تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت) الكتاب : تفسير البيضاوى ـ موافق للمطبوع المؤلف : البيضاوي دار النشر : دار الفكر - بيروت عدد الأجزاء / 5 [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ] " صفحة رقم 3 " مقدمة سورة الأعراف مكية غير ثمان آيات من قوله ) واسألهم ( إلى قوله ) وإذ نتقنا الجبل ( محكمة كلها وقيل إلا قوله ) وأعرض عن الجاهلين ( وآيها مائتان وخمس أو ست آيات الأعراف : ( 1 ) المص ) المص ( سبق الكلام في مثله الأعراف : ( 2 ) كتاب أنزل إليك . . . . . ) كتاب ( خبر مبتدأ محذوف أي هو كتاب أو خبر ) المص ( والمراد به السورة أو القرآن ) أنزل إليك ( صفته ) فلا يكن في صدرك حرج منه ( أي شك فإن الشك حرج الصدر أو ضيق قلب من تبليغه مخافة أن تكذب فيه أو تقصر في القيام بحقه وتوجيه النهي إليه للمبالغة كقولهم لا أرينك ها هنا والفاء تحتمل العطف والجواب فكأنه قيل ________________________________________ " صفحة رقم 4 " إذا نزل إليك لتنذر به فلا يحرج صدرك ) لتنذر به ( متعلق بأنزل أو بلا يكن لأنه إذا أيقن انه من عند الله جسر على الإنذار وكذا إذا لم يخفهم أو علم أنه موفق للقيام بتبليغه ) وذكرى للمؤمنين ( يحتمل النصب بإضمار فعلها أي لتنذر وتذكر ذكرى فإنها بمعنى التذكير والجر عطفا على محل تنذر والرفع عطفا على كتاب أو خبرا لمحذوف الأعراف : ( 3 ) اتبعوا ما أنزل . . . . . ) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ( يعم القرآن والسنة لقوله سبحانه وتعالى ) وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( ) ولا تتبعوا من دونه أولياء ( يضلونكم من الجن والإنس وقيل الضمير في ) من دونه ( ل ) ما أنزل ( أي ولا تتبعوا من دون دين الله دين أولياء وقرئ ولا تبتغوا ) قليلا ما تذكرون ( أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تذكرون حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره وما مزيدة لتأكيد القلة وان جعلت مصدرية لم ينتصب ) قليلا ( ب ) تذكرون ( وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ) تذكرون ( بحذف التاء وابن عامر يتذكرون على أن الخطاب بعد مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأعراف : ( 4 ) وكم من قرية . . . . . ) وكم من قرية ( وكثيرا من القرى ) أهلكناها ( أردنا إهلاك أهلها أو أهلكناها بالخذلان ) فجاءها ( فجاء أهلها ) بأسنا ( عذابنا ) بياتا ( بائتين كقوم لوط مصدر ________________________________________ " صفحة رقم 5 " وقع موقع الحال ) أو هم قائلون ( عطف عليه أي قائلين نصف النهار كقوم شعيب وانما حذفت واو الحال استثقالا لاجتماع حرفي العطف فإنها واو عطف استعيرت للوصل لا اكتفاء بالضمير فإنه غير فصيح وفي التعبيرين مبالغة في غفلتهم وأمنهم من العذاب ولذلك خص الوقتين ولأنهما وقت دعة واستراحة فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع الأعراف : ( 5 ) فما كان دعواهم . . . . . ) فما كان دعواهم ( أي دعاؤهم واستغاثتهم أو ما كانوا يدعونه من دينهم ) إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ( إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وبطلانه تحسرا عليهم الأعراف : ( 6 ) فلنسألن الذين أرسل . . . . . ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ( عن قبول الرسالة وإجابتهم الرسل ) ولنسألن المرسلين ( عما أجيبوا به والمراد عن هذا السؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والمنفي في قوله ) ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( سؤال استعلام أو الأول في موقف الحساب وهذا عند حصولهم على العقوبة ________________________________________ " صفحة رقم 6 " الأعراف : ( 7 ) فلنقصن عليهم بعلم . . . . . ) فلنقصن عليهم ( على الرسل حين يقولون ) لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ( أو على الرسل والمرسل إليهم ما كانوا عليه ) بعلم ( عالمين بظواهرهم وبواطنهم أو بمعلومنا منهم ) وما كنا غائبين ( عنهم فيخفي علينا شيء من أحوالهم الأعراف : ( 8 ) والوزن يومئذ الحق . . . . . ) والوزن ( أي القضاء أو وزن الأعمال وهو مقابلتها بالجزاء والجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر إليه الخلائق إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وتشهد بها جوارحهم ويؤيده ما روي أن الرجل يؤتى به إلى الميزان فينشر عليه تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وقيل توزن الأشخاص لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال إنه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) يومئذ ( خبر المبتدأ الذي هو الوزن ) الحق ( صفته أو خبر محذوف ومعناه العدل السوي ) فمن ثقلت موازينه ( ________________________________________ " صفحة رقم 7 " حسناته أو ما يوزن به حسناته فهو جمع موزون أو ميزان وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن ) فأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالنجاة والثواب الأعراف : ( 9 ) ومن خفت موازينه . . . . . ) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ( بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها واقتراف ما عرضها للعذاب ) بما كانوا بآياتنا يظلمون ( فيكذبون بدل التصديق الأعراف : ( 10 ) ولقد مكناكم في . . . . . ) ولقد مكناكم في الأرض ( أي مكانكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها ) وجعلنا لكم فيها معايش ( أسبابا تعيشون بها جمع معيشة وعن نافع أنه همزة تشبيها بما الياء فيه زائدة كصحائف ) قليلا ما تشكرون ( فيما صنعت إليكم الأعراف : ( 11 ) ولقد خلقناكم ثم . . . . . ) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ( أي خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ثم صورناه نزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا آدم ثم صورناه ) ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( وقيل ثم لتأخير الإخبار ) فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ( ممن سجد لآدم الأعراف : ( 12 ) قال ما منعك . . . . . ) قال ما منعك ألا تسجد ( أي أن تسجد ولا صلة مثلها في لئلا يعلم مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود وقيل الممنوع عن الشيء مضطر إلى خلافة فكأنه قيل ما اضطرك إلى ألا تسجد ) إذ أمرتك ( دليل على أن ________________________________________ " صفحة رقم 8 " مطلق الأمر للوجوب والفور ) قال أنا خير منه ( جواب من حيث المعنى استأنف به استبعادا لأن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله كأنه قال المانع أني خير منه ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول فكيف يحسن أن يؤمر به فهو الذي سن التكبر وقال بالحسن والقبح العقليين أولا ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( تعليل لفضله عليه وقد غلط في ذلك بأن رأى الفضل كله باعتبار العنصر وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليها بقوله تعالى ) ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( أي بغير واسطة وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله ) ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( وباعتبار الغاية وهو ملاكه ولذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم انه اعلم منهم وان له خواص ليست لغيره والآية دليل الكون والفساد وان الشياطين أجسام كائنة ولعل إضافة خلق الإنسان إلى الطين والشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب ________________________________________ " صفحة رقم 9 " الأعراف : ( 13 ) قال فاهبط منها . . . . . ) قال فاهبط منها ( من السماء أو الجنة ) فما يكون لك ( فما يصح ) أن تتكبر فيها ( وتعصي فإنها مكان الخاشع والمطيع وفيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة وانه سبحانه وتعالى إنما طرده وأهبطه لتكبره لا لمجرد عصيانه ) فاخرج إنك من الصاغرين ( ممن أهانه الله لتكبره قال عليه الصلاة والسلام من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه الله الأعراف : ( 14 ) قال أنظرني إلى . . . . . ) قال أنظرني إلى يوم يبعثون ( أمهلني إلى يوم القيامة فلا تمتني أو لا تعجل عقوبتي الأعراف : ( 15 ) قال إنك من . . . . . ) قال إنك من المنظرين ( يقتضي الإجابة إلى ما سأله ظاهرا لكنه محمول على ما جاء مقيدا بقوله تعالى ) إلى يوم الوقت المعلوم ( وهو النفخة الأولى أو وقت يعلم الله انتهاء اجله فيه وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته الأعراف : ( 16 ) قال فبما أغويتني . . . . . ) قال فبما أغويتني ( أي بعد أن أمهلتني لاجتهدن في إغوائهم بأي طريق يمكنني بسبب إغوائك إياي بواسطتهم تسمية أو حملا على الغي أو تكليفا بما غويت لأجله والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف بأقعدن فإن فإن اللام تصد عنه وقيل الباء للقسم ) لأقعدن لهم ( ترصدا بهم كما ________________________________________ " صفحة رقم 10 " يقعد القطاع للسابلة ) صراطك المستقيم ( طريق الإسلام ونصبه على الظرف كقوله " لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب " وقيل تقديره على صراطك كقولهم ضرب زيد الظهر والبطن الأعراف : ( 17 ) ثم لآتينهم من . . . . . ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ( أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقيل لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لأن الإتيان منه يوحش الناس وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من قبل الدنيا وعن إيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم ويحتمل أن يقال من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم وانما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما موجة إليهم ________________________________________ " صفحة رقم 11 " وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم ونظيره قولهم جلست عن يمينه ) ولا تجد أكثرهم شاكرين ( مطيعين وانما قاله ظنا لقوله تعالى ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددا ومبدأ الخير واحدا وقيل سمعه من الملائكة الأعراف : ( 18 ) قال اخرج منها . . . . . ) قال اخرج منها مذؤوما ( مذموما من ذأمه إذا ذمه وقرئ مذوما كمسول في مسؤول أو كمكول في مكيل من ذامه يذيمه ذيما ) مدحورا ( مطرودا ) لمن تبعك منهم ( اللام فيه لتوطئة القسم وجوابه ) لأملأن جهنم منكم أجمعين ( وهو ساد مسد جواب الشرط وقرئ ) لمن ( بكسر اللام على أنه خبر لأملأن على معنى لمن تبعك هذا الوعيد أو علة لأخرج ولأملأن جواب قسم محذوف ومعنى منكم ومنهم فغلب المخاطب الأعراف : ( 19 ) ويا آدم اسكن . . . . . ) ويا آدم ( أي وقلنا يا آدم ) اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ( وقرئ هذين وهو الأصل لتصغيره على ذيا والهاء بدل من الياء ) فتكونا من الظالمين ( فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم وتكونا يحتمل الجزم على العطف والنصب على الجواب الأعراف : ( 20 ) فوسوس لهما الشيطان . . . . . ) فوسوس لهما الشيطان ( أي فعل الوسوسة لاجلهما وهي في الأصل الصوت ________________________________________ " صفحة رقم 12 " الخفي كالهينمة والخشخشة ومنه وسوس الحلي وقد سبق في سورة البقرة كيفية وسوسته ) ليبدي لهما ( ليظهر لهما واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضا بوسوسته أن يسوأهما بانكشاف عورتيهما ولذلك عبر عنهما بالسوأة وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع ) ما ووري عنهما من سوآتهما ( ما غطي عنهما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وانما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور كما قلبت في أو يصل تصغير واصل لان الثانية مدة وقرئ ) سوآتهما ( بحذف الهمزة والقاء حركتها على الواو وسوآتهما بقلبها واوا وادغام الواو الساكنة فيها ) وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ( إلا كراهة أن تكونا ) ملكين أو تكونا من الخالدين ( الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة واستدل به على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وجوابه أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وانما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أيضا ما للملائكة من الكمالات الفطرية والاستغناء عن الاطعمة والاشربة وذلك لا يدل على فضلهم مطلقا الأعراف : ( 21 ) وقاسمهما إني لكما . . . . . ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( أي اقسم لهما على ذلك وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة وقيل اقسما له بالقبول وقيل اقسما عليه بالله انه لمن الناصحين فأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة ________________________________________ " صفحة رقم 13 " الأعراف : ( 22 ) فدلاهما بغرور فلما . . . . . ) فدلاهما ( فنزلهما إلى الاكل من الشجرة نبه به على انه اهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة فإن التدلية والادلاء ارسال الشيء من أعلى إلى أسفل ) بغرور ( بما غرهما به من القسم فإنهما ظنا أن احدا لا يحلف بالله كاذبا أو ملتبسين بغرور فلما ذاقا وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة أو الكرم أو غيرهما وان اللباس كان نورا أو حلة أو ظفرا ) وطفقا يخصفان ( أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة ) عليهما من ورق الجنة ( قيل كان ورق التين وقرئ ) يخصفان ( من أخصف أي يخصفان انفسهما ويخصفان من خصف ويخصفان واصله يختصفان ) وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ( عتاب على مخالفة النهي وتوبيخ على الاغترار بقول العدو وفيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم الأعراف : ( 23 ) قالا ربنا ظلمنا . . . . . ) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ( اضررناها بالمعصية والتعريض للاخراج من الجنة ) وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( دليل على أن الصغائر معاقب عليها أن لم تغفر وقالت المعتزلة لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر ولذلك قالوا إنما قالا ذلك على عادة المقربين في استعظام الصغير من السيئات واستحقار العظيم من الحسنات الأعراف : ( 24 ) قال اهبطوا بعضكم . . . . . ) قال اهبطوا ( الخطاب لآدم وحواء وذريتهما أو لهما ولابليس كرر الأمر له تبعا ليعلم انهم قرناء أبدا وأخبر عما قال لهم متفرقا ) بعضكم لبعض عدو ( في موضع الحال أي متعادين ) ولكم في الأرض مستقر ( استقرار أي موضع استقرار ) ومتاع ( وتمتع ) إلى حين ( إلى أن تقضى آجالكم الأعراف : ( 25 ) قال فيها تحيون . . . . . ) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ( للجزاء وقرأ حمزة والكسائي ________________________________________ " صفحة رقم 14 " وابن ذكوان ) ومنها تخرجون ( وفي الزخرف كذلك ) تخرجون ( بفتح التاء وضم الراء الأعراف : ( 26 ) يا بني آدم . . . . . ) يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ( أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية واسباب نازلة ونظيره قوله تعالى ) وأنزل لكم من الأنعام ( وقوله تعالى ) وأنزلنا الحديد ( ) يواري سوآتكم ( التي قصد الشيطان ابداءها ويغنيكم عن خصف الورق روي أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنزلت ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء اصاب الإنسان من الشيطان وانه اغواهم في ذلك كما اغوى ابويهم ) وريشا ( ولباسا تتجملون به والريش الجمال وقيل مالا ومنه تريش الرجل إذا تمول وقرئ / رياشا / وهو جمع ريش كشعب وشعاب ) ولباس التقوى ( خشية الله وقيل الإيمان وقيل السمت الحسن وقيل لباس الحرب ورفعه بالأبتداء وخبره ) ذلك خير ( أو خبر وذلك صفته كأنه قيل ولباس التقوى المشار إليه خير وقرأ نافعوابن عامر والكسائي ) ولباس التقوى ( بالنصب عطفا على ) لباسا ( ) ذلك ( أي انزال اللباس ) من آيات الله ( الدالة على فضله ورحمته ) لعلهم يذكرون ( فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح الأعراف : ( 27 ) يا بني آدم . . . . . ) يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ( لا يمتحننكم بأن يمنعكم دخول الجنة بإغوائكم ) كما أخرج أبويكم من الجنة ( كما محن ابويكم بأن أخرجهما منها والنهي في اللفظ ________________________________________ " صفحة رقم 15 " للشيطان والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتنان به ) ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما ( حال من ) أخرج أبويكم ( أو من فاعل ) اخرج ( واسناد النزع إليه للتسبب ) إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( تعليل للنهي وتأكيد للتحذير من فتنته وقبيله جنوده ورؤيتهم ايانا من حيث لا نراهم في الجملة لا تقتضي امتناع رؤيتهم وتمثلهم لنا ) إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ( بما وجدنا بينهم من التناسب أو بإرسالهم عليهم وتمكينهم من خذلانهم وحملهم على ما سولوا لهم والاية مقصود القضة وفذلكة الحكاية الأعراف : ( 28 ) وإذا فعلوا فاحشة . . . . . ) وإذا فعلوا فاحشة ( فعلة متناهية في القبح كعبادة الصنم وكشف العورة في الطواف ) قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ( اعتذروا واحتجوا بأمرين تقليد الآباء والافتراء على الله سبحانه وتعالى فأعرض عن الأول لظهور فساده ورد الثاني بقوله ) قل إن الله لا يأمر بالفحشاء ( لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال والحث على مكارم الخصال ولا دلالة عليه على أن اقبح الفعل بمعنى ترتب الذم عليه آجلا عقلي فإن المراد بالفاحشة ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم وقيل هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها لم فعلتم فقالوا وجدنا عليها آباءنا فقيل ومن أين أخذ آباؤكم فقالوا الله أمرنا بها وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقا ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( انكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 16 " الأعراف : ( 29 ) قل أمر ربي . . . . . ) قل أمر ربي بالقسط ( بالعدل وهو الوسط من كل أمر المتجافي عن طرفي الافراط والتفريط ) وأقيموا وجوهكم ( وتوجهوا إلى عبادته مستقيمين غير عادلين إلى غيرها أو اقيموها نحو القبلة ) عند كل مسجد ( في كل وقت سجود أو مكانه وهو الصلاة أو في أي مسجد حضرتكم الصلاة ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم ) وادعوه ( واعبدوه ) مخلصين له الدين ( أي الطاعة فإن إليه مصيركم ) كما بدأكم ( كما أنشأكم ابتداء ) تعودون ( بإعادته فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة وانما شبه الاعادة بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها وقيل كما بدأكم من التراب تعودون إليه وقيل كما بدأكم حفاة عراة تعودون وقيل كما بدأكم مؤمنا وكافرا يعيدكم الأعراف : ( 30 ) فريقا هدى وفريقا . . . . . ) فريقا هدى ( بأن وفقهم للايمان ) وفريقا حق عليهم الضلالة ( بمقتضى القضاء السابق وانتصابه بفعل يفسره ما بعده أي وخذل فريقا ) إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ( تعليل لخذلانهم أو تحقيق لضلالهم ) ويحسبون أنهم مهتدون ( يدل على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر ________________________________________ " صفحة رقم 17 " الأعراف : ( 31 ) يا بني آدم . . . . . ) يا بني آدم خذوا زينتكم ( ثيابكم لمواراة عورتكم ) عند كل مسجد ( لطواف أو صلاة ومن السنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئة للصلاة وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة ) وكلوا واشربوا ( ما طاب لكم روي أن بني عامر في أيام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت ) ولا تسرفوا ( بتحريم الحلال أو بالتعدي إلى الحرام أو بإفراط الطعام والشره عليه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وقال علي بن الحسين بن واقد قد جمع الله الطب في نصف آية فقال ) وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ( ) إنه لا يحب المسرفين ( أي لا يرتضي فعلهم الأعراف : ( 32 ) قل من حرم . . . . . ) قل من حرم زينة الله ( من الثياب وسائر ما يتجمل به ) التي أخرج لعباده ( من النبات كالقطن والكتان والحيوان كالحرير والصوف والمعادن كالدروع ) والطيبات من الرزق ( المستلذات من المآكل والمشارب وفيه دليل على أن الأصل في المطاعم والملابس وانواع التجملات الاباحة لان الاستفهام في من للانكار ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( بالاصالة والكفرة وان شاركوهم فيها فتبع ) خالصة يوم القيامة ( لا يشاركهم فيها غيرهم وانتصابها على الحال وقرأ نافع بالرفع على إنها خبر بعد خبر ) كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ( أي كتفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام لهم الأعراف : ( 33 ) قل إنما حرم . . . . . ) قل إنما حرم ربي الفواحش ( ما تزايد قبحه وقيل ما يتعلق بالفروج ) ما ظهر منها وما بطن ( جهرها وسرها ) والإثم ( وما يوجب الاثم تعميم بعد تخصيص وقيل شرب ________________________________________ " صفحة رقم 18 " الخمر ) والبغي ( الظلم أو الكبر أفرده بالذكر للمبالغة ) بغير الحق ( متعلق بالبغي مؤكد له معنى ) وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ( تهكم بالمشركين وتنبيه على تحريم اتباع ما لم يدل عليه برهان ) وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( بالالحاد في صفاته سبحانه وتعالى والافتراء عليه كقولهم ) والله أمرنا بها ) الأعراف : ( 34 ) ولكل أمة أجل . . . . . ) ولكل أمة أجل ( مدة أو وقت نزول العذاب بهم وهو وعيد لأهل مكة ) فإذا جاء أجلهم ( انقرضت مدتهم أو حان وقتهم ) لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( أي لا يتأخرون ولا يتقدمون اقصر وقت أو لا يطلبون التأخر والتقدم لشدة الهول الأعراف : ( 35 ) يا بني آدم . . . . . ) يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ( شرط ذكره بحرف الشك للتنبيه على أن اتيان الرسل أمر جائز غير واجب كما ظنه أهل التعليم وضمت إليها ما لتأكيد معنى الشرط ولذلك اكد فعلها بالنون وجوابه ) فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) الأعراف : ( 36 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . . ) والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( والمعنى فمن اتقى التكذيب واصلح عمله منكم والذين كذبوا بآياتنا منكم وادخال الفاء في الخبر الأول دون الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد ________________________________________ " صفحة رقم 19 " الأعراف : ( 37 ) فمن أظلم ممن . . . . . ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ( ممن تقول على الله ما لم يقله أو كذب ما قاله ) أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ( مما كتب لهم من الأرزاق والاجال وقيل الكتاب اللوح المحفوظ أي مما اثبت لهم فيه ) حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ( أي يتوفون ارواحهم وهو حال من الرسل وحتى غاية لنيلهم وهي التي يبتدأ بعدها الكلام ) قالوا ( جواب إذا ) أين ما كنتم تدعون من دون الله ( أي أين الالهة التي كنتم تعبدونها وما وصلت بأين في خط المصحف وحقها الفصل لأنها موصولة ) قالوا ضلوا عنا ( غابوا عنا ) وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( اعترفوا بأنهم كانوا ضالين فيما كانوا عليه الأعراف : ( 38 ) قال ادخلوا في . . . . . ) قال ادخلوا ( أي قال الله تعالى لهم يوم القيامة أو أحد من الملائكة ) في أمم قد خلت من قبلكم ( أي كائنين في جملة امم مصاحبين لهم يوم القيامة ) من الجن والإنس ( يعني كفار الأمم الماضية عن النوعين ) في النار ( متعلق بادخلوا ) كلما دخلت أمة ( أي في النار ) لعنت أختها ( التي ضلت بالاقتداء بها ) حتى إذا اداركوا فيها جميعا ( أي تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار ) قالت أخراهم ( دخولا أو منزلة وهم الاتباع ) لأولاهم ( أي لأجل اولاهم إذ الخطاب مع الله لا معهم ) ربنا هؤلاء أضلونا ( سنوا لنا الضلال فاقتدينا بهم ) فآتهم عذابا ضعفا من النار ( مضاعفا لأنهم ضلوا وأضلوا ) قال لكل ضعف ( أما القادة فبكفرهم وتضليلهم واما الاتباع فبكفرهم وتقليدهم ) ولكن لا تعلمون ( ما لكم أو ما لكل فريق وقرأ عاصم بالياء على الانفصال ________________________________________ " صفحة رقم 20 " الأعراف : ( 39 ) وقالت أولاهم لأخراهم . . . . . ) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ( عطفوا كلامهم على جواب الله سبحانه وتعالى ) لأخراهم ( ورتبوه عليه أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا وأنا واياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب ) فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ( من قول القادة أو من قول الفريقين الأعراف : ( 40 ) إن الذين كذبوا . . . . . ) إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ( أي عن الإيمان بها ) لا تفتح لهم أبواب السماء ( لأدعيتهم وأعمالهم أو لأزواجهم كما تفتح لاعمال المؤمنين وارواحخهم لتتصل بالملائكة والتاء في تفتح لتأنيث الابواب والتشديد لكثرتها وقرأ أبو عمرو بالتخفيف وحمزة والكسائي به وبالياء لان التأثيث غير حقيقي والفعل مقدم وقرئ على البناء للفاعل ونصب الابواب بالتاء على أن الفعل للآيات وبالياء لان الفعل لله ) ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ( أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير فيما هو مثل في ضيق المسلك وهو ثقبة الابرة وذلك مما لا يكون فكذا ما يتوقف عليه وقرئ ) الجمل ( كالقمل والجمل كالنغر والجمل كالقفل والجمل كالنصب والجمل كالحبل وهو الحبل الغليظ من القنب وقيل حبل السفينة وسم بالضم والكسر وفي سم المخيط وهو والخياط ما يخاط به كالحزام والمحزم ) وكذلك ( ومثل ذلك الجزاء الفظيع ) نجزي المجرمين ) الأعراف : ( 41 ) لهم من جهنم . . . . . ) لهم من جهنم مهاد ( فراش ) ومن فوقهم غواش ( اغطية التنوين فيه للبدل عن الاعلال عند سيبويه وللصرف عند غيره وقرئ ) غواش ( على الغاء المحذوف ) وكذلك نجزي الظالمين ( عبر عنهم بالمجرمين تارة وبالظالمين أخرى اشعارا بتكذيبهم الايات اتصفوا بهذه الاوصاف الذميمة وذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيها على انه اعظم الاجرام ________________________________________ " صفحة رقم 21 " الأعراف : ( 42 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( على عادته سبحانه وتعالى في أن يشفع الوعيد بالوعد ولا نكلف نفسا إلا وسعها اعتراض بين المبتدأ وخبره للترغيب في اكتساب النعيم المقيم بما تسعه طاقتهم ويسهل عليهم وقرئ لا تكلف نفس الأعراف : ( 43 ) ونزعنا ما في . . . . . ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( أي نخرج من قلوبهم اسباب الغل أو نطهرها منه حتى لا يكون بينهم إلا التواد وعن علي كرم الله وجهه أني لارجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ) تجري من تحتهم الأنهار ( زيادة في لذتهم وسرورهم ) وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا ( لما جزاؤه هذا ) وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ( لولا هداية الله وتوفيقه واللام لتوكيد النفي وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله وقرأ ابن عامر ما كنا بغير واو على إنها مبينة للاولى ) لقد جاءت رسل ربنا بالحق ( فاهتدينا بإرشادهم يقولون ذلك اغتباطا وتبجحا بأن ما علموه يقينا في الدنيا صار لم عين اليقين في الآخرة ) ونودوا أن تلكم الجنة ( إذا رأوها من بعيد أو بعد دخولها والمنادى له بالذات ) أورثتموها بما كنتم تعملون ( أي اعطيتموها بسبب أعمالكم وهو حال من الجنة ________________________________________ " صفحة رقم 22 " والعامل فيها معنى الاشارة أو خبر والجنة صفة تلكم وان في المواقع الخمسة هي المخففة أو المفسرة لان المناداة والتأذين من القول الأعراف : ( 44 ) ونادى أصحاب الجنة . . . . . ) ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ( إنما قالوه تبجحا بحالهم وشماتة بأصحاب النار وتحسيرا لهم وانما لم يقل ما وعدكم كما قال ) ما وعدنا ( لان ما ساءهم من الموعود لم يكن باسره مخصوصا وعده بهم كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنة ) قالوا نعم ( وقرأ الكسائي بكسر العين وهما لغتان ) فأذن مؤذن ( قيل هو صاحب الصور ) بينهم ( بين الفريقين ) أن لعنة الله على الظالمين ( وقرأ ابن كثير في رواية للبزي وابن عامر وحمزة والكسائي ) أن لعنة الله ( بالتشديد والنصب قرئ ) إن ( بالكسر على إرادة القول أو اجراء أذن مجرى قال الأعراف : ( 45 ) الذين يصدون عن . . . . . ) الذين يصدون عن سبيل الله ( صفة للظالمين مقررة أو ذم مرفوع أو منصوب ) ويبغونها عوجا ( زيغا وميلا عما هو عليه والعرج بالكسر في المعاني والاعيان ما لم تكن منتصبة وبالفتح ما كان في المنتصبة كالحائط والرمح ) وهم بالآخرة كافرون ) الأعراف : ( 46 ) وبينهما حجاب وعلى . . . . . ) وبينهما حجاب ( أي بين الفريقين لقوله تعالى ) فضرب بينهم بسور ( أو بين الجنة والنار ليمنع وصول اثر إحداهما إلى الأخرى ) وعلى الأعراف ( وعلى اعراف الحجاب أي اعاليه وهو السور المضروب بينهما جمع عرف مستعار من عرف الفرس ________________________________________ " صفحة رقم 23 " وقيل العرف ما ارتفع من الشيء فإنه يكون لظهوره اعرف من غيره ) رجال ( طائفة من الموحدين قصروا في العمل فيحبسون بين الجنة والنار حتى يقضي الله سبحانه وتعالى فيهم ما يشاء وقيل قوم علت درجاتهم كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو الشهداء رضي الله تعالى عنهم أو خيار المؤمنين وعلمائهم أو ملائكة يرون في صورة الرجال ) يعرفون كلا ( من أهل الجنة والنار ) بسيماهم ( بعلامتهم التي أعلمهم الله بها كبياض الوجه وسواده فعل من سام إبله إذا أرسلها في المرعى معلمة أو من وسم على القلب كالجاه من الوجه وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو تعليم الملائكة ) ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم ( أي إذا نظروا إليهم سلموا عليهم ) لم يدخلوها وهم يطمعون ( حال من الواو على الوجه الأول ومن أصحاب على الوجوه الباقية الأعراف : ( 47 ) وإذا صرفت أبصارهم . . . . . ) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ( نعوذ بالله ) ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ( أي في النار الأعراف : ( 48 ) ونادى أصحاب الأعراف . . . . . ) ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ( من رؤساء الكفرة ) قالوا ما أغنى عنكم جمعكم ( كثرتكم أو جمعكم المال ) وما كنتم تستكبرون ( عن الحق أو على الخلق وقرئ تستكثرون من الكثرة الأعراف : ( 49 ) أهؤلاء الذين أقسمتم . . . . . ) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ( من تتمة قولهم للرجال والإشارة إلى ضعفاء أهل الجنة الذين كانت الكفرة يحتقرونهم في الدنيا ويحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة ) ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ( أي فالتفتوا إلى أصحاب الجنة وقالوا ________________________________________ " صفحة رقم 24 " لهم ادخلوا وهو أوفق للوجوه الأخيرة أو فقيل لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة بفضل الله سبحانه وتعالى بعد أن حبسوا حتى أبصروا الفريقين وعرفوهم وقالوا لهم ما قالوا قيل لما عيروا أصحاب النار أقسموا أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة فقال الله سبحانه وتعالى أو بعض الملائكة هؤلاء الذين أقسمتم وقرئ ) ادخلوا ( ودخلوا على الاستئناف وتقديره دخلوا الجنة مقولا لهم ) لا خوف عليكم ) الأعراف : ( 50 ) ونادى أصحاب النار . . . . . ) ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء ( أي صبوه وهو دليل على أن الجنة فوق النار ) أو مما رزقكم الله ( من سائر الأشربة ليلائم الإفاضة أو من الطعام كقوله علفتها تبنا وماء باردا ) قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ( منعهما عنهم منع المحرم من المكلف الأعراف : ( 51 ) الذين اتخذوا دينهم . . . . . ) الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ( كتحريم البحيرة والتصدية والمكاء حول البيت واللهو صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به ) وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم ( نفعل بهم فعل الناسين فنتركهم في النار ) كما نسوا لقاء يومهم هذا ( فلم يخطروه ببالهم ولم يستعدوا له ) وما كانوا بآياتنا يجحدون ( وكما كانوا منكرين أنها من عند الله الأعراف : ( 52 ) ولقد جئناهم بكتاب . . . . . ) ولقد جئناهم بكتاب فصلناه ( بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصلة ) على علم ( عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما وفيه دليل على أنه سبحانه وتعالى عالم بعلم أو مشتملا على علم فيكون حالا من المفعول وقرئ فضلناه أي على سائر الكتب عالمين بأنه حقيق بذلك ) هدى ورحمة لقوم يؤمنون ( حال من الهاء ________________________________________ " صفحة رقم 25 " الأعراف : ( 53 ) هل ينظرون إلا . . . . . ) هل ينظرون ( ينتظرون ) إلا تأويله ( إلا ما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد ) يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل ( تركوه ترك الناسي ) قد جاءت رسل ربنا بالحق ( أي قد تبين أنهم جاؤوا بالحق ) فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ( اليوم ) أو نرد ( أو هل نرد إلى الدنيا وقرئ بالنصب عطفا على ) فيشفعوا ( أو لأن ) أو ( بمعنى إلى أن فعلى الأول المسؤول أحد الأمرين أو لأمر واحد وهو الرد ) فنعمل غير الذي كنا نعمل ( جواب الاستفهام الثاني وقرئ بالرفع أي فنحن نعمل ) قد خسروا أنفسهم ( بصرف أعمارهم في الكفر ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( بطل عنهم فلم ينفعهم الأعراف : ( 54 ) إن ربكم الله . . . . . ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( أي في ستة أوقات كقوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( أو في مقدار ستة أيام فإن المتعارف باليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذ وفي خلق الأشياء مدرجا مع القدرة على إيجادها دفعة دليل للاختيار واعتبار للنظار وحث على التأني في الأمور ) ثم استوى على العرش ( ________________________________________ " صفحة رقم 26 " استوى أمره أو استولى وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف والمعنى أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن الاستقرار والتمكن والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك ) يغشي الليل النهار ( يغطيه به ولم يذكر عكسه للعلم به أو لأن اللفظ يحتملهما ولذلك قرئ ) يغشي الليل النهار ( بنصب ) الليل ( ورفع ) النهار ( وقرا حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم بالتشديد فيه وفي الرعد للدلالة على التكرير ) يطلبه حثيثا ( يعقبه سريعا كالطالب له لا يفصل بينهما شيء والحثيث فعيل من الحث وهو صفة مصدر محذوف أو حال من الفاعل بمعنى حاثا أو المفعول بمعنى محثوثا ) والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ( بقضائه وتصريفه ونصبها بالعطف على السموات ونصب مسخرات على الحال وقرأ ابن عامر كلها بالرفع ________________________________________ " صفحة رقم 27 " على الابتداء والخبر ) ألا له الخلق والأمر ( فإنه الموجد والمتصرف ) تبارك الله رب العالمين ( تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظم بالتفرد في الربوبية وتحقيق الآية والله سبحانه وتعالى أعلم أن الكفرة كانوا متخذين أربابا فبين لهم أن المستحق للربوبية واحد وهو الله سبحانه وتعالى لأنه الذي له الخلق والأمر فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم فأبدع الأفلاك ثم زينها بالكواكب كما أشار إليه بقوله تعالى ) فقضاهن سبع سماوات في يومين ( وعمد إلى إيجاد الأجرام السفلية فخلق جسما قابلا للصور المتبدلة والهيئات المختلفة ثم قسمها بصور نوعية متضادة الآثار والأفعال وأشار إليه بقوله وخلق الأرض أي ما في جهة السفل في يومين ثم أنشأ أنواع المواليد الثلاثة بتركيب موادها أولا وتصويرها ثانيا كما قال تعالى بعد قوله ) خلق الأرض في يومين ( ) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ( أي مع اليومين الأولين لقوله تعالى في سورة السجدة ) الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( ثم لما تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره كالملك الجالس على عرشه لتدبير المملكة فدبر الأمر من السماء إلى الأرض بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب وتكوير الليالي والأيام ثم صرح بما هو فذلكة التقرير ونتيجته فقال ) ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف : ( 55 ) ادعوا ربكم تضرعا . . . . . ثم أمرهم بأن يدعوه متذللين مخلصين فقال ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( أي ذوي تضرع وخفية فإن الإخفاء دليل الإخلاص ) إنه لا يحب المعتدين ( المجاوزين ما أمروا به في الدعاء وغيره نبه به على أن الداعي ينبغي أن لا يطلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء ( صلى الله عليه وسلم ) والصعود إلى السماء وقيل هو الصياح في الدعاء والإسهاب فيه وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سيكون قوم يعتدون في ________________________________________ " صفحة رقم 28 " الدعاء وحسب المرء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ثم قرأ ) إنه لا يحب المعتدين ) الأعراف : ( 56 ) ولا تفسدوا في . . . . . ) ولا تفسدوا في الأرض ( بالكفر والمعاصي ) بعد إصلاحها ( ببعث الأنبياء وشرع الأحكام ) وادعوه خوفا وطمعا ( ذوي خوف من الرد لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم وطمع في إجابته تفضلا وإحسانا لفرط رحمته ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ( ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به للإجابة وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الرحم أو لأنه صفة محذوف أي أمر قريب أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول أو الذي هو مصدر كالنقيض أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره الأعراف : ( 57 ) وهو الذي يرسل . . . . . ) وهو الذي يرسل الرياح ( وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح على الوحدة ) نشرا ( جمع نشور بمعنى ناشر وقرأ ابن عامر نشرا بالتخفيف حيث وقع وحمزة والكسائي نشرا بفتح النون حيث وقع على أنه مصدر في موقع الحال بمعنى ناشرات أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان وعاصم ) بشرا ( وهو تخفيف بشر جمع بشير وقد قرئ به و ) بشرا ( بفتح الباء مصدر بشره بمعنى باشرات أو للبشارة وبشرى ) بين يدي رحمته ( قدام رحمته يعني المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه ) حتى إذا أقلت ( أي حملت واشتقاقه من القلة فإن المقل للشيء يستقله ) سحابا ثقالا ( بالماء جمعه لأن السحاب جمع بمعنى السحائب ) سقناه ( أي السحاب وإفراد الضمير باعتبار اللفظ ) لبلد ميت ( لأجله أو لإحيائه أو لسقيه وقرئ ) ميت ( ) فأنزلنا به الماء ( بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق أو بالريح وكذلك ) فأخرجنا به ( ________________________________________ " صفحة رقم 29 " ويحتمل فيه عود الضمير إلى ) الماء ( وإذا كان ل ) لبلد ( فالباء للإلصاق في الأول وللظرفية في الثاني وإذا كان لغيره فهي للسببية فيهما ) من كل الثمرات ( من كل أنواعها ) كذلك نخرج الموتى ( الإشارة فيه إلى إخراج الثمرات أو إلى إحياء البلد الميت أي كما نحييه بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس ) لعلكم تذكرون ( فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على هذا الأعراف : ( 58 ) والبلد الطيب يخرج . . . . . ) والبلد الطيب ( الأرض الكريمة التربة ) يخرج نباته بإذن ربه ( بمشيئته وتيسيره عبر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه لأنه أوقعه في مقابلة ) والذي خبث ( أي كالحرة والسبخة ) لا يخرج إلا نكدا ( قليلا عديم النفع ونصبه على الحال وتقدير الكلام والبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكدا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعا مستترا وقرئ ) يخرج ( أي يخرجه البلد فيكون ) إلا نكدا ( مفعولا و ) نكدا ( على المصدر أي ذا نكد و ) نكدا ( بالإسكان للتخفيف ) كذلك نصرف الآيات ( نرددها ونكررها ) لقوم يشكرون ( نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها والآية مثل لمن تدبر الآيات وانتفع بها ولمن لم يرفع إليها رأسا ولم يتأثر بها الأعراف : ( 59 ) لقد أرسلنا نوحا . . . . . ) لقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( جواب قسم محذوف ولا تكاد تطلق هذه اللام إلا مع ________________________________________ " صفحة رقم 30 " قد لأنها مظنة التوقع فإن المخاطب إذا سمعها توقع وقوع ما صدر بها ونوح بن لمك بن متوشلح بن إدريس أول نبي بعده بعث وهو ابن خمسين سنة أو أربعين ) فقال يا قوم اعبدوا الله ( أي اعبدوه وحده لقوله تعالى ) ما لكم من إله غيره ( وقرأ الكسائي غيره بالكسر نعتا أو بدلا على اللفظ حيث وقع إذا كان قبل إله من التي تخفض وقرئ بالنصب على الاستثناء ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( إن لم تؤمنوا وهو وعيد وبيان للداعي إلى عبادته واليوم يوم القيامة أو يوم نزول الطوفان الأعراف : ( 60 ) قال الملأ من . . . . . ) قال الملأ من قومه ( أي الأشراف فإنهم يملؤون العيون رواء ) إنا لنراك في ضلال ( زوال عن الحق ) مبين ( بين الأعراف : ( 61 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم ليس بي ضلالة ( أي شيء من الضلال بالغ في النفي كما بالغوا في الإثبات وعرض لهم به ) ولكني رسول من رب العالمين ( استدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه على هدى كأنه قال ولكني على هدى في الغاية لأني رسول الله سبحانه وتعالى ________________________________________ " صفحة رقم 31 " الأعراف : ( 62 ) أبلغكم رسالات ربي . . . . . ) أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ( صفات لرسول أو استئناف ومساقها على الوجهين لبيان كونه رسولا وقرأ أبو عمرو ) أبلغكم ( بالتخفيف وجمع الرسالات لاختلاف أوقاتها أو لتنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والأحكام أو لأن المراد بها ما أوحي إليه وإلى الأنبياء قبله كصحف شيث وإدريس وزيادة اللام في لكم للدلالة على إمحاض النصح لهم وفي أعلم من الله تقريرا لما أوعدهم به فإن معناه أعلم من قدرته وشدة بطشه أو من جهته بالوحي أشياء لا علم لكم بها الأعراف : ( 63 ) أوعجبتم أن جاءكم . . . . . ) أوعجبتم ( الهمزة للإنكار والواو للعطف على محذوف أي أكذبتم وعجبتم ) أن جاءكم ( من أن جاءكم ) ذكر من ربكم ( رسالة أو موعظة ) على رجل ( على لسان رجل ) منكم ( من جملتكم أو من جنسكم فإنهم كانوا يتعجبون من إرسال البشر ويقولون ) ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ( ) لينذركم ( عاقبة الكفر والمعاصي ) ولتتقوا ( منهما بسبب الإنذار ) ولعلكم ترحمون ( بالتقوى وفائدة حرف الترجي التنبيه على أن التقوى غير موجب والترحم من الله سبحانه وتعالى تفضل وأن المتقي ينبغي أن لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله تعالى الأعراف : ( 64 ) فكذبوه فأنجيناه والذين . . . . . ) فكذبوه فأنجيناه والذين معه ( وهم من آمن به وكانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة وقيل تسعة بنوه سام وحام ويافث وستة ممن آمن به ) في الفلك ( متعلق بمعه أو بأنجيناه أو حال من الموصول أو من الضمير في معه ) وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( بالطوفان ) إنهم كانوا قوما عمين ( عمي القلوب غير مستبصرين وأصله عميين فخفف وقرئ عامين والأول أبلغ لدلالته على الثبات الأعراف : ( 65 ) وإلى عاد أخاهم . . . . . ) وإلى عاد أخاهم ( عطف على نوحا إلى قومه ) هودا ( عطف بيان لأخاهم والمراد به الواحد منهم كقولهم يا أخا العرب للواحد منهم فإنه هود بن عبد الله بن رباح بن ________________________________________ " صفحة رقم 32 " الخلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وقيل هود بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح ابن عم أبي عاد وانما جعل منهم لانهم افهم لقوله واعرف بحاله وارغب في اقتفائه ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( استأنف به ولم يعطف كأنه جواب سائل قال فما قال لهم حين أرسل وكذلك جوابهم ) أفلا تتقون ( عذاب الله وكأن قومه كانوا اقرب من قوم نوح عليه الصلاة والسلام ولذلك افلا تتقون الأعراف : ( 66 ) قال الملأ الذين . . . . . ) قال الملأ الذين كفروا من قومه ( إذ كان من اشرافهم من أمن به كمرثد بن سعد ) إنا لنراك في سفاهة ( متمكنا في خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين قومك ) وإنا لنظنك من الكاذبين ( ) وإنا لنظنك من الكاذبين ) الأعراف : ( 67 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ) الأعراف : ( 68 ) أبلغكم رسالات ربي . . . . . ) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) الأعراف : ( 69 ) أوعجبتم أن جاءكم . . . . . ) أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ( سبق تفسيره وفي اجابة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا والأعراض عن مقابلتهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة وهكذا ينبغي لكل ناصح وفي قوله ) وأنا لكم ناصح أمين ( تنبيه على انهم عرفوه بالأمرين وقرأ أبو عمرو ) أبلغكم ( في الموضعين في هذه السورة وفي الاحقاف مخففا ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ( أي في مساكنهم أو في الأرض بان جعلكم ملوكا فان شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى شحر عمان خوفهم من عقاب الله ثم ________________________________________ " صفحة رقم 33 " ذكرهم بإنعامه ) وزادكم في الخلق بسطة ( قامة وقوة ) فاذكروا آلاء الله ( تعميم بعد تخصيص ) لعلكم تفلحون ( لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها المؤدي إلى الفلاح الأعراف : ( 70 ) قالوا أجئتنا لنعبد . . . . . ) قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ( استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والأعراض عما اشرك به اباؤهم انهماكا في التقليد وحبا لما الفوه ومعنى المجيء في ) أجئتنا ( أما المجيء من مكان اعتزل به عن قومه أو من السماء على التهكم أو القصد على المجاز كقولهم ذهب يسبني ) فأتنا بما تعدنا ( من العذاب المدلول عليه بقوله ) أفلا تتقون ( ) إن كنت من الصادقين ( فيه الأعراف : ( 71 ) قال قد وقع . . . . . ) قال قد وقع عليكم ( قد وجب وحق عليكم أو نزل عليكم على أن المتوقع كالواقع ) من ربكم رجس ( عذاب من الارتجاس وهو الاضطراب ) وغضب ( إرادة انتقام ) أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ( أي في أشياء سميتموها الهة وليس فيها معنى الإلهية لان المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل وأنها لو استحقت كان استحقاقها بجعله تعالى أما بانزال ايه أو بنصب حجة بين أن منتهى حجتهم وسندهم أن الاصنام تسمى الهة من غير دليل يدل على تحقق المسمى واسناد الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله اظهارا لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم واستدل به على أن الاسم هو المسمى وان اللغات توقيفية إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجه الذم والإبطال بأنها ________________________________________ " صفحة رقم 34 " أسماء مخترعة لم ينزل الله بها من سلطانا وضعفهما ظاهر ) فانتظروا ( لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد العذاب بكم ) إني معكم من المنتظرين ) الأعراف : ( 72 ) فأنجيناه والذين معه . . . . . ) فأنجيناه والذين معه ( في الدين ) برحمة منا ( عليهم ) وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا ( أي استأصلناهم ) وما كانوا مؤمنين ( تعريض بمن أمن منهم وتنبيه على أن الفارق بين من نجا وبين من هلك هو الإيمان روي انهم كانوا يعبدون الاصنام فبعث الله إليهم هودا فكذبوه وازدادوا عتوا فأمسك الله القطر عنهم ثلاث سنين حتى جهدهم وكان الناس حينئذ مسلمهم ومشركهم إذا نزل بهم بلاء توجهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرح فجهزوا إليه قيل بن عثر ومرثد بن سعد في سبعين من اعيانهم وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام وسيدهم معاوية بن بكر فلما قدموا عليه وهو بظاهر مكة انزلهم و أكرمهم وكانوا اخواله واصهاره فلبثوا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان له فلما رأى ذهولهم باللهو عما بعثوا له اهمه ذلك واستحيا أن يكلمهم فيه مخافة أن يظنوا به ثقل مقامهم فعلم القينتين " إلا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا الغماما " " فيسقي ارض عاد أن عادا قد امسوا ما يبينون الكلاما " حتى غنتا به فأزعجهم ذلك فقال مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن أن اطعتم نبيكم وتبتم إلى الله سبحانه وتعالى سقيتم فقالوا لمعاوية احبسه عنا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقال قيل اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم فأنشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك فقال اخترت السوداء فإنها اكثرهن ماء فخرجت على عاد من وادي المغيث فاستبشروا بها وقالوا ) هذا عارض ممطرنا ( فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم ________________________________________ " صفحة رقم 35 " ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة وعبدوا الله سبحانه وتعالى فيها حتى ماتوا الأعراف : ( 73 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . . ) وإلى ثمود ( قبيلة أخرى من العرب سموا باسم ابيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح وقيل سموا به لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل وقرئ مصروفا بتأويل الحي أو باعتبار الأصل وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ) أخاهم صالحا ( صالح بن عبيد بن اسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم ( معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي وقوله ) هذه ناقة الله لكم آية ( استئناف لبيانها وآية نصب على الحال والعامل فيها معنى الاشارة ولكم بيان لمن هي له آية ويجوز أن تكون ) ناقة الله ( بدلا أو عطف بيان ولكم خبرا عاملا في ) آية ( واضافة الناقة إلى الله لتعظيمها ولأنها جاءت من عنده بلا وسائط واسباب معهودة ولذلك كانت آية ) فذروها تأكل في أرض الله ( العشب ) ولا تمسوها بسوء ( نهى عن المس الذي هو مقدمة الاصابة بالسوء الجامع لأنواع الاذى مبالغة في الأمر وازاحة للعذر ) فيأخذكم عذاب أليم ( جواب للنهي الأعراف : ( 74 ) واذكروا إذ جعلكم . . . . . ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض ( ارض الحجر ) تتخذون من سهولها قصورا ( أي تبنون في سهو لها أو من سهولة الأرض بما تعملون منها كاللبن والآجر ) وتنحتون الجبال بيوتا ( وقرئ ) تنحتون ( بالفتح وتنحتون بالأشباع وانتصاب ) بيوتا ( على الحال المقدرة أو المفعول على أن التقدير بيوتا من الجبال أو تنحتون بمعنى تتخذون ) فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) الأعراف : ( 75 ) قال الملأ الذين . . . . . ) قال الملأ الذين استكبروا من قومه ( أي عن نالايمان ) للذين استضعفوا ( أي للذين استضعفوهم واستذلوهم ) لمن آمن منهم ( بدل من الذين استضعفوا بدل الكل أن كان الضمير لقومه وبدل البعض أن كان للذين وقرأ ابن عامر وقال الملأ بالواو ) أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ( ________________________________________ " صفحة رقم 36 " قالوه على الاستهزاء ) قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ( عدلوا به عن الجواب السوي الذي هو نعم تنبيها على أن ارساله اظهر من أن يشك فيه عاقل ويخفي على ذي رأي وانما الكلام فيمن أمن به ومن كفر فلذلك قال الأعراف : ( 76 ) قال الذين استكبروا . . . . . ) قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ( على وجه المقابلة ووضعوا ) آمنتم به ( موضع ) أرسل به ( ردا لما جعلوه معلوما مسلما الأعراف : ( 77 ) فعقروا الناقة وعتوا . . . . . ) فعقروا الناقة ( فنحروها اسند إلى جميعهم فعل بعضهم للملابسة أو لانه كان برضاهم ) وعتوا عن أمر ربهم ( واستكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح عليه الصلاة والسلام بقوله ) فذروها ( ) وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) الأعراف : ( 78 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . . ) فأخذتهم الرجفة ( الزلزلة ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( خامدين ميتين روي انهم بعد عاد عمروا بلادهم وخلفوهم وكثروا وعمروا اعمارا طوالا لا تفي بها الابنية فنحتوا البيوت من الجبال وكانوا في خصب وسعة فعتوا وافسدوا في الأرض وعبدوا الاصنام فبعث الله إليهم صالحا من اشرافهم فأنذرهم فسألوه آية فقال آية آية تريدون قالوا اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو الهك وندعو إلهتنا فمن استجيب له اتبع فخرج معهم فدعوا اصنامهم فلم تجبهم ثم أشار سيدهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يقال لها الكاثبة وقال له اخرج من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء أن فعلت صدقناك فأخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن فقالوا نعم فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها في العظم فآمن به جندع في جماعة ومنع الباقين من الإيمان ذؤاب بن عمرو والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صغر كاهنهم فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وترد الماء غبا فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها ثم تتفحج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلئ أوانيهم فيشربون ويدخرون وكانت تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار فعقروها ________________________________________ " صفحة رقم 37 " واقتسموا لحمها فرقي سقبها جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا فقال صالح لهم أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه إذ انفجرت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح تصبح وجوهكم غدا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين ولما كان ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا الأعراف : ( 79 ) فتولى عنهم وقال . . . . . ) فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ( ظاهره أن توليه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين ولعله خاطبهم به بعد هلاكهم كما خاطب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أهل قليب بدر وقال إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا أو ذكر ذلك على سبيل التحسر عليهم الأعراف : ( 80 ) ولوطا إذ قال . . . . . ) ولوطا ( أي وأرسلنا لوطا ) إذ قال لقومه ( وقت قوله لهم أو واذكر لوطا وإذ بدل منه ) أتأتون الفاحشة ( توبيخ وتقريع على تلك الفعلة المتمادية في القبح ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( ما فعلها قبلكم أحد قط والباء للتعدية ومن الأولى لتأكيد النفي والاستغراق والثانية للتبعيض والجملة استئناف مقرر للإنكار كأنه وبخهم أولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فإنه أسوأ الأعراف : ( 81 ) إنكم لتأتون الرجال . . . . . ) إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ( بيان لقوله ) أتأتون الفاحشة ( وهو ________________________________________ " صفحة رقم 38 " أبلغ في الإنكار والتوبيخ وقرأ نافع وحفص إنكم على الإخبار المستأنف وشهوة مفعول له أو مصدر في موقع الحال وفي التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لا قضاء الوطر ) بل أنتم قوم مسرفون ( إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عن حالهم التي أدت بهم إلى ارتكاب أمثالها وهي اعتياد الإسراف في كل شيء أو عن الإنكار عليها إلى الذم على جميع معايبهم أو عن محذوف مثل لا عذر لكم فيه بل أنتم قوم عادتكم الإسراف الأعراف : ( 82 ) وما كان جواب . . . . . ) وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم ( أي ما جاؤوا بما يكون جوابا عن كلامه ولكنهم قابلوا نصحه بالأمر بإخراجه فيمن معه من المؤمنين من قريتهم والاستهزاء بهم فقالوا ) إنهم أناس يتطهرون ( أي من الفواحش الأعراف : ( 83 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . . ) فأنجيناه وأهله ( أي من آمن به ) إلا امرأته ( استثناء من أهله فإنها كانت تسر الكفر ) كانت من الغابرين ( من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا والتذكير لتغليب الذكور الأعراف : ( 84 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . . ) وأمطرنا عليهم مطرا ( أي نوعا من المطر عجيبا وهو مبين بقوله ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ( ) فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ( روي أن لوط بن هاران بن تارح لما هاجر مع عمه إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الشام نزل بالأردن فأرسله الله إلى أهل سدوم ليدعوهم إلى الله وينهاهم عما اخترعوه من الفاحشة فلم ينتهوا عنها فأمطر الله عليهم الحجارة فهلكوا وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم الأعراف : ( 85 ) وإلى مدين أخاهم . . . . . ) وإلى مدين أخاهم شعيبا ( أي وأرسلنا إليهم وهم أولاد مدين بن إبراهيم خليل الله ________________________________________ " صفحة رقم 39 " شعيب بن ميكائيل بن بسجر بن مدين وكان يقال له خطيب الأنبياء ( صلى الله عليه وسلم ) لحسن مراجعته قومه ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم ( يريد المعجزة التي كانت له وليس في القرآن أنها ما هي وما روي من محاربة عصا موسى ( صلى الله عليه وسلم ) التنين وولادة الغنم التي دفعها إليه الدرع خاصة وكانت الموعودة له من أولادها ووقوع عصا آدم على يده في المرات السبع متأخرة عن هذه المقاولة ويحتمل أن تكون كرامة لموسى ( صلى الله عليه وسلم ) أو إرهاصا لنبوته ) فأوفوا الكيل ( أي آلة الكيل على الإضمار أو إطلاق الكيل على المكيال كالعيش على المعاش لقوله ) والميزان ( كما قال في سورة هود ) أوفوا المكيال والميزان ( أو الكيل ووزن الميزان ويجوز أن يكون الميزان مصدرا كالميعاد ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( ولا تنقصوهم حقوقهم وإنما قال أشياءهم للتعميم تنبيها على أنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير وقيل كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه ) ولا تفسدوا في الأرض ( بالكفر والحيف ) بعد إصلاحها ( بعدما أصلح أمرها أو أهلها الأنبياء وأتباعهم بالشرائع أو أصلحوا فيها والإضافة إليها كالإضافة في ) بل مكر الليل والنهار ( ) ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ( إشارة إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه ومعنى الخيرية إما الزيادة مطلقا أو في الإنسانية وحسن الأحدوثة وجمع المال الأعراف : ( 86 ) ولا تقعدوا بكل . . . . . ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( بكل طريق من طرق الدين كالشيطان وصراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شيء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المراصد فيقولون لمن يريد شعيبا إنه كذاب فلا يفتننك عن دينك ويوعدون لمن آمن به وقيل كانوا يقطعون الطريق ) وتصدون عن سبيل الله ( يعني الذي قعدوا عليه فوضع الظاهر موضع المضمر بيانا لكل صراط ودلالة ________________________________________ " صفحة رقم 40 " على عظم ما يصدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه أو الإيمان بالله ) من آمن به ( أي بالله أو بكل صراط على الأول ومن مفعول على إعمال الأقرب ولو كان مفعول توعدون لقال وتصدونهم وتوعدون بما عطف عليه في موقع الحال من الضمير في تقعدوا ) وتبغونها عوجا ( وتطلبون لسبيل الله عوجا بإلقاء الشبه أو وصفها للناس بأنها معوجة ) واذكروا إذ كنتم قليلا ( عددكم أو عددكم ) فكثركم ( بالبركة في النسل أو المال ) وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ( من الأمم قبلكم فاعتبروا بهم الأعراف : ( 87 ) وإن كان طائفة . . . . . ) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا ( فتربصوا ) حتى يحكم الله بيننا ( أي بين الفريقين بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين ) وهو خير الحاكمين ( إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه الأعراف : ( 88 ) قال الملأ الذين . . . . . ) قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ( أي ليكونن أحد الأمرين إما إخراجكم من القرية أو عودكم في الكفر وشعيب ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن في ملتهم قط لأن الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر مطلقا لكن غلبوا الجماعة على الواحد فخوطب هو وقومه بخطابهم وعلى ذلك أجرى الجواب في قوله ) قال أولو كنا كارهين ( أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لها أو أتعيدوننا في حال كراهتنا ________________________________________ " صفحة رقم 41 " الأعراف : ( 89 ) قد افترينا على . . . . . ) قد افترينا على الله كذبا ( قد اختلقنا عليه ) إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها ( شرط جوابه محذوف دليله ) قد افترينا ( وهو بمعنى المستقبل لأنه لم يقع لكنه جعل كالواقع للمبالغة وأدخل عليه قد لتقريبه من الحال أي قد اقتربنا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها حيث نزعم أن لله تعالى ندا وأنه قد تبين لنا أن ما كنا عليه باطل وما أنتم عليه حق وقيل إنه جواب قسم وتقديره والله لقد افترينا ) وما يكون لنا ( وما يصح لنا ) أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ( خذلاننا وارتدادنا وفيه دليل على أن الكفر بمشيئة الله وقيل أراد به حسم طمعهم في العود بالتعليق على ما لا يكون ) وسع ربنا كل شيء علما ( أي أحاط علمه بكل شيء مما كان وما يكون منا ومنكم ) على الله توكلنا ( في أن يثبتنا على الإيمان ويخلصنا من الأشرار ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( احكم بيننا وبينهم والفتاح القاضي والفتاحة الحكومة أو أظهر أمرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز المحق من المبطل من فتح المشكل إذا بينه ) وأنت خير الفاتحين ( على المعنيين الأعراف : ( 90 ) وقال الملأ الذين . . . . . ) وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا ( وتركتم دينكم ) إنكم إذا لخاسرون ( لاستبدالكم ضلالته بهداكم أو لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف وهو ساد مسد جواب الشرط والقسم الموطأ باللام ________________________________________ " صفحة رقم 42 " الأعراف : ( 91 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . . ) فأخذتهم الرجفة ( الزلزلة وفي سورة الحجر ) فأخذتهم الصيحة ( ولعلها كانت من مباديها ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( أي في مدينتهم الأعراف : ( 92 ) الذين كذبوا شعيبا . . . . . ) الذين كذبوا شعيبا ( مبتدأ خبره ) كأن لم يغنوا فيها ( أي استؤصلوا كأن لم يقيموا بها والمغنى المنزل ) الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ( دينا ودنيا لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا فإنهم الرابحون في الدارين وللتنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميتين الأعراف : ( 93 ) فتولى عنهم وقال . . . . . ) فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ( قاله تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال ) فكيف آسى على قوم كافرين ( ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم أو قاله اعتذارا عن عدم شدة حزنه عليهم والمعنى لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولي فكيف آسى عليكم وقرىء فكيف أيسي بإمالتين الأعراف : ( 94 ) وما أرسلنا في . . . . . ) وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء ( بالبؤس والضر ) لعلهم يضرعون ( حتى يتضرعوا ويتذللوا الأعراف : ( 95 ) ثم بدلنا مكان . . . . . ) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ( أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدة السلامة والسعة ابتلاء لهم بالأمرين ) حتى عفوا ( كثروا عددا وعددا يقال عفا النبات إذا كثر ________________________________________ " صفحة رقم 43 " كثر ومنه إعفاء اللحى ) وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ( كفرانا لنعمة الله ونسيانا لذكره واعتقادا بأنه من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا منه مثل ما مسنا ) فأخذناهم بغتة ( فجأة ) وهم لا يشعرون ( بنزول العذاب الأعراف : ( 96 ) ولو أن أهل . . . . . ) ولو أن أهل القرى ( يعني القرى المدلول عليها بقوله ) وما أرسلنا في قرية من نبي ( وقيل مكة وما حولها ) آمنوا واتقوا ( مكان كفرهم وعصيانهم ) لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب وقيل المراد المطر والنبات وقرأ ابن عامر لفتحنا بالتشديد ) ولكن كذبوا ( الرسل ) فأخذناهم بما كانوا يكسبون ( من الكفر والمعاصي الأعراف : ( 97 ) أفأمن أهل القرى . . . . . ) أفأمن أهل القرى ( عطف على قوله ) فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( وما بينهما اعتراض والمعنى أبعد ذلك أمن أهل القرى ) أن يأتيهم بأسنا بياتا ( تبييتا أو وقت بيات أو مبيتا أو مبيتين وهو في الأصل مصدر بمعنى البيتوتة ويجيء بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم ) وهم نائمون ( حال من ضميرهم البارز أو المستتر في بياتا الأعراف : ( 98 ) أو أمن أهل . . . . . ) أو أمن أهل القرى ( وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر أو بالسكون على الترديد ) أن يأتيهم بأسنا ضحى ( ضحوة النهار وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت ) وهم يلعبون ( يلهون من فرط الغفلة أو يشتغلون بما لا ينفعهم الأعراف : ( 99 ) أفأمنوا مكر الله . . . . . ) أفأمنوا مكر الله ( تكرير لقوله ) أفأمن أهل القرى ( و ) مكر الله ( استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب ) فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( الذين خسروا بالكفر وترك النظر والاعتبار الأعراف : ( 100 ) أولم يهد للذين . . . . . ) أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ( أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين ) أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ( أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وهو فاعل يهد أي يغفلون عن الهداية أو ________________________________________ " صفحة رقم 44 " منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع و لا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم ) فهم لا يسمعون ( سماع تفهم واعتبار الأعراف : ( 101 ) تلك القرى نقص . . . . . ) تلك القرى ( يعني قرى الأمم المار ذكرهم ) نقص عليك من أنبائها ( حال إن جعل ) القرى ( خبرا وتكون إفادته بالتقييد بها وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين و ) من ( للتبعيض أي نقص بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لا نقصها ) ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات ) فما كانوا ليؤمنوا ( عند مجيئهم بها ) بما كذبوا من قبل ( بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم ) كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ( فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر الأعراف : ( 102 ) وما وجدنا لأكثرهم . . . . . ) وما وجدنا لأكثرهم ( لأكثر الناس والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين ) من عهد ( من وفاء عهد فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة مثل ) لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( ) وإن وجدنا أكثرهم ( أي علمناهم ) لفاسقين ( من وجدت زيدا ذا الحفاظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا الأعراف : ( 103 ) ثم بعثنا من . . . . . ) ثم بعثنا من بعدهم موسى ( الضمير للرسل في قوله ) ولقد جاءتهم رسلهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 45 " أو للأمم ) بآياتنا ( يعني المعجزات ) إلى فرعون وملئه فظلموا بها ( بأن كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا وفرعون لقب لمن ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس وكان اسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن الريان ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) الأعراف : ( 104 ) وقال موسى يا . . . . . ) وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين ( إليك الأعراف : ( 105 ) حقيق على أن . . . . . وقوله ) حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( لعله جواب لتكذيبه إياه في دعوى الرسالة وإنما لم يذكر لدلالة قوله ) فظلموا بها ( عليه وكان أصله ) حقيق على أن لا أقول ( كما قرأ نافع فقلب لا من الإلباس كقوله وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر أو لأن ما لزمك فقد لزمته أو للإغراق في الوصف بالصدق والمعنى أنه حق واجب على القول الحق أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ناطقا به أو ضمن حقيق معنى حريص أو وضع على مكان الباء لإفادة التمكن كقولهم رميت على القوس وجئت على حال حسنة ويؤيده قراءة أبي بالباء وقرئ حقيق أن لا أقول بدون ) على ( ) قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ( فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن ________________________________________ " صفحة رقم 46 " آبائهم وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الأعراف : ( 106 ) قال إن كنت . . . . . ) قال إن كنت جئت بآية ( من عند من أرسلك ) فأت بها ( فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك ) إن كنت من الصادقين ( في الدعوى الأعراف : ( 107 ) فألقى عصاه فإذا . . . . . ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان وهو الحية العظيمة روي أنه لما ألقاها صارت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا وصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه فعاد عصا الأعراف : ( 108 ) ونزع يده فإذا . . . . . ) ونزع يده ( من جيبه أو من تحت إبطه ) فإذا هي بيضاء للناظرين ( أي بيضاء بياضا خارجا عن العادة تجتمع عليها النظارة أو بيضاء للنظار لا إنها كانت بيضاء في جبلتها روي انه عليه السلام كان آدم شديد الادمة فأدخل يده في جيبه أو تحت ابطه ثم نزعها فإذا هي بيضاء نورانية غلب شعاعها شعاع الشمس الأعراف : ( 109 ) قال الملأ من . . . . . ) قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ( قيل قاله هو وأشراف قومه على سبيل التشاور في أمره فحكى عنه في سورة الشعراء وعنهم ها هنا الأعراف : ( 110 ) يريد أن يخرجكم . . . . . ) يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ( تشيرون في أن نفعل الأعراف : ( 111 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . . ) قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين ) الأعراف : ( 112 ) يأتوك بكل ساحر . . . . . ) يأتوك بكل ساحر عليم ( كأنه اتفقت عليه آراؤهم فأشاروا به على فرعون والإرجاء التأخير أي أخر أمره وأصله أرجئه كما قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب من أرجأت وكذلك أرجئوه على قراءة ابن كثير على الأصل في الضمير أو / أرجهي / من أرجيت كما قرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائي واما قراءته في رواية قالون ) أرجه ( بحذف الياء فللاكتفاء بالكسرة عنها وأما قراءة حمزة وعاصم وحفص ) أرجه ( ________________________________________ " صفحة رقم 47 " بسكون الهاء فتلشبيه المنفصل بالمتصل وجعل جه كابل في إسكان وسطه وأما قراءة ابن عامر برواية ابن ذكوان أرجئه بالهمزة وكسر الهاء فلا يرتضيه النحاة فإن الهاء لا تكسر إلا إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة ووجهه أن الهمزة لما كانت تقلب ياء أجريت مجراها وقرأ حمزة والكسائي بكل سحار وفيه وفي يونس ويؤيده اتفاقهم عليه في الشعراء الأعراف : ( 113 ) وجاء السحرة فرعون . . . . . ) وجاء السحرة فرعون ( بعدما أرسل الشرطة في طلبهم ) قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ( استأنف به كأنه جواب سائل قال ما قالوا إذ جاؤوا وقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم ) إن لنا لأجرا ( على الإخبار ويجاب الاجر كأنهم قالوا لا بد لنا من أجر والتنكير للتعظيم الأعراف : ( 114 ) قال نعم وإنكم . . . . . ) قال نعم ( إن لكم لأجرا ) وإنكم لمن المقربين ( عطف على ما سد مسده ) نعم ( وزيادة على الجواب لتحريضهم الأعراف : ( 115 ) قالوا يا موسى . . . . . ) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ( خيروا موسى مراعاة للأدب أو إظهارا للجلادة ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله فنبهوا عليها بتغيير النظم إلى ما هو أبلغ وتعريف الخبر وتوسيط الفصل أو تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل فلذلك الأعراف : ( 116 ) قال ألقوا فلما . . . . . ) قال بل ألقوا ( كرما وتسامحا أو ازدراء بهم ووثوقا على شأنه ) فلما ألقوا سحروا أعين الناس ( بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه ) واسترهبوهم ( وأرهبوهم ارهابا شديدا كأنهم طلبوا رهبتهم ) وجاؤوا بسحر عظيم ( في فنه روي أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات ملأت الوادي وركب بعضها بعضا الأعراف : ( 117 ) وأوحينا إلى موسى . . . . . ) وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ( فألقاها فصارت حية ) فإذا هي تلقف ما يأفكون ( ________________________________________ " صفحة رقم 48 " أي ما يزورونه من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول روي إنها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت فقال السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا وقرأ حفص عن عاصم ) تلقف ( ها هنا وفي طه والشعراء الأعراف : ( 118 ) فوقع الحق وبطل . . . . . ) فوقع الحق ( فثبت لظهور آمره ) وبطل ما كانوا يعملون ( من السحر والمعارضة الأعراف : ( 119 ) فغلبوا هنالك وانقلبوا . . . . . ) فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ( أي صاروا اذلاء مبهوتين أو رجعوا إلى المدينة اذلاء مقهورين والضمير لفرعون وقومه الأعراف : ( 120 ) وألقي السحرة ساجدين ) وألقي السحرة ساجدين ( جعلهم ملقين على وجوههم تنبيها على أن الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك أو أن الله ألهمهم ذلك وحملهم عليه حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى وينقلب الأمر عليه أو مبالغة في سرعة خرورهم وشدته الأعراف : ( 121 ) قالوا آمنا برب . . . . . ) قالوا آمنا برب العالمين ) الأعراف : ( 122 ) رب موسى وهارون ) رب موسى وهارون ( أبدلوا الثاني من الأول لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون الأعراف : ( 123 ) قال فرعون آمنتم . . . . . ) قال فرعون آمنتم به ( بالله أو بموسى والاستفهام فيه للانكار وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب وهشام بتحقيق الهمزتين على الأصل وقرأ حفص ) آمنتم به ( على الأخبار وقرأ قنبل ) قال فرعون ( وآمنتم يبدل في حال الوصل من همزة الاستفهام بهمزة ومدة مطولة في تقدير أتفين في طه على الخبر بهمزة وألف وقرأ في الشعراء على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة في تقدير ألفين وقرأ الباقون بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية ) قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه ( أي أن هذا الصنيع لحيلة احتلتموها أنتم وموسى ) في المدينة ( في مصر قبل أن تخرجوا للميعاد ________________________________________ " صفحة رقم 49 " ) لتخرجوا منها أهلها ( يعني القبط وتخلص لكم ولبني إسرائيل ) فسوف تعلمون ( عاقبة ما فعلتهم وهو تهديد مجمل تفصيله الأعراف : ( 124 ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم . . . . . ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( من كل شق طرفا ) ثم لأصلبنكم أجمعين ( تفضيحا لكم وتنكيلا لأمثالكم قيل إنه أول من سن ذلك فشرعه الله للقطاع تعظيما لجرمهم ولذلك سماه محاربة لله ورسوله ولكن على التعاقب لفرط رحمته الأعراف : ( 125 ) قالوا إنا إلى . . . . . ) قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ( بالموت لا محالة فلا نبالي بوعيدك ا أنا منقلبون إلى ربنا وثوابه أن فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوع شغفا على لقاء الله أو مصيرنا ومصيرك إلى ربنا فيحكم بيننا الأعراف : ( 126 ) وما تنقم منا . . . . . ) وما تنقم منا ( وما تنكر منا ) إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ( وهو خير الأعمال وأصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ثم فزعوا إلى الله سبحانه وتعالى فقالوا ) ربنا أفرغ علينا صبرا ( أفض علينا صبرا يغمرنا كما يفرغ الماء أو صب علينا ما يطهرنا من الاثام وهو الصبر على وعيد فرعون ) وتوفنا مسلمين ( ثابتين على الإسلام قيل إنه فعل بهم ما أوعدهم به وقيل انه لم يقدر عليهم لقوله تعالى ) أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) الأعراف : ( 127 ) وقال الملأ من . . . . . ) وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ( بتغيير الناس ________________________________________ " صفحة رقم 50 " عليك ودعوتهم إلى مخالفتك ) ويذرك ( عطف على يفسدوا أو جواب الاستفهام بالواو كقول الحطيئة " ألم أك جارك ويكون بيني وبينكم المودة والاخاء " على معنى ايكون منك ترك موسى ويكون منه تركه اياك وقرئ بالرفع على انه عطف على انذر أو استئناف أو حال وقرئ بالسكون كأنه قيل يفسدوا ويذرك كقوله تعالى ) فأصدق وأكن ( ) وآلهتك ( معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب وقيل صنع لقومه اصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه ولذلك قال ) أنا ربكم الأعلى ( وقرئ إلا هتك أي عبادتك قال فرعون ) سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم ( كما كنما نفعل من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده وقرأ ابن كثير ونافع سنتقل بالتخفيف ) وإنا فوقهم قاهرون ( غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا الأعراف : ( 128 ) قال موسى لقومه . . . . . ) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ( لما سمعوا قول فرعون وتضجروا منه تسكينا لهم ) إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ( تسلية لهم وتقرير للأمر بالاستعانة بالله والتثبت في الأمر ) والعاقبة للمتقين ( وعد لهم بالنصرة وتذكير لما وعدهم من اهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وتحقيق له وقرئ و ) العاقبة ( بالنصب عطف على اسم أن واللام في ) الأرض ( تحتمل العهد والجنس الأعراف : ( 129 ) قالوا أوذينا من . . . . . ) قالوا ( أي بنوا إسرائيل ) أوذينا من قبل أن تأتينا ( بالرسالة بقتل الابناء ) ومن بعد ما جئتنا ( بإعادته ) قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض ( تصريحا ________________________________________ " صفحة رقم 51 " لما كنى عنه أولا لما رأى انهم لم يتسلوما بذلك ولعله أتى بفعل الطمع لعدم جزمه بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم وقد روي أن مصر إنما فتح لهم في زمن داود عليه السلام ) فينظر كيف تعملون ( فيرى ما تعملون من شكر وكفران وطاعة وعصيان فيجاريكم على حسب ما يوجد منكم الأعراف : ( 130 ) ولقد أخذنا آل . . . . . ) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ( بالجدوب لقلة الامطار والمياه والسنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويرخ به ثم اشتق منها فقيل اسنت القوم إذا قحطوا ) ونقص من الثمرات ( بكثرة العاهات ) لعلهم يذكرون ( لكي ينتبهوا على أن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم فيتعطوا أو ترق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا إلى الله ويرغبوا فيما عنده الأعراف : ( 131 ) فإذا جاءتهم الحسنة . . . . . ) فإذا جاءتهم الحسنة ( من الخصب والسعة ) قالوا لنا هذه ( لأجلنا ونحن مستحقوها ) وإن تصبهم سيئة ( جدب وبلا ) يطيروا بموسى ومن معه ( يتشاءموا بهم ويقولوا ما اصابتنا إلا بشؤهم وهذا اغراق في وصهم بالغباوة والقساوة فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك سيما بعد مشاهدة الايات وهم لم تثر فيهم بل زادوا عندها عتوا وانهماكا في الغي وانما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق لكثرة وقوعها وتعلق الارادة بأحداثنا بالذات ونكر السيئة وأتى بها مع حرف الشك لندورها ________________________________________ " صفحة رقم 52 " وعدم القصد لها إلا بالتبع ) ألا إنما طائرهم عند الله ( أي سبب خبرهم وشرهم عنده وهو حكمته ومشيئته أو سبب شؤمهم عند الله وهو أعمالهم المكتوبة عنده فإنها التي ساقت ما يسوؤهم وقرئ إنما طيرهم وهو اسم الجمع وقيل هو جمع ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن ما يصيبهم من الله تعالى أو من شؤم أعمالهم الأعراف : ( 132 ) وقالوا مهما تأتنا . . . . . ) وقالوا مهما ( أصلها ما الشرطية ضمت إليها ما المزيدة للتأكيد ثم قلبت ألفها هاء استثقالا للتكرير وقيل مركبة من مه الذي يصوت به الكاف وما الجزائية ومحلها الرفع على الابتداء أو النصب بفعل يفسره ) تأتنا به ( أي أيما شيء تحضرنا تأتنا به ) من آية ( بيان لمهما وانما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقاهم ولذلك قالوا ) لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ( أي لتسحر بها أعيننا وتشبه علينا والضمير في به وبها لمهما ذكره قبل التبيين باعتبار اللفظ وأنه بعده باعتبار المعنى الأعراف : ( 133 ) فأرسلنا عليهم الطوفان . . . . . ) فأرسلنا عليهم الطوفان ( ماء طاف بهم وغشى اماكمنهم حروثهم من مطر أو سيل وقيل الجدري وقيل الموتان وقيل الطاعون ) والجراد والقمل ( قيل هو كبار ________________________________________ " صفحة رقم 53 " القردان وقيل أولاد الجراد قبل نبات اجنحتها ) والضفادع والدم ( روي انهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة وركد على اراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها ودام ذلك عليهم اسبوعا فقالوا لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع تأكل الابواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانيا فدعا وخرج إلى الصحراء واشار بعصان نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا فسلط الله عليهم القمل فأكل ما ابقاه الجراد واكن يقع في اطعمتهم ويدخل بين اثوابهم وجلودهم فيمصها ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الآن انك ساحر ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي وافواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دما حتى كان يجتمع القبطي مع الاسرائيلي على أناء فيكون ما يلي القبطي دما وما يلي الاسرائيلي ماء ويمص الماء من فم الاسرائيلي فيصير دما في فيه وقيل سلط الله عليهم الرعاف ) آيات ( نصب على الحال ) مفصلات ( مبينات لا تشكل على عاقل إنها آيات الله ونقمته عليهم أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة اسبوعا وقيل أن موسى لبث فيهم بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الايات على مهل ) فاستكبروا ( عن الإيمان ) وكانوا قوما مجرمين ) الأعراف : ( 134 ) ولما وقع عليهم . . . . . ) ولما وقع عليهم الرجز ( يعني العذاب المفصل أو الطاعون الذي ارسله الله عليهم بعد ذلك ) قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ( بعهده عندك وهو النبوة أو بالذي عهده إليك أن تدعه به فيجيبك كما اجابك في آياتك وهو صلة لا دع اوة حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلا إليه بما عهد عنك أو متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا إلى ما نطلب منك بحق ما معهد عندك أو قسم مجاب بقوله ) لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ( أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ولنرسلن الأعراف : ( 135 ) فلما كشفنا عنهم . . . . . ) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ( إلى حد من الزمان هم بالغوه فمعذبون ________________________________________ " صفحة رقم 54 " فيه أو مهلكون وهو وقت الغرق أو الموت وقيل إلى اجل عينوه لايمانهم ) إذا هم ينكثون ( جواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجؤوا النكث من غير تأمل وتوقف فيه الأعراف : ( 136 ) فانتقمنا منهم فأغرقناهم . . . . . ) فانتقمنا منهم ( فأردنا الانتقام منهم ) فأغرقناهم في اليم ( أي البحر الذي لا يدرك قعره وقيل لجته ) بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( أي كان اغراقهم بسبب تكذيبهم بالايات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله ) فانتقمنا منهم ) الأعراف : ( 137 ) وأورثنا القوم الذين . . . . . ) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ( بالاستبعاد وذبح الابناء من مستضعفيهم ) مشارق الأرض ومغاربها ( يعني ارض الشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعة والعمالقة وتمكنوا في نواحيها ) التي باركنا فيها ( بالخصب وسعة العيش ) وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل ( ومضت عليهم واتصلت بالانجاز عدته اياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله تعالى ) ونريد أن نمن ( إلى قوله ) ما كانوا يحذرون ( وقرئ / كلمات ربك / لتعدد المواعيد ) بما صبروا ( بسبب صبرهم على الشدائد ) ودمرنا ( وخربنا ) ما كان يصنع فرعون وقومه ) الأعراف : ( 138 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . . وقوله ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( وما بعده ذكر ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشنيعة بعد أن من الله عليهم بالنعم الجسام واراهم من الايات العظام تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما أرى منهم وايقاظا للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم روي أن موسى عليه الصلاة والسلام معبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون ________________________________________ " صفحة رقم 55 " وقومه فصاموه شكرا ) فأتوا على قوم ( فمروا عليهم ) يعكفون على أصنام لهم ( يقيمون على عبادتها قيل كانت تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل والقوم كانوا من العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم وقيل من لخم وقرأ حمزة والكسائي يعكفون بالكسر ) قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ( مثالا نعبده ) كما لهم آلهة ( يعبدونها وما كافة للكاف ) قال إنكم قوم تجهلون ( وصفهم بالجهل المطلق واكده لبعد ما صدر عنهم بعد ما رأوا من الايات الكبرى عن العقل الأعراف : ( 139 ) إن هؤلاء متبر . . . . . ) إن هؤلاء ( إشارة إلى القوم ) متبر ( مكسر مدمر ) ما هم فيه ( يعني أن الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم اصنامهم ويجعلها رضاضا ) وباطل ( مضمحل ) ما كانوا يعملون ( من عبادتها وان قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى وانما بالغ في هذا الكلام بايقاع ) هؤلاء ( اسم ) إن ( والاخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لان للتنبيه على أن الدمار لا حق لما هم فيه لا محالة وان الاحباط الكلي لازب لما مضى عنهم تنفيرا وتحذيرا عما طلبوا الأعراف : ( 140 ) قال أغير الله . . . . . ) قال أغير الله أبغيكم إلها ( طلب لكم معبودا ) وهو فضلكم على العالمين ( والحال انه خصكم بنعم لم يعطها غيركم وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله اياهم من امثالهم لما لم يستحقوه تفضلا بأن قصدوا أن يشركوا به اخس شيء من مخلوقاته ________________________________________ " صفحة رقم 56 " الأعراف : ( 141 ) وإذ أنجيناكم من . . . . . ) وإذ نجيناكم من آل فرعون ( واذكروا صنيعه معكم في هذا الوقت وقرا ابن عامر انجاكم ) يسومونكم سوء العذاب ( استئناف لبيان ما انجاهم منه أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما ) يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( بدل منه مبين ) وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( وفي الانجاء أو العذاب نعمة أو محنة عظيمة الأعراف : ( 142 ) وواعدنا موسى ثلاثين . . . . . ) وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ( ذا القعدة وقرا أبو عمرو ويعقوب / ووعدنا / ) وأتممناها بعشر ( من ذي الحجة ) فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( بالغا أربعين روي انه عليه الصلاة والسلام وعد بني إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سال ربه فأمره الله بصوم ثلاثين فلما أتم انكر خلوف فيه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرا وقيل آمره بان يتخلى ثلاثين بالصوم والعبادة ثم انزل عليه التوراة في العشر وكلمة فيها ) وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي ( كن خليفتي فيهم ) وأصلح ( ما يجب أن يصلح من امورهم أو كن مصلحا ) ولا تتبع سبيل المفسدين ( ولا تتبع من سلك الافساد ولا تطع من دعاك إليه الأعراف : ( 143 ) ولما جاء موسى . . . . . ) ولما جاء موسى لميقاتنا ( لو قتنا الذي وقتناه واللام للاختصاص أي اختص مجيئه لمقاتنا ) وكلمه ربه ( من غير وسيط كما يكلم الملائكة وفيما روي أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة تنبيه على أن سماع كلامه التقديم ليس من جنس كلام المحدثين ) قال رب أرني أنظر إليك ( ارني نفسك بان تمكنني من رؤيتك أو يتجلى لي فأنظر إليك واراك وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائرة في الجملة ________________________________________ " صفحة رقم 57 " لان طلب المستحيل من الأنبياء محال وخصوصا ما يقتضي الجهل بالله ولذلك رده بقوله تعالى ) لن تراني ( دون لن أرى أو لن أريك أو لن تنظر الي تنبيها على انه قاصر عن رؤيته لتوقفها على معد في الرائي لم يوجد فيه بعد وجعل أن يجعلهم ويزيح شبهتهم كما فعل بهم حين قالوا ) اجعل لنا إلها ( ولا يتبع سبيلهم كما قال لأخيه ) ولا تتبع سبيل المفسدين ( والاستدلال بالجواب على استحالتها اشد خطأ إذ لا يدل الأخبار عن عدم رؤيته اياه على أن لا يراه غيره أصلا فضلا عن أن يدل على استحالتها ودعوى الضرورة فيه مكابرة أو جهالة بحقيقة الرؤية ) قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ( استدراك يريد أن يبين به أنه لا يطيقه وفي تعليق الرؤية بالاستقرار أيضا دليل على الجواز ضرورة أن المعلق على الممكن ممكن والجبل قيل هو جبل زبير ) فلما تجلى ربه للجبل ( ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وأمره وقيل أعطى ________________________________________ " صفحة رقم 58 " له حياة ورؤية حتى رآه ) جعله دكا ( مدكوكا مفتتا والدك والدق أخوان كالشك والشق وقرأ حمزة والكسائي دكاء أي أرضا مستوية ومنه دكاء التي لا سنام لها وقرئ ) دكا ( أي قطعا جمع دكاء ) وخر موسى صعقا ( مغشيا عليه من هول ما رأى ) فلما أفاق قال ( تعظيما لما رأى ) سبحانك تبت إليك ( من الجراءة والأقدام على السؤال من غير أذن ) وأنا أول المؤمنين ( مر تفسيره وقيل معناه أنا أول من أمن بأنك لا ترى في الدنيا الأعراف : ( 144 ) قال يا موسى . . . . . ) قال يا موسى إني اصطفيتك ( اخترتك ) على الناس ( أي الموجودين في زمانك وهارون وان كان نبيا كان مأمورا باتباعه ولم يكن كليما ولا صاحب شرع برسالتي يعني اسفار التوراة وقرا ابن كثير ونافع ) وبكلامي ( وبتكليمي اياك ) فخذ ما آتيتك ( أعطيتك من الرسالة ) وكن من الشاكرين ( على النعمة فيه روي أن سؤال الرؤية كان يوم عرفة واعطاء التوراة كان يوم النحر الأعراف : ( 145 ) وكتبنا له في . . . . . ) وكتبنا له في الألواح من كل شيء ( مما يحتاجون إليه من أمر الدين ) موعظة وتفصيلا لكل شيء ( بدل من الجار والمجرور أي وكتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام واختلف في أن الالواح كانت عشرة أو سبعة وكانت من زمرد أو زبرجد أو ياقوت أحمر أو صخرة صماء لينها الله لموسى فقطعها بيده وسقفها بأصابعه وكان فيها التوراة أو غيرها ) فخذها ( على إضمار القول عطفا على كتبنا أو بدل من قوله ) فخذ ما آتيتك ( والهاء للألواح أو لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء أو للرسالات ) بقوة ( بجد وعزيمة ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( أي بأحسن ما فيها كالصبر والعفو بالإضافة إلى ________________________________________ " صفحة رقم 59 " الانتصار والاقتصاص على طريقة الندب والحث على الأفضل كقوله ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( أو بواجباتها فإن الواجب أحسن من غيره ويجوز أن يراد بالأحسن البالغ في الحسن مطلقا لا بالاضافة وهو المأمور به كقولهم الصيف أحر من الشتاء ) سأريكم دار الفاسقين ( دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها أو منازل عاد وثمور واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا أو دارهم في الآخرة وهي جهنم وقرئ سأوريكم بمعنى سأبين لكم من اوريت الزند وسأورثكم ويؤيده قوله ) وأورثنا القوم ) الأعراف : ( 146 ) سأصرف عن آياتي . . . . . ) سأصرف عن آياتي ( المنصوبة في الأفاق والانفس ) الذين يتكبرون في الأرض ( بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وقيل سأصرفهم عن إبطالها وان اجتهدوا ما فعل فرعون فعاد عليه باعلائها أو باهلاكهم ) بغير الحق ( صلة يتكبرون أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل أو حال من فاعله ) وإن يروا كل آية ( منزلة أو معجزة ) لا يؤمنوا بها ( لعنادهم واختلال عقولهم بسبب انهماكهم في الهوى والتقليد وهو يؤيد الوجه الأول ) وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ( لاستيلاء الشيطنة عليهم وقرأ حمزة والكسائي الرشد بفتحتين وقرئ الرشاد وثلاثتها لغات كالسقم والسقم والسقام ) وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم للآيات ويجوز أن ينصب ذلك على المصدر أي سأصرف ذلك الصرف بسببهما الأعراف : ( 147 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . . ) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ( أي ولقائهم الدار الآخرة أو ما وعد الله في الدار الآخرة ) حبطت أعمالهم ( لا ينتفعون بها ) هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( إلا جزاء أعمالهم الأعراف : ( 148 ) واتخذ قوم موسى . . . . . ) واتخذ قوم موسى من بعده ( من بعد ذهابه للميقات ) من حليهم ( التي استعاروا ________________________________________ " صفحة رقم 60 " من القبط حين هموا بالخروج من مصر واضافتها إليهم لأنها كانت في أيديهم أو ملكوها بعد هلاكهم وهو جمع حلي كثدي وثدي وقرأ حمزة والكسائي بالكسر بالاتباع كدلي ويعقوب على الإفراد ) عجلا جسدا ( بدنا ذا لحم ودم أو جسدا من الذهب خاليا من الروح ونصبه على البدل ) له خوار ( صوت البقر روي أن السامري لما صاغ العجل ألقى في فمه من تراب اثر فرس جبريل فصار حيا وقيل صاغه بنوع من الحيل فتدخل الريح جوفه وتصوت وانما نسب الاتخاذ إليهم وهو فعله أما لانهم رضوا به أو لأن المراد اتخاذهم إياه إلها وقرئ جؤار أي صياح ) ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ( تقريع على فرط ضلالتهم واخلالهم بالنظر والمعنى آلم يروا حين اتخذوه إلها انه لا يقدر على كلام ولا على ارشاد سبيل كآحاد البشر حتى حسبوا انه خالق الأجسام والقوى والقدر ) اتخذوه ( تكرير للذم أي اتخذوه إلها ) وكانوا ظالمين ( واضعين الأشياء في غير مواضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم الأعراف : ( 149 ) ولما سقط في . . . . . ) ولما سقط في أيديهم ( كناية عن اشتداد ندمهم فإن النادم المتحسر يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها وقرئ سقط على بناء الفعل للفاعل بمعنى وقع العض فيها ________________________________________ " صفحة رقم 61 " وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم ) ورأوا ( وعلموا ) أنهم قد ضلوا ( باتخاذ العجل ) قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ( بإنزال التوراة ) ويغفر لنا ( بالتجاوز عن الخطيئة ) لنكونن من الخاسرين ( وقرأهما حمزة والكسائي بالتاء و ) ربنا ( على النداء الأعراف : ( 150 ) ولما رجع موسى . . . . . ) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( شديد الغضب وقيل حزينا ) قال بئسما خلفتموني من بعدي ( فعلتم بعدي حيث عبدتم العجل والخطاب للعبدة أو أقمتم مقامي فلم تكفوا العبدة والخطاب لهارون والمؤمنين معه وما نكرة موصوفة تفسر المستكن في بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم ومعنى من بعدي من بعد انطلاقي أو من بعد ما رأيتم مني من التوحيد والتنزيه والحمل عليه والكف عما ينافيه ) أعجلتم أمر ربكم ( أتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق فعدى تعديته أو أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين وقدرتم موتي وغيرتم بعدي كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم ) وألقى الألواح ( طرحها من شدة الغضب وفرط الضجر حمية للدين روي أن التوراة كانت سبعة اسباع في سبعة الواح فلما القاها انكسرت فرفع ستة اسباعها وكان فيها تفصيل كل شيء وبقي سبع كان فيه المواعظ والاحكام ) وأخذ برأس أخيه ( بشعر رأسه ) يجره إليه ( توهما بأنه قصر في كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان احب إلى بني إسرائيل ) قال ابن أم ( ذكر الام ليرفقه عليه وكانا من اب وأم وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم هنا وفي طه يا ابن أم بالكسر وأصله يا ابن أمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا كالمنادي المضاف إلى الياء والباقون بالفتح زيادة في التخفيف لطوله أو تشبيها بخمسة عشر ) إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ( إزاحة لتوهم التقصير في حقه والمعنى بذلت وسعي في كفهم حتى قهروني واستضعفوني وقاربوا قتلي ) فلا تشمت بي الأعداء ( فلا تفعل بي ما يشتمون بي لأجله ) ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( معدودا في عدادهم بالمؤاخذة أو نسبة التقصير الأعراف : ( 151 ) قال رب اغفر . . . . . ) قال رب اغفر لي ( بما صنعت بأخي ) ولأخي ( أن فرط في كفهم ضمه إلى نفسه ________________________________________ " صفحة رقم 62 " في الاستغفار ترضية له ودفعا للشماتة عنه ) وأدخلنا في رحمتك ( بمزيد الإنعام علينا ) وأنت أرحم الراحمين ( فأنت أرحم بنا منا على أنفسنا الأعراف : ( 152 ) إن الذين اتخذوا . . . . . ) إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم ( وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم ) وذلة في الحياة الدنيا ( وهي خروجهم من ديارهم وقيل الجزية ) وكذلك نجزي المفترين ( على الله ولا فرية أعظم من فريتهم وهي قولهم هذا إلهكم وإله موسى ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم الأعراف : ( 153 ) والذين عملوا السيئات . . . . . ) والذين عملوا السيئات ( من الكفر والمعاصي ) ثم تابوا من بعدها ( من بعد السيئات ) وآمنوا ( واشتغلوا بالأيمان وما هو مقتضاه من الأعمال الصالحة ) إن ربك من بعدها ( من بعد التوبة ) لغفور رحيم ( وإن عظم الذنب كجريمة عبدة العجل وكثر كجرائم بني إسرائيل الأعراف : ( 154 ) ولما سكت عن . . . . . ) ولما سكت ( سكن وقد وقرئ ) سكت ( وأسكت على أن المسكت هو الله أو أخوه أو الذين تابوا ) أخذ الألواح ( التي ألقاها ) وفي نسختها ( وفيما نسخ فيها أي كتب فعلة بمعنى مفعول كالخطبة وقيل فيما نسخ منها من الالواح المنكسرة ) هدى ( بيان للحق ) ورحمة ( إرشاد إلى الصلاح والخير ) للذين هم لربهم يرهبون ( ________________________________________ " صفحة رقم 63 " دخلت اللام على المفعول لضعف الفعل بالتأخير أو حذف المفعول واللام للتعليل والتقدير يرهبون معاصي الله لربهم الأعراف : ( 155 ) واختار موسى قومه . . . . . ) واختار موسى قومه ( أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل إليه ) سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة ( روي أنه تعالى أمره أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاجروا فقال إن لمن قعد اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين فلما دنوا من الجبل غشيه غمام فدخل موسى بهم الغمام وخروا سجدا فسمعوه تعالى يكلم موسى يأمره وينهاه ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه وقالوا ) لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ( فأخذتهم الرجفة أي الصاعقة أو رجفة الجبل فصعقوا منها ) قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ( تمنى هلاكهم وهلاكه قبل أن يرى ما رأى أو بسبب آخر أو عنى به أنك قدرت على اهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على اهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرهما فترحمت عليهم بالانقاذ منها فإن ترحمت عليهم مرة أخرى لم يبعد من عميم إحسانك ) أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ( من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكان ذلك قاله بعضهم وقيل المراد بما فعل السفهاء عبادة العجل والسبعون اختارهم موسى لميقات التوبة عنها فغشيتهم هيبة قلقوا منها ورجفوا حتى كادت تبين مفاصلهم وأشرفوا على الهلاك فخاف عليهم موسى فبكى ودعا فكشفها الله عنهم ) إن هي إلا فتنتك ( ابتلاؤك حين أسمعتهم كلامك حتى طمعوا في الرؤية أو أوجدت في العجل خوارا فزاغوا به ) تضل بها من تشاء ( ضلاله بالتجاوز عن حده أو باتباع المخايل ) وتهدي من تشاء ( هداه فيقوى بها ايمانه ) أنت ولينا ( القائم بأمرنا ) فاغفر لنا ( بمغفرة ما قارفنا ) وارحمنا وأنت خير الغافرين ( تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة ________________________________________ " صفحة رقم 64 " الأعراف : ( 156 ) واكتب لنا في . . . . . ) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة ( حسن معيشة وتوفيق طاعة ) وفي الآخرة ( الجنة ) إنا هدنا إليك ( تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع وقرئ بالكسر من هاده يهيده إذا أماله ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وللمفعول بمعنى املنا أنفسنا وأملنا إليك ويجوز أن يكون المضموم أيضا مبنيا للمفعول منه على لغة من يقول عود المريض ) قال عذابي أصيب به من أشاء ( تعذيبه ) ورحمتي وسعت كل شيء ( في الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره ) فسأكتبها ( فسأثبتها في الآخرة أو فسأكتبها كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل ) للذين يتقون ( الكفر والمعاصي ) ويؤتون الزكاة ( خصها بالذكر لإنافتها ولأنها كانت أشق عليهم ) والذين هم بآياتنا يؤمنون ( فلا يكفرون بشيء منها الأعراف : ( 157 ) الذين يتبعون الرسول . . . . . ) الذين يتبعون الرسول النبي ( مبتدأ خبره يأمرهم أو خبر مبتدأ تقديره هم الذين أو بدل من الذين يتقون بدل البعض أو الكل والمراد من آمن منهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما سماه رسولا بالإضافة إلى الله تعالى ونبيا بالإضافة إلى العباد ) الأمي ( الذي لا يكتب ولا يقرأ وصفه به تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته ) الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( اسما وصفة ) يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ( مما حرم عليهم كالشحوم ) ويحرم عليهم الخبائث ( كالدم ولحم الخنزير أو كالربا والرشوة ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ( ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعيين القصاص في العمد والخطأ وقطع الاعضاء الخاطئة وقرض ________________________________________ " صفحة رقم 65 " موضع النجاسة وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحراك لثقله وقرأ ابن عامر آصارهم ) فالذين آمنوا به وعزروه ( وعظموه بالتقوية وقرئ بالتخفيف وأصله المنع ومنه التعزير ) ونصروه ( لي ) واتبعوا النور الذي أنزل معه ( أي مع نبوته يعني القرآن وإنما سماه نورا لأنه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة ) أولئك هم المفلحون ( الفائزون بالرحمة الابدية ومضمون الآية جواب دعاء موسى ( صلى الله عليه وسلم ) الأعراف : ( 158 ) قل يا أيها . . . . . ) قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم ( الخطاب عام كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مبعوثا إلى كافة الثقلين وسائر الرسل إلى أقوامهم ) جميعا ( حال من إليكم ) الذي له ملك السماوات والأرض ( صفة لله وإن حيل بينهما بما هو متعلق المضاف إليه لأنه كالتقدم عليه أو مدح منصوب أو مرفوع أو مبتدأ خبره ) لا إله إلا هو ( وهو على الوجوه الأول بيان لما قبله فإن من ملك العالم كان هو الإله لا غيره وفي ) يحيي ويميت ( مزيد تقرير لاختصاصه بالألوهية ) فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ( ما أنزل عليه وعلى سائر الرسل من كتبه ووحيه وقرئ وكلمته على إرادة الجنس أو القرآن أو عيسى تعريضا لليهود وتنبيها على أن من لم يؤمن به لم يعتبر ايمانه وانما عدل عن التكلم إلى الغيبة لإجراء هذه الصفات الداعية إلى الإيمان به والاتباع له ) واتبعوه لعلكم تهتدون ( جعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين تنبيها على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو يعد في خطط الضلالة ________________________________________ " صفحة رقم 66 " الأعراف : ( 159 ) ومن قوم موسى . . . . . ) ومن قوم موسى ( يعنى من بني إسرائيل ) أمة يهدون بالحق ( يهدون الناس محقين أو بكلمة الحق ) وبه ( بالحق يعدلون بينهم في الحكم والمراد بها الثابتون على الإيمان القائمون بالحق من أهل زمانه اتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن تنبيها على أن تعارض الخير والشر وتزاحم أهل الحق والباطل أمر مستمر وقيل مؤمنو أهل الكتاب وقيل قوم وراء الصين رآهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة المعراج فآمنوا به الأعراف : ( 160 ) وقطعناهم اثنتي عشرة . . . . . ) وقطعناهم ( وصيرناهم قطعا متميزا بعضهم عن بعض ) اثنتي عشرة ( مفعول ثان لقطع فإنه متضمن معنى صير أو حال وتأنيثه للحمل على الأمة أو القطعة ) أسباطا ( بدل منه ولذلك جمع أو تمييز له على أن كل واحد من اثنتي عشرة اسباط فكأنه قيل اثنتي عشرة قبيلة وقرئ بكسر الشين وإسكانها ) أمما ( على الأول بدل بعد بدل أو نعت أسباط وعلى الثاني بدل من اسباط ) وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ( في التيه ) أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست ( أي فضرب فانبجست وحذفه للإيماء على أن موسى ( صلى الله عليه وسلم ) لم يتوقف في الامتثال وان ضربه لم يكن مؤثرا يتوقف عليه الفعل في ذاته ) منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس ( كل سبط ) مشربهم وظللنا عليهم الغمام ( ليقيهم حر الشمس ) وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا ( أي وقلنا لهم كلوا ) من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( سبق تفسيره في سورة البقرة الأعراف : ( 161 ) وإذ قيل لهم . . . . . ) وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ( بإضمار اذكروا لقرية بيت المقدس ) وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ( مثل ما في سورة البقرة معنى غير أن قوله ) فكلوا ( فيها بالفاء أفاد تسبب سكناهم للأكل منها ولم يتعرض له ها هنا اكتفاء بذكره ثمة أو بدلالة الحال عليه واما تقديم قوله قولوا على وادخلوا فلا أثر له في المعنى لأنه لا ________________________________________ " صفحة رقم 67 " يوجب الترتيب وكذا الواو العاطفة بينهما ) نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ( وعد بالغفران والزيادة عليه بالإثابة وانما اخرج الثاني مخرج الاستئناف للدلالة على أنه تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب تغفر بالتاء والبناء للمفعول و ) خطيئاتكم ( بالجمع والرفع غير ابن عامر فإنه وحد وقرأ أبو عمرو خطاياكم الأعراف : ( 162 ) فبدل الذين ظلموا . . . . . ) فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون ( مضى تفسيره فيها الأعراف : ( 163 ) واسألهم عن القرية . . . . . ) واسألهم ( للتقرير والتقريع بقديم كفرهم وعصيانهم والإعلام بما هو من علومهم التي لا تعلم إلا بتعليم أو وحي ليكون لك ذلك معجزة عليهم ) عن القرية ( عن خبرها وما وقع بأهلها ) التي كانت حاضرة البحر ( قريبة منه وهي أيلة قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر وقيل مدين وقيل طبرية ) إذ يعدون في السبت ( يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت ) وإذ ( ظرف ل ) كانت ( أو ) حاضرة ( أو للمضاف المحذوف أو بدل منه بدل اشتمال ) إذ تأتيهم حيتانهم ( ظرف ل ) يعدون ( أو بدل بعد بدل وقرئ ) يعدون ( وأصله يعتدون ويعدون من آل الإعداد أي يعدون آلات الصيد يوم السبت وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة ) يوم سبتهم شرعا ( يوم تعظيمهم أمر السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة وقيل اسم لليوم والإضافة لاختصاصهم بإحكام فيه ويؤيد الأول إن قرئ يوم اسباتهم وقوله ) ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 68 " وقرئ ) لا يسبتون ( من أسبت و ) لا يسبتون ( على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون في السبت و ) شرعا ( حال من الحيتان ومعناه ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف ) كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ( مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم وقيل كذلك متصل بما قبله أي لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السبت والباء متعلق ب ) يعدون ) الأعراف : ( 164 ) وإذ قالت أمة . . . . . ) وإذ قالت ( عطف على ) إذ يعدون ( ) أمة منهم ( جماعة من أهل القرية يعني صلحاءهم الذين اجتهدوا في موعظتهم حتى أيسوا من اتعاظهم ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( مخترمهم ) أو معذبهم عذابا شديدا ( في الآخرة لتماديهم في العصيان قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينفع فيهم أو سؤالا عن علة الوعظ ونفعه وكأنه تقاول بينهم أو قول من ارعوى عن الوعظ لمن لم يرعو منهم وقيل المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعاظهم ردا عليهم وتهكما بهم ) قالوا معذرة إلى ربكم ( جواب للسؤال أي موعظتنا انهاء عذر إلى الله حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر وقرأ حفص ) معذرة ( بالنصب على المصدر أو العلة أي اعتذرنا به معذرة ووعظناهم معذرة ) ولعلهم يتقون ( إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك الأعراف : ( 165 ) فلما نسوا ما . . . . . ) فلما نسوا ( تركوا ترك الناسي ) ما ذكروا به ( ما ذكرهم به صلحاؤهم ) أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ( بالإعتداء ومخالفة أمر الله ) بعذاب بئيس ( شديد فعيل من بؤس يبؤس بؤسا إذا اشتد وقرأ أبو بكر بيئس على فيعل كضيغم وابن عامر بئس بكسر الباء وسكون الهمز على انه بئس كحذر كما قرئ به فخفف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ككبد في كبد وقرأ نافع بيس على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذئب أو على انه فعل الذم وصف به فجعل اسما وقرئ بيس كريس على قلب الهمزة ثم ________________________________________ " صفحة رقم 69 " ادعامها وبيس بالتخفيف كهين وبائس كفاعل ) بما كانوا يفسقون ( بسبب فسقهم الأعراف : ( 166 ) فلما عتوا عن . . . . . ) فلما عتوا عن ما نهوا عنه ( تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى ) وعتوا عن أمر ربهم ( ) قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( كقوله ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى روي أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا إن لهم شأنا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسبائهم ولكن القردة تعرفهم فجعلت تأتي انسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم الأعراف : ( 167 ) وإذ تأذن ربك . . . . . ) وإذ تأذن ربك ( أي أعلم من الإيذان بمعناه كالتوعد والإيعاد أو عزم لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله فأجرى مجرى فعل القسم كعلم الله و ) شهد الله ( ولذلك اجيب بجوابه وهو ) ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ( والمعنى وإذ اوجب ربك على نفسه ليسلطن على اليهود ) من يسومهم سوء العذاب ( كالإذلال وضرب الجزية بعث الله عليهم بعد سليمان عليه السلام بختنصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر ) إن ربك لسريع العقاب ( عاقبهم في الدنيا ) وإنه لغفور رحيم ( لمن تاب وآمن الأعراف : ( 168 ) وقطعناهم في الأرض . . . . . ) وقطعناهم في الأرض أمما ( وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و ) أمما ( مفعول ثان أو حال ) ومنهم دون ذلك ( تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم ) وبلوناهم بالحسنات والسيئات ( بالنعم والنقم ) لعلهم يرجعون ( ينهون فيرجعون عما كانوا عليه ________________________________________ " صفحة رقم 70 " الأعراف : ( 169 ) فخلف من بعدهم . . . . . ) فخلف من بعدهم ( من بعد المذكورين ) خلف ( بدل سوء مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع وقيل جمع وهو شائع في ) ورثوا الكتاب ( التوراة من اسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها ) يأخذون عرض هذا الأدنى ( حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا وهو من الدنو أو الدناءة وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكومة وعلى تحريف الكلم والجملة حال من الواو ) ويقولون سيغفر لنا ( لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه وهو يحتمل العطف والحال والفعل مسند إلى الجار والمجرور أو مصدر يأخذون ) وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ( حال من الضمير في ) لنا ( أي يرجون المغفرة مصرين على الذنب عائدين إلى مثله غير تائبين عنه ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ( أي في الكتاب ) أن لا يقولوا على الله إلا الحق ( عطف بيان للميثاق أو متعلق به أي بأن يقولوا والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة مع عدم التوبة والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب ) ودرسوا ما فيه ( عطف على ) ألم يؤخذ ( من حيث المعنى فإنه تقرير أو على ) ورثوا ( وهو اعتراض ) والدار الآخرة خير للذين يتقون ( مما يأخذ هؤلاء ) أفلا يعقلون ( فيعلموا ذلك ولا يستبدلوا الادنى الدنيء المؤدي إلى العقاب بالنعيم المخلد وقرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء على التلوين الأعراف : ( 170 ) والذين يمسكون بالكتاب . . . . . ) والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ( عطف على الذين ) يتقون ( وقوله ) أفلا يعقلون ( اعتراض أو مبتدأ خبره ) إنا لا نضيع أجر المصلحين ( على تقدير منهم أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع وقرأ أبو بكر ) يمسكون ( بالتخفيف وإفراد الإقامة لإناقتها على سائر أنواع التمسكات ________________________________________ " صفحة رقم 71 " الأعراف : ( 171 ) وإذ نتقنا الجبل . . . . . ) وإذ نتقنا الجبل فوقهم ( أي قلعناه ورفعناه فوقهم وأصل النتق الجذب ) كأنه ظلة ( سقيفة وهي ما أظلك ) وظنوا ( وتيقنوا ) أنه واقع بهم ( ساقط عليهم لأن الجبل لا يثبت في الجو ولأنهم كانوا يوعدون به وإنما أطلق الظن لأنه لم يقع متعلقه وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لثقلها فرفع الله الطور فوقهم وقيل لهم إن قبلتم ما فيها وإذا ليقعن عليكم ) خذوا ( على إضمار القول أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا ) ما آتيناكم ( من الكتاب ) بقوة ( بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو ) واذكروا ما فيه ( بالعمل به ولا تتركوه كالمنسي ) لعلكم تتقون ( قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق الأعراف : ( 172 ) وإذ أخذ ربك . . . . . ) وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ( أي أخرج من اصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن و ) من ظهورهم ( بدل ) من بني آدم ( بدل البعض وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب ذرياتهم ) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ( أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم ) قالوا بلى ( فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنوا منه بمنزلة الاشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله ) أن تقولوا يوم القيامة ( أي كراهة أن تقولوا ) إنا كنا عن هذا غافلين ( لم ننبه عليه بدليل ________________________________________ " صفحة رقم 72 " الأعراف : ( 173 ) أو تقولوا إنما . . . . . ) أو تقولوا ( عطف على ) أن تقولوا ( وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء لان أول الكلام على الغيبة ) إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ( فاقتدينا بهم لان التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذرا ) أفتهلكنا بما فعل المبطلون ( يعنى اباءهم المبطلين بتأسيس الشرك وقيل لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر رضي الله تعالى عنه وقد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب المصابيح والمقصود من إيراد هذا الكلام ها هنا إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما الأعراف : ( 174 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . . ) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ( أي عن التقليد واتباع الباطل الأعراف : ( 175 ) واتل عليهم نبأ . . . . . ) واتل عليهم ( أي على اليهود ) نبأ الذي آتيناه آياتنا ( هو أحد علماء بني إسرائيل أو أمية بن أبي الصلت فإنه كان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل رسولا في ذلك الزمان ورجا أن يكون هو فلما بعث محمد عليه السلام حسده وكفر به أو بلعم بن باعوراء من الكنعانيين أوتي علم بعض كتب الله ) فانسلخ منها ( من الآيات بأن كفر بها ________________________________________ " صفحة رقم 73 " واعرض عنها ) فأتبعه الشيطان ( حتى لحقه وقيل استتبعه ) فكان من الغاوين ( فصار من الضالين روي أن قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه فقال كيف أدعو على من معه الملائكة فألحوا حتى دعا عليهم فبقوا في التيه الأعراف : ( 176 ) ولو شئنا لرفعناه . . . . . ) ولو شئنا لرفعناه ( إلى منازل الابرار من العلماء ) بها ( بسبب تلك الآيات وملازمتها ) ولكنه أخلد إلى الأرض ( مال إلى الدنيا أو إلى السفالة ) واتبع هواه ( في إيثار الدنيا واسترضاء قومه واعرض عن مقتضى الايات وانما علق رفعه بمشيئة الله تعالى ثم استدرك عنه بفعل العبد تنبيها على أن المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه وان عدمه ________________________________________ " صفحة رقم 74 " دليل عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه وان السبب الحقيقي هو المشيئة وان ما نشاهده من الاسباب وسائط معتبرة في حصول المسبب من حيث أن المشيئة تعلقت به كذلك وكان من حقه أن يقول ولكنه اعرض عنها فأوقع موقعه ) أخلد إلى الأرض واتبع هواه ( مبالغة وتنبيها على ما حمله عليه وان حب الدنيا راس كل خطيئة ) فمثله ( فصفته التي هي مثل في الخسة ) كمثل الكلب ( كصفته في أخس أحواله وهو ) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( أي يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد أو ترك ولم يتعرض له بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده واللهث إدلاع اللسان من التنفس الشديد والشرطية في موضع الحال والمعنى لاهثا في الحالتين والتمثيل واقع موقع لازم التركيب الذي هو نفي الرفع ووضع المنزلة للمبالغة والبيان وقيل لما دعا على موسى ( صلى الله عليه وسلم ) خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كالكلب ) ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص ( ________________________________________ " صفحة رقم 75 " القصة المذكورة على اليهود فإنها نحو قصصهم ) لعلهم يتفكرون ( تفكرا يؤدي بهم إلى الاتعاظ ) ساء مثلا القوم ( أي مثل القوم وقرئ الأعراف : ( 177 ) ساء مثلا القوم . . . . . ) ساء مثلا القوم ( على حذف المخصوص بالذم ) الذين كذبوا بآياتنا ( بعد قيام الحجة عليهم وعلمهم بها ) وأنفسهم كانوا يظلمون ( إما أن يكون داخلا في الصلة معطوفا على كذبوا بمعنى الذين جمعوا بين تكذيب الايات وظلم أنفسهم أو منقطعا عنها بمعنى وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتخطاها ولذلك قدم المفعول ________________________________________ " صفحة رقم 76 " الأعراف : ( 178 ) من يهد الله . . . . . ) من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ( تصريح بأن الهدى والضلال من الله وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض وأنها مستلزمة للاهتداء والافراد في الأول والجمع في الثاني باعتبار اللفظ والمعنى تنبيه على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين والاقتصار في الأخبار عمن هداه الله بالمهتدي تعظيم لشأن الاهتداء وتنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها الأعراف : ( 179 ) ولقد ذرأنا لجهنم . . . . . ) ولقد ذرأنا ( خلقنا ) لجهنم كثيرا من الجن والإنس ( يعني المصرين على الكفر ________________________________________ " صفحة رقم 77 " في علمه تعالى ) لهم قلوب لا يفقهون بها ( إذ لا يلقونها إلى معرفة الحق والنظر في دلائله ) ولهم أعين لا يبصرون بها ( أي لا ينظرون إلى ما خلق الله نظر اعتبار ) ولهم آذان لا يسمعون بها ( الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر ) أولئك كالأنعام ( في عدم الفقه والإبصار للاعتبار والاستماع للتدبر أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها ) بل هم أضل ( فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار وتجتهد في جلبها ودفعها غاية جهدها وهم ليسوا كذلك بل أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار ) أولئك هم الغافلون ( الكاملون في الغفلة الأعراف : ( 180 ) ولله الأسماء الحسنى . . . . . ) ولله الأسماء الحسنى ( لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني والمراد بها الألفاظ وقيل الصفات ) فادعوه بها ( فسموه بتلك الأسماء ) وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( واتركوا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه إذ ربما يوهم معنى فاسدا كقولهم يا أبا المكارم يا أبيض الوجه أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمى به نفسه كقولهم ما نعرف إلا رحمان اليمامة أو وذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الاصنام واشتقاق اسمائها منها كاللات من الله والعزى من العزيز ولا توافقوهم عليه أو أعرضوا عنهم فإن الله مجازيهم كما قال ) سيجزون ما كانوا يعملون ( وقرأ حمزة هنا وفي فصلت ) يلحدون ( بالفتح يقال لحد وألحد إذا مال عن القصد ________________________________________ " صفحة رقم 78 " الأعراف : ( 181 ) وممن خلقنا أمة . . . . . ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( ذكر ذلك بعد ما بين أنه خلق للنار طائفة ضالين ملحدين عن الحق للدلالة على أنه خلق أيضا للجنة هادين بالحق عادلين في الأمر واستدل به على صحة الإجماع لأن المراد منه أن في كل قرن طائفة بهذه الصفة لقوله عليه الصلاة والسلام لا تزال من أمتي طائفة على الحق إلى أن يأتي أمر الله إذ لو اختص بعهد الرسول أو غيره لم يكن فائدة فإنه معلوم الأعراف : ( 182 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . . ) والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم ( سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة ) من حيث لا يعلمون ( ما نريد بهم وذلك أن تتواتر عليهم النعم فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغي حتى يحق عليهم كلمة العذاب الأعراف : ( 183 ) وأملي لهم إن . . . . . ) وأملي لهم ( وأمهلهم عطف على ) سنستدرجهم ( ) إن كيدي متين ( إن أخذي شديد وإنما سماه كيدا لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان الأعراف : ( 184 ) أولم يتفكروا ما . . . . . ) أولم يتفكروا ما بصاحبهم ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ) من جنة ( من جنون روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صعد على الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس الله تعالى فقال قائلهم إن صاحبكم لمجنون بات يهوت إلى الصباح فنزلت ) إن هو إلا نذير مبين ( موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر الأعراف : ( 185 ) أولم ينظروا في . . . . . ) أولم ينظروا ( نظر استدلال ) في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ( مما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يمكن حصرها ليدلهم على كمال قدرة صانعها ووحدة مبدعها وعظم شأن مالكها ومتولي أمرها ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه ) وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ( عطف على ملكوت وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وكذا اسم يكون والمعنى أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم ________________________________________ " صفحة رقم 79 " وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مغافصة الموت ونزول العذاب ) فبأي حديث بعده ( أي بعد القرآن ) يؤمنون ( إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية في البيان كأنه إخبار عنهم بالطبع والتصميم على الكفر بعد إلزام الحجة والارشاد إلى النظر وقيل هو متعلق بقوله عسى أن يكون كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن وماذا ينتظرون بعد وضوحه فإنلم يؤمنوا به فبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا به الأعراف : ( 186 ) من يضلل الله . . . . . وقوله ) من يضلل الله فلا هادي له ( كالتقرير والتعليل له ) ونذرهم في طغيانهم ( بالرفع على الاستئناف وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء لقوله ) من يضلل الله ( وحمزة والكسائي به وبالجزم عطفا على محل ) فلا هادي له ( كأنه قيل لا يهده أحد غيره ) ونذرهم ( ) يعمهون ( حال من هم الأعراف : ( 187 ) يسألونك عن الساعة . . . . . ) يسألونك عن الساعة ( أي عن القيامة وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لأنها على طولها عند الله كساعة ) أيان مرساها ( متى إرساؤها أي إثباتها واستقرارها ورسو الشيء ثباته واستقراره ومنه رسا الجبل وأرسى السفينة واشتقاق ) أيان ( من أي لأن معناه أي وقت وهو من أويت إليه لأن البعض أوى إلى الكل ) قل إنما علمها عند ربي ( استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ) لا يجليها لوقتها ( لا يظهر أمرها في وقتها ) إلا هو ( والمعنى أن الخفاء بها مستمر ________________________________________ " صفحة رقم 80 " على غيره إلى وقت وقوعها واللام للتأقيت كاللام في قوله ) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( ) ثقلت في السماوات والأرض ( عظمت على أهلها من الملائكة والثقلين لهولها وكأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها ) لا تأتيكم إلا بغتة ( إلا فجأة على غفلة كما قال عليه الصلاة والسلام إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ) يسألونك كأنك حفي عنها ( عالم بها فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه فإن من بالغفي السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ولذلك عدي بعن وقيل هي صلة ) يسألونك ( وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتحضهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها وقيل معناه كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه من حفى بالشيء إذا فرح أن تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه ) قل إنما علمها عند الله ( كرره لتكرير يسألونك لما نيط به من هذه الزيادة وللمبالغة ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن علمها عند الله لم يؤته أحدا من خلقه ________________________________________ " صفحة رقم 81 " الأعراف : ( 188 ) قل لا أملك . . . . . ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ( جلب نفع ولا دفع ضر وهو إظهار للعبودية والتبري من ادعاء العلم بالغيوب ) إلا ما شاء الله ( من ذلك فيلهمني إياه ويوفقني له ) ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ( ولو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه من استكثار المنافع واجتناب المضار حتى لا يمسني سوء ) إن أنا إلا نذير وبشير ( ما أنا إلا عبد مرسل للانذار والبشارة ) لقوم يؤمنون ( فإنهم المنتفعون بهما ويجوز أن يكون متعلقا بال ) بشير ( ومتعلق آل ) نذير ( محذوف الأعراف : ( 189 ) هو الذي خلقكم . . . . . ) هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( هو آدم ) وجعل منها ( من جسدها من ضلع من اضلاعها أو من جنسها كقوله ) جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( ) زوجها ( ________________________________________ " صفحة رقم 82 " حواء ) ليسكن إليها ( ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب ) فلما تغشاها ( أي جامعها ) حملت حملا خفيفا ( خف عليها ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى أو محمولا خفيفا وهو النطفة ) فمرت به ( فاستمرت به أي قامت وقعدت وقرئ ) فمرت ( بالتخفيف وفاستمرت به وفمارت من المور وهو المجيء والذهاب أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه ) فلما أثقلت ( صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها وقرئ على البناء للمفعول أي أثقلها حملها ) دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ( ولدا سويا قد صلح بدنه ) لنكونن من الشاكرين ( لك على هذه النعمة المجددة الأعراف : ( 190 ) فلما آتاهما صالحا . . . . . ) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ( أي جعل اولادهما له شركاء فيما آتى اولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويدل عليه قوله ) فتعالى الله عما يشركون ( ________________________________________ " صفحة رقم 83 " الأعراف : ( 191 ) أيشركون ما لا . . . . . ) أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ( يعني الأصنام وقيل لما حملت حواء اتاهما إبليس في صورة رجل فقال لها ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث وكان اسمه حارثا بين الملائكة فتقبلت فلما ولدت سمياه عبد الحارث وأمثال ذلك لا يليق بالانبياء ويحتمل أن يكون الخطاب في ) خلقكم ( لآل قصي من قريش فإنهم خلقوا من نفس قصي وكان له زوج من جنسه عربية قرشية وطلبا من الله الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم عبد مناف وعبد شمس وعبد قصي وعبد الدار ويكون الضمير في ) يشركون ( لهما ولأعقابهما المقتدين بهما وقرأ نافع وأبو بكر شركا أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك وهم الشركاء وهم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة الأعراف : ( 192 ) ولا يستطيعون لهم . . . . . ) ولا يستطيعون لهم نصرا ( أي لعبدتهم ) ولا أنفسهم ينصرون ( فيدفعون عنها ما يعتريها الأعراف : ( 193 ) وإن تدعوهم إلى . . . . . ) وإن تدعوهم ( أي المشركين ) إلى الهدى ( إلى الإسلام ) لا يتبعوكم ( وقرأ نافع بالتخفيف وفتح الباء وقيل الخطاب للمشركين وهم ضمير الاصنام أي إن تدعوهم إلى أن يهدوكم لا يتبعوكم إلى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله ) سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ( وإنما لم يقل أم صمتم للمبالغة في عدم إفادة الدعاء من حيث إنه مسوى بالثبات على الصمات أو لأنهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم فكأنه قيل سواء عليكم احداثكم دعاءهم واستمراركم على الصمات عن دعائهم ________________________________________ " صفحة رقم 84 " الأعراف : ( 194 ) إن الذين تدعون . . . . . ) إن الذين تدعون من دون الله ( أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة ) عباد أمثالكم ( من حيث إنها مملوكة مسخرة ) فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ( أنهم آلهة ويحتمل أنهم لما نحتوها بصور الأناسي قال لهم أن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء امثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحق بعضكم عبادة بعض ثم عاد عليه بالنقض فقال الأعراف : ( 195 ) ألهم أرجل يمشون . . . . . ) ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ( وقرئ ) إن الذين ( بتخفيف ) إن ( ونصب ) عباد ( على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية ولم يثبت مثله و ) يبطشون ( بالضم ها هنا وفي القصص والدخان ) قل ادعوا شركاءكم ( واستعينوا بهم في عداوتي ) ثم كيدون ( فالبغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهي أنتم وشركاؤكم ) فلا تنظرون ( فلا تمهلون فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه الأعراف : ( 196 ) إن وليي الله . . . . . ) إن وليي الله الذي نزل الكتاب ( القرآن ) وهو يتولى الصالحين ( أي ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلا عن أنبيائه الأعراف : ( 197 ) والذين تدعون من . . . . . ) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ( من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم الأعراف : ( 198 ) وإن تدعوهم إلى . . . . . ) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه الأعراف : ( 199 ) خذ العفو وأمر . . . . . ) خذ العفو ( أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وتسهل ولا تطلب ما يشق عليهم من العفو الذي هو ضد الجهد أو ) خذ العفو ( عن المذنبين أو الفضل وما يسهل من صدقاتهم وذلك قبل وجوب الزكاة ) وأمر بالعرف ( المعروف المستحسن من الأفعال ) وأعرض عن الجاهلين ( فلا تمارهم ولا تكافئهم بمثل أفعالهم وهذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق آمرة للرسول باستجماعها ________________________________________ " صفحة رقم 85 " الأعراف : ( 200 ) وإما ينزغنك من . . . . . ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( ينخسنك منه نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب وفكر والنزغ والنسغ والنخس الغرز شبه وسوسته إغراء لهم على المعاصي وإزعاجا بغرز السائق ما يسوقه ) فاستعذ بالله إنه سميع ( يسمع استعاذتك ) عليم ( يعلم ما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه أو سميع بأقوال من آذاك عليهم بأفعاله فيجازيه عليها مغنيا إياك عن الانتقام ومشايعة الشيطان الأعراف : ( 201 ) إن الذين اتقوا . . . . . ) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان ( لمة منه وهو اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم أو من طاف به الخيال يطيف طيفا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب طيف على أنه مصدر أو تخفيف طيف كلين وهين والمراد بالشيطان الجنس ولذلك جمع ضميره ) تذكروا ( ما أمر الله به ونهى عنه ) فإذا هم مبصرون ( بسبب التذكر مواقع الخطأ ومكايد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها والآية تأكيد وتقرير لما قبلها وكذا قوله الأعراف : ( 202 ) وإخوانهم يمدونهم في . . . . . ) وإخوانهم يمدونهم ( أي وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا بمدهم الشياطين ) في الغي ( بالتزيين والحمل عليه وقرئ ) يمدونهم ( من أمد ويمادونهم كأنهم يعينونهم بالتسهيل والاغراء وهؤلاء يعينونهم بالاتباع والامتثال ) ثم لا يقصرون ( ثم لا يمسكون عن اغوائهم حتى يردوهم ويجوز أن يكون الضمير للاخوان أي لا يكفون عن الغي ولا يقصرون كالمتقين ويجوز أن يراد بال ) إخوان ( الشياطين ويرجع الضمير إلى ) الجاهلين ( فيكون الخبر جاريا على ما هو له الأعراف : ( 203 ) وإذا لم تأتهم . . . . . ) وإذا لم تأتهم بآية ( من القرآن أو مما اقترحوه ) قالوا لولا اجتبيتها ( هلا جمعتها تقولا من نفسك كسائر ما تقرؤه أو هلا طلبتها من الله ) قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ( لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها ) هذا بصائر من ربكم ( هذا القرآن بصائر للقلوب بها يبصر الحق ويدرك الصواب ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( سبق تفسيره ________________________________________ " صفحة رقم 86 " الأعراف : ( 204 ) وإذا قرئ القرآن . . . . . ) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ( نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الأمام والانصات له وظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم وهو ضعيف الأعراف : ( 205 ) واذكر ربك في . . . . . ) واذكر ربك في نفسك ( عام في الاذكار من القراءة والدعاء وغيرهما أو أمر للمأموم بالقراءة سرا بعد فراغ الأمام عن قراءته كما هو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ) تضرعا وخيفة ( متضرعا وخائفا ) ودون الجهر من القول ( ومتكلما كلاما فوق السر ودون الجهر فإنه أدخل في الخشوع والإخلاص ) بالغدو والآصال ( بأوقات الغدو والعشيات وقرئ والايصال وهو مصدر آصل إذا دخل في الأصيل وهو مطابق للغدو ) ولا تكن من الغافلين ( عن ذكر الله الأعراف : ( 206 ) إن الذين عند . . . . . ) إن الذين عند ربك ( يعني ملائكة الملأ الأعلى ) لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه ( وينزهونه ) وله يسجدون ( ويخصونه بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين ولذلك شرع السجود لقراءته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الاعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس سترا وكان آدم شفيعا له يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 87 " سورة الأنفال بسم الله الرحمن الرحيم الأنفال : ( 1 ) يسألونك عن الأنفال . . . . . ) يسألونك عن الأنفال ( أي الغنائم يعني حكمها وإنما سميت الغنيمة نفلا لأنها عطية من الله وفضل كما سمي به ما يشرطه الأمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه ) قل الأنفال لله والرسول ( أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره الله به وسبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم ومن يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار وقيل شرط رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لمن كان له غناء أن ينفله فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم وكان المال قليلا فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردءا لكم وفئة تنحازون إلينا فنزلت فقسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينهم على السواء ولهذا قيل لا يلزم الأمام أن يفي بما وعد وهو قول الشافعي رضي الله عنه وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأتيت به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واستوهبته منه فقال ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الانفال فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه وقرئ ويسألونك علنفال بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام وإدغام نون عن فيها ويسألونك الانفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم ) فاتقوا الله ( في الاختلاف والمشاجرة ) وأصلحوا ذات بينكم ( الحال التي بينكم ________________________________________ " صفحة رقم 88 " بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول ) وأطيعوا الله ورسوله ( فيه ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يقتضي ذلك أو أن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة طاعة الأوامر والاتقاء عن المعاصي وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان الأنفال : ( 2 ) إنما المؤمنون الذين . . . . . ) إنما المؤمنون ( أي الكاملون في الإيمان ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وقيل هو الرجل يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع عنها خوفا من عقابه وقرئ ) وجلت ( بالفتح وهي لغة وفرقت أي خافت ) وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ( لزيادة المؤمن به أو لاطمئنان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلة أو بالعمل بموجبها وهو قول من قال الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية بناء على أن العمل داخل فيه ) وعلى ربهم يتوكلون ( يفوضون إليه أمورهم ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه الأنفال : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . . ) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) الأنفال : ( 4 ) أولئك هم المؤمنون . . . . . ) أولئك هم المؤمنون حقا ( لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل ومحاسن أفعال الجوارح التي هي العيار عليها من ________________________________________ " صفحة رقم 89 " الصلاة والصدقة و ) حقا ( صفة مصدر محذوف أو مصدر مؤكد كقوله ) وعد الله حقا ( ) لهم درجات عند ربهم ( كرامة وعلو منزلة وقيل درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم ) ومغفرة ( لما فرط منهم ) ورزق كريم ( أعد لهم في الجنة لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده الأنفال : ( 5 ) كما أخرجك ربك . . . . . ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال في كراهتهم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله ) لله والرسول ( أي الأنفال ثبتت لله والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك يعني المدينة لأنها مهاجرة ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم ) وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم وذلك أن عير قريش أقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وعمرو بن هشام فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبدا وقد رأت قبل ذلك بثلاث عاتكة بنت عبد المطلب أن ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة إلا أصابه شيء منها فحدثت بها العباس وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما نرضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة ومضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوما في السنة وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بوادي ذفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم هلا ذكرت لنا القتال ________________________________________ " صفحة رقم 90 " حتى تتأهب له إنما خرجنا للعير فردد عليهم وقال إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقام أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقالا فأحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال مقداد بن عمرو امض لما أمرك الله فأنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال اشيرو علي أيها الناس وهو يريد الانصال لأنهم كانوا عددهم وقد شرطوا حين بايعون بالعقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة فقام سعد بن معاذ فقال لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى فنشطه قوله ثم قال سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بدر قيل له عليك بالعير ________________________________________ " صفحة رقم 91 " فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له لم فقال لأن وعدك إحدى الطائفتين وقد اعطاك ما وعدك فكره بعضهم قوله الأنفال : ( 6 ) يجادلونك في الحق . . . . . ) يجادلونك في الحق ( في إيثارك الجهاد بإظهار الحق لإيثارهم تلقي العير عليه ) بعد ما تبين ( لهم أنهم ينصرون اينما توجهوا بأعلام الرسول عليه الصلاة والسلام ) كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم إذ روي أنهم كانوا لفرط فزعهم ورعبهم الأنفال : ( 7 ) وإذ يعدكم الله . . . . . ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ( على إضمار اذكر واحدى ثاني مفعولي ) يعدكم ( وقد أبدل منها ) أنها لكم ( بدل الاشتمال ) وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ( يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عددهم وعددهم والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك ) ويريد الله أن يحق الحق ( أي يثبته ويعليه ) بكلماته ( المومحى بها في هذه الحال أو بأوامره للملائكة بالإمداد وقرئ بكلمته ) ويقطع دابر الكافرين ( ويستأصلهم والمعنى أنكم تريدون أن تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين الأنفال : ( 8 ) ليحق الحق ويبطل . . . . . ) ليحق الحق ويبطل الباطل ( أي فعل ما فعل وليس بتكرير لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها ) ولو كره المجرمون ( ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 92 " الأنفال : ( 9 ) إذ تستغيثون ربكم . . . . . ) إذ تستغيثون ربكم ( بدل من ) وإذ يعدكم ( أو متعلق بقوله ) ليحق ( بقوله ) ليحق الحق ( أو على إضمار اذكر واستغاثتهم أنهم لما علموا أن لا محيص عن القتال أخذوا يقولون أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين وعن عمر رضي الله تعالى عنه عليه السلام نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فقال أبو بكر يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ) فاستجاب لكم أني ممدكم ( بأني ممدكم فحذف الجار وسلط عليه الفعل وقرأ أبو عمرو بالكسر على إرادة القول أو اجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول ) بألف من الملائكة مردفين ( متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضا من أردفته أنا إذا جئت بعده أو متبعين بعضهم بعض المؤمنين أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه وقرأ نافع ويعقوب مردفين بفتح الدال أي متبعين بمعنى انهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم وقرئ ) مردفين ( بكسر الراء وضمها وأصله مرتدفين بمعنى مترادفين فادغمت التاء في الدال فالتقى ساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أو بالضم على الاتباع وقرئ بآلاف ليوافق ما في سورة آل عمران ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة أو وجوههم وأعيانهم أو من قاتل منهم واختلف في مقاتلتهم وقد روي إخبار تدل عليها الأنفال : ( 10 ) وما جعله الله . . . . . ) وما جعله الله ( أي الإمداد ) إلا بشرى ( إلا بشارة لكم بالنصر ) ولتطمئن به قلوبكم ( فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم ) وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ( وإمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ________________________________________ " صفحة رقم 93 " الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . . ) إذ يغشيكم النعاس ( بدل ثان من ) وإذ يعدكم ( لإظهار نعمة ثالثة أو متعلق بالنصر أو بما في عند الله معنى الفعل أو بجعل أو بإضمار اذكر وقرأ نافع بالتخفيف من أغشيته الشيء إذا غشيته إياه والفاعل على القراءتين هو الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمر يغشاكم الناس بالرفع ) أمنة منه ( أمنا من الله وهو مفعول له باعتبار المعنى فإن قوله ) يغشيكم النعاس ( متضمن معنى تنعسون ويغشاكم بمعناه وال ) أمنة ( فعل لفاعله ويجوز أن يراد بها الإيمان فيكون فعل المغشي وأن تجعل على القراءة الاخيرة فعل النعاس على المجاز لأنها لأصحابه أو لأنه كان من حقه أن لا يغشاكم لشدة الخوف فلما غشيهم فكأنه حصلت له أمنة من الله لولاها لم يغشهم كقوله " يهاب النوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفار شرود " وقرئ ) أمنة ( كرحمة وهي لغة ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( من الحدث والجنابة ) ويذهب عنكم رجز الشيطان ( يعني الجنابة لأنها من تخييله أو وسوسته وتخويفه إياهم من العطش روي أنهم نزلوا في كثيب أغفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء فوسوس إليهم الشيطان وقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وتزعمون انكم اولياء الله وفيكم رسوله فاشفقوا فأنزل الله المطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضؤوا وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة ) وليربط على قلوبكم ( بالوثوق على لطف الله بهم ) ويثبت به الأقدام ( أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة الأنفال : ( 12 ) إذ يوحي ربك . . . . . ) إذ يوحي ربك ( بدل ثالث أو متعلق بيثبت ) إلى الملائكة أني معكم ( في إعانتهم وتثبيتهم وهو مفعول ) يوحى ( وقرئ بالكسر على إرادة القول أو اجراء الوحي مجراه ) فثبتوا الذين آمنوا ( بالبشارة أو بتكثير سوادهم أو بمحاربة أعدائهم فيكون قوله ________________________________________ " صفحة رقم 94 " ) سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( كالتفسير لقوله ) أني معكم فثبتوا ( وفيه دليل على أنهم قاتلوا ومن منع ذلك جعل الخطاب فيه مع المؤمنين إما على تغيير الخطاب أو على أن قوله ) سألقي ( إلى قوله ) كل بنان ( تلقين للملائكة ما يثبتون المؤمنين به كأنه قال قولوا لهم قولي هذا ) فاضربوا فوق الأعناق ( أعاليها التي هي المذابح أو الرؤوس ) واضربوا منهم كل بنان ( أصابع أي جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم الأنفال : ( 13 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى الضرب أو الأمر به والخطاب للرسول أو لكل أحد من المخاطبين قبل ) بأنهم شاقوا الله ورسوله ( بسبب مشاقتهم لهما واشتقاقه من الشق لأن كلا من المتعادين في شق خلاف شق الآخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب ) ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ( تقرير للتعليل أو وعيد بما اعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا الأنفال : ( 14 ) ذلكم فذوقوه وأن . . . . . ) ذلكم ( الخطاب فيه مع الكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع أي الأمر ذلكم أو ذلكم واقع أو نصب بفعل دل عليه ) فذوقوه ( أو غيره مثل باشروا أو عليكم فتكون الفاء عاطفة ) وأن للكافرين عذاب النار ( عطف على ذلكم أو نصب على المفعول معه والمعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم في الآخرة ووضع الظاهر فيه موضع الضمير ________________________________________ " صفحة رقم 95 " للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل أو الجمع بينهما وقرئ ) وإن ( بالكسر على الاستئناف الأنفال : ( 15 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ( كثيرا بحيث يرى لكثرتهم كأنهم يزحفون وهو مصدر زحف الصبي إذا دب على مقعده قليلا قليلا سمي به وجمع على زحوف وانتصابه على الحال ) فلا تولوهم الأدبار ( بالانهزام فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقل منكم والأظهر أنها محكمة مخصوصة بقوله ) حرض المؤمنين على القتال ( الآية ويجوز أن ينتصب زحفا حالا من الفاعل والمعفول أي إذا لقيتموهم متزحفين يدبون اليكم وتدبون إليهم فلا تنهزموا أو من الفاعل وحده ويكون إشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر ألفا الأنفال : ( 16 ) ومن يولهم يومئذ . . . . . ) ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ( يريد الكر بعد الفر وتغرير العدو فإنه من مكايد الحرب ) أو متحيزا إلى فئة ( أو منحازا إلى فئة أخرى من المسلمين على القرب ليستعين بهم ومنهم من لم يعتبر القرب لما روى ابن عمر رضي الله عنهما انه كان في سرية بعثهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ففروا إلى المدينة فقلت يا رسول الله نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون وأنا فئتكم وانتصاب متحرفا ومتحيزا على الحال وإلا لغو لا عمل لها ________________________________________ " صفحة رقم 96 " أو الاستثناء من المولين أي إلا رجلا متحرفا أو ومتحيزا ووزن متحير متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزا لأنه من حاز يحوز ) فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( هذا إذا لم يزد العدو على الضعف لقوله ) الآن خفف الله عنكم ( الآية وقيل الآية مخصوصة بأهل بيته والحاضرين معه في الحرب الأنفال : ( 17 ) فلم تقتلوهم ولكن . . . . . ) فلم تقتلوهم ( بقوتكم ) ولكن الله قتلهم ( بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب في قلوبهم روي انه لما طلعت قريش من العقنقل قال ( صلى الله عليه وسلم ) هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني فأتاه جبريل عليه السلام وقال له خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان تناول كفا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل قتلت وأسرت فنزلت والفاء جواب شرط محذوف تقديره إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) وما رميت ( يا محمد رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه ) إذ رميت ( أي إذ أتيت بصورة الرمي ) ولكن الله رمى ( أتى بما هو غاية الرمي فأوصلها إلى أعينهم جميعا حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم وقد عرفت أن اللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه وقيل انه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد ولم يخرج منه دم فجعل يخور حتى مات أو رمية سهم رماه يوم خيبر نحو الحصن فأصاب كنانة بن أبي الحقيق على فراشه والجمهور على الأول وقرأ ابن ________________________________________ " صفحة رقم 97 " عامر وحمزة والكسائي ) ولكن ( بالتخفيف ورفع ما بعده في الموضعين وليبلي المؤمنين منه ) بلاء حسنا ( ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات فعل ما فعل ) إن الله سميع ( لاستغاثتهم ودعائهم ) عليم ( بنياتهم وأحوالهم الأنفال : ( 18 ) ذلكم وأن الله . . . . . ) ذلكم ( إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل أو الرمي ومحله الرفع أي المقصود أو الأمر ذلكم وقوله ) وأن الله موهن كيد الكافرين ( معطوف عليه أي المقصود ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ) موهن ( بالتشديد وحفص ) موهن كيد ( بالإضافة والتخفيف الأنفال : ( 19 ) إن تستفتحوا فقد . . . . . ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم وذلك أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين ) وإن تنتهوا ( عن الكفر ومعاداة الرسول ) فهو خير لكم ( لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلين ) وإن تعودوا ( لمحاربته ) نعد ( لنصرته عليكم ) ولن تغني ( ولن تدفع ) عنكم فئتكم ( جماعتكم ) شيئا ( من الاغناء أو المضار ) ولو كثرت ( فئتكم ) وأن الله مع المؤمنين ( بالنصر والمعونة وقرأ نافع وابن عامر وحفص ) وإن ( بالفتح على تقدير ولأن الله مع المؤمنين كان ذلك وقيل الآية خطاب للمؤمنين والمعنى أن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال والرغبة عما يستأثره ________________________________________ " صفحة رقم 98 " الرسول فهو خير لكم وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدو ولن تغني حينئذ كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر فإنه مع الكاملين في إيمانهم ويؤيد ذلك الأنفال : ( 20 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه ( أي ولا تتولوا عن الرسول فإن المراد من الآية الأمر بطاعته والنهي عن الاعراض عنه وذكر طاعة الله للتوطئة والتنبيه على أن طاعة الله في طاعة الرسول لقوله تعالى ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( وقيل الضمير للجهاد أو للأمر الذي دل عليه الطاعة ) وأنتم تسمعون ( القرآن والمواعظ سماع فهم وتصديق الأنفال : ( 21 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . ) ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ( كالكفرة والمنافقين الذين ادعوا السماع ) وهم لا يسمعون ( سماعا ينتفعون به فكأنهم لا يسمعون رأسا الأنفال : ( 22 ) إن شر الدواب . . . . . ) إن شر الدواب عند الله ( شر ما يدب على الأرض أو شر البهائم ) الصم ( عن الحق ) البكم الذين لا يعقلون ( إياه عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لإبطالهم ما ميزوا به وفضلوا لأجله الأنفال : ( 23 ) ولو علم الله . . . . . ) ولو علم الله فيهم خيرا ( سعادة كتبت لهم أو انتفاعا بالآيات ) لأسمعهم ( سماع تفهم ) ولو أسمعهم ( وقد علم أن لا خير فيهم ) لتولوا ( ولم ينتفعوا به أو ارتدوا بعد التصديق والقبول ) وهم معرضون ( لعنادهم وقيل كانوا يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحيي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك ونؤمن بك والمعنى لأسمعهم كلام قصي الأنفال : ( 24 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ( بالطاعة ) إذا دعاكم ( وحد الضمير فيه ________________________________________ " صفحة رقم 99 " لما سبق ولان دعوة الله تسمع من الرسول وروي أنه عليه الصلاة والسلام مر على أبي وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال ما منعك عن إجابتي قال كنت أصلي قال ألم تخبر فيما أوحي إلي ) استجيبوا لله وللرسول ( واختلف فيه فقيل هذا لأن اجابته لا تقطع الصلاة فإن الصلاة أيضا إجابة وقيل لأن دعاءه كان لأمر لا يحتمل التأخير وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله وظاهر الحديث يناسب الأول ) لما يحييكم ( من العلوم الدينية فإنها حياة القلب والجهل موته قال " لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن " أو مما يورثكم الحياة الابدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد فإنه سبب بقائكم إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم أو الشهادة لقوله تعالى ) بل أحياء عند ربهم يرزقون ( ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب مما عسى يغفل عنه صاحبها أو حث على المبادرة إلى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته وقرئ بين المر بالتشديد على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء ________________________________________ " صفحة رقم 100 " وإجراء الوصل الوقف على لغة من يشدد فيه ) وأنه إليه تحشرون ( فيجازيكم بأعمالكم الأنفال : ( 25 ) واتقوا فتنة لا . . . . . ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( اتقوا ذنبا يعمكم اثره كإقرار المنكر بين أظهركم والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر على معنى أن اصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة بل تعمكم وفيه أن جواب الشرط متردد فلا يليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله تعالى ) ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ( وأما صفة ل " لفتنة " ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم أو لنهي على إرادة القول كقوله " حتى إذا جن الظلام واختلط جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط " وإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وان اختلفا في المعنى ويحتمل أن يكون نهيا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم لأن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود ________________________________________ " صفحة رقم 101 " عليه ومن في منكم على الوجوه الأول للتبعيض وعلى الأخريين للتبيين وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم اقبح من غيركم ) واعلموا أن الله شديد العقاب ) الأنفال : ( 26 ) واذكروا إذ أنتم . . . . . ) واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ( أرض مكة يستضعفكم قريش والخطاب للمهاجرين وقيل للعرب كافة فإنهم كانوا اذلاء في أيدي فارس والروم ) تخافون أن يتخطفكم الناس ( كفار قريش أو من عداهم فإنهم كانوا جميعا معادين لهم مضادين لهم ) فآواكم ( إلى المدينة أو جعل لكم مأوى تتحصنون به عن أعاديكم ) وأيدكم بنصره ( على الكفار أم بمظاهرة الأنصار أو بإمداد الملائكة يوم بدر ) ورزقكم من الطيبات ( من الغنائم ) لعلكم تشكرون ( هذه النعم ________________________________________ " صفحة رقم 102 " الأنفال : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ( بتعطيل الفرائض والسنن أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون أو بالغلول في المغانم وروي انه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحاء بأرض الشام فأبى إلا أن ينزلوا على احكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار إلى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت فشد نفسه على سارية في المسجد وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له قد تيب عليك فحل نفسك فقال لا والله لا احلها حتى يكون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال ( صلى الله عليه وسلم ) يجيزك الثلث أن تتصدق به وأصل الخوف النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه ) وتخونوا أماناتكم ( فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب بالواو ) وأنتم تعلمون ( أنكم تخونون أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح ________________________________________ " صفحة رقم 103 " الأنفال : ( 28 ) واعلموا أنما أموالكم . . . . . ) واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( لأنهم سبب الوقوع في الاثم أو العقاب أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة ) وأن الله عنده أجر عظيم ( لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم فانيطوا هممكم بما يؤديكم إليه الأنفال : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ( هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين أو مخرجا من الشبهات أو نجاة عما تحذرون في الدارين أو ظهورا يشهر امركم ويبث صيتكم من قولهم بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح ) ويكفر عنكم سيئاتكم ( ويسترها ) ويغفر لكم ( بالتجاوز والعفو عنكم وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما الله تعالى لهم ) والله ذو الفضل العظيم ( تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه واحسان وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده انعاما على عمل الأنفال : ( 30 ) وإذ يمكر بك . . . . . ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( تذكار لما مكر به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم والمعنى واذكر إذ يمكرون بك ) ليثبتوك ( بالوثاق أو الحبس أو الاثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح وقرئ ) ليثبتوك ( بالتشديد وليبيتوك من البيات وليقيدوك ) أو يقتلوك ( بسيوفهم ) أو يخرجوك ( من مكة وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال أنا ________________________________________ " صفحة رقم 104 " من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن احضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا فقال أبو البحتري رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم فقال هشام بن عمر ورأيي أن تحملون على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع فقال بئس الرأي يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا صارما فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا العقل عقلناه فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه فأتى جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخبره الخبر وأمره بالهجرة فبيت عليا رضي الله تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى الغار ) ويمكرون ويمكر الله ( برد مكرهم عليهم أو بمجازاتهم عليه أو بمعاملة الماكرين معهم بأن اخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا ) والله خير الماكرين ( إذ لا يؤبه مكرهم دون مكره وإسناد أمثال هذا ما يحسن للمزاوجة ولا يجوز اطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم الأنفال : ( 31 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( هو قول النضر بن الحارث وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاصهم أو قول الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاؤوا وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سورة مع انفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصا في باب البيان ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( ما سطره الأولون من القصص الأنفال : ( 32 ) وإذ قالوا اللهم . . . . . ) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( هذا أيضا من كلام ذلك القائل ابلغ في الجحود روي أنه لما قال النضر أن هذا إلا اساطير الأولين قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويلك إنه كلام الله فقال ذلك والمعنى إن ________________________________________ " صفحة رقم 105 " كان هذا حقا منزلا فأمطر الحجارة علينا عقوبة على انكاره أو ائتنا بعذاب اليم سواه والمراد منه التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وقرئ / احلق / بالرفع على أن ) هو ( مبتدأ غير فصل وفائدة التعريف فيه الدلالة على أن المعلق به كونه حقا بالوجه الذي يدعيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو تنزيله لا الحق مطلقا لتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل كأساطير الأولين الأنفال : ( 33 ) وما كان الله . . . . . ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم واللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه والمراد باستغفارهم أما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللهم غفرانك أو فرصة على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( ________________________________________ " صفحة رقم 106 " الأنفال : ( 34 ) وما لهم ألا . . . . . ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( وحالهم ذلك ومن صدهم عنه الجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين إلى الهجرة واحصارهم عام الحديبية ) وما كانوا أولياءه ( مستحقين ولاية أمره مع شركهم وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء ) إن أولياؤه إلا المتقون ( من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره وقيل الضميران لله ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالاكثر أن منهم من يعلم ويعاند أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم الأنفال : ( 35 ) وما كان صلاتهم . . . . . ) وما كان صلاتهم عند البيت ( أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة أو ما يضعون موضعها ) إلا مكاء ( صفيرا فعال من مكا يمكو إذا صفر وقرئ بالقصر كالبكا ) وتصدية ( تصفيقا تفعله من الصدا أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء وقرئ ) صلاتهم ( بالنصب على أنه الخبر المقدم ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته روي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين اصابعهم يصفرون فيها ويصفقون وقيل كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يصلي يخلطون عليه ويرون انهم يصلون أيضا ) فذوقوا العذاب ( يعني القتل والأسر يوم بدر وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود ) ائتنا بعذاب ( ) بما كنتم تكفرون ( اعتقادا وعملا الأنفال : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ( نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب وانفق عليهم أربعين أوقية أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك منه ثأرنا ففعلوا والمراد ب ) سبيل الله ( دينه واتباع رسوله ) فسينفقونها ( بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال وهو إنفاق بدر والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق حد ويحتمل أن يراد بهما واحد على أن ________________________________________ " صفحة رقم 107 " مساق الأول لبيان غرض الانفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته وإنه لم يقع بعد ) ثم تكون عليهم حسرة ( ندما وغما لفواتها من غير مقصود جعل ذاتها تصير حسرة وهي عاقبة إنفاقها مبالغة ) ثم يغلبون ( آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالا قبل ذلك ) والذين كفروا ( أي الذين ثبتوا على الكفر منهم إذا أسلم بعضهم ) إلى جهنم يحشرون ( يساقون الأنفال : ( 37 ) ليميز الله الخبيث . . . . . ) ليميز الله الخبيث من الطيب ( الكافر من المؤمن أو الفساد من الصلاح واللام متعلقة ب ) يحشرون ( أو ) يغلبون ( أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما أنفقه المسلمون في نصرته واللام متعلقة بقوله ) ثم تكون عليهم حسرة ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ) ليميز ( من التمييز وهو أبلغ من الميز ) ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا ( فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم أو يضم إلى الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه كمال الكانزين ) فيجعله في جهنم ( كله ) أولئك ( إشارة إلى الخبيث لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين ) هم الخاسرون ( الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم الأنفال : ( 38 ) قل للذين كفروا . . . . . ) قل للذين كفروا ( يعني أبا سفيان واصحابه والمعنى قل لأجلهم ) إن ينتهوا ( عن معاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالدخول في الإسلام ) يغفر لهم ما قد سلف ( من ذنوبهم وقرئ بالتاء والكاف على انه خاطبهم و ) يغفر ( على البناء للفاعل وهو الله تعالى ) وإن يعودوا ( إلى قتاله ) فقد مضت سنة الأولين ( الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 108 " الأنفال : ( 39 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . . ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( لا يوجد فيهم شرك ) ويكون الدين كله لله ( وتضمحل عنهم الأديان الباطلة ) فإن انتهوا ( عن الكفر ) فإن الله بما يعملون بصير ( فيجازيهم على انتهائهم عنه واسلامهم وعن يعقوب تعملون بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام والاخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان بصير فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة عى أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي اثابة مقاتليهم للتسبب الأنفال : ( 40 ) وإن تولوا فاعلموا . . . . . ) وإن تولوا ( ولم ينتهوا ) فاعلموا أن الله مولاكم ( ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم ) نعم المولى ( لا يضيع من تولاه ) ونعم النصير ( لا يغلب من نصره الأنفال : ( 41 ) واعلموا أنما غنمتم . . . . . ) واعلموا أنما غنمتم ( أي الذي أخذتموه من الكفار قهرا ) من شيء ( مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط ) فأن لله خمسه ( مبتدأ خبره محذوف أي فثابت أن لله خمسه وقرئ فإن بالكسر والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( وأن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين ) وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ( فكأنه قال فأن لله خمسه يصرف إلى هؤلاء الاخصين به وحكمه بعد باق غير أن سهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كما فعله الشيخان رضي الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 109 " عنهما وقيل إلى الأمام وقيل إلى الأصناف الأربعة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته وصار الكل مصروفا إلى الثلاثة الباقية وعن مالك رضي الله تعالى عنه الأمر فيه مفوض إلى رأي الأمام يصرفه إلى ما يراه أهم وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قبضة منه فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة وقيل سهم الله لبيت المال وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ذووا القربى بنو هاشم وبنو المطلب لما روي انه عليه الصلاة والسلام قسم سهم ذوي القربى عليهما فقال له عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم أرأيت اخواننا من بني المطلب اعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة فقال ( صلى الله عليه وسلم ) انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وشبك بين اصابعه وقيل بنو هاشم وحدهم وقيل جميع قريش الغني والفقير فيه سواء وقيل هو مخصوص بفقرائهم كسهم ابن السبيل وقيل الخمس كله لهم والمراد باليتامى والمساكين وابن السبيل من كان منهم والعطف للتخصيص والاية نزلت ببدر وقيل الخمس كان في غزوة بني قنيقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة ) إن كنتم آمنتم بالله ( متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا أي أن كنتم آمنتم بالله فعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقتنعوا بالاخماس الأربعة الباقية فإن العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد لأنه مقصود بالعرض والمقصود بالذات هو العمل ) وما أنزلنا على عبدنا ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الآيات والملائكة ________________________________________ " صفحة رقم 110 " والنصر وقرئ ) عبدنا ( بضمتين أي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) يوم الفرقان ( يوم بدر فإنه فرق فيه بين الحق والباطل ) يوم التقى الجمعان ( المسلمون والكافرون الأنفال : ( 42 ) إذ أنتم بالعدوة . . . . . ) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على نصر القليل على الكثير والإمداد بالملائكة ) إذ أنتم بالعدوة الدنيا ( بدل من ) يوم الفرقان ( والعدوة بالحركات الثلاث شط الوادي وقد قرئ بها والمشهور الضم والكسر وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو اكثر استعمالا من القصيا ) والركب ( أي لعير أو قوادها ) أسفل منكم ( في مكان أسفل من مكانكم يعني الساحل وهو منصوب على الظرف واقع موقع الخبر والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الارجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن بها ماء بخلاف العدوة القصوى وكذا قوله ) ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ( أي لو تواعدتم أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعا من الله تعالى خارقا للعادة فيزدادوا إيمانا وشكرا ) ولكن ( جميع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( حقيقا بأن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه وقوله ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ( ________________________________________ " صفحة رقم 111 " بدل منه أو متعلق بقوله مفعولا والمعنى ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة أو ليصدر كفر من كفر وايمان من آمن عو وضوح بينة على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة أو من هذا حاله في علم الله وقضائه وقرئ ليهلك بالفتح وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر ويعقوب من حيي بفك الادغام للحمل على المستقبل ) وإن الله لسميع عليم ( بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد الأنفال : ( 43 ) إذ يريكهم الله . . . . . ) إذ يريكهم الله في منامك قليلا ( مقدر باذكر أو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بعليم أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبر به أصحابك فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم ) ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ( لجبنتم ) ولتنازعتم في الأمر ( في أمر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار ) ولكن الله سلم ( أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع ) إنه عليم بذات الصدور ( يعلم ما سيكون فيها وما يغير أحوالها الأنفال : ( 44 ) وإذ يريكموهم إذ . . . . . ) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ( الضميران مفعولا يرى و ) قليلا ( حال من الثاني وإنما قللهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لمن إلى جنبه أتراهم سبعين فقال اراهم مائة تثبيتا لهم وتصديقا لرؤيا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ويقللكم في أعينهم ( حتى قال أبو جهل إن محمدا وأصحابه أكلة جزور وقللهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترءوا عليهم ولا يستعدوا لهم ثم كثرهم حتى يرونهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم وهذا من عظائم آيات تلك الواقعة فإن البصر وان كان قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد وانما يتصور ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 112 " بصد الله الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوي في الشروط ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( كرره لاختلاف الفعل المعلل به أو لأن المراد بالأمر ثمة الاكتفاء على الوجه المحكي وها هنا اعزاز الإسلام وأهله وإذلال الاشراك وحزبه ) وإلى الله ترجع الأمور ) الأنفال : ( 45 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ( حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء مما غلب في القتال ) فاثبتوا ( للقائهم ) واذكروا الله كثيرا ( في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره ) لعلكم تفلحون ( تظهرون بمرادكم من النصرة والمثوبة وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله وان يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال الأنفال : ( 46 ) وأطيعوا الله ورسوله . . . . . ) وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا ( باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر أو أحد ) فتفشلوا ( جواب النهي وقيل عطف عليه ولذلك قرئ ) وتذهب ريحكم ( بالجزم والريح مستعارة للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة بها في هبوبها ونفوذها وقيل المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثها الله وفي الحديث نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ) واصبروا إن الله مع الصابرين ( بالكلاءة والنصرة ________________________________________ " صفحة رقم 113 " الأنفال : ( 47 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . ) ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم ( يعني أهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير ) بطرا ( فخرا وأشرا ) ورئاء الناس ( ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغوا الجحفة وأفاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فقال أبو جهل لا والله حتى نقدم بدرا ونشرب فيها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها ولكن سقوا كأس المنايا وناحت عليهم النوائح فنهى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى واخلاص من حيث أن النهي عن الشيء أمر بضده ) ويصدون عن سبيل الله ( معطوف على بطرا أن جعل مصدرا في موضع الحال وكذا أن جعل مفعولا له لكن على تأويل المصدر ) والله بما يعملون محيط ( فيجازيكم عليه الأنفال : ( 48 ) وإذ زين لهم . . . . . ) وإذ زين لهم الشيطان ( مقدر باذكر ) أعمالهم ( في معاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وغيرها بأن وسوس إليهم ) وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( مقالة نفسانية والمعنى أنه ألقى في روعهم وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا اللهم انصر اهدى الفئتين وأفضل الدينين ولكم خبر لا غالب أو صفته وليس صلته وألا لانتصب كقولك لا ضاربا زيدا عندنا ) فلما تراءت الفئتان ( أي تلاقى الفريقان ) نكص على عقبيه ( رجع القهقرى أي بطل كيده وعاد ما خيل إليهم انه مجيرهم سبب هلاكهم ) وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ( أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى امداد الله المسلمين بالملائكة وقيل لما أجمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الاحنة وكاد ذلك يثنيهم فتمثل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك الكناني وقال لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بني كنانة فلما رأى الملائكة تنزل نكص وكان يده في يد الحارث بن هشام فقال له إلى أين اتخذلنا في هذه الحالة فقال إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغه ذلك فقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما اسلموا علموا انه الشيطان وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله ) إني أخاف الله ( إني أخافه أن ________________________________________ " صفحة رقم 114 " يصيبني مكروها من الملائكة أو يهلكني ويكون الوقت هو الوقت الموعود إذ رأى فيه ما لم ير قبله والاول ما قاله الحسن واختاره ابن بحر ) والله شديد العقاب ( يجوز أن يكون من كلامه وان يكون مستأنفا الأنفال : ( 49 ) إذ يقول المنافقون . . . . . ) إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( والذين لم يطمئنوا إلى الإيمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة وقيل هم المشركون وقيل المنافقون والعطف لتغاير الوصفين ) غر هؤلاء ( يعنون المؤمنين ) دينهم ( حتى تعرضوا لما لا يدي لهم به فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشرة إلى زهاء ألف ) ومن يتوكل على الله ( جواب لهم ) فإن الله عزيز ( غالب لا يذل من استجار به وإن قل ) حكيم ( يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن إدراكه الأنفال : ( 50 ) ولو ترى إذ . . . . . ) ولو ترى ( ولو رأيت فإن لو تجعل المضارع ماضيا عكس إن ) إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ( ببدر وإذ ظرف ترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ والملائكة فاعل يتوفى ويدل عليه قراءة ابن عامر بالتاء ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله عز وجل وهو مبتدأ خبره ) يضربون وجوههم ( والجملة حال من الذين كفروا واستغني فيه بالضمير عن الواو وهو على الأول حال منهم أو من الملائكة أو منهما لاشتماله على الضميرين ) وأدبارهم ( ظهورهم أو أستاههم ولعل المراد تعميم الضرب أي يضربون ما أقبل منهم وما أدبر ) وذوقوا عذاب الحريق ( عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها وجواب ) لو ( محذوف لتقطيع الأمر وتهويله ________________________________________ " صفحة رقم 115 " الأنفال : ( 51 ) ذلك بما قدمت . . . . . ) ذلك ( الضرب والعذاب ) بما قدمت أيديكم ( بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي وهو خبر لذلك ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( عطف على ما للدلالة على أن سببيته بانضمامه إليه إذ لولاه لامكن أن يعذبه مبغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا حتى ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وظلام التكثير لأجل العبيد الأنفال : ( 52 ) كدأب آل فرعون . . . . . ) كدأب آل فرعون ( أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون وهو عملهم وطريقهم الذي دأبوا فيه أي داموا عليه ) والذين من قبلهم ( من قبل آل فرعون ) كفروا بآيات الله ( تفسير لدأبهم ) فأخذهم الله بذنوبهم ( كما أخذ هؤلاء ) إن الله قوي شديد العقاب ( لا يغلبه في دفعه شيء الأنفال : ( 53 ) ذلك بأن الله . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى ما حل بهم ) بأن الله ( بسبب أن الله ) لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم ( مبدلا إياها بالنقمة ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( يبدلوا ما بهم من الحال إلى حال أسوأ كتغيير قريش حالهم في صلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل بمعاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن تبعه منهم والسعي في إراقة دمائهم والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد المبعث وليس السبب عدم تغيير الله ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم بل ما هو المفهوم له وهو جري عادته على تغييره متى يغيروا حالهم وأصل يك يكون فحذفت الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه ________________________________________ " صفحة رقم 116 " بالحروف اللينة تخفيفا ) وأن الله سميع ( لما يقولون ) عليم ( بما يفعلون الأنفال : ( 54 ) كدأب آل فرعون . . . . . ) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون ( تكرير للتأكيد ولما نيط به من الدلالة على كفران النعم بقوله ) بآيات ربهم ( وبيان ما أخذ به آل فرعون وقيل الأول لتشبيه الكفر والاخذ به والثاني لتشبيه التغيير في النعمة بسبب تغييرهم ما بأنفسهم ) وكل ( من الفرق المكذبة أو من غرقى القبط وقتلى قريش ) كانوا ظالمين ( أنفسهم بالكفر والمعاصي الأنفال : ( 55 ) إن شر الدواب . . . . . ) إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ( أصروا على الكفر ورسخوا فيه فهم لا يؤمنون فلا يتوقع منهم إيمان ولعله إخبار عن قوم مطبوعين على الكفر بأنهم لا يؤمنون والفاء للعطف والتنبيه على أن تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقق المعطوف وقوله الأنفال : ( 56 ) الذين عاهدت منهم . . . . . ) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ( بدل من الذين كفروا بدل البعض للبيان والتخصيص وهم يهود قريظة عاهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا يمالثوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح وقالوا نسينا ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق ________________________________________ " صفحة رقم 117 " وركب كعب بن الاشرف إلى مكة فحالفهم ومن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ والمراد بالمرة مرة المعاهدة أو المحاربة ) وهم لا يتقون ( سبة الغدر ومغبته أو لا يتقون الله فيه أو نصره للمؤمنين وتسليطه إياهم عليهم الأنفال : ( 57 ) فإما تثقفنهم في . . . . . ) فإما تثقفنهم ( فإما تصادفنهم وتظفرن بهم ) في الحرب فشرد بهم ( ففرق عن مناصبتك ونكل عنها بقتلهم والنكاية فيهم ) من خلفهم ( من وراءهم من الكفرة والتشريد تفريق على اضطراب وقرئ فشرذ بالذال المعجمة وكأنه مقلوب شذر و ) من خلفهم ( والمعنى واحد فإنه إذا شرد من وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء ) لعلهم يذكرون ( لعل المشردين يتعظون الأنفال : ( 58 ) وإما تخافن من . . . . . ) وإما تخافن من قوم ( معاهدين ) خيانة ( نقض عهد بأمارات تلوح لك ) فانبذ إليهم ( فاطرح إليهم عهدهم ) على سواء ( على عدل وطريق قصد في العداوة ولا تناجزهم الحرب فإنه يكون خيانة منك أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد وهو في موضع الحال من النابذ على الوجه الأول أي ثابتا على طريق سوي أو منه أو من المنبوذ إليهم أو منهما على غيره وقوله ) إن الله لا يحب الخائنين ( تعليل للأمر بالنبذ والنهي عن مناجزة القتال المدلول عليه بالحال على طريقة الاستئناف الأنفال : ( 59 ) ولا يحسبن الذين . . . . . ) ولا تحسبن ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) الذين كفروا سبقوا ( مفعولاه وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو ) من خلفهم ( أو ) الذين كفروا ( والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار أو على تقدير أن ) سبقوا ( وهو ضعيف لأن أن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على ايقاع الفعل على ) إنهم لا يعجزون ( ________________________________________ " صفحة رقم 118 " بالفتح على قراءة ابن عامر وأن ) لا ( صلة و ) سبقوا ( حال بمعنى سابقين أي مفلتين والاظهر أنه تعليل للنهي أي لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا لأنهم لا يفوتون الله أو لا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وكذا أن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف ولعل الآية ازاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو وقيل نزلت فيمن افلت من فل المشركين الأنفال : ( 60 ) وأعدوا لهم ما . . . . . ) وأعدوا ( أيها المؤمنون ) لهم ( لناقضي العهد أو الكفار ) ما استطعتم من قوة ( من كل ما يتقوى به في الحرب وعن عقبة بن عامر سمعته ( صلى الله عليه وسلم ) يقول على المنبر ألا أن القوة الرمي قالها ثلاثا ولعله ( صلى الله عليه وسلم ) خصه بالذكر لأنه أقواه ) ومن رباط الخيل ( اسم للخيل التي تربط في سبيل الله فعال بمعنى مفعول أو مصدر سمي به يقال ربط ربطا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا أو جمع ربيط كفصيل وفصال وقرئ ربط الخيل بضم الباء وسكونها جمع رباط وعطفها على القوة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة ) ترهبون به ( تخوفون به وعن يعقوب ) ترهبون ( بالتشديد والضمير ل ) ما استطعتم ( أو للإعداد ) عدو الله وعدوكم ( يعني كفار مكة ) وآخرين من دونهم ( من غيرهم من الكفرة قيل هم اليهود وقيل المنافقون وقل الفرس ) لا تعلمونهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 119 " لا تعرفونهم بأعيانهم ) الله يعلمهم ( يعرفهم ) وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم ( جزاؤه ) وأنتم لا تظلمون ( بتضييع العمل أو نقص الثواب الأنفال : ( 61 ) وإن جنحوا للسلم . . . . . ) وإن جنحوا ( مالوا ومنه الجناح وقد يعدى باللام وإلى ) للسلم ( للصلح أو الاستسلام وقرأ أبو بكر بالكسر ) فاجنح لها ( وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه قال " السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع " وقرئ فاجنح بالضم ) وتوكل على الله ( ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه فإن الله يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم ) إنه هو السميع ( لأقوالهم ) العليم ( بنياتهم والاية مخصوصة بأهل الكتاب لاتصالها بقصتهم وقيل عامة نسختها آية السيف الأنفال : ( 62 ) وإن يريدوا أن . . . . . ) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ( فإن محسبك الله وكافيك قال جرير " إني وجدت من المكارم حسبكم أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا " ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( جميعا الأنفال : ( 63 ) وألف بين قلوبهم . . . . . ) وألف بين قلوبهم ( مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا كنفس واحدة وهذا من معجزاته ( صلى الله عليه وسلم ) وبيانه ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ( أي تناهي عداوتهم إلى حد لو انفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح ) ولكن الله ألف بينهم ( بقدرته البالغة فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء ) إنه عزيز ( تام القدرة والغلبة لا يعصى عليه ما يريده ) حكيم ( يعلم انه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده وقيل الآية في الاوس والخزرج كان بينهم محن لا أمد لها ووقائع هلكت فيها ________________________________________ " صفحة رقم 120 " ساداتهم فأنساهم الله ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافوا وصاروا أنصارا الأنفال : ( 64 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي حسبك الله ( كافيك ) ومن اتبعك من المؤمنين ( أما في محل النصب على المفعول معه كقوله " إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا فحسبك والضحاك سيف مهند " أو الجر عطفا على المكني عند الكوفيين أو الرفع عطفا على اسم الله تعالى أي كفاك الله والمؤمنون و الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر وقيل أسلم مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضي الله عنه فنزلت ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في إسلامه الأنفال : ( 65 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ( بالغ في حثهم عليه واصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقرئ حرص من الحرص ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ( شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة والوعد بأنهم أن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده وقرا ابن كثير ونافع وابن عامر تكن بالتاء في الآيتين ووافقهم البصريان في ) وإن يكن منكم مائة ( ) بأنهم قوم لا يفقهون ( بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثواب وعوالي الدرجات قتلوا أو قتلوا ولا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان الأنفال : ( 66 ) الآن خفف الله . . . . . ) الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ( لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة والثبات لهم وثقل ذلك عليهم خفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك ________________________________________ " صفحة رقم 121 " ثم لما كثروا خفف عنهم وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد والضعف ضعف البدن وقيل ضعف البصيرة وكانوا متفاوتين فيها وفيه لغتان الفتح وهو قراءة عاصم وحمزة والضم وهو قراءة الباقين ) والله مع الصابرين ( بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون الأنفال : ( 67 ) ما كان لنبي . . . . . ) ما كان لنبي ( وقرئ للنبي على العهد ) أن يكون له أسرى ( وقرأ البصريان بالتاء ) حتى يثخن في الأرض ( يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولي أهله من أثخنه المرض إذا أثقله وأصله الثخانة وقرئ ) يثخن ( بالتشديد للمبالغة ) تريدون عرض الدنيا ( حطامها بأخذكم الفداء ) والله يريد الآخرة ( يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل ثواب الآخرة من إعزاز دينه وقمع اعدائه وقرئ بجر الآخرة على إضمار المضاف كقوله " أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا " ) والله عزيز ( يغلب أولياءه على أعدائه ) حكيم ( يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ومنع من الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين روي انه عليه السلام أتى يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك وقال عمر رضي الله تعالى عنه اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وان الله أغناك عن الفداء مكني من فلان لنسيب له ومكن عليا وحمزة من أخويهما فنضرب أعناقهم فلم يهو ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون الين من اللين وان الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال ) فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( ومثلك يا عمر مثل نوح قال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( فخير أصحابه فأخذوا الفداء فنزلت فدخل عمر ________________________________________ " صفحة رقم 122 " رضي الله تعالى عنه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال ابك على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة والاية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه الأنفال : ( 68 ) لولا كتاب من . . . . . ) لولا كتاب من الله سبق ( لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما بما لم يصرح لهم بالنهي عنه أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم ) لمسكم ( لنالكم ) فيما أخذتم ( من الفداء ) عذاب عظيم ( روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ وذلك لأنه أيضا أشار بالإثخان ________________________________________ " صفحة رقم 123 " الأنفال : ( 69 ) فكلوا مما غنمتم . . . . . ) فكلوا مما غنمتم ( من الفدية فإنها من جملة الغنائم وقيل امسكوا عن الغنائم فنزلت والفاء للتسبب والسبب محذوف تقديره أبحت لكم الغنائم فكلوا وبنحوه تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للاباحة حلالا حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا وفائدته ازاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة أو حرمتها على الأولين ولذلك وصفة بقوله ) طيبا واتقوا الله ( في مخالفته ) إن الله غفور ( غفر لكم ذنبكم ) رحيم ( أباح لكم ما أخذتم الأنفال : ( 70 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ( وقرأ أبو عمرو من الأسارى ) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ( ايمانا وإخلاصا ) يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ( من الفداء روي أنها نزلت في العباس رضي الله عنه كلفه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يفدي نفسه وابني اخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال يا محمد تركتني اتكفف قريشا ما بقيت فقال أين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك وقلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل وقثم فقال العباس وما يدريك قال اخبرني به ربي تعالى قال فأشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنك رسوله والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل قال العباس فأبدلني الله خيرا من ذلك لي الآن عشرون عبدا إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا انتظر المغفرة من ربكم يعني الموعود بقوله ) ويغفر لكم والله غفور رحيم ) الأنفال : ( 71 ) وإن يريدوا خيانتك . . . . . ) وإن يريدوا ( يعني الاسرى ) خيانتك ( نقض ما عاهدوك ) فقد خانوا الله ( بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ بالعقل ) من قبل فأمكن منهم ( أي فأمكنك منهم كما فعل يوم بدر فان اعادوا الخيانة فسيمكنك منهم ) والله عليم حكيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 124 " الأنفال : ( 72 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وهاجروا ( هم المهاجرون هجروا اوطانهم حبا لله ولرسوله ) وجاهدوا بأموالهم ( فصرفوها في الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج ) وأنفسهم في سبيل الله ( بمباشرة القتال ) والذين آووا ونصروا ( هم الأنصار آووا المهاجرين إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم ) أولئك بعضهم أولياء بعض ( في الميراث وكان المهاجرين والانصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الاقارب حتى نسخ بقوله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( أو بالنصرة والمظاهرة ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ( أي من توليهم في الميراث وقرأ حمزة ) ولايتهم ( بالكسر تشبيها لها بالعمل والصناعة كالكتابة والامارة كأنه بتوليه صاحبه يزاول عملا ) وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ( فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين ) إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( عهد فإنه لا ينقض عهدهم لنصرهم عليهم ) والله بما تعملون بصير ) الأنفال : ( 73 ) والذين كفروا بعضهم . . . . . ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ( في الميراث أو المؤازرة وهو بمفهومه يدل على منع التوارث أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين ) إلا تفعلوه ( إلا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولي بعضكم لبعض حتى في التوارث وقطع العلائق بينكم وبين الكفار ) تكن فتنة في الأرض ( تحصل فتنة فيها عظيمة وهي ضعف الإيمان وظهور الكفر ) وفساد كبير ( في الدين وقرئ كثير الأنفال : ( 74 ) والذين آمنوا وهاجروا . . . . . ) والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا ( لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة وبذل المال ونصرة الحق ووعد لهم الموعد الكريم فقال ) لهم مغفرة ورزق كريم ( لا تبعة له ولا منة فيه الأنفال : ( 75 ) والذين آمنوا من . . . . . ثم ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهن ويتسم بسمتهم فقال ________________________________________ " صفحة رقم 125 " ) والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ( أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( في التوارث من الأجانب ) في كتاب الله ( في حكمه أو في اللوح أو في القرآن واستدل به على توريث ذوي الأرحام ) أن الله بكل شيء عليم ( من المواريث والحكمة في إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة اولا واعتبار القرابة ثانيا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الانفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة وشاهد انه بريء من النفاق واعطي حسنات بعدد كل منافق ومنافقة وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته ________________________________________ " صفحة رقم 126 " 9 مقدمة سورة التوبة وقيل إلا آيتين من قوله ) لقد جاءكم رسول ( وهي آخر ما نزل ولها أسماء آخر التوبة والمقشقشة والبحوث والمبعثرة والمنقرة والمثيرة والحافرة والمخزية والفاضحة والمنكلة والمشردة والمدمدمة وسورة العذاب لما فيها من التوبة للمؤمنين والقشقشة من النفاق وهي التبري منه والبحث عن حال المنافقين وإثارتها والحفر عنها وما يخزيهم ويفضحهم وينكلهم ويشردهم ويدمدم عليهم وايها مائة وثلاثون وقيل تسع وعشرون وانما تركت التسمية فيها لأنها نزلت لرفع الامان وبسم الله امان وقيل كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا نزلت عليه سورة أو آية بين موضعها وتوفي ________________________________________ " صفحة رقم 127 " ولم يبين موضعها وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال وتناسبها لأن في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذها فضمت إليها وقيل لما اختلفت الصحابة في أنهما سورة واحدة هي سابعة السبع الطوال أو سورتان تركت بينهما فرجة ولم تكتب بسم الله الأنفال : ( 1 - 2 ) يسألونك عن الأنفال . . . . . ) براءة من الله ورسوله ( أي هذه براءة ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره وأصله ) من الله ورسوله ( ويجوز أن تكون ) براءة ( مبتدأ لتخصصها بصفتها والخبر ) إلى الذين عاهدتم من المشركين ( وقرئ بنصبها على اسمعوا براءة والمعنى أن الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وإنما علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين للدلالة على أنه يجب عليهم نبذ عهود المشركين إليهم وإن كانت صادرة بإذن الله تعالى واتفاق الرسول فإنهما برئا منها وذلك أنهم عاهدوا مشركي العرب فنكثوا إلا أناسا منهم بنو ضمرة وبنو كنانة فأمرهم بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهل المشركين أربعة أشهر ليسيروا أين شاءوا فقال ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم لأنها نزلت في شوال وقيل هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر لأن التبليغ كان يوم النحر لما روي أنها لما نزلت أرسل رسول ________________________________________ " صفحة رقم 128 " الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا رضي الله عنه راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم وكان قد بعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه أميرا على الموسم فقيل له لو بعث بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل مني فلما دنا علي رضي الله تعالى عنه سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما لحقه قال أمير أو مأمور فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه وحدثهم عن مناسكهم وقام علي رضي الله عنه يوم النحر عند جمرة العقبة فقال أيها الناس إني رسول الله إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ثم قال أمرت بأربع أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده ولعل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يؤدي عني إلا رجل مني ليس على العموم فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) بعث لأن يؤدي عنه كثير لم يكونوا من عترته بل هو مخصوص بالعهود فإن عادة العرب أن لا يتولى العهد ونقضه على القبيلة إلا رجل منها ويدل عليه أنه في بعض الروايات لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ) واعلموا أنكم غير معجزي الله ( لا تفوتونه وإن أمهلكم ) وأن الله مخزي الكافرين ( بالقتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة الأنفال : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . . ) وأذان من الله ورسوله إلى الناس ( أي إعلام فعال بمعنى الإفعال كالأمان والعطاء ورفعه كرفع ) براءة ( على الوجهين ) يوم الحج الأكبر ( يوم العيد لأن فيه تمام الحج معظم أفعاله ولأن الإعلام كان فيه ولما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر وقيل يوم عرفة لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) الحج عرفة ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله فإنه أكبر من باقي الأعمال أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين ________________________________________ " صفحة رقم 129 " ) إن الله ( أي بأن الله ) بريء من المشركين ( أي من عهودهم ) ورسوله ( عطف على المستكن في ) بريء ( أو على محل ) إن ( واسمها في قراءة من كسرها إجراء للأذان مجرى القول وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن أو لأن الواو بمعنى مع ولا تكرير فيه فإن قوله ) براءة من الله ( إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين ) فإن تبتم ( من الكفر والغدر ) فهو ( فالتوب ) خير لكم وإن توليتم ( عن التوبة أو تبتم على التولي عن الإسلام والوفاء ) فاعلموا أنكم غير معجزي الله ( لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا في الدنيا ) وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ( في الآخرة الأنفال : ( 4 ) أولئك هم المؤمنون . . . . . ) إلا الذين عاهدتم من المشركين ( استثناء من المشركين أو استدراك فكأنه قيل لهم بعد أن أمروا بنبذ العهد إلى الناكثين ولكن الذين عاهدوا منهم ) ثم لم ينقصوكم شيئا ( من شروط العهد ولم ينكثوه أو لم يقتلوا منكم ولم يضروكم قط ) ولم يظاهروا عليكم أحدا ( من أعدائكم ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( إلى تمام مدتهم ولا تجروهم مجرى الناكثين ) إن الله يحب المتقين ( تعليل وتنبيه على أن إتمام عهدهم من باب التقوى الأنفال : ( 5 ) كما أخرجك ربك . . . . . ) فإذا انسلخ ( انقضى وأصل الانسلاخ خروج الشيء مما لابسه من سلخ الشاة ) الأشهر الحرم ( التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها وقيل هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهذا مخل بالنظم مخالف للإجماع فإنه يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم ________________________________________ " صفحة رقم 130 " إذ ليس فيما نزل بعد ما ينسخها ) فاقتلوا المشركين ( الناكثين ) حيث وجدتموهم ( من حل أو حرم ) وخذوهم ( وأسروهم والأخيذ اليسير ) واحصروهم ( واحبسوهم أو حيلوا بينهم وبين المسجد الحرام ) واقعدوا لهم كل مرصد ( كل ممر لئلا يتبسطوا في البلاد وانتصابه على الظرف ) فإن تابوا ( عن الشرك بالإيمان ) وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ( تصديقا لتوبتهم وإيمانهم ) فخلوا سبيلهم ( فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بشيء من ذلك وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله ) إن الله غفور رحيم ( تعليل للأمر أي فخلوهم لأن الله غفور رحيم غفر لهم ما قد سلف وعدلهم الثواب بالتوبة الأنفال : ( 6 ) يجادلونك في الحق . . . . . ) وإن أحد من المشركين ( المأمور بالتعرض لهم ) استجارك ( استأمنك وطلب منك جوارك ) فأجره ( فأمنه ) حتى يسمع كلام الله ( ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر ) ثم أبلغه مأمنه ( موضع أمنه إن لم يسلم وأحد رفع بفعل يفسره ما بعده لا بالابتداء لأن إن من عوامل الفعل ) ذلك ( الأمن أو الأمر ) بأنهم قوم لا يعلمون ( ما الإيمان وما حقيقة ما تدعوهم إليه فلا بد من أمانهم ريثما يسمعون ويتدبرون الأنفال : ( 7 ) وإذ يعدكم الله . . . . . ) كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ( استفهام بمعنى الإنكار والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع وغرة صدورهم أو لأن يفي الله ورسوله ________________________________________ " صفحة رقم 131 " بالعهد وهم نكثوه وخبر يكون كيف وقدم للاستفهام أو للمشركين أو عند الله وهو على الأولين صفة لل ) عهد ( أو ظرف له أو ل ) يكون ( و ) كيف ( على الأخيرين حال من ال ) عهد ( و ) للمشركين ( إن لم يكن خبرا فتبيين ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( هما المستثنون قبل ومحله النصب على الاستثناء أو الجر على البدل أو الرفع على أن الاستثناء منقطع أي ولكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام ) فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ( أي فتربصوا أمرهم فإن استقاموا على العهد فاستقيموا على الوفاء وهو كقوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( غير أنه مطلق وهذا مقيد وما تحتمل الشرطية والمصدرية ) إن الله يحب المتقين ( سبق بيانه الأنفال : ( 8 ) ليحق الحق ويبطل . . . . . ) كيف ( تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد أو بقاء حكمه مع التنبيه على العلة وحذف الفعل للعلم به كما في قوله " وخبرتماني أنما الموت بالقرى فكيف وهاتا هضبة وقليب " ________________________________________ " صفحة رقم 132 " أي فكيف مات ) وإن يظهروا عليكم ( أي وحالهم أنهم إن يظفروا بكم ) لا يرقبوا فيكم ( لا يراعوا فيكم ) إلا ( حلفا وقيل قرابة قال حسان " لعمرك إن الك من قريش كإل السقب من رأل النعام " وقيل ربوبية ولعله اشتق للحلف من الإل وهو الجؤار لأنهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه ثم استعير للقرابة لأنها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف ثم للربوبية والتربية وقيل اشتقاقه من ألل الشيء إذا حدده أو من آل البرق إذا لمع وقيل إنه عبري بمعنى الإله لأنه قرئ إيلا كجبرئل وجبرئيل ) ولا ذمة ( عهدا أو حقا يعاب على إغفاله ) يرضونكم بأفواههم ( استئناف لبيان حالهم المنافية لثباتهم على العهد المؤدية إلى عدم مراقبتهم عند الظفر ولا يجوز جعله حالا من فاعل لايرقبوا فإنهم بعد ظهورهم لا يرضون ولأن المراد إثبات إرضائهم المؤمنين بوعد الإيمان والطاعة والوفاء بالعهد في الحال واستبطان الكفر والمعاداة بحيث إن ظفروا لم يبقوا عليهم والحالية تنافيه ) وتأبى قلوبهم ( ما تتفوه به أفواههم ) وأكثرهم فاسقون ( متمردون لا عقيدة تزعهم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الأكثر لما في بعض الكفرة من التفادي عن الغدر والتعفف عما يجر إلى أحدوثة السوء الأنفال : ( 9 ) إذ تستغيثون ربكم . . . . . ) اشتروا بآيات الله ( استبدلوا بالقرآن ) ثمنا قليلا ( عرضا يسيرا وهو اتباع الأهواء والشهوات ) فصدوا عن سبيله ( دينه الموصل إليه أو سبيل بيته بحصر الحجاج ________________________________________ " صفحة رقم 133 " والعمار والفاء للدلالة على أن اشتراءهم أداهم إلى الصد ) إنهم ساء ما كانوا يعملون ( عملهم هذا أو ما دل عليه قوله الأنفال : ( 10 ) وما جعله الله . . . . . ) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ( فهو تفسير لا تكرير وقيل الأول عام في الناقضين وهذا خاص بالذين اشتروا وهم اليهود أو الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم ) وأولئك هم المعتدون ( في الشرارة الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . . ) فإن تابوا ( عن الكفر ) وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ( فهم إخوانكم في الدين لهم ما لكم وعليهم ما عليكم ) ونفصل الآيات لقوم يعلمون ( اعتراض للحث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين أو خصال التائبين الأنفال : ( 12 ) إذ يوحي ربك . . . . . ) وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ( وإن نكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان أو الوفاء بالعهود ) وطعنوا في دينكم ( بصريح التكذيب وتقبيح الأحكام ) فقاتلوا أئمة الكفر ( أي فقاتلوهم فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل وقبل المراد بالأئمة رؤساء المشركين فالتخصيص إما لأن قتلهم أهم وهم أحق به أو للمنع من مراقبتهم وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وروح عن يعقوب أئمة بتحقيق الهمزتين على الأصل والتصريح بالياء لحن ) إنهم لا أيمان لهم ( أي لا أيمان لهم على الحقيقة وألا لما طعنوا ولم ينكثوا وفيه دليل على أن الذمي إذا طعن في الإسلام فقد نكث عهده واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر ليست يمينا وهو ضعيف لأن المراد نفي الوثوق عليها لا أنها ليست بأيمان لقوله تعالى ) وإن نكثوا أيمانهم ( وقرأ ابن عامر لا أيمان لهم بمعنى لا أمان أو لا إسلام وتشبث به من لم يقبل توبة المرتد وهو ضعيف لجواز أن يكون يمعنى لا يؤمنون على الإخبار عن قوم معينين أو ليس لهم إيمان فيراقبوا لأجله ) لعلهم ينتهون ( متعلق ب قاتلوا أي ليكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عما هم عليه لا إيصال الأذية بهم كما هو طريقة المؤذين ________________________________________ " صفحة رقم 134 " الأنفال : ( 13 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . . ) ألا تقاتلون قوما ( تحريض على القتال لأن الهمزة دخلت على النفي للإنكار فأفادت المبالغة في الفعل ) نكثوا أيمانهم ( التي حلفوها مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر على خزاعة ) وهموا بإخراج الرسول ( حين تشاوروا في أمره بدار الندوة على ما مر ذكره في قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة ) وهم بدؤوكم أول مرة ( بالمعاداة والمقاتلة لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) بدأهم بالدعوة وإلزام الحجة بالكتاب والتحدي به فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم ) أتخشونهم ( أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم ) فالله أحق أن تخشوه ( فقاتلوا أعداءكم ولا تتركوا أمره ) إن كنتم مؤمنين ( فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه الأنفال : ( 14 ) ذلكم فذوقوه وأن . . . . . ) قاتلوهم ( أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتوبيخ على تركه والتوعد عليه ) يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ( وعد لهم إن قاتلوهم بالنصر عليهم والتمكن من قتلهم وإذلالهم ) ويشف صدور قوم مؤمنين ( يعني بني خزاعة وقيل بطونا من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا فشكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشروا فإن الفرج قريب الأنفال : ( 15 ) يا أيها الذين . . . . . ) ويذهب غيظ قلوبهم ( لما لقوا منهم وقد أوفى الله بما وعدهم والآية من المعجزات ) ويتوب الله على من يشاء ( ابتداء إخبار بأن بعضهم يتوب عن كفره وقد كان ________________________________________ " صفحة رقم 135 " ذلك أيضا وقرئ ) ويتوب ( بالنصب على إضمار أن على أنه من جملة ما أجيب به الأمر فإن القتال كما تسبب لتعذيب قوم تسبب لتوبة قوم آخرين ) والله عليم ( بما كان وما سيكون ) حكيم ( لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق الحكمة الأنفال : ( 16 ) ومن يولهم يومئذ . . . . . ) أم حسبتم ( خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال وقيل للمنافقين و ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على الحسبان ) أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( ولم يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا من غيرهم نفى العلم وأراد نفي المعلوم لمبالغة فإن كالبرهان عليه من حيث إن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه ) ولم يتخذوا ( عطف على ) جاهدوا ( داخل في الصلة ) من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ( بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم وما في ) لما ( من معنى التوقع منبه على أن تبين ذلك متوقع ) والله خبير بما تعملون ( يعلم غرضكم منه وهو كالمزيج لما يتوهم من ظاهر قوله ) ولما يعلم الله ) الأنفال : ( 17 ) فلم تقتلوهم ولكن . . . . . ) ما كان للمشركين ( ما صح لهم ) أن يعمروا مساجد الله ( شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام وقيل هو المراد وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامر الجميع ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بالتوحيد ) شاهدين على أنفسهم بالكفر ( بإظهار الشرك وتكذيب الرسول وهو حال من الواو والمعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره روي أنه لما أسر العباس عيره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له علي رضي الله تعالى عنه في القول فقال ما بالكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا أنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ________________________________________ " صفحة رقم 136 " ونسقي الحجيج ونفك العاني فنزلت ) أولئك حبطت أعمالهم ( التي يفتخرون بها بما قارنها من الشرك ) وفي النار هم خالدون ( لأجله الأنفال : ( 18 ) ذلكم وأن الله . . . . . ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ( أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودروس العلم فيها وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الله تعالى إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لما علم أن الإيمان بالله قرينة وتمامه الإيمان به ولدلالة قوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة عليه ) ولم يخش إلا الله ( أي في أبواب الدين فإن الخشية عن المحاذير جبلية لا يكاد العاقل يتمالك عنها ) فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ( ذكره بصيغة التوقع قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم وتوبيخا لهم بالقطع بأنهم مهتدون فإن هؤلاء مع كمالهم إذا كان اهتداؤهم دائرا بين عسى ولعل فما ظنك بأضدادهم ومنعا للمؤمنين أن يغتروا بأحوالهم ويتكلوا عليها الأنفال : ( 19 ) إن تستفتحوا فقد . . . . . ) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ( السقاية والعمارة مصدر أسقى وعمر فلا يشبهان بالجثث بل لا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن ويؤيد الأول قراءة من قرأ سقاة الحاج وعمرة المسجد والمعنى إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة ثم قرر ذلك بقوله ) لا يستوون عند الله ( وبين عدم تساويهم بقوله ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( أي الكفرة ظلمة بالشرك ومعاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) منهمكون في الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب وقيل المراد بالظالمين الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين الأنفال : ( 20 ) يا أيها الذين . . . . . ) الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ( أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم تستجمع فيه هذه الصفات أو من أهل السقاية والعمارة عندكم ) وأولئك هم الفائزون ( بالثواب ونيل الحسنى عند الله دونكم ________________________________________ " صفحة رقم 137 " الأنفال : ( 21 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . ) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها ( في الجنات ) نعيم مقيم ( دائم وقرأ حمزة ) يبشرهم ( بالتخفيف وتنكير المبشر به إشعار بأنه وراء التعيين والتعريف الأنفال : ( 22 ) إن شر الدواب . . . . . ) خالدين فيها أبدا ( أكد الخلود بالتأبيد لأنه قد يستعمل للمكث الطويل ) إن الله عنده أجر عظيم ( يستحقر دونه ما استوجبوه لأجله أو نعيم الدنيا الأنفال : ( 23 ) ولو علم الله . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ( نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجاراتنا وبقينا ضائعين وقيل نزلت نهيا عن موالاة التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة والمعنى لا تتخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدونكم عن الطاعة لقوله ) إن استحبوا الكفر على الإيمان ( إن اختاروه وحرصوا عليه ) ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ( بوضعهم الموالاة في غير موضعها الأنفال : ( 24 ) يا أيها الذين . . . . . ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ( أقرباؤكم مأخوذ من العشرة وقيل من العشرة فإن العشيرة جماعة ترجع إلى عقد كعقد العشرة وقرأ أبو بكر / وعشيراتكم / وقرئ / وعشائركم / ) وأموال اقترفتموها ( اكتسبتموها ) وتجارة تخشون كسادها ( فوات وقت نفاقها ) ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ( الحب الاختياري دون الطبيعي فإنه لا يدخل تحت التكليف في التحفظ عنه ) فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ( جواب ووعيد والأمر عقوبة عاجلة أو آجلة وقيل فتح مكة ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( لا يرشدهم وفي الآية تشديد عظيم وقل من يتخلص منه الأنفال : ( 25 ) واتقوا فتنة لا . . . . . ) لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ( يعني مواطن الحرب وهي مواقفها ) ويوم حنين ( وموطن يوم حنين ويجوز أن يقدر في أيام مواطن أو يفسر الموطن بالوقت كمقتل الحسين ولا يمنع إبدال قوله ) إذ أعجبتكم كثرتكم ( منه أن يعطف على موضع في ) مواطن ( فإنه لا يقتضي تشاركهما فيما أضيف إليه المعطوف حتى يقتضي كثرتهم وإعجابها إياهم في جميع المواطن و ) حنين ( واد بين مكة والطائف حارب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون وكانوا اثني عشر ألفا العشرة الذين حضروا فتح مكة وألفان انضموا إليهم من الطلقاء هوازن وثقيفا وكانوا أربعة آلاف فلما التقوا قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو أبو بكر رضي ________________________________________ " صفحة رقم 138 " الله تعالى عنه أو غيره من المسلمين لن تغلب اليوم من قلة إعجابا بكثرتهم واقتتلوا قتالا شديدا فأدرك المسلمين إعجابهم واعتمادهم على كثرتهم فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجامه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث وناهيك بهذا شهادة على تناهي شجاعته فقال للعباس وكان صيتا صح بالناس فنادى يا عباد الله يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة فكروا عنقا واحدا يقولون لبيك لبيك ونزلت الملائكة فالتقوا مع المشركين فقال ( صلى الله عليه وسلم ) هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ كفا من ترا فرماهم ثم قال انهزموا ورب الكعبة فانهزموا ) فلم تغن عنكم ( أي الكثرة ) شيئا ( من الإغناء أو من أمر العدو ) وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ( برحبها أي بسعتها لا تجدون فيها مفرا تطمئن إليه نفوسكم من شدة الرعب أو لا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه ) ثم وليتم ( الكفار ظهوركم ) مدبرين ( منهزمين والإدبار الذهاب إلى خلف الإقبال الأنفال : ( 26 ) واذكروا إذ أنتم . . . . . ) ثم أنزل الله سكينته ( رحمته التي سكنوا بها وأمنوا ) على رسوله وعلى المؤمنين ( الذين انهزموا وإعادة الجار للتنبيه على اختلاف حاليهما وقيل هم الذين ثبتوا مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يفروا ) وأنزل جنودا لم تروها ( بأعينكم أي الملائكة وكانوا خمسة آلاف أو ثمانية أو ستة عشر على اختلاف الأقوال ) وعذب الذين كفروا ( بالقتل والأسر والسبي ) وذلك جزاء الكافرين ( أي ما فعل بهم جزاء كفرهم في الدنيا الأنفال : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . . ) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ( منهم بالتوفيق للإسلام ) والله غفور رحيم ( يتجاوز عنهم ويتفضل عليهم روي أن ناسا جاءوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأسلموا وقالوا يا رسول الله أنت خير الناس وأبرهم وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا وقد سبي يومئذ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اختاروا إما سباياكم وإما أموالكم فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال إن هؤلاء جاءوا مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يرده فشأنه ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه فقالوا رضينا وسلمنا فقال إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى فمروا ________________________________________ " صفحة رقم 139 " عرفاءكم فليرفعوا إلينا فرفعوا أنهم قد رضوا الأنفال : ( 28 ) واعلموا أنما أموالكم . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ( لخبث باطنهم أو لأنه يجب أن يجتنب عنهم كما يجتنب عن الأنجاس أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبا وفيه دليل على أن ما الغالب نجاسته نجس وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أعيانهم نجسة كالكلاب وقرئ ) نجس ( بالسكون وكسر النون وهو ككبد في كبد وأكثر ما جاء تابعا لرجس ) فلا يقربوا المسجد الحرام ( لنجاستهم وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة أو للمنع عن دخول الحرم وقيل المراد به النهي عن الحج والعمرة لا عن الدخول مطلقا وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وقاس مالك سائر المساجد على المسجد الحرام في المنع وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع ) بعد عامهم هذا ( يعني سنة براءة وهي التاسعة وقيل سنة حجة الوداع ) وإن خفتم عيلة ( فقرأ بسبب منعهم من الحرم وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب والأرفاق ) فسوف يغنيكم الله من فضله ( من عطائه أو تفضله بوجه آخر وقد أنجز وعده بأن أرسل السماء عليهم مدرارا ووفق أهل تبالة وجرش فأسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض وقرئ / عائلة / على أنها مصدر كالعافية أو حال ) إن شاء ( قيده بالمشيئة لتنقطع الآمال إلى الله تعالى ولينبه على أنه تعالى متفضل في ذلك وان الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض وفي عام دون عام ) إن الله عليم ( بأحوالكم ) حكيم ( فيما يعطي ويمنع الأنفال : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . . ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( أي لا يؤمنون بهما على ما ينبغي كما بيناه في أول البقرة فإن إيمانهم كلا إيمان ) ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وقيل رسوله هو الذي يزعمون اتباعه والمعنى أنهم يخالفون أصل دينهم المنسوخ اعتقادا وعملا ) ولا يدينون دين الحق ( الثابت الذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها ) من الذين أوتوا الكتاب ( بيان للذين لا يؤمنون ) حتى يعطوا الجزية ( ما تقرر عليهم أن يعطوه مشتق من جزى دينه إذا قضاه ) عن يد ( حال من الضمير أي عن يد مؤاتية بمعنى منقادين أو عن يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم ________________________________________ " صفحة رقم 140 " ولذلك منع من التوكيل فيه أو عن غنى ولذلك قيل لا تؤخذ من الفقير أو عن يد قاهرة عليهم بمعنى عاجزين أذلاء أو من الجزية بمعنى نقدا مسلمة عن يد إلى يد أو عن إنعام عليهم فإن إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة ) وهم صاغرون ( أذلاء وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال تؤخذ الجزية من الذمي وتوجأ عنقه ومفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب ويؤيده أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أخذها من مجوس هجر وأنه قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب وذلك لأنهم لهم شبهة كتاب فألحقوا بالكتابيين وأما سائر الكفرة فلا تؤخذ منهم الجزية عندنا وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تؤخذ منهم إلا مشركي العرب لما روى الزهري أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صالح عبدة الأوثان إلا من كان من العرب وعند مالك رحمه الله تعالى تؤخذ من كل كافر إلا المرتد وأقلها في كل سنة دينار سواء فيه الغني والفقير وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى على الغني ثمانية وأربعون درهما وعلى المتوسط نصفها وعلى الفقير الكسوب ربعها ولا شيء على الفقير غير الكسوب الأنفال : ( 30 ) وإذ يمكر بك . . . . . ) وقالت اليهود عزير ابن الله ( إنما قاله بعضهم من متقدميهم أو ممن كانوا بالمدينة وإنما قالوا ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة وهو لما أحياه الله بعد مائة عام أملى عليهم التوراة حفظا فتعجبوا من ذلك وقالوا ما هذا إلا أنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب ) عزيز ( بالتنوين على أنه عربي مخبر عنه بابن غير موصوف به وحذفه في القراءة الأخرى إما لمنع صرفه للعجمة والتعريف أو لالتقاء الساكنين تشبيها للنون بحروف اللين أو لأن الابن وصف والخبر محذوف مثل معبودنا أو صاحبنا وهو مزيف لأنه يؤدي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدر ) وقالت النصارى المسيح ابن الله ( هو أيضا قول بعضهم وإنما قالوه استحالة لأن يكون ولد بلا أب أو لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلها ) ذلك قولهم بأفواههم ( ________________________________________ " صفحة رقم 141 " إما تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ونفي للتجوز عنها أو إشعار بأنه قول مجرد عن برهان وتحقيق مماثل للمهمل الذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان ) يضاهئون قول الذين كفروا ( أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ) من قبل ( أي من قبلهم والمراد قدماؤهم على معنى أن الكفر قديم فيهم أو المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله أو اليهود على أن الضمير للنصارى والمضاهاة المشابهة والهمز لغة فيه وقرأ به عاصم ومنه قولهم امرأة ضهيأ على فعيل للتي شابهت الرجال في أنها لا تحيض ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم بالإهلاك فإن من قاتله الله هلك أو تعجب من شناعة قولهم ) أنى يؤفكون ( كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل الأنفال : ( 31 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله أو بالسجود لهم ) والمسيح ابن مريم ( بأن جعلوه ابنا لله ) وما أمروا ( أي وما أمر المتخذون أو المتخذون أربابا فيكون كالدليل على بطلان الاتخاذ ) إلا ليعبدوا ( ليطيعوا ) إلها واحدا ( وهو الله تعالى وأما طاعة الرسول وسائر من أمر الله بطاعته فهو في الحقيقة طاعة لله ) لا إله إلا هو ( صفة ثانية أو استئناف مقرر للتوحيد ) سبحانه عما يشركون ( تنزيه له عن أن يكون له شريك الأنفال : ( 32 ) وإذ قالوا اللهم . . . . . ) يريدون أن يطفئوا ( يخمدوا ) نور الله ( حجته الدالة على وحدانيته وتقدسه عن الولد أو القرآن أو نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) بأفواههم ( بشركهم أو بتكذيبهم ) ويأبى الله ( أي لا يرضى ) إلا أن يتم نوره ( بإعلاء التوحيد وإعزاز الإسلام وقيل إنه تمثيل لحالهم في ________________________________________ " صفحة رقم 142 " طلبهم إبطال نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالتكذيب بحال من يطلب إطفاء نور عظيم منبث في الآفاق يريد الله أن يزيده بنفخه وإنما صح الاستثناء المفرغ والفعل موجب لأنه في معنى النفي ) ولو كره الكافرون ( محذوف الجواب لدلالة ما قبله عليه الأنفال : ( 33 ) وما كان الله . . . . . ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ( كالبيان لقوله ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ( ولذلك كرر ) ولو كره المشركون ( غير أنه وضع المشركون موضع الكافرون للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الشرك بالله والضمير في ) ليظهره ( للدين الحق أو للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واللام في ) الدين ( للجنس أي على سائر الأديان فينسخها أو على أهلها فيخذلهم الأنفال : ( 34 ) وما لهم ألا . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ( يأخذونها بالرشا في الأحكام سمي أخذ المال أكلا لأنه الغرض الأعظم منه ) ويصدون عن سبيل الله ( دينه ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( يجوز أن يراد به الكثير من الأحبار والرهبان فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضن به وأن يراد المسلمون الذين يجمعون المال ويقتنونه ولا يؤدون حقه ويكون اقترانه بالمرتشين من أهل الكتاب للتغليظ ويدل عليه أنه لما نزل كبر على المسلمين فذكر عمر رضي الله تعالى عنه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أدي زكاته فليس بكنز أي بكنز أوعد عليه فإن الوعيد على الكنز مع عدم الإنفاق فيما أمر الله أن ينفق فيه وأما قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها ونحوه فالمراد منها ما لم يؤد حقها لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما أورده الشيخان مرويا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى بها ________________________________________ " صفحة رقم 143 " جبينه وجنبه وظهره ) فبشرهم بعذاب أليم ( هو الكي بهما الأنفال : ( 35 ) وما كان صلاتهم . . . . . ) يوم يحمى عليها في نار جهنم ( أي يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها وأصله تحمى بالنار فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير وإنما قال ) عليها ( والمذكور شيئان لأن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة كما قال علي رضي الله تعالى عنه أربعة آلاف وما دونها وما فوقها كنز وكذا قوله تعالى ) ولا ينفقونها ( وقيل الضمير فيهما للكنوز أو للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التمول أو للفضة وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب أولى بهذا الحكم ) فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ( لأن جمعهم وإمساكهم إياه كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه ) هذا ما كنزتم ( على إرادة القول ) لأنفسكم ( لمنفعتها وكان عين مضرتها وسبب تعذيبها ) فذوقوا ما كنتم تكنزون ( أي وبال كنزكم أو ما تكنزونه وقرئ ) تكنزون ( بضم النون الأنفال : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن عدة الشهور ( أي مبلغ عددها ) عند الله ( معمول عدة لأنها مصدر ) اثنا عشر شهرا في كتاب الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 144 " في اللوح المحفوظ أو في حكمه وهو صفة لاثني عشر وقوله ) يوم خلق السماوات والأرض ( متعلق بما فيه من معنى الثبوت أو بالكتاب إن جعل مصدرا والمغنى أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر مذ خلق الله الأجرام والأزمنة ) منها أربعة حرم ( واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ) ذلك الدين القيم ( أي تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم دين إبراهيم وإسماعيل ( صلى الله عليه وسلم ) والعرب ورثوه منهما ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( بهتك حرمتها وارتكاب حرامها والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة وأولو الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فإنه أعظم وزرا كارتكابها في الحرم وحال الإحرام وعن عطاء أنه لا يحل للناس أن يغزوا في الحرم وفي الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا ويؤيد الأول ما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوال وذي القعدة ) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ( جميعا وهو مصدر كف عن الشيء فإن الجميع مكفوف عن الزيادة وقع موقع الحال ) واعلموا أن الله مع المتقين ( بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم الأنفال : ( 37 ) ليميز الله الخبيث . . . . . ) إنما النسيء ( أي تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد وعن نافع برواية ورش / إنما النسي / بقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فيها وقرئ ________________________________________ " صفحة رقم 145 " / النسي / بحذفها والنسء والنساء وثلاثتها مصادر نسأه إذا أخره ) زيادة في الكفر ( لأنه تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرمه الله فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم ) يضل به الذين كفروا ( ضلالا زائدا وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) يضل ( على البناء للمفعول وعن يعقوب ) يضل ( على أن الفعل لله تعالى ) يحلونه عاما ( يحلون المنسي من الاشهر الحرم سنة ويحرمون مكانه شهرا آخر ) ويحرمونه عاما ( فيتركونه على حرمته قيل أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم ينادي في القبائل إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه والجملتان تفسير للضلال أو حال ) ليواطئوا عدة ما حرم الله ( أي ليوافقوا عدة الأربعة المحرمة واللام متعلقة بيحرمونه أو بما دل عليه مجموع الفعلين ) فيحلوا ما حرم الله ( بمواطأة العدة وحدها من غير مراعاة الوقت ) زين لهم سوء أعمالهم ( وقرئ على البناء للفاعل وهو الله تعالى والمعنى خذلهم وأضلهم حتى حسبوا قبيح أعمالهم حسنا ) والله لا يهدي القوم الكافرين ( هداية موصلة إلى الاهتداء الأنفال : ( 38 ) قل للذين كفروا . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم ( تباطأتم وقرئ / تثاقلتم / على الأصل و ) اثاقلتم ( على الاستفهام للتوبيخ ) إلى الأرض ( متعلق به كأنه ضمن معنى الاخلاد والميل فعدي بإلى وكان ذلك في غزوة تبوك أمروا بها بعد رجوعهم من الطائف في وقت عسرة وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم ) أرضيتم بالحياة الدنيا ( وغرورها ) من الآخرة ( بدل الآخرة ونعيمها ) فما متاع الحياة الدنيا ( فما التمتع بها ) في الآخرة ( في جنب الآخرة ) إلا قليل ( مستحقر الأنفال : ( 39 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . . ) إلا تنفروا ( إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه ) يعذبكم عذابا أليما ( بالإهلاك بسبب فظيع كقحط وظهور عدو ) ويستبدل قوما غيركم ( ويستبدل بكم آخرين مطيعين كأهل اليمن وأبناء فارس ) ولا تضروه شيئا ( إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئا فإنه الغني عن كل شيء وفي كل أمر وقيل الضمير للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أي ولا تضروه فإن الله سبحانه وتعالى وعد له بالعصمة والنصرة ووعده حق ) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على التبديل وتغيير الاسباب والنصرة بلا مدد كما قال ________________________________________ " صفحة رقم 146 " الأنفال : ( 40 ) وإن تولوا فاعلموا . . . . . ) إلا تنصروه فقد نصره الله ( أي إن لم تنصروه فسينصره الله كما نصره ) إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ( ولم يكن معه إلا رجل واحد فحذف الجزاء وأقيم ما هو كالدليل عليه مقامه أو إن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتى نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره واسناد الاخراج إلى الكفرة لأن همهم بإخراجه أو قتله تسبب لإذن الله له بالخروج وقرئ ) ثاني اثنين ( بالسكون على لغة من يجري المنقوص مجرى المقصور في الاعراب ونصبه على الحال ) إذ هما في الغار ( بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع والغار نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا ) إذ يقول ( بدل ثان أو ظرف لثاني ) لصاحبه ( وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه ) لا تحزن إن الله معنا ( بالعصمة والمعونة روي أن المشركين طلعوا فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ظنك باثنين الله ثالثهما فأعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وقيل لما دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه ) فأنزل الله سكينته ( أمنته التي تسكن عندها القلوب ) عليه ( على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو على صاحبه وهو الأظهر لأنه كان منزعجا ) وأيده بجنود لم تروها ( يعني الملائكة أنزلهم ليحرسوه في الغار أو ليعينوه على العدو يوم بدر والاحزاب وحنين فتكون الجملة معطوفة على قوله ) نصره الله ( ) وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ( يعني الشرك أو دعوة الكفر ) وكلمة الله هي العليا ( يعني التوحيد أو دعوة الإسلام والمعنى وجعل ذلك بتخليص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عن أيدي الكفار إلى المدينة فإنه المبدأ أو بتأييده إياه بالملائكة في هذه المواطن أو بحفظه ونصره له حيث حضر وقرأ يعقوب ) وكلمة الله ( بالنصب عطفا على كلمة ) الذين ( والرفع أبلغ لما فيه من الاشعار بأن ) وكلمة الله ( عالية في نفسها وإن فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه ولا اعتبار ________________________________________ " صفحة رقم 147 " ولذلك وسط الفصل ) والله عزيز حكيم ( في أمره وتدبيره الأنفال : ( 41 ) واعلموا أنما غنمتم . . . . . ) انفروا خفافا ( لنشاطكم له ) وثقالا ( عنه لمشقته عليكم أو لقلة عيالكم ولكثرتها أو ركبانا ومشاة أو خفافا وثقالا من السلاح أو صحاحا ومراضا ولذلك لما قال ابن أم مكتوم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعلي أن أنفر قال نعم حتى نزل ) ليس على الأعمى حرج ( ) وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ( بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما ) ذلكم خير لكم ( من تركه ) إن كنتم تعلمون ( الخير علمتم أنه خير أو إن كنتم تعلمون أنه خير إذ إخبار الله تعالى به صدق فبادروا إليه الأنفال : ( 42 ) إذ أنتم بالعدوة . . . . . ) لو كان عرضا ( أي لو كان ما دعوا إليه نفعا دنيويا ) قريبا ( سهل المأخذ ) وسفرا قاصدا ( متوسطا ) لاتبعوك ( لوافقوك ) ولكن بعدت عليهم الشقة ( أي المسافة التي تقطع بمشقة وقرئ بكسر العين والشين ) وسيحلفون بالله ( أي المتخلفون إذا رجعت من تبوك معتذرين ) لو استطعنا ( يقولون لو كان لنا استطاعة العدة أو البدن وقرئ ) لو استطعنا ( بضم الواو تشبيها لها بواو الضمير في قوله ) اشتروا الضلالة ( ) لخرجنا معكم ( ساد مسد جوابي القسم والشرط وهذا من المعجزات لأنه إخبار عما وقع قبل وقوعه ) يهلكون أنفسهم ( بإيقاعها في العذاب وهو بدل من سيحلفون لأن الحلف الكاذب إيقاع للنفس في الهلاك أو حال من فاعله ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( في ذاك لأنهم كانوا مستطيعين الخروج ________________________________________ " صفحة رقم 148 " الأنفال : ( 43 ) إذ يريكهم الله . . . . . ) عفا الله عنك ( كناية عن خطئه في الإذن فإن العفو من روادفه ) لم أذنت لهم ( بيان لما كني عنه بالعفو ومعاتبة عليه والمعنى لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتلوا بأكاذيب وهلا توقفت ) حتى يتبين لك الذين صدقوا ( في الاعتذار ) وتعلم الكاذبين ( فيه قيل إنما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيئين لم يؤمر بهما اخذه للفداء وإذنه للمنافقين فعاتبه الله عليهما الأنفال : ( 44 ) وإذ يريكموهم إذ . . . . . ) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( أي ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا فإن الخلص منهم يبادرون إليه ولا يتوقفون على الأذن فيه فضلا أن يستأذنوك في التخلف عنه أو أن يستأذنوك في التخلف لا كراهة أن يجاهدوا ) والله عليم بالمتقين ( شهادة لهم بالتقوى وعدة لهم بثوابه الأنفال : ( 45 ) يا أيها الذين . . . . . ) إنما يستأذنك ( في التخلف ) الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( تخصيص الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر في الموضعين للاشعار بأن الباعث على الجهاد والوازع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما ) وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ( يتحيرون الأنفال : ( 46 ) وأطيعوا الله ورسوله . . . . . ) ولو أرادوا الخروج لأعدوا له ( للخروج ) عدة ( أهبة وقرئ عده بحذف التاء عند الإضافة كقوله " إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا " وعده بكسر العين بالاضافة وعدة بغيرها ) ولكن كره الله انبعاثهم ( استدراك عن مفهوم قوله ) ولو أرادوا الخروج ( كأنه قال ما خرجوا ولكن تثبطوا لأنه تعالى كره انبعاثهم أي نهوضهم للخروج ) فثبطهم ( فحسبهم بالجبن والكسل ) وقيل اقعدوا مع القاعدين ( ________________________________________ " صفحة رقم 149 " تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود أو حكاية قول بعضهم لبعض أو إذن الرسول عليه السلام لهم والقاعدين يحتمل المعذورين وغيرهم وعلى الوجهين لا يخلو عن ذم الأنفال : ( 47 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم ( بخروجهم شيئا ) إلا خبالا ( فسادا وشرا ولا يستلزم ذلك أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء ولأجل هذا التوهم جعل الاستثناء منقطعا وليس كذلك لأنه لا يكون مفرغا ) ولأوضعوا خلالكم ( ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتضريب أو الهزيمة والتخذيل من وضع البعير وضعا إذا أسرع ) يبغونكم الفتنة ( يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم أو الرعب في قلوبكم والجملة حال من الضمير في ) ولأوضعوا ( ) وفيكم سماعون لهم ( ضعفة يسمعون قولهم ويطيعونهم أو نمامون يسمعون حديثكم للنقل إليهم ) والله عليم بالظالمين ( فيعلم ضمائرهم وما يتأتى منهم الأنفال : ( 48 ) وإذ زين لهم . . . . . ) لقد ابتغوا الفتنة ( تشتيت أمرك وتفريق أصحابك ) من قبل ( يعني يوم أحد فإن ابن أبي واصحابه كما تخلفوا عن تبوك بعدما خرجوا مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع انصرفوا يوم أحد ) وقلبوا لك الأمور ( ودبروا لك المكايد والحيل ودوروا الآراء في ابطال أمرك ) حتى جاء الحق ( بالنصر والتأييد الإلهي ) وظهر أمر الله ( وعلا دينه ) وهم كارهون ( أي على رغم منهم والآيتان لتسلية الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على تخلفهم وبيان ما ثبطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة اعتذارهم تداركا لما فوت الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالمبادرة إلى الآذن ولذلك عوتب عليه الأنفال : ( 49 ) إذ يقول المنافقون . . . . . ) ومنهم من يقول ائذن لي ( في القعود ) ولا تفتني ( ولا توقعني في الفتنة أي في العصيان والمخالفة بأن لا تأذن لي وفيه أشعار بأنه لا محالة متخلف أذن له أم يأذن أو في الفتنة بسبب ________________________________________ " صفحة رقم 150 " ضياع المال والعيال إذ لا كافل لهم بعدي أو في الفتنة بنساء الروم لما روي أن جد بن قيس قال قد علمت الأنصار أني مولع بالنساء فلا تفتني ببنات الاصفر ولكني اعينك بمالي فاتركني ) ألا في الفتنة سقطوا ( أي إن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهي فتنة التخلف أو ظهور النفاق لا ما احترزوا عنه ) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( جامعة لهم يوم القيامة أو الآن لأن احاطة أسبابها بهم كوجودها . الأنفال : ( 50 ) ولو ترى إذ . . . . . ) إن تصبك ( في بعض غزواتك . ) حسنة ( ظفر وغنيمة . ) تسؤهم ( لفرط حسدهم . ) وإن تصبك ( في بعضها ) مصيبة ( كسر أو شدة أو كما أصاب يوم أحد ) يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ( تبجحوا بانصرافهم واستحمدوا رأيهم في التخلف ) ويتولوا ( عن متحدثهم بذلك ومجتمعهم له أو عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وهم فرحون ( مسرورون الأنفال : ( 51 ) ذلك بما قدمت . . . . . ) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( إلا ما احتصنا بإثباته وإيجابه من النصرة أو الشهادة أو ما كتب لأجلنا في اللوح المحفوظ لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم وقرئ / هل يصيبنا / و / هل يصيبنا / وهو من فيعل لا من فعل لأنه من بنات الواو لقولهم صاب السهم يصوب واشتقاقه من الصواب لأنه وقوع الشيء فيما قصد به وقيل من الصواب ) هو مولانا ( ناصرنا ومتولي امورنا ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( لأن حقهم أن لا يتوكلوا على غيره الأنفال : ( 52 ) كدأب آل فرعون . . . . . ) قل هل تربصون بنا ( تنتظرون بنا ) إلا إحدى الحسنيين ( إلا إحدى العاقبتين ________________________________________ " صفحة رقم 151 " اللتين كل منهما حسنى العواقب النصرة والشهادة ) ونحن نتربص بكم ( أيضا إحدى السوأيين ) أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ( بقارعة من السماء ) أو بأيدينا ( أو بعذاب بأيدينا وهو القتل على الكفر ) فتربصوا ( ما هو عاقبتنا ) إنا معكم متربصون ( ما هو عاقبتكم التوبة : ( 53 ) قل أنفقوا طوعا . . . . . ) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( أمر في معنى الخبر أي لن يتقبل منكم نفقاتكم أنفقتم طوعا أو كرها وفائدته المبالغة في تساوي الانفاقين في عدم القبول كأنهم امروا بأن يمتحنوا فينفقوا وينظروا هل يتقبل منهم وهو جواب قول جد بن قيس وأعينك بمالي ونفي التقبل يحتمل أمرين أن لا يؤخذ منهم وان لا يثابوا عليه وقوله ) إنكم كنتم قوما فاسقين ( تعليل له على سبيل الاستئناف وما بعده بيان وتقرير له التوبة : ( 54 ) وما منعهم أن . . . . . ) وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم وقرأ حمزة والكسائي / أن يقبل / بالياء لأن تأنيث النفقات غير حقيقي وقرئ ) يقل ( على أن الفعل لله ) ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ( متثاقلين ) ولا ينفقون إلا وهم كارهون ( لأنهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا التوبة : ( 55 ) فلا تعجبك أموالهم . . . . . ) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ( فإن ذلك استدراج ووبال لهم كما قال ) إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ( بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب ) وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجا لهم وأصل الزهوق الخروج بصعوبة ________________________________________ " صفحة رقم 152 " التوبة : ( 56 ) ويحلفون بالله إنهم . . . . . ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( إنهم لمن جملة المسلمين ) وما هم منكم ( لكفر قلوبهم ) ولكنهم قوم يفرقون ( يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين فيظهرون الإسلام تقية التوبة : ( 57 ) لو يجدون ملجأ . . . . . ) لو يجدون ملجأ ( حصنا يلجؤون إليه ) أو مغارات ( غيرانا ) أو مدخلا ( نفقا ينجحرون فيه مفتعل من الدخول وقرأ يعقوب ) مدخلا ( من مدخل وقرئ ) مدخلا ( أي مكانا يدخلون فيه أنفسهم و / متدخلا / و / مندخلا / من تدخل اندخل ) لولوا إليه ( لأقبلوا نحوه ) وهم يجمحون ( يسرعون إسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح وقرئ / يجمزون / ومنه الجمازة التوبة : ( 58 ) ومنهم من يلمزك . . . . . ) ومنهم من يلمزك ( يعيبك وقرأ يعقوب ) يلمزك ( بالضم وابن كثير / يلامزك / ) في الصدقات ( في قسمها ) فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ( قيل إنها نزلت في أبي الجواظ المنافق فقال ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل وقيل في ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك إن لم أعدل فمن يعدل و ) إذا ( للمفاجأة نائب مناب الفاء الجزائية التوبة : ( 59 ) ولو أنهم رضوا . . . . . ) ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ( ما أعطاهم الرسول من الغنيمة أو الصدقة وذكر الله للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان بأمره ) وقالوا حسبنا الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 153 " كفانا فضله ) سيؤتينا الله من فضله ( صدقة أو غنيمة أخرى ) ورسوله ( فيؤتينا اكثر مما آتانا ) إنا إلى الله راغبون ( في أن يغنينا من فضله والاية بأسرها في حيز الشرط والجواب محذوف تقديره ) خيرا لهم ) التوبة : ( 60 ) إنما الصدقات للفقراء . . . . . ثم بين مصارف الصدقات تصويبا وتحقيقا لما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) إنما الصدقات للفقراء والمساكين ( أي الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم وهو دليل على أن المراد باللمز لمزهم في قسم الزكوات دون الغنائم والفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته من الفقار كأنه اصيب فقاره والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه من السكون كأن العجز أسكنه ويدل عليه قوله تعالى ) أما السفينة فكانت لمساكين ( وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يسأل المسكنة ويتعوذ من الفقر وقيل بالعكس لقوله تعالى ) مسكينا ذا متربة ( ) والعاملين عليها ( الساعين في تحصيلها وجمعها ) والمؤلفة قلوبهم ( قوم اسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيستأنف قلوبهم أو أشراف قد يترتب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظرائهم وقد أعطى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عيينة بن حصن والألقرع بن حابس والعباس بن مرداس لذلك وقيل أشراف يستألفون على أن يسلموا فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعطيهم والأصح أنه كان يعطيهم من خمس الخمس الذي كان خاص ماله وقد عد منهم من يؤلف قبله بشيء منها على قتال الكفار ومانعي الزكاة وقيل كان سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأكثر أهله سقط ) وفي الرقاب ( وللصرف في فك الرقاب بأن يعاون المكاتب بشىء منها على أداء النجوم وقيل بأن تبتاع الرقاب فتعتق وبه قال مالك وأحمد أو بأن يفدي الأساري والعدول عن اللام إلى في للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب وقيل للايذان بأنهم أحق بها ) والغارمين ( والمديونين لأنفسهم غير معصية ومن غير إسراف إذا لم يكن لهم وفاء أو الاصلاح ذات البين وان كانوا اغنياء لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين ________________________________________ " صفحة رقم 154 " فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني أو لعامل عليها ) وفي سبيل الله ( وللصرف في الجهاد بالانفاق على المتطوعة وابتياع الكراع والسلاح وقيل وفي بناء القناطر والمصانع ) وابن السبيل ( المسافر المنقطع عن ماله ) فريضة من الله ( مصدر لما دل عليه الآية الكريمة أي فرض لهم الله الصدقات فريضة أو حال من الضمير المستكن في ) للفقراء ( وقرئ بالرفع على تلك ) فريضة ( ) والله عليم حكيم ( يضع الأشياء في مواضعها وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة بالاصناف الثمانية ووجوب الصرف إلى كل صنف وجد منهم ومراعاة التسوية بينهم قضية للاشتراك واليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وعن عمر وحذيفة وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين جواز صرفها إلى صنف واحد وبه قال الأئمة الثلاثة واختاره بعض اصحابنا وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى على أن الآية بيان أن الصدقة لا تخرج منهم لا ايجاب قسمها عليهم التوبة : ( 61 ) ومنهم الذين يؤذون . . . . . ) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ( يسمع كل ما يقال له ويصدقه سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع كما سمي الجاسوس عينا لذلك أو اشتق له فعل من أذن أذنا إذا استمع كأنف وشلل روي أنهم قالوا محمد أذن سامعه نقول ما شئنا ثم تأتيه فيصدقنا بما نقول ) قل أذن خير لكم ( تصديق لهم بأنه أذن ولكن لا على الوجه الذي ذموا به بل من حيث أنه يسمع الخير ويقبله ثم فسر ذلك بقوله ) يؤمن بالله ( يصدق به لما قام عنده من الأدلة ) ويؤمن للمؤمنين ( ويصدقهم لما علم من خلوصهم واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق فإنه بمعنى التسليم وإيمان الأمان ) ورحمة ( أي وهو رحمة ) للذين آمنوا منكم ( لمن اظهر الإيمان حيث يقبله ولا يكشف سره وفيه تنبيه عل انه ليس يقبل قولكم جهلا بحالكم بل رفقا بكم وترحما عليكم وقرأ حمزة ) ورحمة ( بالجر عطفا على ) خير ( وقرئ بالنصب على إنها علة فعل دل عليه ) أذن خير ( أي يأذن لكم رحمة وقرأ نافع ) آذن ( بالتخفيف فيهما وقرئ ) أذن خير ( على أن ) خير ( صفة له أو خبر ثان ) والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ( بإيذائه التوبة : ( 62 ) يحلفون بالله لكم . . . . . ) يحلفون بالله لكم ( على معاذيركم فيما قالوا أو تخلفوا ) ليرضوكم ( لترضوا ________________________________________ " صفحة رقم 155 " عنهم والخطاب للمؤمنين ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( أحق بالإرضاء بالطاعة والوفاق وتوحيد الضمير لتلازم الرضائين أو لأن الكلام في إيذاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإرضائه أو لأن التقدير والله احق أن يرضوه والرسول كذلك ) إن كانوا مؤمنين ( صدقا التوبة : ( 63 ) ألم يعلموا أنه . . . . . ) ألم يعلموا أنه ( أن الشأن وقرئ بالتاء ) من يحادد الله ورسوله ( يشاقق مفاعلة من الحد ) فأن له نار جهنم خالدا فيها ( على حذف الخبر أي فحق أن له أو على تكرير أن للتأكيد ويحتمل أن يكون معطوفا على أنه ويكون الجواب محذوفا تقديره من يحادد الله ورسوله يهلك وقرئ ) فإن ( بالكسر ) ذلك الخزي العظيم ( يعني الهلاك الدائم التوبة : ( 64 ) يحذر المنافقون أن . . . . . ) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم ( على المؤمنين ) سورة تنبئهم بما في قلوبهم ( وتهتك عليهم استارهم ويجوز أن يكون الضمائر للمنافقين فإن النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث انه مقروء ومحتج به عليهم وذلك يدل على ترددهم أيضا في كفرهم وأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بشيء وقيل إنه خبر في معنى الأمر وقبل كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء لقوله ) قل استهزؤوا إن الله مخرج ( مبرز أو مظهر ) ما تحذرون ( أي ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم أو ما تحذرون اظهاره من مساويكم التوبة : ( 65 ) ولئن سألتهم ليقولن . . . . . ) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( روي أن ركب المنافقين مروا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك فقالوا انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات فأخبر الله تعالى به نبيه فدعاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا لا والله ما كنا في شيء من أمرك وأمر أصحابك ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر ) قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به وإلزاما للحجة عليهم ولا تعبأ باعتذارهم الكاذب التوبة : ( 66 ) لا تعتذروا قد . . . . . ) لا تعتذروا ( لا تشتغلوا باعتذاراتكم فإنها معلومة الكذب ) قد كفرتم ( قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والطعن فيه ) بعد إيمانكم ( بعد اظهاركم الإيمان ) إن نعف عن طائفة منكم ( لتوبتهم وإخلاصهم أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء ) نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ( مصرين على النفاق أو مقدمين على الإيذاء والاستهزاء وقرأ ________________________________________ " صفحة رقم 156 " عاصم بالنون فيهما وقرئ بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله وإن تعف بالتاء والبناء على المفعول ذهابا إلى المعنى كأنه قال أن ترحم طائفة التوبة : ( 67 ) المنافقون والمنافقات بعضهم . . . . . ) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( أي متشابهة في النفاق والبعد عن الإيمان كأبعاض الشيء الواحد وقيل إنه تكذيب لهم في حلفهم بالله إنهم لمنكم وتقرير لقولهم وما هم منكم وما بعده كالدليل عليه فإنه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وهو قوله ) يأمرون بالمنكر ( بالكفر والمعاصي ) وينهون عن المعروف ( عن الإيمان والطاعة ) ويقبضون أيديهم ( عن المبار وقبض اليد كناية عن الشح ) نسوا الله ( غفلوا عن ذكر الله وتركوا طاعته ) فنسيهم ( فتركهم من لطفه وفضله ) إن المنافقين هم الفاسقون ( الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير التوبة : ( 68 ) وعد الله المنافقين . . . . . ) وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها ( مقدرين الخلود ) هي حسبهم ( عقابا وجزاء وفيه دليل على عظم عذابها ) ولعنهم الله ( أبعدهم من رحمته وأهانهم ) ولهم عذاب مقيم ( لا ينقطع والمراد به ما وعدوه أو ما يقاسونه من تعب النفاق التوبة : ( 69 ) كالذين من قبلكم . . . . . ) كالذين من قبلكم ( أي أنتم مثل الذين أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم ) كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا ( بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم ) فاستمتعوا بخلاقهم ( نصيبهم من ملاذ الدنيا واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فإنه ما قدر لصاحبه ) فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ( ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المخدجة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم ) وخضتم ( ودخلتم في الباطل كالذين خاضوا كالذين خاضوا أو كالفوج الذي خاضوا أو كالخوض الذي خاضوه ) أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ( لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين ) وأولئك هم الخاسرون ( الذين خسروا الدنيا والاخرة ________________________________________ " صفحة رقم 157 " التوبة : ( 70 ) ألم يأتهم نبأ . . . . . ) ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح ( اغرقوا بالطوفان ) وعاد ( اهلكوا بالريح ) وثمود ( أهلكوا بالرجفة ) وقوم إبراهيم ( أهلك نمروذ ببعوض وأهلك اصحابه ) وأصحاب مدين ( وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار يوم الظلة ) والمؤتفكات ( قريات قوم لوط ائتفكت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل وقيل قريات المكذبين المتمردين وائتفاكهن انقلاب احوالهن من الخير إلى الشر ) أتتهم رسلهم ( يعني الكل ) بالبينات فما كان الله ليظلمهم ( أي لم يك من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب التوبة : ( 71 ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم . . . . . ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ( في مقابلة قوله المنافقون والنمافقات بعضهم من بعض ) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ( في سائر الأمور ) أولئك سيرحمهم الله ( لا محالة فإن السين مؤكدة للوقوع ) أن الله عزيز ( غالب على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده ) حكيم ( يضع الاشياء مواضعها التوبة : ( 72 ) وعد الله المؤمنين . . . . . ) وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة ( تستطيبها النفس أو يطيب فيها العيش وفي الحديث إنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر ) في جنات عدن ( إقامة وخلود وعنه عليه الصلاة والسلام عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك ومرجع العطف فيها يحتمل أن يكون إلى تعدد الموعود لكل واحد أو للجميع على سبيل التوزيع أو إلى تغاير وصفه فكأنه وصفه اولا بأنه من جنس ما هو ابهى الاماكن التي يعرفونها لتميل إليه طباعهم أول ما يقرع اسماعهم ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا تخلو ________________________________________ " صفحة رقم 158 " عن شيء منها اماكن الدنيا وفيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات في جوار عليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ثم وعدهم بما هو اكبر من ذلك فقال ) ورضوان من الله أكبر ( لأنه المبدأ لكل سعادة وكرامة والمؤدي إلى نيل الوصول والفوز باللقاء وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى يقول لأهل الجنة هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط احدا من خلقك فيقول أنا اعطيكم افضل من ذلك فيقولون واي شيء من ذلك فيقول احل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم أبدا ) ذلك ( أي الرضوان أو جميع ما تقدم ) هو الفوز العظيم ( الذي تستحقر دونه الدنيا وما فيها التوبة : ( 73 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي جاهد الكفار ( بالسيف ) والمنافقين ( بإلزام الحجة وإقامة الحدود ) واغلظ عليهم ( في ذلك ولا تحابهم ) ومأواهم جهنم وبئس المصير ( مصيرهم التوبة : ( 74 ) يحلفون بالله ما . . . . . ) يحلفون بالله ما قالوا ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) اقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المتخلفين فقال الجلاس بن سويد لئن كان ما يقول محمد لإخواننا حقا لنحن شر من الحمير فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاستحضره فحلف بالله ما قاله فنزلت فتاب الجلاس وحسنت توبته ) ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ( واظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام ) وهموا بما لم ينالوا ( من فتك الرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ________________________________________ " صفحة رقم 159 " ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع اخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا أو اخراجه واخراج المؤمنين من المدينة أو بأن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما نقموا ( وما أنكروا أو ما وجدوا ما يورث نقمتهم ) إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ( فإن أكثر أهل المدينة كانوا محاويج في ضنك من العيش فلما قدمهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بديته اثني عشر ألفا فاستغنى والاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل أو العلل ) فإن يتوبوا يك خيرا لهم ( وهو الذي حمل الجلاس على التوبة والضمير في ) يك ( للتوب ) وإن يتولوا ( بالإصرار على النفاق ) يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ( بالقتل والنار ) وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ( فينجيهم من العذاب التوبة : ( 75 ) ومنهم من عاهد . . . . . ) ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ( نزلت في ثعلبة بن حاطب آتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ادع الله أن يرزقني مالا فقال عليه الصلاة والسلام يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه وقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله لأعطين كل ذي حق حقه فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقيل كثر ماله حتى لا يسعه واد فقال يا ويح ثعلبة فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مصدقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه الكتاب الذي فيه الفرائض فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية فارجعا حتى أرى رأيي فنزلت فجاء ثعلبة بالصدقة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله منعني أن اقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني فقبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها ثم جاء بها إلى عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته فلم يقبلها ________________________________________ " صفحة رقم 160 " وهلك في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه التوبة : ( 76 ) فلما آتاهم من . . . . . ) فلما آتاهم من فضله بخلوا به ( منعوا حق الله منه ) وتولوا ( عن طاعة الله ) وهم معرضون ( وهم قوم عادتهم الإعراض عنها التوبة : ( 77 ) فأعقبهم نفاقا في . . . . . ) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم ( أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم ) إلى يوم يلقونه ( يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة ) بما أخلفوا الله ما وعدوه ( بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح ) وبما كانوا يكذبون ( وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقا وقرئ ) يكذبون ( بالتشديد التوبة : ( 78 ) ألم يعلموا أن . . . . . ) ألم يعلموا ( أي المنافقون أو من عاهد الله وقرئ بالتاء على الالتفات ) أن الله يعلم سرهم ( ما أسروه في أنفسهم من النفاق أو العزم على الإخلاف ) ونجواهم ( وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن أو تسمية الزكاة جزية ) وأن الله علام الغيوب ( فلا يخفى عليه ذلك التوبة : ( 79 ) الذين يلمزون المطوعين . . . . . ) الذين يلمزون ( ذم مرفوع أو منصوب أو بدل من الضمير في سرهم وقرئ ) يلمزون ( بالضم ) المطوعين ( المتطوعين ) من المؤمنين في الصدقات ( روي ________________________________________ " صفحة رقم 161 " أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال كان لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة وأمسكت لعيالي أربعة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين ألف درهم وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعا لعيالي وجئت بصاع فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت ) والذين لا يجدون إلا جهدهم ( إلا طاقتهم وقرئ بالفتح وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه ) فيسخرون منهم ( يستهزئون بهم ) سخر الله منهم ( جازاهم على سخريتهم كقوله تعالى ) الله يستهزئ بهم ( ) ولهم عذاب أليم ( على كفرهم التوبة : ( 80 ) استغفر لهم أو . . . . . ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ( يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم كما نص عليه بقوله ) إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مرض أبيه أن يستغفر له ففعل ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لأزيدن على السبعين فنزلت ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ( وذلك لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 162 " فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل فجوز أن يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما وراءه فبين له أن المراد به التكثير دون التحديد وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنه العدد بأسره ) ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ( إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( المتمردين في كفرهم وهو كالدليل على الحكم السابق فإن مغفرة الكافر بالاقلاع عن الكفر والارشاد إلى الحق والمنهمك في كفره المطبوع عليه لا ينقلع ولا يهتدي والتنبيه على عذر الرسول في استغفاره وهو عدم يأسه من ايمانهم ما لم يعلم انهم مطبوعون على الضلالة والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) التوبة : ( 81 ) فرح المخلفون بمقعدهم . . . . . ) فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ( بقعودهم عن الغزو خلفه يقال اقام خلاف الحي أي بعدهم ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة أو الحال ) وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( ايثارا للدعة والخفض على طاعة الله وفيه تعريض بالمؤمنين الذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج ) وقالوا لا تنفروا في الحر ( أي قال بعضهم لبعض أو قالوه للمؤمنين تثبيطا ) قل نار جهنم أشد حرا ( وقد آثرتموها بهذه المخالفة ) لو كانوا يفقهون ( أن مآبهم إليها أو إنها كيف هي ما اختاروها بايثار الدعة على الطاعة ________________________________________ " صفحة رقم 163 " التوبة : ( 82 ) فليضحكوا قليلا وليبكوا . . . . . ) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ( إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والاخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على انه حتم واجب ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغم والمراد من القلة العدم التوبة : ( 83 ) فإن رجعك الله . . . . . ) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ( فإن ردك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلفين يعني منافقيهم فإن كلهم لم يكونوا منافقين أو من بقي منهم وكان المتخلفون اثني عشر رجلا ) فاستأذنوك للخروج ( إلى غزوة أخرى بعد تبوك ) فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ( إخبار في معنى النهي للمبالغة ) إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ( تعليل له وكان اسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم و ) أول مرة ( هي الخرجة إلى غزوة تبوك ) فاقعدوا مع الخالفين ( أي المتخلفين لعدم لياقتهم للجهاد كالنساء والصبيان وقرئ مع / الخلفين / على قصر ) الخالفين ) التوبة : ( 84 ) ولا تصل على . . . . . ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( روي أن عبد الله بن أبي دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مرضه فلما دخل عليه سأله أن يستغفر له ويكفنه في شعاره الذي يلي جسده ويصلي عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه وذهب ليصلي عليه فنزلت وقيل صلى عليه ثم نزلت وانما لم ينه عن التكفين في قميصه ونهى عن الصلاة عليه لأن الضن بالقميص كان مخلا بالكرم ولأنه كان مكافأة لا لباسه العباس قميصه حين أسر ببدر والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ولذلك رتب النهي على قوله ) مات أبدا ( يعني الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحيى ) ولا تقم على قبره ( ولا تقف عند قبره للدفن أو الزيارة ) إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ( تعليل للنهي أو لتأبيد الموت ________________________________________ " صفحة رقم 164 " التوبة : ( 85 ) ولا تعجبك أموالهم . . . . . ) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( تكرير للتأكيد والأمر حقيق به فإن الابصار طامحة إلى الأموال والاولاد والنفوس مغتبطة عليها ويجوز أن تكون هذه في فريق غير الأول التوبة : ( 86 ) وإذا أنزلت سورة . . . . . ) وإذا أنزلت سورة ( من القرآن ويجوز أن يراد بها بعضها ) أن آمنوا بالله ( بأن آمنوا بالله ويجوز أن تكون أن المفسرة ) وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم ( ذوو الفضل والسعة ) وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين ( الذين قعدوا لعذر التوبة : ( 87 ) رضوا بأن يكونوا . . . . . ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( مع النساء جمع خالفه وقد يقال الخالفة للذي لا خير فيه ) وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( ما في الجهاد وموافقة الرسول من السعادة وما في التخلف عنه من الشقاوة التوبة : ( 88 ) لكن الرسول والذين . . . . . ) لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( أي إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا فقد جاهد من هو خير منهم ) وأولئك لهم الخيرات ( منافع الدارين النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة وقيل الحور لقوله تعالى ) فيهن خيرات حسان ( وهي جمع خيرة تخفيف خيرة ) وأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالمطالب التوبة : ( 89 ) أعد الله لهم . . . . . ) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ( بيان لما لهم من الخيرات الأخروية التوبة : ( 90 ) وجاء المعذرون من . . . . . ) وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ( يعني اسدا وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال وقيل هم رهط عامر بن الطفيل قالوا أن غزونا معك اغارت طييء على اهالينا ومواشينا والمعذر أما من عذر في الأمر إذا قصر فيه موهما أن له عذرا ________________________________________ " صفحة رقم 165 " ولا عذر له أو من اعتذر إذا مهد العذر بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين ويجوز كسر العين لالتفاء الساكنين وضمها للاتباع لكن لم يقرأ بهما وقرأ يعقوب ) المعذرون ( من أعذر إذا اجتهد في العذر وقرئ ) المعذرون ( بتشديد العين والذال على انه من تعذر بمعنى اعتذر وهو لحن إذ التاء لا تدغم في العين وقد اختلف في أنهم كانوا معتذرين بالتصنع أو بالصحة فيكون قوله ) وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ( في غيرهم وهم منافقو الاعراب كذبوا الله ورسوله في ادعاء الإيمان وان كانوا هم الأولين فكذبهم بالاعتذار ) سيصيب الذين كفروا منهم ( من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره ) عذاب أليم ( بالقتل والنار التوبة : ( 91 ) ليس على الضعفاء . . . . . ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( كالهرمى والزمنى ) ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ( لفقرهم كجهينة ومزينة وبني عذرة ) حرج ( إثم في التأخر ) إذا نصحوا لله ورسوله ( بالإيمان والطاعة في السر والعلانية كما يفعل الموالي الناصح أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح ) ما على المحسنين من سبيل ( أي ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل وانما وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انهم منخرطون في سلك المحسنين غير معاتبين لذلك ) والله غفور رحيم ( لهم أو للمسيء فكيف للمحسن التوبة : ( 92 ) ولا على الذين . . . . . ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( عطف على ) الضعفاء ( أو على ) المحسنين ( وهم البكاؤون سبعة من الأنصار معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعلية بن زيد أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا قد نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغز معك فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لا اجد ما احملكم عليه فتولوا وهم يبكون وقيل هم ________________________________________ " صفحة رقم 166 " بنو مقرن معقل وسويد والنعمان وقيل أبو موسى وأصحابه ) قلت لا أجد ما أحملكم عليه ( حال من الكاف في ) أتوك ( بإضمار قد ) تولوا ( جواب إذا . ) وأعينهم تفيض ( تسيل . ) من الدمع ( أي دمعا فإن من للبيان وهي مع المجرور في محل النصب على التمييز وهو أبلغ من يفيض جمعها ، لأنه يدل على أن العين صارت دمعا فياضا. ) حزنا ( نصب على العلة أو الحال أو المصدر لفعل دل عليه ما قبله . ) ألا يجدوا ( لئلا يجدوا متعلق بـ ) حزنا ( أو بـ ) تفيض ( . ) ما ينفقون ( في مغزاهم . التوبة : ( 93 ) إنما السبيل على . . . . . ) إنما السبيل ( بالمعاتبة . ) على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ( واجدون الأهبة . ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( استئناف لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف إيثارا للدعة ) وطبع الله على قلوبهم ( حتى غفلوا عن وخامة العاقبة ) فهم لا يعلمون ( مغبته التوبة : ( 94 ) يعتذرون إليكم إذا . . . . . ) يعتذرون إليكم ( في التخلف ) إذا رجعتم إليهم ( من هذه السفرة ) قل لا تعتذروا ( بالمعاذير الكاذبة لأنه ) لن نؤمن لكم ( لن نصدقكم لأنه ) قد نبأنا الله من أخباركم ( أعلمنا بالوحي إلى نبيه بعض اخباركم وهو ما في ضمائركم من الشر والفساد ) وسيرى الله عملكم ورسوله ( أتتوبون عن الكفر أم تثبتون عليه فكأنه استتابة وإمهال للتوبة ) ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ( أي إليه فوضع الوصف موضع الضمير للدلالة على انه مطلع على سرهم وعلنهم لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم واعمالهم ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( بالتوبيخ والعقاب عليه التوبة : ( 95 ) سيحلفون بالله لكم . . . . . ) سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم ( فلا تعاتبوهم ) فأعرضوا عنهم ( ولا توبخوهم ) إنهم رجس ( لا ينفع فيهم التأنيب فإن المقصود منه التطهير بالحمل على الانابة وهؤلاء ارجاس لا تقبل التطهير فهو علة الاعراض وترك المعاتبة ) ومأواهم جهنم ( من تمام التعليل وكأنه قال إنهم ارجاس من أهل النار لا ينفع فيهم التوبيخ في الدنيا والاخرة أو تعليل ثان والمعنى أن النار كفتهم عتابا فلا تتكلفوا عتابهم ) جزاء بما كانوا يكسبون ( يجوز أن يكون مصدرا وان يكون علة ________________________________________ " صفحة رقم 167 " التوبة : ( 96 ) يحلفون لكم لترضوا . . . . . ) يحلفون لكم لترضوا عنهم ( بحلفهم فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم ) فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه وان امكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله فلا يهتك سترهم ولا ينزل الهوان بهم والمقصود من الآية النهي عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم بعد الأمر بالاعراض وعدم الالتفات نحوهم التوبة : ( 97 ) الأعراب أشد كفرا . . . . . ) الأعراب ( أهل البدو ) أشد كفرا ونفاقا ( من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وعدم مخالطتهم لأهل العلم وقلة استماعهم للكتاب والسنة ) وأجدر ألا يعلموا ( وأحق بأن لا يعلموا ) حدود ما أنزل الله على رسوله ( من الشرائع فرائضها وسنتها ) والله عليم ( بعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر ) حكيم ( فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا التوبة : ( 98 ) ومن الأعراب من . . . . . ) ومن الأعراب من يتخذ ( يعد ) ما ينفق ( يصرفه في سبيل الله ويتصدق به ) مغرما ( غرامة وخسرانا إذ لا يحتسبه قربة عند الله ولا يرجو عليه ثوابا وإنما ينفق رياء أو تقية ) ويتربص بكم الدوائر ( دوائر الزمان ونوبه لينقلب الأمر عليكم فيتخلص من الانفاق ) عليهم دائرة السوء ( اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون أو الإخبار عن ________________________________________ " صفحة رقم 168 " وقوع ما يتربصون عليهم والدائرة في الأصل مصدر أو اسم فاعل من دار يدور وسمي به عقبة الزمان و ) السوء ( بالفتح مصدر اضيف إليه للمبالغة كقولك رجل صدق وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) السوء ( هنا وفي الفتح بضم السين ) والله سميع ( لما يقولون عند الانفاق ) عليم ( بما يضمرون التوبة : ( 99 ) ومن الأعراب من . . . . . ) ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ( سبب ) قربات ( وهي ثاني مفعولي ) يتخذ ( وعند الله صفتها أو ظرف ل ) يتخذ ( ) وصلوات الرسول ( وسبب صلواته لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو للمتصدقين ويستغفر لهم ولذلك سن للمصدق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته لكن ليس له أن يصلي عليه كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم صل على آل أبي أوفى لأنه منصبه فله أن يتفضل به على غيره ) ألا إنها قربة لهم ( شهادة من الله بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم على الاستئناف مع حرف التنبيه وإن المحققة للنسبة والضمير لنفقتهم وقرأ ورش ) قربة ( بضم الراء ) سيدخلهم الله في رحمته ( وعدلهم بإحاطة الرحمة عليهم والسين لتحقيقه وقوله ) إن الله غفور رحيم ( لتقريره وقيل الأولى في أسد وغطفان وبني تميم والثانية في عبد الله ذي البجادين وقومه التوبة : ( 100 ) والسابقون الأولون من . . . . . ) والسابقون الأولون من المهاجرين ( هم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرا أو الذين أسلموا قبل الهجرة ) والأنصار ( أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعين والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير وقرئ عطفا على ) والسابقون ( ) والذين اتبعوهم بإحسان ( اللاحقون بالسابقين من القبيلتين أو من اتبعوهم بالأيمان والطاعة إلى يوم القيامة ) رضي الله عنهم ( بقبول طاعتهم وارتضا أعمالهم ) ورضوا عنه ( بما نالوا من نعمه الدينية والدنيوية ) وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ( وقرأ ابن كثير ) من تحتها الأنهار ( كما في سائر المواضع ) خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) التوبة : ( 101 ) وممن حولكم من . . . . . ) وممن حولكم ( أي وممن حول بلدتكم يعني المدينة ) من الأعراب منافقون ( هم ________________________________________ " صفحة رقم 169 " جهينة ومزينة واسلم واشجع وغفار كانوا نازلين حولها ) ومن أهل المدينة ( عطف على ) وممن حولكم ( أو خبر لمحذوف صفته ) مردوا على النفاق ( ونظيره في حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه قوله " أنا ابن جلا وطلاع الثنايا " وعلى الأول صفة للمنافقين فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر أو كلام مبتدأ لبيان تمرنهم وتمهرهم في النفاق ) لا تعلمهم ( لا تعرفهم بأعيانهم وهو تقرير لمهارتهم فيه وتنوقهم في تحامي مواقع التهم إلى حد اخفى عليك حالهم مع كمال فطنتك وصدق فراستك ) نحن نعلمهم ( ونطلع على اسرارهم إن قدروا أن يلبسوا عليك لم يقدروا أن يلبسوا علينا ) سنعذبهم مرتين ( بالفضيحة والقتل أو بأحدهما وعذاب القبر أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان ) ثم يردون إلى عذاب عظيم ( إلى عذاب عظيم ) إلى عذاب النار ) التوبة : ( 102 ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم . . . . . ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( ولم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة وهم طائفة من المتخلفين اوثقوا أنفسهم على سواري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين فقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل المسجد على عادته فصلى ركعتين فرآهم فسأل عنهم فذكر له أنهم اقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى تحلهم فقال وأنا اقسم أن لا احلهم حتى اومر فيهم فنزلت فأطلقهم ) خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ( خلطوا الفعل الصالح الذي هو اظهار الندم والاعتراف بالذنب بآخر سيىء هو التخلف وموافقة أهل النفاق والواو إما بمعنى الباء كما في قولهم بعت الشاء شاة ودرهما أو للدلالة على أن كل واحد منهما ________________________________________ " صفحة رقم 170 " مخلوط بالآخر ) عسى الله أن يتوب عليهم ( أن يقبل توبتهم وهي مدلول عليها بقوله ) اعترفوا بذنوبهم ( ) إن الله غفور رحيم ( يتجاوز عن التائب ويتفضل عليه التوبة : ( 103 ) خذ من أموالهم . . . . . ) خذ من أموالهم صدقة ( روي انهم لما اطلقوا قالوا يا رسول الله هذه اموالنا التي خلفتنا فتصدق بها وطهرنا فقال ما امرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزلت ) تطهرهم ( من الذنوب أو حب المال المؤدي بهم إلى مثله وقرئ ) تطهرهم ( من أطهره بمعنى طهره و ) تطهرهم ( بالجزم جوابا للأمر ) وتزكيهم بها ( وتنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين ) وصل عليهم ( واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم ) إن صلاتك سكن لهم ( تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم وجمعها لتعدد المدعو لهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتوحيد ) والله سميع ( لاعترافهم ) عليم ( بندامتهم التوبة : ( 104 ) ألم يعلموا أن . . . . . ) ألم يعلموا ( الضمير إما للمتوب عليهم والمراد أن يمكن في قلوبهم قبول توبتهم والاعتداد بصدقاتهم أو لغيرهم والمراد به التحضيض عليهما ) أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( إذا صحت وتعديته ب ) عن ( لتضمنه معنى التجاوز ) ويأخذ الصدقات ( يقبلها قبول من يأخذ شيئا ليؤدي بدله ) وأن الله هو التواب الرحيم ( وأن من شأنه قبول توبة التائبين والتفضل عليهم التوبة : ( 105 ) وقل اعملوا فسيرى . . . . . ) وقل اعملوا ( ما شئتم ) فسيرى الله عملكم ( فإنه لا يخفى عليه خيرا كان أو شرا ) ورسوله والمؤمنون ( فإنه تعالى لا يخفى عنهم كما رأيتم وتبين لكم ) وستردون إلى عالم الغيب والشهادة ( بالموت ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( بالمجازاة عليه ________________________________________ " صفحة رقم 171 " التوبة : ( 106 ) وآخرون مرجون لأمر . . . . . ) وآخرون ( من المتخلفين ) مرجون ( مؤخرون أي موقوف أمرهم من ارجأته إذا اخرته وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ) مرجون ( بالواو وهما لغتان ) لأمر الله ( في شأنهم ) إما يعذبهم ( إن أصروا على النفاق ) وإما يتوب عليهم ( إن تابوا والترديد للعباد وفيه دليل على أن كلا الأمرين بإرادة الله تعالى ) والله عليم ( بأحوالهم ) حكيم ( فيما يفعل بهم وقرئ ) والله غفور رحيم ( والمراد بهؤلاء كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) اصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم فلما رأوا ذلك أخلصوا نياتهم وفوضوا أمرهم إلى الله فرحمهم الله تعالى التوبة : ( 107 ) والذين اتخذوا مسجدا . . . . . ) والذين اتخذوا مسجدا ( عطف على ) وآخرون مرجون ( أو مبتدأ خبره محذوف أي وفيمن وصفنا الذين اتخذوا أو منصوب على الاختصاص وقرا نافع وابن عامر بغير الواو ) ضرارا ( مضارة للمؤمنين وروي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف فبنوا مسجدا على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام فلما اتموه أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا أنا قد بنينا مسجدا لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة والشاتية فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت فدعا بمالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن والوحشي فقال لهم انطلقوا إلى المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ففعل واتخذ مكانه كناسة ) وكفرا ( وتقوية للكفر الذي يضمرونه ) وتفريقا بين المؤمنين ( يريد الذي كانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قباء ) وإرصادا ( ترقبا ) لمن حارب الله ورسوله من قبل ( يعني الراهب فإنه قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد لا اجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين حتى انهزم مع هوازن وهرب ________________________________________ " صفحة رقم 172 " إلى الشام ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومات بقنسرين وحيدا وقيل كان يجمع الجيوش يوم الأحزاب فلما انهزموا خرج إلى الشام و ) من قبل ( متعلق ب ) حارب ( أو ب ) اتخذوا ( أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف لما روي انه بنى قبيل غزوة تبوك فسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيه فقال أنا على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه فلما قفل كرر عليه فنزلت ) وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ( ما أردنا ببنائه إلا الخصلة الحسنى أو الارادة الحسنى وهي الصلاة والذكر والتوسعة على المصلين ) والله يشهد إنهم لكاذبون ( في حلفهم التوبة : ( 108 ) لا تقم فيه . . . . . ) لا تقم فيه أبدا ( للصلاة ) لمسجد أسس على التقوى ( يعني مسجد قباء اسسه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه اوفق للقصة أو مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقول أبي سعيد رضي الله عنه سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة ) من أول يوم ( من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله " لمن الديار بقنة الحجر اقوين من حجج ومن دهر " التوبة : ( 109 ) أفمن أسس بنيانه . . . . . ) أحق أن تقوم فيه ( اولى بأن تصلي فيه ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( من المعاصي والخصال المذمومة طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها ) والله يحب المطهرين ( يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى ادناء المحب حبيبه قيل لما نزلت مشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء ________________________________________ " صفحة رقم 173 " فإذا الأنصار جلوس فقال ( صلى الله عليه وسلم ) امؤمنون أنتم فسكتوا فأعادها فقال عمر انهم مؤمنون وأنا معهم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اترضون بالقضاء قالوا نعم قال ( صلى الله عليه وسلم ) اتصبرون على البلاء قالوا نعم قال اتشكرون في الرخاء قالوا نعم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أنتم مؤمنون ورب الكعبة فجلس ثم قال يا معشر الأنصار أن الله عز وجل قد اثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط فقالوا يا رسول الله نتبع الغائط الاحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( ) أفمن أسس بنيانه ( بنيان دينه ) على تقوى من الله ورضوان خير ( على قاعدة محكمة هو التقوى من الله وطلب مرضاته بالطاعة ) أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ( على قاعدة هي اضعف القواعد وارخاها ) فانهار به في نار جهنم ( فأدى به لخوره وقلة استمساكه إلى السقوط في النار وانما وضع شفا الجرف وهو ما جرفهالوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلا لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيها على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ويوصله إلى رضوان الله ومقتضياته التي الجنة ادناها وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعة ثم أن مصيرهم إلى النار لا محالة وقرأ نافع وابن عامر ) أسس ( على البناء للمفعول وقرئ اساس بنيانه و ) أسس بنيانه ( على الاضافة و ) أسس ( على البناء للمفعول وقرئ / أساس بنيانه / و ) أسس بنيانه ( على الاضافة و ) أسس ( و / آساس / بالفتح والمد و / إساس / بالكسر وثلاثتها جمع أس و ) تقوى ( بالتنوين على أن الألف للالحاق لا للتأنيث كتترى وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر ) جرف ( بالتخفيف ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( إلى ما فيه صلاحهم ونجاحهم ________________________________________ " صفحة رقم 174 " التوبة : ( 110 ) لا يزال بنيانهم . . . . . ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ( بناؤهم الذي بنوه مصدر أريد به المفعول وليس بجمع ولذلك قد تدخله التاء ووصف بالمفرد واخبر عنه بقوله ) ريبة في قلوبهم ( أي شكا ونفاقا والمعنى أن بناءهم هذا لا يزال سبب شكهم وتزايد نفاقهم فإنه حملهم على ذلك ثم لما هدمه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم ) إلا أن تقطع قلوبهم ( قطعا بحيث لا يبقى لها قابلية الادراك وهو في غاية المبالغة والاستثناء من اعم الازمنة وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار وقيل التقطع بالتوبة ندما وأسفا وقرأ يعقوب إلى بحرف الانتهاء و ) تقطع ( بمعنى تتقطع وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص وقرئ / يقطع / بالياء و ) تقطع ( بالتخفيف و ) تقطع قلوبهم ( على خطاب الرسول أو كل مخاطب ولو قطعت على البناء للفاعل والمفعول ) والله عليم ( بنياتهم ) حكيم ( فبما أمر بهدم بنيانهم التوبة : ( 111 ) إن الله اشترى . . . . . ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ( تمثيل لإثابة الله اياهم الجنة على بذل أنفسهم واموالهم في سبيله ) يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ( استئناف ما لأجله الشراء وقيل ) يقاتلون ( في معنى الأمر وقرأ حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول وقد عرفت أن الواو لا توجب الترتيب وان فعل البعض قد يسند إلى الكل ) وعدا عليه حقا ( مصدر مؤكد لما دل عليه الشراء فإنه في معنى الوعد ) في التوراة والإنجيل والقرآن ( مذكورا فيهما اثبت في القرآن ) ومن أوفى بعهده من الله ( مبالغة في الانجاز وتقرير لكونه حقا ) فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ( فافرحوا به غاية الفرح فإنه اوجب لكم عظائم المطالب كما قال ) وذلك هو الفوز العظيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 175 " التوبة : ( 112 ) التائبون العابدون الحامدون . . . . . ) التائبون ( رفع على المدح أي هم التائبون والمراد بهم المؤمنون المذكورون ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره التائبون من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا لقوله ) وكلا وعد الله الحسنى ( أو خبره ما بعده أي التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال وقرئ بالياء نصبا على المدح أو جرا صفة للمؤمنين ) العابدون ( الذين عبدوا الله مخلصين له الدين ) الحامدون ( لنعمائه أو لما نابهم من السراء والضراء ) السائحون ( الصائمون لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) سياحة أمتي الصوم شبه بها لأنه يعوق عن الشهوات أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على حفايا الملك والملكوت أو السائحون للجهاد أو لطلب العلم ) الراكعون الساجدون ( في الصلاة ) الآمرون بالمعروف ( بالأيمان والطاعة ) والناهون عن المنكر ( عن الشرك والمعاصي والعاطف فيه للدلالة على انه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال الجامعون بين الوصفين وفي قوله تعالى ) والحافظون لحدود الله ( أي فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل وهذا مجملها وقيل انه للايذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن السبعة هو العدد التام والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ولذلك سمي واو الثمانية ) وبشر المؤمنين ( يعني به هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل ووضع ) المؤمنين ( موضع ضميرهم للتنبيه على أن ايمانهم دعاهم إلى ذلك وان المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل وبشرهم بما يجل عن احاطة الافهام وتعبير الكلام التوبة : ( 113 ) ما كان للنبي . . . . . ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأبي طالب لما حضرته الوفاة قل كلمة احاج لك بها عند الله فأبى فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لا ________________________________________ " صفحة رقم 176 " أزال استعفر لك ما لم انه عنه فنزلت وقيل لما افتتح مكة خرج إلى الابواء فزار قبر أمه ثم قام مستعبرا فقال إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي وأنزل علي الآيتين ) ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ( بأن ماتوا على الكفر وفيه دليل على جواز الاستغفار لاحيائهم فإنه طلب توفيقهم للايمان وبه دفع النقيض باستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه الكفار فقال التوبة : ( 114 ) وما كان استغفار . . . . . ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ( وعدها إبراهيم أباه بقوله ) لأستغفرن لك ( أي لاطلبن مغفرتك بالتوفيق للايمان فإنه يجب ما قبله ويدل عليه قراءة من قرأ ) أباه ( أو وعدها إبراهيم أبوه وهي الوعد بالأيمان ) فلما تبين له أنه عدو لله ( بأن مات على الكفر أو اوحي إليه بأنه لن يؤمن ) تبرأ منه ( فقطع استغفاره ) إن إبراهيم لأواه ( لكثير التأوه وهو كناية عن فرط ترحمه ورقة قلبه ) حليم ( صبور على الاذى والجملة لبيان ما حمله على الاستغفار له مع شكاسته عليه التوبة : ( 115 ) وما كان الله . . . . . ) وما كان الله ليضل قوما ( أي ليسميهم ضلالا ويؤاخذه مؤاخذتهم ) بعد إذ هداهم ( للإسلام ) حتى يبين لهم ما يتقون ( حتى يبين لهم خطر ما يجب اتقاؤه وكأنه بيان عذر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله لعمه أو لمن استغفر لاسلافه المشركين قبل المنع وقيل إنه في قوم مضوا على الأمر الأول في القبلة والخمر ونحو ذلك وفي الجملة ________________________________________ " صفحة رقم 177 " دليل على أن الغافل غير مكلف ) أن الله بكل شيء عليم ( فيعلم أمرهم في الحالين التوبة : ( 116 ) إن الله له . . . . . ) إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( لما منعهم من الاستغفار للمشركين وان كانوا اولي قربى وتضمن ذلك وجوب التبرؤ عنهم رأسا بين لهم أن الله مالك كل موجود ومتولي آمره والغالب عليه ولا يتأتى لهم ولاية ولا نصرة إلا منه ليتوجهوا بشراشرهم إليه ويتبرؤوا مما عداه حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه التوبة : ( 117 ) لقد تاب الله . . . . . ) لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ( من إذن المنافقين في التخلف أو هو بعث على التوبة والمعنى ما من أحد إلا وهو محتاج إلى التوبة حتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمهاجرون والانصار لقوله تعالى ) وتوبوا إلى الله جميعا ( إذ ما من أحد إلا وله مقام الأنبياء والصالحين من عباده ) الذين اتبعوه في ساعة العسرة ( في وقتها هي حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد والزاد حتى قيل أن الرجلين كانا يقتسمان تمرة والماء حتى شربوا القيظ ) من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ( عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وفي ) كاد ( ضمير الشأن أو ضمير القوم والعائد إليه الضمير في ) منهم ( وقرأ حمزة وحفص ) يزيغ ( بالياء لأن ________________________________________ " صفحة رقم 178 " تأنيث القلوب غير حقيق وقرئ من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم يعني المتخلفين ) ثم تاب عليهم ( تكرير للتأكيد وتنبيه على انه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة أو المراد انه تاب عليهم لكيدودتهم ) إنه بهم رؤوف رحيم ) التوبة : ( 118 ) وعلى الثلاثة الذين . . . . . ) وعلى الثلاثة ( وتاب على الثلاثة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ) الذين خلفوا ( تخلفوا عن الغزو أو خلف أمرهم فإنهم المرجئون ) حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( أي برحبها لإعراض الناس عنهم بالكلية وهو مثل لشدة الحرية ) وضاقت عليهم أنفسهم ( قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعها انس ولا سرور ) وظنوا ( وعلموا ) أن لا ملجأ من الله ( من سخطه ) إلا إليه ( إلا إلى استغفاره ) ثم تاب عليهم ( بالتوفيق للتوبة ) ليتوبوا ( أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التائبين أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم ) إن الله هو التواب ( لمن تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة ) الرحيم ( المتفضل عليهم بالنعم التوبة : ( 119 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( فيما لا يرضاه ) وكونوا مع الصادقين ( في إيمانهم وعهودهم أو في دين الله نية وقولا وعملا وقرئ ) من الصادقين ( أي في توبتهم وإنابتهم فيكون المراد به هؤلاء الثلاثة وأضرابهم التوبة : ( 120 ) ما كان لأهل . . . . . ) ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ( نهي عبر به بيصغة النفي للمبالغة ) ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ( ولا يصونوا أنفسهم عما لم يصن نفسه عنه ويكابدوا معه ما يكابده من الاهوال روي أن أبا خيثمة بلغ بستانه وكانت له زوجة حسنات فرشت في الظل وبسطت له الحصير وقربت إليه الرطب والماء البارد فنظر فقال ظل ظليل ورطب يانع وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الضح والريح ما ________________________________________ " صفحة رقم 179 " هذا بخير فقام فرحل ناقته واخذ سيفه ورمحه ومر كالريح فمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب فقال كن أبا خيثمة فكأنه ففرح به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استغفر له وفي ) ولا يرغبوا ( يجوز النصب والجزم ) ذلك ( إشارة إلى ما دل عليه قوله ما كان من النهي عن التخلف أو وجوب المشايعة ) بأنهم ( بسبب أنهم ) لا يصيبهم ظمأ ( شيء من العطش ) ولا نصب ( تعب ) ولا مخمصة ( مجاعة ) في سبيل الله ولا يطؤون ( ولا يدوسون ) موطئا ( مكانا ) يغيظ الكفار ( يغضبهم وطؤه ) ولا ينالون من عدو نيلا ( كالقتل والاسر والنهب ) إلا كتب لهم به عمل صالح ( إلا استوجبوا به الثواب و ذلك مما يوج المشايعة . ) إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( على إحسانهم ،وهو تعليل لـ ) كتب ( وتنبيه على أن الجهاد إحسان ، أما في حق الكفار فلأنهسعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن كضرب المداوي للمجنون ، وأما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم . التوبة : ( 121 ) ولا ينفقون نفقة . . . . . ) ولا ينفقون نفقة صغيرة ( ولو علاقة . ) ولا كبيرة ( مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة . ) ولا يقطعون واديا ( في مسيرهم وهو كل منعرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودي إذا سال فشاع بمعنى الأرض . ) إلا كتب لهم ( أثبت لهم ذلك . ) ليجزيهم الله بذلك ( . ) أحسن ما كانوا يعملون ( جزاء احسن أعمالهم أو احسن جزاء أعمالهم التوبة : ( 122 ) وما كان المؤمنون . . . . . ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو أو طلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعا فإنه يخل بأمر المعاش ) فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ( فهلا نفر من كل جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة جماعة قليلة ) ليتفقهوا في الدين ( ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا مشاق تحصيلها ) ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 180 " وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة ارشاد القوم وانذارهم وتخصيصه بالذكر لانه اهم وفيه دليل على أن التفقه و التذكير من فروض الكفاية وانه ينبغي أن يكون غرض المتعلم فيه أن يستقيم ويقيم لا الترفع على الناس والتبسط في البلاد ) لعلهم يحذرون ( إرادة أن يحذروا عما ينذرون منه واستدل به على أن إخبار الآحاد حجة لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر منكل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي يتذكروا ويحذروا فلو لم يعتبر الأخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك وقد اشبعت القول فيه تقريرا واعتراضا في كتابي المرصاد وقد قيل للآية معنى آخر وهو انه لما نزل في المتخلفين ما نزل سبق المؤمنون إلى النفير وانقطعوا عن التفقه فأمروا أن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد ويبقى أعقابهم يتفقهون حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لأن الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود م البعثة فيكون الضمير في ليتفقهوا ولينذروا لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو وفي رجعوا للطوائف أي ولينذروا لبواقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا أيام غيبتهم من العلوم التوبة : ( 123 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب كما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اولا بإنذار عشيرته الاقربين فإن الأقرب احق بالشفقة والاستصلاح وقيل هم يهود حوالي المدينة كقريظة والنضير وخيبر وقيل الروم فإنهم كانوا يسكنون الشأم وهو قريب من المدينة ) وليجدوا فيكم غلظة ( شدة وصبرا على القتال وقرئ بفتح الغين وضمها وهما لغتان فيها ) واعلموا أن الله مع المتقين ( بالحراسة والاعانة التوبة : ( 124 ) وإذا ما أنزلت . . . . . ) وإذا ما أنزلت سورة فمنهم ( فمن المنافقين ) من يقول ( انكار واستهزاء ) أيكم زادته هذه ( ________________________________________ " صفحة رقم 181 " السورة ) إيمانا ( وقرئ ) أيكم ( بالنصب على اضمار فعل يفسره ) زادته ( ) فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ( بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة وانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى ايمانهم ) وهم يستبشرون ( بنزولها لانه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم التوبة : ( 125 ) وأما الذين في . . . . . ) وأما الذين في قلوبهم مرض ( كفر ) فزادتهم رجسا إلى رجسهم ( كفرا بها مضموما إلى الكفر بغيرها ) وماتوا وهم كافرون ( واستحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه التوبة : ( 126 ) أو لا يرون . . . . . ) أو لا يرون ( يعني المنافقين وقرئ بالتاء ) أنهم يفتنون ( يبتلون بأصناف البليات أو بالجهاد مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيعاينون ما يظهر من الآيات ) في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ( لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم ) ولا هم يذكرون ( ولا يعتبرون التوبة : ( 127 ) وإذا ما أنزلت . . . . . ) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض ( تغامزوا بالعيون انكارا لها وسخرية أو غيظاص لما فيها من عيوبهم ) هل يراكم من أحد ( أي يقولون هل يراكم أحد إن قمتم من حضرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فإن لم يرهم أحد قاموا وإن يرهم أحد اقاموا ) ثم انصرفوا ( عن حضرته مخافة الفضيحة ) صرف الله قلوبهم ( عن الإيمان وهو يحتمل الأخبار والدعاء ) بأنهم ( بسبب انهم ) قوم لا يفقهون ( لسوء فهمهم أو لعدم تدبرهم التوبة : ( 128 ) لقد جاءكم رسول . . . . . ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( من جنسكم عربي مثلكم وقرئ من ) أنفسكم ( أي من اشرفكم ) عزيز عليه ( شديد شاق ) ما عنتم ( عنتكم ولقاؤكم المكروه ) حريص عليكم ( أي على ايمانكم وصلاح شأنكم ) بالمؤمنين ( منكم ومن غيركم ) رؤوف رحيم ( قدم الابلغ منهما وهو الرؤوف لأن الرأفة شدة الرحمة محافظة على الفواصل التوبة : ( 129 ) فإن تولوا فقل . . . . . ) فإن تولوا ( عن الإيمان بك ) فقل حسبي الله ( فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم ) لا إله إلا هو ( كالدليل عليه ) عليه توكلت ( فلا أرجو ولا اخاف إلا منه ) وهو رب العرش العظيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 182 " الملك العظيم أو الجسم العظيم المحيط الذي تنزل منه الأحكام والمقادير وقرئ ) العظيم ( بالرفع وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن آخر ما نزل هاتان الايتان وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما نزل القرآن علي إلا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة و ) قل هو الله أحد ( فإنهما انزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة والله اعلم ________________________________________ " صفحة رقم 183 " سورة يونس عليه السلام مكية وهي مائة وتسع آيات بسم الله الرحمن الرحيم التوبة : ( 129 ) فإن تولوا فقل . . . . . ) الر ( فخمها ابن كثير ونافع برواية قالون وحفص وقرأ ورش بين اللفظين وأمالها الباقون اجراء لالف الراء مجرى المنقلبة من الياء ) تلك آيات الكتاب الحكيم ( إشارة إلى ما تضمنته السورة أو القرآن من الآي والمراد من الكتاب أحدهما ووصفه بالحكيم لاشتماله عل الحكم أو لأنه كلام حكيم أو محكم آياته لم ينسخ شيء منها يونس : ( 2 ) أكان للناس عجبا . . . . . ) أكان للناس عجبا ( استفهام انكار للتعجب و ) عجبا ( خبر كان واسمه ) أن أوحينا ( وقرئ بالرفع على أن الأمر بالعكس أو على ) إن كان ( تامة و ) أن أوحينا ( بدل من عجب واللام للدلالة على انهم جعلوه اعجوبة لهم يوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم ) إلى رجل منهم ( من أفناء رجالهم دون عظيم من عظماء من عظمائهم قيل كانوا يقولون العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة هذا وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلا في المال وخفة الحال اعون شيء في هذا الباب ولذلك كان اكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك وقل تعجبوا من أنه ________________________________________ " صفحة رقم 184 " بعث بشرا رسولا كما سبق ذكره في سورة الأنعام ) أن أنذر الناس ( أن هي المفسرة أو المخففة من الثقيلة فتكون في موقع مفعول اوحينا ) وبشر الذين آمنوا ( عمم الانذار إذ قلما من أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه وخصص البشراة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة ) أن لهم ( بأن لهم ) قدم صدق عند ربهم ( سابقة منزلة رفيعة سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على انهم إنما ينالونها بصدق القول والنية ) قال الكافرون إن هذا ( يعنون الكتاب وما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) لسحر مبين ( وقرأ ابن كثير والكوفيون لساحر على أن الاشارة إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) امورا خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة وقرئ ) إن هذا إلا سحر مبين ) يونس : ( 3 ) إن ربكم الله . . . . . ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( التي هي أصول الممكنات ) في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ( يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ويهيئ بتحريكه اسبابها وينزلها منه والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة ) ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له ) ذلكم الله ( أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية ) ربكم ( لا غير إذ لا يشاركه أحد في شيء من ________________________________________ " صفحة رقم 185 " ذلك ) فاعبدوه ( وحدوه بالعبادة ) أفلا تذكرون ( تتفكرون أدنى تفكر فينبهكم على انه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه يونس : ( 4 ) إليه مرجعكم جميعا . . . . . ) إليه مرجعكم جميعا ( بالموت أو النشور لا إلى غيره فاسعدوا للقائه ) وعد الله ( مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله ) إليه مرجعكم ( وعد من الله ) حقا ( مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه ) وعد الله ( ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ( بعد بدئه وإهلاكه ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ( أي بعدله أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في امورهم أو بإيمانهم لأنه العدل القويم كما أن الشرك ظلم عظيم وهو الاوجه لمقابلة قوله ) والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( فإن معناه ليجزي الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم لكنه غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب والتنبيه على أن المقصود بالذات من الابداء والاعادة هو الاثابة والعقاب واقع بالعرض وأنه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعينه واما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم افعالهم والاية كالتعليل لقوله تعالى ) إليه مرجعكم جميعا ( فإنه لما كان المقصود من الابداء والاعادة مجازاة الله المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إليه لا محالة ويؤديه قراءة من قرأ ) إنه يبدأ ( بالفتح أي لأنه ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا بما نصب ) وعد الله ( أو بما نصب ) حقا ) يونس : ( 5 ) هو الذي جعل . . . . . ) هو الذي جعل الشمس ضياء ( أي ذات ضياء وهو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط والياء فيه منقلبة عن الواو وقرأ ابن كثير برواية قنبل هنا وفي الأنبياء وفي القصص ضئاء بهمزتين على القلب بتقديم اللام على العين ) والقمر نورا ( أي ذا ________________________________________ " صفحة رقم 186 " نورا أو سمي نورا للمبالغة وهو أعم من الضوء كما عرفت وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على انه خلق الشمس نيرة في ذاتها والقمر نيرا بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها ) وقدره منازل ( الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل أو قدره ذا منازل أو للقمر وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منزله واناطة احكام الشرع به ولذلك علله بقوله ) لتعلموا عدد السنين والحساب ( حساب الاوقات من الاشهر والايام في معاملاتكم وتصرفاتكم ) ما خلق الله ذلك إلا بالحق ( إلا ملتبسا بالحق مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة ) يفصل الآيات لقوم يعلمون ( فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها وقرأ ابن كثير والبصريان وحفص ) يفصل ( بالياء يونس : ( 6 ) إن في اختلاف . . . . . ) إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض ( من أنواع الكائنات ) لآيات ( على وجود الصناع ووحدته وكمال علمه وقدرته ) لقوم يتقون ( العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر يونس : ( 7 ) إن الذين لا . . . . . ) إن الذين لا يرجون لقاءنا ( لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهورهم بالمحسوسات عما وراءها ) ورضوا بالحياة الدنيا ( من الآخرة لغفلتهم عنها ) واطمأنوا بها ( وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها ) والذين هم عن آياتنا غافلون ( لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم اصلا وإما لتغاير الفريقين والمراد بالاولين من انكر البعث ولم ير إلا الحياة الدنيا وبالاخرين من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الاجل والاعداد له يونس : ( 8 ) أولئك مأواهم النار . . . . . ) أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ( بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي يونس : ( 9 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ( بسبب ايمانهم إلى سلوك ________________________________________ " صفحة رقم 187 " سبيل يؤدي إلى الجنة أو لادراك الحقائق كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم أو لما يريدونه في الجنة ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح لكن دل منطوق قوله ) بإيمانهم ( على استقلال الإيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له ) تجري من تحتهم الأنهار ( استئناف أو خبر ثان أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير وقوله ) في جنات النعيم ( خبر أو حال أخرى منه أو من ) الأنهار ( أو متعلق ب ) تجري ( أو بيهدي يونس : ( 10 ) دعواهم فيها سبحانك . . . . . ) دعواهم فيها ( أي دعاؤهم ) سبحانك اللهم ( اللهم إنا نسبحك تسبيحا ) وتحيتهم ( ما يحيى به بعضهم بعضا أو تحية اللائكة إياهم ) فيها سلام وآخر دعواهم ( وآخر دعائهم ) أن الحمد لله رب العالمين ( أي أن يقولون ذلك ولعل المعنى انهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعال فحمدوه واثنوا عليه بصفات الاكرام و ) إن ( هي المخففة من الثقيلة وقد قرئ بها وبنصب ) الحمد ) يونس : ( 11 ) ولو يعجل الله . . . . . ) ولو يعجل الله للناس الشر ( ولو يسرعه إليهم ) استعجالهم بالخير ( وضع موضع تعجيله لهم الخير اشعارا بسرعة اجابته لهم في الخير حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم أو بأن المراد شر استعجلوه كقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء ( وتقدير الكلام ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا ________________________________________ " صفحة رقم 188 " كاستعجالهم بالخير فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ) لقضي إليهم أجلهم ( لاميتوا وأهلكوا وقرأ ابن عامر ويعقوب ) لقضي ( على البناء للفاعل وهو الله تعالى وقرئ لقضينا ) فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ( عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية كأنه قيل ولكن لا نعجل ولا نقضي فنذرهم امهالا واستدراجا يونس : ( 12 ) وإذا مس الإنسان . . . . . ) وإذا مس الإنسان الضر دعانا ( لإزالته مخلصا فيه ) لجنبه ( ملقى لجنبه أي مضجعا ) أو قاعدا أو قائما ( وفائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار ) فلما كشفنا عنه ضره مر ( يعني مضى على طريقته واستمر على كفره أو مر عن موقف الدعاء لا يرجع إليه ) كأن لم يدعنا ( كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن كما قال " ونحر مشرق اللون كأن ثدياه حقان " ) إلى ضر مسه ( إلى كشف ضر ) كذلك ( مثل ذلك التزيين ) زين للمسرفين ما كانوا يعملون ( من الانهماك في الشهوات والأعراض عن العبادات يونس : ( 13 ) ولقد أهلكنا القرون . . . . . ) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم ( يا أهل مكة ) لما ظلموا ( حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغي ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( بالحجج الدالة على صدقهم وهو حال من الواو بإضمار قد أو عطف على ظلموا ) ما كانوا ليؤمنوا ( وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بأنهم يموتون على كفرهم واللام لتأكيد النفي ) كذلك ( مثل ذلك الجزاء وهو اهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل واصرارهم عليه بحيث تحقق انه لا فائدة في امهالهم ) نجزي القوم المجرمين ( نجزي كل مجرم أو نجزيكم فوضع المظهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وانهم اعلام فيه يونس : ( 14 ) ثم جعلناكم خلائف . . . . . ) ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ( استخلفناكم فيها بعد القرون التي ________________________________________ " صفحة رقم 189 " أهلكناها استخلاف من يختبر ) لننظر كيف تعملون ( أتعملون خيرا أو شرا فنعاملكم على مقتضى أعمالكم وكيف معمول تعملون فإن معنى الاستفهام يحجب أن يعمل فيه ما قبله وفائدته الدلالة على أن المعتبر في الجزاء جهات الأفعال وكيفياتها لا هي من حيث ذاتها ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح أخرى يونس : ( 15 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ( يعني المشركين ) ائت بقرآن غير هذا ( بكتاب آخر نقرؤه ليس فيه ما نستعبده من البعث والثواب والعقاب بعد الموت أو ما نكرهه من معايب آلهتنا ) أو بدله ( بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى ولعلهم سألوا ذلك كي يسعفهم إليه فيلزموه ) قل ما يكون لي ( ما يصح لي ) أن أبدله من تلقاء نفسي ( من قبل نفسي وهو مصدر استعمل ظرفا وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه الاتيان بقرآن آخر ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( تعليل لما يكون فإن المتبع لغيره في أمر لا يستبد بالتصرف فيه بوجه وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض ورد لما عرضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه واختراعه ولذلك قيل التدبيل في الجواب وسماه عصيانا فقال ) إني أخاف إن عصيت ربي ( أي بالتبديل ) عذاب يوم عظيم ( وفيه ايماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح يونس : ( 16 ) قل لو شاء . . . . . ) قل لو شاء الله ( غير ذلك ) ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ( ولا أعلمكم به على لساني وعن ابن كثير / ولأدراكم / بلام التأكيد أي لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري والمعنى انه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به لأرسل به غيري وقرئ ) ولا أدراكم ( / ولا أدرأتكم / بالهمز فيهما على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء همزة أو على انه من الدرء بمعنى الدفع أي ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤنني ________________________________________ " صفحة رقم 190 " بالجدال والمعنى أن الأمر بمشيئة الله تعالى لا بمشيئتي حتى اجعله على نحو ما تشتهونه ثم قرر ذلك بقوله ) فقد لبثت فيكم عمرا ( مقدارا عمر أربعين سنة ) من قبله ( من قبل القرآن ولا أتلوه ولا أعلمه فإنه إشارة إلى أن القرآن معجز خارق للعادة فإن من عاش بين اظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشئ قريضا ولا خطية ثم قرأ عليهم كتابا بزت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلا من كل منثور ومنظوم واحتوى على قوماعد علمي الاصول والفروع واعرب عن اقاصيص الأولين واحاديث الآخرين على ما هي عليه علم انه معلوم به من الله تعالى ) أفلا تعقلون ( أي أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا أنه ليس إلا من الله يونس : ( 17 ) فمن أظلم ممن . . . . . ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( تفاد مما اضافوه إليه كناية أو تظليم للمشركين بافترائهم على الله تعلى في قولهم إنه لذو شريك وذو ولد ) أو كذب بآياته ( فكفر بها ) إنه لا يفلح المجرمون ) يونس : ( 18 ) ويعبدون من دون . . . . . ) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( فإنه جماد لا يقدر على نفع ولا ضر ) ويقولون هؤلاء ( الأوثان ) شفعاؤنا عند الله ( تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا أو في الآخرة أن يكن بعث وكأنهم كانوا شاكين فيه وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة الموجد الضار النافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنه لا يضر ولا ينفع على توهم أنه ربما يشفع لهم عنده ) قل أتنبئون الله ( أتخبرونه ) بما لا يعلم ( وهو أن ________________________________________ " صفحة رقم 191 " له شريكا أو هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العالم بجميع المعلومات لا يكون له تحقق ما وفيه تقريع وتهكم بهم ) في السماوات ولا في الأرض ( حال من العائد المحذوف مؤكدة للنفي منبهة على أن ما يعبدون من دون الله أما سماوي وإما أرضي ولا شيء من الموجودات فيهما إلا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق أن يشرك به ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( عن إشراكهم أو عن الشركاء الذين يشركونهم به وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الموضعين في أول النحل والروم بالتاء يونس : ( 19 ) وما كان الناس . . . . . ) وما كان الناس إلا أمة واحدة ( موحدين على الفطرة أو متفقين على الحق وذلك في عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيل هابيل أو بعد الطوفان أو على الضلال في فترة من الرسل ) فاختلفوا ( باتباع الهوى والأباطيل أو ببعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام فتبعتهم طائفة وأصرت أخرى ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( بتأخير الحكم بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزاء ) لقضي بينهم ( عاجلا ) فيما فيه يختلفون ( بإهلاك المبطل وإبقاء المحق يونس : ( 20 ) ويقولون لولا أنزل . . . . . ) ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه ( أي من الآيات التي اقترحوها ) فقل إنما الغيب لله ( هو المختص بعلمه فلعله يعلم في إنزال الآيات المقترحة من مفاسد تصرف عن إنزالها ) فانتظروا ( لنزول ما اقترحتموه ) إني معكم من المنتظرين ( لما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل علي من الآيات العظام واقتراحكم غيره يونس : ( 21 ) وإذا أذقنا الناس . . . . . ) وإذا أذقنا الناس رحمة ( صحة وسعة ) من بعد ضراء مستهم ( كقحط ومرض ) إذا لهم مكر في آياتنا ( بالطعن فيها والاحتيال في دفعها قيل قحط أهل مكة سبع سنين حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم الله بالحيا فطفقوا يقدحون في آيات الله ويكيدون رسوله ) قل الله أسرع مكرا ( منكم قد دبر عقابكم قبل أن تدبروا كيدهم وإنما دل على سرعتهم المفضل عليها كلمة المفاجأة الواقعة جوابا لإذا الشرطية والمكر إخفاء الكيد وهو من الله تعالى أما الاستدراج أو الجزاء على المكر ) إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( تحقيق للانتقام وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه لم يخف على الحفظة فضلا أن يخفى على الله تعالى وعن يعقوب يمكرون بالياء ليوافق ما قبله ________________________________________ " صفحة رقم 192 " يونس : ( 22 ) هو الذي يسيركم . . . . . ) هو الذي يسيركم ( يحملكم على السير ويمكنكم منه وقرأ ابن عامر / ينشركم / بالنون والشين من النشر ) في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك ( في السفن ) وجرين بهم ( بمن فيها عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم ) بريح طيبة ( لينة الهبوب ) وفرحوا بها ( بتلك الريح ) جاءتها ( جواب إذا والضمير للفلك أو للريح الطيبة بمعنى تلقتها ) ريح عاصف ( ذات عصف شديدة الهبوب ) وجاءهم الموج من كل مكان ( يجيء الموج منه ) وظنوا أنهم أحيط بهم ( اهلكوا وسدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاط به العدو ) دعوا الله مخلصين له الدين ( من غير إشراك لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدة الخوف وهو بدل من ) ظنوا ( بدل اشتمال لأن دعاءهم من لوازم ظنهم ) لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( على إرادة القول أو مفعول ) دعوا ( لأنه من جملة القول يونس : ( 23 ) فلما أنجاهم إذا . . . . . ) فلما أنجاهم ( إجابة لدعائهم ) إذا هم يبغون في الأرض ( فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه ) بغير الحق ( مبطلين فيه وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فإنها إفساد بحق ) يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ( فإن وباله عليكم أو أنه على أمثالكم وابناء جنسكم ) متاع الحياة الدنيا ( منفعة الحياة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها ورفعه على أنه خبر ) بغيكم ( و ) على أنفسكم ( صلته أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك متاع الحياة الدنيا و ) على أنفسكم ( خبر ) بغيكم ( ونصبه حفص على انه مصدر مؤكد أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا أو مفعول البغي لانه بمعنى الطلب فيكون الجار من صلته والخبر محذوف والخبر محذوف تقديره بغيكم متاع الحياة ________________________________________ " صفحة رقم 193 " الدنيا محذور أو ضلال أو مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبره ) ثم إلينا مرجعكم ( في القيامة ) فننبئكم بما كنتم تعملون ( بالجزاء عليه يونس : ( 24 ) إنما مثل الحياة . . . . . ) إنما مثل الحياة الدنيا ( حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها ) كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ( فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا ) مما يأكل الناس والأنعام ( من الزرع والبقول والحشيش ) حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ( حسنها وبهجتها ) وازينت ( تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزين فتزينت بها ) وازينت ( أصله تزينت فأدغم وقد قرىء على الأصل ) وازينت ( على أفعلت من غير اعلال كاغيلت والمعنى صارت ذات زينة وازيانت كابياضت ) وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( متمكنون من حصدها ورفع غلتها ) أتاها أمرنا ( ضرب زرعها ما يحتاجه ) ليلا أو نهارا فجعلناها ( فجعلنا زرعها ) حصيدا ( شبيها بما حصد من أصله ) كأن لم تغن ( كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة وقرىء بالياء على الأصل ) بالأمس ( فيما قبيله وهو مثل في الوقت القريب والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعدما كان غضا والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن وليه حرف التشبيه لأنه من التشبيه المركب ) كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ( فإنهم المنتفعون يونس : ( 25 ) والله يدعو إلى . . . . . ) والله يدعو إلى دار السلام ( دار السلام من التقضي والآفة أو دار الله وتخصيص هذا الاسم أيضا للتنبيه على ذلك أو دار يسلم الله والملائكة فيها على من يدخلها والمراد الجنة ) ويهدي من يشاء ( بالتوفيق ) إلى صراط مستقيم ( هو طريقها وذلك الإسلام والتدرع بلباس التقوى وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة وأن المصر على الضلالة لم يرد الله رشده يونس : ( 26 ) للذين أحسنوا الحسنى . . . . . ) للذين أحسنوا الحسنى ( المثوبة الحسنى ) وزيادة ( وما يزيد على المثوبة تفضلا ________________________________________ " صفحة رقم 194 " لقوله ) ويزيدهم من فضله ( وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء ) ولا يرهق وجوههم ( لا يغشاها ) قتر ( غبرة فيها سواد ) ولا ذلة ( هوان والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال ) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها يونس : ( 27 ) والذين كسبوا السيئات . . . . . ) والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ( عطف على قوله ) للذين أحسنوا الحسنى ( على مذهب من يجوز في الدار زيد والحجرة عمرو أو ) للذين ( مبتدأ والخبر ) جزاء سيئة بمثلها ( على تقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أي أن تجازى بسيئة مثلها لا يزاد عليها وفيه تنبيه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف أو ) كأنما أغشيت وجوههم ( أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف ) كأنما أغشيت وجوههم ( أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف ) جزاء سيئة ( مبتدأ وخبره محذوف أي فجزاء سيئة بمثلها واقع أو بمثلها على زيادة الباء أو تقدير مقدر بمثلها ) وترهقهم ذلة ( وقرئ بالياء ) ما لهم من الله من عاصم ( ما من أحد يعصمهم من سخط الله أو من جهة الله ومن عنده كما يكون للمؤمنين ) كأنما أغشيت ( غطيت ) وجوههم قطعا من الليل مظلما ( لفرط سوادها وظلمتها ومظلما حال من الليل والعامل فيه ) أغشيت ( لأنه العامل في ) قطعا ( وهو موصوف بالجار والمجرور والعامل في الموصوف عامل في الصفة أو معنى الفعل في ) من الليل ( وقرأ ابن كثير ________________________________________ " صفحة رقم 195 " والكسائي ويعقوب ) قطعا ( بالسكون فعلى هذا يصح أن يكون ) مظلما ( صفة ل أو حالا منه ) أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( مما يحتج به الوعيدية والجواب أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين احسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة فلا يتناولهم قسيمه يونس : ( 28 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . . ) ويوم نحشرهم جميعا ( يعني افريضين جيمعا " ثم نقو للذين اشركوا مكانكم " ألزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم ) أنتم ( تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله ) وشركاؤكم ( عطف علهي وقرئ بالنصب على المفعول معه ) فزيلنا بينهم ( ففرقنا بيهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم ) وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم فإنهم إنما عبدوا في الحقيقة اهواءهم لأنها الآمرة بالاشراك لا ما اشركوا به وقيل ينطق الله الاصنام فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي يتوقعون منها وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح وقيل الشياطين يونس : ( 29 ) فكفى بالله شهيدا . . . . . ) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم ( فإنه العالم بكنه الحال ) إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( ) إن ( هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة يونس : ( 30 ) هنالك تبلو كل . . . . . ) هنالك ( في ذلك المقام ) تبلو كل نفس ما أسلفت ( تختبر ما قدمت من عمل فتعاين نفعه وضره وقرأ حمزة والكسائي ) تتلو ( من التلاوة أي تقرأ ذكر ما قدمت أو من التلو أي تتبع عملها فيقودها إلى الجنة أو إلى النار وقرئ / نبلو / بالنون ونصب ) كل ( وإبدال ) ما ( منه والمعنى نختبرها أي نفعل بها فعل المختبر لحالها المعترف لسعادتها وشقاوتها بتعرف ما أسلفت من ________________________________________ " صفحة رقم 196 " أعمالها ويجوز أن يراد به نصيب بالبلاء أي بالعذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون ) ما ( منصوبة بنزع الخافض ) وردوا إلى الله ( إلى جزائه إياهم بما أسلفوا ) مولاهم الحق ( ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة لا ما اتخذوه مولى وقرئ ) الحق ( بالنصب على المدح أو المصدر المؤكد ) وضل عنهم ( وضاع عنهم ) ما كانوا يفترون ( من أن آلهتهم تشفع لهم أو ما كانوا يدعون أنها آلهة يونس : ( 31 ) قل من يرزقكم . . . . . ) قل من يرزقكم من السماء والأرض ( أي منهما جميعا فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية أو ) من ( كل واحد منهما توسعة عليكم وقيل من لبيان من على حذف المضاف أي من أهل السماء والأرض ) أم من يملك السمع والأبصار ( أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالها من أدنى شيء ) ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ( ومن يحيي ويميت أو من ينشئ الحيوان من النطفة والنطفة منه ) ومن يدبر الأمر ( ومن يلي تدبير أمر العالم وهو تعميم بعد تخصيص ) فسيقولون الله ( إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه ) فقل أفلا تتقون ( أنفسكم عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك يونس : ( 32 ) فذلكم الله ربكم . . . . . ) فذلكم الله ربكم الحق ( أي المتولي لهذه الأمور المستحق للعبادة هو ربكم الثابت ربوبيته لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ( استفهام إنكار أي ليس بعد الحق إلا الضلال فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع ________________________________________ " صفحة رقم 197 " في الضلال ) فأنى تصرفون ( عن الحق إلى الضلال يونس : ( 33 ) كذلك حقت كلمة . . . . . ) كذلك حقت كلمة ربك ( أي كما حقت الربوبية لله أو أن الحق بعده الضلال أو أنهم مصرفون عن الحق كذلك حقت كلمة الله وحكمه وقرأ نافع وابن عامر ) كلمات ( هنا وفي آخر السورة وفي غافر ) على الذين فسقوا ( تمردوا في كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح ) أنهم لا يؤمنون ( بدل من الكلمة أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب يونس : ( 34 ) قل هل من . . . . . ) قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ( جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها ولذلك أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عنهم في الجواب فقال ) قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ( لأن لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها ) فأنى تؤفكون ( تصرفون عن قصد السبيل يونس : ( 35 ) قل هل من . . . . . ) قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ( بنصب الحجج وإرسال الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) والتوفيق للنظر والتدبر وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدي بها ما أسند إلى الله تعالى ) قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ( أم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى من قولهم هدي بنفسه إذا اهتدى أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر ) يهدي ( بفتح الهاء وتشديد الدال ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو ________________________________________ " صفحة رقم 198 " كسرت لالتقاء الساكنين وروى أبو بكر ) يهدي ( باتباع الياء الهاء وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ ) إلا أن يهدى ( للمبالغة ) فما لكم كيف تحكمون ( بما يقتضي صريح العقل بطلانه يونس : ( 36 ) وما يتبع أكثرهم . . . . . ) وما يتبع أكثرهم ( فيما يعتقدونه ) إلا ظنا ( مستندا إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة والمراد بالأكثر الجميع أو من ينتمي منهم إلى تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف ) إن الظن لا يغني من الحق ( من العلم والاعتقاد الحق ) شيئا ( من الإغناء ويجوز أن يكون مفعولا به و ) من الحق ( حالا منه وفيه دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب والاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز ) إن الله عليم بما يفعلون ( وعيد على اتباعهم للظن وإعراضهم عن البرهان يونس : ( 37 ) وما كان هذا . . . . . ) وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ( افتراء من الخلق ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( مطابقا لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها ولا يكون كذبا كيف وهو لكونه معجزا دونها عيار عليها شاهد على صحتها ونصبه بأنه خبر لكان مقدرا أو علة لفعل محذوف تقديره ولكن أنزله الله تصديق الذي وقرئ بالرفع على تقدير ولكن هو تصديق ) وتفصيل الكتاب ( وتفصيل ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع ) لا ريب فيه ( منتفيا عنه الريب وهو خير ثالث داخل في حكم الاستدراك ويجوز أن يكون حالا من الكتاب فإنه مفعول في المعنى وأن يكون استئنافا ) من رب العالمين ( خبر آخر تقديره كائنا من رب العالمين أو متعلق بتصديق أو تفصيل و ) لا ريب فيه ( اعتراض أو بالفعل المعلل ويهما ويجوز أن يكون حالا من الكتاب أو من الضمير في ) فيه ( ومساق الآية بعد المنع عن اتباع الظن لبيان ما يجب اتباعه والبرهان عليه يونس : ( 38 ) أم يقولون افتراه . . . . . ) أم يقولون ( بل أيقولون ) افتراه ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ومعنى الهمزة فيه للإنكار ) قل فأتوا بسورة مثله ( في البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في ________________________________________ " صفحة رقم 199 " العربية والفصاحة وأشد تمرنا في النظم والعبارة ) وادعوا من استطعتم ( ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به ) من دون الله ( سوى الله تعالى فإنه وحده قادر على ذلك ) إن كنتم صادقين ( أنه اختلقه يونس : ( 39 ) بل كذبوا بما . . . . . ) بل كذبوا ( بل سارعوا إلى التكذيب ) بما لم يحيطوا بعلمه ( بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علما من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم ) ولما يأتهم تأويله ( ولم يقفوا بعد على تأويله ولم تبلغ أذهانهم معانيه أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب والمعنى أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى ثم إنهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ويتفحصوا معناه ومعنى التوقع في لما أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرر عليهم التحدي فزادوا قواهم في معارضته فتضاءلت دونها أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقا لإخباره مرارا فلم يقلعوا عن التكذيب تمردا وعنادا ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أنبياءهم ) فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم يونس : ( 40 ) ومنهم من يؤمن . . . . . ) ومنهم ( ومن المكذبين ) من يؤمن به ( من يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند أو من سيؤمن به ويتوب عن الكفر ) ومنهم من لا يؤمن به ( في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر ) وربك أعلم بالمفسدين ( بالمعاندين أو المصرين يونس : ( 41 ) وإن كذبوك فقل . . . . . ) وإن كذبوك ( وإن أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة ) فقل لي عملي ولكم عملكم ( فتبرأ منهم فقد أعذرت والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقا كان أو باطلا ) أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم ولما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل إنه منسوخ بآية السيف يونس : ( 42 ) ومنهم من يستمعون . . . . . ) ومنهم من يستمعون إليك ( إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلا ) أفأنت تسمع الصم ( تقدر على إسماعهم ) ولو كانوا لا يعقلون ( ________________________________________ " صفحة رقم 200 " ولو إنضم إلى صممهم عدم تعلهم وفيه تنبيه على أن حقيقة إستماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم وهو لا يتاتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مؤفه بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق يونس : ( 43 ) ومنهم من ينظر . . . . . ) ومنهم من ينظر إليك ( يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك ) أفأنت تهدي العمي ( تقدر على هدايتهم ) ولو كانوا لا يبصرون ( وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الابصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصرة ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصر الاحمق والاية كالتعليل للامر بالتبري والأعراض عنهم يونس : ( 44 ) إن الله لا . . . . . ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ( بسلم حواسهم وعقولهم ) ولكن الناس أنفسهم يظلمون ( بإفسادها وتفويت منافعها عليهم وفيه دليل على أن للعبد كسبا وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة ويجوز أن يكون وعيدا لهم بمعنى أن ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله لا يلظمهم به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف اسبابه وقرأ أبو عمرو والكسائي بالتخفيف ورفعالناس ) الناس ) يونس : ( 45 ) ويوم يحشرهم كأن . . . . . ) ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ( يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف أي حشرا كأن لم يلبثوا قبله ) يتعارفون بينهم ( يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة أو بيان لقوله ) كأن لم يلبثوا ( أو متعلق الظروف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه ويجوز ________________________________________ " صفحة رقم 201 " أن يكون حالا من الضمير في يتعارفون على إرادة القول ) وما كانوا مهتدين ( لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم يونس : ( 46 ) وإما نرينك بعض . . . . . ) وإما نرينك ( نبصرنك ) بعض الذي نعدهم ( من العذاب في حياتك كما أراه يوم بدر ) أو نتوفينك ( قبل أن نريك ) فإلينا مرجعهم ( فنريكه في الآخرة وهو جواب ) نتوفينك ( وجواب ) نرينك ( محذوف مثل فذاك ) ثم الله شهيد على ما يفعلون ( مجاز عليه ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع ب ثم أو مؤد شهادته على افعالهم يوم القيامة يونس : ( 47 ) ولكل أمة رسول . . . . . ) ولكل أمة ( من الأمم الماضية ) رسول ( يبعث إليهم ليدعوهم إلى الحق ) فإذا جاء رسولهم ( بالبينات فكذبوه ) قضي بينهم ( بين الرسول ومكذبيه ) بالقسط ( بالعدل فأنجى الرسول وأهلك المكذبون ) وهم لا يظلمون ( وقيل معناه لكل أمة يوم القيامة رسول تنسب إليه فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والأيمان قضى بينهم بإنجاء المؤمنين وعقاب الكفار لقوله ) وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم ) يونس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون متى هذا الوعد ( استبعادا له واستهزاء به ) إن كنتم صادقين ( خطاب منهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين يونس : ( 49 ) قل لا أملك . . . . . ) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ( فكيف املك لكم فاستعجل في جلب العذاب اليكم ) إلا ما شاء الله ( أن أملكه أو ولكن ما شاء الله من ذلك كائن ) لكل أمة أجل ( ________________________________________ " صفحة رقم 202 " مضروب لهلاكهم ) إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( لا يتأخرون ولا يتقدمون فلا تستعجلون فسيحين وقتكم وينجز وعدكم يونس : ( 50 - 51 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن أتاكم عذابه ( الذي تستعجلون به ) بياتا ( وقت بيات اشتغال بالنوم ) أو نهارا ( حين كنتم مشتغلين بطلب معاشكم ) ماذا يستعجل منه المجرمون ( أي شيء من العذاب يستعجلونه وكله مكروه لا يلائم الاستعجال وهو متعلق ب ) أرأيتم ( لأنه بمعنى اخبروني والمجرمون وضع موضع الضمير للدلالة على انهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيؤء العذاب لا أن يستعجلوه وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا خطأه ويجوز أن يكون الجواب ماذا كقولك أن أتيتك ماذا تعطيني وتكون الجملة متعلقة ب ) أرأيتم ( أو بقوله ) أثم إذا ما وقع آمنتم به ( بمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان وماذا يستعجل اعتراض ودخول حرف الاستفهام على ثم لانكار التأخير ) الآن ( على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به وعن نافع ) الآن ( بحذف الهمزة والقاء حركتها على اللام ) وقد كنتم به تستعجلون ( تكذيبا واستهزاء يونس : ( 52 ) ثم قيل للذين . . . . . ) ثم قيل للذين ظلموا ( عطف على قيل المقدر ) ذوقوا عذاب الخلد ( المؤملم على الدوام ) هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ( من الكفر والمعاصي يونس : ( 53 ) ويستنبئونك أحق هو . . . . . ) ويستنبئونك ( ويستخبرونك ) أحق هو ( أحق ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة تقوله بجد أم باطل تهزل به قاله حيي بن اخطب لما قدم مكة والاطهر أن الاستفهام فيه على اصله لقوله ) ويستنبئونك ( وقيل إنه للانكار ويؤيده انه قرئ ) الحق هو ( فإن فيه تعريضا بأنه باطل وأحق مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر أو خبر مقدم والجملة في ________________________________________ " صفحة رقم 203 " مومضع النصب ) ويستنبئونك ( قل إي إنه لحق أن العذاب لكائن أو ما ادعيته لثابت وقيل كلا الضميرين للقرآن وإي بمعنى نعم وهو من لوازم القسم ولذلك يوصل بواوه في التصديق فيقال إي والله ولا يقال إي وحده ) وما أنتم بمعجزين ( بفائتين العذاب يونس : ( 54 ) ولو أن لكل . . . . . ) ولو أن لكل نفس ظلمت ( بالشرك أو التعدي على الغير ) ما في الأرض ( من خزائنها وأموالها ) لافتدت به ( لجعلته فدية لها من العذاب من قولهم افتداه بمعنى فداه ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ( لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهوله فلم يقدروا أن ينطقوا وقيل ) وأسروا الندامة ( أخلصوها لأن اخفاءها اخلاصها أو لأنه يقال سر الشيء وأسره إذا اظهره ) قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ( ليس تكريرا لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم والثاني مجازاة المشركين على الشرك أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم يونس : ( 55 ) ألا إن لله . . . . . ) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( تقرير لقدرته تعالى على الاثابة والعقاب ) ألا إن وعد الله حق ( ما وعده من الثواب والعقاب كائن لا خلف فيه ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( لأنهم لا يعلمون لقصور عقولهم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا يونس : ( 56 ) هو يحيي ويميت . . . . . ) هو يحيي ويميت ( في الدنيا فهو يقدر عليهما في العقبى لان القادر لذاته لا تزول قدرته والمادة القابلة بالذات للحياة والموت لهما أبدا ) وإليه ترجعون ( بالموت أو النشور يونس : ( 57 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ( ________________________________________ " صفحة رقم 204 " أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح ولاحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الإعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين حيث انزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان والتنكير فيها للتعظيم يونس : ( 58 ) قل بفضل الله . . . . . ) قل بفضل الله وبرحمته ( بإنزال القرآن والباء متعلقة بفعل يفسره قوله ) فبذلك فليفرحوا ( فإن اسم الاشارة بمنزلة الضمير تقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا أو فليفرحوا فبذلك وفائدة ذلك التكرير التأكيد والبيان بعد الأجمال وايجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح أو بفعل دل عليه ) قد جاءتكم ( وذلك إشارة إلى مصدره أي فبمجيئها فليفرحوا والفاء بمعنى الشرط كأنه قيل إن فرحوا بشيء فيهما فليفرحوا أو للربط بما قبلها والدلالة على أن مجيء الكتاب الجامع بين هذه الصفات موجب للفرح وتكريرها للتأكيد كقوله " وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي " وعن يعقوب / فلتفرحوا / بالتاء على الأصل المرفوض وقد روي مرفوعا ويؤيده انه قرئ / فافرحوا / ) هو خير مما يجمعون ( من حطام الدنيا فإنها إلى الزوال قريب وهو ضمير ذلك وقرأ ابن عامر تجمعون بالتاء على معنى فبذلك المؤمنون فهو خير مما تجمعونه آيها المخاطبون يونس : ( 59 ) قل أرأيتم ما . . . . . ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ( جعل الرزق منزلا لأنه مقدر في السماء محصل باسباب منها وما في موضع النصب ب ) أنزل ( أو ب ) أرأيتم ( فإنه بمعنى اخبروني ولكم دل على أن المراد منه ما حل ولذلك وبخ على التبعيض فقال ) فجعلتم منه حراما وحلالا ( مثل ) هذه أنعام وحرث حجر ( وعند قوله تعالى ) ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ( ) قل آلله أذن لكم ( في التحريم والتحليل فتقولون ذلك بحكه ) أم على الله تفترون ( في نسبة ذلك إليه ويجوز أن تكون المنفصلة متصلة ب ) أرأيتم ( وقل مكرر للتأكيد وأن يكون الاستفهام للانكزار و ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير لافترائهم على الله ________________________________________ " صفحة رقم 205 " يونس : ( 60 ) وما ظن الذين . . . . . ) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب ( أي شيء ظنهم ) يوم القيامة ( ايحسبون أن لا يجازوا عليه وهو منصوب بالظن ويدل عليه انه قرئ بلفظ الماضي لانه كائن وفي ابهام الوعيد تهديد عظيم ) إن الله لذو فضل على الناس ( حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم إرسال الرسل وإنزال الكتب ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( هذه النعمة يونس : ( 61 ) وما تكون في . . . . . ) وما تكون في شأن ( ولا تكون في أمر وأصله الهمز من شأنت شأنه إذا قصدت قصده والضمير في ) وما تتلو منه ( له لأن تلاوة القرآن معظم شأن الرسول أو لأن القراءة تكون لشأن فيكون التقدير من أجله ومفعول تتلو ) من قرآن ( على أن ) من ( تبعيضية أو مزيدة لتأكيد النفي أو لل ) قرآن ( واضماره قبل الذكر ثم بيانه تفخيم له أو لله ) ولا تعملون من عمل ( تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم ولذلك ذكر حيث خص ما فيه فخامة وذكر حيث عم ما يتناول الجليل والحقير ) إلا كنا عليكم شهودا ( رقباء مطلعين عليه ) إذ تفيضون فيه ( تخوضون فيه وتندفعون ) وما يعزب عن ربك ( ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا وفي سبأ ) من مثقال ذرة ( موازن نملة صغيرة أو هباء ) في الأرض ولا في السماء ( أي في الوجود والامكان فإن العامة لا تعرف ممكنا غيرهما ليس فيهما ولا متعلقا بهما وتقديم الأرض لأنن الكلام في حال أهلها والمقصود منه البرهان على احاطة علمه بها ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( ________________________________________ " صفحة رقم 206 " كلام برأسه مقرر لما قبله ) لا ( نافية و ) أصغر ( اسمها ) في كتاب ( خبرها وقرأ حمزة ويعقوب بالرفع على الابتداء والخبر ومن عطف على لفظ ) مثقال ذرة ( وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ يونس : ( 62 ) ألا إن أولياء . . . . . ) ألا إن أولياء الله ( الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة ) لا خوف عليهم ( من لحوق مكروه ) ولا هم يحزنون ( لفوات مأمول والاية جمجمل فسره قوله يونس : ( 63 ) الذين آمنوا وكانوا . . . . . ) الذين آمنوا وكانوا يتقون ( وقيل الذين آمنوا وكانوا يتقون بيان لتوليهم إياه يونس : ( 64 ) لهم البشرى في . . . . . ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( هو ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وما يريهم من الرؤيا الصالحة وما يسنح لهم من المكاشفات وبشرى الملائكة عند النزع ) وفي الآخرة ( بتلقي الملائكة اياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة بيان لتوليه لهم ومحل ) الذين آمنوا ( النصب أو الرفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء وخبره ) لهم البشرى ( ) لا تبديل لكلمات الله ( أي لا تغيير لأقواله ولا اخلاف لمواعيده ) ذلك ( إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين ) هو الفوز العظيم ( هذه اجلملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله 3 يونس : ( 65 ) ولا يحزنك قولهم . . . . . ) ولا يحزنك قولهم ( اشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم وقرأ نافع ) يحزنك ( من ________________________________________ " صفحة رقم 207 " أحزنه وكلاهما بمعنى ) إن العزة لله جميعا ( استئناف بمعنى التعليل ويدل عليه القارة بالفتح كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بهم لأن الغلبة لله جميعا لا يملك غيره شيئا منها فهو يقهرهم وينصرك عليهم ) هو السميع ( لاقوالهم ) العليم ( بعزماتهم فيكافئهم عليها يونس : ( 66 ) ألا إن لله . . . . . ) ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ( من الملائكة والثقلين وإذا كان هؤلاء الذين هم اشرف الممكنات عبيدا لا يصلح أحد منهم للربوبية فما لا يعقل منها احق أن لا يكون له ندا أو شريكا فهو كالدليل على قوله ) وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ( أي شركاء على الحقيقة وإن كان يسمونها شركاء ويجوز أن يكون ) شركاء ( مفعول ) يدعون ( ومفعول ) يتبع ( محذوف دل عليه ) إن يتبعون إلا الظن ( أي ما يتبعون يقينا وإنما يتبعون ظنهم أنها شركاء ويجوز أن تكون ) ما ( استفهامية منصوبة ب ) يتبع ( أو موصولة معطوفة على من وقرئ ) تدعون ( بالتاء الخاطبية والمعنى أي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين أي أنهم لا يتبعون إلا الله ولا يعبدون غيره فما لكم لا تتبعونهم فيه كقوله ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( فيكون إلزاما بعد برهان وما بعده مصروف عن خطابهم لبيان سندهم ومنشأ رأيهم ) وإن هم إلا يخرصون ( يكذبون فيما ينسبون إلى الله أو يحزرون ويقدرون أنها شركاء تقديرا باطلا يونس : ( 67 ) هو الذي جعل . . . . . ) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ( تنبيه على كمال قدرته وعظم نعمته المتوحد هو بهما ليدلهم على تفرده باستحقاق العبادة وإنما قال ) مبصرا ( ولم يقل لتبصروا فيه تفرقة بين الظرف المجرد والظرف الذي هو سبب ) إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( سماع تدبر واعتبار ________________________________________ " صفحة رقم 208 " يونس : ( 68 ) قالوا اتخذ الله . . . . . ) قالوا اتخذ الله ولدا ( أي تبناه ) سبحانه ( تنزيه له عن التبني فإنه لا يصح إلا ممن يتصور له الولد وتعجب من كلمتهم الحمقاء ) هو الغني ( علة لتنزيهه فإن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة ) له ما في السماوات وما في الأرض ( تقرير لغناه ) إن عندكم من سلطان بهذا ( نفي لمعارض ما أقامه من البرهان مبالغة في تجهيلهم وتحقيقا لبطلان قولهم و ) بهذا ( متعلق ب ) سلطان ( أو نعت له أو ب ) عندكم ( كأنه قيل إن عندكم في هذا من سلطان ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لا بد لها من قاطع وأن التقليد فيها غير سائغ يونس : ( 69 ) قل إن الذين . . . . . ) قل إن الذين يفترون على الله الكذب ( باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه ) لا يفلحون ( لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة يونس : ( 70 ) متاع في الدنيا . . . . . ) متاع في الدنيا ( خبر مبتدأ محذوف أي افتراؤهم متاع في الدنيا يقيمون به رئاستهم في الكفر أو حياتهم أو تقلبهم ) متاع ( مبتدأ خبره محذوف أي لهم تمتع في الدنيا ) ثم إلينا مرجعهم ( بالموت فيلقون الشقاء المؤبد ) ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ( بسبب كفرهم يونس : ( 71 ) واتل عليهم نبأ . . . . . ) واتل عليهم نبأ نوح ( خبره مع قومه ) إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم ( عظم عليكم وشق ) مقامي ( نفسي كقولك فعلت كذا لمكان فلان أو كوني وإقامتي بينكم مدة مديدة أو قيامي على الدعوة ) وتذكيري ( إياكم ) بآيات الله فعلى الله توكلت ( وثقت به ) فأجمعوا أمركم ( فاعزموا عليه ) وشركاءكم ( أي مع شركائكم ويؤيده القراءة بالرفع عطفا على الضمير المتصل وجاز من غير أن يؤكد للفصل وقيل إنه معطوف على ) أمركم ( بحذف المضاف أي وأمر شركائكم وقيل إنه منصوب بفعل محذوف تقديره وادعوا شركاءكم وقد قرئ به وعن نافع ) فأجمعوا ( من الجمع والمعنى أمرهم بالعزم أو الاجتماع على قصده والسعي في إهلاكه على أي وجه يمكنهم ثقة ________________________________________ " صفحة رقم 209 " بالله وقلة مبالاة بهم ) ثم لا يكن أمركم ( في قصدي ) عليكم غمة ( مستورا واجعلوه ظاهرا مكشوفا من غمه إذا ستره أو ثم لا يكن حالكم عليكم غما إذا أهلكتموني وتخلصتم من ثقل مقامي وتذكيري ) ثم اقضوا ( أدوا ) إلى ( ذلك الأمر الذي تريدون بي وقرئ / ثم افضوا إلي / بالفاء أي انتهوا إلي بشركم أو ابرزوا إلي من أفضى إذا خرج إلى الفضاء ) ولا تنظرون ( ولا تمهلوني يونس : ( 72 ) فإن توليتم فما . . . . . ) فإن توليتم ( أعرضتم عن تذكيري ) فما سألتكم من أجر ( يوجب توليكم لثقله عليكم واتهامكم إياي لأجله أو يفوتني لتوليكم ) إن أجري ( ما ثوابي على الدعوة والتذكير ) إلا على الله ( لا تعلق له بكم يثيبني به آمنتم أو توليتم ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( المنقادين لحكمه لا أخالف أمره ولا أرجو غيره يونس : ( 73 ) فكذبوه فنجيناه ومن . . . . . ) فكذبوه ( فأصروا على تكذيبه بعدما ألزمهم الحجة وبين أن توليهم ليس إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب ) فنجيناه ( من الغرق ) ومن معه في الفلك ( وكانوا ثمانين ) جعلناكم خلائف ( من الهالكين به ) وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( بالطوفان ) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتسلية له يونس : ( 74 ) ثم بعثنا من . . . . . ) ثم بعثنا ( أرسلنا ) من بعده ( من بعد نوح ) رسلا إلى قومهم ( كل رسول إلى قومه ) فجاؤوهم بالبينات ( بالمعجزات الواضحة المثبتة لدعواهم ) فما كانوا ليؤمنوا ( فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر وخذلان الله إياهم ) بما كذبوا به من قبل ( أي بسبب تعودهم تكذيب الحق وتمرنهم عليه قبل بعثه الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) ) كذلك نطبع على قلوب المعتدين ( بخذلانهم لانهماكهم في الضلال واتباع المألوف وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد وقد مر تحقيق ذلك يونس : ( 75 ) ثم بعثنا من . . . . . ) ثم بعثنا من بعدهم ( من بعد هؤلاء الرسل ) موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا ( بالآيات التسع ) فاستكبروا ( عن اتباعهما ) وكانوا قوما مجرمين ( معتادين ________________________________________ " صفحة رقم 210 " الأجرام فلذلك تهاونوا برسالة ربهم واجترؤوا على ردها يونس : ( 76 ) فلما جاءهم الحق . . . . . ) فلما جاءهم الحق من عندنا ( وعرفوه بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك ) قالوا ( من فرط تمردهم ) إن هذا لسحر مبين ( ظاهر أنه سحر أو فائق في فنه واضح فيما بين إخوته يونس : ( 77 ) قال موسى أتقولون . . . . . ) قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم ( إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه ولا يجوز أن يكون ) أسحر هذا ( لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم ويجوز انيكون معنى ) أتقولون للحق ( أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى ) سمعنا فتى يذكرهم ( فيستغني عن المفعول ) ولا يفلح الساحرون ( من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحرا لاضمحل ولم يبطل السحرة ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكيا كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون يونس : ( 78 ) قالوا أجئتنا لتلفتنا . . . . . ) قالوا أجئتنا لتلفتنا ( لتصرفنا واللفت والفتل أخوان ) عما وجدنا عليه آباءنا ( من عبادة الأصنام ) وتكون لكما الكبرياء في الأرض ( الملك فيها سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر أو التكبر على الناس باستتباعهم ) وما نحن لكما بمؤمنين ( بمصدقين فيما جئتما به يونس : ( 79 ) وقال فرعون ائتوني . . . . . ) وقال فرعون ائتوني بكل ساحر ( وقرأ حمزة والكسائي ) بكل سحار ( ) عليم ( حاذق فيه يونس : ( 80 ) فلما جاء السحرة . . . . . ) فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ) يونس : ( 81 ) فلما ألقوا قال . . . . . ) فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر ( أي الذي جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحرا وقرأ أبو عمرو ) السحر ( على أن ) ما ( استفهامية مرفوعة بالابتداء ________________________________________ " صفحة رقم 211 " وجئتم به خبرها و ) السحر ( بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره أهو السحر أو مبتدأ خبره محذوف أي السحر هو ويجوز أن ينتصب ما يفعل يفسره ما بعده وتقديره أي شيء أتيتم ) إن الله سيبطله ( سيمحقه أو سيظهر بطلانه ) إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( لا يثبته ولا يقويه وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له يونس : ( 82 ) ويحق الله الحق . . . . . ) ويحق الله الحق ( ويثبته ) بكلماته ( بأوامره وقضاياه وقرئ / بكلمته / ) ولو كره المجرمون ( ذلك يونس : ( 83 ) فما آمن لموسى . . . . . ) فما آمن لموسى ( أي في مبدأ أمره ) إلا ذرية من قومه ( إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفا من فرعون إلا طائفة من شبانهم وقيل الضمير ل ) فرعون ( والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنة وزوجته وماشطته ) على خوف من فرعون وملئهم ( أي مع خوف منهم والضمير ل ) فرعون ( وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء أو على أن المراد ب ) فرعون ( آله كما يقال ربيعة ومضر أو للذرية أو للقوم ) أن يفتنهم ( أن يعذبهم فرعون وهو بدل منه أو مفعول خوف وإفراده بالضمير للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسببه ) وإن فرعون لعال في الأرض ( لغالب فيها ) وإنه لمن المسرفين ( في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء يونس : ( 84 ) وقال موسى يا . . . . . ) وقال موسى ( لما رأى تخوف المؤمنين به ) يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ( فثقوا به واعتمدوا عليه ) إن كنتم مسلمين ( مستسلمين لقضاء الله مخلصين له وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل فإنه المقتضي له والمشروط بالإسلام حصوله فإنه لا يوجد مع التخطيط ونظيره إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت يونس : ( 85 ) فقالوا على الله . . . . . ) فقالوا على الله توكلنا ( لأنهم كانوا مؤمنين مخلصين ولذلك أجيبت دعوتهم ________________________________________ " صفحة رقم 212 " ) ربنا لا تجعلنا فتنة ( موضع فتنة ) للقوم الظالمين ( أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا يونس : ( 86 ) ونجنا برحمتك من . . . . . ) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ( من كيدهم ومن شؤم مشاهدتهم وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولا لتجاب دعوته يونس : ( 87 ) وأوحينا إلى موسى . . . . . ) وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ ( أي اتخذا مباءة ) لقومكما بمصر بيوتا ( تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة ) واجعلوا ( أنتما وقومكما ) بيوتكم ( تلك البيوت ) قبلة ( مصلى وقيل مساجد متوجهة نحو القبلة يعني الكعبة وكان موسى ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي إليها ) وأقيموا الصلاة ( فيها أمروا بذلك أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم ) وبشر المؤمنين ( بالنصرة في الدنيا والجنة في العقبى وإنما ثنى الضمير أولا لأن التبوأ للقوم واتخاذ المعابد مما يتعاطاه رؤوس القوم بتشاور ثم جمع لأن جعل البيوت مساجد والصلاة فيها مما ينبغي أن يفعله كل أحد ثم وحد لأن البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشريعة يونس : ( 88 ) وقال موسى ربنا . . . . . ) وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة ( ما يتزين به من الملابس والمراكب ونحوهما ) وأموالا في الحياة الدنيا ( وأنواعا من المال ) ربنا ليضلوا عن سبيلك ( دعاء عليهم بلفظ الأمر بما علم من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غيره كقولك لعن الله إبليس وقيل اللام للعاقبة وهي متعلقة ب ) أتيت ( ويحتمل أن تكون للعلة لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضلال ولأنهم لما جعلوها سببا للضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا فيكون ) ربنا ( تكريرا للأول تأكيدا وتنبيها على أن المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة لقوله ) ربنا اطمس على أموالهم ( أي أهلكها والطمس المحق وقرئ ) اطمس ( بالضم ) واشدد على قلوبهم ( أي وأقسها عليها حتى لا تنشرح للإيمان ) فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهي أو عطف على ) ليضلوا ( وما بينهم دعاء معترض ________________________________________ " صفحة رقم 213 " يونس : ( 89 ) قال قد أجيبت . . . . . ) قال قد أجيبت دعوتكما ( يعني موسى وهارون لأنه كان يؤمن ) فاستقيما ( فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته روي أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة ) ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( طريق الجلهة في الاستعجال أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله تعالى وعن ابن عامر برواية ابن ذكوان ولا تتبعان بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين ) ولا تتبعان ( من تبع ) ولا تتبعان ( أيضا يونس : ( 90 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . . ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( أي جوزناهم في البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم وقرئ / جوزنا / وهو من فعل المرادف لفاعل كضعف وضاعف ) فأتبعهم ( فأدركهم يقال تبعته حتى اتبعته ) فرعون وجنوده بغيا وعدوا ( باغين وعادين أو للبغي والعدو وقرئ ) وعدوا ( ) حتى إذا أدركه الغرق ( لحقه ) قال آمنت أنه ( أي بأنه ) لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( وقرأ حمزة والكسائي إنه بالكسر على إضمار القوم أو الاستئناف بدلا وتفسيرا ل / ءامنت / فنكب عن الإيمان أو أن القبول وبالغ فيه حين لا يقبل يونس : ( 91 ) آلآن وقد عصيت . . . . . ) الآن ( أتؤمن الآن وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار ) وقد عصيت قبل ( قبل ذلك مدة عمرك ) وكنت من المفسدين ( الضالين المضلين عن الإيمان يونس : ( 92 ) فاليوم ننجيك ببدنك . . . . . ) فاليوم ننجيك ( ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل وقرأ يعقوب ) ننجيك ( من أنجى وقرأ / ننحيك / بالحاء أي نلقيك بناحية من الساحل ) ببدنك ( في موضع الحال أي ببدنك عاريا عن الروح أو كاملا سويا أو عريانا من غير لباس أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها وقرئ / بأبدانك / أي بأجزاء البدن كلها كقولهم هوى بإجرامه أو بدرعك كأنه كان مظاهرا بينها ) لتكون لمن خلفك آية ( لمن وراءك علامة وهم بنو إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك حتى كذبوا موسى ( صلى الله عليه وسلم ) حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا ________________________________________ " صفحة رقم 214 " سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية وقرئ لمن ) خلقك ( أي لخالقك آية أي كسائر الاياة فإن إفراده إياك بالالقاء إلى الساحل دليل على أنه تعمد منه لكشف تزويرك واماطة الشبهة في أمرك وذلك دليل على كمال قدرته وعلمه وارادته وهذا الوجه أيضا محتمل على المشهور ) وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها يونس : ( 93 ) ولقد بوأنا بني . . . . . ) ولقد بوأنا ( أنزلنا ) بني إسرائيل مبوأ صدق ( منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر ) ورزقناهم من الطيبات ( من اللذائذ ) فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ( فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعدما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها أو في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاتهه ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( فيميز المحق من المبطل بالانجاء والاهلاك يونس : ( 94 ) فإن كنت في . . . . . ) فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ( من القصص على سبيل الفرض والتقدير ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( فإنه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما القينا إليك والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأن القرآن مصدق لما فيها أو وصف أهل الكتاب الرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه أو تهييج الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وزيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) لا اشك ولا اسأل وقيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد امته أو لكل من يسمع أي أن كنت آيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم ) لقد جاءك الحق من ربك ( واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة ) فلا تكونن من الممترين ( بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين ________________________________________ " صفحة رقم 215 " يونس : ( 95 ) ولا تكونن من . . . . . ) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ( أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الاطماع عنه كقوله ) فلا تكونن ظهيرا للكافرين ) يونس : ( 96 ) إن الذين حقت . . . . . ) إن الذين حقت عليهم ( ثبتت عليهم ) كلمة ربك ( بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في العذاب ) لا يؤمنون ( إذ لا يكذب كلامه ولا ينتقض قضاؤه يونس : ( 97 ) ولو جاءتهم كل . . . . . ) ولو جاءتهم كل آية ( فإن السبب الاصلي لإيمانهم وهو تعلق إرادة الله تعالى به مفقود ) حتى يروا العذاب الأليم ( وحينئذ لا ينفعهم كما لا ينفع فرعون يونس : ( 98 ) فلولا كانت قرية . . . . . ) فلولا كانت قرية آمنت ( فهلا كانت قرية من القرى التي اهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ولم تؤخر إليها كما أخر فرعون ) فنفعها إيمانها ( بأن يقبله الله منها ويكشف العذاب عنها ) إلا قوم يونس ( لكن قوم يونس عليه السلام ) لما آمنوا ( أول ما رأوا امارة العذاب ولم يؤخره إلى حلوله ) كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ( ويجوز أن تكون لاجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه فيكون الاستثناء متصلا لأن المراد من القرى اهاليها كأنه قال ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم ايمانهم إلا قوم يونس ويؤيده قراءة الرفع على البدل ) ومتعناهم إلى حين ( إلى آجالهم روي أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل فكذبوه وأصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث وقيل إلى ثلاثين وقيل إلى أربعين فلما دنا الموعد اغامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوما بين كل والدة وولدها فحن بعضها إلى بعض وعلت الاصوات والعجيج ________________________________________ " صفحة رقم 216 " وأخلصوا التوبة وأظهروا الإيمان وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة يونس : ( 99 ) ولو شاء ربك . . . . . ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم ( بحيث لا يشذ منهم أحد ) جميعا ( مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ ايمانهم أجمعين وأن من شاء ايمانه يؤمن لا محالة والتقييد بمشيئة الالجاء خلاف الظاهر ) أفأنت تكره الناس ( بما لم يشأ منهم ) حتى يكونوا مؤمنين ( وترتيب الاكراه على المشيئة بالفاء وإيلاؤها حرف الاستفهام للانكار وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل فلا يمكن تحصيله بالإكراه عليه فضلا عن الحث والتحريض علهي إذ روي انه كان حريصا على إيمان قومه شديد الاهتمام به فنزلت ولذلك قرره بقوله يونس : ( 100 - 101 ) وما كان لنفس . . . . . ) وما كان لنفس أن تؤمن ( بالله ) إلا بإذن الله ( إلا بإرادته وألطافه وتوفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى الله ) ويجعل الرجس ( العذاب أو الخذلان فإن سببه وقرئ بالزاي وقرأ أبو بكر ) ونجعل ( بالنون ) على الذين لا يعقلون ( لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والايات أو لا يعقلون دلائله واحكامه لما على قلوبهم من الطبع ويؤيد الأول قوله ) قل انظروا ( أي تفكروا ) ماذا في السماوات والأرض ( من عجائب صنعه لتدلكم على وحدته وكمال قدرته و ) ماذا ( إن جعلت استفهامية علقت ) انظروا ( عن العمل ) وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ( في علم الله وحكمته ) وما ( نافية أو استفهامية في موضع النصب يونس : ( 102 ) فهل ينتظرون إلا . . . . . ) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم ________________________________________ " صفحة رقم 217 " إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها ) قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ( لذلك أو فانتظروا هلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم يونس : ( 103 ) ثم ننجي رسلنا . . . . . ) ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ( عطف على محذوف دل عليه ) إلا مثل أيام الذين خلوا ( كأنه قيل نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا ومن آمن بهم على حكاية الحال الماضية ) كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ( كذلك الانجاء أو انجاء كذلك ننجي محمدا وصحبه حين نهلك المشركين و ) حقا علينا ( اعتراض ونصبه بفعله المقدر وقيل بدل من كذلك وقرأ حفص والكسائي ) ننجي ( مخففا يونس : ( 104 ) قل يا أيها . . . . . ) قل يا أيها الناس ( خطاب لأهل مكة ) إن كنتم في شك من ديني ( وصحته ) فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ( فهذا خلاصة ديني اعتقادا وعملا فاعرضوها على العقل الصرف وانظروا فيها بعين الأنصاف لتعلموا صحتها وهو أني لا اعبد ما تخلقونه وتعبدونه ولكن اعبد خالقكم الذي هو يوجدكم ويتوفاكم وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد ) وأمرت أن أكون من المؤمنين ( بما دل عليه العقل ونطق به الوحي وحذف الجار من أن يجوز أن يكون من المطرد مع أن وأن يكون من غيره كقوله " أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسب " يونس : ( 105 ) وأن أقم وجهك . . . . . ) وأن أقم وجهك للدين ( عطف على ) أن أكون ( غير ) إن ( صلة ) إن ( محكية بصيغة الأمر ولا فرق بينهما في الغرض لأن المقصود وصلها بما يتضمن معنى المصدر لتدل معه عليه وصيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها والطلب ومعنى وأمرت بالاستقامة في الدين والاستبداد فيه بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح أو في الصلاة باستقبال القبلة ) حنيفا ( حال من الدين أو الوجه ) ولا تكونن من المشركين ) يونس : ( 106 ) ولا تدع من . . . . . ) ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ( بنفسه أن دعوته أو خذلته ) فإن فعلت ( فإن دعوته ) فإنك إذا من الظالمين ( جزاء للشرك وجواب لسؤال مقدر عن تبعة الدعاء ________________________________________ " صفحة رقم 218 " يونس : ( 107 ) وإن يمسسك الله . . . . . ) وإن يمسسك الله بضر ( وإن يصبك به ) فلا كاشف له ( يرفعه ) إلا هو ( إلا الله ) وإن يردك بخير فلا راد ( فلا دافع ) لفضله ( الذي أرادك به ولعله ذكر الارادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات وان الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على انه متفضل بما يرد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه ولم يستثن لأن مراد الله لا يمكن رده ) يصيب به ( بالخير ) من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ( فتعرضوا لرحمعه بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية يونس : ( 108 ) قل يا أيها . . . . . ) قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ( رسوله أو القرآن ولم يبق لكم عذر ) فمن اهتدى ( بالأيمان والمتابعة ) فإنما يهتدي لنفسه ( لأن نفعه لها ) ومن ضل ( بالكفر بهما ) فإنما يضل عليها ( لأن وبال الضلال عليها ) وما أنا عليكم بوكيل ( بحفيظ موكول إلى امركم وانما أنا بشير ونذير يونس : ( 109 ) واتبع ما يوحى . . . . . ) واتبع ما يوحى إليك ( بالامتثال والتبليغ ) واصبر ( على دعوتهم وتحمل اذيتهم ) حتى يحكم الله ( بالنصرة أو بالأمر بالقتال ) وهو خير الحاكمين ( إذ لا يمكن الخطأ في حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة يونس أعطي من الاجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق مع فرعون ________________________________________ " صفحة رقم 219 " سورة هود عليه السلام مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم هود : ( 1 ) الر كتاب أحكمت . . . . . ) الر كتاب ( مبتدأ وخبر أو ) كتاب ( خبر مبتدأ محذوف ) أحكمت آياته ( نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ولامعنى أو منعت من الفساد والنسخ فإن المراد آيات السورة وليس فيها منسوخ أو احكمت بالحجج والدلائل أو جعلت حكمية منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لأنها مشتملة على امهات الحكم النظرية والعملية ) ثم فصلت ( بالفوائد من العقائد والاحكام والمواعظ والاخبار أو بجعلها سورا أو بالانزال نجما نجما أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه وقرئ ) ثم فصلت ( أي فرقت بين الحق والباطل واحكمت آياته ) ثم فصلت ( على البناء للمتكلم و ) ثم ( للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار ) من لدن حكيم خبير ( صفة أخرى ل ) كتاب ( أو خبر بعد خبر أو صلة ل ) أحكمت ( أو ) فصلت ( وهو تقرير لاحكامها وتفصيلها على اكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر آمره وما خفي هود : ( 2 ) ألا تعبدوا إلا . . . . . ) ألا تعبدوا إلا الله ( لأن لا تعبدوا وقيل أن مفسرة لان في تفصيل الآيات معنى القول ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ للاغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل ترك عبادة غير الله بمعنى الزموه أو اتركوها تركا ) إنني لكم منه ( من الله ________________________________________ " صفحة رقم 220 " ) نذير وبشير ( بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد هود : ( 3 ) وأن استغفروا ربكم . . . . . ) وأن استغفروا ربكم ( عطف على ألا تعبدوا ) ثم توبوا إليه ( ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع وقيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى الله بالطاعة ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين ) يمتعكم متاعا حسنا ( يعيشكم في أمن ودعة ) إلى أجل مسمى ( هو آخر أعماركم المقدرة أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والارزاق والاجال وان كانت متعلقة بالاعمار لكنها مسماة بالاضافة إلى كل أحد فلا تتغير ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والاخرة وهو وعد للمومحد التائب بخير الدارين ) وإن تولوا ( وإن تتولا ) فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( يوم القيامة وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى اكلوا الجيف وقرئ ) وإن تولوا ( من ولي هود : ( 4 ) إلى الله مرجعكم . . . . . ) إلى الله مرجعكم ( رجوعكم في ذلك اليوم وهو شاذ عن القياس ) وهو على كل شيء قدير ( فيقدر على تعذيبكم اشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم هود : ( 5 ) ألا إنهم يثنون . . . . . ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( يثنونها عن الحق وينحرفون أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو يولون ظهورهم وقرئ / يثنوني / بالياء والتاء من اثنوني وهو بناء مبالغة و تثنون وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني وتثنئن من انثأن كابياض بالهمزة وتثنوي ________________________________________ " صفحة رقم 221 " ) ليستخفوا منه ( من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا إذا ارخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم وقيل نزلت في المنافقين وفيه ظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة ) ألا حين يستغشون ثيابهم ( ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم ) يعلم ما يسرون ( في قلوبهم ) وما يعلنون ( بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه ) إنه عليم بذات الصدور ( بالأسرار ذات لاصدور أو بالقلوب وأحوالها هود : ( 6 ) وما من دابة . . . . . ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( غذاؤها ومعاشها لتكلفه إياه تفضلا ورحمة وانما أتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله وحملا على التوكل فيه ) ويعلم مستقرها ومستودعها ( اماكنها في الحياة والممات أو الاصلاب والارحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة ) كل ( كل واحد من الدواب واحوالها ) في كتاب مبين ( مذكور في اللوح المحفوظ وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالما بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها تقريرا للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد هود : ( 7 ) وهو الذي خلق . . . . . ) وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في الاعراف اوما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالاصل والذات دون لاسفليات ) وكان عرشه على الماء ( قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعا على متن الماء واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم وقيل كان الماء على متن الريح والله اعلم بذلك ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( متعلق ب ) خلق ( أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم ________________________________________ " صفحة رقم 222 " معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون فإن جملة ذلك اسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وامارات تستدلون بها وتستنبطون منها وانما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث انه طريق إليه كالنظر والاستماع وانما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على احاسن المحاسن والتحضيض على الترقي دائما في مراتب العلم والعمل فإن المراد باعلم ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ايكم احسن عقلا واورع عن محارم الله واسرع في طاعة الله والمعنى ايكم اكمل علما وعملا ) ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان وقرأ حمزة والكسائي إلا ساحر على أن الاشارة إلى القائل وقرئ ) إنكم ( بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علكم مبعوثون بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بانكاره لعدوه من قبيل مالا حقيقة له مبالغة في انكاره هود : ( 8 ) ولئن أخرنا عنهم . . . . . ) ولئن أخرنا عنهم العذاب ( الموعود ) إلى أمة معدودة ( إلى جماعة من الاوقات قليلة ) ليقولن ( استهزاء ) ما يحبسه ( ما يمنعه من الوقوع ) ألا يوم يأتيهم ( كيوم ________________________________________ " صفحة رقم 223 " بدر ) ليس مصروفا عنهم ( ليس العذاب مدفوعا عنهم و ) يوم ( منصوب بخير ) ليس ( مقدم عليه وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها ) وحاق بهم ( واحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة في التهديد ) ما كانوا به يستهزؤون ( أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون فوضع ) يستهزؤون ( موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء هود : ( 9 ) ولئن أذقنا الإنسان . . . . . ) ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ( ولئن اعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها ) ثم نزعناها منه ( ثم سلبنا تلك النعمة منه ) إنه ليؤوس ( قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به ) كفور ( مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة هود : ( 10 ) ولئن أذقناه نعماء . . . . . ) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ( كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى ) ليقولن ذهب السيئات عني ( أي المصائب التي ساءتني ) إنه لفرح ( بطر بالنعم مغتر بها ) فخور ( على الناس مشغول عن الشكر والقيام بحقها وفي لفظ الاذاقة والمس تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده في الآخرة وانه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء لأن الذوق إدراك الطعم والمس مبتدأ الوصول هود : ( 11 ) إلا الذين صبروا . . . . . ) إلا الذين صبروا ( على الضراء إيمانا بالله تعالى واستسلاما لقضائه ) وعملوا الصالحات ( ________________________________________ " صفحة رقم 224 " شكرا لآلائه سابقها ولاحقها ) أولئك لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر كبير ( اقله الجنة والاستثناء من الإنسان لأن المراد به الجنس فإذا كان محلى باللام افاد الاستغراق ومن حمله على الكافر لسبق ذكرهم جعل الاستثناء منقطعا هود : ( 12 ) فلعلك تارك بعض . . . . . ) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ها هنا ) وضائق به صدرك ( وعارض لك احيانا ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة ) أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز ( ينفقه في الاستتباع كالملوك ) أو جاء معه ملك ( يصدقه وقيل الضمير في ) به ( مبهم يفسره ) أن يقولوا ( ) إنما أنت نذير ( ليس عليك إلا الانذار بما اوحي إليك ولا عليك ردوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك ) والله على كل شيء وكيل ( فتوكل عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم حزاء اقوالهم وافعالهم هود : ( 13 ) أم يقولون افتراه . . . . . ) أم يقولون افتراه ( ) أم ( منقطعة والهاء ) لما يوحى ( ) قل فأتوا بعشر سور مثله ( في البيان وحسن النظم تحداهم اولا بعشر سور ثم لما عجزوا عنها سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة وتوحيد المثل باعتبار كل واحدة ) مفتريات ( مختلقات من عند انفسكم إن صح أني اختلقته نم عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما اقدر عليه بل أنتم لتعلمكم القصص والاشعار وعودكم القريض والنظم ) وادعوا من استطعتم من دون الله ( إلى المعاونة على المعارضة ) إن كنتم صادقين ( انه مفترى ________________________________________ " صفحة رقم 225 " هود : ( 14 ) فإن لم يستجيبوا . . . . . ) فإن لم يستجيبوا لكم ( بإتيان ما دعوتم إليه وجمع الضمير أما لتعظيم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لأن المؤمنين كانوا أيضا يتحدونهم وكان أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) متناولا لهم من حيث انه يجب اتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل وللتنبيه على أن التحديث مما يوجب رسوخ ايمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله ) فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ( ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر علهي سواه ) وأن لا إله إلا هو ( واعلموا أن لا اله إلا الله لانه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ولظهور عجز آهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة باعجازه عليه وفيه تهديد واقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم ) فهل أنتم مسلمون ( ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم اعجازه مطلقا ويجوز أن يكون الكل خجطابا للمشركين والضمير في ) لم يستجيبوا ( لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا انه نظم لا يعلمه إلا الله وانه منزل من عنده وان ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة وفي مثل هذا الاستفهام ايجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر هود : ( 15 ) من كان يريد . . . . . ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ( بإحسانه وبره ) نوف إليهم أعمالهم فيها ( نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرئاسة وسعة الزرق وكثرة الأولاد وقرئ ) يوف ( بالياء أي يوف الله ونوف على البناء للمعفول ونوف بالتخفيف والرفع لأن الشرط ماض كقوله " وإن أتاه كريم يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم " ________________________________________ " صفحة رقم 226 " ) وهم فيها لا يبخسون ( لا ينقصون شيئا من أجورهم والآية في أهل الرياء وقيل في المنافقين وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم هود : ( 16 ) أولئك الذين ليس . . . . . ) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ( مطلقا في مقابلة ما عملوا لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة وبقيت لهم أوزار العزائم السيئة ) وحبط ما صنعوا فيها ( لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة أو أم يكن لأنهم لم يريدوا به وجه الله والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص ويجوز تعليق الظرف ب ) صنعوا ( على أن الضمير ل ) الدنيا ( ) وباطل ( في نفسه ) ما كانوا يعملون ( لأنه لم يعمل على ما ينبغي وكأن كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها وقرئ باطلا على انه مفعول يعملون و ) ما ( ابهامية أو في معنى المصدر كقوله " ولا خارجا من في زور كلام " ________________________________________ " صفحة رقم 227 " بطل على الفعل هود : ( 17 ) أفمن كان على . . . . . ) أفمن كان على بينة من ربه ( برهان من الله يدله على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره والهمزة لانكار أن يعقب من هذا شأنه هؤلاء المقصرين هممهم وافكارهم على الدنيا وان يقارب بينهم في المنزلة وهو الذي أغنى عن ذكر الخبر وتقديره أفمن كان على بينة كمن كان يريد الحياة الدنيا وهو حكم يعم كل مؤمن مخلص وقيل المراد به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل مؤمنوا أهل الكتاب ) ويتلوه ( ويتبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل ) شاهد منه ( شاهد من الله يشهد بصحته وهو القرآن ) ومن قبله ( ومن قبل القرآن ) كتاب موسى ( يعني التوراة فإنها أيضا تتلوه في التصديق أو البينة هو القرآن ) ويتلوه ( من التلاوة والشاهد جبريل أو لسان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على أن الضمير له أو من التلو والشاهد ملك يحفظه والضمير في ) ويتلوه ( إما لمن أو للبينة باعتبار المعنى ) ومن قبله كتاب موسى ( جملة مبتدأة وقرئ ) كتاب ( بالنصب عطفا على الضمير في ) ويتلوه ( أي يتلو القرآن شاهد ممن أن على بينة دالة على أنه حق كقوله ) وشهد شاهد من بني إسرائيل ( ويقرأ من قبل القرآن التوراة ) إماما ( كتابا مؤتما به في الدين ) ورحمة ( على المنزل عليهم لأنه الوصلة إلى الفوز بخير الدارين ) أولئك ( إشارة إلى من كان على بينة ) يؤمنون به ( بالقرآن ) ومن يكفر به من الأحزاب ( من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فالنار موعده ( يردها لا محالة ) فلا تك في مرية منه ( من الموعد أو القرآن وقرئ ) مرية ( بالضم وهما الشك ) إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( لقلة نظرهم واختلال فكرهم ________________________________________ " صفحة رقم 228 " هود : ( 18 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( كأن أسند إليه ما لم ينزله أو نفى عنه ما أنزله ) أولئك ( أي الكاذبون ) يعرضون على ربهم ( في الموقف بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم ) ويقول الأشهاد ( من الملائكة والنبيين أو من جوارحهم وهو جمع شاهد كأصحاب أو شهيد كأشراف جمع شريف ) هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ( تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله هود : ( 19 ) الذين يصدون عن . . . . . ) الذين يصدون عن سبيل الله ( عن دينه ) ويبغونها عوجا ( يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة ) وهم بالآخرة هم كافرون ( والحال انهم كافرون بالاخرة وتكريرهم لتأكيد كفرهم واختصاصهم به هود : ( 20 ) أولئك لم يكونوا . . . . . ) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ( أي ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم ) وما كان لهم من دون الله من أولياء ( يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون اشد وأدوم ) يضاعف لهم العذاب ( استئناف وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف بالتشديد ) ما كانوا يستطيعون السمع ( لتصامهم عن الحق ويغضهم له ) وما كانوا يبصرون ( لتعاميهم عن آيات الله وكأنه العلة لمضاعفة العذاب وقيل هو بيان ما نفاه من ولاية الالهة بقوله ) وما كان لهم من دون الله من أولياء ( فإن ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية وقوله ) يضاعف لهم العذاب ( اعتراض هود : ( 21 ) أولئك الذين خسروا . . . . . ) أولئك الذين خسروا أنفسهم ( باشتراء عبادة الالهة بعبادة الله تعالى ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( من الالهة وشفاعتها أو خسروا بما بدلوا وضاع عنهم ما حصلوا ________________________________________ " صفحة رقم 229 " فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة هود : ( 22 ) لا جرم أنهم . . . . . ) لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( لا أحد ابين واكثر خسرانا منهم هود : ( 23 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ( اطمأنوا إليه وخشعوا له من الخبت وهو الأرض المطمئنة ) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( دئمون هود : ( 24 ) مثل الفريقين كالأعمى . . . . . ) مثل الفريقين ( الكافر والمؤمن ) كالأعمى والأصم والبصير والسميع ( يجوز أن يراد به تشبيه الكافر بالاعمى لتعاميه عن آيات الله وبالاصم لتصامه عن اسماع كلام الله تعالى وتأبيه عن تدبر معانيه وتشبيه المؤمن بالسميع والبصر لأن أمره بالضد فيكون كل واحد منهما مشبها باثنين باعتبار وصفين أو تشبيه الكافر بالجامع بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما والعاطف لعطف الصفة على الصفة كقوله " الصابح فالغانم فالايب " وهذا من باب اللف والطباق ) هل يستويان ( هل يستوي الفريقان ) مثلا ( أي تمثيلا أو صفة أو حالا ) أفلا تذكرون ( بضرب الأمثال والتأمل فيها هود : ( 25 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . . ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم ( بأني لكم قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالكسر على إرادة أقول ) نذير مبين ( أبين لكم مومجبات العذاب ووجه الخلاص هود : ( 26 ) أن لا تعبدوا . . . . . ) ألا تعبدوا إلا الله ( بدل من ) إني لكم ( أو مفعول مبين ويجوز أن تكون أن مفسرة متعلقة ب ) أرسلنا ( أو ب ) نذير ( ) إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جد جده وهاره صائم للمبالغة ________________________________________ " صفحة رقم 230 " هود : ( 27 ) فقال الملأ الذين . . . . . ) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا ( لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( اخساؤنا جمع ارذل فإنه بالغلبة صار مثل الاسم كالااكبر أو ارذل جمع رذل ) بادي الرأي ( ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو أو أول الرأي من البدء والباء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وقرأ أبو عمرو بالهمزة وانتصابه بالظرف على حذف المضاف أي وقت حدوث بادي الرأي والعامل فيه ) اتبعك ( وانما استرذلوهم لذلك أو لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا كان الاحظ بها اشرف عندهم والمحروم منها ارذل ) وما نرى لكم ( لك ولمتبعيك ) علينا من فضل ( يؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة ) بل نظنكم كاذبين ( اياي في دعوى النبوة واياهم في دعوى العلم بصدقك فغلب المخاطب على الغائبين هود : ( 28 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم أرأيتم ( أخبروني ) إن كنت على بينة من ربي ( حجة شاهدة بصحة دعواي ) وآتاني رحمة من عنده ( بإيتاء البينة أو النبوة ) فعميت عليكم ( فخفيت عليكم فلم تهدكم وتوحيد الضمير لأن البينة في نفسها هي الرحمة أو لأن خفاءها يوجب خفاء النبوة أو على تقدير فعميت بعد البينة وحذفها للاختصار أو لأنه لكل واحدة منهما وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) فعميت ( أي أخفيت وقرئ / عماها / على أن الفعل لله ________________________________________ " صفحة رقم 231 " ) أنلزمكموها ( انكرهكم على الاهتداء بها ) وأنتم لها كارهون ( لا تختارونها ولا تتأملون فيها وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا وقدم الاعرف منهما جاز في الثاني الفصل والوصل هود : ( 29 ) ويا قوم لا . . . . . ) ويا قوم لا أسألكم عليه ( على التبليغ وهو إن لم يذكر فمعلوم مما ذكر ) مالا ( جعلا ) إن أجري إلا على الله ( فإنه المأمول منه ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( جواب لهم حين سألوا طردهم ) أنهم ملاقو ربهم ( فيخاصمون طاردهم عنده أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( بلقاء ربكم أو بأقدارهم أو في التماس طردهم أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم اراذل هود : ( 30 ) ويا قوم من . . . . . ) ويا قوم من ينصرني من الله ( بدفع انتقامه ) إن طردتهم ( وهم بتلك الصفة والمثابة ) أفلا تذكرون ( لتعرفوا أن التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه لس بصواب هود : ( 31 ) ولا أقول لكم . . . . . ) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي ) ولا أعلم الغيب ( عطف على ) عندي خزائن الله ( أي ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعادا أو حتى اعلم أن هؤلاء ابتعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول ) ولا أقول إني ملك ( حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم ) لن يؤتيهم الله خيرا ( فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا ) الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ( أن قلت شيئا من ذلك والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر واسناده إلى الاعين للمبالغة والتنبيه على ________________________________________ " صفحة رقم 232 " انهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تامل في معانيهم وكمالاتهم هود : ( 32 ) قالوا يا نوح . . . . . ) قالوا يا نوح قد جادلتنا ( خاصمتنا ) فأكثرت جدالنا ( فأطلته أو أتي بأنواعه ) فأتنا بما تعدنا ( من العذاب ) إن كنت من الصادقين ( في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك لا تؤثر فينا هود : ( 33 ) قال إنما يأتيكم . . . . . ) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ( عاجلا أو آجلاص ) وما أنتم بمعجزين ( بدفع العذاب أو الهرب منه هود : ( 34 ) ولا ينفعكم نصحي . . . . . ) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ( شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله ) إن كان الله يريد أن يغويكم ( وتقدير الكلام أن كان الله يريد أن يغويكم فإن اردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق أن دخلت الدار أن كلمت زيداص فدخلت ثم كلمت لنم تطلق وهو جواب لما اوهموا من أن جداله كلام بلا طائل وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالاغواء وان خلاف مراده محال وقيل ) أن يغويكم ( أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك ) هو ربكم ( هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق ارادته ) وإليه ترجعون ( فيجازيكم على أعمالكم هود : ( 35 ) أم يقولون افتراه . . . . . ) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي ( وباله وقرئ اجرامي على الجمع ) وأنا بريء مما تجرمون ( من اجرامكم في اسناد الافتراء الي هود : ( 36 ) وأوحي إلى نوح . . . . . ) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس ( فلا تحزن ولا تتأسف ) بما كانوا يفعلون ( أقنطه الله تعالى من إيمانهم ونهاه أن يغتم بما فعلوه من التكذيب والايذاء ________________________________________ " صفحة رقم 233 " هود : ( 37 ) واصنع الفلك بأعيننا . . . . . ) واصنع الفلك بأعيننا ( ملتبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس الذي يحفظ به الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل ) ووحينا ( إليك كيف تصنعها ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم ) إنهم مغرقون ( محكوم عليهم بالاغراق فلا سبيل إلى كفه هود : ( 38 ) ويصنع الفلك وكلما . . . . . ) ويصنع الفلك ( حكاية حال ماضية ) وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ( استهزؤوا به لعمله السفينة فإأنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء اوان عزته وكانوا يضحكون منه ويقولون له صرت نجارا بعدما كنت نبيا ) قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( إذا أخذكم الغرق في ادلنيا والحرق في الآخرة وقيل المراد بالخسرة ي الاستجهال هود : ( 39 ) فسوف تعلمون من . . . . . ) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ( يعني به اياهم وبالعذاب الغرق ) ويحل عليه ( وينزل عليه أو يحل حلول الدين الذي لا انفكاك عنه ) عذاب مقيم ( دائم وهو عذاب النار هود : ( 40 ) حتى إذا جاء . . . . . ) حتى إذا جاء أمرنا ( غاية لقوله ) ويصنع الفلك ( وما بينهما حال من الضمير فيه أو حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام ) وفار التنور ( نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور ________________________________________ " صفحة رقم 234 " ) التنور ( تنور الخبز ابتدأ منه النبوع على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها أو ي الهند أو بعين وردة من ارض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو اشرف موضع فيها ) قلنا احمل فيها ( في السينة ) من كل ( من كل نوع من لاحيوانات المنتفع بها ) زوجين اثنين ( ذكراص وأنثى هذا على قراءة حفص والباقون اضافوا على معنى احمل اثنين من كل صنف ذكر وصنف أنثى ) وأهلك ( عطف على ) زوجين ( أو ) اثنين ( والمرا امرأته وبنوه ونساؤهم ) إلا من سبق عليه القول ( بأنه من المغرقين يريد ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين ) ومن آمن ( والمؤمنين من غيرهم ) وما آمن معه إلا قليل ( قيل كانوا تسعة وسبعين زوجته المسلمة وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم روي انه عليه الصلاة والسلام اتخذ السفينة في سنتين من الساج وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين وسمكها ثلاثين وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في اسفلها الدواب والوحش وفي اوسطها الأنس وفي اعلاها الطير هود : ( 41 ) وقال اركبوا فيها . . . . . ) وقال اركبوا فيها ( أي صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لأنها في الماء كالمركوب في الأرض ) بسم الله مجراها ومرساها ( متصل ب ) اركبوا ( حال من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين باسم الله وقت اجرائها وارسائها أو مكانهما على أن المجرى والمرسى للوقت أو المكان أو المصدر والمضاف محذوف كقولهم آتيك خفوق النجم وانتصابهما بما قدرناه حالا ويجوز رعفهما ب ) بسم الله ( على أن المراد بهما المصدر أو جملة من مبتدأ وخبر أي إجراؤها ) بسم الله ( على أن ) بسم الله ( خير أو صلة والخبر محذوف وهي أما جملة مقتضية لا تعلق لها بما قبلها أو حال مقدرة من الوار أو الهاء وروي انه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله ________________________________________ " صفحة رقم 235 " فرست ويجوز أن يكون الاسم مقحما كقوله " ثم اسم السلام عليكما " وقرأ حمزة والكسائي وعاصم برواية حفص ) مجراها ( بالفتح من جرى وقرئ ) مرساها ( أيضا من رسا وكلاهما يحتمل الثلاثة ومجريها ومرسيها بلفظ الفاعل صفتين لله ) إن ربي لغفور رحيم ( أي لولا مغفرته لفرطاتكم ورحمته اياكم لما نجاكم هود : ( 42 ) وهي تجري بهم . . . . . ) وهي تجري بهم ( متصل بمحذوف دل عليه ) اركبوا ( فركبوا مسمين وهي تجري وهم فيها ) في موج كالجبال ( في مومج من الطوفان وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه كل موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها وما قيل من أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه ليس بثابت والمشهور انه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعا وإن صح فلعل ذلك قبل التطبيق ) ونادى نوح ابنه ( كنعان وقرئ / ابنها / و ) ابنه ( بحذف الألف على أن الضمير لامرأته وكان ربيبه وقيل كان لغير رشدة لقوله تعالى ) فخانتاهما ( وهو خطأ إذ الأنبياء عصمن من ذلك والمراد بالخيانة الخيانة في الدين وقرئ / ابناها / على الندبة ولكونها حكاية سوغ حذف الحرف ) وكان في معزل ( ________________________________________ " صفحة رقم 236 " عزل فيه نفسه عن أبيه أو عن دينه مفعل للمكان من عزله عنه إذا أبعده ) يا بني اركب معنا ( في السفينة والجمهور كسروا الياء ليدل على ياء الاضافة المحذوفة في جميع القرآن غير ابن كثير فإنه وقف عليها في لقمان في الموضع الأول باتفاق الرواة وفي الثالث في رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ها هنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الاضافة وختلفت الرواية عنه في سائر المواضع وقد ادغم الباء في المميم أبو عمرو الكسائي وحفص لتقاربهما ) ولا تكن مع الكافرين ( في الدين والانعزال هود : ( 43 ) قال سآوي إلى . . . . . ) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ( أن يغرقني ) قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ( إلا الراحم وهو الله تعالى أو الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون رد بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به إلا معتصم المؤمنين وهو منقطع أي لكن من رحمه الله يعصمه ) وحال بينهما الموج ( بين نوح وابنه أو بين ابنه والجبل ) فكان من المغرقين ( فصار من المهلكين بالماء هود : ( 44 ) وقيل يا أرض . . . . . ) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ( نوديا بما ينادى به اولوا العلم وامرا بما يؤمرون به تمثيلا لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكونيه فيهما بالأمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال آمره مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه والبلغ النشف والاقلاع والامساك ) وغيض الماء ( نقص ) وقضي الأمر ( وانجز ما وعد من ________________________________________ " صفحة رقم 237 " إهلاكح الكافرين وانجاء المؤمنين ) واستوت ( واستقرت السفينة ) على الجودي ( جبل بالموصل وقيل بالشام وقيل بآمل روي انه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عنها عاشر المحرم فصام ذلك اليوم فصار ذلك سنة ) وقيل بعدا للقوم الظالمين ( هلاكا لهم يقال بعد بعداص وبعداص إذا ابعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده ثم استعير للهلاك وخص بدعاء السوء والاية في غاية الفصاحة لفخامة لفظها وحسن نظمها والدلالة على كنه الحال مع الايجاز الخالي عن الاخلال وفي ايراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل وانه متعين في نفسه مستغن عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الأفعال لا يقدر علهيا سوى الواحد القهار هود : ( 45 ) ونادى نوح ربه . . . . . ) ونادى نوح ربه ( وأراد نداءه بدليل عطف قوله ) فقال رب إن ابني من أهلي ( فأنه النداء ) وإن وعدك الحق ( وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله أو فما له لم ينج ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه ) وأنت أحكم الحاكمين ( لأنك اعلمهم وأعدلهم أو لانك اعلمهم وأعدلهم أو لأنك اكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع هود : ( 46 ) قال يا نوح . . . . . ) قال يا نوح إنه ليس من أهلك ( لقطع الولاية بين المؤمن والكافر واشار إليه بقوله ) إنه عمل غير صالح ( فإنه تعليل لنفي كونه من أهله وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل لمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة " ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي اقبال وادبار " ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحا بالمناقضة بين وصفها وانتفاء ما اوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه وقرأ الكسائي ويعقوب ) إنه عمل غير صالح ( أي عمل عملا غير صالح ) فلا تسألن ما ليس لك به علم ( ما لا تعلم اصواب هو أم ليس كذلك وإنما سمي نداءه سؤالا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأنه ولده أو استفساره المانع للانجاز ________________________________________ " صفحة رقم 238 " في حقه وانما سماه جهلا وزجر عنه بقوله ) إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال واغناه عن السؤال لكن اشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر وقرأ ابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك نافع وانب عامر غير انهما كسرا النون على أن اصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع بروغاية رويس اثباتها في الوصل هود : ( 47 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ( فيما يستقبل ) ما ليس لي به علم ( ما لا علم لي بصحته ) وإلا تغفر لي ( وإن لم تغفر لي ما فرط مني في السؤال ) وترحمني ( بالتوبة والتفضل علي ) أكن من الخاسرين ( اعمالا هود : ( 48 ) قيل يا نوح . . . . . ) قيل يا نوح اهبط بسلام منا ( أنزل من السفينة مسلما من المكاره من جهتنا أو مسلما عليك ) وبركات عليك ( ومباركا عليك أو زيادات في نسلك حتى تصير آدما ثانيا وقرئ ) اهبط ( بالضم بركة على التوحيد وهو الخير النامي ) وعلى أمم ممن معك ( وعلى امم هم الذين معك سموا أمما لتحزبهم أو لتشعب الأمم منهم أو وعلى امم ناشئة ممن معك والمراد بهم المؤمنون لقوله ) وأمم سنمتعهم ( أي وممن معك امم سنمتعهم في الدنيا ) ثم يمسهم منا عذاب أليم ( في الآخرة والمراد بهم الكفار من ذرية من معه وقيل هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب والعذاب ما نزل بهم هود : ( 49 ) تلك من أنباء . . . . . ) تلك ( إشارة إلى قصة نوح ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها ) من أنباء الغيب ( أي بعضها ) نوحيها إليك ( خبر ثان والضمير لها أي موحاة إليك أو حال من ال ) أنباء ( أو ________________________________________ " صفحة رقم 239 " هو الخبر و ) من أنباء ( متعلق به أو حال من الهاء في ) نوحيها ( ) ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك من قبل ايحائنا إليك أو حال من الهاء في نوحيها أو الكاف في ) إليك ( أي جاهلا أنت وقومك بها وفي ذكرهم تنبيه على انه لم يتعلمها إذ لم يخالط غيرهم وأنهم مع كثرتهم لما لم يسمعوها فكيف بواحد منهم ) فاصبر ( على مشاق الرسالة وأذية القوم كما صبر نوح ) إن العاقبة ( في الدنيا بالظفر وفي الآخرة بالفوز ) للمتقين ( عن الشرك والمعاصي هود : ( 50 ) وإلى عاد أخاهم . . . . . ) وإلى عاد أخاهم هودا ( عطف على قوله ) نوحا إلى قومه ( و ) هودا ( عطف بيان ) قال يا قوم اعبدوا الله ( وحده ) ما لكم من إله غيره ( وقرئ بالجر حملا على المجرور وحده ) إن أنتم إلا مفترون ( على الله باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء هود : ( 51 ) يا قوم لا . . . . . ) يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني ( خاطب كل رسول به قومه ازاحة للتهمة وتمحيضا للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع ) أفلا تعقلون ( أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ هود : ( 52 ) ويا قوم استغفروا . . . . . ) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( اطلبوا مغفرة الله بالأيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضا التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله والرغبة فيما عنده ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( كثير الدر ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( ويضاعف قوتكم وانما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع عمارات وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم ارحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإيمان والتوبة بكثرة الامطار وتضاعف القوة بالتناسل ) ولا تتولوا ( ولا تعرضوا عما ادعوكم إليه ) مجرمين ( مصرين على اجرامكم هود : ( 53 ) قالوا يا هود . . . . . ) قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ( بحجة تدل على صحة دعواك وهو لفرط عنادهم وعدم ________________________________________ " صفحة رقم 240 " اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات ) وما نحن بتاركي آلهتنا ( بتاركي عبادتهم ) عن قولك ( صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي ) وما نحن لك بمؤمنين ( اقناط له من الإجابة والتصديق هود : ( 54 ) إن نقول إلا . . . . . ) إن نقول إلا اعتراك ( ما نقول إلا قولنا ) اعتراك ( أي اصابك من عراه يعروه إذا أصابه ) بعض آلهتنا بسوء ( بجنون لسبك إياها وصدك عنها ومن ذلك تهذي وتتكلم بالخرافات والجملة مقول القول وألا لغو لأن الاستثناء مفرغ ) قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون ) هود : ( 55 - 56 ) من دونه فكيدوني . . . . . ) من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ( اجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من لآآلهتهم وفراغه عن اضرارهم تأكيدا لذلك تثبيتا له وأمرهم بأن يشهدوا علهي استهانة بهم وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير انظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا انهم عجزوا عن آخرهم وهم الاقوياء الاشداء أن يضروه لم يبق لهم شبيهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاما منه وهذا من جملة معزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى اراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله وتثبطهم عن اضراره ليس إلا بعصمته إياه ولذلك عقبه بقوله ) إني توكلت على الله ربي وربكم ( تقريرا له والمعنى انكم وان بذلتم غاية وسعكم ________________________________________ " صفحة رقم 241 " لن تضروني فإن متوكل على الله واثق بكلاءته وهو مالكي ومالككم لا يحيق بي ما لم يرده ولا يقدرو على ما لم يقدره ثم برهن علهي بوقله ) ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ( أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والاخذ بالنواصي تمثيل لذلك ) إن ربي على صراط مستقيم ( أي انه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم هود : ( 57 ) فإن تولوا فقد . . . . . ) فإن تولوا ( فإن تتولوا ) فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ( فقد أديت ما علي من الابلاغ والزام الحجة فلا تفريط مني ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به اليكم ) ويستخلف ربي قوما غيركم ( استئناف بالوعيد لهم بأن الله يهلكهم ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم أو عطف على الجواب بالفاء ويؤيده القراءة بالجزم على الموضع كأنه قيل وإن تتولا يعذرني ربي ويستخلف ) ولا تضرونه ( لتوليكم ) شيئا ( من الضرر ومن جزم يستخلف اسقط النون منه ) إن ربي على كل شيء حفيظ ( رقيب فلا تخفى علهي أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم أو حافظ مستول عليه فلا يمكن أن يضره شيء هود : ( 58 ) ولما جاء أمرنا . . . . . ) ولما جاء أمرنا ( عذابنا أو امرنا العذاب ) نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ( وكانوا أربعة آلاف ) ونجيناهم من عذاب غليظ ( تكرير لبيان ما نجاهم منه وهو السموم كانت تدخل انوف الكفرة وتخرج من ادبارهم فتقطع اعضاءهم أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضا والتعريض بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ هود : ( 59 ) وتلك عاد جحدوا . . . . . ) وتلك عاد ( أنت اسم الاشارة باعتبار القبيلة أو لان الاشارة إلى قبورهم وآثارهم ) جحدوا بآيات ربهم ( كفروا بها ) وعصوا رسله ( لأنهم عصوا رسولهم ومن عصي ________________________________________ " صفحة رقم 242 " رسولا فكأنما عصى الكل لأنهم امروا بطاعة كل رسول ) واتبعوا أمر كل جبار عنيد ( يعني كبراءهم الطاغين و ) عنيد ( من عند عندا وعندا وعنودا إذا طغى والمعنى عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم واطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم هود : ( 60 ) وأتبعوا في هذه . . . . . ) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ( أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم في العذاب ) ألا إن عادا كفروا ربهم ( جحدوه أو كفروا نعمه أو كفروا به فحذف الجار ) ألا بعدا لعاد ( دعاء عليهم بالهلاك والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكي عنهم وانما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعا لأمرهم وحثا على الاعتبار بحالهم ) قوم هود ( عطف بيان لعاد وفائدته تمييزهم عن عاد الثانية عاد إرم والايماء إلى أن استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود هود : ( 61 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . . ) وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض ( هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب ) واستعمركم فيها ( عمركم فيها واستبقاكم من العمر أو اقدركم على عمارتها وأمركم بها وقيل هو من العمرى بمعنى اعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام اعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم ) فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب ( قريب الرحمة ) مجيب ( لداعيه هود : ( 62 ) قالوا يا صالح . . . . . ) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ( لما نرى فيك من مخايل الرشد ________________________________________ " صفحة رقم 243 " والسداد أن تكون لنا سيدا ومستشارا في الأمور أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك ) أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ( على حكاية الحال الماضية ) وإننا لفي شك مما تدعونا إليه ( من التوحيد والتبري عن الأوثان ) مريب ( موقع في الريبة من أرابه أو ذي ريبة على الإسناد المجازي من اراب في الأمر هود : ( 63 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( بيان وبصيرة وحرف الشك باعتبار المخاطبين ) وآتاني منه رحمة ( نبوة ) فمن ينصرني من الله ( فمن يمنعني من عذابه ) إن عصيته ( في تبليغ رسالته والمنع عن الاشراك به ) فما تزيدونني ( إذن باستتباعكم اياي ) غير تخسير ( غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به والتعرض لعذابه أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران هود : ( 64 ) ويا قوم هذه . . . . . ) ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ( انتصب آية على الحال وعاملها معنى الاشارة ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها ) فذروها تأكل في أرض الله ( ترع نباتها وتشرب ماءها ) ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ( عاجل لا يتراخى عن مسكهم لها بالسوء إلا يسيرا وهو ثلاثة أيام هود : ( 65 ) فعقروها فقال تمتعوا . . . . . ) فعقروها فقال تمتعوا في داركم ( عيشوا في منازلكم أو في داركم الدنيا ) ثلاثة أيام ( الأربعاء والخميس والجمعة ثم تهلكون ) ذلك وعد غير مكذوب ( أي غير مكذوب فيه فاتسع فيه باجرائه مجرى المفعول به كقوله " ويوم شهدناه سليما وعامرا " أو غير مكذوب على المجاز وكأن الواعد قال له أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه أو وعد غير كذب على انه مصدر كالمجلود والمعقول ________________________________________ " صفحة رقم 244 " هود : ( 66 ) فلما جاء أمرنا . . . . . ) فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ ( أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة وعن نافع ) يومئذ ( بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله ) من عذاب يومئذ ( ) إن ربك هو القوي العزيز ( القادر على كل شيء والغالب عليه هود : ( 67 ) وأخذ الذين ظلموا . . . . . ) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( قد سبق تفسير ذلك في سورة الاعراف هود : ( 68 ) كأن لم يغنوا . . . . . ) كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ( نونه أبو بكر ها هنا وفي النجم والكسائي في جميع القرآن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله ) ألا بعدا لثمود ( ذهابا إلى الحي أو الاب الأكبر هود : ( 69 ) ولقد جاءت رسلنا . . . . . ) ولقد جاءت رسلنا إبراهيم ( يعني الملائكة قيل كانوا تسعة وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل ) بالبشرى ( ببشارة الولد وقيل بهلاك قوم لوط ) قالوا سلاما ( سلمنا عليك سلاما ويجوز نصبه ب ) قالوا ( على معنى ذكروا سلاما ) قال سلام ( أي امركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام رعفه اجابة بأحسن من تحيتهم وقرأ حمزة والكسائي ) سلم ( وذلك في الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح ) فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ( فما أبطأ مجيئه به أو فما ابطأ في المجيء به أو فما تأخر عنه والجار في ) إن ( مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف وقيل الذي يفطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال لقوله ) بعجل سمين ( ________________________________________ " صفحة رقم 245 " هود : ( 70 ) فلما رأى أيديهم . . . . . ) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ( لا يمدون إليه أيديهم ) نكرهم وأوجس منهم خيفة ( أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروها ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والايجاس الادراك وقيل الاضمار ) قالوا ( له لما احسوا منه اثر الخوف ) لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( أنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب وانما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل هود : ( 71 ) وامرأته قائمة فضحكت . . . . . ) وامرأته قائمة ( وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة ) فضحكت ( سرورا بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإبراهيم اضمم إليك لوطا فإني أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر " وعهدي بسلمي ضاحكا في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما " ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء ) فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب وقيل انه معطوف على موضع ) بإسحاق ( أو على لفظ ) إسحاق ( وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف وقرأ الباقون بالرفع على انه مبتدأ ________________________________________ " صفحة رقم 246 " وخبره الظرف أي و ) يعقوب ( مولود من بعده وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون اضافته إلى ) إسحاق ( ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه بل من حيث انه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد هود : ( 72 ) قالت يا ويلتى . . . . . ) قالت يا ويلتى ( يا عجبا وأصله في الشر فأطلق على كل أمر فظيع وقرئ بالياء على الأصل ) أألد وأنا عجوز ( ابنة تسعين أو تسع وتسعين ) وهذا بعلي ( زوجي وأصله القائم بالأمر ) شيخا ( ابن مائة أو مائة وعشرين ونصبه على الحال والعالم فيها معنى اسم الاشارة وقرئ بالرفع على انه خبر محذوف أي هو شيخ أو خبر بعد خبر أو هو الخبر و ) بعلي ( بدل ) إن هذا لشيء عجيب ( يعني الولد من هرمين وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ولذلك هود : ( 73 ) قالوا أتعجبين من . . . . . ) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( منكرين عليها فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات وتخصيصهم بمزي النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلا عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات أهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم اللهم اغفر لنا ايتها العصابة ) إنه حميد ( فاعل ما يستوجب به الحمد ) مجيد ( كثير الخير والاحسان هود : ( 74 ) فلما ذهب عن . . . . . ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع ( أي ما اوجس م الخيفة واطمأن قلبه بعرفانهم ) وجاءته البشرى ( بدل الورع ) يجادلنا في قوم لوط ( يجادل رسلنا في شأنهم ومجادلته اياهم قوله ) إن فيها لوطا ( وهو أما جواب لما جيء به مضارعا على حكاية ________________________________________ " صفحة رقم 247 " الحال أو لانه في سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو أو دليل جوابه المحذوف مثل اجترأ على خطابنا أو شرع في جدالنا أو متعلق به أقيم مقامه مثل اخذ أو اقبل يجادلنا هود : ( 75 ) إن إبراهيم لحليم . . . . . ) إن إبراهيم لحليم ( غير عجول على الانتقام من المسيء إليه ) أواه ( كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس ) منيب ( راجع إلى الله والمقصود من ذلك بيان الحامل له على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه هود : ( 76 ) يا إبراهيم أعرض . . . . . ) يا إبراهيم ( على إرادة القول أي قالت الملائكة ) يا إبراهيم ( ) أعرض عن هذا ( الجدال ) إنه قد جاء أمر ربك ( قدره بمقتضى قضائه الازلي بعذابهم وهو اعلم بحالهم ) وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ( مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك هود : ( 77 ) ولما جاءت رسلنا . . . . . ) ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ( ساءه مجيئهم لانهم جاؤوه في صورة غلمان فظن انهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم ) وضاق بهم ذرعا ( وضاق بمكانهم صدره وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه ) وقال هذا يوم عصيب ( شديد من عصبه إذا شده هود : ( 78 ) وجاءه قومه يهرعون . . . . . ) وجاءه قومه يهرعون إليه ( يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من اضيافه ) ومن قبل ( أي ومن قبل ذلك الوقت ) كانوا يعملون السيئات ( الفوماحش فتمرونوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين ) قال يا قوم هؤلاء بناتي ( فدى بهن اضيافه كرما وحمية والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن قبل فلا ________________________________________ " صفحة رقم 248 " يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه أو اظهارا لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود ) وأزواجه أمهاتهم ( وهو اب لهم ) هن أطهر لكم ( انظف فعلا وأقل فحشا كقولك الميتة اطيب من المغصوب واحل منه وقرئ ) أطهر ( بالنصب على الحال على أن هن خبر بناتي كقولك هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها ) فاتقوا الله ( بترك الفواحش أو بايثارهن عليهم ) ولا تخزون ( ولا تفضحوني من الخزي أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء ) في ضيفي ( في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل اخزاؤه ) أليس منكم رجل رشيد ( يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح هود : ( 79 ) قالوا لقد علمت . . . . . ) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ( من حاجة ) وإنك لتعلم ما نريد ( وهو اتيان الذكران هود : ( 80 ) قال لو أن . . . . . ) قال لو أن لي بكم قوة ( لو قويت بنفسي على دفعكم ) أو آوي إلى ركن شديد ( إلى قوي ابلغ به عنكم شبهه بركن الجبل في شدته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد وقرئ ) أو آوي ( بالنصب بإضمار أن كأنه قال لو أن لي بكم قوة أو أويا وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم روي أنه أغلق بابه دون اضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب ________________________________________ " صفحة رقم 249 " هود : ( 81 ) قالوا يا لوط . . . . . ) قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ( لن يصلوا إلى اضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا واياهم فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس اعينهم واعماهم فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة ) فأسر بأهلك ( بالقطع من الاسراء وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرآن من السري ) بقطع من الليل ( بطائفة منه ) ولا يلتفت منكم أحد ( ولا يتخلف أو لا ينظر إلى وراسه والنهي في اللفظ أحد وفي المعنى للوط ) إلا امرأتك ( ايتثناء من قوله ) فأسر بأهلك ( ويدل عليه انه قرئ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض لك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من أحد ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في انه خلفها مع قومها أو اخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها لأن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة والاولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله ) ولا يلتفت ( مثله في قوله ) ما فعلوه إلا قليل ( ولا يبعد أن يكون ________________________________________ " صفحة رقم 250 " أكثر القراء على غير الافصح ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحا ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله ) إنه مصيبها ما أصابهم ( ولا يحسن جعل الاستثناء منطقعا على قراءة الرفع ) إن موعدهم الصبح ( كأنه علة الأمر بالاسراء ) أليس الصبح بقريب ( جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب هود : ( 82 ) فلما جاء أمرنا . . . . . ) فلما جاء أمرنا ( عذابنا أو أمرنا به ويؤيده الأصل وجعل التعذيب مسببا عنه بقوله ) جعلنا عاليها سافلها ( فإنه جواب لما وكان حقه جعلوا عاليها سافلها أي الملائكة ________________________________________ " صفحة رقم 251 " المأمورون به فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب تعظيما للامر فإنه روي أن جبريل علهي السلام ادخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم ) وأمطرنا عليها ( على المدن أو على شذاذها ) حجارة من سجيل ( من طين متحجر لقوله ) حجارة من طين ( واصله سنك كل فعرب وقيل إنه من أسجله إذا أ سله أو أدر عطيته والمعنى من مثل الشيء المرسل أو من مثل العطية في الادرار أو من السجل أي مما كتب الله أن يعذبهم به وقيل اصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاما ) منضود ( نضد معدا لعذابهم أو نضد في الارسال بتتابع بعضهم بعضا كقطار الامطار أو نضد بعضه على بعض والصق به هود : ( 83 ) مسومة عند ربك . . . . . ) مسومة ( معلمة للعذاب وقيل معلمة ببياض وحمرة أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض أو باسم من يرمى بها ) عند ربك ( في خزائنه ) وما هي من الظالمين ببعيد ( فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم وفيه وعيد لكل ظالم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه سأل جبريل عليه السلام فقال يعني ظالمي امتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ________________________________________ " صفحة رقم 252 " ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان هود : ( 84 ) وإلى مدين أخاهم . . . . . ) وإلى مدين أخاهم شعيبا ( أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان ( أمرهم بالتوحيد اولا فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عنما اعتادوه من البخس في المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض ) إني أراكم بخير ( بسعة تغنيكم عن البخس أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شركا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم أو بسعة فلا تزيلوها مما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي ) وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( لا يشذ منه أحد منكم ومقيل عذاب مهلك من قوله ) وأحيط بثمره ( والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالاحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه هود : ( 85 ) ويا قوم أوفوا . . . . . ) ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ( صرح بالأمر بالايفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على انه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف بل يلزمهم السعي في الايفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدوها ) بالقسط ( بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان فإن الازدياد ايفاء وهو مندوب غير مأمور به وقد يكون محظورا ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( تعميم بعد تخصيص فإنه اعم من أن يكون في المقدار أو في غيره وكذا قوله ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( فإن العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العشور في المعاملات والعثو السرعة وقطع الطريق والغارة وفائدة الحال إخراج ما يقصط به الاصلاح كما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام قيل معناه ولا تعثوا في الأرض مفسدين في أمر دينكم ومصالح آخرتكم هود : ( 86 ) بقية الله خير . . . . . ) بقية الله ( ما ابقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم ) خير لكم ( مما تجمعون بالتطفيف ) إن كنتم مؤمنين ( بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالأيمان أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم وقيل البقية الطاعة ________________________________________ " صفحة رقم 253 " كقوله ) والباقيات الصالحات ( وقرئ / تقية / الله بالتاء وهي تقواه التي تكف عن المعاصي ) وما أنا عليكم بحفيظ ( احفظكم عن القبائح أو احفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها وانما أنا ناصح مبلغ وقد اعذرت حين انذرت أو لست بحافظ عليكم نعم الله لو لم تتركوا سوء صنيعكم هود : ( 87 ) قالوا يا شعيب . . . . . ) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ( من الاصنام أجابوا به آمرهم بالتوحيد على الاستهزاء به والتهكم بصلواته والاشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقلي وانما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه وكان شعيب كثير الصلاة فلذلك جمعوا وخصوا الصلاة بالذكر وقرأ حمزة والكسائي وحفص على الأفراد والمعنى اصلواتك تأمرك بتكليف أن نترك فحذف المضاف لأن الرجل لا يؤمر بفعل غيره ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( عطف على ما أي وان نترك فعلنا ما نشاء في اموالنا وقرئ بالتاء فيهما على أن العطف على ) أن نترك ( وهو جواب النهي عن التطفيف والأمر بالايفاء وقيل كان ينهاهم عن تقطيع الدراهم والدنانير فأرادوا به ذلك ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( تهكموا به وقصدوا وصفه بضد ذلك أو عللوا انكار ما سمعوا منه واستبعاده بأنه موسوم بالحلم والرشد المانعين عن المبادرة إلى امثال ذلك هود : ( 88 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( إشارة إلى ما آتاه الله من العلم والنبوة ) ورزقني منه رزقا حسنا ( إشارة إلى ما آتاه الله من المال الحلال وجواب الشرط محذوف ________________________________________ " صفحة رقم 254 " تقديره فهل يسع مع هذا الأنعام الجامع للسعادات الروحانية والجسمانية أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره ونهيه وهو اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الاباء والضمير في ) منه ( لله أي من عنده وبإعانته بلا كد مني في تحصيله ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أي وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه لأسبتبد به دونكمن فلو كان صوابا لآثرته ولم اعرض عنه فضلا عن أن انهى عنه يقال خالفت زيدا إلى كذا إذا قصدته وهو مول عنه وخالفته عنه إذا كان الأمر بالعكس ) إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ( ما أريد إلا أن اصلحكم بأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر ما دمت اتسطيع الاصلاح فلو وجدت الصلاح فيما أنتم عليه لما نهيتكم عنه ولهذه الاجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة اهمها واعلاها حق الله تعالى وثانيها حق النفس وثالثها حق الناس وكل ________________________________________ " صفحة رقم 255 " ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم به وانهاكم عما نهيتكم عنه و ) ما ( مصدرية واقعة موقع الظروف وقيل خبرية بدل من ) الإصلاح ( أي المقدار الذي استطعته أو اصلاح ما استطعته فحذف المضاف ) وما توفيقي إلا بالله ( وما توفيقي لاصابة الحق والصواب إلا بهدايته ومعونته ) عليه توكلت ( فإنه القادر المتمكن من كل شيء وما عداه عاجز في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار وفيه إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ ) وإليه أنيب ( إشارة إلى معرفة المعاد وهو أيضا يفيد الحصر بتقديم الصلة على الفعل وفي هذه الكلمات طلب التوفيق لاصابة الحق فيما يأتيه ويذره من الله تعالى والاستعانة به في مجامع أمره والإقبال عليه بشراشره وحسم اطماع الكفار واظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم بالرجوع إلى الله للجزاء هود : ( 89 ) ويا قوم لا . . . . . ) ويا قوم لا يجرمنكم ( لا يكسبنكم ) شقاقي ( معاداتي ) أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ( من الغرق ) أو قوم هود ( من الريح ) أو قوم صالح ( من الرجفة و ) إن ( بصلتها ثاني مفعولي جزم فإنه يعدى إلى واحد والاول افصح فإن اجرم اقل دورانا على السنة الفصحاء وقرئ ) مثل ( بالفتح لاضافته إلى المبني كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 256 " " لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة ف يغصون ذات ارقال " ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( زمانا أو مكانا فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعبروا بهم أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فلا يبعد عنكم ما اصابهم وافراد البعيد لان المراد وما اهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ولا يبعد أن يسوى في امثاله بين المذكر والمؤنث لأنها على زنة المصادر كالصهيل والشهيق هود : ( 90 ) واستغفروا ربكم ثم . . . . . ) استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( عما أنتم عليه ) إن ربي رحيم ( عظيم الرحمة للتائبين ) ودود ( فاعل بهم من اللطف والاحسان ما يفعل البليغ المودة بمن يوده وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار هود : ( 91 ) قالوا يا شعيب . . . . . ) قالوا يا شعيب ما نفقه ( ما نفهم ) كثيرا مما تقول ( كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم وقيل قالا ذلك استهانة بكلامه أو لأنهم لم يلقوا إليه اذهانهم لشدة نفرتهم عنه ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءا أو مهينا لا عز لك وقيل اعمى بلغة حمير وهو مع ________________________________________ " صفحة رقم 257 " عدم مناسبته يرده التقييد بالظرف ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى قياسا على القضاء والشهادة والفرق بين ) ولولا رهطك ( قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة ) لرجمناك ( لقتلناك برمي الاحجار أو بأصعب وجه ) وما أنت علينا بعزيز ( فتمنعنا عزتك عن الرجم وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والايات بالسب والتهديد وفي ايلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة وان المانع لهم عن ايذائه عزة قومه ولذلك هود : ( 92 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ( وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به والاهانة بروسله فلا تبقون علي لله وتبقون علي لرهطي وهو يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب و ) ظهريا ( منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب ) إن ربي بما تعملون محيط ( فلا يخفى عليه شيء منها فيجازي عليها هود : ( 93 ) ويا قوم اعملوا . . . . . ) ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ( سبق مثله في سورة الأنعام والفاء في ف ) سوف تعلمون ( ثمة للتصريح بأن الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك وحذفها ها هنا لأنه جواب سائل قال فماذا يكون بعد ذلك فهو ________________________________________ " صفحة رقم 258 " ابلغ في التهويل ) ومن هو كاذب ( عطف على من يأتيه لا لأنه قسيم له كقولك ستعلم الكاذب والصادق بل لأنهم لما أوعدوه وكذبوه قال سوف تعلمون من المعذب والكاذب مني ومنكم وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الأول إليهم والثاني إليه لكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال ومن هو كاذب على زعمهم ) وارتقبوا ( وانتظروا ما أقول لكم ) إني معكم رقيب ( منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع هود : ( 94 ) ولما جاء أمرنا . . . . . ) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا ( إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله ) وعد غير مكذوب ( وقوله ) إن موعدهم الصبح ( فلذلك جاء بفاء السببية ) وأخذت الذين ظلموا الصيحة ( قيل صاح بهم جبريل عليهم السلام فهلكوا ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( ميتين واصل الجثوم اللزوم في المكان هود : ( 95 ) كأن لم يغنوا . . . . . ) كأن لم يغنوا فيها ( كأن لم يقيموا فيها ) ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ( شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضا بالصيحة غير أن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم وقرئ ) بعدت ( بالضم على الأصل فإن الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك والبعد مصدر لهما والبعد مصدر المكسور هود : ( 96 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . . ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( بالتوراة أو المعجزات ) وسلطان مبين ( وهو المعجزات القاهرة أو العصا وإفرادها بالذكر لأنها أبهرها ويجوز أن يراد بهما أحد أي ________________________________________ " صفحة رقم 259 " ولقد ارسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوته واضحا في نفسه أو موضحا إياها فإن ابان جاء لازما ومتعديا والفرق بينهما أن الآية تعم الامارة والدليل القاطع والسلطان يخص بالقاطع والمبين يخص بما فيه جلاء هود : ( 97 ) إلى فرعون وملئه . . . . . ) إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون ( فاتبعوا أمره بالكفر بموسى أو فما تبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة واتبعوا طريقة فعرون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفي فساده على من له ادنى مسكة من العقل لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم ) وما أمر فرعون برشيد ( مرشد أو ذي رشد وانما هو غي محض وضلال صريح هود : ( 98 ) يقدم قومه يوم . . . . . ) يقدم قومه يوم القيامة ( إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال قدم بمعنى تقدم ) فأوردهم النار ( ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء فسمى اتيانا موردا ثم قال ) وبئس الورد المورود ( أي بئس المورد الذي وردوه فإنه يراد لتبريد الاكباد وتسكين العطش والنار بالضد والاية كالدليل على قوله ) وما أمر فرعون برشيد ( فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد أو تفسير له على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها هود : ( 99 ) وأتبعوا في هذه . . . . . ) وأتبعوا في هذه ( الدنيا ) لعنة ويوم القيامة ( أي يلعنون في الدنيا والاخرة ) بئس الرفد المرفود ( بئس العون المعان أو العطاء المعطى واصل الرفد ما يضاف إلى ________________________________________ " صفحة رقم 260 " غير ليعمده والمخصوص بالذم حذوف أي رفدهم وهو اللعنة في الدارين هود : ( 100 ) ذلك من أنباء . . . . . ) ذلك ( أي ذلك النبأ ) من أنباء القرى ( المهلكة ) نقصه عليك ( مقصوص عليك ) منها قائم ( من تلك القرى باق كالزرع القائم ) وحصيد ( ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود والجملة مستأنفة وقيل حال من الهاء في نقصه وليس بصحيح إذ لا واو ولا ضمير هود : ( 101 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . . ) وما ظلمناهم ( بإهلاكنا اياهم ) ولكن ظلموا أنفسهم ( بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه ) فما أغنت عنهم ( فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم بل ضرتهم ) آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ( حين جاءهم عذابه ونقمته ) وما زادوهم غير تتبيب ( هلاك أو تخسير هود : ( 102 ) وكذلك أخذ ربك . . . . . ) وكذلك ( ومثل ذلك الأخذ ) أخذ ربك ( وقرئ ) أخذ ربك ( بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر ) إذا أخذ القرى ( أي أهلها وقرئ إذ لان المعنى على المضي ) وهي ظالمة ( حال من ) القرى ( وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما اقيمت مقامه اجريت عليها وفائدتها الاشعار بأنهم اخذوا بظلمهم وانذار كل ظالم ظلم نفسه أو غيره من وخامة العاقبة ) إن أخذه أليم شديد ( وجيع غير مرجو الخلاص منه وهو مبالغة في التهديد والتحذير ________________________________________ " صفحة رقم 261 " هود : ( 103 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك ( أي فيما نزل بالأمم الهالكة أو فيما قصه الله تعالى من قصصهم ) لآية ( لعبرة ) لمن خاف عذاب الآخرة ( يعتبر به عظمته لعلمه بأن ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة أو ينزجر به عن موجباته لعلمه بأنها من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها ) وذلك ( إشارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة دل عليه ) يوم مجموع له الناس ( أي يجمع له الناس والتغيير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه من شأنه لا محالة وأن الناس لا ينفكون عنه فهو أبلغ من قوله ) يوم يجمعكم ليوم الجمع ( ومعنى الجمع له الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة ) وذلك يوم مشهود ( أي مشهود فيه أهل السموات والأرضين فاتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول به كقوله " في محفل من نواصي الناس مشهود " أي كثير شاهدوه ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك هود : ( 104 ) وما نؤخره إلا . . . . . ) وما نؤخره ( أي اليوم ) إلا لأجل معدود ( إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية على حذف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود هود : ( 105 ) يوم يأت لا . . . . . ) يوم يأتي ( أي الجزاء أو اليوم كقوله ) أو تأتيهم الساعة ( على أن ) يوم ( بمعنى حين أو الله عز وجل كقوله تعالى ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل ( ونحوه وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) يأت ( بحذف الياء اجتراء عنها بالكسرة ) لا تكلم نفس ( لا تتكلم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة وهو الناصب للظرف ويحتمل نصبه بإضمار اذكر أو بالانتهاء المحذوف ) إلا بإذنه ( إلا بإذن الله كقوله ) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ( ________________________________________ " صفحة رقم 262 " وهذا في موقف وقوله ) هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة ) فمنهم شقي ( وجبت له النار بمقتضى الوعيد ) وسعيد ( وجبت له الجنة بموجب الوعد والضمير لأهل الموقف وإن لم يذكر لأنه معلوم مدلول عليه بقوله ) لا تكلم نفس ( أو للناس هود : ( 106 ) فأما الذين شقوا . . . . . ) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( الزفير إخراج لانفس والشهيق رده واستعمالها في أول النهيق وآخره والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه أو تشبيه صراخهم بأصوات لاحمير وقرئ / وشقوا / بالضم هود : ( 107 ) خالدين فيها ما . . . . . ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( ليس لارتباط دوامهم في النار بدزامها فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما بل التعبير عن التأبيد والمبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل ولو كان لارتباط لم يلزم أيضا من زوال السموات والأرض زوال عذابهم ولا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم لأن دوامهما كالملزوم لدوامه وقد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق وقيل المراد سموات الآخرة وأرضها ويدل عليه قوله تعالى ) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ( وإن أهل ________________________________________ " صفحة رقم 263 " الآخرة لا بد لهم من مظل ومقل وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه ) إلا ما شاء ربك ( استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم وهم فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالاستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم فإن التأبيد من مبدأ معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله ) فمنهم شقي وسعيد ( تقسيما صحيحا لأن من شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه لأن ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي أو مانع من الجمع وها هنا المراد أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين وأن حالهم لا يخلو عن السعادة والشقاوة وذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين أو لأن أهل النار ينقلون منها إلى الزمهرير وغيره من العذاب أحيانا وكذلك أهل الجنة ينعمون بما هو أعلى من الجنة كالاتصال بجناب القدس والفوز برضوان الله ولقائه أو من أصل الحكم والمستثنى زمان توقفهم في الموقف للحساب لأن ظاهره يقتضي أن يكونوا في ________________________________________ " صفحة رقم 264 " النار حين يأتي اليوم أو مدة لبثهم في الدنيا والبرزخ إن كان الحكم مطلقا غير مقيد باليوم وعلى هذا التأويل يحتمل أن يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت وقيل هو من قوله ) لهم فيها زفير وشهيق ( وقيل إلا ها هنا بمعنى سوى كقولك على ألف إلا الألفان القديمان والمعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها على مدة بقاء لاسموات والأرض ) إن ربك فعال لما يريد ( من غير اعتراض هود : ( 108 ) وأما الذين سعدوا . . . . . ) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ( غير مقطوع وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع وتنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع ولأجله فرق بين الثواب والعقاب بالتأبيد وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) سعدوا ( على البناء للمفعول من سعده الله بمعنى أسعده و ) عطاء ( نصب على مصدر المؤكد أي أعطوا عطاء أو الحال من الجنة هود : ( 109 ) فلا تك في . . . . . ) فلا تك في مرية ( شك بعد ما أنزل عليك من مآل أمر الناس ) مما يعبد هؤلاء ( من عبادة هؤلاء المشركين في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصت عليك سوء عاقبة عبادتهم أو من حال ما يعبدونه في أنه ما يضر ولا ينفع ) ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ( استئناف معناه تعليل عن النهي عن المرية أي هم وآباؤهم سواء في لاشرك أي ما يعبدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يع بدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من ________________________________________ " صفحة رقم 265 " الأوثان وقد بلغك ما لحق آباءهم من ذلك فسيلحقهم مثله لأن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات ومعنى ) كما يعبد ( كما كان يعبد فحذف للدلالة من قبل عليه ) وإنا لموفوهم نصيبهم ( حظهم من العذاب كآبائهم أو من الرزق فيكون عذرا لتأخير العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه ) غير منقوص ( حال من النصيب لتقييد التوفية فإنك تقول وفيته حقه وتريد به وفاء بعضه ولو مجازا هود : ( 110 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ( فآمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف هؤلاء في القرآن ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( يعني كلمة الإنظار إلى يوم القيامة ) لقضي بينهم ( بإنزال ما يستحقه لامبطل ليتميز به عن المحق ) وأنهم ( وإن كفار قومك ) لفي شك منه ( من القرآن ) مريب ( موقع في الريبة هود : ( 111 ) وإن كلا لما . . . . . ) وإن كلا ( وإن كل المختلفين المؤمنين منهم والكافرين والتنوين بدل من المضاف إليه وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبارا للأصل ) لما ليوفينهم ربك أعمالهم ( اللام الأولى موطئة للقسم والثانية للتأكيد أو بالعكس وما مزيدة بينهما للفصل وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) لما ( بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميما للادغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن والمعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعمالهم وقرئ لما بالتنوين أي جميعا كقوله ) أكلا لما ( ) وإن كل لما ( على أن ) إن ( نافية و ) ولما ( بمعنى إلا وقد قرئ به ) إنه بما يعملون خبير ( فلا يفوته شيء منه وإن خفي ________________________________________ " صفحة رقم 266 " هود : ( 112 ) فاستقم كما أمرت . . . . . ) فاستقم كما أمرت ( لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة وأطنب في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالاستقامة مثل ما أمر بها وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل بحيث يبقى العقل مصونا من الطرفين والأعمال من تبليغ الوحي وبيان الشرائع كما أنزل والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوهما وهي في غاية العسر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام شيبتني هود ) ومن تاب معك ( أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك وهو عطف على المستكن في استقم وإن لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه ) ولا تطغوا ( ولا تخرجوا عما حد لكم ) إنه بما تعملون بصير ( فهو مجازيكم عليه وهو في معنى التعليل للأمر والنهي وفي الآية دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف وانحراف بنحو قياس واستحسان هود : ( 113 ) ولا تركنوا إلى . . . . . ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( ولا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم واستدامه ) فتمسكم النار ( بركونكم إليهم وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلما كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم ثم بالميل إليهم كل الميل ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه ولعل الآية ________________________________________ " صفحة رقم 267 " أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه وخطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل فإن الزوال عنها بالميل غلى أحد طرفي إفراط وتفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه وقر ) تركنوا ( ) فتمسكم ( بكسر التاء على لغة تميم و ) تركنوا ( على البناء للمفعول من أركنه ) وما لكم من دون الله من أولياء ( من أنصار يمنعون العذاب عنكم والواو للحال ) ثم لا تنصرون ( أي ثم لا ينصركم الله إذا سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه وأوجبه لهم ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد فإنه لما بين أن الله معذبهم وأن غيره لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا هود : ( 114 ) وأقم الصلاة طرفي . . . . . ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( غدوة وعشية وانتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه ) وزلفا من الليل ( وساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار وصلاة العشي صلاة العصر وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء وقرئ / زلفا / بضمتين وضمة وسكون كبسر وبسر في بسره و ) زلفى ( بمعنى زلفة كقرى وقربة ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( يكفرنها وفي الحديث إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر وفي سبب النزول أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت ) ذلك ( إشارة إلى قوله ) فاستقم ( وما بعده وقيل إلى القرآن ) ذكرى للذاكرين ( عظة للمتعظين ________________________________________ " صفحة رقم 268 " هود : ( 115 ) واصبر فإن الله . . . . . ) واصبر ( على الطاعات وعن المعاصي ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود ودليلا على أن الصلاة والصبر إحسان وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص هود : ( 116 ) فلولا كان من . . . . . ) فلولا كان ( فهلا كان ) من القرون من قبلكم أولوا بقية ( من الرأي والعقل أو أولو فضل وإنما سمي ) بقية ( لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ويجوز أن يكون مصدرا كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب ويؤيده أنه قرئ ) بقية ( وهي المرة من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه ) ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ( لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك ولا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض ) واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ( ما أنعموا فيه من الشهوات واهتموا بتحصيل أسبابها وأعرضوا عما وراء ذلك ) وكانوا مجرمين ( كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة وهو فشو الظلم فيهم واتباعهم للهوى وترك النهي عن المنكرات مع الكفر وقوله واتبع معطوف مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى فلم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا وكانوا مجرمين عطف على ) اتبع ( أو اعترض وقرئ و ) واتبع ( أي وأتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال ويجوز أن تفسر به المشهورة ويعضده تقدم الإنجاء ________________________________________ " صفحة رقم 269 " هود : ( 117 ) وما كان ربك . . . . . ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم ( بشرك ) وأهلها مصلحون ( فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فسادا وتباغيا وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم حقوق العباد وقيل الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظالم هود : ( 118 ) ولو شاء ربك . . . . . ) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( مسلمين كلهم وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد وأن ما أراده يجب وقوعه ) ولا يزالون مختلفين ( بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا هود : ( 119 ) إلا من رحم . . . . . ) إلا من رحم ربك ( إلا ناسا هداهم الله فضله فاتفقوا على ما هو اصول دين الحق والعمدة فيه ) ولذلك خلقهم ( إن كان الضمير ل ) الناس ( فلإشارة إلى الإختلاف واللام للعاقبة أو إليه وإلى الحرمة وإن كان لمن فإلى الرحمة ) وتمت كلمة ربك ( وعيد أو قوله للملائكة ) لأملأن جهنم من الجنة والناس ( أي من عصاتهما ) أجمعين ( أو منهما أ جمعين لا من أحدهما هود : ( 120 ) وكلا نقص عليك . . . . . ) وكلا ( ولك وكل نبأ ) نقص عليك من أنباء الرسل ( نخبرك به ) ما نثبت به فؤادك ( ________________________________________ " صفحة رقم 270 " بيان لكلا أو بدل منه وفائدته التنبيه على المقصود من الأقتصاص وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار أو مفعول ) وكلا ( منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الإقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل ) وجاءك في هذه ( الشورة أو الأنباء المقتصة عليك ) الحق ( ما هو حق ) وموعظة وذكرى للمؤمنين ( إشارة إلى سائر فوائده العامة هود : ( 121 ) وقل للذين لا . . . . . ) وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم ( على حالكم ) إنا عاملون ( على حالنا هود : ( 122 ) وانتظروا إنا منتظرون ) وانتظروا ( بنا الدوائر ) إنا منتظرون ( أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم هود : ( 123 ) ولله غيب السماوات . . . . . ) ولله غيب السماوات والأرض ( خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما ) وإليه يرجع الأمر كله ( فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه وقرأ نافع وحفص و ) يرجع ( على البناء للمفعول ) فاعبده وتوكل عليه ( فإنه كافيك وفي تقديم الأمر بالعباد على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد ) وما الله بغافل عما تعملون ( أنت وهم فيجازي كلا ما يستحقه وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء هنا وفي آخر ) النمل ( عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح ومن كذب به وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وكان يوم القيامة من السعداء إن شاء الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 271 " سورة يوسف عليه السلام مكية وآيها مائة وإحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم يوسف : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . . ) الر تلك آيات الكتاب المبين ( ) تلك ( إشارة إلى آيات السورة وهي المراد ب ) الكتاب ( أي تلك الآيات آيات السورة الظاهرة أمرها في الأعجاز أو الواضحة معانيها أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند الله أو لليهود ما سألوا يوسف : ( 2 ) إنا أنزلناه قرآنا . . . . . إذ روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم أنتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام فنزلت ) إنا أنزلناه ( أي الكتاب ) قرآنا عربيا ( سمى البعض ) قرآنا ( لأنه في الأصل اسم جنس يقع على الكل والبعض وصار علما لكل بالغلبة ونصبه على الحال وهو في نفسه إما توطئه للحال التي هي ) عربيا ( أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول و ) عربيا ( صفة له أو حال ممن الضمير فيه أو حال بعد حال وفي كل ذلك خلاف ) لعلكم تعقلون ( علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعا أو مقرءا بلغتكم كي تفهموه وتحيطوا بمعانيه أو تستعلموا فيه عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلى بالإيحاء ________________________________________ " صفحة رقم 272 " يوسف : ( 3 ) نحن نقص عليك . . . . . ) نحن نقص عليك أحسن القصص ( أحسن الإقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر فعل بمعنى مفعول كالنقص والسلب واشتقاقه من قص أثره إذا تبعه ) بما أوحينا إليك ( أي بإيحائنا المصدر ) وإن كنت من قبله لمن الغافلين ( عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط وهو تعليل لكونه موحى وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة يوسف : ( 4 ) إذ قال يوسف . . . . . ) إذ قال يوسف ( بدل من ) أحسن القصص ( إن جعل مفعولا بدل الأشتمال أو منصوب بإضمار اذكر و ) يوسف ( عبري ولو كان عربيا لصرف وقرىء بفتح السين وكسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته ) لأبيه ( يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعنه عليه الصلاة السلام الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) يا أبت ( أصله يا أبي فعوض عن الياء التأنيث لتناسبهما في الزيادة ولذلك ________________________________________ " صفحة رقم 273 " قلبها هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وكسرها لأنها عوض حرف يناسبها وفتحها ابن عامر في كل القرآن لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف وبقي الفتحة وإنما جاز يا أبتا ولم يجز ا أبتي لأنه جمع بين العوض والمعوض وقرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض وإنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب ) إني رأيت ( من الرؤيا لا من الرؤية لقوله ) لا تقصص رؤياك ( ولقوله ) هذا تأويل رؤياي من قبل ( ) أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ( روي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن يهوديا جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم قال جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفيلق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها ) رأيتهم لي ساجدين ( استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير وإنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم ________________________________________ " صفحة رقم 274 " يوسف : ( 5 ) قال يا بني . . . . . ) قال يا بني ( تصغير ابن صغره للشفقة أو الصغر السن لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة وقرأ حفص هنا وفي الصافات بفتح الياء ) لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ( فيحتالوا لإهلاكك حيلة فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته وفوقه على إخوته فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكو ن في النوم فرق بينهما بحر في التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك والصدقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من ا لتناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه وإنما عدي كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به أكيدا ولذلك أكد بالمصدر وعله بقوله ) إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألو جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد يوسف : ( 6 ) وكذلك يجتبيك ربك . . . . . ) وكذلك ( أي وكما اجتباك لمثل لهذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس ) يجتبيك ربك ( للنبوة والملك أو لأمور عظام والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك ) ويعلمك ( كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك ) من تأويل الأحاديث ( من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل ) ويتم نعمته عليك ( بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة ) وعلى آل يعقوب ( يريد به سائر بنيه ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله ) كما أتمها على أبويك ( بالرسالة وقيل على إبراهيم ________________________________________ " صفحة رقم 275 " بالخلة والإنجاء من النار وعلى إسحاق بإنقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم ) من قبل ( أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت ) إبراهيم وإسحاق ( عطف بيان لأبويك ) إن ربك عليم ( بمن يستحق الاجتباء ) حكيم ( يفعل الأشياء على ما ينبغي يوسف : ( 7 ) لقد كان في . . . . . ) لقد كان في يوسف وإخوته ( أي في قصتهم ) آيات ( دلائل قدرة الله تعالى وحكمته أو علامات نبوتك وقرأ ابن كثير ) آية ( ) للسائلين ( لمن سأل عن قصتهم والمراد بإخوته بنو علاته العشرة وهم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوي وزبالون ويشخر ودينة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولا فلما توفيت تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف وقيل جمع بينهما ولم يكن الجمع محرما حينئذ وأربعة آخرون دان ونفتالي وجاد وآشر من سريتين زلفة وبلهة يوسف : ( 8 ) إذ قالوا ليوسف . . . . . ) إذ قالوا ليوسف وأخوه ( بيامين وتخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالأخوة من الطرفين ) أحب إلى أبينا منا ( وحده لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه والمذكر وما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف ) ونحن عصبة ( والحال أنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما والعصبة والعصابة العشرة فصاعدا سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم ) إن أبانا لفي ضلال مبين ( لتفضيله المفضول أو لترك التعديل في المحبة روي أنه كان أحب إليه لما يرى فيه من المخايل وكان إخوته يحسدونه فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة بحيث لم يصبر عنه فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له يوسف : ( 9 ) اقتلوا يوسف أو . . . . . ) اقتلوا يوسف ( من جملة المحكي بعد قوله إذ قالوا كأنهم اتفقوا على ذلك الأمر إلا من قال ) لا تقتلوا يوسف ( وقيل إنما قاله شمعون أو دان ورضي به الآخرون ________________________________________ " صفحة رقم 276 " ) أو اطرحوه أرضا ( منكورة بعيدة من العمران وهو معنى تنكيرها وإبهامها ولذلك نصبت كالظروف المبهمة ) يخل لكم وجه أبيكم ( جواب الأمر والمعنى يصف لكم وجه أبيكم فيقبل بكليته عليكم ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعكم في محبته أحد ) وتكونوا ( جزم بالعطف على ) يخل ( أو نصب بإضمار أن ) من بعده ( من بعد يوسف أو الفراغ من أمره أو قتله أو طرحه ) قوما صالحين ( تائبين إلى الله تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه أو صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم يوسف : ( 10 ) قال قائل منهم . . . . . ) قال قائل منهم ( يعني يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا وقيل روبيل ) لا تقتلوا يوسف ( فإن القتل عظيم ) وألقوه في غيابة الجب ( في قعره سمي به لغيبوبته عن أعين الناظرين وقرأ نافع في / غيابات / في الموضعين على الجمع كأنه لتلك الجب غيابات وقرئ ) غيبه ( و / غيابات / بالتشديد ) يلتقطه ( يأخذه ) بعض السيارة ( بعض الذين يسيرون في الأرض ) إن كنتم فاعلين ( بمشورتي أو إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه يوسف : ( 11 ) قالوا يا أبانا . . . . . ) قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ( لم تخافنا عليه ) وإنا له لناصحون ( ونحن نشفق عليه ونريد له الخير أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم والمشهور ) تأمنا ( بالادغام باشمام وعن نافع بترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام لأنهما من كلمتين وتيمنا بكسر التاء يوسف : ( 12 ) أرسله معنا غدا . . . . . ) أرسله معنا غدا ( إلى الصحراء ) يرتع ( نتسع في أكل الفواكه ونحوهما من الرتعة وهي الخصب ) ويلعب ( بالاستباق والانتضال وقرأ ابن كثير نرتع بكسر العين على أنه من ارتعى يرتعي ونافع بالكسر والياء فيه وفي ) ويلعب ( وقرأ الكوفيون ويعقوب بالياء والسكون على إسناد الفعل إلى يوسف وقرئ ) يرتع ( من أرتع ماشيته و ) يرتع ( بكسر العين و ) ويلعب ( بالرفع على الابتداء ) وإنا له لحافظون ( من أن يناله مكروه ________________________________________ " صفحة رقم 277 " يوسف : ( 13 ) قال إني ليحزنني . . . . . ) قال إني ليحزنني أن تذهبوا به ( لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه ) وأخاف أن يأكله الذئب ( لأن الأرض كانت مذابة وقيل رأى في المنام أن الذئب قد شد على يوسف وكان يحذره عليه وقد همزها على الأصل ابن كثير ونافع في رواية قالون وفي رواية اليزيدي وأبو عمرو وقفا وعاصم وابن عامر وحمزة درجا واشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة ) وأنتم عنه غافلون ( لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه يوسف : ( 14 ) قالوا لئن أكله . . . . . ) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة ( اللام موطئه للقسم وجوابه ) إنا إذا لخاسرون ( ضعفاء مغبونون أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار والواو في ) ونحن عصبة ( للحال يوسف : ( 15 ) فلما ذهبوا به . . . . . ) فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب ( وعزموا على إلقائه فيها والبئر بئر المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر و مدين أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب وجواب لما محذوف مثل فعلوا به ما فعلوا من الأذى فقد روي أنهم لما بروزا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه ويضربونه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويستغيث فقال يهوذا أما عاهدتموني أن لا تقتلوه فأتوا به إلى البئر فدلوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به إلى أبيهم فقال يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به فقالوا ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك فلما بلغ نصفها ألقوه وكان فيها ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي فجاءه جبريل بالوحي كما قال ) وأوحينا إليه ( وكان ابن سبع عشرة سنة وقيل كان مراهقا أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وفي ________________________________________ " صفحة رقم 278 " القصص أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله في تميمة علقها بيوسف فأخرجه جبريل عليه السلام وألبسه إياه ولتنبئنهم بأمره هذا لتحدثنهم بما فعلوا بك ) وهم لا يشعرون ( إنك يوسف لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم وطول العهد المغير لحلى والهيئات وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر حيين دخلوا عليه ممتارين ) فعرفهم وهم له منكرون ( بشره بما يؤول إليه أمره إيناسا له وتطييبا لقلبه وقيل ) وهم لا يشعرون ( متصل ب ) أوحينا ( أي آنسناه بالوحي وهم لا يشعرون ذلك يوسف : ( 16 ) وجاؤوا أباهم عشاء . . . . . ) وجاؤوا أباهم عشاء ( أي آخر النهار وقرىء / عشيا / وهو تصغير عشي وعشي بالضم والقصر جمع أي عشوا من البكاء ) يبكون ( متباكين روي أنه لما سمع بكاءهم فزع وقال مالكم يا بني واين يوسف يوسف : ( 17 ) قالوا يا أبانا . . . . . ) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ( نتسابق في العدو أو في الرمي وقد يشترك الإفتعال والتفاعل كالإنتضال والتناضل ) وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ( بمصدق لنا ) ولو كنا صادقين ( لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف يوسف : ( 18 ) وجاؤوا على قميصه . . . . . ) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( أي ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة وقرىء بالنصب على الحال من الواو أي جاؤوا كاذبين و / كدب / بالدال غير المعجمة أيكدر أو طري وقيل أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث فشبه به الدم اللاصق على القميص وعلى قميصه في موضع النصب على الظرف أي فوق قميصه أو على الحال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور روي أنه لما سمع بخبر يوسف صاح وسأل عن قميصه فأخذه وألقاه على و جهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل أبني ولم يمزق عليه قميصه ولذلك ) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( أي سهلت لكم أنفسكم وهونت في أعينكم أمرا ________________________________________ " صفحة رقم 279 " عظيما من السول وهو الاسترخاء ) فصبر جميل ( أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل وفي الحديث الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ) والله المستعان على ما تصفون ( على احتمال ما تصفونه من إهلاك يوسف وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم إن صح يوسف : ( 19 ) وجاءت سيارة فأرسلوا . . . . . ) وجاءت سيارة ( رفقة يسيرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من الجب وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه ) فأرسلوا واردهم ( الذي يرد الماء ويستقي لهم وكان مالك بن ذعر الخزاعي ) فأدلى دلوه ( فأرسلها في الجب ليملأها فتدلى بها يوسف فلما رآه ) قال يا بشرى هذا غلام ( نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه كأنه قال تعال فهذا أوانك وقيل هو اسم لصاحب له ناداه ليعينه على إخراجه وقرأ غير الكوفيين / يا بشراي / بالإضافة وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي وقرأ ورش بين اللفظين وقرئ ) يا بشرى ( بالإدغام وهو له / بشراي / بالسكون على قصد الوقف ) وأسروه ( أي الوارد وأصحابه من سائر الرفقة وقيل اخفوا أمره وقال لهم دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر وقيل الضمير لإخوة يوسف وذلك أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر اخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلامنا ابق منا فاشتوه فسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ) بضاعة ( نصب على الحال أي أخفوه متاعا للتجارة واشتقاقه من البضع فإنه ما بضع من المال للتجارة ) والله عليم بما يعملون ( لم يخف عليه أسرارهم أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم يوسف : ( 20 ) وشروه بثمن بخس . . . . . ) وشروه ( وباعوه وفي مرجع الضمير الوجهان أو اشتروه من اخوته ) بثمن بخس ( مبخوس لزيفه أو نقصانه ) دارهم ( بدل من الثمن ) معدودة ( قليلة فإنهم يزنون ما بلغ الأوقية ويعدمون ما دونها قيل كان عشرين درهما وقيل كان اثنين وعشرين درهما ________________________________________ " صفحة رقم 280 " ) وكانوا فيه ( في يوسف ) من الزاهدين ( الراغبين عنه والضمير في ) وكانوا ( إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق وفيه متعلق بالزاهدين إن جعل اللام للتعريف وإن جعل بمعنى الذي فهو متعلق بمحذوف بينه الزاهدين لأن متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول يوسف : ( 21 ) وقال الذي اشتراه . . . . . ) وقال الذي اشتراه من مصر ( وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو إطفير وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقي وقد آمن بيوسف عليه السلام ومات في حياته وقيل كان فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله تعالى ) ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ( والمشهور أنه من أولاد فرعون يوسف والآية من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء روي أنه اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث في منزلة ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين وسنة وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة واختلف فيما اشتراه به من جعل شراءه به غير الأول فقيل عشرون دينارا وزوجا نعل وثوبان أبيضان وقيل ملؤه فضة وقيل ذهبا ) لامرأته ( راعيل أو زليخا ) أكرمي مثواه ( اجعلي مقامه عندنا كريما أي حسنا والمعنى أحسني تعهده ) عسى أن ينفعنا ( في ضياعنا وأموالنا نستظهر به في مصالحنا ) أو نتخذه ولدا ( نتبناه وكان عقيما لما تفرس فيه من الرشد ولذلك قيل أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر وابنه شعيب التي قالت ) يا أبت استأجره ( وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله تعالى عنهما ) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ( وكما مكنا محبته في قلب العزيز أو كما مكناه في منزله أو كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز مكنا له ففيها ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ( عطف على مضمر تقديره ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه أي كان القصد في إنجائه وتمكينه إلى أن يقيم العدل ويدبر أمور الناس ويعلم معاني كتب الله تعالى وأحكامه فينفذها أو تعبير المنامات المنبهة على الحوادث الكائنة ليستعد لها ويشتغل بتدبيرها قبل أن تحل كما فعل لسنيه ) والله غالب على أمره ( لا يرده شيء ولا ينازعه فيما يشاء أو على أمر يوسف إن أراد به إخوته شيئا وأراد الله غيره فلم يمكن إلا ما أراده ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن الأمر كله بيده أو لطائف صنعه وخفايا لطفه ________________________________________ " صفحة رقم 281 " يوسف : ( 22 ) ولما بلغ أشده . . . . . ) ولما بلغ أشده ( منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين والأربعين وقيل سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم ) آتيناه حكما ( حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل أو حكما بين الناس ) وعلما ( يعني علم تأويل الأحاديث ) وكذلك نجزي المحسنين ( تنبيه على أنه تعالى آتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله واتقانه في عنفوان أمره يوسف : ( 23 ) وراودته التي هو . . . . . ) وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ( طلبت منه وتمحلت أن يواقعها من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد ) وغلقت الأبواب ( قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمباغة في الإيثاق ) وقالت هيت لك ( أي أقبل وبادر أو تهيأت والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح كأين واللام للتبيين كالتي في سقيا لك وقرأ ابن كثير بالضم وفتح الهاء تشبيها له بحيث ونافع وابن عامر بالفتح وكسر الهاء كعيط وقرأ هشام كذلك إلا أنه يهمز وقد روي عنه ضم التاء وهو لغة فيه وقرئ ) هيت ( كجير و / هئت / كجئت من هاء يهيء إذا تهيأ وقرئ هيئت وعلى هذا فاللام من صلته ) قال معاذ الله ( أعوذ بالله معاذا ) أنه ( إن الشأن ) ربي أحسن مثواي ( سيدي قطفير أحسن تعهدي إذ قال لك في ) أكرمي مثواه ( فما جزاؤه أن أخونه في أهله وقيل الضمير لله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 282 " أي إنه خالقي أحسن منزلتي بأن عطف على قلبه فلا أعصيه ) إنه لا يفلح الظالمون ( المجازون الحسن بالسيء وقيل الزناة فإن الزنا ظلم على الزاني المزني بأهله يوسف : ( 24 ) ولقد همت به . . . . . ) ولقد همت به وهم بها ( وقصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهم بالشيء قصده والعزم لعيه ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالشيء أمضاه والمراد بهمه عليه الصلاة والسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الإختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله ) لولا أن رأى برهان ربه ( في قبح الزنا وسوء مغبته لخالطها لشبق الغلمة وكثرة المغالبة ولا يجوز أن يجعل ) وهم بها ( جواب ) لولا ( فإنها في حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها دوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وقيل رأى جبريل عليه الصلاة والسلام وقيل تمثل له يعقوب عاضا على أنامله وقيل قطفير وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ) كذلك ( أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه أو المر مثل ذلك ) لنصرف عنه السوء ( خيانة السيد ) والفحشاء ( الزنا ) إنه من عبادنا المخلصين ( اللذين أخلصهم الله لطاعته وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالكسر في كل القرآن إذا كان في أوله الألف واللام أي الذين أخلصوا دينهم لله ________________________________________ " صفحة رقم 283 " يوسف : ( 25 ) واستبقا الباب وقدت . . . . . ) واستبقا الباب ( أي تسابقا غلى الباب فحذف الجار أو ضمن الفعل معنى الإبتدار وذلك أن يوسف فر منها ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ) وقدت قميصه من دبر ( اجتذبته من ورائه فانقذ قميصه والقد الشق طولا والقط الشق عرضا ) وألفيا سيدها ( وصادفا زوجها ) لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم ( إسهاما بأنها فرت منه تبرئة لساحتها عد زوجها وتغييره على يوسف وإغراءه به انتقاما منه و ) ما ( نافيه أو استفهامية بمعنى أي شيء جزاءه إلا السجن يوسف : ( 26 ) قال هي راودتني . . . . . ) قال هي راودتني عن نفسي ( طالبتني بلمؤاتاة وإنما قال ذلك دفعا لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ولو لم تكذب عليه لما قاله ) وشهد شاهد من أهلها ( قيل ابن عم لها وقيل ابن خال لها صبيا في المهد وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تكلم أربعة صغارا ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى أبن مريم عليه الصلاة والسلام وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها ) إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ( لأنه يدل على أنها قدت قميصه من تقدامه بالدفع عن نفسها أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقذ جيبه يوسف : ( 27 ) وإن كان قميصه . . . . . ) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ( لأنه يدل على أنه تعبته فاجتذبت ثوبه فقدته والشرطية محكية على إرادة القول أو على أن فعل الشهادة من القول وتسميتها لأنها أت مؤادها والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم أنه كان ونحوه ونظيره قولك إن أحسنت إلى اليوم فقد أحسنت إليك من قبل فإن معناه أن تمنن علي بإحسانك أمنن عليك بإحساني لك السابق وقرىء ) من قبل ( و ) من دبر ( بالضم لأنهما قطعا عن الإضافة كقبل وبعد وبالفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف وبسكون العين ________________________________________ " صفحة رقم 284 " يوسف : ( 28 ) فلما رأى قميصه . . . . . ) فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه ( إن قولك ) ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ( إن السوء أو إن هذا الأمر ) من كيدكن ( من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء ) إن كيدكن عظيم ( فإن كيد السناء ألطف وأعلق بالقلب واشد تأثيرا في النفس ولأنهن يواجهن به الرحال والشيطان يوسوس به مارقة يوسف : ( 29 ) يوسف أعرض عن . . . . . ) يوسف ( حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث ) أعرض عن هذا ( أكتمه ولا تذكره ) واستغفري لذنبك ( يا راعيل ) إنك كنت من الخاطئين ( من القوم المذنبين من خطى إذا أذنب متعمدا والتذكير للتغليب يوسف : ( 30 ) وقال نسوة في . . . . . ) وقال نسوة ( هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الإعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها ) في المدينة ( ظرف لقال أي أشعن الحاكية فيمصر أو صفة نسوة وكن خمسا زوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب ) امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ( تطلب مواقعة غلامها إياها و ) العزيز ( بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة ) قد شغفها حبا ( شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حبا ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه وقرىء / شعفها / من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه ) إنا لنراها في ضلال مبين ( في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب يوسف : ( 31 ) فلما سمعت بمكرهن . . . . . ) فلما سمعت بمكرهن ( باغتيابهن وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها ) أرسلت إليهن ( تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات ) وأعتدت لهن متكأ ( ما يتكن عليه من الوسائد ) وآتت كل واحدة منهن سكينا ( حتى يتكئن والسكاكين ________________________________________ " صفحة رقم 285 " بأيدهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيدهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في ايديهن الخناجر وقيل متكأ طعاما أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفا ولذلك نهى عنه جميل " فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال منن قللة " وقيل المتكأ طعام يحز حزا كأن القاطع يتكىء عليه بالسكين وقرىء ) متكأ ( بحذف الهمزة / متكاء / بإشباع الفتحة كمنتزاح و ) متكأ ( وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و ) متكأ ( من تكىء يتكأ إذا اتكأ ) وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ( عظمنه وهبن حسنه الفائق وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ورأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي " خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العوائق " ) وقطعن أيديهن ( جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة ) وقلن حاش لله ( تنزيها له من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله وأصله / حاشا / كما قرأ أبو عمرو في الدرج فحذفت ألف الأخيرة تخفيفا وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقيا لك وقرئ حاشا الله بغير لام بمعنى براءة الله وحاشا لله بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر وقيل حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية لله مما يتوهم فيه ) ما هذا بشرا ( لأن الجمال غير معهود للبشر وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها ________________________________________ " صفحة رقم 286 " في نفي الحال وقرئ بشر بالرفع على لغة تميم وبشرى أي بعبد مشترى لئيم ) إن هذا إلا ملك كريم ( فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة أو لأن جماله فوق البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك يوسف : ( 32 ) قالت فذلكن الذي . . . . . ) قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ( أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ولو تصورتنه بما عاينتن لعذرتنني أو فهذا الذي لمتنني فيه فوضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلة المشار إليه ) ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ( فامتنع طلبا للعصمة أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانه عريكته ) ولئن لم يفعل ما آمره ( أي ما آمر به فحذف الجار أو أمري إياه بمعنى موجب أمري فيكون الضمير ليوسف ) ليسجنن وليكونن من الصاغرين ( من الاذلاء وهو من صغر بالكسر يصغر صغرا وصغارا والصغير من صغر بالضم صغرا وقرئ ) ليكونن ( وهو يخالف خط المصحف لأن النون كتبت فيه بالألف ك ) لنسفعا ( على حكم الوقف وذلك في الخفيفة لشبهها بالتنوين يوسف : ( 33 ) قال رب السجن . . . . . ) قال رب السجن ( وقرأ يعقوب بالفتح على المصدر ) أحب إلي مما يدعونني إليه ( أي أثر عندي من مؤاناتها نظرا إلى العاقبة وإن كان هذا مما تشتهيه النفس وذلك مما تكرهه وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن خوفنه من مخالفتها وزين لها مطاوعتها أو دعونه إلى أنفسهن وقيل إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا وإنما كان الأولى به أن يسأل الله العافية ولذلك رد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على من كان يسأل الصبر ) وإلا تصرف عني ( وإن لم تصرف عني ) كيدهن ( في تحبيب ذلك إلي وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة ________________________________________ " صفحة رقم 287 " ) أصب إليهن ( أمل إلى جانبهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تستطيبها وتميل إليها وقرئ ) أصب ( من الصبابة وهي الشوق ) وأكن من الجاهلين ( من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه فإن الحكيم لا يفعل القبيح أو من الذين لا يعملون بما يعلمون فإنهم والجهال سواء يوسف : ( 34 ) فاستجاب له ربه . . . . . ) فاستجاب له ربه ( فأجاب الله دعاءه الذي تضمنه قوله ) وإلا تصرف ( ) فصرف عنه كيدهن ( فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان ) إنه هو السميع ( لدعاء الملتجئين إليه ) العليم ( بأحوالهم وما يصلحهم يوسف : ( 35 ) ثم بدا لهم . . . . . ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ( ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل ) بدا ( مضمر يفسره ) ليسجننه حتى حين ( وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه سبع سنين وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه وعتى بلغة هذيل يوسف : ( 36 ) ودخل معه السجن . . . . . ) ودخل معه السجن فتيان ( أي أدخل يوسف السجن واتفق أنه أدخل حينئذ أخران من عبيد الملك شرابيه وخبازه للاتهام بأنهما يريدان أن يسماه ) قال أحدهما ( يعني الشرابي ) إني أراني ( أي في المنام وهي حكاية حال ماضية ) أعصر خمرا ( أي عنبا وسماه خمرا باعتبار ما يؤول إليه ) وقال الآخر ( أي الخباز ) إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ( تنهش منه ) نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ( من الذين يحسنون تأويل الرؤيا أو من العالمي وإنما قالا ذلك لأنهما رأياه في السجن يذكر الناس ويعبر رؤياهم أو من المحسنين إلى أهل السجن فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه يوسف : ( 37 ) قال لا يأتيكما . . . . . ) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ( أي بتأويل ما قصصتما علي أو ________________________________________ " صفحة رقم 288 " بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد فقدم ما يكون معجزة له من الأخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير ) قبل أن يأتيكما ذلكما ( أي ذلك التأويل ) مما علمني ربي ( بالإلهام ) وهم بالآخرة هم كافرون ( تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك يوسف : ( 38 ) واتبعت ملة آبائي . . . . . ) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه ولذلك جوز للخامل أن يصف نفسه حتى يعرف فيقتبس منه وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة ) ما كان لنا ( ما صح لنا معشر الأنبياء ) أن نشرك بالله من شيء ( أي شيء كان ) ذلك ( أي التوحيد ) من فضل الله علينا ( بالوحي ) وعلى الناس ( وعلى سائر الناس يبعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه ) ولكن أكثر الناس ( المبعوث إليهم ) لا يشكرون ( هذا الفضل فيعرضون عنه ولا ينتبهون أو من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها فيلغوها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها يوسف : ( 39 ) يا صاحبي السجن . . . . . ) يا صاحبي السجن ( أي يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه فأضافهما إليه على الاتساع كقوله " يا سارق الليلة أهل الدار " ) أأرباب متفرقون ( شتى متعددة متساوية الأقدام ) خير أم الله الواحد ( المتوحد بالألوهية ) القهار ( الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره يوسف : ( 40 ) ما تعبدون من . . . . . ) ما تعبدون من دونه ( خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر ) إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ( ________________________________________ " صفحة رقم 289 " أي إلا الأشياء باعتبار أسام أطلقتم عليها من غير حجة تدل على تحقق مسمياتها فيها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة ثم أخذتم تعبدنوها باعتبار ما تطلقون عليها ) إن الحكم ( ما الحكم في أمر العبادة ) إلا لله ( لأنه المستحق لها بالذات من حيث إنه الواجب لذاته الموجد للكل والمالك لأمره ) أمر ( على لسان أنبيائه ) ألا تعبدوا إلا إياه ( الذي دلت عليه الحجج ) ذلك الدين القيم ( الحق وأنتم لا تميزون المعوج عن القويم وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة بين لهم أولا رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الالهية فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير وكلا القسمين منتف عنها ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( فيخبطون في جهالاتهم يوسف : ( 41 ) يا صاحبي السجن . . . . . ) يا صاحبي السجن أما أحدكما ( يعني الشرابي ) فيسقي ربه خمرا ( كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عليه ) وأما الآخر ( يريد به الخباز ) فيصلب فتأكل الطير من رأسه ( فقالا كذبنا فقال ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( أي قطع الأمر الذي تستفتيان فيه وهو ما يؤول إليه أمركما ولذلك وحده فإنهما وإن استفتيا في أمرين لكنهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما يوسف : ( 42 ) وقال للذي ظن . . . . . ) وقال للذي ظن أنه ناج منهما ( الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين ) اذكرني عند ربك ( اذكر حالي عند الملك كي يخلصني ) فأنساه الشيطان ذكر ربه ( فأنسى الشرابي أن يذكره لربه فأضاف إليه ________________________________________ " صفحة رقم 290 " المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام رحم الله أخي يوسف لو لم يقل ) اذكرني عند ربك ( لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء وهو القطع المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام رحم الله أخي يوسف لو لم يقل ) اذكرني عند ربك ( لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد في ككشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء ) فلبث في السجن بضع سنين ( البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع يوسف : ( 43 ) وقال الملك إني . . . . . ) وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ( لما دنا فرجه رأى الملك سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات مهازيل فابتلعت المهازيل السمان ) وسبع سنبلات خضر ( قد انعقد حبها ) وأخر يابسات ( وسبعا آخر يابسات قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها وإنما استغنى عن بيان حالها بم ________________________________________ " صفحة رقم 291 " قص من حال البقرات وأجرى السمان على المميز دون المميز لأن التمييز بها ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التمييز بها مجردأ عن الموصوف فإنه لبيان الجنس وقياسه عجف لأنه جمع عجفا عجفاء لكنه حمل على ) سمان ( لأنه نقيضه ) يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ( عبروها ) إن كنتم للرؤيا تعبرون ( إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهي الإنتقال من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها من العبور وهي المجاوزة وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان أو لتقوية العامل فإن الفعل لما أخر عن مفعول ضعف فقوي باللام كاسم الفاعل أو لتضمن ) تعبرون ( معنى فعل يعدى باللام كأنه قيل إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا يوسف : ( 44 ) قالوا أضغاث أحلام . . . . . ) قالوا أضغاث أحلام ( أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها جمع ضغث واصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان كقولهم فلان يركب الخيل أو لتضمنه أشياء مختلفة ) وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصة أي ليس لا تأويل عندنا وإنما التأويل للمنامات الصادقة فهو كنه مقدمة للعذر في جهلهم بتأويله يوسف : ( 45 ) وقال الذي نجا . . . . . ) وقال الذي نجا منهما ( من صاحبي السجن وهو الشرابي ) وادكر بعد أمة ( وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أي مدة طويلة وقرىء ) أمة ( بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعدما أنعم عليه بالنجاة وأمه أي نسيان يقال أمه يأمه أمها إذا نسي والجملة اعتراض ومقول القول ) أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ( أي إلى من عنده علمه أو إلى السجن ________________________________________ " صفحة رقم 292 " يوسف : ( 46 ) يوسف أيها الصديق . . . . . ) يوسف أيها الصديق ( أي فأرسل إلى يوسف فجاءه فقال يا يوسف وإنما وصفه بالصديق وهو المبالغ في الصدق لأنه جرب أحواله وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ) أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ( أي في رؤيا ذلك ) لعلي أرجع إلى الناس ( أعود إلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد إذ قيل إن السجن لم يكن فيه ) لعلهم يعلمون ( تأويلها أو فضلك ومكانك وإنما لم يبت الكلام فيهما لأنه لم يكن جازما بالرجوع فربما اخترم دونه ولا يعلمهم يوسف : ( 47 ) قال تزرعون سبع . . . . . ) قال تزرعون سبع سنين دأبا ( أي على الحال بمعنى دائبين أو المصدر بإضمار فعله أي تدأبون دأبا وتكون الجملة حالا وقرأ حفص ) دأبا ( بفتح الهمزة وكلاهما مصدر دأب في العمل وقيل ) تزرعون ( أمر أخرجه في صورة الخبر مبالغة لقوله ) فما حصدتم فذروه في سنبله ( لئلا يأكله السوس وهو على الأول نصيحة خارجة عن العبارة ) إلا قليلا مما تأكلون ( في تلك السنين يوسف : ( 48 ) ثم يأتي من . . . . . ) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن ( أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فأسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به ) إلا قليلا مما تحصنون ( تحرزون لبذور الزراعة يوسف : ( 49 ) ثم يأتي من . . . . . ) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس ( يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث ) وفيه يعصرون ( ما يعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار وقيل يحلبون ________________________________________ " صفحة رقم 293 " الضروع وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي وقرئ على بناء المفعول من عصره إذا أنجاه ويحتمل أن يكون المبني للفاعل منه أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضا أو من أعصرت السحابة عليهم فعدي بنزع الخافض أو بتضمينه معنى المطر وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بسنين مجدبة وابتلاع العجاف السمان يأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة ولعله علم ذلك بالوحي أو بأن انتهاء الجدب بالخصب أو بأن السنة الآلهية على أن يوسع على عباده بعد ما ضيق عليهم يوسف : ( 50 ) وقال الملك ائتوني . . . . . ) وقال الملك ائتوني به ( بعد ما جاءه الرسول بالتعبير ) فلما جاءه الرسول ( ليخرجه ) قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ( إنما تأنى في الخروج وقدم سؤال النسوة وفحص حالهن لتظهر براءة ساحته ويعلم أنه سجن ظلما فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمره وفيه دليل على أنه ينبغي أن يجتهد في نفي التهم ويتقي مواقعها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة وإنما قال فأسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجا له على البحث وتحقيق الحال وغنما لم يتعرض لسيدته مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب وقرئ ) النسوة ( بضم النون ) إن ربي بكيدهن عليم ( حين قلن لي أطع مولاتك وفيه تعظيم كيدهن والاستشهاد بعلم الله عليه وعلى أنه بريء مما قذف به والوعيد لهن على كيدهن يوسف : ( 51 ) قال ما خطبكن . . . . . ) قال ما خطبكن ( قال الملك لهن ما شأنكن والخطب أمر يحق أن يخاطب فيه صاحبه ) إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ( تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق ________________________________________ " صفحة رقم 294 " عفيف مثله ) ما علمنا عليه من سوء ( من ذنب ) قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق ( ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى مباركة ليناخ قال فحصحص في صم الصفا ثفنانته وناء بسلمى نوأة ثم صمما أو ظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه وقرئ على البناء للمفعول ) أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ( في قوله ) هي راودتني عن نفسي ) يوسف : ( 52 - 53 ) ذلك ليعلم أني . . . . . ) ذلك ليعلم ( قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن أي ذلك التثبت ليعلم العزيز ) أني لم أخنه بالغيب ( بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول أي لم أخنه وأنا غائب عنه أو وهو غائب عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة ) وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ( لا ينفذه ولا يسدده أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعل على الكيد مبالغة وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته ولذلك عقبه بقوله ) وما أبرئ نفسي ( أي لا أنزهها تنبيها على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق وعن ابن عباس أنه لما قال ________________________________________ " صفحة رقم 295 " ) ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( قال له جبريل ولا حين هممت فقال ذلك ) إن النفس لأمارة بالسوء ( من حيث إنها بالطبع مائلة إلى الشهوات فتهتم بها وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كل الأوقات ) إلا ما رحم ربي ( إلا وقت رحمة ربي أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه من ذلك وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة وقيل الآية حكاية قول راعيل والمستثنى نفس يوسف وأضرابه وعن ابن كثير ونافع / بالسو / على قلب الهمزة واوا ثم الادغام ) إن ربي غفور رحيم ( يغفر هم النفس ويرحم من يشاء بالعصمة أو يغفر للمستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه مما ارتكبه يوسف : ( 54 ) وقال الملك ائتوني . . . . . ) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( أجعله خالصا لنفسي ) فلما كلمه ( أي فلما أتو به فكلمه وشاهد من الرشد والدهاء ) قال إنك اليوم لدينا مكين ( ذو مكانة ومنزلة ) آمين ( مؤتمن على كل شيء روي أنه لما خرج من السجن اغتسل وتنظف ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم أني أسألك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعا له بالعبرية فقال الملك ما هذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعهما فتعجب منه فقال أحب أن أسمع رؤياي منك فحكاها ونعت له بالبقرات والسنابل وأمكانها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره وقيل توفي قطفير في تلك الليالي فنصبه منصبه وزوج منه راعيل فوجدها عذراء وولد له منها أفرائيم وميشا يوسف : ( 55 ) قال اجعلني على . . . . . ) قال اجعلني على خزائن الأرض ( ولني أمرها والأرض أرض مصر ) إني حفيظ ( لها ممن لا يستحقها ) عليم ( بوجوه التصرف فيه ولعله عليه السلام لما رأى أنه يستعمله في أمره لا محالة آثر ما تعم فوائده وتجل عوائده وفيه دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها والتولي من يد الكافر إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به وعن مجاهد أن الملك أسلم على يده ________________________________________ " صفحة رقم 296 " يوسف : ( 56 ) وكذلك مكنا ليوسف . . . . . ) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ( في أرض مصر ) يتبوأ منها حيث يشاء ( ينزل من بلادها حيث يهوى وقرأ ابن كثير ) نشاء ( بالنون ) نصيب برحمتنا من نشاء ( في الدنيا والآخرة ) ولا نضيع أجر المحسنين ( بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا يوسف : ( 57 ) ولأجر الآخرة خير . . . . . ) ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ( الشرك والفواحش لعظمه ودوامه يوسف : ( 58 ) وجاء إخوة يوسف . . . . . ) وجاء إخوة يوسف ( روي أنه لما استوزره الملك أقام العدل واجتهد في تكثير الزراعات وضبط الغلات حتى دخلت السنون المجدبة وعم القحط مصر والشأم ونواحيهما وتوجه إليه الناس فباعها أولا بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شيء منها ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا ثم عرض الأمر على الملك فقال الرأي رايك فأعتقهم ورد عليهم أموالهم وكان قد أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه للميرة ) فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ( اي عرفهم يوسف ولم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام يوسف : ( 59 ) ولما جهزهم بجهازهم . . . . . ) ولما جهزهم بجهازهم ( أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله والجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها وقرئ ) بجهازهم ( بالكسر ) قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( روي أنهم لما دخلوا عليه قال من أنتم وما أمركم لعلكم عيون قالوا معاذ الله إنما نحن بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب قال كم أنتم قالوا كنا اثني عشر فذهب أحدنا إلى البرية فهلك قال فكم أنتم ها هنا قالوا عشرة قال فأين الحادي عشر قالوا عند أبينا يتسلى به عن الهالك قال فمن يشهد لكم قالوا لا يعرفنا أحد ها هنا فيشهد لنا قال فدعو بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أصدقكم فاقترعوا فأصابت شمعون وقيل كان يوسف يعطي لكل نفر حملا فسألوه حملا زائدا لأخ لهم من أبيهم فأعطاهم وشرط عليهم أن يأتوه به ليعلم صدقهم ) ألا ترون أني أوفي الكيل ( ________________________________________ " صفحة رقم 297 " أتمه ) وأنا خير المنزلين ( للضيف والمضيفين لهم وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم يوسف : ( 60 ) فإن لم تأتوني . . . . . ) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ( ولا تدخلوا دياري وهو إما نهي أو نفي معطوف على الجزاء يوسف : ( 61 ) قالوا سنراود عنه . . . . . ) قالوا سنراود عنه أباه ( سنجتهد في طلبه من أبيه ) وإنا لفاعلون ( ذلك لا نتوانى فيه يوسف : ( 62 ) وقال لفتيانه اجعلوا . . . . . ) وقال لفتيانه ( لغلمانه الكيالين جمع فتى وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) لفتيانه ( على أنه جمع الكثرة ليوافق قوله ) اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ( فإنه وكل بكل رحل واحدا يعني فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما وإنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم وترفعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به ) لعلهم يعرفونها ( لعلهم يعرفون حق ردها أو لكي يعرفوها ) إذا انقلبوا ( انصرفوا ورجعوا ) إلى أهلهم ( وفتحوا أوعيتهم ) لعلهم يرجعون ( لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع يوسف : ( 63 ) فلما رجعوا إلى . . . . . ) فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ( حكم بمنعه هذا إن لم نذهب ببنيامين ) فأرسل معنا أخانا نكتل ( نرفع المانع من الكيل ونكتل ما نحتاج إليه وقرأ حمزة والكسائي بالياء على إسناده إلى الأخ أي يكتل لنفسه فينضم اكتياله إلى اكتيالنا ) وإنا له لحافظون ( من أن يناله مكروه يوسف : ( 64 ) قال هل آمنكم . . . . . ) قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ( وقد قلتم في يوسف ) وإنا له لحافظون ( فالله خير حافظا فأتوكل عليه ) وأفوض أمري ( إليه وانتصاب / حفظا / على التمييز و ) حافظا ( على قراءة حمزة والكسائي وحفص يحتمله والحال كقوله لله دره ________________________________________ " صفحة رقم 298 " فارسا وقرئ / خير حافظ / و / خير الحافظين / ) وهو أرحم الراحمين ( فارجوا أن يرحمني بحفظه ولا يجمع على مصيبتين يوسف : ( 65 ) ولما فتحوا متاعهم . . . . . ) ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ( وقرئ ) ردت ( بنقل كسرة الدال المدغمة إلى الراء نقلها في بيع وقيل ) قالوا يا أبانا ما نبغي ( ماذا نطلب هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا أو لا نطلب وراء ذلك إحسانا أو لا نبغي في القول ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه وقرئ / ما تبغي / على الخطاب أي شيء تطلب وراء هذا الإحسان أو من الدليل على صدقنا ) هذه بضاعتنا ردت إلينا ( استئناف موضح لقوله ) ما نبغي ( ) ونمير أهلنا ( معطوف على محذوف أي ردت إلينا فنستظهر بها ونمير أهلنا بالرجوع إلى الملك ) ونحفظ أخانا ( عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا ) ونزداد كيل بعير ( وسق بعير باستصحاب أخينا هذا إذا كانت ) ما ( استفهامية فأما إذا كانت نافية احتمل ذلك واحتمل أن تكون الجمل معطوفة على ) ما نبغي ( أي لا نبغي فيما نقول ) ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ( ) ذلك كيل يسير ( أي مكيل قليل لا يكفينا استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم ويجوز أن تكون الإشارة إلى كيل بعير أي ذلك شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك ولا يتعاظمه وقيل إنه من كلام يعقوب ومعناه إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد يوسف : ( 66 ) قال لن أرسله . . . . . ) قال لن أرسله معكم ( إذ رأيت منكم ما رأيت ) حتى تؤتون موثقا من الله ( حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله أي عهدا مؤكدا بذكر الله ) لتأتنني به ( جواب القسم إذ المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتيني به ) إلا أن يحاط بكم ( إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعا وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال والتقدير لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به في تأويل النفي أي لا تمتنعون ________________________________________ " صفحة رقم 299 " من الإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم أقسمت بالله إلا فعلت أي ما أطلب إلا فعلك ) فلما آتوه موثقهم ( عهدهم ) قال الله على ما نقول ( من طلب الموثق وإتيانه ) وكيل ( رقيب مطلع يوسف : ( 67 ) وقال يا بني . . . . . ) وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ( لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا ولعله لم يوصهم بذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ أو كان الداعي إليها خوفه على بنيامين وللنفس آثار منها العين والذي يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( مما قضي عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر ) إن الحكم إلا لله ( يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك ) عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ( جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة للاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدي بهم يوسف : ( 68 ) ولما دخلوا من . . . . . ) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ( أي من أبواب متفرقة في البلد ) ما كان يغني عنهم ( رأي يعقوب واتباعهم له ) من الله من شيء ( مما قضاه عليهم كما قال يعقوب عليه السلام فسرقوا وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على يعقوب ) إلا حاجة في نفس يعقوب ( استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا ) قضاها ( أظهرها ووصى بها ) وإنه لذو علم لما علمناه ( بالوحي ونصب الحجج ولذلك ولذلك قال ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( ولم يغتر بتدبيره ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر يوسف : ( 69 ) ولما دخلوا على . . . . . ) ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ( ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي أنه أضافه فأجلسهم مثنى فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيا لجلس معي فأجلسه معه على مائدته ثم قال لينزل كل اثنين منكم بيتا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من ________________________________________ " صفحة رقم 300 " يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و ) قال إني أنا أخوك فلا تبتئس ( فلا تحزن افتعال من البؤس ) بما كانوا يعملون ( في حقنا فيما مضى يوسف : ( 70 ) فلما جهزهم بجهازهم . . . . . ) فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية ( المشربة ) في رحل أخيه ( قيل كانت مشربة جعلت صاعا يكال به وقيل كانت تسقى الدواب بها ويكال بها وكانت من فضة وقيل من ذهب صاعا وقرئ و ) جعل ( على حذف جواب فلما تقديره أمهلهم حتى انطلقوا ) ثم أذن مؤذن ( نادى مناد ) أيتها العير إنكم لسارقون ( لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام أو كان تعبية السقاية والنداء عليها برضا بنيامين وقيل معناه إنكم لسارقون يوسف من أبيه أو أئنكم لسارقون والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تتردد فقيل لأصحابها كقوله عليه الصلاة والسلام يا خيل الله اركبي وقيل جمع عير وأصله فعل كسقف فعل به ما فعل ببيض تجوز به لقافلة الحمير ثم استعير لكل قافلة يوسف : ( 71 ) قالوا وأقبلوا عليهم . . . . . ) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ( أي شيء ضاع منكم والفقد غيبة الشيء عن الحس بحيث لا يعرف مكانه وقرئ ) تفقدون ( من أفقدته إذا وجدته فقيدا يوسف : ( 72 ) قالوا نفقد صواع . . . . . ) قالوا نفقد صواع الملك ( وقرئ / صاع / و / صوع / بالفتح والضم والعين والغين و / صواغ / من الصياغة ) ولمن جاء به حمل بعير ( من الطعام جعلا له ) وأنا به زعيم ( كفيل أؤديه إلى من رده وفيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل ________________________________________ " صفحة رقم 301 " يوسف : ( 73 ) قالوا تالله لقد . . . . . ) قالوا تالله ( قسم فيه معنى التعجب التاء بد من الباء مختصة باسم الله تعالى ) لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ( استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد يوسف : ( 74 ) قالوا فما جزاؤه . . . . . ) قالوا فما جزاؤه ( فما جزاء السارق أو السرق أو ال ) صواع ( على حذف المضاف ) إن كنتم كاذبين ( في ادعاء البراءة يوسف : ( 75 ) قالوا جزاؤه من . . . . . ) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ( أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام وقوله ) فهو جزاؤه ( تقرير للحكم وإلزام له أو خبر ) من ( والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطية والجملة كما هي خبر ) جزاؤه ( على إقامة الظاهر فيها مقام الضمير كأنه قيل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو ) كذلك نجزي الظالمين ( بالسرقة يوسف : ( 76 ) فبدأ بأوعيتهم قبل . . . . . ) فبدأ بأوعيتهم ( فبدأ المؤذن وقيل يوسف لأنهم ردوا إلى مصر ) قبل وعاء أخيه ( بنيامين نفيا للتهمة ) ثم استخرجها ( أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث ) من وعاء أخيه ( وقرئ بضم الواو وبقلبها همزة ) كذلك ( مثل ذلك الكيد ) كدنا ليوسف ( بأن علمناه إياه وأوحينا به إليه ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( ملك مصر لأن دينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد ) إلا أن يشاء الله ( أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعا أي لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه ) نرفع درجات من نشاء ( بالعلم كما رفعنا درجته ) وفوق كل ذي علم عليم ( أرفع درجة منه واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو ________________________________________ " صفحة رقم 302 " كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه والجواب أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم ولأن العليم هو الله سبحانه وتعالى ومعناه الذي له العلم البالغ لغة ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص يوسف : ( 77 ) قالوا إن يسرق . . . . . ) قالوا إن يسرق ( بنيامين ) فقد سرق أخ له من قبل ( يعنون يوسف قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه ثم أظهرت ضياعها فتفحص عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم وقيل كان لأبي أنه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثيلا صغيرا من الذهب ) فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ( أكنها ولم يظهرها لهم والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة وقيل أنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله ) قال أنتم شر مكانا ( فإنه بدل من أسرها والمعنى قال في نفسه أنتم شر مكانا أي منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم أو في سوء الصنيع مما كنتم عليه وتأنيثها باعتبار الكلمة أو الجملة وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن ) والله أعلم بما تصفون ( وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون يوسف : ( 78 ) قالوا يا أيها . . . . . ) قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا ( أي في السن أو القدرة ذكروا له حاله استعطافا له عليه ) فخذ أحدنا مكانه ( بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به ________________________________________ " صفحة رقم 303 " ) إنا نراك من المحسنين ( إلينا فأتمم إحسانك أو من المتعودين بالإحسان فلا تغير عاداتك يوسف : ( 79 ) قال معاذ الله . . . . . ) قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ( فإن أخذ ظلم على فتواكم فلو أخذنا أحدكم مكانه ) إنا إذا لظالمون ( في مذهبكم هذا وإن مراده إن اله أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله لمصلحته ورضاه عليه فلون أخذت غيره كنت ظالما يوسف : ( 80 ) فلما استيأسوا منه . . . . . ) فلما استيأسوا منه ( يئسوا من يوسف وإجابته إياهم زيادة السين والتاء للمبالغة ) خلطوا ( انفردوا واعتزلوا ) نجيا ( متناجين وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هم صديق وجمعه أنجية