالآيات كما خصهم بها فإن إحياء الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى عليه السلام وهو أعجب وإن خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب وأم أغرب ) وأمه صديقة ( كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق أو يصدقن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) كانا يأكلان الطعام ( ويفتقران إليه افتقار الحيوانات بين أولا أقصى ما لهما من الكمال ودل على أنه لا يوجب لهما ألوهية لأن كثيرا من الناس يشاركهما في مثله ثم نبه على نقصهما وذكر ما ينافي الربوبية ويقتضي أن يكونا من عداد المركبات الكائنة الفاسدة ثم عجب لمن يدعي الربوبية لهما مع أمثال هذه الأدلة الظاهرة فقال ) انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ( كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله وثم لتفاوت ما بين العجبين أي إن بياننا للآيات عجب وإعراضهم عنها أعجب المائدة : ( 76 ) قل أتعبدون من . . . . . ) قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ( يعني عيسى عليه الصلاة والسلام وهو وإن ملك ذلك بتمليك الله سبحانه وتعالى إياه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر الله تعالى به من البلايا والمصائب وما ينفع به من الصحة والسعة وإنما قال ما نظرا إلى ما هو عليه في ذاته توطئه لنفي القدرة عنه رأسا وتنبيها على أنه من هذا الجنس ومن كان له حقيقة تقبل المجانسة والمشاركة فبمعزل عن الألوهية وإنما قدم الضر لأن ________________________________________ " صفحة رقم 355 " التحرز عنه أهم من تحري النفع ) والله هو السميع العليم ( بالأقوال والعقائد فيجازي عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر المائدة : ( 77 ) قل يا أهل . . . . . ) قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ( أي غلوا باطلا فترفعوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أن تدعوا له الألوهية أو تضعوه فتزعموا أنه لغير رشدة وقيل الخطاب للنصارى خاصة ) ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ( يعني أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا قبل مبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في شريعتهم ) وأضلوا كثيرا ( ممن شايعهم على بدعهم وضلالهم ) وضلوا عن سواء السبيل ( عن قصد السبيل الذي هو الإسلام بعد مبعثه ( صلى الله عليه وسلم ) لما كذبوه وبغوا عليه وقيل الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل والثاني إشارة إلى ضلالهم عما جاء به الشرع المائدة : ( 78 ) لعن الذين كفروا . . . . . ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ( أي لعنهم الله في الزبور والإنجيل على لسانهما وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود فمسخهم الله تعالى قردة وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى عليه السلام ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ) ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( أي ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسخ بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم المائدة : ( 79 ) كانوا لا يتناهون . . . . . ) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ( أي لا ينهى بعضهم بعضا عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله وتهيؤوا له أو لا ينتهون عنه من قولهم تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع ) لبئس ما كانوا يفعلون ( تعجيب من سوء فعلهم مؤكد بالقسم ________________________________________ " صفحة رقم 356 " المائدة : ( 80 ) ترى كثيرا منهم . . . . . ) ترى كثيرا منهم ( من أهل الكتاب ) يتولون الذين كفروا ( يوالون المشركين بغضا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ( أي لبئس شيئا قدموه ليزدادوا عليه يوم القيامة ) أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ( هو المخصوص بالذم والمعنى موجب سخط الله والخلود في العذاب أو علة الذم والمخصوص محذوف أي لبئس شيئا ذلك لأنه كسبهم السخط والخلود المائدة : ( 81 ) ولو كانوا يؤمنون . . . . . ) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ( يعني نبيهم وإن كانت الآية في المنافقين فالمراد نبينا عليه السلام ) وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( إذ الإيمان يمنع ذلك ) ولكن كثيرا منهم فاسقون ( خارجون عن دينهم أو متمردون في نفاقهم المائدة : ( 82 ) لتجدن أشد الناس . . . . . ) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ( لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم وانهماكهم في اتباع الهوى وركونهم إلى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على تكذيب الأنبياء ومعاداتهم ) ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ( للين جانبهم ورقة قلوبهم وقلة حرصهم على الدنيا وكثرة اهتمامهم بالعلم والعمل وإليه أشار بقوله ) ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ( عن ________________________________________ " صفحة رقم 357 " قبول الحق إذا فهموه أو يتواضعون ولا يتكبرون كاليهود وفيه دليل على أن التواضع والإقبال على العلم والعمل والإعراض عن الشهوات محمود وإن كانت من كافر المائدة : ( 83 ) وإذا سمعوا ما . . . . . ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ( عطف على ) لا يستكبرون ( وهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم تأبيهم عنه والفيض انصباب عن امتلاء فوضع موضع الامتلاء للمبالغة أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفسها ) مما عرفوا من الحق ( من الأولى للابتداء والثانية لتبيين ما عرفوا أو للتبعيض بأنه بعض الحق والمعنى أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوا كله ) يقولون ربنا آمنا ( بذلك أو بمحمد ) فاكتبنا مع الشاهدين ( من الذين شهدوا بأنه حق أو بنبوته أو من أمته الذين هم شهداء على الأمم يوم القيامة المائدة : ( 84 ) وما لنا لا . . . . . ) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( ________________________________________ " صفحة رقم 358 " استفهام إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام الداعي وهو الطمع في الانخراط مع الصالحين والدخول في مداخلهم أو جواب سائل قال لم أمنتم و ) لا نؤمن ( حال من الضمير والعامل ما في اللام من معنى الفعل أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين بالله أي بوحدانيته فإنهم كانوا مثلثين أو بكتابه ورسوله فإن الإيمان بهما إيمان به حقيقة وذكره توطئه وتعظيما ونطمع عطف على نؤمن أو خبر محذوف والواو للحال أي ونحن نطمع والعامل فيها عامل الأولى مقيدا بها أو نؤمن المائدة : ( 85 ) فأثابهم الله بما . . . . . ) فأثابهم الله بما قالوا ( أي عن اعتقاد من قولك هذا قول فلان أي معتقده ) جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ( الذين أحسنوا النظر والعمل أو الذين اعتادوا الإحسان في الأمور والآيات الأربع روي أنها نزلت في النجاشي وأصحابه بعث إليه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بكتابه فقرأه ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأحضر الرهبان والقسيسين فأمر جعفرا أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم فبكوا وآمنوا بالقرآن وقيل نزلت في ثلاثين أو سبعين رجلا من قومه وفدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ عليهم سورة يس فبكوا وآمنوا ________________________________________ " صفحة رقم 359 " المائدة : ( 86 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . . ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( عطف التكذيب بآيات الله على الكفر وهو ضرب منه لأن القصد إلى بيان حال المكذبين وذكرهم في معرض المصدقين بها جمعا بين الترغيب والترهيب المائدة : ( 87 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( أي ما طاب ولذ منه كأنه لما تضمن ما قبله مدح النصارى على ترهبهم والحث على كسر النفس ورفض الشهوات عقبه النهي عن الإفراط في ذلك والاعتداء عما حد الله سبحانه وتعالى بجعل الحلال حراما فقال ) ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( ويجوز أن يراد به ولا تعتدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم داعية إلى القصد بينهما روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصف القيامة لأصحابه يوما وبالغ في إنذارهم فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لهم إني لم أمر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني فنزلت المائدة : ( 88 ) وكلوا مما رزقكم . . . . . ) وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ( أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله فيكون حلالا مفعول كلوا ومما حال منه تقدمت عليه لأنه نكرة ويجوز أن تكون من ابتدائية متعلقة بكلوا ويجوز أن تكون مفعولا وحلالا حال من الموصول أو العائد ________________________________________ " صفحة رقم 360 " المحذوف أو صفة لمصدر محذوف وعلى الوجوه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة ) واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) المائدة : ( 89 ) لا يؤاخذكم الله . . . . . ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( هو ما يبدو من المرء بلا قصد كقول الرجل لا والله وبلى والله وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وقيل الحلف على ما يظن أنه كذلك ولم يكن وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وفي أيمانكم صلة يؤاخذكم أو اللغو لأنه مصدر أو حال منه ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم أو بنكث ما عقدتم فحذف للعلم به وقرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم ) عقدتم ( بالتخفيف وابن عامر برواية ابن ذكوان / عاقدتم / وهو من فاعل بمعنى فعل ) فكفارته ( فكفارة نكثه أي الفعلة التي تذهب اثمه وتستره واستدل بظاهره على جواز التكفير بالمال قبل الحنث وهو عندنا خلافا للحنفية لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير ) إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ( من أقصده في النوع أو القدر وهو مد لكل مسكين عندنا ونصف صاع عند الحنفية وما محله النصب لأنه صفة مفعول محذوف تقديره أن تطعموا عشرة مساكين ________________________________________ " صفحة رقم 361 " طعاما من أوسط ما تطعمون أو الرفع على البدل من إطعام وأهلون كأرضون وقرئ / أهاليكم / بسكون الياء على لغة من يسكنها في الأحوال الثلاث كالألف وهو جمع أهل كالليالي في جمع ليل والأراضي في جمع أرض وقيل هو جمع اهلاة ) أو كسوتهم ( عطف على إطعام أو من أوسط إن جعل بدلا وهو ثوب يغطي العورة وقيل ثوب جامع قميص أو رداء أو إزار وقرئ بضم الكاف وهو لغة كقدوة في قدوة وكأسوتهم بمعنى أو كمثل ما تطعمون أهليكم إسرافا كان أو تقتيرا تواسون بينهم وبينهم إن لم تطعموهم الأوسط والكاف في محل الرفع وتقديره أو إطعامهم كأسوتهم ) أو تحرير رقبة ( أو إعتاق إنسان وشرط الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأيمان قياسا على كفارة القتل ومعنى أو إيجاب إحدى الخصال الثلاث مطلقا وتخيير المكفر في التعيين ) فمن لم يجد ( أي واحدا منها ) فصيام ثلاثة أيام ( فكفارته صيام ثلاثة أيام وشرط فيه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه التتابع لأنه قرئ / ثلاثة أيام متتابعات / والشواذ ليست بحجة عندنا إذا لم تثبت كتابا ولم ترو سنة ) ذلك ( أي المذكور ) كفارة أيمانكم إذا حلفتم ( وحنثتم ________________________________________ " صفحة رقم 362 " ) واحفظوا أيمانكم ( بأن تضنوا بها ولا تبذلوها لكل أمر أو بأن تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير أو بأن تكفروها إذا حنثتم ) كذلك ( أي مثل ذلك البيان ) يبين الله لكم آياته ( أعلام شرائعه ) لعلكم تشكرون ( نعمة التعليم أو نعمة الواجب شكرها فإن مثل هذا التبيين يسهل لكم المخرج منه المائدة : ( 90 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب ( أي الأصنام التي نصبت للعبادة ) والأزلام ( سبق تفسيرها في أول السورة ) رجس ( قذر تعاف عنه العقول وأفرده لأنه خبر للخمر وخبر المعطوفات محذوف أو لمضاف محذوف كأنه قال إنما تعاطي الخمر والميسر ) من عمل الشيطان ( لأنه مسبب عن تسويله وتزيينه ) فاجتنبوه ( الضمير للرجس أو لما ذكر أو للتعاطي ) لعلكم تفلحون ( لكي تفلحوا بالاجتناب عنه واعلم أنه سبحانه وتعالى أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية بأن صدر الجملة ب ) إنما ( وقرنهما بالأنصاب والأزلام وسماهما رجسا وجعلهما من عمل الشيطان تنبيها على أن الاشتغال بهما شر بحت أو غالب وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعله سببا ________________________________________ " صفحة رقم 363 " يرجى منه الفلاح ثم قرر ذلك بأن بين ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم فقال تعالى المائدة : ( 91 ) إنما يريد الشيطان . . . . . ) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ( وإنما خصهما بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال تنبيها على أنهما المقصود بالبيان وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) شارب الخمر كعابد الوثن وخص الصلاة من الذكر بالإفراد للتعظيم والإشعار بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان من حيث إنها عماده والفارق بينه وبين الكفر ثم أعاد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتبا على ما تقدم من أنواع الصوارف فقال ) فهل أنتم منتهون ( إيذانا بأن الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وأن الأعذار قد انقطعت المائدة : ( 92 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . . ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( فيما أمرا به ) واحذروا ( ما نهيا عنه أو مخالفتهما ) فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( أي فاعلموا أنكم لم تضروا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بتوليكم فإنما عليه البلاغ وقد أدى وإنما ضررتم به أنفسكم المائدة : ( 93 ) ليس على الذين . . . . . ) ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( مما لم يحرم عليهم ________________________________________ " صفحة رقم 364 " لقوله ) إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ( أي اتقوا المحرم وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة ) ثم اتقوا ( ما حرم عليهم بعد كالخمر ) وآمنوا ( بتحريمه ) ثم اتقوا ( ثم استمروا وثبتوا على اتقاء المعاصي ) وأحسنوا ( وتحروا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها روي أنه لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فنزلت ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة أو باعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله تعالى ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله ( صلى الله عليه وسلم ) في تفسيره أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما يتقي فإنه ينبغي أن يترك ________________________________________ " صفحة رقم 365 " المحرمات توقيا من العقاب والشبهات تحرزا عن الوقوع في الحرام وبعض المباحات تحفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة ) والله يحب المحسنين ( فلا يؤاخذهم بشيء وفيه أن من فعل ذلك صار محسنا ومن صار محسنا صار لله محبوبا المائدة : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ( نزلت في عام الحديبية ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالصيد وكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث يتمكنون من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم وهم محرمون والتقليل والتحقير في بشيء للتنبيه على أنه ليس من العظائم التي تدحض الأقدام كالابتلاء ببذل الأنفس والأموال فمن لم يثبت عنده كيف يثبت عند ما هو أشد منه ) ليعلم الله من يخافه بالغيب ( ليتميز الخائف من عقابه وهو غائب منتظر لقوة إيمانه ممن لا يخافه لضعف قلبه وقلة إيمانه فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره أو تعلق العلم ) فمن اعتدى بعد ذلك ( بعد ذلك الابتلاء بالصيد ) فله عذاب أليم ( فالوعيد لاحق به فإن من لا يملك جأشه في مثل ذلك ولا يراعي حكم الله فيه فكيف به فيما تكون النفس أميل إليه وأحرص عليه المائدة : ( 95 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( أي محرمون جمع حرام كرداح وردح ولعله ذكر القتل دون الذبح والذكاة للتعميم وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه لأنه الغالب فيه عرفا ويؤيده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) خمس يقتلن في الحل والحرم الحدأة ________________________________________ " صفحة رقم 366 " والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور وفي رواية أخرى الحية بدل العقرب مع ما فيه من التنبيه على جواز قتل كل مؤذ واختلف في أن هذا النهي هل يلغي حكم الذبح فيلحق مذبوح المحرم بالميتة ومذبوح الوثني أو لا فيكون كالشاة المغصوبة إذا ذبحها الغاصب ) ومن قتله منكم متعمدا ( ذاكرا لإحرامه عالما بأنه حرام عليه قبل ما يقتله والأكثر على أن ذكره ليس لتقييد وجوب الجزاء فإن إتلاف العامد والمخطئ واحد في إيجاب الضمان بل لقوله ) ومن عاد فينتقم الله منه ( ولأن الآية نزلت فيمن تعمد إذ روي أنه عن لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فطعنه أبو اليسر برحمه فقتله فنزلت ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( برفع الجزاء والمثل قراءة الكوفيين ويعقوب بمعنى فعليه أي فواجبه جزاء يماثل ما قتل من النعم وعليه لا يتعلق الجار بجزاء للفصل بينهما بالصفة فإن متعلق المصدر كالصلة له فلا يوصف ما لم يتم بها وإنما يكون صفته وقرأ الباقون على ________________________________________ " صفحة رقم 367 " إضافة المصدر إلى المفعول وإقحام مثلي كما في قولهم مثلي لا يقول كذا والمعنى فعليه أن يجزى مثل ما قتل وقرئ فجزاء مثلي ما قتل بنصبهما على فليجز جزاء أو فعليه أن يجزي جزاء يماثل ما قتل وفجزاؤه مثل ما قتل وهذه المماثلة باعتبار الخلقة والهيئة عند مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما والقيمة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال يقوم الصيد حيث صيد فإن بلغت القيمة ثمن هدى تخير بين أن يهدي ما قيمته قيمته وبين أن يشتري بها طعاما فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوما وإن لم تبلغ تخير بين الإطعام والصوم واللفظ للأول أوفق ) يحكم به ذوا عدل منكم ( صفة جزاء ويحتمل أن يكون حالا من ضميره في خبره أو منه إذا أضفته أو وصفته ورفعته بخبر قدر لمن وكما أن التقويم يحتاج إلى نظر واجتهاد يحتاج إلى المماثلة في الخلقة والهيئة إليها فإن الأنواع تتشابه كثيرا وقرئ / ذو عدل / على إرادة الجنس أو الإمام ) هديا ( حال من الهاء في به أو من جزاء وإن نون لتخصصه بالصفة أو ________________________________________ " صفحة رقم 368 " بدل من مثل باعتبار محله أو لفظه فيمن نصبه ) بالغ الكعبة ( وصف به هديا لأن إضافته لفظية ومعنى بلوغه الكعبة ذبحه بالحرم والتصدق به وقال أبو حنيفة يذبح بالحرم ويتصدق به حيث شاء ) أو كفارة ( عطف على جزاء إن رفعته وإن نصبته فخبر محذوف ) طعام مساكين ( عطف بيان أو بدل منه أو خبر محذوف أي هي طعام وقرأ نافع وابن عامر كفارة ) طعام ( بالإضافة للتبيين كقولك خاتم فضة والمعنى عند الشافعي أو أن يكفر بإطعام مساكين ما يساوي قيمة الهدي من غالب قوت البلد فيعطي كل مسكين مدا ) أو عدل ذلك صياما ( أو ما ساواه من الصوم فيصوم عن طعام كل مسكين يوما وهو في الأصل مصدر أطلق للمفعول وقرئ بكسر العين وهو ما عدل بالشيء في المقدر كعدل الحمل وذلك إشارة إلى الطعام وصياما تمييز للعدل ) ليذوق وبال أمره ( متعلق بمحذوف أي فعليه الجزاء أو الطعام أو الصوم ليذوق ثقل فعله وسوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام أو الثقل الشديد على مخالفة أمر الله تعالى وأصل الوبل الثقل ومنه الطعام الوبيل ) عفا الله عما سلف ( من قتل الصيد محرما في الجاهلية أو قبل التحريم أو في هذه المرة ) ومن عاد ( إلى مثل هذا ) فينتقم الله منه ( فهو ينتقم الله منه وليس فيه ما يمنع الكفارة على العائد كما حكي عن ابن عباس وشريح ) والله عزيز ذو انتقام ( مما أصر على عصيانه ________________________________________ " صفحة رقم 369 " المائدة : ( 96 ) أحل لكم صيد . . . . . ) أحل لكم صيد البحر ( ما صيد منه مما لا يعيش إلا في الماء وهو حلال كله لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته وقال أبو حنيفة لا يحل منه إلا السمك وقيل يحل السمك وما يؤكل نظيره في البر ) وطعامه ( ما قذفه أو نضب عنه وقيل الضمير للصيد وطعامه أكله ) متاعا لكم ( تمتيعا لكم نصب على الغرض ) وللسيارة ( أي ولسيارتكم يتزودونه قديدا ) وحرم عليكم صيد البر ( أي ما صيد فيه أو الصيد فيه فعلى الأول يحرم على المحرم أيضا ما صاده الحلال وإن لم يكن له فيه مدخل والجمهور على حله لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لحم الصيد حلال لكم ما لم تصطادوه أو يصد لكم ) ما دمتم حرما ( أي محرمين وقرئ بكسر الدال من دام يدام ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) المائدة : ( 97 ) جعل الله الكعبة . . . . . ) جعل الله الكعبة ( صيرها وإنما سمي كعبة لتكعبه ) البيت الحرام ( عطف بيان على جهة المدح أو المفعول الثاني ) قياما للناس ( انتعاشا لهم أي سبب انتعاشهم في أمر معاشهم ومعادهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف ويربح فيه التجار ويتوجه إليه الحجاج والعمار أو ما يقوم به أمر دينهم ودنياهم وقرأ ابن عامر ) قيما ( على أنه مصدر على فعل كالشبع أعل عينه كما أعل في فعله ونصبه على المصدر أو الحال ) والشهر الحرام والهدي والقلائد ( ________________________________________ " صفحة رقم 370 " سبق تفسيرها والمراد بالشهر الذي يؤدي فيه الحج وهو ذو الحجة لأنه المناسب لقرنائه وقيل الجنس ) ذلك ( إشارة إلى الجعل أو إلى ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره ) لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( فإن شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها وجلب المنافع المترتبة عليها دليل حكمة الشارع وكمال علمه ) وأن الله بكل شيء عليم ( تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد إطلاق المائدة : ( 98 ) اعلموا أن الله . . . . . ) اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ( وعيد ووعد لمن انتهك محارمه ولمن حافظ عليها أو لمن أصر عليه ولمن أقلع عنه المائدة : ( 99 ) ما على الرسول . . . . . ) ما على الرسول إلا البلاغ ( تشديد في إيجاب القيام بما أمر به أي الرسول أتى بما أمر به من التبليغ ولم يبق لكم عذر في التفريط ) والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( من تصديق وتكذيب وفعل وعزيمة المائدة : ( 100 ) قل لا يستوي . . . . . ) قل لا يستوي الخبيث والطيب ( حكم عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وجيدها رغب به في مصالح العمل وحلال المال ) ولو أعجبك كثرة الخبيث ( فإن العبرة بالجودة والرداءة دون القلة والكثرة فإن المحمود القليل خير من المذموم الكثير والخطاب لكل معتبر ولذلك قال ) فاتقوا الله يا أولي الألباب ( أي فاتقوه في تحري الخبيث وإن كثر وآثروا الطيب وإن قل ) لعلكم تفلحون ( راجين أن تبلغوا الفلاح روي أنها نزلت في حجاج اليمامة لما هم ________________________________________ " صفحة رقم 371 " المسلمون أن يوقعوا بهم فنهوا عنه وإن كانوا مشركين المائدة : ( 101 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ( الشرطية وما عطف عليها صفتان لأشياء والمعنى لا تسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه قلبت لامه فجعلت لفعاء وقيل أفعلاء حذفت لامه جمع لشيء على أن أصله شيء كهين أو شيء كصديق فخفف وقيل أفعال جمع له من غير تغيير كبيت وأبيات ويرده منع صرفه ) عفا الله عنها ( صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها إذ روي أنه لما نزلت ) ولله على الناس حج البيت ( قال سراقة بن مالك أكل عام فأعرض عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أعاد ثلاثا فقال لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم فنزلت أو استئناف أي عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا لمثلها ) والله غفور حليم ( لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم ويعفو عن كثير وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يخطب ذات يوم وهو غضبان من كثرة ما يسألون عنه مما لا يعنيهم فقال لا أسأل عن شيء إلا أجبت فقال رجل أين أبي فقال في النار وقال آخر من أبي فقال حذافة وكان يدعى لغيره فنزلت ________________________________________ " صفحة رقم 372 " المائدة : ( 102 ) قد سألها قوم . . . . . ) قد سألها قوم ( في الضمير للمسألة التي دل عليها تسألوا ولذلك لم يعد بعن أو لأشياء بحذف الجار ) من قبلكم ( متعلق بسألها وليس صفة لقوم فإن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة ولا حالا منها ولا خبرا عنها ) ثم أصبحوا بها كافرين ( أي بسببها حيث لم يأتمروا بما سألوا جحودا المائدة : ( 103 ) ما جعل الله . . . . . ) ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ( رد وإنكار لما ابتدعه أهل الجاهلية وهو أنهم إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب وكان الرجل منهم يقول إن شفيت فناقتي سائبة ويجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكرا فهو لألهتهم وإن ولدتهما قالوا وصلت الأنثى أخاها فلا يذبح لها الذكر وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره ولم يمنعوه من ماء ولا مرعى وقالوا قد حمي ظهره ومعنى ما جعل ما شرع ووضع ولذلك تعدى إلى مفعول واحد وهو البحيرة ومن مزيدة ) ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ( بتحريم ذلك ونسبته إلى الله سبحانه وتعالى ________________________________________ " صفحة رقم 373 " ) وأكثرهم لا يعقلون ( أي الحلال من الحرام والمبيح من المحرم أو الأمر من الناهي ولكنهم يقلدون كبارهم وفيه أن منهم من يعرف بطلان ذلك ولكن يمنعهم حب الرياسة وتقليد الآباء أن يعترفوا به المائدة : ( 104 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ( بيان لقصور عقولهم وانهماكهم في التقليد وأن لا سند لهم سواه ) أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ( الواو للحال والهمزة دخلت عليها لإنكار الفعل على هذه الحال أي أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كانوا جهلة ضالين والمعنى أن الاقتداء إنما يصح بمن علم أنه عالم مهتد وذلك لا يعرف إلا بالحجة فلا يكفي التقليد المائدة : ( 105 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ( أي احفظوها والزموا إصلاحها والجار مع المجرور جعل اسما لإلزموا ولذلك نصب أنفسكم وقرئ بالرفع على الابتداء ) لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ( لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء أن ينكر ________________________________________ " صفحة رقم 374 " المنكر حسب طاقته كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) من رأى منكم منكرا واستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لن يستطع فبقلبه والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت آباءك فنزلت و ) لا يضركم ( يحتمل الرفع على أنه مستأنف ويؤيده أن قرئ / لا يضيركم / والجزم على الجواب أو النهي لكنه ضمت الراء إتباعا لضمه الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة وتنصره قراءة من قرأ ) لا يضركم ( بالفتح و ) لا يضركم ( بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره ) إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ( وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أن أحدا لا يؤاخذ بذنب غيره المائدة : ( 106 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( أي فيما أمرتم شهادة بينكم والمراد بالشهادة الإشهاد في الوصية وإضافتها إلى الظرف على الاتساع وقرئ ) شهادة ( بالنصب والتنوين على ليقم ) إذا حضر أحدكم الموت ( إذا شارفه وظهرت أماراته وهو ظرف للشهادة ) حين الوصية ( بدل منه وفي إبداله تنبيه على أن الوصية مما ينبغي أن لا يتهاون فيه أو ظرف حضر ) اثنان ( فاعل شهادة ويجوز أن يكون خبرها على حذف المضاف ) ذوا عدل منكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 375 " أي من أقاربكم أو من المسلمين وهما صفتان لاثنان ) أو آخران من غيركم ( عطف على اثنان ومن فسر الغير بأهل الذمة جعله منسوخا فإن شهادته على المسلم لا تسمع إجماعا ) إن أنتم ضربتم في الأرض ( أي سافرتم فيها ) فأصابتكم مصيبة الموت ( أي قاربتم الأجل ) تحبسونهما ( تقفونهما وتصبرونهما صفة لآخران والشرط بجوابه المحذوف المدلول عليه بقوله أو آخران من غيركم اعتراض فائدته الدلالة على أنه ينبغي أن يشهد اثنان منكم فإن تعذر كما في السفر فمن غيركم أو استئناف كأنه قيل كيف نعمل إن ارتبنا بالشاهدين فقال تحبسونهما ) من بعد الصلاة ( صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار وقيل أي صلاة كانت ) فيقسمان بالله إن ارتبتم ( إن ارتاب الوارث منكم ) لا نشتري به ثمنا ( مقسم عليه وإن ارتبتم اعتراض يفيد اختصاص القسم بحال الارتياب والمعنى لا نستبدل بالقسم أو بالله عرضا من الدنيا أي لا نحلف بالله كاذبا لطمع ) ولو كان ذا قربى ( ولو كان المقسم له قريبا منا وجوابه أيضا محذوف أي لا نشتري ) ولا نكتم شهادة الله ( أي الشهادة التي أمرنا الله بإقامتها وعن الشعبي أنه وقف على شهادة ثم ابتدأ الله بالمد على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه وروي عنه بغيره كقولهم الله لأفعلن ) إنا إذا لمن الآثمين ( أي إن كتمنا وقرئ لملاثمين بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام النون فيها المائدة : ( 107 ) فإن عثر على . . . . . ) فإن عثر ( فإن اطلع ) على أنهما استحقا إثما ( أي فعلا ما أوجب إثما كتحريف ) فآخران ( فشاهدان آخران ) يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم ( من الذين جنى عليهم وهم الورثة وقرأ حفص ) استحق ( على البناء للفاعل وهو الأوليان ) الأوليان ( ________________________________________ " صفحة رقم 376 " الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وهو خبر محذوف أي هما الأوليان أو خبر ) آخران ( أو مبتدأ خبره آخران أو بدل منهما أو من الضمير في يقومان وقرأ حمزة ويعقوب وأبو بكر عن عاصم ) الأولين ( على أنه صفة للذين أو بدل منه أي من الأولين الذين استحق عليهم وقرئ ) الأولين ( على التثنية وانتصابه على المدح والأولان وإعرابه إعراب الأوليان ) فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ( أصدق منها وأولى بأن تقبل ) وما اعتدينا ( وما تجاوزنا فيها الحق ) إنا إذا لمن الظالمين ( الواضعين الباطل موضع الحق أو الظالمين أنفسهم إن اعتدينا ومعنى الآيتين أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته أو يوصي إليهما احتياطا فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت فإن اطلع على أنهما كذبا بأمارة أو مظنة حلف آخران من أولياء الميت والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يخلف الشاهد ولا يعارض يمينه بيمين الوارث وثابت إن كانا وصيين ورد اليمين إلى الورثة إما لظهور خيانة الوصيين فإن تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغيير الدعوى إذ روي أن تميما الداري وعدي بن يزيد خرجا إلى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما فلما قدموا الشام مرض بديل فدون ما معه في صحيفة وطرحها في متاعه ولم يخبرهما به وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله ومات ففتشاه وأخذا منه إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه فأصاب أهله الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا ________________________________________ " صفحة رقم 377 " فترافعوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا ( الآية فحلفهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد صلاة العصر عند المنبر وخلى سبيلهما ثم وجد الإناء في أيديهما فأتاهما بنو سهم في ذلك فقالا قد اشتريناه منه ولكن لم يكن لنا عليه بينة فكرهنا أن نقربه فرفعوهما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) فإن عثر ( فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان فحلفا واستحقاه ولعل تخصيص العدد فيهما لخصوص الواقعة المائدة : ( 108 ) ذلك أدنى أن . . . . . ) ذلك ( أي الحكم الذي تقدم أو تحليف الشاهد ) أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ( على نحو ما حملوها من غير تحريف وخيانة فيها ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( أن ترد اليمين على المدعين بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور الخيانة واليمين الكاذبة وإنما جمع الضمير لأنه حكم يعم الشهود كلهم ) واتقوا الله واسمعوا ( ما توصون به سمع إجابة ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( أي فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم قوما ________________________________________ " صفحة رقم 378 " فاسقين ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( أي لا يهديهم إلى حجة أو إلى طريق الجنة المائدة : ( 109 ) يوم يجمع الله . . . . . فقوله تعالى ) يوم يجمع الله الرسل ( ظرف له وقيل بدل من مفعول واتقوا بدل الاشتمال أو مفعول واسمعوا على حذف المضاف أي واسمعوا خبر يوم جمعهم أو منصوب بإضمار اذكر ) فيقول ( أي للرسل ) ماذا أجبتم ( أي إجابة أجبتم على أن ماذا في موضع المصدر أو بأي شيء أجبتم فحذف الجار وهذا السؤال لتوبيخ قومهم كما أن سؤال الموؤدة لتوبيخ الوائد ولذلك ) قالوا لا علم لنا ( أي لا علم لنا بما لست تعلمه ) إنك أنت علام الغيوب ( فتعلم ما نعلمه مما أجابونا وأظهروا لنا وما لا نعلم مما أضمروا في قلوبهم وفيه التشكي منهم ورد الأمر إلى علمه بما كابدوا منهم وقيل المعنى لا علم لنا إلى جنب علمك أو لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وإنما الحكم للخاتمة وقرئ ) علام ( بالنصب على أن الكلام قد تم بقوله ) إنك أنت ( أي إنك أنت الموصوف بصفاتك المعروفة وعلام منصوب على الاختصاص أو النداء وقرأ أبو بكر وحمزة الغيوب بكسر الغين حيث وقع المائدة : ( 110 ) إذ قال الله . . . . . ) إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ( بدل من يوم يجمع وهو على طريقة ) ونادى أصحاب الجنة ( والمعنى أنه سبحانه وتعالى يوبخ الكفرة يومئذ بسؤال الرسل عن إجابتهم وتعديد ما أظهر عليهم من الآيات فكذبتهم طائفة وسموهم ________________________________________ " صفحة رقم 379 " سحرة وغلا آخرون فاتخذوهم آلهة أو نصب بإضمار اذكر ) إذ أيدتك ( قويتك وهو ظرف لنعمتي أو حال منه وقرئ ) أيدتك ( ) بروح القدس ( بجبريل عليه الصلاة والسلام أو بالكلام الذي يحيا به الدين أو النفس حياة أبدية ويطهر من الأثام ويؤيده قوله ) تكلم الناس في المهد وكهلا ( أي كائنا في المهد وكهلا والمعنى تكلمهم في الطفولة والكهولة على سواء والمعنى إلحاق حاله في الطفولية بحال الكهولية في كمال العقل والتكلم وبه استدل على أنه سينزل فإنه رفع قبل أن يكتمل ) وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني ( سبق تفسيره في سورة آل عمران وقرأ نافع ويعقوب / طائرا / ويحتمل الإفراد والجمع كالباقر ) وإذ كففت بني إسرائيل عنك ( يعني اليهود حين هموا بقتله ) إذ جئتهم بالبينات ( ظرف لكففت ) فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ( أي ما هذا الذي جئت به إلا سحر مبين وقرأ حمزة والكسائي إلا ) ساحر ( فالإشارة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام المائدة : ( 111 ) وإذ أوحيت إلى . . . . . ) وإذ أوحيت إلى الحواريين ( أي أمرتهم على ألسنة رسلي ) أن آمنوا بي وبرسولي ( يجوز أن تكون أن مصدرية وأن تكون مفسرة ) قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ( مخلصون المائدة : ( 112 ) إذ قال الحواريون . . . . . ) إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم ( منصوب بالذكر أو ظرف لقالوا فيكون تنبيها على أن ادعاءهم الإخلاص مع قولهم ) هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ( لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة وقيل هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة لا على ما تقتضيه القدرة وقيل المعنى هل يطيع ربك أي هل يجيبك واستطاع ________________________________________ " صفحة رقم 380 " بمعنى أطاع كاستجاب وأجاب وقرأ الكسائي / تستطيع ربك / أي سؤال ربك والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف والمائدة الخوان إذا كان عليه الطعام من مادة الماء يميد إذا تحرك أو من مادة إذا أعطاه كأنها تميد من تقدم إليه ونظيرها قولهم شجرة مطعمة ) قال اتقوا الله ( من أمثال هذا السؤال ) إن كنتم مؤمنين ( بكمال قدرته وصحة نبوته أو صدقتم في ادعائكم الإيمان المائدة : ( 113 ) قالوا نريد أن . . . . . ) قالوا نريد أن نأكل منها ( تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال وهو أن يتمتعوا بالأكل منها ) وتطمئن قلوبنا ( بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال بكمال قدرته سبحانه وتعالى ) ونعلم أن قد صدقتنا ( في ادعاء النبوة أو أن الله يجيب دعوتنا ) ونكون عليها من الشاهدين ( إذا استشهدتنا أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر المائدة : ( 114 ) قال عيسى ابن . . . . . ) قال عيسى ابن مريم ( لما رأى أن لهم غرضا صحيحا في ذلك أو أنهم لا يقلعون عنه فأراد إلزامهم الحجة بكمالها ) اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ( أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه وقيل العيد السرور العائد ولذلك سمي يوم العيد عيدا وقرئ ) تكن ( على جواب الأمر ) لأولنا وآخرنا ( بدل من لنا بإعادة العامل أي عيدا لمتقدمينا ومتأخرينا روي أنها نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيدا وقيل يأكل منها أولنا وآخرنا وقرئ / لأولانا وأخرانا / بمعنى الأمة أو الطائفة ) وآية ( عطف ________________________________________ " صفحة رقم 381 " على ) عيدا ( ) منك ( صفة لها أي آية كائنة منك دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي ) وارزقنا ( المائدة والشكر عليها ) وأنت خير الرازقين ( أي خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا عوض المائدة : ( 115 ) قال الله إني . . . . . ) قال الله إني منزلها عليكم ( إجابة إلى سؤالكم وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ) منزلها ( بالتشديد ) فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا ( أي تعذيبا ويجوز أن يجعل مفعولا به على السعة ) لا أعذبه ( الضمير للمصدر أو للعذاب إن أريد ما يعذب به على حذف حرف الجر ) أحدا من العالمين ( أي من عالمي زمانهم أو للعالمين مطلقا فإنهم مسخوا قردة وخنازير ولم يعذب بمثل ذلك غيرهم روي أنها نزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة ثم قام فتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل وقال بسم الله خير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسما وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة قال ليس منهما ولكن اخترعه الله سبحانه وتعالى بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله فقالوا يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال يا سمكة احيي بإذن الله تعالى فاضطربت ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية ثم طارت المائدة ثم عصوا بعدها فمسخوا وقيل كانت تأتيهم أربعين يوما غبا يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفيء طارت ________________________________________ " صفحة رقم 382 " وهم ينظرون في ظلها ولم يأكل منها فقير إلا غني مدة عمره ولا مريض إلا بريء ولم يمرض أبدا ثم أوحي الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الأغنياء والأصحاء فاضطرب الناس لذلك فمسخ منهم ثلاثة وثمانون رجلا وقيل لما وعد الله إنزالها بهذه الشريطة استعفوا وقالوا لا نريد فلم تنزل وعن مجاهد أن هذا مثل ضربه الله لمقترحي المعجزات وعن الصوفية المائدة ههنا عبارة عن حقائق المعارف فإنها غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال أنهم رغبوا في حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها فقال لهم عيسى عليه الصلاة والسلام إن حصلتما الإيمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها فلم يقلعوا عن السؤال وألحوا فيه فسأل لأجل اقتراحهم فبين الله سبحانه وتعالى أن إنزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف عاقبة فإن السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يحتمله ولا يستقر له فيضل به ظلالا بعيدا المائدة : ( 116 ) وإذ قال الله . . . . . ) وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( يريد به توبيخ الكفرة وتبكيتهم ومن دون الله صفة لإلهين أو صلة اتخذوني ومعنى دون إما المغايرة فيكون فيه تنبيه على أن عبادة الله سبحانه وتعالى مع عبادة غيره كلا عبادة فمن عبده مع عبادتهما كأنه عبدهما ولم يعبده أو للقصور فإنهم لم يعتقدوا أنهما مستقلان باستحقاق العبادة وإنما زعموا أن عبادتهما توصل إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وكأنه قيل ________________________________________ " صفحة رقم 383 " اتخذوني وأمي إلهين متوصلين بنا إلى الله سبحانه وتعالى ) قال سبحانك ( أنزهك تنزيها من أن يكون لك شريك ) ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ( ما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحق لي أن أقوله ) إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( تعلم ما أخفيه في نفسي كما تعلم ما أعلنه ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك وقوله في نفسك للمشاكلة وقيل المراد بالنفس الذات ) إنك أنت علام الغيوب ( تقرير للجملتين باعتبار منطوقه ومفهومه المائدة : ( 117 ) ما قلت لهم . . . . . ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ( تصريح بنفي المستفهم عنه بعد تقديم ما يدل عليه ) أن اعبدوا الله ربي وربكم ( عطف بيان للضمير في به أو بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقا ليلزم بقاء الموصول بلا راجع أو خبر مضمر أو مفعوله مثل هو أو أعني ولا يجوز إبداله من ما أمرتني به فإن المصدر لا يكون مفعول القول ولا أن ________________________________________ " صفحة رقم 384 " تكون أن مفسرة لأن الأمر مسند إلى الله سبحانه وتعالى وهو لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم والقول لا يفسر بل الجملة تحكي بعده إلا أن يؤول القول بالأمر فكأن قيل ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن ) اعبدوا الله ( ) وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ( أي رقيبا عليهم أمنعهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه أو مشاهدا لأحوالهم من كفر وإيمان ) فلما توفيتني ( بالرفع إلى السماء لقوله ) إني متوفيك ورافعك ( والتوفي أخذ الشيء وافيا والموت نوع منه قال الله تعالى ) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( ) كنت أنت الرقيب عليهم ( المراقب لأحوالهم فتمنع من أردت عصمته من القول به بالإرشاد إلى الدلائل والتنبيه عليها بإرسال الرسل وإنزال الآيات ) وأنت على كل شيء شهيد ( مطلع عليه مراقب له المائدة : ( 118 ) إن تعذبهم فإنهم . . . . . ) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( أي إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه وفيه تنبيه على أنهم استحقوا ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك ) وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( فلا عجز ولا استقباح فإنك القادر القوي على الثواب والعقاب الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب فإن المغفرة ________________________________________ " صفحة رقم 385 " مستحسنة لكل مجرم فإن عذبت فعدل وإن غفرت ففضل وعدم غفران الشرك بمقتضى الوعيد فلا امتناع فيه لذاته ليمنع الترديد والتعليق بأن المائدة : ( 119 ) قال الله هذا . . . . . ) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( وقرأ نافع ) يوم ( بالنصب على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف أو ظرف مستقر وقع خبرا والمعنى هذا الذي مر من كلام عيسى واقع يوم ينفع وقيل إنه خبر ولكن بني على الفتح بإضافته إلى الفعل وليس بصحيح لأن المضاف إليه معرب والمراد بالصدق الصدق في الدنيا فإن النافع ما كان حال التكليف ) لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ( بيان للنفع المائدة : ( 120 ) لله ملك السماوات . . . . . ) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ( تنبيه على كذب النصارى وفساد دعواهم في المسيح وأمه وإنما لم يقل ومن فيهن تغليبا للعقلاء وقال ) وما فيهن ( اتباعا لهم غير أولي العقل إعلاما بأنهم في غاية القصور عن معنى الربوبية والنزول عن رتبة العبودية وإهانة لهم وتنبيها على المجانسة المنافية للألوهية ولأن ما يطلق متناولا للأجناس كلها فهو أولى بإرادة العموم عن ________________________________________ " صفحة رقم 386 " النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا ________________________________________ " صفحة رقم 387 " سورة الأنعام الأنعام : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . . ) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ( أخبر بأنه سبحانه وتعالى حقيق بالحمد ونبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام حمد أو يحمد ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون وجمع السموات دون الأرض وهي 2 مثلهن لأن طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفها وعلو مكانها وتقدم وجودها ) وجعل الظلمات والنور ( ________________________________________ " صفحة رقم 388 " أنشأهما والفرق بين خلق وجعل الذي له مفعول واحد أن الخلق فيه معنى التقدير والجعل فيه معنى التضمن ولذلك عبر عن إحداث النور والظلمة بالجعل تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة ________________________________________ " صفحة رقم 389 " لها أو لأن المراد بالظلمة الضلال وبالنور الهدى والهدى واحد والضلال متعدد وتقديمها لتقدم الإعدام على الملكات ومن زعم أن الظلمة عرض يضاد النور احتج بهذه الآية ولم يعلم أن عدم الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( عطف على قوله الحمد لله على معنى أن الله سبحانه وتعالى حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته ويكون بربهم تنبيها على أنه خلق هذه الأشياء أسبابا لتكونهم وتعيشهم فمن حقه أن يحمد عليها ولا يكفر أو على قوله خلق على معنى أنه سبحانه وتعالى خلق ما لا يقدر عليه أحد ________________________________________ " صفحة رقم 390 " سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه ومعنى ثم استبعاد عدولهم بعد هذا البيان والباء على الأول متعلقة بكفروا وصلة يعدلون محذوفة أي يعدلون عنه ليقع الإنكار على نفس الفعل وعلى الثاني متعلقة ب ) يعدلون ( والمعنى أن الكفار يعدلون بربهم الأوثان أي يسوونها به سبحانه وتعالى الأنعام : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . . ) هو الذي خلقكم من طين ( أي ابتدأ خلقكم منه فإنه المادة الأولى وأن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه أو خلق أباكم فحذف المضاف ) ثم قضى أجلا ( أجل الموت ) وأجل مسمى عنده ( أجل القيامة وقيل الأول ما بين الخلق والموت والثاني ما بين الموت والبعث فإن الأجل كما يطلق لآخر المدة يطلق لجملتها وقيل الأول النوم والثاني الموت وقيل الأول لمن مضى والثاني لمن بقي ولمن يأتي وأجل نكرة خصصت بالصفة ولذلك استغني عن تقديم الخبر والاستئناف به لتعظيمه ولذلك نكر ووصف بأنه مسمى أي مثبت معين لا يقبل التغيير وأخبر عنه بأنه عند الله لا مدخل لغيره فيه يعلم ولا قدرة ولأنه المقصود بيانه ) ثم أنتم تمترون ( استبعاد لامترائهم بعد ما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم فإن من قدر على خلق المواد وجمعها وإيداع الحياة فيها ________________________________________ " صفحة رقم 391 " وإبقائها ما يشاء كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيا فالآية الأولى دليل التوحيد والثانية دليل البعث والامتراء الشك وأصله المري وهو استخراج اللبن من الضرع الأنعام : ( 3 ) وهو الله في . . . . . ) وهو الله ( الضمير لله سبحانه وتعالى و ) الله ( خبره ) في السماوات وفي الأرض ( متعلق باسم ) الله ( والمعنى هو المستحق للعبادة فيهما لا غير كقوله سبحانه وتعالى ) وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( أو بقوله ) يعلم سركم وجهركم ( والجملة خبر ثان أو هي الخبر و ) الله ( بدل ويكفي لصحة الظرفية كون المعلوم فيهما كقولك رميت الصيد في الحرم إذا كنت خارجه والصيد فيه أو ظرف مستقر وقع خبرا بمعنى أنه سبحانه وتعالى لكمال علمه بما فيهما كأنه فيهما ويعلم سركم وجهركم بيان وتقرير له وليس متعلقا بالمصدر لأن صفته لا تتقدم عليه ) ويعلم ما تكسبون ( من خير أو شر فيثيب عليه ويعاقب ولعله أريد بالسر والجهر ما يخفى وما يظهر من أحوال الأنفس وبالمكتسب أعمال الجوارح ________________________________________ " صفحة رقم 392 " الأنعام : ( 4 ) وما تأتيهم من . . . . . ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ( ) من ( الأولى مزيدة للاستغراق والثانية للتبعيض أي ما يظهر لهم دليل قط من الأدلة أو معجزة من المعجزات أو آية من آيات القرآن ) إلا كانوا عنها معرضين ( تاركين للنظر فيه غير ملتفتين إليه الأنعام : ( 5 ) فقد كذبوا بالحق . . . . . ) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم ( يعني القرآن وهو كاللازم ما قبله كأنه قيل إنهم لما كانوا معرضين عن الآيات كلها كذبوا بها لما جاءهم أو كدليل عليه على معنى أنهم لما أعرضوا عن القرآن وكذبوا به وهو أعظم الآيات فكيف لا يعرضون عن غيره ولذلك رتب عليه بالفاء ) فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( أي سيظهر لهم ما كانوا به يستهزئون عند نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة أو عند ظهور الإسلام وارتفاع أمره الأنعام : ( 6 ) ألم يروا كم . . . . . ) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( أي من أهل زمان والقرن مدة أغلب أعمار الناس وهي سبعون سنة وقيل ثمانون وقيل القرن أهل عصر فيه نبي أو فائق في العلم قلت المدة أو كثرت واشتقاقه من قرنت ) مكناهم في الأرض ( جعلنا لهم فيها مكانا وقررناهم فيها وأعطيناهم من القوى والآلات ما تمكنوا بها من أنواع التصرف فيها ) ما لم نمكن لكم ( ما لم نجعل لكم من السعة وطول المقام يا أهل مكة ما لم نعطكم من القوة والسعة في المال والاستظهار في العدد والأسباب ) وأرسلنا السماء عليهم ( أي المطر أو السحاب أو المظلة إن مبدأ المطر منها ) مدرارا ( أي مغزارا ) وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم ( فعاشوا في الخصب والريف بين الأنهار والثمار ) فأهلكناهم بذنوبهم ( أي لم يغن ذلك عنهم شيئا ) وأنشأنا ( وأحدثنا ) من بعدهم قرنا آخرين ( بدلا منهم والمعنى أنه سبحانه وتعالى كما قدر على أن يهلك من قبلكم كعاد وثمود وينشىء مكانهم يعمر به بلاده يقدر أن يفعل ذلك بكم ________________________________________ " صفحة رقم 393 " الأنعام : ( 7 ) ولو نزلنا عليك . . . . . ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ( مكتوبا في ورق ) فلمسوه بأيديهم ( فمسوه وتخصيص اللمس لأن التزوير لا يقع فيه فلا يمكنهم أن يقولوا إنما سكرت أبصارنا ولأنه يتقدمه الإبصار حيث لا مانع وتقييده بالأيدي لدفع التجوز فإنه قد يتجوز به للفحص كقوله ) وأنا لمسنا السماء ( ) لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( تعنتا وعنادا الأنعام : ( 8 ) وقالوا لولا أنزل . . . . . ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( هلا أنزل معه ملك يكلمنا أنه نبي كقوله ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ) ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ( جواب لقولهم وبيان هو المانع مما اقترحوه والخلل فيه والمعنى أن الملك لو أنزل بحيث عاينوه كما اقترحوا لحق إهلاكهم فإن سنة الله قد جرت بذلك فيمن قبلهم ) ثم لا ينظرون ( بعد نزوله طرفة عين الأنعام : ( 9 ) ولو جعلناه ملكا . . . . . ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( جواب ثان إن جعل الهاء للمطلوب وإن جعل للرسول فهو جواب اقتراح ثان فإنهم تارة يقولون لولا أنزل عليه ملك وتارة يقولون لو شاء ربنا لأنزل ملائكة والمعنى ولو جعلنا قرينا لك ملكا يعاينونه أو الرسول ملكا لمثلناه رجلا كما مثل جبريل في صورة دحية الكلبي فإن القوة ________________________________________ " صفحة رقم 394 " البشرية لا تقوى على رؤية الملك في صورته وإنما رآهم كذلك الأفراد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوتهم القدسية وللبسنا جواب محذوف أي ولو جعلناه رجلا للبسنا أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلكم وقرئ / لبسنا / بلام واحدة و / لبسنا / بالتشديد للمبالغة الأنعام : ( 10 ) ولقد استهزئ برسل . . . . . ) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما يرى من قومه ) فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون ( فأحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به حيث أهلكوا لأجله أو فنزل بهم وبال استهزائهم الأنعام : ( 11 ) قل سيروا في . . . . . ) قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( كيف أهلكهم الله بعذاب الاستئصال كي تعتبروا والفرق بينه وبين قوله ) قل سيروا في الأرض فانظروا ( أن السير ثمت لأجل النظر ولا كذلك ها هنا ولذلك قيل معناه إباحة السير للتجارة وغيرها وإيجاب النظر في آثار الهالكين الأنعام : ( 12 ) قل لمن ما . . . . . ) قل لمن ما في السماوات والأرض ( خلقا وملكا وهو سؤال تبكيت ) قل لله ( تقريرا لهم وتنبيها على أنه المتعين للجواب بالإنفاق بحيث لا يمكنهم أن يذكروا غيره ________________________________________ " صفحة رقم 395 " ) كتب على نفسه الرحمة ( التزمها تفضلا وإحسانا والمراد بالرحمة ما يعم الدارين ومن ذلك الهداية إلى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الأدلة وإنزال الكتب والإمهال على الكفر ) ليجمعنكم إلى يوم القيامة ( استئناف وقسم للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر أي ليجمعنكم في القبور مبعوثين إلى يوم القيامة فيجازيكم على شرككم أو في يوم القيامة وإلى بمعنى في وقيل بدل من الرحمة بدل البعض فإنه من رحمته بعثه إياكم وإنعامه عليكم ) لا ريب فيه ( في اليوم أو الجمع ) الذين خسروا أنفسهم ( بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية والعقل السليم وموضع الذين نصب على الذم أو رفع على الخبر أي وأنتم الذين أو على الابتداء والخبر ) فهم لا يؤمنون ( والفاء للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم فإن إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان الأنعام : ( 13 ) وله ما سكن . . . . . ) وله ( عطف على الله ) ما سكن في الليل والنهار ( من السكنى وتعديته بفي كما في قوله تعالى ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( والمعنى ما اشتملا عليه أو من السكون أي ما سكن فيهما وتحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر ) وهو السميع ( لكل مسموع ) العليم ( بكل ________________________________________ " صفحة رقم 396 " معلوم فلا يخفى عليه شيء ويجوز أن يكون وعيدا للمشركين على أقوالهم وأفعالهم الأنعام : ( 14 ) قل أغير الله . . . . . ) قل أغير الله أتخذ وليا ( إنكار لاتخاذ غير الله وليا لا لاتخاذ الولي فلذلك قدم وأولى الهمزة والمراد بالولي المعبود لأنه رد لمن دعاه إلى الشرك ) فاطر السماوات والأرض ( مبدعهما وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما عرفت معنى الفاطر حتى آتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها وجره على الصفة لله فإنه بمعنى الماضي ولذلك قرئ ) فطر ( وقرئ بالرفع والنصب على المدح ) وهو يطعم ولا يطعم ( يرزق ولا يرزق وتخصيص الطعام لشدة الحاجة إليه وقرئ ولا يطعم بفتح الياء وبعكس الأول على أن الضمير لغير الله والمعنى كيف أشرك بمن هو فاطر السموات والأرض ما هو نازل عن رتبة الحيوانية وببنائهما لفاعل على أن الثاني من أنعم بمعنى ________________________________________ " صفحة رقم 397 " استطعم أو على معنى أنه يطعم تارة ولا يطعم أخرى كقوله ) يقبض ويبسط ) الأنعام : ( 15 ) قل إني أخاف . . . . . ) قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ( لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سابق أمته في الدين ) ولا تكونن من المشركين ( وقيل لي ولا تكونن ويجوز عطفه على كل ) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( مبالغة أخرى في قطع أطماعهم وتعريض لهم بأنهم عصاة مستوجبون للعذاب والشرط معترض بين الفعل والمفعول به وجوابه محذوف دل عليه الجملة الأنعام : ( 16 ) من يصرف عنه . . . . . ) من يصرف عنه يومئذ ( أي بصرف العذاب عنه وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم ) يصرف ( على أن الضمير فيه لله سبحانه وتعالى وقد قرئ بإظهاره والمفعول به محذوف أو يومئذ بحذف المضاف ) فقد رحمه ( نجاه وأنعم عليه ) وذلك الفوز المبين ( أي الصرف أو الرحمة الأنعام : ( 17 ) وإن يمسسك الله . . . . . ) وإن يمسسك الله بضر ( ببلية كمرض وفقر ) فلا كاشف له ( فلا قادر على كشفه ) إلا هو وإن يمسسك بخير ( بنعمة كصحة وغنى ) فهو على كل شيء قدير ( فكان قادرا على حفظه وإدامته فلا يقدر غيره على دفعه كقوله تعالى ) فلا راد لفضله ( ________________________________________ " صفحة رقم 398 " الأنعام : ( 18 ) وهو القاهر فوق . . . . . ) وهو القاهر فوق عباده ( تصوير لقهره وعلوه بالغلبة والقدرة ) وهو الحكيم ( في أمره وتدبيره ) الخبير ( بالعباد وخفايا أحوالهم الأنعام : ( 19 ) قل أي شيء . . . . . ) قل أي شيء أكبر شهادة ( نزلت حين قالت قريش يا محمد لقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول الله والشيء يقع على كل موجود وقد سبق القول فيه في سورة البقرة ) قل الله ( أي الله أكبر شهادة ثم ابتدأ ) شهيد بيني وبينكم ( أي هو شهيد بيني وبينكم ويجوز أن يكون الله شهيد هو الجواب لأنه سبحانه وتعالى إذا كان الشهيد كان أكبر شيء شهادة ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ( أي بالقرآن واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة ) ومن بلغ ( عطف على ضمير المخاطبين أي لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه من الأسود والأحمر أو من الثقلين أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن بلغه إلى يوم القيامة وفيه دليل على أن ________________________________________ " صفحة رقم 399 " أحكام القرآن تعم الموجودين وقت نزوله ومن بعدهم وأنه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه ) أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ( تقرير لهم مع إنكار واستبعاد ) قل لا أشهد ( بما تشهدون ) قل إنما هو إله واحد ( أي بل أشهد أن لا إله إلا هو ) وإنني بريء مما تشركون ( يعني الأصنام الأنعام : ( 20 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . . ) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ( يعرفون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحليته المذكورة في التوراة والإنجيل ) كما يعرفون أبناءهم ( بحلاهم ) الذين خسروا أنفسهم ( من أهل الكتاب والمشركين ) فهم لا يؤمنون ( لتضييعهم ما به يكتسب الإيمان الأنعام : ( 21 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( كقولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ) أو كذب بآياته ( كأن كذبوا بالقرآن والمعجزات وسموها سحرا وإنما ذكر ) أو ( وهم وقد جمعوا بين الأمرين تنبيها على أن كلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس ) أنه ( الضمير للشأن ) لا يفلح الظالمون ( فضلا عمن لا أحد أظلم منه الأنعام : ( 22 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . . ) ويوم نحشرهم جميعا ( منصوب بمضمر تهويلا للأمر ) ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم ( أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله وقرأ يعقوب ) يحشرهم ( ويقول بالياء ) الذين كنتم تزعمون ( أي تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان والمراد من الاستفهام التوبيخ ولعله يحال بينهم وبين آلهتهم حينئذ ليفقدوها في الساعة التي علقوا بها الرجاء فيها ويحتمل أن يشاهدوهم ولكن لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب عنهم الأنعام : ( 23 ) ثم لم تكن . . . . . ) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا ( أي كفرهم والمراد عاقبته وقيل معذرتهم التي ________________________________________ " صفحة رقم 400 " يتوهمون أن يتخلصوا بها من فتنة الذهب إذا خلصته وقيل جوابهم وإنما سماه فتنة لأنه كذب أو لأنهم قصدوا به الخلاص وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم ) لم تكن ( بالتاء و ) فتنتهم ( بالرفع على أنها الاسم ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عنه بالتاء والنصب على أن الاسم ) أن قالوا ( والتأنيث للخبر كقولهم من كانت أمك والباقون بالياء والنصب ) والله ربنا ما كنا مشركين ( يكذبون ويحلفون عليه مع علمهم بأنه لا ينفعهم من فرط الحيرة والدهشة كما يقولون ) ربنا أخرجنا منها ( وقد أيقنوا بالخلود وقيل معناه ما كنا مشركين عند أنفسنا وهو لا يوافق قوله الأنعام : ( 24 ) انظر كيف كذبوا . . . . . ) انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( أي بنفي الشرك عنها وحمله على كذبهم في الدنيا تعسف يخل بالنظم ونظير ذلك قوله ) يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ( وقرأ حمزة والكسائي ربنا بالنصب على النداء أو المدح ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( من الشركاء الأنعام : ( 25 ) ومنهم من يستمع . . . . . ) ومنهم من يستمع إليك ( حين تتلو القرآن والمراد أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم اجتمعوا فسمعوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ القرآن فقالوا للنضر ________________________________________ " صفحة رقم 401 " ما يقول فقال والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال أبو سفيان إني لأرى حقا فقال أبو جهل كلا ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( أغطية جمع كنان وهو ما يستر الشيء ) أن يفقهوه ( كراهة أن يفقهوه ) وفي آذانهم وقرا ( يمنع من استماعه وقد مر تحقيق ذلك في أول البقرة ) وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ( لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم ) حتى إذا جاؤوك يجادلونك ( أي بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم جاؤو يجادلونك وحتى هي التي نقع بعدها الجمل لا عمل لها والجملة إذا وجوابه وهو ) يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ( فإن جعل أصدق الحديث خرافات الأولين غاية التكذيب ويجادلونك حال لمجيئهم ويجوز أن تكون الجارة وإذا جاؤوك في موضع الجر ويجادلونك حال ويقول تفسير له والأساطير الأباطيل جمع أسطورة أو اسطارة أو أسطار جمع سطر وأصله السطر بمعنى الخط الأنعام : ( 26 ) وهم ينهون عنه . . . . . ) وهم ينهون عنه ( أي ينهون الناس عن القرآن أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والإيمان به ) وينأون عنه ( بأنفسهم أو ينهون عن التعرض لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وينأون عنه فلا يؤمنون به كأبي طالب ) وإن يهلكون ( وما يهلكون بذلك ) إلا أنفسهم وما يشعرون ( أن ضرره لا يتعداهم إلى غيرهم الأنعام : ( 27 ) ولو ترى إذ . . . . . ) ولو ترى إذ وقفوا على النار ( جوابه محذوف أي لو تراهم حين يوقعون على النار حتى يعاينوها أو يطلعون عليها أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها لرأيت أمرا شنيعا وقرئ ) وقفوا ( على البناء للفاعل من وقف عليها وقوفا ) فقالوا يا ليتنا نرد ( تمنيا ________________________________________ " صفحة رقم 402 " للرجوع إلى الدنيا ) ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ( استئناف كلام منهم على وجه الإثبات كقولهم دعني ولا أعود أي وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني أو عطف على نرد أو حال من الضمير فيه فيكون في حكم التمني وقوله ) وإنهم لكاذبون ( راجع إلى ما تضمنه التمني من الوعد ونصبهما حمزة ويعقوب وحفص على الجواب بإضمار أن بعد الواو إجراء لها مجرى الفاء وقرأ ابن عامر برفع الأول على العطف ونصب الثاني على الجواب الأنعام : ( 28 ) بل بدا لهم . . . . . ) بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ( الإضراب عن إرادة الإيمان المفهومة من التمني والمعنى أنه كظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم أو قبائح أعمالهم فتمنوا ذلك ضجرا لا عزما على أنهم لو ردوا لآمنوا ) ولو ردوا ( أي إلى الدنيا بعد الوقوف والظهور ) لعادوا لما نهوا عنه ( من الكفر والمعاصي ) وإنهم لكاذبون ( فيما وعدوا به من أنفسهم الأنعام : ( 29 ) وقالوا إن هي . . . . . ) وقالوا ( عطف على لعادوا أو على إنهم لكاذبون أو على نهوا أو استئناف بذكر ما قالوه في الدنيا ) إن هي إلا حياتنا الدنيا ( الضمير للحياة ) وما نحن بمبعوثين ) الأنعام : ( 30 ) ولو ترى إذ . . . . . ) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( مجاز عن الحبس للسؤال والتوبيخ وقيل معناه ________________________________________ " صفحة رقم 403 " وقفوا على قضاء ربهم أو جزائه أو عرفوه حق التعريف ) قال أليس هذا بالحق ( كأنه جواب قائل قال ماذا قال ربهم حينئذ والهمزة للتقريع على التكذيب والإشارة إلى البعث وما يتبعه من الثواب والعقاب ) قالوا بلى وربنا ( إقرار مؤكد باليمين لانجلاء الأمر غاية الجلاء ) قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( بسبب كفركم أو ببدله الأنعام : ( 31 ) قد خسر الذين . . . . . ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( إذ فاتهم النعم واستوجبوا العذاب المقيم ولقاء الله البعث وما يتبعه ) حتى إذا جاءتهم الساعة ( غاية لكذبوا لا لخسر لأن خسرانهم لا غاية له ) بغتة ( فجأة ونصبها على الحال أو المصدر فإنها نوع من المجيء ) قالوا يا حسرتنا ( أي تعالي فهذا أوانك ) على ما فرطنا ( قصرنا ) فيها ( في الحياة الدنيا أضمرت وإن لم يجر ذكرها للعلم بها أو في الساعة يعني في شأنها والإيمان بها ) وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ( تمثيل لاستحقاقهم آصار الآثام ) ألا ساء ما يزرون ( بئس شيئا يزرونه وزرهم الأنعام : ( 32 ) وما الحياة الدنيا . . . . . ) وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ( أي وما أعمالها إلا لعب ولهو يهلي الناس ويشغلهم عما يعقب منفعة دائمة ولذة حقيقة وهو جواب لقولهم ) إن هي إلا حياتنا الدنيا ( ) وللدار الآخرة خير للذين يتقون ( لدوامها وخلوص منافعها ولذاتها وقوله ________________________________________ " صفحة رقم 404 " ) للذين يتقون ( تنبيه على أن ما ليس من أعمال المتقين لعب ولهو وقرأ ابن عامر ) ولدار الآخرة ( ) أفلا تعقلون ( أي الأمرين خير وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب بالتاء على خطاب المخاطبين به أو تغليب الحاضرين على الغائبين الأنعام : ( 33 ) قد نعلم إنه . . . . . ) قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ( معنى قد زيادة الفعل وكثرته كما في قوله " ولكنه قد يهلك المال نائله " والهاء في أنه للشأن وقرئ ) ليحزنك ( من أحزن ) فإنهم لا يكذبونك ( في الحقيقة وقرأ نافع والكسائي ) لا يكذبونك ( من أكذبه إذا وجده كاذبا أو نسبة إلى الكذب ) ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( ولكنهم يجحدون بآيات الله ويكذبونها فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنهم ظلموا بجحودهم أو جحدوا لتمرنهم على الظلم والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب روي أن أبا جهل كان يقول ما نكذبك وإنك عندنا لصادق وإنما نكذب ما جئتنا به فنزلت الأنعام : ( 34 ) ولقد كذبت رسل . . . . . ) ولقد كذبت رسل من قبلك ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفيه دليل على أن قوله ) وإن يكذبوك ( ________________________________________ " صفحة رقم 405 " ليس لنفي تكذيبه مطلقا ) فصبروا على ما كذبوا وأوذوا ( على تكذيبهم وإيذائهم فتأس بهم واصبر ) حتى أتاهم نصرنا ( فيه إيماء بوعد النصر للصابرين ) ولا مبدل لكلمات الله ( لمواعيده من قوله ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( الآيات ) ولقد جاءك من نبإ المرسلين ( أي بعض قصصهم وما كابدوا من قومهم الأنعام : ( 35 ) وإن كان كبر . . . . . ) وإن كان كبر عليك ( عظم وشق ) إعراضهم ( عنك وعن الإيمان بما جئت به ) فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ( منفذا تنفذ فيه إلى جوف الأرض فتطلع لهم آية أو مصعدا تصعد به إلى السماء فتنزل منها آية وفي الأرض صفة لنفقا وفي السماء صفة لسلما ويجوز أن يكونا متعلقين بتبتغي أو حالين من المستكن وجواب الشرط الثاني محذوف تقديره فافعل والجملة جواب الأول والمقصود بيان حرصه البالغ على إسلام قومه وأنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( لوفقهم للإيمان حتى يؤمنوا ولكن لم تتعلق به مشيئته فلا تتهالك عليه والمعتزلة أولوه بأنه لو شاء لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة ولكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة ) فلا تكونن من الجاهلين ( بالحرص على ما لا يكون والجزع في مواطن الصبر فإن ذلك من دأب الجهلة الأنعام : ( 36 ) إنما يستجيب الذين . . . . . ) إنما يستجيب الذين يسمعون ( إنما يجيب الذين يسمعون بفهم وتأمل لقوله تعالى ) أو ألقى السمع وهو شهيد ( وهؤلاء كالموتى الذين لا يسمعون ) والموتى يبعثهم الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 406 " فيعلمهم حين لا ينفعهم الإيمان ) ثم إليه ترجعون ( للجزاء الأنعام : ( 37 ) وقالوا لولا نزل . . . . . ) وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه ( أي آية بما اقترحوه أو آية أخرى سوى ما أنزل من الآيات المتكاثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا ) قل إن الله قادر على أن ينزل آية ( مما اقترحوه أو آية تضطرهم إلى الإيمان كنتق الجبل أو آية إن جحدوها هلكوا ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن الله قادر على إنزالها وأن إنزالها يستجلب عليهم البلاء وأن لهم فيما أنزل مندوحة عن غيره وقرأ ابن كثير ينزل بالتخفيف والمعنى واحد الأنعام : ( 38 ) وما من دابة . . . . . ) وما من دابة في الأرض ( تدب على وجهها ) ولا طائر يطير بجناحيه ( في الهواء وصفه به قطعا لمجاز السرعة ونحوها وقرئ ) ولا طائر ( بالرفع على المحل ) إلا أمم أمثالكم ( محفوظة أحوالها مقدرة أرزاقها وآجالها والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه قادر على أن ينزل آية وجمع الأمم للحمل على المعنى ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( يعني اللوح المحفوظ فإنه مشتمل على ما يجري في العالم من الجليل والدقيق لم يهمل فيه أمر حيوان ولا جماد أو القرآن فإنه قد دون فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلا أو مجملا ومن مزيدة وشيء في موضع المصدر لا بالمفعول به فإن فرط لا يتعدى بنفسه وقد عدي بفي إلى الكتاب وقرئ ) ما فرطنا ( بالتخفيف ) ثم إلى ربهم يحشرون ( يعني الأمم كلها فينصف ________________________________________ " صفحة رقم 407 " بعضها من بعض كما روي أنه يأخذ للجماء من القرناء وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حشرها موتها الأنعام : ( 39 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . . ) والذين كذبوا بآياتنا صم ( لا يسمعون مثل هذه الآيات الدالة على ربوبيته وكمال علمه وعظم قدرته سماعا تتأثر به نفوسهم ) وبكم ( لا ينطقون بالحق ) في الظلمات ( خبر ثالث أي خابطون في ظلمات الكفر أو في ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد ويجوز أن يكون حالا من المستكن في الخبر ) من يشإ الله يضلله ( من يشأ الله إضلاله يضلله وهو دليل واضح لنا على المعنزلة ) ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ( بأن يرشده إلى الهدى ويحمله عليه الأنعام : ( 40 ) قل أرأيتكم إن . . . . . ) قل أرأيتكم ( استفهام تعجب والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإعراب لأنك تقول أرأيتك زيدا ما شأنه فلو جعلت الكاف مفعولا كما قاله الكوفيون لعديت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل وللزم في الآية أن يقال أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره أرأيتكم آلهتكم تنفعكم إذ تدعونها وقرأ نافع أرأيتكم ________________________________________ " صفحة رقم 408 " وأرأيت وأرأيتم وأفرأيتم وأفرأيت وشبهها إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة التي بعد الراء والكسائي يحذفها أصلا والباقون يحققونها وحمزة إذا وقف وافق نافعا ) إن أتاكم عذاب الله ( كما أتى من قبلكم ) أو أتتكم الساعة ( وهو لها ويدل عليه ) أغير الله تدعون ( وهو تبكيت لهم ) إن كنتم صادقين ( أن الأصنام آلهة وجوابه محذوف أي فادعوه الأنعام : ( 41 ) بل إياه تدعون . . . . . ) بل إياه تدعون ( بل تخصونه بالدعاء كما حكى عنهم في مواضع وتقديم المفعول لإفادة التخصيص ) فيكشف ما تدعون إليه ( أي ما تدعونه إلى كشفه ) إن شاء ( أي يتفضل عليكم ولا يشاء في الآخرة ) وتنسون ما تشركون ( وتتركون آلهتكم في ذلك الوقوف لما ركز في العقول على أنه القادر على كشف الضر دون غيره أو وتنسونه من شدة الأمر وهوله الأنعام : ( 42 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . . ) ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( أي قبلك ومن زائدة ) فأخذناهم ( أي فكفروا وكذبوا المرسلين فأخذناهم ) بالبأساء ( بالشدة والفقر ) والضراء ( والضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما ) لعلهم يتضرعون ( يتذللون لنا ويتوبون عن ذنوبهم الأنعام : ( 43 ) فلولا إذ جاءهم . . . . . ) فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ( معناه نفي تضرعهم في ذلك الوقت مع قيام ما يدعوهم أي لم يتضرعوا ) ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ( ________________________________________ " صفحة رقم 409 " استدرك على المعنى وبيان للصارف لهم عن التضرع وأنه لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم الأنعام : ( 44 ) فلما نسوا ما . . . . . ) فلما نسوا ما ذكروا به ( من البأساء والضراء ولم يتعظوا به ) فتحنا عليهم أبواب كل شيء ( من أنواع النعم مراوحة عليهم بين نوبتي الضراء والسراء وامتحانا لهم بالشدة والرخاء إلزاما للحجة وإزاحة للعلة أو مكرا بهم لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال مكر بالقوم ورب الكعبة وقرأ ابن عامر ) فتحنا ( بالتشديد في جميع القرآن ووافقه يعقوب فيما عدا هذا والذي في الأعراف ) حتى إذا فرحوا ( أعجبوا ) بما أوتوا ( من النعم ولا يزيدوا غير البطر والاشتغال بالنعم عن المنعم والقيام بحقه سبحانه وتعالى ) أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( متحسرون آيسون الأنعام : ( 45 ) فقطع دابر القوم . . . . . ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( أي آخرهم بحيث لم يبق منهم أحد من دبره دبرا ودبورا إذا تبعه ) والحمد لله رب العالمين ( على إهلاكهم فإن هلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها الأنعام : ( 46 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم ( أصمكم وأعماكم ) وختم على قلوبكم ( بأن يغطي عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم ) من إله غير الله يأتيكم به ( أي بذلك أو بما أخذ وختم عليه أو بأحد هذه المذكورات ) انظر كيف نصرف الآيات ( نكررها تارة من جهة المقدمات العقلية وتارة من جهة الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين " ثم هم يصدقون " يعرضون عنها وثم لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها ________________________________________ " صفحة رقم 410 " الأنعام : ( 47 ) قل أرأيتكم إن . . . . . ) قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة ( من غير مقدمة ) أو جهرة ( بتقدمه أمارة تؤذن بحلوله وقيل ليلا أو نهارا وقرئ ) بغتة أو جهرة ( ) هل يهلك ( أي ما يهلك به هلاك سخط وتعذيب ) إلا القوم الظالمون ( ولذلك صح الاستثناء المفرغ منه وقرئ ) يهلك ( بفتح الياء الأنعام : ( 48 ) وما نرسل المرسلين . . . . . ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ( المؤمنين بالجنة ) ومنذرين ( الكافرين بالنار ولم نرسلهم ليقترح عليهم ويتلهى بهم ) فمن آمن وأصلح ( ما يجب إصلاحه على ما شرع لهم ) فلا خوف عليهم ( من العذاب ) ولا هم يحزنون ( بفوات الثواب الأنعام : ( 49 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . . ) والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب ( جعل العذاب ماسا لهم كأنه الطالب للوصول إليهم واستغنى بتعريفه عن التوصيف ) بما كانوا يفسقون ( بسبب خروجهم عن التصديق والطاعة الأنعام : ( 50 ) قل لا أقول . . . . . ) قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ( مقدوراته أو خزائن رزقه ) ولا أعلم الغيب ( ما لم يوح إلي ولم ينصب عليه دليل وهو من جملة المقول ) ولا أقول لكم إني ملك ( أي من جنس الملائكة أو أقدر على ما يقدرون عليه ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( تبرأ عن دعوى ________________________________________ " صفحة رقم 411 " الألوهية والملكية وادعى النبوة التي هي من كمالات البشر ردا لاستبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدعاه ) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( مثل للضال والمهتدي أو الجاهل والعالم أو مدعي المستحيل كالألوهية والملكية ومدعي المستقيم كالنبوة ) أفلا تتفكرون ( فتهتدوا أو فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل أو فتعلموا أن اتباع الوحي مما لا محيص عنه الأنعام : ( 51 ) وأنذر به الذين . . . . . ) وأنذر به ( الضمير لما يوحى إلي ) الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ( هم المؤمنون المفرطون في العمل أو المجوزون للحشر مؤمنا كان أو كافرا مقرا به أو مترددا فيه فإن الإنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته ) ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ( في موضع الحال من يحشروا فإن المخوف هو الحشر على هذه الحالة ) لعلهم يتقون ( لكي يتقوا الأنعام : ( 52 ) ولا تطرد الذين . . . . . ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( بعدما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أمره بإكرام المتقين وتقريبهم وأن لا يطردهم ترضية لقريش روي أنهم قالوا لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمون كعمار وصهيب وخباب وسلمان جلسنا إليك وحادثناك فقال ) وما أنا بطارد المؤمنين ( قالوا فأقمهم عنا إذا جئناك قال نعم ________________________________________ " صفحة رقم 412 " وروي أن عمر رضي الله عنه قال له لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب فنزلت والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام وقيل صلاتا الصبح والعصر وقرأ ابن عامر بالغدوة هنا وفي الكهف ) يريدون وجهه ( حال من يدعون أي يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإخلاص تنبيها على أنه ملاك الأمر ورتب النهي عليه إشعارا بأنه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم ) ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ( أي ليس عليك حساب إيمانهم فلعل إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم طمعا في إيمانهم لو آمنوا أو ليس عليك اعتبار بواطهنم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعداهم إليك كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم وقيل ما عليك من حساب رزقهم أي من فقرهم وقيل الضمير للمشركين والمعنى لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه ) فتطردهم ( فتبعدهم وهو جواب النفي ) فتكون من الظالمين ( جواب النهي ويجوز عطفه على فتطردهم على وجه التسبب وفيه نظر الأنعام : ( 53 ) وكذلك فتنا بعضهم . . . . . ) وكذلك فتنا بعضهم ببعض ( ومثل ذلك الفتن وهو اختلاف أحوال الناس في أمور الدنيا ) فتنا ( أي ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدنيا فقدمنا هؤلاء الضعفاء على أشراف قريش بالسبق إلى الإيمان ) ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( أي أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق لما يسعدهم دوننا ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء وهو إنكار لأن يخص هؤلاء من بينهم بإصابة الحق والسبق إلى الخير كقولهم ) لو كان خيرا ما سبقونا إليه ( واللام للعاقبة أو للتعليل على أن فتنا متضمن معنى ________________________________________ " صفحة رقم 413 " خذلنا ) أليس الله بأعلم بالشاكرين ( بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوقفه وبمن لا يقع منه فيخذله الأنعام : ( 54 ) وإذا جاءك الذين . . . . . ) وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ( الذين يؤمنون هم الذين يدعون ربهم وصفهم بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله بعد النهي عن طردهم إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل ومن كان كذلك ينبغي أن يقرب ولا يطرد ويعز ولا يذل ويبشر من الله بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة وقيل إن قوم جاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إنا أصبنا ذنوبا عظاما فلم يرد عليهم شيئا فانصرفوا فنزلت ) أنه من عمل منكم سوءا ( استئناف بتفسير الرحمة وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالفتح على البدل منها ) بجهالة ( في موضع الحال أي ملتبسا بفعل الجهالة فإن ارتكاب ما يؤدي إلى الضرر من أفعال أهل السفه والجهل ) ثم تاب من بعده ( بعد العمل أو السوء ) وأصلح ( بالتدارك والعزم على أن لا ________________________________________ " صفحة رقم 414 " يعود إليه ) فأنه غفور رحيم ( فتحه من فتح الأول غير نافع على إضمار مبتدأ أو خبر أي فأمره أو فله غفرانه الأنعام : ( 55 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . . ) وكذلك ( ومثل ذلك التفضيل الواضح ) نفصل الآيات ( أي آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمين المصرين منهم والأوابين ) ولتستبين سبيل المجرمين ( قرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على معنى ولنستوضح يا محمد سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يحق لهم فصلنا هذا التفصيل وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم برفعه على معنى ولنبين سبيلهم والباقون بالياء والرفع على تذكير السبيل فإنه يذكر ويؤنث ويجوز أن يعطف على علة مقدرة أي نفصل الآيات ليظهر الحق ويستبين الأنعام : ( 56 ) قل إني نهيت . . . . . ) قل إني نهيت ( صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد ) أن أعبد الذين تدعون من دون الله ( عن عبادة ما تعبدون من دون الله أو ما تدعونه آلهة أي تسمونها ) قل لا أتبع أهواءكم ( تأكيد لقطع أطماعهم وإشارة إلى الموجب للنهي وعلة الامتناع عن متابعتهم واستجهال لهم وبيان لمبدأ ضلالهم وأن ما هم عليه هوى وليس يهدي وتنبيه لمن تحرى الحق على أن يتبع الحجة ولا يقلد ) قد ضللت إذا ( أي اتبعت أهواءكم فقد ضللت ) وما أنا من المهتدين ( أي في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم وفيه تعريض بأنهم كذلك الأنعام : ( 57 ) قل إني على . . . . . ) قل إني على بينة ( تنبيه على ما يجب اتباعه بعد ما بين ما لا يجوز اتباعه والبينة الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل وقيل المراد بها القرآن والوحي أو الحجج العقلية أو ما يعمها ) من ربي ( من معرفته وأنه لا معبود سواه ويجوز أن يكون صفة ________________________________________ " صفحة رقم 415 " لبينة ) وكذبتم به ( الضمير لربي أي كذبتم به حيث أشركتم به غيره أو للبينة باعتبار المعنى ) ما عندي ما تستعجلون به ( يعني العذاب الذي استعجلوه بقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( ) إن الحكم إلا لله ( في تعجيل العذاب وتأخيره ) يقص الحق ( أي القضاء الحق أو يصنع الحق ويدبره من قولهم قضى الدرع إذا صنعتها فيما يقضي من تعجيل وتأخير وأصل القضاء الفصل بتمام الأمر وأصل الحكم المنع فكأنه منع الباطل وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم ) يقص ( من قص الأثر أو من قص الخبر ) وهو خير الفاصلين ( القاضين الأنعام : ( 58 ) قل لو أن . . . . . ) قل لو أن عندي ( في قدرتي ومكنتي ) ما تستعجلون به ( من العذاب ) لقضي الأمر بيني وبينكم ( لأهلكتكم عاجلا غضبا لربي وانقطع ما بيني وبينكم ) والله أعلم بالظالمين ( في معنى الاستدراك كأنه قال ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ وبمن ينبغي أن يمهل منهم الأنعام : ( 59 ) وعنده مفاتح الغيب . . . . . ) وعنده مفاتح الغيب ( خزائنه جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن أو ما يتوصل به إلى المغيبات مستعار من المفاتح الذي هو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح ويؤيده أنه قرئ / مفاتيح / والمعنى أنه المتوصل إلى المغيبات المحيط علمه بها ) لا يعلمها إلا هو ( فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلقت ________________________________________ " صفحة رقم 416 " به مشيئته وفيه دليل على أنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها ) ويعلم ما في البر والبحر ( عطف للأخبار عن تعلق علمه تعالى بالمشاهدات على الإخبار عن اختصاص العلم بالمغيبات به ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات ) ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ( معطوفات على ورقة وقوله ) إلا في كتاب مبين ( بدل من الاستثناء الأول بدل الكل على أن الكتاب المبين علم الله سبحانه وتعالى أو بدل الاشتمال إن أريد به اللوح وقرئت بالرفع للعطف على محل ورقة أو رفعا على الابتداء والخبر ) إلا في كتاب مبين ) الأنعام : ( 60 ) وهو الذي يتوفاكم . . . . . ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( ينيمكم فيه ويراقبكم استعير التوفي من الموت للنوم لما بينهم من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز فإن أصله قبض الشيء بتمامه ) ويعلم ما جرحتم بالنهار ( كسبتم فيه خص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريا على المعتاد ) ثم يبعثكم ( يوقظكم أطلق البعث ترشيحا للتوفي ) فيه ( في النهار ) ليقضى أجل مسمى ( ليبلغ المتيقظ آخر أجله المسمى له في الدنيا ) ثم إليه مرجعكم ( بالموت ) ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ( بالمجازاة عليه وقيل الآية خطاب للكفرة والمعنى أنكم ملقون كالجيف بالليل وكاسبون للآثام بالنهار وأنه سبحانه وتعالى مطلع على أعمالكم يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ليقضي الأجل ________________________________________ " صفحة رقم 417 " الذي سماه وضربه لبعث الموت وجزائهم على أعمالهم ثم إليه مرجعكم بالحساب ثم ينبئكم بما كنتم تعملون بالجزاء الأنعام : ( 61 ) وهو القاهر فوق . . . . . ) وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ( ملائكة تحفظ أعمالكم وهم الكرام الكاتبون والحكمة فيه أن المكلف إذا علم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد كان أزجر عن المعاصي وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطيعين عليه ) حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ( ملك الموت وأعوانه وقرأ حمزة / توفاه / بالألف ممالة ) وهم لا يفرطون ( بالتواني والتأخير وقرئ بالتخفيف والمعنى لا يجاوزون ما حد لهم بزيادة أو نقصان الأنعام : ( 62 ) ثم ردوا إلى . . . . . ) ثم ردوا إلى الله ( إلى حكمه وجزائه ) مولاهم ( الذي يتولى أمرهم ) الحق ( العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وقرئ بالنصب على المدح ) ألا له الحكم ( يومئذ لا حكم لغيره فيه ) وهو أسرع الحاسبين ( يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة لا يشغله حساب عن حساب الأنعام : ( 63 ) قل من ينجيكم . . . . . ) قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ( من شدائدهما استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهم في الهول وإبطال الإبصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب أو من الخسف في البر والغرق في البحر وقرأ يعقوب ) ينجيكم ( بالتخفيف والمعنى واحد ) تدعونه تضرعا وخفية ( معلنين ومسرين أو إعلانا وإسرارا وقرأ أبو بكر هنا وفي الأعراف ) وخيفة ( بالكسر وقرئ ) خيفة ( ) لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين ( على إرادة القول أي تقولون لئن أنجيتنا وقرأ الكوفيون ) لئن أنجانا ( ليوافق قوله ) تدعونه ( وهذه إشارة إلى الظلمة ________________________________________ " صفحة رقم 418 " الأنعام : ( 64 ) قل الله ينجيكم . . . . . ) قل الله ينجيكم منها ( شدده الكوفيون وهشام وخففه الباقون ) ومن كل كرب ( غم سواها ) ثم أنتم تشركون ( تعودون إلى الشرك ولا توفون بالعهد وإنما وضع تشركون موضع لا تشكرون تنبيها على أن من أشرك بعبادة الله سبحانه وتعالى فكأنه لم يعبده رأسا الأنعام : ( 65 ) قل هو القادر . . . . . ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ( كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل ) أو من تحت أرجلكم ( كما أغرق فرعون وخسف بقارون وقيل من فوقكم أكابركم وحكامكم ومن تحت أرجلكم سفلتكم وعبيدكم ) أو يلبسكم ( يخلطكم ) شيعا ( فرقا متحزبين على أهواء شتى فينشب القتال بينكم قال " وكتيبة لبستها بكتيبة حتى إذا التبست نفضت لها يدي " ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( يقاتل بعضكم بعضا ) انظر كيف نصرف الآيات ( بالوعد والوعيد ) لعلهم يتقون ) الأنعام : ( 66 ) وكذب به قومك . . . . . ) وكذب به قومك ( أي بالعذاب أو بالقرآن ) وهو الحق ( الواقع لا محالة أو الصدق ) قل لست عليكم بوكيل ( بحفيظ وقل وكل إلي أمركم فأمنعكم من التكذيب أو أجازيكم إنما أنا منذر والله الحفيظ الأنعام : ( 67 ) لكل نبإ مستقر . . . . . ) لكل نبإ ( خبر يريد به إما بالعذاب أو الإيعاد به ) مستقر ( وقت استقرار ووقوع ________________________________________ " صفحة رقم 419 " ) وسوف تعلمون ( عند وقوعه في الدنيا والآخرة الأنعام : ( 68 ) وإذا رأيت الذين . . . . . ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ( بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها ) فأعرض عنهم ( فلا تجالسهم وقم عنهم ) حتى يخوضوا في حديث غيره ( أعاد الضمير على معنى الآيات لأنها القرآن ) وإما ينسينك الشيطان ( بأن يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي وقرأ ابن عامر / ينسيك / بالتشديد ) فلا تقعد بعد الذكرى ( بعد أن تذكره ) مع القوم الظالمين ( أي معهم فوضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أنهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام الأنعام : ( 69 ) وما على الذين . . . . . ) وما على الذين يتقون ( وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم ) من حسابهم من شيء ( شيء مما يحاسبون عليه ) ولكن ذكرى ( ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وهو يحتمل النصب على المصدر والرفع ولكن عليهم ذكرى ولا يجوز عطفه على محل من شيء لأن من حسابهم يأباه ولا على شيء لذلك ولأن من لا تزاد في الإثبات ) لعلهم يتقون ( يجتنبون ذلك حياء أو كراهة لمساءتهم ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى لعلهم يثبتون على تقواهم ولا تنثلم بمجالستهم روي أن المسلمين قالوا لإن كنا نقوم كلما استهزءوا بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ونطوف فنزلت الأنعام : ( 70 ) وذر الذين اتخذوا . . . . . ) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ( أي بنوا أمر دينهم على التشهي وتدين بما لا ________________________________________ " صفحة رقم 420 " يعود عليهم بنفع عاجلا وآجلا كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب أو اتخذوا دينهم الذي كلفوهم لعبا ولهوا حيث سخروا به أو جعلوا عيدهم الذي جعل ميقات عبادتهم زمان لهو ولعب والمعنى أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم ويجوز أن يكون تهديدا لهم كقوله تعالى ) وغرتهم الحياة الدنيا ( حتى أنكروا البعث ) وذكر به ( أي بالقرآن ) أن تبسل نفس بما كسبت ( مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترهن بسوء عمله وأصل الأبسال والبسل المنع ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وهذا بسل عليك أي حرام ) ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ( يدفع عنها العذاب ) وإن تعدل كل عدل ( وإن تفد كل فداء والعدل الفدية لأنها تعادل المفدي وها هنا الفداء وكل نصب على المصدرية ) لا يؤخذ منها ( الفعل مسند إلى منها لا إلى ضميره بخلاف قوله ) ولا يؤخذ منها عدل ( فإنه المفدى به ) أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا ( أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة ) لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( تأكيد وتفصيل لذلك والمعنى هم بين ماء مغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم الأنعام : ( 71 ) قل أندعو من . . . . . ) قل أندعو ( أنعبد ) من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ( ما لا يقدر على نفعنا وضرنا ) ونرد على أعقابنا ( ونرجع إلى الشرك ) بعد إذ هدانا الله ( فأنقذنا منه ورزقنا الإسلام ) كالذي استهوته الشياطين ( كالذي ذهبت به مردة الجن في المهامة استفعال من هوى يهوي هويا إذا ذهب وقرأ حمزة / استهواه / بألف ممالة ومحل الكاف النصب على الحال من فاعل ) نرد ( أي مشبهين الذين استهوته أو على المصدر أي ردا مثل رد الذي ________________________________________ " صفحة رقم 421 " استهوته ) في الأرض حيران ( متحيرا ضالا عن الطريق ) له أصحاب ( لهذا المستهوى رفقه ) يدعونه إلى الهدى ( إلى أن يهدوه الطريق المستقيم أو إلى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر ) ائتنا ( يقولون له ائتنا ) قل إن هدى الله ( الذي هو الإسلام ) هو الهدى ( وحده وما عداه ضلال ) وأمرنا لنسلم لرب العالمين ( من جملة المقول عطف على أن هدى الله واللام التعليل الأمر أي أمرنا بذلك لنسلم وقيل هي بمعنى الباء وقيل هي زائدة الأنعام : ( 72 ) وأن أقيموا الصلاة . . . . . ) وأن أقيموا الصلاة واتقوه ( عطف على لنسلم أي للإسلام ولإقامة الصلاة أو على موقعه كأنه قيل وأمرنا أن نسلم أو أقيم الصلاة روي أن عبد الرحمن بن أبي بكر دعا أباه إلى عبادة الأوثان فنزلت وعلى هذا كان أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا القول إجابة عن الصديق رضي الله تعالى عنه تعظيما لشأنه وإظهارا للاتحاد الذي كان بينهما ) وهو الذي إليه تحشرون ( يوم القيامة الأنعام : ( 73 ) وهو الذي خلق . . . . . ) وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ( قائما بالحق والحكمة ) ويوم يقول كن فيكون قوله الحق ( جملة اسمية قدم فيها الخبر أي قوله الحق يوم يقول كقولك ________________________________________ " صفحة رقم 422 " القتال يوم الجمعة والمعنى أنه الخالق للسموات والأرضين وقوله الحق نافذ في الكائنات وقيل يوم منصوب بالعطف على السموات أو الهاء في واتقوه أو بمحذوف دل عليه بالحق وقوله الحق مبتدأ وخبر أو فاعل يكون على معنى وحين يقول لقوله الحق أي لقضائه كن فيكون والمراد به حين يكون الأشياء ويحدثها أو حينا تقوم القيامة فيكون التكوين حشر الأموات وإحياءها ) وله الملك يوم ينفخ في الصور ( كقوله سبحانه وتعالى ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( ) عالم الغيب والشهادة ( أي هو عالم الغيب ) وهو الحكيم الخبير ( كالفذلكة للآية الأنعام : ( 74 ) وإذ قال إبراهيم . . . . . ) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ( هو عطف بيان لأبيه وفي كتب التواريخ أن اسمه تارح فقيل هما علمان له كإسرائيل ويعقوب وقيل العلم تارح وآزر وصف معناه الشيخ أو المعوج ولعل منع صرفه لأنه أعجمي حمل على موازنه أو نعت مشتق من الآزر أو الوزر والأقرب أنه علم أعجمي على فاعل كعابر وشالخ وقيل اسم صنم يعبده فلقب به للزوم عبادته أو أطلق عليه بحذف المضاف وقيل المراد به الصنم ونصبه بفعل مضمر يفسره ما بعده أي أتعبد آزر ثم قال ) أتتخذ أصناما آلهة ( تفسيرا وتقريرا ويدل عليه أنه قرئ / أزرا / تتخذ أصناما بفتح همزة آزر وكسرها وهو اسم صنم وقرأ يعقوب بالضم على ________________________________________ " صفحة رقم 423 " النداء وهو يدل على أنه علم ) إني أراك وقومك في ضلال ( عن الحق ) مبين ( ظاهر الضلالة الأنعام : ( 75 ) وكذلك نري إبراهيم . . . . . ) وكذلك نري إبراهيم ( ومثل هذا التبصير نبصره وهو حكاية حال ماضية وقرئ ) ترى ( بالتاء ورفع الملكوت ومعناه تبصره دلائل الربوبية ) ملكوت السماوات والأرض ( ربوبيتها وملكها وقيل عجائبها وبدائعها والملكوت أعظم الملك والتاء فيه للمبالغة ) وليكون من الموقنين ( أي ليستدل وليكون أو وفعلنا ذلك ليكون الأنعام : ( 76 ) فلما جن عليه . . . . . ) فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ( تفصيل وبيان لذلك وقيل عطف على قال إبراهيم وكذلك نري اعتراض فإن أباه وقومه كانوا يعبدون الأصنام والكواكب فأراد أن ينبههم على ضلالتهم ويرشدهم إلى الحق من طريق النظر والاستدلال وجن عليه الليل ستره بظلامه والكواكب كان الزهرة أو المشتري وقوله ) هذا ربي ( على سبيل الوضع فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما يقوله الخصم ثم يكر عليه بالإفساد أو على وجه النظر والاستدلال وإنما قاله زمان مراهقته أو أول أوان بلوغه ) فلما أفل ( أي غاب ) قال لا أحب الآفلين ( فضلا عن عبادتهم فإن الانتقال والاحتجاب بالأستار يقتضي الأمام والحدوث وينافي الألوهية ________________________________________ " صفحة رقم 424 " الأنعام : ( 77 ) فلما رأى القمر . . . . . ) فلما رأى القمر بازغا ( مبتدئا في الطلوع ) قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ( استعجز نفسه واستعان بربه في درك الحق فإنه لا يهتدي إليه إلا بتوفيقه ارشادا لقومه وتنبيها لهم على أن القمر أيضا لتغير حاله لا يصلح للألوهية وأن من اتخذه إلها فهو ضال الأنعام : ( 78 ) فلما رأى الشمس . . . . . ) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي ( ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر وصيانة للرب عن شبهة التأنيث ) هذا أكبر ( كبره استدلالا أو إظهارا لشبهة الخصم ) فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ( من الأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث يحدثها ومخصص يخصصها بما تختص به الأنعام : ( 79 ) إني وجهت وجهي . . . . . ثم لما تبرأ منها توجه إلى موجدها ومبدعها الذي دلت هذه الممكنات عليه فقال ) إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ( وإنما احتج بالأفوال دون البزوغ مع أنه أيضا انتقال لتعدد دلالته ولأنه رأى الكوكب الذي يعبدونه في وسط السماء حين حاول الاستدلال الأنعام : ( 80 ) وحاجه قومه قال . . . . . ) وحاجه قومه ( وخاصموه في التوحيد ) قال أتحاجوني في الله ( في وحدانيته سبحانه وتعالى وقرأ نافع وابن عامر بخلاف عن هشام بتخفيف النون ) وقد هدان ( إلى توحيده ) ولا أخاف ما تشركون به ( أي لا أخاف معبوداتكم في وقت لأنها لا تضر بنفسها ولا تنفع ) إلا أن يشاء ربي شيئا ( أن يصيبني بمكروه من جهتها ولعله جواب لتخويفهم ________________________________________ " صفحة رقم 425 " إياه من آلهتهم وتهديدا لهم بعذاب الله ) وسع ربي كل شيء علما ( كأن علة الاستثناء أي أحاط به علما فلا يعبد أن يكون في علمه أن يحيق بي مكروه من جهتها ) أفلا تتذكرون ( فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز الأنعام : ( 81 ) وكيف أخاف ما . . . . . ) وكيف أخاف ما أشركتم ( ولا يتعلق به ضر ) ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ( وهو حقيق بأن يخاف منه كل الخوف لأنه إشراك للمصنوع بالصانع وتسوية بين المقدور العاجز بالقادر الضار النافع ) ما لم ينزل به عليكم سلطانا ( ما لم ينزل بإشراكه كتابا أو لم ينصب عليه دليلا ) فأي الفريقين أحق بالأمن ( أي الموحدون والمشركون وإنما لم يقل أينا أنا أم أنتم أحترازا من تزكية نفسه ) إن كنتم تعلمون ( ما يحق أن يخاف منه الأنعام : ( 82 ) الذين آمنوا ولم . . . . . ) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ( استئناف منه أو من الله بالجواب عما استفهم عنه والمراد بالظلم ها هنا الشرك لما روي أو أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقال أينا لم يظلم نفسه فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ليس ما ________________________________________ " صفحة رقم 426 " تظنون إنما هو ما قال لقمان لابنه ) يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( وليس الإيمان به أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك به وقيل المعصية الأنعام : ( 83 ) وتلك حجتنا آتيناها . . . . . ) وتلك ( إشارة إلى ما احتج به إبراهيم على قومه من قوله ) فلما جن عليه الليل ( إلى قوله ) وهم مهتدون ( أو من قوله ) أتحاجوني ( إليه ) حجتنا آتيناها إبراهيم ( أرشدناه إليها أو علمناه إياها ) على قومه ( متعلق ب ) حجتنا ( إن جعل خبر تلك وبمحذوف إن جعل بدله أي آتيناها إبراهيم حجة على قومه ) نرفع درجات من نشاء ( في العلم والحكمة وقرأ الكوفيون ويعقوب بالتنوين ) إن ربك حكيم ( في رفعه وخفضه ) عليم ( بحال من يرفعه واستعداده له الأنعام : ( 84 ) ووهبنا له إسحاق . . . . . ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ( أي كلا منهما ) ونوحا هدينا من قبل ( من قبل إبراهيم عد هداه نعمة على إبراهيم من حيث إنه أبوه وشرف الوالد يتعدى إلى الولد ) ومن ذريته ( الضمير لإبراهيم عليه الصلاة والسلام إذ الكلام فيه وقيل لنوح عليه السلام ________________________________________ " صفحة رقم 427 " لأنه أقرب ولأن يونس ولوطا ليسا من ذرية إبراهيم فلو كان لإبراهيم اختص البيان بالمعدودين في تلك الآية والتي بعدها والمذكورون في الآية الثالثة عطف على نوحا ) داود وسليمان وأيوب ( أيوب بن أموص من أسباط عيص بن إسحاق ) ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ( أي ونجزي المحسنين جزاء مثل ما جزينا إبراهيم برفع درجاته وكثر أولاده والنبوة فيهم الأنعام : ( 85 ) وزكريا ويحيى وعيسى . . . . . ) وزكريا ويحيى وعيسى ( هو ابن مريم وفي ذكره دليل على أن الذرية تتناول أولاد البنت ) وإلياس ( قيل هو إدريس جد نوح فيكون البيان مخصوصا بمن في الآية الأولى وقيل هو من أسباط هارون أخي موسى ) كل من الصالحين ( الكاملين في الصلاح وهو الإتيان بما ينبغي والتحرز عما لا ينبغي الأنعام : ( 86 ) وإسماعيل واليسع ويونس . . . . . ) وإسماعيل واليسع ( هو الليسع بن أخطوب وقرأ حمزة والكسائي / والليسع / وعلى القراءتين هو علم أعجمي أدخل عليه اللام كما أدخل على اليزيد في قوله " رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله " ) ويونس ( هو يونس بن متى ) ولوطا ( هو ابن هاران أخي إبراهيم ) وكلا فضلنا على العالمين ( بالنبوة وفيه دليل على فضلهم على من عداهم من الخلق الأنعام : ( 87 ) ومن آبائهم وذرياتهم . . . . . ) ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ( عطف على ) كلا ( أو ) نوحا ( أي فضلنا كلا منهم أو هدينا هؤلاء وبعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم فإن منهم من لم يكن نبيا ولا مهديا ) واجتبيناهم ( عطف على ) فضلنا ( أو ) هدينا ( ) وهديناهم إلى صراط مستقيم ( تكرير لبيان ما هدوا إليه الأنعام : ( 88 ) ذلك هدى الله . . . . . ) ذلك هدى الله ( إشارة إلى ما دانوا به ) يهدي به من يشاء من عباده ( دليل على أنه ________________________________________ " صفحة رقم 428 " متفضل عليهم بالهداية ) ولو أشركوا ( أي ولو أشرك هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع فضلهم وعلو شأنهم ) لحبط عنهم ما كانوا يعملون ( لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم بسقوط ثوابها الأنعام : ( 89 ) أولئك الذين آتيناهم . . . . . ) أولئك الذين آتيناهم الكتاب ( يريد به الجنس ) والحكم ( الحكمة أو فصل الأمر على ما يقتضيه الحق ) والنبوة ( والرسالة ) فإن يكفر بها ( أي بهذه الثلاثة ) هؤلاء ( يعني قريشا ) فقد وكلنا بها ( أي بمراعاتها ) قوما ليسوا بها بكافرين ( وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورون ومتابعوهم وقيل هم الأنصار أو أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو كل من آمن به أو الفرس وقيل الملائكة الأنعام : ( 90 ) أولئك الذين هدى . . . . . ) أولئك الذين هدى الله ( يريد الأنبياء عليه الصلاة والسلام المتقدم ذكرهم ) فبهداهم اقتده ( فاختص طريقهم بالاقتداء والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع المختلف فيه فإنها ليست هدى مضافا إلى الكل ولا يمكن التأسي بها جميعا فليس فيه دليل على أنه ( صلى الله عليه وسلم ) متعبد بشرع من قبله والهاء في ) اقتده ( للوقف ومن أثبتها في الدرج ساكنة كابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم أجرى الوصل مجرى الوقف ويحذف الهاء في الوصل خاصة حمزة والكسائي وأشبعها بالكسر ابن عامر برواية ابن ذكوان على أنها كناية المصدر وكسرها بغير إشباع برواية هشام ) قل لا أسألكم عليه ( أي على التبليغ أو القرآن ) أجرا ( جعلا من جهتكم كما لم يسأل من قبل من النبيين وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه ) إن هو ( أي التبليغ أو القرآن أو الغرض ) إلا ذكرى للعالمين ( إلا تذكيرا وموعظة لهم ________________________________________ " صفحة رقم 429 " الأنعام : ( 91 ) وما قدروا الله . . . . . ) وما قدروا الله حق قدره ( وما عرفوه حق معرفته في الرحمة والإنعام على العباد ) إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ( حين أنكروا الوحي وبعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام وذلك من عظائم رحمته وجلائل نعمته أو في السخط على الكفار وشدة البطش بهم حين جسروا على هذه المقالة والقائلون هم اليهود قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن بدليل نقض كلامهم وإلزامهم بقوله ) قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ( وقراءة الجمهور ) تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ( بالتاء وإنما قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملا على قالوا وما قدروا وتضمن ذلك توبيخهم على سوء جهلهم بالتوراة وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرقة وإخفاء بعض لا يشتهونه وروي أن مالك بن الصيف قاله لما أغضبه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيه أن الله يبغض الحبر السمين قال نعم إن الله يبغض الحبر السمين قال ( صلى الله عليه وسلم ) فأنت الحبر السمين وقيل هم المشركون وإلزامهم بإنزال التوراة لأنه كان من المشهودات الذائعة عندهم ولذلك كانوا يقولون ) لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ( ) وعلمتم ( على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ( زيادة على ما في التوراة وبيانا لما التبس عليكم وعلى آبائكم الذين كانوا أعلم منكم ونظيره ) إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم ( ________________________________________ " صفحة رقم 430 " ) فيه يختلفون ( وقيل الخطاب لمن آمن من قريش ) قل الله ( أي أنزله الله أو الله أنزله أمره بأن يجيب عنهم إشعارا بأن الجواب متعين لا يمكن غيره وتنبيها على أنهم بهتوا بحيث إنهم لا يقدرون على الجواب ) ثم ذرهم في خوضهم ( في أباطيلهم فلا عليك بعد التبليغ وإلزام الحجة ) يلعبون ( حال من هم الأول والظرف صلة ذرهم أو يلعبون أو حال منهم الأول والظرف صلة ذرهم أو يلعبون أو حال من مفعوله أو فاعل يلعبون أو من هم الثاني والظرف متصل بالأول الأنعام : ( 92 ) وهذا كتاب أنزلناه . . . . . ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( كثير الفائدة والنفع ) مصدق الذي بين يديه ( يعني التوراة أو الكتب التي قبله ) ولتنذر أم القرى ( عطف على ما دل عليه مبارك أي للبركات ولتنذر أو علة لمحذوف أي ولتنذر أهل أم القرى أنزلناه وإنما سميت مكة بذلك لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم ومجتمعهم وأعظم القرى شأنا وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء / ولينذر / الكتاب ) ومن حولها ( أهل الشرق والغرب ) والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ( فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر ________________________________________ " صفحة رقم 431 " والتدبر حتى يؤمن بالنبي والكتاب والضمير يحتملهما ويحافظ على الطاعة وتخصيص الصلاة لأنها عماد الدين وعلم الإيمان الأنعام : ( 93 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( فزعم أنه بعثه نبيا كمسيلمة والأسود العنسي أو اختلق عليه أحكاما كعمرو بن لحي ومتابعيه ) أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( كعبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما نزلت ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( فلما بلغ قوله ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( قال عبد الله فتبارك الله أحسن الخالقين تعجبا من تفصيل خلق الإنسان فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اكتبها فكذلك نزلت فشك عبد الله وقال لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال ) ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ( كالين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) ولو ترى إذ الظالمون ( حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه أي ولو ترى الظالمين ) في غمرات الموت ( شدائده من غمره الماء إذا غشيه ) والملائكة باسطوا أيديهم ( بقبض أرواحهم كالمتاقضي الملظ أو بالعذاب ) أخرجوا أنفسكم ( أي يقولون لهم أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليظا وتعنيفا عليهم أو أخرجوها من العذاب وخلصوها من أيدينا ) اليوم ( يريدون وقت الإماتة أو الوقت الممتد من الإماتة إلا ما لا نهاية له ) تجزون عذاب الهون ( أي الهوان يريدون العذاب المتضمن لشدة وإهانة فإضافته إلى الهون لعراقته وتمكنه فيه ) بما كنتم تقولون على الله غير الحق ( كادعاء الولد والشريك له ودعوى النبوة والوحي كاذبا ) وكنتم عن آياته تستكبرون ( فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون ________________________________________ " صفحة رقم 432 " الأنعام : ( 94 ) ولقد جئتمونا فرادى . . . . . ) ولقد جئتمونا ( للحساب والجزاء ) فرادى ( منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا أو عن الأعوان والأوثان التي زعمتم أنها شفعاؤكم وهو جمع فرد والألف للتأنيث ككسالى وقرئ / فراد / كرخال وفراد كثلاث وفردى كسكرى ) كما خلقناكم أول مرة ( بدل من أنه أي على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد أو حال ثانية إن جوز التعدد فيها أو حال من الضمير في ) فرادى ( أي مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غرلا بهم أو صفة مصدر ) جئتمونا ( أي مجيئنا كما خلقناكم ) وتركتم ما خولناكم ( ما تفضلنا به عليكم في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة ) وراء ظهوركم ( ما قدمت منهم شيئا ولم تحتملوا نقيرا ) وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ( أي شركاء لله في ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم ) لقد تقطع بينكم ( أي تقطع وصلكم وتشدد جمعكم والبين من الأضداد يستعمل للوصل والفصل وقيل هو الظرف أسند إليه الفعل اتساعا والمعنى وقع التقطع بينكم ويشهد له قراءة نافع والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب على إضمار الفاعل لدلالة ما قبله عليه أو أقيم مقام موصوفة وأصله لقد تقطع ما بينكم وقد قرئ به ) وضل عنهم ( ضاع وبطل ) ما كنتم تزعمون ( أنها شفعاؤكم أو أن لا بعث ولا جزاء الأنعام : ( 95 ) إن الله فالق . . . . . ) إن الله فالق الحب والنوى ( بالنبات والشجر وقيل المراد به الشقاق الذي في الحنطة والنواة ) يخرج الحي ( يريد به ما ينمو من الحيوان والنبات ليطابق ما قبله ) من الميت ( مما لا ينمو كالنطف والحب ) ومخرج الميت من الحي ( ومخرج ذلك من الحيوان والنبات ذكره بلفظ الاسم حملا على فالق الحب فإن قوله يخرج الحي واقع ________________________________________ " صفحة رقم 433 " موقع البيان له ) ذلكم الله ( أي ذلكم المحي المميت هو الذي يحق له العبادة ) فأنى تؤفكون ( تصرفون عنه إلى غيره الأنعام : ( 96 ) فالق الإصباح وجعل . . . . . ) فالق الإصباح ( شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل أو عن بياض النهار أو شاق ظلمة الإصباح وهو الغبش الذي يليه والإصباح في الأصل مصدر أصبح إذا دخل في الصباح سمي به الصبح وقرئ بفتح الهمزة على الجمع وقرئ ) فالق الإصباح ( بالنصب على المدح ) وجعل الليل سكنا ( يسكن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه من سكن إليه إذا اطمأن إليه استئنافا به أو يسكن فيه الخلق من قوله تعالى ) لتسكنوا فيه ( ونصبه بفعل دل عليه جاعل لا به فإن في معنى الماضي ويدل عليه قراءة الكوفيين ) وجعل الليل ( حملا على معنى المعطوف عليه فإن فالق بمعنى فلق ولذلك قرئ به أو به على أن المراد منه جعل مستمر في الأزمنة المختلفة وعلى هذا يجوز أن يكون ) والشمس والقمر ( عطفا على محل الليل ويشهد له قراءتهما بالجر والأحسن نصبهما بجعل مقدرا وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مجعولان ) حسبانا ( أي على أدوار مختلفة يحسب بهما الأوقات ويكونان علمي الحسبان وهو مصدر حسب بالفتح كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب وقيل جمع حساب كشهاب وشهبان ) ذلك ( إشارة إلى جعلهما حسبانا أي ذلك التيسير بالحساب المعلوم ) تقدير العزيز ( الذي قهرهما وسيرهما على الوجه المخصوص ) العليم ( بتدبيرهما والأنفع من التداوير الممكنة لهما الأنعام : ( 97 ) وهو الذي جعل . . . . . ) وهو الذي جعل لكم النجوم ( خلقها لكم ) لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ( ________________________________________ " صفحة رقم 434 " في ظلمات الليل في البر والبحر وإضافتها إليهما للملابسة أو في مشتبهات الطرق وسماها ظلمات على الاستعارة وهو إفراد لبعض منافعها بالذكر بعد ما أجملها بقوله لكم ) قد فصلنا الآيات ( بيناها فصلا فصلا ) لقوم يعلمون ( فإنهم المنتفعون به الأنعام : ( 98 ) وهو الذي أنشأكم . . . . . ) وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ( هو آدم عليه الصلاة والسلام ) فمستقر ومستودع ( أي فلكم استقرار في الأصلاب أو فوق الأرض واستيداع في الأرحام أو تحت الأرض أو موضع استقرار واستيداع وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر القاف على أنه اسم فاعل والمستودع اسم مفعول أي فمنكم قال ومنكم مستودع لأن الاستقرار منا دون الاستيداع ) قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ( ذكر من ذكر النجوم يعلمون لأن أمرها ظاهر ومع ذلك تخليق بني آدم يفقهون لأن إنشاءهم من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة دقيق غامض يحتاج إلى استعمال فطنة وتدقيق نظر الأنعام : ( 99 ) وهو الذي أنزل . . . . . ) وهو الذي أنزل من السماء ماء ( من السحاب أو من جانب السماء ) فأخرجنا ( على تلوين الخطاب ) به ( بالماء ) نبات كل شيء ( نبت كل صنف من النبات والمعنى إظهار القدرة في إنبات الأنواع المختلفة المفننة المسقية بماء واحد كما في قوله سبحانه وتعالى ) يسقى بماء واحد ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) فأخرجنا منه ( من النبات أو الماء ) خضرا ( شيئا أخضر يقال أخضر وخضر كأعور وعور وهو الخارج من الحبة المتشعب ) نخرج منه ( من الخضر ) حبا متراكبا ( وهو السنبل ) ومن النخل من طلعها قنوان ( ________________________________________ " صفحة رقم 435 " أي وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان أو من النخل شيء من طلعها قنوان ويجوز أن يكون من النخل خبر قنوان ومن طلعها بدل منه والمعنى وحاصلة من طلع النخل قنوان وهو الأعذاق جمع قنو كصنوان جمع صنو وقرئ بضم القاف كذئب وذؤبان وبفتحها على أنه اسم جمع إذ ليس فعلان من أبنية الجمع ) دانية ( قريبة من المتناول أو متلفة قريب بعضها من بعض وإنما اقتصر على ذكرها عن مقابلها لدلالتها عليه وزيادة النعمة فيها ) وجنات من أعناب ( عطف على نبات كل شيء وقرأ نافع بالرفع على الابتداء أي ولكم أو ثم جنات أو من الكرم جنات ولا يجوز عطفه على ) قنوان ( إذ العنب لا يخرج من النخل ) والزيتون والرمان ( أيضا عطف على نبات أو نصب على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عنده ) مشتبها وغير متشابه ( حال من الرمان أو من الجميع أي بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه في الهيئة والقدر واللون والطعم ) انظروا إلى ثمره ( أي ثمر كل واحد من ذلك وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء والميم وهو جمع ثمرة كخشبة وخشب أو ثمار ككتاب وكتب ) إذا أثمر ( إذا أخرج ثمره كيف يثمر ضئيلا لا يكاد ينتفع به ) وينعه ( وإلى حال نضجه أو إلى نضيجة كيف يعود ضخما ذا نفع ولذة وهو في الأصل مصدر ينعت الثمر إذا أدركت وقيل جمع يانع كتاجر وتجر وقرئ بالضم وهو لغة فيه ويانعة ) إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ( أي لآيات دالة على وجود القادر الحكيم وتوحيده فإن حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المتفننة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال لا يكون إلا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ويرجع ما يقتضيه حكمته مما ________________________________________ " صفحة رقم 436 " يمكن من أحوالها ولا يعوقه عن فعله ند يعارضه أو ضد يعانده ولذلك عقبه بتوبيخ من أشرك به والرد عليه فقال الأنعام : ( 100 ) وجعلوا لله شركاء . . . . . ) وجعلوا لله شركاء الجن ( أي الملائكة بأن عبدوهم وقالوا الملائكة بنات الله وسماهم جنا لاجتنانهم تحقيرا لشأنهم أو الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم أو قالوا الله خالق الخير وكل نافع والشيطان خالق الشر وكل ضار كما هو رأي الثنوية ومفعول ) جعلوا ( ) لله شركاء ( والجن بدل من ) شركاء ( أو ) شركاء ( الجن و ) لله ( متعلق ب ) شركاء ( أو حال منه وقرئ ) الجن ( بالجن كأنه قيل من هم فقيل الجن و ) الجن ( بالجر على الإضافة للتبيين ) وخلقهم ( حال بتقدير قد والمعنى وقد علموا أن الله خالقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق وقرئ ) وخلقهم ( عطفا على ) الجن ( أي وما يخلقونه من الأصنام أو على شركاء أي وجعلوا له اختلافهم للإفك حيث نسبوه إليه ) وخرقوا له ( افتعلو وافتروا له وقرأ نافع بتشديد الراء للتكثير وقرئ / وحرفوا / أي وزوروا ) بنين وبنات ( فقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت العرب الملائكة بنات الله ) بغير علم ( من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه ويروا عليه دليلا وهو في موضع الحال من الواو أو المصدر أي خرقا بغير علم ) سبحانه وتعالى عما يصفون ( وهو أن له شريكا أو ولدا الأنعام : ( 101 ) بديع السماوات والأرض . . . . . ) بديع السماوات والأرض ( من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها أو إلى الظرف ________________________________________ " صفحة رقم 437 " كقولهم ثبت العذر بمعنى أنه عديم النظير فيهما وقيل معناه المبدع وقد سبق الكلام فيه ورفعه على الخبر والمبتدأ محذوف أو على الابتداء وخبره ) أنى يكون لي ولد ( أي من أين أو كيف يكون له ولد ) ولم تكن له صاحبة ( يكون منها الولد وقرئ بالياء للفصل أو لأن الاسم ضمير الله أو ضمير الشأن ) وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ( لا تخفى عليه خافية وإنما لم يقل به لتطرق التخصيص إلى الأول وفي الآية استدلال على نفي الولد من وجوه الأول أنه من مبتدعاته السموات والأرضون وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبرأة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولى بأن يتعالى عنها أو أن ولد الشيء نظيره ولا نظير له فلا ولد والثاني أن المعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثى متجانسين والله سبحانه وتعالى منزه عن المجانسة والثالث أن الولد كفؤ الوالد ولا كفؤ له لوجهين الأول أن كل ما عداه مخلوقه فلا يكافئه والثاني أنه سبحانه وتعالى لذاته عالم بكل المعلومات ولا كذلك غيره بالإجماع ________________________________________ " صفحة رقم 438 " الأنعام : ( 102 ) ذلكم الله ربكم . . . . . ) ذلكم ( إشارة إلى الموصوف بما سبق من الصفات وهو مبتدأ ) الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ( أخبار مترادفة ويجوز أن يكون البعض بدلا أو صفة والبعض خبرا ) فاعبدوه ( حكم مسبب عن مضمونها فإن من استجمع هذه الصفات استحق العبادة ) وهو على كل شيء وكيل ( أي وهو مع تلك الصفات متولي أمورهم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مآربكم ورقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها الأنعام : ( 103 ) لا تدركه الأبصار . . . . . ) لا تدركه ( أي لا تحيط به ) الأبصار ( جمع بصر وهي حاسة النظر وقد يقال للعين من حيث إنها محلها واستدل به المعتزلة على امتناع الرؤية وهو ضعيف إذ ليس الإدراك مطلق الرؤية ولا النفي في الآية عاما في الأوقات فلعله مخصوص ببعض الحالات ولا في الأشخاص فإنه في قوة قولنا لا كل بصر يدركه مع أن النفي لا يوجب الامتناع ) وهو يدرك الأبصار ( يحيط علمه بها ) وهو اللطيف الخبير ( فيدرك ما لا تدركه الأبصار كالأبصار ويجوز أن يكون من باب اللف أي لا تدركه الأبصار لأنه اللطيف وهو ________________________________________ " صفحة رقم 439 " يدرك الأبصار لأنه الخبير فيكون اللطيف مستعارا من مقابل الكثيف لما لا يدرك بالحاسة ولا ينطبع فيها الأنعام : ( 104 ) قد جاءكم بصائر . . . . . ) قد جاءكم بصائر من ربكم ( البصائر جمع بصيرة وهي للنفس كالبصر للبدن سميت بها لدلالة لأنها تجلي لها الحق وتبصرها به ) فمن أبصر ( أي أبصر الحق وآمن به ) فلنفسه ( أبصر لأن نفعه لها ) ومن عمي ( عن الحق وظل ) فعليها ( وباله ) وما أنا عليكم بحفيظ ( وإنما أنا منذر والله سبحانه وتعالى هو الحفيظ عليكم ليحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها وهذا كلام ورد على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام الأنعام : ( 105 ) وكذلك نصرف الآيات . . . . . ) وكذلك نصرف الآيات ( ومثل هذا التصريف نصرف وهو إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة من الصرف وهو نقل الشيء من حال إلى حال ) وليقولوا درست ( أي وليقولوا درست صرفنا واللام لام العاقبة والدرس القراءة والتعلم وقرأ ابن كثير وأبو ________________________________________ " صفحة رقم 440 " عمرو دارست أي دارست أهل الكتاب وذاكرتهم وابن عامر ويعقوب درست من الدروس أي قدمت هذه الآيات وعفت كقولهم أساطير الأولين وقرئ ) درست ( بضم الراء مبالغة في درست ودرست على البناء للمفعول بمعنى قرئت أو عفيت ودارست بمعنى درست أو دارست اليهود محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وجاز إضمارهم بلا ذكر لشهرتهم بالدراسة ودرسنا أي عنون ودرس أي درس محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ودارسات أي قديمات أو ذوات درس كقوله تعالى ) في عيشة راضية ( ) ولنبينه ( اللام على أصله لأن التبيين مقصود التصريف والضمير للآيات باعتبار المعنى أو للقرآن وإن لم يذكر لكونه معلوما أو للمصدر ) لقوم يعلمون ( فإنهم المنتفعون به الأنعام : ( 106 ) اتبع ما أوحي . . . . . ) اتبع ما أوحي إليك من ربك ( بالتدين به ) لا إله إلا هو ( اعتراض أكد به إيجاب الأتباع أو حال مؤكدة من ربك بمعنى منفردا في الألوهية ) وأعرض عن المشركين ( ولا تحتفل بأقوالهم ولا تلتفت إلى آرائهم ومن جعله منسوخا بآية السيف حمل الإعراض على ما يعم الكف عنهم الأنعام : ( 107 ) ولو شاء الله . . . . . ) ولو شاء الله ( توحيدهم وعدم إشراكهم ) ما أشركوا ( وهو دليل على أنه سبحانه وتعالى لا يريد إيمان الكافرين وأن مراده واجب الوقوع ) وما جعلناك عليهم حفيظا ( رقيبا ) وما أنت عليهم بوكيل ( تقوم بأمورهم ________________________________________ " صفحة رقم 441 " الأنعام : ( 108 ) ولا تسبوا الذين . . . . . ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ( أي ولا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها بما فيها من القبائح ) فيسبوا الله عدوا ( تجاوزا عن الحق إلى الباطل ) بغير علم ( على جهالة بالله سبحانه وتعالى وبما يجب أن يذكر به وقرأ يعقوب ) عدوا ( يقال عدا فلان عدوا وعدوا وعداء وعدوانا روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطعن في آلهتهم فقالوا لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك فنزلت وقيل كان المسملون يسبونها فنهوا لئلا يكون سبهم سبا لسب الله سبحانه وتعالى وفيه دليل على أن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدي إلى الشر شر ) كذلك زينا لكل أمة عملهم ( من الخير والشر بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا وتخذيلا ويجوز تخصيص العمل بالشر وكل أمة بالكفرة لأن الكلام فيهم والمشبه به تزيين سب الله لهم ) ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ( بالمحاسبة والمجازاة عليهم الأنعام : ( 109 ) وأقسموا بالله جهد . . . . . ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( مصدر في موقع الحال والداعي لهم إلى هذا القسم والتأكيد فيه التحكم على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في طلب الآيات واستحقار ما رأوا منها ) لئن جاءتهم آية ( من مقترحاتهم ) ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله ( هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء وليس شيء منها بقدرتي وإرادتي ) وما يشعركم ( وما يدريكم استفهام إنكار ) إنها ( أي أن الآية المقترحة ) إذا جاءت لا يؤمنون ( أي لا تدرون أنهم لا يؤمنون أنكر السبب مبالغة في نفي المسبب وفيه تنبيه على أنه سبحانه وتعالى إنما لم ينزلها لعلمه ________________________________________ " صفحة رقم 442 " بأنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وقيل لا مزيدة وقيل أن بمعنى لعل إذ قرئ لعلها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب إنها بالكسر كأنه قال وما يشعركم ما يكون منهم ثم أخبركم بما علم منهم والخطاب للمؤمنين فإنه يتمنون مجيء الآية طمعا في إيمانهم فنزلت وقيل للمشركين إذ قرأ ابن عامر وحمزة ) لا تؤمنون ( بالتاء وقرئ ) وما يشعركم أنها إذا جاءت ( فيكون إنكارا لهم على حلفهم أي وما يشعرهم أن قلوبهم حينئذ لم تكن مطبوعة كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات فيؤمنون بها الأنعام : ( 110 ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم . . . . . ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ( عطف على لا يؤمنون أي وما يشعركم أنا حينئذ يقلب أفئدتهم عن الحق فلا يفقهونه وأبصارهم فلا ينصرونه فلا يؤمنون بها ) كما لم يؤمنوا به ( أي بما أنزل من الآيات ) أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ( وندعهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين وقرئ / ويقلب / و ) ويذرهم ( على الغيبة و ) تقلب ( على البناء للمفعول والإسناد إلى الأفئدة الأنعام : ( 111 ) ولو أننا نزلنا . . . . . ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ( كما ________________________________________ " صفحة رقم 443 " اقترحوا فقالوا لولا أنزل علينا الملائكة فأتوا بآياتنا ) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( وقبلا جمع قبيل بمعنى كفيل أي كفلاء بما بشروا به وأنذروا به أو جمع قبيل الذي هو جمع قبيل بمعنى جماعات أو مصدر بمعنى مقابلة كقبلا وهو قراءة نافع وابن عامر وهو على الوجوه حال من كل وإنما جاز ذلك لعمومه ) ما كانوا ليؤمنوا ( لما سبق عليهم القضاء بالكفر ) إلا أن يشاء الله ( استثناء من أعم الأحوال أي لا يؤمنون في حال من الأحوال إلا حال مشيئة الله تعالى إيمانهم وقيل منقطع وهو حجة واضحة على المعتزلة ) ولكن أكثرهم يجهلون ( أنهم لو أوتوا بكل آية لم يؤمنوا فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم مع أن مطلق الجهل يعمهم أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أنهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآية طمعا في إيمانهم الأنعام : ( 112 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . . ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا ( أي كما جعلنا لك عدوا جعلنا لكل نبي سبقك عدوا وهو دليل على أن عداوة الكفرة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بفعل الله سبحانه وتعالى وخلقه ) شياطين الإنس والجن ( مردة الفريقين وهو بدل من عدوا أو أول مفعولي ) جعلنا ( و ) عدوا ( مفعوله الثاني ولكل متعلق به أو حال منه ) يوحي بعضهم إلى بعض ( يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس أو بعض الجن إلى بعض وبعض الإنس إلى بعض ) زخرف القول ( الأباطيل المموهة منه من زخرفة إذا زينه ) غرورا ( مفعول له أو مصدر في موقع الحال ) ولو شاء ربك ( إيمانهم ) ما فعلوه ( أي ما فعلوا ________________________________________ " صفحة رقم 444 " ذلك يعني معاداة الأنبياء عليه الصلاة والسلام وإيحاء الزخارف ويجوز أن يكون الضمير للإيحاء أو الزخرف أو الغرور وهو أيضا دليل على المعتزلة ) فذرهم وما يفترون ( وكفرهم الأنعام : ( 113 ) ولتصغى إليه أفئدة . . . . . ) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ( عطف على ) غرورا ( إن جعل علة أو متعلق بمحذوف أي وليكون ذلك ) جعلنا لكل نبي عدوا ( والمعتزلة لما اضطروا فيه قالوا اللام لام العاقبة أو لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون أو لام الأمر وضعفه أظهر والصغو الميل والضمير لما له الضمير في فعلوه ) وليرضوه ( لأنفسهم ) وليقترفوا ( وليكتسبوا ) ما هم مقترفون ( من الآثام الأنعام : ( 114 ) أفغير الله أبتغي . . . . . ) أفغير الله أبتغي حكما ( على إرادة القول أي قل لهم يا محمد أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل و ) غير ( مفعول ) أبتغي ( و ) حكما ( حال منه ويحتمل عكسه و ) حكما ( أبلغ من حاكم ولذلك لا يوصف به غير العادل ) وهو الذي أنزل إليكم الكتاب ( القرآن المعجز ) مفصلا ( مبينا فيه الحق والباطل بحيث ينفي التخليط والالتباس وفيه تنبيه على أن القرآن بإعجازه وتقريره مغن عن سائر الآيات ) والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ( تأييد لدلالة الإعجاز على أن القرآن حق منزل من عند الله سبحانه وتعالى يعلم أهل الكتاب به لتصديقه ما عندهم مع أنه ________________________________________ " صفحة رقم 445 " ( صلى الله عليه وسلم ) لم يمارس كتبه ولم يخالط علماءهم وإنما وصف جميعهم بالعلم لأن أكثرهم يعلمون ومن لم يعلم فهو متمكن منه بأدنى تأمل وقيل المراد مؤمنون أهل الكتاب وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم ) منزل ( بالتشديد ) فلا تكونن من الممترين ( في أنهم يعلمون ذلك أو في أنه منزل لجحود أكثرهم وكفرهم به فيكون من باب التهييج كقوله تعالى ) ولا تكونن من المشركين ( أو خطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لخطاب الأمة وقيل الخطاب لكل أحد على معنى أن الأدلة لما تعاضدت على صحته فلا ينبغي لأحد أن يمتري فيه الأنعام : ( 115 ) وتمت كلمة ربك . . . . . ) وتمت كلمة ربك ( بلغت الغاية أخباره وأحكامه ومواعيده ) صدقا ( في الأخبار والمواعيد ) وعدلا ( في الأقضية والأحكام ونصيبهما يحتمل التمييز والحال والمفعول ________________________________________ " صفحة رقم 446 " له ) لا مبدل لكلماته ( لا أحد يبدل شيئا منها بما هو أصدق وأعدل أو لا أحد يقدر أن يحرفها شائعا ذائعا كما فعل بالتوراة على أن المراد بها القرآن فيكون ضمانا لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ كقوله ) وإنا له لحافظون ( أو لا نبي ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدل أحكامها وقرأ الكوفيون ويعقوب ) كلمة ربك ( أي ما تكلم به أو القرآن ) وهو السميع ( لما يقولون ) العليم ( بما يضمرون فلا يهملهم الأنعام : ( 116 ) وإن تطع أكثر . . . . . ) وإن تطع أكثر من في الأرض ( أي أكثر الناس يريد الكفار أو الجهال أو اتباع الهوى وقيل الأرض أرض مكة ) يضلوك عن سبيل الله ( عن الطريق الموصل إليه فإن الضال في غالب الأمر لا يأمر إلا بما هو ضلال ) إن يتبعون إلا الظن ( وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على حق أو جهالاتهم وآرائهم الفاسدة فإن الظن يطلق على ما يقابل العلم ) وإن هم إلا يخرصون ( يكذبون على الله سبحانه وتعالى فيما ينسبون إليه كاتخاذ الولد وجعل عبادة الأوثان وصلة إليه وتحليل الميتة وتحريم البحائر أو يقدرون أنهم على شيء وحقيقته ما يقال عن ظن وتخمين الأنعام : ( 117 ) إن ربك هو . . . . . ) إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( أي أعلم بالفريقين و ) من ( موصولة أو موصوفة في محل النصب يفعل دل عليه أعلم لا به فإن أفعل لا ينصب الظاهر في مثل ذلك أو استفهامية مرفوعة بالابتداء والخبر ) يضل ( والجملة معلق عنها الفعل المقدر وقرئ ) من يضل ( أي يضله الله فتكون من منصوبة بالفعل المقدر أو مجرورة بإضافة أعلم إليه أي أعلم المضلين من قوله تعالى ) من يضلل الله ( أو من ________________________________________ " صفحة رقم 447 " أضللته إذا وجدته ضالا والتفضيل في العلم بكثرته وإحاطته بالوجوه التي يمكن تعلق العلم بها ولزومه وكونه بالذات لا بالغير الأنعام : ( 118 ) فكلوا مما ذكر . . . . . ) فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( مسبب على إنكار اتباع المضلين الذين يحرمون الحلال ويحللون الحرام والمعنى كلوا مما ذكر اسم الله على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره أو مات حتف أنفه ) إن كنتم بآياته مؤمنين ( فإن الإيمان بها يقتضي استباحة ما أحله الله سبحانه وتعالى واجتناب ما حرمه الأنعام : ( 119 ) وما لكم ألا . . . . . ) وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( وأي غرض لكم في أن تتحرجوا عن أكله وما يمنعكم عنه ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( مما لم يحرم بقوله ) حرمت عليكم الميتة ( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ) فصل ( على البناء للمفعول ونافع ويعقوب وحفص ) حرم ( على البناء للفاعل ) إلا ما اضطررتم إليه ( مما حرم عليكم فإنه أيضا حلال حال الضرورة ) وإن كثيرا ليضلون ( بتحليل الحرام وتحريم الحلال قرأ الكوفيون بضم الياء والباقون بالفتح ) بأهوائهم بغير علم ( بتشبيههم من غير تعلق بدليل يفيد العلم ) إن ربك هو أعلم بالمعتدين ( بالمجاوزين الحق إلى الباطل والحلال إلى الحرام الأنعام : ( 120 ) وذروا ظاهر الإثم . . . . . ) وذروا ظاهر الإثم وباطنه ( ما يعلن وما يسر أو ما بالجوارح وما بالقلب وقيل الزنا في الحوانيت واتخاذ الأخدان ) إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ( يكتسبون ________________________________________ " صفحة رقم 448 " الأنعام : ( 121 ) ولا تأكلوا مما . . . . . ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( ظاهر في تحريم متروك التسمية عمدا أو نسيانا وإليه ذهب داود وعن أحمد مثله وقال مالك والشافعي بخلافه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين العمد والنسيان وأوله بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه لقوله ) وإنه لفسق ( فإن الفسق ما أهل لغير الله به والضمير لما ويجوز أن يكون للأكل الذي دل عليه ولا تأكلوا ) وإن الشياطين ليوحون ( ليوسوسون ) إلى أوليائهم ( من الكفار ) ليجادلوكم ( بقولهم تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله الله وهو يؤيد التأويل بالميتة ) وإن أطعتموهم ( في استحلال ما حرم ) إنكم لمشركون ( فإن من ترك طاعة الله تعالى إلى طاعة غيره واتبعه في دينه فقد أشرك وإنما حسن حذف الفاء فيه لأن الشرط بلفظ الماضي الأنعام : ( 122 ) أو من كان . . . . . ) أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ( مثل به من هداه الله سبحانه وتعالى وأنقذه من الضلال وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء فيميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل وقرأ نافع ويعقوب ) ميتا ( على الأصل ) كمن مثله ( صفته وهو مبتدأ خبره ) في الظلمات ( وقوله ) ليس بخارج منها ( حال ________________________________________ " صفحة رقم 449 " من المستكن في الظرف لا من الهاء في مثله للفصل وهو مثل لمن بقي على الضلالة لا يفارقها بحال ) كذلك ( كما زين للمؤمنين إيمانهم ) زين للكافرين ما كانوا يعملون ( والآية نزلت في حمزة وأبي جهل وقيل في عمر أو عمار وأبي جهل الأنعام : ( 123 ) وكذلك جعلنا في . . . . . ) وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ( أي كما جعلنا في مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها لميكروا فيها و ) جعلنا ( بمعنى صيرنا ومفعولاه ) أكابر مجرميها ( على تقديم المفعول الثاني أو في كل قرية ) أكابر ( و ) مجرميها ( بدل ويجوز أن يكون مضافا إليه إن فسر الجعل بالتمكين وأفعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الإفراد والمطابقة ولذلك قرئ ) أكابر مجرميها ( وتخصيص ________________________________________ " صفحة رقم 450 " الأكابر لأنهم أقوى من استتباع الناس والمكر بهم ) وما يمكرون إلا بأنفسهم ( لأن وباله يحيق بهم ) وما يشعرون ( ذلك الأنعام : ( 124 ) وإذا جاءتهم آية . . . . . ) وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ( يعني كفار قريش لما روي أن أبا جهل قال زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحي إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ) الله أعلم حيث يجعل رسالته ( استئناف للرد عليهم بأن النبوة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص الله سبحانه وتعالى بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالاته من علم أنه يصلح لها وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ) رسالته ( ) سيصيب الذين أجرموا صغار ( ذل وحقارة بعد كبرهم ) عند الله ( يوم القيامة وقيل تقديره من عند الله ) وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ( بسبب مكرهم أو جزاء على مكرهم الأنعام : ( 125 ) فمن يرد الله . . . . . ) فمن يرد الله أن يهديه ( يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان ) يشرح صدره للإسلام ( فيتسع له وينفسح فيه مجاله وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه وإليه أشار إليه أفضل الصلاة والسلام حين سأل عنه فقال نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح فقالوا هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله ) ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ( بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان وقرأ ابن كثير ) ضيقا ( بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم ________________________________________ " صفحة رقم 451 " حرجا بالكسر أي شديد الضيق والباقون بالفتح وصفا بالمصدر ) كأنما يصعد في السماء ( شبهة مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه وأصل يصعد يتصعد وقد قرئ به وقرأ ابن كثير ) يصعد ( وأبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد ) كذلك ( أي كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحق ) يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ( يجعل العذاب أو الخذلان عليهم فوضع الظاهر موضع المضمر للتعليل الأنعام : ( 126 ) وهذا صراط ربك . . . . . ) وهذا ( إشارة إلى البيان الذي جاء به القرآن أو إلى الإسلام أو ما سبق من التوفيق والخذلان ) صراط ربك ( الطريق الذي ارتضاه أو عادته وطريقه الذي اقتضته حكمته ) مستقيما ( لا عوج فيه أو عادلا مطردا وهو حال مؤكدة كقوله ) وهو الحق مصدقا ( أو مقيدة والعامل فيها معنى الإشارة ) قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ( فيعلمون أن القادر هو الله سبحانه وتعالى وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه وخلقه وأنه عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم ________________________________________ " صفحة رقم 452 " الأنعام : ( 127 ) لهم دار السلام . . . . . ) لهم دار السلام ( دار الله أضاف الجنة إلى نفسه تعظيما لها أو دار السلامة من المكاره أو دار تحيتهم فيها سلام ) عند ربهم ( في ضمانه أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره ) وهو وليهم ( مواليهم أو ناصرهم ) بما كانوا يعملون ( بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها فيتولى إيصاله إليهم الأنعام : ( 128 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . . ) ويوم يحشرهم جميعا ( نصب بإضمار أذكر أو نقول والضمير لمن يحشر من الثقلين وقرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب ) يحشرهم ( بالياء ) يا معشر الجن ( يعني الشياطين ) قد استكثرتم من الإنس ( أي من إغوائهم وإضلالهم أو منهم جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كقوله استكثر الأمير من الجنود ) وقال أولياؤهم من الإنس ( الذين أطاعوهم ) ربنا استمتع بعضنا ببعض ( أي انتفع الإنس والجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها والجن والإنس بأن أطاعوهم وحصلوا مرادهم وقيل استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذون بهم في المفاوز وعند المخاوف واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم يقدرون على إجازتهم ) وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ( أي البعث وهو اعتراف بما فعلوه من طاعة الشيطان واتباع الهوى وتكذيب البعث وتحسر على حالهم ) قال النار مثواكم ( منزلكم أو ذات مثواكم ) خالدين فيها ( حال والعامل فيها مثواكم إن جعل مصدرا ومعنا الإضافة إن جعل مكانا ) إلا ما شاء الله ( إلا الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير وقيل ) إلا ما شاء الله ( قبل الدخول كأنه قيل النار ________________________________________ " صفحة رقم 453 " مثواكم أبدا إلى ما أمهلكم ) إن ربك حكيم ( في أفعاله ) عليم ( بأعمال الثقلين وأحوالهم الأنعام : ( 129 ) وكذلك نولي بعض . . . . . ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ( نكل بعضهم إلى بعض أو نجعل بعضهم يتولى بعضا فيغويهم أولياء بعض وقرناءهم في العذاب كما كانوا في الدنيا ) بما كانوا يكسبون ( من الكفر والمعاصي الأنعام : ( 130 ) يا معشر الجن . . . . . ) يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ( الرسل من الإنس خاصة لكن لما جمعوا مع الجن في الخطاب صح ذلك ونظيره ) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( والمرجان يخرج من الملح دون العذب وتعلق بظاهره قوم وقالوا بعث إلى كل من الثقلين رسل من جنسهم وقيل الرسل من الجن رسل الرسل إليهم لقوله تعالى ) ولوا إلى قومهم منذرين ( ) يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( يعني يوم القيامة ) قالوا ( جوابا ) شهدنا على أنفسنا ( بالجرم والعصيان وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب ) وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين مثل حالهم ________________________________________ " صفحة رقم 454 " الأنعام : ( 131 ) ذلك أن لم . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى إرسال الرسل وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك ) أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ( تعليل للحكم وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة أي الأمر لانتفاء كون ربك أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلم فعلوه أو ملتبسين يظلم أو ظالما وهم غافلون لم ينبهوا برسول أو بدل من ذلك الأنعام : ( 132 ) ولكل درجات مما . . . . . ) ولكل ( من المكلفين ) درجات ( مراتب ) مما عملوا ( من أعمالهم أو من جزائها أو من أجلها ) وما ربك بغافل عما يعملون ( فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أبو عقاب وقرأ ابن عامر بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة الأنعام : ( 133 ) وربك الغني ذو . . . . . ) وربك الغني ( عن العباد والعبادة ) ذو الرحمة ( يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي وفيه تنبيه على أن ما سبق ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحمه على العباد وتأسيس لما بعده وهو قوله ) إن يشأ يذهبكم ( أي ما به إليكم حاجة ) إن يشأ يذهبكم ( أيها العصاة ) ويستخلف من بعدكم ما يشاء ( من الخلق ) كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ( أي قرن بعد قرن لكنه أنبأكم ترحم عليكم الأنعام : ( 134 ) إن ما توعدون . . . . . ) إنما توعدون ( من البعث وأحواله ) لآت ( لكائن لا محالة ) وما أنتم بمعجزين ( طالبكم به الأنعام : ( 135 ) قل يا قوم . . . . . ) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ( على غاية تمكنكم واستطاعتكم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من قولهم مكان ومكانة كمقام ومقامة وقرأ أبو بكر عن عاصم / مكاناتكم / بالجمع في كل القرآن وهو أمر تهديد والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم ) إني عامل ( ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد كأن ________________________________________ " صفحة رقم 455 " المهدد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي به إليه وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه ) فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ( إن جعل ) من ( استفهامية بمعنى أينا تكون له عاقبة الدار الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار فمحلها الرفع وفعل العلم معلق عنه وإن جعلت خبرية فالنصب ب ) تعلمون ( أي فسوف تعرفون الذي تكون له عاقبة الدار وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال وحسن الأدب وتنبيه على وثوق المنذر بأنه محق وقرأ حمزة والكسائي ) يكون ( بالياء لأنه تأنيث العاقبة غير حقيقي ) إنه لا يفلح الظالمون ( وضع الظالمين موضع الكافرين لأنه أعم وأكثر فائدة الأنعام : ( 136 ) وجعلوا لله مما . . . . . ) وجعلوا ( أي مشركوا العرب ) لله مما ذرأ ( خلق ) من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ( روي أنهم كانوا يعينون شيئا من حرث ونتائج لله ويصرفونه إلى الضيفان والمساكين وشيئا منهما لآلهتهم وينفقونه على سدنتها ويذبحونه عندها ثم إن رأوا ما عينوا لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبا لآلهتهم وفي قوله ) مما ذرأ ( تنبيه على فرط جهالتهم فإنهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شيء ثم رجحوه عليه بأن جعلوا الزاكي له وفي قوله ) بزعمهم ( تنبيه على أن ذلك مما اخترعوه لم يأمرهم الله به وقرأ الكسائي بالضم في الموضعين وهو لغة فيه وقد جاء فيه الكسر أيضا كالود والود ) ساء ما يحكمون ( حكمهم هذا ________________________________________ " صفحة رقم 456 " الأنعام : ( 137 ) وكذلك زين لكثير . . . . . ) وكذلك ( ومثل ذلك للتزيين في قسمة القربان ) زين لكثير من المشركين قتل أولادهم ( بالوأد ونحرهم لآلهتهم ) شركاؤهم ( من الجن أو من السدنة وهو فاعل ) زين ( وقرأ ابن عامر ) زين ( على البناء للمفعول الذي هو القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما بمفعوله وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورات الشعر كقوله " فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزاده " وقرئ بالبناء للمفعول وجر أولادهم ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه ) زين ( ) ليردوهم ( ليهلكوهم بالإغواء ) وليلبسوا عليهم دينهم ( وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل أو ما وجب عليهم أن يتدينوا به واللام للتعليل أن كان التزيين من الشياطين والعاقبة إن كان من السدنة ) ولو شاء الله ما فعلوه ( ما فعل المشركون ما زين لهم أو الشركاء التزيين أو الفريقان جميع ذلك ) فذرهم وما يفترون ( افتراءهم أو ما يفترونه من الإفك الأنعام : ( 138 ) وقالوا هذه أنعام . . . . . ) وقالوا هذه ( إشارة إلى ما جعل لآلهتهم ) أنعام وحرث حجر ( حرام فعل بمعنى مفعول كالذبح يستوي فيه الواحد والكثير والذكر والأنثى وقرئ ) حجر ( بالضم وحرج أي مضيق ) لا يطعمها إلا من نشاء ( يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء ) بزعمهم ( من غير حجة ) وأنعام حرمت ظهورها ( يعني البحائر والسوائب والحوامي ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( في الذبح وإنما يذكرون أسماء الأصنام عليها وقيل لا يحجون على ظهورها ) افتراء عليه ( نصب على المصدر لأن ما قالوا تقول على الله سبحانه وتعالى والجار متعلق ب ) قالوا ( أو بمحذوف هو صفة له أو على الحال أو على المفعول له والجار متعلق به أو بالمحذوف ) سيجزيهم بما كانوا يفترون ( بسببه أو بدله ________________________________________ " صفحة رقم 457 " الأنعام : ( 139 ) وقالوا ما في . . . . . ) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ( يعنون أجنة البحائر السوائب ) خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ( حلال للذكور خاصة دون الإناث إن ولد حيا لقوله ) وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ( فالذكور والإناث فيه سواء وتأنيث الخالصة للمعنى فإن ما في معنى الأجنة ولذلك وافق عاصم في رواية أبي بكر بن عامر في تكن بالتاء وخالفه هو وابن كثير في ) ميتة ( فنصب كغيرهم أو التاء فيه للمبالغة كما في رواية الشعر أو هو مصدر كالعافية وقع موقع الخالص وقرئ بالنصب على أنه مصدر مؤكد والخبر ) لذكورنا ( أو حال من الضمير الذي في الظرف لا من الذي في ذكورنا ولا من الذكور لأنها لا تتقدم على العامل المعنوي ولا على صاحبها المجرور وقرئ / خالصنا / بالرفع والنصب و ) خالصة ( بالرفع والإضافة إلى الضمير على أنه بدل من ها أو مبتدأ ثان والمراد ما كان حيا والتذكير في فيه لأن المراد بالميتة ما يعم الذكر والأنثى فغلب الذكر ) سيجزيهم وصفهم ( أي جزاء وصفهم الكذب على الله سبحانه وتعالى في التحريم والتحليل من قوله ) وتصف ألسنتهم الكذب ( ) إنه حكيم عليم ( ________________________________________ " صفحة رقم 458 " الأنعام : ( 140 ) قد خسر الذين . . . . . ) قد خسر الذين قتلوا أولادهم ( يريد بهم العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي والفقر وقرأ ابن كثير وابن عامر ) قتلوا ( بالتشديد بمعنى التكثير ) سفها بغير علم ( لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله سبحانه وتعالى رازق أولادهم لا هم ويجوز نصبه على الحال أو المصدر ) وحرموا ما رزقهم الله ( من البحائر ونحوها ) افتراء على الله ( يحتمل الوجوه المذكورة في مثله ) قد ضلوا وما كانوا مهتدين ( إلى الحق والصواب الأنعام : ( 141 ) وهو الذي أنشأ . . . . . ) وهو الذي أنشأ جنات ( من الكروم ) معروشات ( مرفوعات على ما يحملها ) وغير معروشات ( ملقيات على وجه الأرض وقيل المعروشات ما غرسه الناس فعرشوه وغير معروشات ما نبت في البراري والجبال ) والنخل والزرع مختلفا أكله ( ثمره الذي يؤكل في الهيئة والكيفية والضمير للزرع والباقي مقيس عليه أو النخل والزرع داخل في حكمه لكونه معطوفا عليه أو للجميع على تقدير أكل ذلك أو كل واحد منهما ومختلفا حال مقدرة لأنه لم يكن ذلك عند الإنشاء ) والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ( يتشابه بعض أفرادهما في اللون والطعم ولا يتشابه بعضهما ) كلوا من ثمره ( من ثمر كل واحد من ذلك ) إذا أثمر ( وإن لم يدرك ولم يينع بعد وقيل فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى ) وآتوا حقه يوم حصاده ( يريد به ما كان يتصدق به يوم الحصاد لا الزكاة المقدرة لأنها فرضت بالمدينة والآية مكية وقيل الزكاة والآية مدنية والأمر بإيتائها يوم الحصاد ليهتم به حينئذ حتى لا يؤخر عن وقت الأداء وليعلم أن الوجوب بالإدراك لا بالتنقية وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي ) حصاده ( بكسر الحاء وهو لغة فيه ) ولا تسرفوا ( في التصدق كقوله تعالى ) ولا تبسطها كل البسط ( ) إنه لا يحب المسرفين ( لا يرتضي فعلهم ________________________________________ " صفحة رقم 459 " الأنعام : ( 142 ) ومن الأنعام حمولة . . . . . ) ومن الأنعام حمولة وفرشا ( عطف على جنات أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره وقيل الكبار الصالحة للحمل والصغار الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها ) كلوا مما رزقكم الله ( كلوا مما أحل لكم منه ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( في التحليل والتحريم من عند أنفسكم ) إنه لكم عدو مبين ( ظاهرة العداوة الأنعام : ( 143 ) ثمانية أزواج من . . . . . ) ثمانية أزواج ( بدل من حمولة وفرشا أو مفعول كلوا ولا تتبعوا معترض بينهم أو فعل دل عليه أو حال من ما بمعنى مختلفة أو متعددة والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه وقد يقال لمجموعهما والمراد الأول ) من الضأن اثنين ( زوجين اثنين الكبش والنعجة وهو بدل من ثمانية وقرئ ) اثنان ( على الابتداء و ) الضأن ( اسم جنس كالإبل وجمعه ضئين أو جمع ضائن كتاجر وتجر وقرئ بفتح الهمزة وهو لغة فيه ) ومن المعز اثنين ( التيس والعنز وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالفتح وهو جمع ماعز كصاحب وصحب وحارس وحرس وقرئ / المعزى / ) قل آلذكرين ( ذكر الضأن وذكر المعز ) حرم أم الأنثيين ( أم أنثييهما ونصب الذكران والاثنين بحرم ) أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ( أو ما حملت إناث الجنسين ذكرا كان أو أنثى ) نبئوني بعلم ( بأمر معلوم يدل على أن الله تعالى حرم شيئا من ذلك ) إن كنتم صادقين ( دعوى التحريم عليه الأنعام : ( 144 ) ومن الإبل اثنين . . . . . ) ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ( كما سبق والمعنى إنكار أن الله حرم شيئا من الأجناس الأربعة ذكرا كان أو أنثى أو ما تحمل إناثها ردا عليهم فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة أخرى وأولادها كيف كانت تارة زاعمين أن الله حرمها ) أم كنتم شهداء ( بل أكنتم شاهدين حاضرين ) إذ وصاكم الله بهذا ( حين وصاكم بهذ التحريم إذ أنتم لا تؤمنون بنبي فلا طريق لكم إلى معرفة أمثالي ذلك إلا المشاهدة والسماع ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( فنسب إليه تحريم ما لم يحرم والمراد كبراؤهم المقررون لذلك أو عمرو بن ________________________________________ " صفحة رقم 460 " لحي بن قمعة المؤسس لذلك ) ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) الأنعام : ( 145 ) قل لا أجد . . . . . ) قل لا أجد فيما أوحي إلي ( أي في القرآن أو فيما أوحي إلي مطلقا وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى ) محرما ( طعاما محرما ) على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ( أن يكون الطعام ميتة وقرأ ابن كثير وحمزة تكون بالتاء لتأنيث الخبر وقرأ ابن عامر بالياء ورفع ال ) ميتة ( على أن كان هي التامة وقوله ) أو دما مسفوحا ( عطف على أن مع ما في حيزه أي إلا وجود ميتة أو دم مسفوحا أي مصبوبا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال ) أو لحم خنزير فإنه رجس ( فإن الخنزير أو لحمه قذر لتعدوه أكل النجاسة أو خبيث محنث ) أو فسقا ( عطف على لحم خنزير وما بينهما اعتراض للتعليل ) أهل لغير الله به ( صفة له موضحة وإنما سمي ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله في الفسق ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له من أهل وهو عطف على يكون والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون ) فمن اضطر ( فمن دعته ________________________________________ " صفحة رقم 461 " الضرورة إلى تناول شيء من ذلك ) غير باغ ( على مضطر مثله ) ولا عاد ( قدر الضرورة ) فإن ربك غفور رحيم ( لا يؤاخذه والآية محكمة لأنها تدل على أنه لم يجد فيما أوحي إلى تلك الغاية محرما غير هذه وذلك لا ينافي ورود التحريم في شيء أخر فلا يصح الاستدال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا على حل الأشياء غيرها إلا مع الاستصحاب الأنعام : ( 146 ) وعلى الذين هادوا . . . . . ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( كل ماله أصبع الإبل والسباع والطيور وقيل كل ذي مخلب وحافر وسمي الحافر ظفرا مجازا ولعل المسبب عن الظلم تعميم التحريم ) ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( الثروب وشحوم الكلى والإضافة لزيادة الربط ) إلا ما حملت ظهورهما ( إلا ما علقت بظهورهما ) أو الحوايا ( أو ما اشتمل على الأمعاء جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء وقواصع أو حوية كسفينة وسفائن وقيل هو عطف على شحومهما واو بمعنى الواو ) أو ما اختلط بعظم ( هو شحم الإلية لاتصالها بالعصعص ) ذلك ( التحريم أو الجزاء ) جزيناهم ببغيهم ( بسبب ظلمهم ) وإنا لصادقون ( في الإخبار أو الوعد والوعيد ________________________________________ " صفحة رقم 462 " الأنعام : ( 147 ) فإن كذبوك فقل . . . . . ) فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ( يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بإمهاله فإنه لا يهمل ) ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ( حين ينزل أو ذو رحمة واسعة على المطيعين وذو بأس شديد على المجرمين فأقام مقامه ولا يرد بأسه لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة على أنه لازب بهم لا يمكن رده عنهم الأنعام : ( 148 ) سيقول الذين أشركوا . . . . . ) سيقول الذين أشركوا ( إخبار عن مستقبل ووقوع مخبره يدل على إعجازه ) لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ( أي لو شاء خلاف ذلك مشيئة ارتضاء كقوله ) فلو شاء لهداكم أجمعين ( لما فعلنا نحن ولا آباؤنا أرادوا بذلك أنهم على ________________________________________ " صفحة رقم 463 " الحق المشروع المرضي عند الله لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله إياها منهم حتى ينهض ذمهم به دليلا للمعتزلة ويؤيده ذلك قوله ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أي مثل هذا التكذيب لك في أن الله تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرموه كذب الذين من قبلهم الرسل وعطف آباؤنا على الضمير في أشركنا من غير تأكيد للفصل بلا ) حتى ذاقوا بأسنا ( الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم ) قل هل عندكم من علم ( من أمر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعمتم ) فتخرجوه لنا ( فتظهروه لنا ) إن تتبعون إلا الظن ( ما تتبعون في ذلك إلا الظن ) وإن أنتم إلا تخرصون ( تكذبون على الله سبحانه وتعالى وفيه دليل على المنع من اتباع الظن سيما في الأصول ولعل ذلك حيث يعارضه قاطع إذ الآية فيه الأنعام : ( 149 ) قل فلله الحجة . . . . . ) قل فلله الحجة البالغة ( البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات أو بلغ بها صاحبها صحة دعواه وهي من الحج بمعنى القصد كأنها تقصد إثبات الحكم وتطلبه ) فلو شاء لهداكم أجمعين ( بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم وضلال آخرين الأنعام : ( 150 ) قل هلم شهداءكم . . . . . ) قل هلم شهداءكم ( أحضروهم وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز وفعل يؤنث ويجمع عند بني تميم وأصله عند البصريين ها لم من لم إذا قصد حذفت ________________________________________ " صفحة رقم 464 " الألف لتقدير السكون في اللام فإنه الأصل وعند الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام وهو بعيد لأن هل لا تدخل الأمر ويكون متعديا كما في الآية ولازما كقوله هلم إلينا ) الذين يشهدون أن الله حرم هذا ( يعني قدوتهم فيه استحضرهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم ) فإن شهدوا فلا تشهد معهم ( فلا تصدقهم فيه وبني لهم فساده فإن تسليمه موافقة لهم في الشهادة الباطلة ) ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ( من وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن مكذب الآيات متبع الهوى لا غير وأن متبع الحجة لا يكون إلا مصدقا بها ) والذين لا يؤمنون بالآخرة ( كعبدة الأوثان ) وهم بربهم يعدلون ( يجعلون له عديلا الأنعام : ( 151 ) قل تعالوا أتل . . . . . ) قل تعالوا ( أمر من التعالي وأصله أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل فاتسع فيه بالتعميم ) أتل ( أقرأ ) ما حرم ربكم ( منصوب بأتل وما تحتمل الخبرية والمصدرية ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول ) أتل ( لأنه بمعنى أقل فكأنه قيل أتل أي شيء حرم ربكم ) عليكم ( متعلق ب ) حرم ( أو ) أتل ( ) ألا تشركوا به ( أي لا تشركوا به ليصح عطف الأمر عليه ولا يمنعه تعليق الفعل المفسر ب ) ما حرم ( ________________________________________ " صفحة رقم 465 " فإن التحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضددها ومن جعل أن ناصبة فمحلها النصب بعليكم على أنه للإغراء أو البدل من ) ما ( أو من عائده المحذوف على أن لا زائدة والجر بتقدير اللام أو الرفع على تقدير المتلو أن لا تشركوا أو المحرم أن تشركوا ) شيئا ( يحتمل المصدر والمفعول ) وبالوالدين إحسانا ( أي وأحسنوا بهما إحسانا وضعه موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( من أجل فقر ومن خشية كقوله ) خشية إملاق ( ) نحن نرزقكم وإياهم ( منع لموجبية ما كانوا يفعلون لأجله واحتجاج عليه ) ولا تقربوا الفواحش ( كبائر الذنوب أو الزنا ) ما ظهر منها وما بطن ( بدل منه وهو مثل قوله ) ظاهر الإثم وباطنه ( ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( كالقود وقتل المرتد ورجم المحصن ) ذلكم ( إشارة إلى ما ذكر مفصلا ) وصاكم به ( بحفظه ) لعلكم تعقلون ( ترشدون فإن كمال العقل هو الرشد الأنعام : ( 152 ) ولا تقربوا مال . . . . . ) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( أي بالفعلة التي هي أحسن ما يفعل بماله ________________________________________ " صفحة رقم 466 " كحفظه وتثميره ) حتى يبلغ أشده ( حتى يصير بالغا وهو جمع شدة كنعمة وأنعم أو شد كصر وأصر وقيل مفرد كأنك ) وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ( بالعدل والتسوية ) لا نكلف نفسا إلا وسعها ( إلا ما يسعها ولا يعصر عليها وذكره عقيب الأمر معناه أن إيفاء الحق عسر عليكم فعليكم بما في وسعكم وما وراءه معفو عنكم ) وإذا قلتم ( في حكومة ونحوها ) فاعدلوا ( فيه ) ولو كان ذا قربى ( ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم ) وبعهد الله أوفوا ( يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع ) ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ( تتعظون به وقرأ حمزة وحفص والكسائي ) تذكرون ( بتخفيف الذال حيث وقع إذا كان بالتاء والباقون بتشديدها الأنعام : ( 153 ) وأن هذا صراطي . . . . . ) وأن هذا صراطي مستقيما ( الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة وقرأ حمزة والكسائي ) إن ( بالكسر على الاستئناف وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف وقرأ الباقون بها مشددة بتقدير اللام على أنه علة لقوله ) فاتبعوه ( وقرأ ابن عامر ) صراطي ( بفتح الياء وقرأ / وهذا صراطي / / وهذا صراط ربكم / ) وهذا صراط ربك ( ) ولا تتبعوا السبل ( الأديان ________________________________________ " صفحة رقم 467 " المختلفة أو الطرق التابعة للهوى فإن مقتضى الحجة واحد ومقتضى الهوى متعدد لاختلاف الطبائع والعادات ) فتفرق بكم ( فتفرقكم وتزيلكم ) عن سبيله ( الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان ) ذلكم ( الاتباع ) وصاكم به لعلكم تتقون ( الضلال والتفرق عن الحق الأنعام : ( 154 ) ثم آتينا موسى . . . . . ) ثم آتينا موسى الكتاب ( عطف على ) وصاكم ( وثم للتراخي في الإخبار أو للتفاوت في الرتبة كأنه قيل ذلكم وصاكم به قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك ) وإذ آتينا موسى الكتاب ( ) تماما ( للكرامة والنعمة ) على الذي أحسن ( على كل من أحسن القيام به ويؤيده إن قرئ / على الذين أحسنوا / أو / على الذي أحسن تبليغه / وهو موسى عليه أفضل الصلاة والسلام ) تماما على الذي أحسن ( أي أجاده من العلم والتشريع أي زيادة على علمه إتماما له وقرئ بالرفع على أن خبر مبتدأ محذوف أي / على الذي هو أحسن / أو على الوجه الذي هو حسن ما يكون عليه الكتب ) وتفصيلا لكل شيء ( ________________________________________ " صفحة رقم 468 " وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه في الدين وهو عطف على تمام ونصبهما يحتمل العلة والحال والمصدر ) وهدى ورحمة لعلهم ( لعل بني إسرائيل ) بلقاء ربهم يؤمنون ( أي بلقائه للجزاء الأنعام : ( 155 ) وهذا كتاب أنزلناه . . . . . ) وهذا كتاب ( يعني القرآن ) أنزلناه مبارك ( كثير النفع ) فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ( بواسطة اتباعه وهو العمل بما فيه الأنعام : ( 156 ) أن تقولوا إنما . . . . . ) أن تقولوا ( كراهة أن تقولوا علة لأنزلناه ) إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ( اليهود والنصارى ولعل الاختصاص في ) إنما ( لأن الباقي المشهود حنيئذ من الكتب السماوية لم يكن غير كتبهم ) وإن كنا ( إن هي المخففة من الثقيلة ولذلك دخلت اللام الفارقة في خبر كان أي وإنه كنا ) عن دراستهم ( قراءتهم ) لغافلين ( لا ندري ما هي أو لا تعرف مثلها الأنعام : ( 157 ) أو تقولوا لو . . . . . ) أو تقولوا ( عطف على الأول ) لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ( لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والأشعار والخطب على أن أميون ) فقد جاءكم بينة من ربكم ( حجة واضحة تعرفونها ) وهدى ورحمة ( لمن تأمل فيه وعمل به ) فمن أظلم ممن كذب بآيات الله ( بعد أن عرف صحتها أو تكمن من معرفتها ) وصدف ( أعرض أوصد ) عنها ( فضل أو أفضل ) سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ( شدته ) بما كانوا يصدفون ( بإعراضهم أو صدهم الأنعام : ( 158 ) هل ينظرون إلا . . . . . ) هل ينظرون ( أي ما ينتظرون يعني أهل مكة وهم ما كانوا منتظرين لذلك ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين ) إلا أن تأتيهم الملائكة ( ملائكة الموت ________________________________________ " صفحة رقم 469 " أو العذاب وقرأ حمزة والكسائي بالياء هنا وفي النحل ) أو يأتي ربك ( أي أمر بالعذاب أو كل آية يعني آيات القيامة والهلاك الكلي لقوله ) أو يأتي بعض آيات ربك ( يعني أشراط الساعة وعن حذيفة بن اليمان والبراء بن عازب كنا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ما تذاكرون فقلنا نتذاكر الساعة قال فإنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات الدخان ودابة الأرض وخسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ونار تخرج من عدن ) يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها ( كالمحتضر إذا صار الأمر عيانا والإمام برهاني وقرأ ) تنفع ( بالتاء لإضافة الإيمان إلى ضمير المؤنث ) لم تكن آمنت من قبل ( صفة نفسا ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( عطف على ) آمنت ( والمعنى أنه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا وهو دليل لمن لم يعتبر الإيمان المجرد عن العمل وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم وحمل الترديد على اشتراط النفع بأحد الأمرين على معنى لا ينفع نفسا خلت عنها إيمانها والعطف على لم تكن بمعنى لا ينفع ________________________________________ " صفحة رقم 470 " نفسا إيمانها الذي حدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيرا ) قل انتظروا إنا منتظرون ( وعيد لهم أي انتظروا إتيان أحد الثلاثة فإن منتظرون له وحينئذ لنا الفوز وعليكم الويل الأنعام : ( 159 ) إن الذين فرقوا . . . . . ) إن الذين فرقوا دينهم ( بددوه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض أو افترقوا فيه قال ( صلى الله عليه وسلم ) افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وقرأ حمزة والكسائي / فارقوا / أي باينوا ) وكانوا شيعا ( فرقا تشيع كل فرقة إماما ) لست منهم في شيء ( أي من السؤال ________________________________________ " صفحة رقم 471 " عنهم وعن تفرقهم أو من عقابهم أو أنت بريء منهم وقيل هو نهي عن التعرض لهم وهو منسوخ بآية السيف ) إنما أمرهم إلى الله ( يتولى جزاءهم ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون بالعقاب الأنعام : ( 160 ) من جاء بالحسنة . . . . . ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( أي عشر حسنات أمثالها فضلا من الله وقرأ يعقوب ) عشرة ( بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل المراد بالعشر الكثرة دون العدد ) ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ( قضية للعدل ) وهم لا يظلمون ( بنقص الثواب وزيادة العقاب الأنعام : ( 161 ) قل إنني هداني . . . . . ) قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ( بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج ) دينا ( بدل من محل إلى صراط إذ المعنى هداني صراطا كقوله ) ويهديكم صراطا مستقيما ( أو مفعول فعل مضمر دل عليه الملفوظ ) قيما ( فيعل من قام كسيد من ساد وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزنة والمستقيم باعتبار الصيغة وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ) قيما ( على أنه مصدر نعت به وكان قياسه قوما كعوض فاعل لإعلال فعله كالقيام ) ملة إبراهيم ( عطف بيان لدينا ) حنيفا ( حال من إبراهيم ) وما كان من المشركين ( عطف عليه ________________________________________ " صفحة رقم 472 " الأنعام : ( 162 - 163 ) قل إن صلاتي . . . . . ) قل إن صلاتي ونسكي ( عبادتي كلها أو قرباني أو حجي ) ومحياي ومماتي ( وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير أو الحياة والممات أنفسهما وقرأ نافع / محياي / بإسكان الياء إجراء للوصل مجرى الوقف ) لله رب العالمين لا شريك له ( خالصة له لا أشرك فيها غيرا ) وبذلك ( القول أو الإخلاص ) أمرت وأنا أول المسلمين ( لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته الأنعام : ( 164 ) قل أغير الله . . . . . ) قل أغير الله أبغي ربا ( فأشركه في عبادتي وهو جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم ) وهو رب كل شيء ( حال في موضع العلة للإنكار والدليل له أي وكل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية ) ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( فلا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه من ذلك ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( جواب عن قولهم ) اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ( ) ثم إلى ربكم مرجعكم ( يوم القيامة ) فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ( بتبيين الرشد من الغي وتمييز المحق من المبطل الأنعام : ( 165 ) وهو الذي جعلكم . . . . . ) وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ( يخلف بعضكم بعضا أو خلفاء الله في أرضه تتصرفون فيها على أن الخطاب عام أو خلفاء الأمم السالفة على أن الخطاب للمؤمنين ) ورفع بعضكم فوق بعض درجات ( في الشرف والغنى ) ليبلوكم في ما آتاكم ( من الجاه والمال ) إن ربك سريع العقاب ( لأن ما هو آت قريب أو لأنه يسرع إذا أراده ) وإنه لغفور رحيم ( وصف العقاب ولم يصفه إلى نفسه ووصف ذاته بالمغفرة وضم إليه ________________________________________ " صفحة رقم 473 " الوصف بالرحمة وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكدة تنبيها على أنه تعالى غفور بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها كثير العقوبة مسامح فيها عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد فمن قرأ الأنعام صلى عليه واستغفر له أولئك السبعون ألف ملك بعدد كل آية من سورة الأنعام يوما وليلة ________________________________________