كندية وأندية ككبيرهم في السن وهو روبيل أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا ) ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ( عهدا وثيقا وأنما جعل لفهم بالله مووثقا منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته ) ومن قبل ( ومن قبل هذا ) ما فرطتم في يوسف ( قصرتم في شأنه و ) ما ( مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا ولا بأس بالفصل بي العاطف والمعطوف بالظرف أو على اسم ) إن ( وخبره في يوسف أو ) من قبل ( أو الرفع بالإبتداء والخبر ) من قبل ( وفيه نظر لأن ) قبل ( إذا كان خبرا أو صلة لا يقطع عن الإضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي ما فرطتموه بمعنى ما قدمتوه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم ) فلن أبرح الأرض ( فلن أفارق أرض مصر ) حتى يأذن لي أبي ( في الرجوع ) أو يحكم الله لي ( أويقضي لي بالخروج منها أو بخلاص أخي منهم أو بالمقابلة معهم لتخليصه وروي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه قم إلى جنبه فسمه وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرا من برز يعقوب ) وهو خير الحاكمين ( لأن حكمه لا يكون إلا بالحق ________________________________________ " صفحة رقم 304 " يوسف : ( 81 ) ارجعوا إلى أبيكم . . . . . ) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ( على ما شاهدناه من ظاهر الأمر وقرىء ) سرق ( أي نسب إلى السرقة ) وما شهدنا ( عليه ) إلا بما علمنا ( بان رأينا أن الصواع استخرج من وعائه ) وما كنا للغيب ( لباطن الحال ) حافظين ( فلا ندري أنه سرق الصواع في رحله أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق أو أنك تصاب به كما أصبت بيوسف يوسف : ( 82 ) واسأل القرية التي . . . . . ) واسأل القرية التي كنا فيها ( يعنون مصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها و ا لمعنى أرسل إلى اهلها واسألهم عنا لقصة ) والعير التي أقبلنا فيها ( وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم ) وإنا لصادقون ( تأكيد في محل القسم يوسف : ( 83 ) قال بل سولت . . . . . ) قال بل سولت ( أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخووهم قال ) بل سولت ( أي زينت وسهلت ) لكم أنفسكم أمرا ( أردتموه فقد رتموه وإلا فما أدرى الملك أن السرق يؤخذ بسرقته ) فصبر جميل ( أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل ) عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ( بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر ) إنه هو العليم ( بحالي وحالهم ) الحكيم ( في تدبيرهما يوسف : ( 84 ) وتولى عنهم وقال . . . . . ) وتولى عنهم ( وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم ) وقال يا أسفى على يوسف ( أي يا اسفا تعال فهذا أوانك والأسف اشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم وإنما تاسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غبضا آخذا بمجامع قلبه ولأنه كان واثقا بحياتهما دون حياته وفي الحديث لم تعط أمة من الأمم ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( عند المصيبة إلا أمة ________________________________________ " صفحة رقم 305 " محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال ) يا أسفى ( ) وابيضت عيناه من الحزن ( لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما وقيل ضعف بصره وقيل عمي وقرىء ) من الحزن ( وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ولقد بكى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ولده إبراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ) فهو كظيم ( مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى ) وهو مكظوم ( من كظم السقاء إذا شده على ملئه أو بمعنى مفعول كقوله ) والكاظمين الغيظ ( من كظم الغيظ إذا اجترعه واصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه يوسف : ( 85 ) قالوا تالله تفتأ . . . . . ) قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ( أي لا تفتأ ولا تزال تذكرة تفجعا عليه فحذف لا كما قوله " فقلت يمين الله أبرح قاعدا " لأنه لا يلتبس بالإثبات فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي ) حتى تكون حرضا ( مريضا مشفيا على الهلاك وقيل الحرض الذي أذابه هم أو مرض وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف وقد قرىء به وبضمتين كجنب ) أو تكون من الهالكين ( من الميتين يوسف : ( 86 ) قال إنما أشكو . . . . . ) قال إنما أشكو بثي وحزني ( همي الذي لا أقدر الصبر عليه من البث بمعنى النشر ) إلى الله ( لا إلى أحد منكم ومن غيركم فخلوني وشكايتي ) وأعلم من الله ( من صنعه ________________________________________ " صفحة رقم 306 " ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع المتجىء إليه أو من الله بنوع من الإلهام ) ما لا تعلمون ( من حياة يوسف قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجدا يوسف : ( 87 ) يا بني اذهبوا . . . . . ) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس ) ولا تيأسوا من روح الله ( ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه وقرىء ) من روح الله ( أي من رحمته التي يحيا بها العباد ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال يوسف : ( 88 ) فلما دخلوا عليه . . . . . ) فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز ( بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية ) مسنا وأهلنا الضر ( شدة الجوع ) وجئنا ببضاعة مزجاة ( رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان قيل كانت دراهم زيوفا وقيل صوفا وسمنا وقيل الصنوبر والحبة الخضراء وقيل الأقط وسويق المقل ) فأوف لنا الكيل ( فأتم لنا الكيل ) وتصدق علينا ( برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الله يجزي المتصدقين ( أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته لكنه اختص عرفا بما يبتغي به ثواب من الله تعالى يوسف : ( 89 ) قال هل علمتم . . . . . ) قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ( أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة ) إذ أنتم جاهلون ( قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته وإنما قال ذلك تنصيحا لهم وتحريضا على التوبة وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاقبة وتثريبا وقيل أعطوه كتاب ________________________________________ " صفحة رقم 307 " يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو في من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك وإنما جلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال أو لأنهم كانوا حينئذ صبيانا شياطين يوسف : ( 90 ) قالوا أئنك لأنت . . . . . ) قالوا أئنك لأنت يوسف ( استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه وقرأ ابن كثير على الإيجاب قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به وقيل تبسم فعرفوه ببثناياه وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها ) قال أنا يوسف وهذا أخي ( من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه به وتفحيما لشأنه وإدخالا له في قوله ) قد من الله علينا ( أي بالسلامة والكرامة ) إنه من يتق ( أي يتق اله ) ويصبر ( على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر يوسف : ( 91 ) قالوا تالله لقد . . . . . ) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ( اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة ) وإن كنا لخاطئين ( والحال أن شأننا أنا كنا مذنبين بما فعلنا معك يوسف : ( 92 ) قال لا تثريب . . . . . ) قال لا تثريب عليكم ( لا تأنيب عليكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإزالة كالتجليد فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ما ء الوجه ) اليوم ( متعلق بال ) تثريب ( أو بالمقدر للجار الواقع خبرا لل ) لا تثريب ( والمعنى لا أثربكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقبوله ) يغفر الله لكم ( لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها ) وهو أرحم الراحمين ( فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب ومن كرم يوسف عليه الصلاة والسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا إنك تدعونا بالبكرة والعشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك فقال درهما ما بلغ ولد شرفت بكم وعظمت فيعيونهم حيث علموا أنكم اخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوسف : ( 93 ) اذهبوا بقميصي هذا . . . . . ) اذهبوا بقميصي هذا ( القميص الذي كان عليه وقيل القميص المتوارث الذي كان ________________________________________ " صفحة رقم 308 " في التعويذ ) فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( أي يرجع بصيرا أي ذا بصر ) ائتوني ( أنتم وأبي ) بأهلكم أجمعين ( بنسائكم وذرايكم ومواليكم يوسف : ( 94 ) ولما فصلت العير . . . . . ) ولما فصلت العير ( من مصر وخرجت من عمرانها ) قال أبوهم ( لمن حضره ) إني لأجد ريح يوسف ( أوجده الله ريح ما عبق بقميصه من ريحه حيين أقبل به غليه يهوذا من ثمانين فرسخا ) لولا أن تفندون ( تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم ولذلك لا يقال عجوز مفندة ن نقصان عقلها ذاتي وجواب ) لولا ( محذوف بقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب يوسف : ( 95 ) قالوا تالله إنك . . . . . ) قالوا ( أي الحاضرون ) تالله إنك لفي ضلالك القديم ( لفي ذهابك عن الصواب قدما بالإفراط في محبة يوسف وإكثار ذكره والتوقع للقائه يوسف : ( 96 ) فلما أن جاء . . . . . ) فلما أن جاء البشير ( يهوذا روي أنه قال كما أحزنته بحمل قميصه الملطخ بالدم إليه فأفرحه بحمل هذا غليه ) ألقاه على وجهه ( طرح البشير القميص على وجه يعقوب عليه السلام أو يعقوب نفسه ) فارتد بصيرا ( عاد بصيرا لما انتعش فيه من القوة ) قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ( من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام وإنزال الفرح وقيل إني أعلم كلام مبتدأ والمقول ) ولا تيأسوا من روح الله ( أو ) إني لأجد ريح يوسف ) يوسف : ( 97 ) قالوا يا أبانا . . . . . ) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ( ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ويسأله المغفرة يوسف : ( 98 ) قال سوف أستغفر . . . . . ) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ( اخره إلى السحر أو إلى صلاة ________________________________________ " صفحة رقم 309 " الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف أو يعلم أنه عفا عنهم فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ويؤيده ما روي أنه استقبل القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبريل وقال إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة وهو إن صح فدليل على نبوتهم وأن ما صادر عنهم كان قبل استنبائهم يوسف : ( 99 ) فلما دخلوا على . . . . . ) فلما دخلوا على يوسف ( روي أنه وجه إليه رواحل وأموالا ليتجهز إليه بمن معه استقبله يوسف والملك بأهل مصر وكان أولاده الذين دخلوا معه مصر اثنين وسبعين رجلا وامرأة وكانوا حين خرجوا مع موسى عليه الصلاة والسلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة سبعين رجلا سوى الذرية والهرمى ) آوى إليه أبويه ( ضم إليه أباه وخالته واعتنقهما نزلها منزلة الأم تنزيل العم منزلة الأب في قوله تعالى ) وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( أو لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام تزوجها بعد أمه والربة تدعى أما ) وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ( من القحط وأصناف المكاره والمشيئة متعلقة بالدخول المكيف بالمن والدخول الأول كان في موضع خارج البلد حين استقبلهم يوسف : ( 100 ) ورفع أبويه على . . . . . ) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ( تحية وتكرمة له فإن السجود كان عندهم يجري مجراها وقيل معناه خروا لأجله سجدا لله شكرا وقيل الضمير لله تعالى والواو لأبويه وإخوته والرفع مؤخر عن الخرور وإن قدم لفظا للإهتمام بتعظيمه لهما ) وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ( التي رأيتها أيام الصبا ) قد جعلها ربي حقا ( صدقا ) وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريا عليهم ) وجاء بكم من البدو ( من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو ) من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( أفسد بيننا وحرش من نزع الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجري ) إن ربي لطيف لما يشاء ( لطيف التدبير له إذا ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته ويتسهل دونها ) إنه هو العليم ( بوجود المصالح والتدابير ) الحكيم ( الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى و جه يقتضي الحكمة روي أن يوسف طاف بأبيه عليهما الصلاة ________________________________________ " صفحة رقم 310 " والسلام في خزائنه فلما أدخله خزانة القراطيس قال يا بني ما اعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى على ثمان مراحل قال أمرني جبريل عليه السلام قال أو ما تسأله قال أنت أبسط مني غليه فاسأله فقال جبريل الله أمرني بذلك لقولك ) وأخاف أن يأكله الذئب ( قال فهلا خفتني يوسف : ( 101 ) رب قد آتيتني . . . . . ) رب قد آتيتني من الملك ( بعض الملك وهو ملك ) وعلمتني من تأويل الأحاديث ( الكتب أو الرؤيا ومن أيضا للبغيض لأنه لم يؤت كل التأويل ) فاطر السماوات والأرض ( مبدعهما وانتصابه على أنه صفة المنادى أو منادى برأسه ) أنت وليي ( ناصري ومتولي أمري ) في الدنيا والآخرة ( أو الذي يتولاني بالنعمة فيهما ) توفني مسلما ( اقبضني ) وألحقني بالصالحين ( من آبائي أو بعامة الصاحلين في الرتبة والكرامة روي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه فذهب به ودفنه ثمة ثم عاد وعاش بعده ثلاثا وعشرين سنة ثم تاقت نفسه إلى المك المخلد فتمنى الموت فتوفاه الله طيبا طارا فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعا فيه ثم نقله موسى عليها الصلاة والسلام إلى مدفن آبائه وكان عمره مائة وعشرين سنة وقد ولد له من راعيل افراثم وميشا وهو جد يوشع بن نون ورحمة امرأة أيوب عليها لصلاة والسلام يوسف : ( 102 ) ذلك من أنباء . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليها لصلاة والسلام والخاب فيه للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مبتدأ ) من أنباء الغيب نوحيه إليك ( خبران له ) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ( كالدليل عليهما والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه غلا بالوحي لأنك لمتحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هم به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أن ما لقيت أحدا سمع ذلك فتعلمت منه وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه ________________________________________ " صفحة رقم 311 " القصة كقوله ) تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) يوسف : ( 103 ) وما أكثر الناس . . . . . ) وما أكثر الناس ولو حرصت ( على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم ) بمؤمنين ( لعنادهم وتصميمهم على الكفر يوسف : ( 104 ) وما تسألهم عليه . . . . . ) وما تسألهم عليه ( على الإنباء أو القرآن ) من أجر ( من جعل كما يفعله حملة الأخبار ) إن هو إلا ذكر ( عظة من الله تعالى ) للعالمين ( عامة يوسف : ( 105 ) وكأين من آية . . . . . ) وكأين من آية ( وكم من آية والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده ) في السماوات والأرض يمرون عليها ( على الآيات ويشاهدونها ) وهم عنها معرضون ( لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وقرئ ) والأرض ( بالرفع على أنه مبتدأ خبره ) يمرون ( فيكون لها الضمير في ) عليها ( وبالنصب على ويطئون الأرض وقرئ / والأرض يمشون عليها / أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة يوسف : ( 106 ) وما يؤمن أكثرهم . . . . . ) وما يؤمن أكثرهم بالله ( في إقراراهم بوجوده وخالقيته ) إلا وهم مشركون ( بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا ونسبة التبني إليه تعالى أو لاقول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك وقيل الآية في مشركي مكة وقيل في المنافقين وقيل في أهل الكتاب يوسف : ( 107 ) أفأمنوا أن تأتيهم . . . . . ) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ( عقوبة تغشاهم وتشملهم ) أو تأتيهم الساعة بغتة ( فجأة من غير سابقة علامة ) وهم لا يشعرون ( بإتيانها غير مستعدين لها يوسف : ( 108 ) قل هذه سبيلي . . . . . ) قل هذه سبيلي ( يعني الدعوة إلى التوحيد والإعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل ________________________________________ " صفحة رقم 312 " بقوله ) أدعو إلى الله ( وقيل هو حال الياء ) على بصيرة ( بيان وحجة واضحة غير عمياء ) إن ( تأكيد للمستتر في ) أدعو ( أو ) على بصيرة ( ) ومن اتبعني ( عطف عليه ) وسبحان الله وما أنا من المشركين ( وأنزهه تنزيها من الشركاء يوسف : ( 109 ) وما أرسلنا من . . . . . ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( رد لقولهم ) لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ( وقيل معناه نفي استنباء النساء ) نوحي إليهم ( كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم وقرأ حفص ) نوحي ( في كل القرآن ووافقه حمزة والكسائي في سورة الأنبياء ) من أهل القرى ( لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك أو من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها ) ولدار الآخرة ( ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة ) خير للذين اتقوا ( الشرك والمعاصي ) أفلا تعقلون ( يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملا على قوله ) قل هذه سبيلي ( أي قل لهم أفلا تعقلون يوسف : ( 110 ) حتى إذا استيأس . . . . . ) حتى إذا استيأس الرسل ( غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تماد أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى آيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان وقيل الضمير للمرسل أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد وقيل الأول للمرسل ________________________________________ " صفحة رقم 313 " إليهم والثاني للرسل أي وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب عن طريق الوسوسة هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإمهال على سبيل التمثيل وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثرا ) جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ( النبي والمؤمنين وإنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لا يشركهم فيه غيرهم وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول وقرىء فنجا ) ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( إذا نزل بهم وفيه بيان للمشيئين يوسف : ( 111 ) لقد كان في . . . . . ) لقد كان في قصصهم ( في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته ) عبرة لأولي الألباب ( لذوي العقول المبرأة من شوائب الإلف والركون إلى الحس ) ما كان حديثا يفترى ( ما كانا لقرآن حديثا يفترى ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( من الكتب الإلهية ) وتفصيل كل شيء ( يحتاج إليه في ________________________________________ " صفحة رقم 314 " الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط ) وهدى ( من الضلال ) ورحمة ( ينال بها خير الدارين ) لقوم يؤمنون ( يصدقونه وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علموا أرقاءكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما ________________________________________ " صفحة رقم 315 " سورة الرعد وقيل مكية إلا قوله ) ويقول الذين كفروا ( . الآية وهي ثلاث وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الرعد : ( 1 ) المر تلك آيات . . . . . ) المر ( قيل معناه أنا الله أعلم وأرى ) تلك آيات الكتاب ( يعني بالكتاب السورة و ) تلك ( إشارة إلى آياتها أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة أو القرآن ) والذي أنزل إليك من ربك ( هو القرآن كله ومحله الجر بالعطف على ) الكتاب ( عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى أو الرفع يالابتداء وخبره ) الحق ( والجملة كالحجة على الجملة الأولى وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكونه حقا فهم أعم من المنزل صريحا أو ضمنا كالمثبت بالقياس وغيره مما نطق المنزل بحسن اتباعه ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه ________________________________________ " صفحة رقم 316 " الرعد : ( 2 ) الله الذي رفع . . . . . ) الله الذي رفع السماوات ( مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون الموصول صفة والخبر ) يدبر الأمر ( ) بغير عمد ( أساطين جمع عماد كإهاب وأهب أو عمود كأديم وأدم وقرئ ) عمد ( كرسل ) ترونها ( صفة ل ) عمد ( أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السموات كذلك وهو دليل على وجود الصانع الحكيم فإن ارتفاعها على سائر الأجسام السماوية لها في حقيقة الجرمية واختصاصها بماا يقتضي ذلك لا بد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات ) ثم استوى على العرش ( بالحفظ والتدبير ) وسخر الشمس والقمر ( ذللهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها ) كل يجري لأجل مسمى ( لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضرومة ينقطع دونها سيرة وهي ) إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت ( ) يدبر الأمر ( أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وغير ذلك ) يفصل الآيات ( ينزلها ويبينها مفصلة أو يحدث الدلائل واحدا بعد واحد ) لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قدر على الإعادة والجزاء الرعد : ( 3 ) وهو الذي مد . . . . . ) وهو الذي مد الأرض ( بسطها طولا وعرضا لتثبت عليها الأقدام وينقلب عليها ________________________________________ " صفحة رقم 317 " الحيوان ) وجعل فيها رواسي ( جبالا ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت جمع راسية والتاء للتأنيث على أنها صفة أجبل أو للمبالغة ) وأنهارا ( ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث إن الجبال أسباب لتولدها ) ومن كل الثمرات ( متعلق بقوله ) جعل فيها زوجين اثنين ( أي وجعل فيها من كل أنواع الثمرات صنفين اثنين كالحلو والحامض والأسود والأبيض والصغير والكبير ) يغشي الليل النهار ( يلبسه مكانه فيصير الجو مظلما بعدما كان مضيئا وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ) يغشى ( بالتشديد ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( فيها فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيأ أسبابها الرعد : ( 4 ) وفي الأرض قطع . . . . . ) وفي الأرض قطع متجاورات ( بعضها طيبة وبعضها سبخة وبعضها رخوة وبعضها صلبة وبعضها تصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع ) وجنات من أعناب وزرع ونخيل ( وبساتين فيها أنواع الشجار والزروع وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص ) وزرع ونخيل ( بالرفع عطفا على ) وجنات ( ) صنوان ( نخلات أصلها واحد ) وغير صنوان ( متفرقات مختلفات الأصول وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم ك / فنوان / في جمع قنو ) يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ( في ________________________________________ " صفحة رقم 318 " التمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما وذلك أيضا مما يدل على الصانع الحكيم فإن اختلافهما مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون إلا بتخصيص قادر مختار وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب ) يسقى ( بالتذكير على تأويل ما ذكر وحمزة والكسائي يفضل بالياء ليطابق قوله الرعد : ( 5 ) وإن تعجب فعجب . . . . . ) يدبر الأمر ( ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم بالتفكير ) وإن تعجب ( يامحمد من إنكارهم البعث ) فعجب قولهم ( حقيق بأن يتعجب بالتفكر ) وإن تعجب ( يا محمد من إنكارهم البعث ) فعجب قولهم ( حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإعادة أيسر شيء عليه والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته ) أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ( بدل من قولهم أو مفعول له والعامل في إذا محذوف دل عليه ) أئنا لفي خلق جديد ( ) أولئك الذين كفروا بربهم ( لأنهم كفروا بقدرته على البعث ) وأولئك الأغلال في أعناقهم ( مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة ) وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( لا ينفكون عنها وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار الرعد : ( 6 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل . . . . . ) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ( بالعقوبة قبل العافية وذلك لأنهم استعجلوا ما هددوا به من عذاب الدنيا استهزاء ) وقد خلت من قبلهم المثلات ( عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بهاو لم يجوزوا حلول مثلها عليهم والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصدقة والصدقة العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه ومنه المثال للقصاص وأمثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته منه وقرىء / المثلاث / بالتخفيف و / المثلاث / بإتباع الفاء العين و / المثلاث / بالتخفيف بعد الإتباع و / المثلاث / بفتح الثاء على أنها جمع مثلة كركبة وركبات ) وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ( مع ظلمهم أنفسهم ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة فإن التائب ليس على ظلمه ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة لمجتنب الكبائر أو ________________________________________ " صفحة رقم 319 " أول المغفرة بالستر والإمهال ) وإن ربك لشديد العقاب ( للكفار أو لمن شاء وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش ولولا وعيده وعقابه لا تكل على أحد الرعد : ( 7 ) ويقول الذين كفروا . . . . . ) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ( لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحا لنحو ما أوتي موسى عليهما السلام ) إنما أنت منذر ( مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك ) ولكل قوم هاد ( نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى لاحق ويدعوهم إلى الصواب أو قادر على هدايتهم وهو الله تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات الرعد : ( 8 ) الله يعلم ما . . . . . ثم أردف ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره تنبيها على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه وإنما لم ينزل لعلمه بأن اقتراخهم للعناد دون الاسترشاد وأنه قادر على هدايتهم وإنما لم يهدهم لسبق قضائه بالكفر فقل ) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة ) وما تغيض الأرحام وما تزداد ( وما تنقصه وما تزداده في الجنة والمدة والعدد وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة روي أن الضحاك ولد لسنتين وهرم ابن حيان لأربع سنين وأعلى عدده لا حد له وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطونا في كل بطن خمسة وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده وغاض جاء متعديا ولازما وكذا ازداد قال تعالى ) وازدادوا تسعا ( ________________________________________ " صفحة رقم 320 " فإن جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية وإسنادهم إلى الأرحام على المجازفإنهما لله تعالى أو لما فيها ) وكل شيء عنده بمقدار ( بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى ) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين وهيأ له أسبابا مسوفة إلي تقتضي ذلك وقرأ ابن كثير ) هاد ( و ) وآل ( و ) واق ( ) وما عند الله باق ( بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير والباقون يصلون ويقفون بغير ياء الرعد : ( 9 ) عالم الغيب والشهادة . . . . . ) عالم الغيب ( الغائب عن الحس ) والشهادة ( الحاضر له ) الكبير ( العظيم الشأن الذي لا يخرج عن علمه شيء ) المتعال ( المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه الرعد : ( 10 ) سواء منكم من . . . . . ) سواء منكم من أسر القول ( في نفسه ) ومن جهر به ( لغيره ) ومن هو مستخف بالليل ( طالب للخفاء في مختبأ بالليل ) وسارب ( بارز ) بالنهار ( يراه كل أحد من سرب سروبا إذا برز وهو عطف على من أو مستخف على أن من في معنى الاثنين كقوله " نكن مثل من يا ذئب يصطحبان " كأنه قال سواء منكم اثنين مستخف بالليل وسارب بالنهار والآية متصلة بما قبلها مقررة لكمال علمه وشموله ________________________________________ " صفحة رقم 321 " الرعد : ( 11 ) له معقبات من . . . . . ) له ( لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب ) معقبات ( ملائكة في حفظه جمع معقبة من عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة أو لأن المراد بالمعقبات جماعات وقرئ / معاقيب / جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين ) من بين يديه ومن خلفه ( من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر ) يحفظونه من أمر الله ( من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء وقيل من أمر الله صفة ثانية ل ) معقبات ( وقيل المعقبات الحرس والجلازة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى ) إن الله لا يغير ما بقوم ( من العافية والنعمة ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة ) وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ( فلا راد له فالعامل في ) إذا ( ما دل عليه الجواب ) وما لهم من دونه من وال ( ممن يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء وفيه دليل على أن خلاف مراد الله تعالى محال الرعد : ( 12 ) هو الذي يريكم . . . . . ) هو الذي يريكم البرق خوفا ( من أذاه ) وطمعا ( في الغيث وانتصابها على العلة بتقدير المضاف أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإخافة والإطماع أو الحال من ) البرق ( أو المخاطبين على إضمار ذو أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه ) وينشئ السحاب ( الغيم ________________________________________ " صفحة رقم 322 " المنسحب في الهواء ) الثقال ( وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع الرعد : ( 13 ) ويسبح الرعد بحمده . . . . . ) ويسبح الرعد ( ويسبح سامعوه ) بحمده ( ملتبسين به فيضجون بسبحان الله والحمد لله أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله وكمال قدرته ملتبسا بالدلالة على فضله ونزول رحمته وعن ابن عباس رضي الله عنهما سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب ) والملائكة من خيفته ( من خوف الله تعالى وإجلاله وقيل الضمير ل ) الرعد ( ) ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ( فيهلكه ) وهم يجادلون في الله ( حيث يكذبون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يصفه به منه كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية إعادة الناس ومجازاتهم والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل والواو إما لعطف الجملة على الجملة أو للحال فإنه روي أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاصدين لقتله فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف فتنبه له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة فقتله ورمى عامرا بغدة فمات في بيت سلولية وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية فنزلت ) وهو شديد المحال ( ________________________________________ " صفحة رقم 323 " الممالحة المكايدة لأعدائه من محل فلان بفلان إذا كايده وعرضه للهلاك ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ولعل أصله المحل بمعنى القحط وقيل فعال من المحل بمعنى القوة وقيل مفعل من الحول أو الحيلة أعل على غير قياس ويعضده أنه قرىء بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال ويجوز أن يكون بمعنى الفقار فيكون مثلا في القوة والقدرة كقولهم فساعد الله أشد و موساه أحد الرعد : ( 14 ) له دعوة الحق . . . . . ) له دعوة الحق ( الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد ويدعى إلى عبادته دون غيره أو له الدعوة المجابة فإن من دعاه أجابه ويؤيده ما بعده و ) الحق ( على الوجهين ما يناقض الباطل وإضافة ال ) دعوة ( إليه لما بينهما من الملابسة أو على تأويل دعوة المدعو الحق وقيل ) الحق ( هو الله تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق والمراد بالجملتين إن كانت الآية في إربد وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله إجابة لدعوة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أو دلالة على أنه على الحق وإن كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعاء رسول ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم أو بيان ظلالهم وفساد رأيهم ) والذين يدعون ( أي الأصنام فحذف المفعول لدلالة ) من دونه ( عليه ) لا يستجيبون لهم بشيء ( من الطلبات ) إلا كباسط كفيه ( إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه ) إلى الماء ليبلغ فاه ( يطلب منه أن يبلغه ) وما هو ببالغه ( لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته والإتيان بغير ما جبل عليه وكذلك آلهتهم وقيل شبهوا في قلة ________________________________________ " صفحة رقم 324 " جدوى دعائهم لها بمن أراد أن يغترف الماء ليشربه فبسط كفيه ليشربه وقرىء ) تدعون ( بالتاء وباسط بالتنوين ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( في ضياع وخسار وباطل الرعد : ( 15 ) ولله يسجد من . . . . . ) ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( يحتمل أن يكون السجود على حقيقته فإنه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثقلين طوعا حالتي الشدة والرخاء والكفرة كرها حال الشدة والضرورة ) وظلالهم ( بالعرض وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده منهم شاؤوا أو كرهوا وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص وانتصاب ) طوعا وكرها ( بالحال أو العلة وقوله ) بالغدو والآصال ( ظرف ل ) يسجد ( والمراد بهما الدوام أو حال من الظلال وتخصيص الوقتين لأن الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما والغدو جمع غداة كقنى جمع قناة و ) والآصال ( جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب وقيل الغدو مصدر ويؤيده أنه قد قرىء و / الإيصال / وهو الدخول في الأصيل الرعد : ( 16 ) قل من رب . . . . . ) قل من رب السماوات والأرض ( خالقهما ومتولي أمرهما ) قل الله ( أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه ولأنه البين الذي لا يمكن المراء فيه أو لقنهم الجواب به ) قل أفاتخذتم من دونه ( ثم ألزمهم بذلك لأن اتخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل ) أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ( لا يقدرون على أن يجلبوا إليها نفعا أو يدفعوا عنها ضرا فكيف يستطيعون إنفاع الغير ودفع الضر عنه وهو دليل ثان على ضلالهم وفساد رأيهم في اتخاذهم أولياء رجاء أن يشفعوا لهم ) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( المشرك الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها والموحد العالم بذلك وقيل المعبود الغافل ________________________________________ " صفحة رقم 325 " عنكم والمعبود المطلع على أحوالكم ) أم هل تستوي الظلمات والنور ( الشرك والتوحيد وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالياء ) أم جعلوا لله شركاء ( بل أجعلوا والهمزة للإنكار وقوله ) خلقوا كخلقه ( صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار ) فتشابه الخلق عليهم ( خلق الله وخلقهم والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق ) قل الله خالق كل شيء ( أي لا خالق غيره فيشاركه في العبادة جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله ) وهو الواحد ( المتوحد بالألوهية ) القهار ( الغالب على كل شيء الرعد : ( 17 ) أنزل من السماء . . . . . ) أنزل من السماء ماء ( من السحاب أو من جانب السماء أو من السماء نفسها فإن المبادىء منها ) فسالت أودية ( أنهار جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه واستعمل للماء الجاري فيه وتنكيرها لأن المطر يأتي على تناوب بين البقاع ) بقدرها ( بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضار أو بمقدارها في الصغر والكبر ) فاحتمل السيل زبدا ( رفعه والزبد وضر الغليان ) رابيا ( عاليا ) ومما يوقدون عليه في النار ( يعم الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس على وجه التهاون بها إظهارا لكبريائه ) ابتغاء حلية ( أي طلب حلى ) أو متاع ( كالأواني وآلات الحرب والحرث ________________________________________ " صفحة رقم 326 " والمقصود من ذلك بيان منافعها ) زبد مثله ( أي ومما يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه و ) من ( للابتداء أو للتبعيض وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء على أن الضمير للناس وإضماره للعمل به ) كذلك يضرب الله الحق والباطل ( مثل الحق والباطل فإنه مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى والآبار وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلى واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة والباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وبين ذلك بقوله ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( يجفأ به أي يرمي به السيل والفلز المذاب وانتصابه على الحال وقرئ جفالا والمعنى واحد ) وأما ما ينفع الناس ( كالماء وخلاصة الفلز ) فيمكث في الأرض ( ينتفع به أهلها ) كذلك يضرب الله الأمثال ( لإيضاح المشتبهات الرعد : ( 18 ) للذين استجابوا لربهم . . . . . ) للذين استجابوا ( للمؤمنين الذين استجابوا ) لربهم الحسنى ( الاستجابة الحسنى ) والذين لم يستجيبوا له ( وهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوية أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ خبره ) لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ( وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين ) أولئك لهم سوء الحساب ( وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء ) ومأواهم ( مرجعهم ) جهنم وبئس المهاد ( المستقر والمخصوص بالذم محذوف الرعد : ( 19 ) أفمن يعلم أنما . . . . . ) أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ( فيستجيب ) كمن هو أعمى ( عمى القلب لا يستبصر فيستجيب والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم الرعد : ( 20 ) الذين يوفون بعهد . . . . . ) الذين يوفون بعهد الله ( ما عقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا ________________________________________ " صفحة رقم 327 " بلى أو عهد عهد الله تعالى عليهم في كتبه ) ولا ينقضون الميثاق ( ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبين العباد وهو تعميم بعد تخصيص الرعد : ( 21 ) والذين يصلون ما . . . . . ) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ( من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويندرج في ذلك مراعاة جميع حقوق الناس ) ويخشون ربهم ( وعيده عموما ) ويخافون سوء الحساب ( خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا الرعد : ( 22 ) والذين صبروا ابتغاء . . . . . ) والذين صبروا ( على ما تكرهه النفس ويخالفه الهوى ) ابتغاء وجه ربهم ( طلبا لرضاه لا لجزاء وسمعة ونحوهما ) وأقاموا الصلاة ( المفروضة ) وأنفقوا من ما رزقناهم ( بعضه الذي وجب عليهم إنفاقه ) سرا ( لمن لم يعرف بالمال ) وعلانية ( لمن عرف به ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( ويدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون السيئة الحسنة فتمحوها ) أولئك لهم عقبى الدار ( عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة والجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء وإن جعلت صفات لأولي الألباب فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات الرعد : ( 23 - 24 ) جنات عدن يدخلونها . . . . . ) جنات عدن ( بدل من ) عقبى الدار ( أو مبتدأ خبر ) يدخلونها ( والعدن الإقامة أي جنات يقيمون فيها وقيل هو بطنان الجنة ) ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ( عطف على المرفوع في يدخلون وإنما ساغ للفصل بالضمير الآخر أو مفعول معه والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة أو أن الموصوفين بتلك الصفات يقرن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة زيادة في أنسهم وفي التقييد بالصلاح دلالة على أن مجرد الأنساب لا تنفع ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( من أبواب المنازل أو من أبواب الفتوح والتحف قائلين ________________________________________ " صفحة رقم 328 " ) سلام عليكم ( بشارة بدوام السلامة ) بما صبرتم ( متعلق ب ) عليكم ( أو بمحذوف أي هذا بما صبرتم لا ب ) سلام ( فإن الخبر فاصل والباء للسببية أو للبدلية ) فنعم عقبى الدار ( وقرىء ) فنعم ( بفتح النون والأصل نعم فسكن العين بنقل كسرتها إلى الفاء وبغيره الرعد : ( 25 ) والذين ينقضون عهد . . . . . ) والذين ينقضون عهد الله ( يعني مقابلي الأولين ) من بعد ميثاقه ( من بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول ) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ( بالظلم وتهييج الفتن ) أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ( عذاب جهنم أو سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة ) عقبى الدار ) الرعد : ( 26 ) الله يبسط الرزق . . . . . ) الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( يوسعه ويضيقه ) وفرحوا ( أي أهل مكة ) بالحياة الدنيا ( بما بسط لهم في الدنيا ) وما الحياة الدنيا في الآخرة ( أي في جنب الآخرة ) إلا متاع ( إلا متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي والمعنى أنهم أشروا بما نالوا من الدنيا ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال الرعد : ( 27 ) ويقول الذين كفروا . . . . . ) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ( باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ) ويهدي إليه من أناب ( أقبل إلى الحق ورجع عن العناد وهو جواب يجري مجرى التعجب من قولهم كأنه قال قل لهم ما أعظم عنادكم إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم فلا سبيل إلى اهتدائهم و إن أنزلت كل آية ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات الرعد : ( 28 ) الذين آمنوا وتطمئن . . . . . ) الذين آمنوا ( بدل ) من ( أو خبر مبتدأ محذوف ) وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 329 " أنسا به واعتمادا عليه ورجاء منه أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( تسكن إليه الرعد : ( 29 ) الذين آمنوا وعملوا . . . . . ) الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( مبتدأ خبره ) طوبى لهم ( وهو فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى ويجوز فيه الرفع والنصب ولذلك قرئ ) وحسن مآب ( بالنصب الرعد : ( 30 ) كذلك أرسلناك في . . . . . ) كذلك ( مثل ذلك يعني إرسال قبلك ) أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها ( تقدمتها ) أمم ( أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم ) لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ( لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك ) وهم يكفرون بالرحمن ( وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته فلم يشكروا نعمه وخصوصا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرآن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل لهم ) اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ( ) قل هو ربي ( أي الرحمن خالقي ومتولي أمري ) لا إله إلا هو ( لا مستحق للعبادة سواه ) عليه توكلت ( في نصرتي عليكم ) وإليه متاب ( مرجعي ومرجعكم الرعد : ( 31 ) ولو أن قرآنا . . . . . ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي ولو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها ) أو قطعت به الأرض ( ________________________________________ " صفحة رقم 330 " تصدعت من خشية الله عند قراءته أو شققت فجعلت أنهارا وعيونا ) أو كلم به الموتى ( فتسمع فتقرؤه أو فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار أو لما آمنوا به كقوله ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ( الآية وقيل إن قريشا قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام أو ابعث لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك فنزلت وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير وقيل الجواب مقدم وهو قوله ) وهم يكفرون بالرحمن ( وما بينهما اعتراض وتذكير ) كلم ( خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي ) بل لله الأمر جميعا ( بل لله القدرة على كل شيء وهو إضراب عما تضمنته ) لو ( من معنى النفي أي بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله ) أفلم ييأس الذين آمنوا ( عن أيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن علي وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين قرؤوا / أفلم يتبين / وهو تفسير وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلوما ولذلك علقه بقوله ) أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( فإن معناه نفى هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره ) أفلم يأس الذين آمنوا ( ________________________________________ " صفحة رقم 331 " عن إيمانهم علما منهم ) أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( أو بآمنوا ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا ( من الكفر وسوء الأعمال ) قارعة ( ذاهبة تقرعهم وتقلقهم ) أو تحل قريبا من دارهم ( فيفرعون منها ويتطاير إليهم شررها وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالوا مصابين بما صنعوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا زال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطابا للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية ) حتى يأتي وعد الله ( الموت أو القيامة أو فتح مكة ) إن الله لا يخلف الميعاد ( لا متناع الكذب في كلامه الرعد : ( 32 ) ولقد استهزئ برسل . . . . . ) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه والإملاء أن يترك ملاوة من الزمان في دعة وأمن ) ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ( أي عقابي إياهم الرعد : ( 33 ) أفمن هو قائم . . . . . ) أفمن هو قائم على كل نفس ( رقيب عليها ) بما كسبت ( من خير أو شر لا يخفى عليه شيء من أعماله مولا يفوت عنده شيء من جزائهم والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك ) وجعلوا لله شركاء ( استئناف أو عطف على ) كسبت ( إن جعلت ) ما ( مصدرية ________________________________________ " صفحة رقم 332 " أو لم يوحدوه وجعلوا لعيه ويكون فيه موضع الضمير للتنبيه على أنه المستحق للعبادة وقوله ) قل سموهم ( تنبيه على أن هؤلاء الشركاء لا يستحقونها والمعنى صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة ) أم تنبئونه ( بل أتنبئونه وقرىء ) تنبئونه ( بالتخفيف ) بما لا يعلم في الأرض ( بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم أو بصفات لهم يستحقونها لأجلها لا يعملها وهو العالم بكل شيء ) أم بظاهر من القول ( أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى كتسمية الزنجي كافورا وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجاز ) بل زين للذين كفروا مكرهم ( تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها حقا أو كيدهم للإسلام يشركهم ) وصدوا عن السبيل ( سبيل الحق وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بعمرو وابن عامر ) وصدوا ( بالفتح أي وصدوا الناس عن الإيمان وقىء بالكسر وصد بالتنوين ) ومن يضلل الله ( يخذله ) فما له من هاد ( يوفقه للهدى الرعد : ( 34 ) لهم عذاب في . . . . . ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب ) ولعذاب الآخرة أشق ( لشدته ودوامه ) وما لهم من الله ( من عذابه أو من رحمته ) من واق ( حافظ الرعد : ( 35 ) مثل الجنة التي . . . . . ) مثل الجنة التي وعد المتقون ( صفتها التي هي مثل في الغرابة وهو مبتدأ خبر ________________________________________ " صفحة رقم 333 " محذوف عند سيبويه أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة وقيل خبره ) تجري من تحتها الأنهار ( على طريقة قولك صفة زيد أسمر أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار أو على زيادة المثل وهو على قول سيبويه حال من العائد أو المحذوف أو من الصلة ) أكلها دائم ( لا ينقطع ثمرها ) وظلها ( أي وظلها وكذلك لا ينسخ في الدنيا بالشمس ) تلك ( أي الجنة الموصوفة ) عقبى الذين اتقوا ( مآلهم ومنهى أمرهم ) وعقبى الكافرين النار ( لا غير وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين الرعد : ( 36 ) والذين آتيناهم الكتاب . . . . . ) والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ( يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلا أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم ) ومن الأحزاب ( يعني كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما ) من ينكر بعضه ( وهو من يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرفوه منها ) قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ( جواب المنكرين أي قل لهم إني أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله وأوحده وهو العمدة في الدين ولا سبيل لكم إلى إنكاره وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخلفة الشرائع والكتب الإلهية في جزيئات الأحكام وقرىء ) ولا أشرك ( بالرفع على الإستئناف ) إليه أدعو ( لا إلى غيره ) وإليه مآب ( وإليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء وأما ماعدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم فلا معنى لإنكارهم المخالفة فيه الرعد : ( 37 ) وكذلك أنزلناه حكما . . . . . ) وكذلك ( ومثل ذلك الإنزال المشتمل على أصول الدينات المجمع عليها ________________________________________ " صفحة رقم 334 " ) أنزلناه حكما ( يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة عربيا مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصابه على الحال ) ولئن اتبعت أهواءهم ( التي يدعونك إليها كتقرير دينهم والصلاة إلى قبلتهم بعدما حولت عنها ) بعد ما جاءك من العلم ( بنسخ ذلك ) ما لك من الله من ولي ولا واق ( ينصرك ويمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم الرعد : ( 38 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . . ) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ( بشرا مثلك ) وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( نساء وأولادا كما هي لك ) وما كان لرسول ( وما يصح له ولم يكن في وسعه ) أن يأتي بآية ( تقترح عليه وحكم يلتمس منه ) إلا بإذن الله ( فإنه المليء بذلك ) لكل أجل كتاب ( لك ل وقت وأمد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم الرعد : ( 39 ) يمحو الله ما . . . . . ) يمحو الله ما يشاء ( ينسخ ما يستصوب نسخة ) ويثبت ( ما تقتضيه حكمته وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها وقيل يمحو من كتاب الحفظة مالا يتعلق به جزاء ويترك يغيره مثبتا أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه وقيل يمحو قرنا و يثبت آخرين وقيل يمحو الفاسدات ويثبت الكائنات وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ) ويثبت ( بالتشديد ) وعنده أم الكتاب ( أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه الرعد : ( 40 ) وإما نرينك بعض . . . . . ) وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك ( وكيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك قبله ) فإنما عليك البلاغ ( لا غير ) وعلينا الحساب ( للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فإنا فاعلون له و هذا طلائعه الرعد : ( 41 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا أنا نأتي الأرض ( أرض الكفرة ) ننقصها من أطرافها ( بما نفتحه على المسلمين منها ) والله يحكم لا معقب لحكمه ( لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالإقتضاء والمعنى أنه حكم للأسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره ومحل ) لا ( مع المنفي النصب على الحال اي يحكم نافذا حكمه ) وهو سريع الحساب ( فيحاسبهم عما قليل ________________________________________ " صفحة رقم 335 " في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والإجلاء في الدنيا الرعد : ( 42 ) وقد مكر الذين . . . . . ) وقد مكر الذين من قبلهم ( بأنبيائهم والمؤمنين به منهم ) فلله المكر جميعا ( إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه غيره ) يعلم ما تكسب كل نفس ( فيعد جزاءها ) وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ( من الحزبيين حيثما يأتيهم العذاب المعد لهم وهم في غفلة منه وهذا كالتفسير لمكر الله تعالى بهم واللام تدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة مع ما في الأضافة إلى الدار كما عرفت وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكافر على إرادة الجنس وقرئ ) الكافرون ( ) والذين كفروا ( و ) الكفر ( أي أهله وسيعلم من أعلمه إذا أخبره الرعد : ( 43 ) ويقول الذين كفروا . . . . . ) ويقول الذين كفروا لست مرسلا ( قيل المراد بهم رؤساء اليهود ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ( فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها ) ومن عنده علم الكتاب ( علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه أو علم اللوح المحفوظ وهو الله تعالى أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدا بيننا فيخزي الكاتب منا ويؤيده قراءة من قرأ ) ومن عنده ( بالكسر و ) علم الكتاب ( وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني وقرئ ) ومن عنده علم الكتاب ( على الحرف والبناء للمفعول عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة من الموفين بعهد الله ________________________________________ " صفحة رقم 336 " سورة إبراهيم عليه السلام وهي آياتها اثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم إبراهيم : ( 1 ) الر كتاب أنزلناه . . . . . ) الر كتاب ( أي هو كتاب ) أنزلناه إليك لتخرج الناس ( بدعائك إياهم إلى ما تضمنه ) من الظلمات ( من أنواع الضلال ) إلى النور ( إلى الهدى ) بإذن ربهم ( بتوفيقه وتسهيله مستعار من الاذن الذي هو تسهيل الحجاب وهو صلة ) لتخرج ( أو حال من فاعله أو مفعوله ) إلى صراط العزيز الحميد ( بدل من قوله ) إلى النور ( بتكرير العامل أو استئناف على أنه جواب لمن يسأله عنه وإضافة الصراط إلى الله تعالى إما لأنه مقصده أو المظهر له وتخصيص الوصفين للتنبيه على أنه لا يذل سالكه ولا يخيب سابله إبراهيم : ( 2 ) الله الذي له . . . . . ) الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر أو ) الله ( خبر مبتدأ محذوف والذي صفته وعلى قراءة الباقين عطف بيان ل ) العزيز ( لأنه كالعلم لاختصاصه بالمعبود على الحق ) وويل للكافرين من عذاب شديد ( وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور والويل نقيض الوأل وهو النجاة وأصله النصب لأنه مصدر إلا أنه لم يشتق منه فعل لكنه رفع لإفادة الثبات ________________________________________ " صفحة رقم 337 " إبراهيم : ( 3 ) الذين يستحبون الحياة . . . . . ) الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ( يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها من غيره ) ويصدون عن سبيل الله ( بتعويق الناس عن الإيمان وقرئ ) ويصدون ( من أصده وهو منقول من صد صدودا إذا تنكب وليس فصيحا لأن في صده مندوحة عن تكلف التعدية بالهمزة ) ويبغونها عوجا ( ويبغون لها زيغا ونكوبا عن الحق ليقدحوا فيه فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير والموصول بصلته يحتمل الجر صفة للكافرين والنصب على الذم والرفع عليه أو على أنه مبتدأ خبره ) أولئك في ضلال بعيد ( أي ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله للمبالغة أو للأمر الذي به الضلال فوصف به لملابسته إبراهيم : ( 4 ) وما أرسلنا من . . . . . ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إلا بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم ) ليبين لهم ( ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم فإنهم أولى الناس إليه بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم ولذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بإنذار عشيرته أولا ولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الإعجاز لكن أدى إلى اختلاف الكلمة وإضاعة فضل الجهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها والعلوم المتشبعة منها وما في أتعاب القرائح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب وقرئ / بلسن / وهو لغة فيه كريش ورياش ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد وقيل الضمير في قومه لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأن الله تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية ثم ترجمها جبريل عليه السلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله ) ليبين لهم ( فإنه ضمير القوم والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب ________________________________________ " صفحة رقم 338 " ) فيضل الله من يشاء ( فيخذله عن الإيمان ) ويهدي من يشاء ( بالتوفيق له ) وهو العزيز ( فلا يغلب على مشيئته ) الحكيم ( الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه إبراهيم : ( 5 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . . ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( يعني اليد والعصا وسائر معجزاته ) أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ( بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة ) وذكرهم بأيام الله ( بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها وقيل بنعمائه وبلائه ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء أعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيها على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن إبراهيم : ( 6 ) وإذ قال موسى . . . . . ) وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون ( أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم ويجوز أن ينتصب ب ) عليكم ( إن جعلت مستقرة غير ________________________________________ " صفحة رقم 339 " صلة للنعمة وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام ويجوز أن يكون بدلا من ) نعمة الله ( بدل الاشتمال ) يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( أحوال من آل فوعون أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة البقرة والأعراف لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه بالتذبيح ها هنا وهو إما جنس العذاب أو ستعبادهم أو استعمالهم بالعمال الشاقة ) وفي ذلكم ( من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه ) بلاء من ربكم عظيم ( ابتلاء من هو يجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء والمراد بالبلاء النعمة إبراهيم : ( 7 ) وإذ تأذن ربكم . . . . . ) وإذ تأذن ربكم ( أيضا من كلام موسى ( صلى الله عليه وسلم ) و ) تأذن ( بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكليف والمبالغة ) لئن شكرتم ( يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصالح ) لأزيدنكم ( نعمة إلى نعمة ) ولئن كفرتم ( ما أنعمت عليكم ) إن عذابي لشديد ( فلعلي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا و من عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد والجملة مقول قول مقدر أو مفعول ) تأذن ( على أنه جار مجرى قال لأنه ضرب منه إبراهيم : ( 8 ) وقال موسى إن . . . . . ) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا ( من الثقلين ) فإن الله لغني ( عن شكركم ) حميد ( مستحق للحمد في ذاته محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد إبراهيم : ( 9 ) ألم يأتكم نبأ . . . . . ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود ( من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله ) والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( جملة وقعت اعتراضا أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله ولذلك قال بان مسعود رضي الله تعالى عنه كذب ________________________________________ " صفحة رقم 340 " النسابون ) جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم ( فعضوها غيظا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى ) عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( أو وضعوها عليها تعجبا منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك أو إسكاتا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرا لهم بإطباق الأفواه أو أشاروا بها إلى السنتهم وما نطقت به من قولهم ) إنا كفرنا ( تنييها على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أيردوا ايادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ( على زعمكم ) وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه ( من الإيمان وقرىء ) تدعونا ( بالأدغام ) مريب ( موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشيء إبراهيم : ( 10 ) قالت رسلهم أفي . . . . . ) قالت رسلهم أفي الله شك ( أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه واشاروا إلى ذلك بقولهم ) فاطر السماوات والأرض ( وهو صفة أو بدل و ) شك ( مرتفع بالظرف ) يدعوكم ( إلى الإيمان ببعثه إيانا و ) ليغفر لكم ( أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك دعوته لينصرني على إقامة المفعول له مقام المفعول به ) من ذنوبكم ( بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى فإن الإسلام يجبه دون المظالم وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بي الخطابين ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتناول الخروج عن المظالم ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر ________________________________________ " صفحة رقم 341 " أعماركم ) قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ( لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل ) تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ( بهذه الدعوى ) فأتونا بسلطان مبين ( يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتا ولجاجا إبراهيم : ( 11 ) قالت لهم رسلهم . . . . . ) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ( سلموا مشاركتهم في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم وفيه دليل على أن النبوة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئة الله تعالى ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ( أي ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى فيخص كل نبي بنوع من الآيات ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( فلنتوكل عليه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم عمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا ألا ترى قوله تعالى إبراهيم : ( 12 ) وما لنا ألا . . . . . ) وما لنا ألا نتوكل على الله ( أي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه ) وقد هدانا سبلنا ( التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده وقرأ أبو عمرو بالتخفيف ههنا وفي ) العنكبوت ( ) ولنصبرن على ما آذيتمونا ( جواب قسم محذوف أكدوا به توكلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم ) وعلى الله فليتوكل المتوكلون ( فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم إبراهيم : ( 13 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ( حلفوا على أن يكون أحد الأمرين إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم وهو بمعنى الصيرورة ________________________________________ " صفحة رقم 342 " لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد ) فأوحى إليهم ربهم ( أي إلى رسلهم ) لنهلكن الظالمين ( على إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجراه لأنه نوع منه إبراهيم : ( 14 ) ولنسكننكم الأرض من . . . . . ) ولنسكننكم الأرض من بعدهم ( أي أرضهم وديارهم كقوله تعالى ) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ( وقرئ / ليهلكن / / وليسكنكم / بالياء اعتبارا لأوحى كقولك أقسم زيد ليخرجن ) ذلك ( إشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ) لمن خاف مقامي ( موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة أو قيامي عليه لا علمه وقيل المقام مقحم ) وخاف وعيد ( أي وعيدي بالعذاب أو عذابي الموعود للكفار إبراهيم : ( 15 ) واستفتحوا وخاب كل . . . . . ) واستفتحوا ( سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( وهو معطوف على ) فأوحى ( والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل للكفرة وقيل للفريقين فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل وقرئ بلفظ الأمر عطفا على / ليهلكن / ) وخاب كل جبار عنيد ( أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على الله معاند للحق فلم يفلح ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع إبراهيم : ( 16 ) من ورائه جهنم . . . . . ) من ورائه جهنم ( أي من بين يديه فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك ) ويسقى من ماء ( عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ) ويسقى من ماء ( و ) صديد ( عطف بيان ل ) ماء ( وهو ما يسيل من جلود أهل النار إبراهيم : ( 17 ) يتجرعه ولا يكاد . . . . . ) يتجرعه ( يتكلف جرعه وهو صفة لماء أو حال من الضمير في ) يسقى ( ولا ________________________________________ " صفحة رقم 343 " ) يكاد يسيغه ( ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول نفس ) ويأتيه الموت من كل مكان ( أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله ) وما هو بميت ( فيستريح ) ومن ورائه ( ومن بين يديه ) عذاب غليظ ( أي يستقبل في كل وقت عذابا أشد مما هو عليه وقيل هو الخلود في النار وقيل حبس الأنفاس وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل الله تعالى عليهم بدعوة رسوله فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار إبراهيم : ( 18 ) مثل الذين كفروا . . . . . ) مثل الذين كفروا بربهم ( مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي مثل في الغرابة أو قوله ) أعمالهم كرماد ( وهو على الأول جملة مستأنفة لبيان مثلهم وقيل ) أعمالهم ( بدل من المثل والخبر ) كرماد اشتدت به الريح ( حملته وأسرعت الذهاب به وقرأ نافع ) الرياح ( ) في يوم عاصف ( العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم نهاره صائم وليله قائم شبه صنائعهم من الصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والتوجه بها إليه أو أعمالهم للأصنام برماد طيرته الريح العاصف فلا يرون له أثرا من الثواب وهو فذلكة التمثيل ) ذلك ( إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون ) هو الضلال البعيد ( فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق إبراهيم : ( 19 - 20 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) به أمته وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين ) أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ( والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه وقرأ حمزة والكسائي / خالق السموات / ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( ________________________________________ " صفحة رقم 344 " يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم رتب ذلك على كونه خالقا للسموات والأرض استدلال ا به عليه فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال ) وما ذلك على الله بعزيز ( بمعتذر أو متعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ومن كان هذا شانه كان حقيقا بأن يؤمن به ويعبد رجاء لثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء إبراهيم : ( 21 ) وبرزوا لله جميعا . . . . . ) وبرزوا لله جميعا ( أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله تعالى ومحاسبته أو ) لله ( على ظنهم فإنهم كانوا يخفون أرتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم وإنما ذكر بلفظ لماضي لتحقيق وقوعه ) فقال الضعفاء ( الإتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي وإنما كتبت بالواو على لفظ من بفخم الألف قبل الهمزة في مليها إلى الواو ) للذين استكبروا ( لرؤوسائهم الذين استتبعوهم واستغفووهم ) إنا كنا لكم تبعا ( في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كغائب وغيب أو مصدر نعت به للمبالغة أو على إضمار مضاف ) فهل أنتم مغنون عنا ( دافعون عنا ) من عذاب الله من شيء ( من الأولى للبيان واقعة موقع الحال والثانية للتبغيض واقعة موقع المفعول أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب الله والأعراب ما سبق ويحتمل أن تكون الأولى مفعولا والثانية مصدرا أ ي فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء ) قالوا ( أي الذين استكبروا جوابا عن معاقبة الأتباع واعتذار عما فعلوا بهم ) لو هدانا الله ( للإيمان ووفقنا له ) لهديناكم ( ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا أو لو هدنا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له لكن سد دوننا طريق الخلاص ) سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ( مستويان ________________________________________ " صفحة رقم 345 " علينا الجزع والصبر ) ما لنا من محيص ( منجى ومهرب من العذاب من الحيص وهو العدل على جهة الفرار وهو يحتمل أن يكون مكانا كالمبيت ومصدرا كالمغيب ويجوز أن يكو قوله ) سواء علينا ( من كلام الفريقين ويؤيده ما روي أنهم يقولون تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك ثم يقولون ) سواء علينا ) إبراهيم : ( 22 ) وقال الشيطان لما . . . . . ) وقال الشيطان لما قضي الأمر ( أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خطيبا في الأشقياء من الثقلين ) إن الله وعدكم وعد الحق ( وعدا أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء ) ووعدتكم ( وعد الباطل وهو أن لا بعث ولا حساب وإن كانا فالأصنام تشفع لكم ) فأخلفتكم ( جعل تبين خلف وعده كالأخلاف منه ) وما كان لي عليكم من سلطان ( تسلط فألجئكم إلى الكفر والمعاصي ) إلا أن دعوتكم ( إلا دعائي إياكم إليها بتسويلي وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجيع ويجوز أن يكون الإستثثناء منقطعا ) فاستجبتم لي ( أسرعتم إجابتي ) فلا تلوموني ( بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك ) ولوموا أنفسكم ( حيث أطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعلاه وليس فيها ما يدل عليه إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا ) ما أنا بمصرخكم ( بمغيثكم من العذاب ) وما أنتم بمصرخي ( بمغيثي وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أن حركة ياء الإضافة الفتح فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقبلها ياء أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في ضربته وأعطيتكه وحذف الياء اكتفاء بالكسرة ) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( ) ما ( إما مصدرية ) من ( متعلقة بأشر كتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا ________________________________________ " صفحة رقم 346 " بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله ) ويوم القيامة يكفرون بشرككم ( أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم سبحان ما سخركن لنا و 0 من متعلقة ب ) كفرت ( أي كفرت بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم حين رددت أمره بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام وأشرك منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان ) إن الظالمين لهم عذاب أليم ( تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله تعالى وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم إبراهيم : ( 23 ) وأدخل الذين آمنوا . . . . . ) وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم ( بإذن الله تعالى وأمره والمدخلون هم الملائكة وقرئ ) وأدخل ( على التكلم فيكون قوله ) بإذن ربهم ( متعلقا بقوله ) تحيتهم فيها سلام ( أي تحييهم الملائكة فيها بالسلام بإذن ربهم إبراهيم : ( 24 ) ألم تر كيف . . . . . ) ألم تر كيف ضرب الله مثلا ( كيف اعتمده ووضعه ) كلمة طيبة كشجرة طيبة ( أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة وهو تفسير لقوله ) ضرب الله مثلا ( ويجوز أن تكون ) كلمة ( بدلا من ) مثلا ( و ) شجرة ( صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي ) كشجرة ( وإن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء ) أصلها ثابت ( في الأرض ضارب بعروقه فيها وفروعها وأعلاها ) في السماء ( ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة وقرئ / ثابت أصلها / والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني ________________________________________ " صفحة رقم 347 " إبراهيم : ( 25 ) تؤتي أكلها كل . . . . . ) تؤتي أكلها ( تعطي ثمرها ) كل حين ( وقته الله تعالى لإثمارها ) بإذن ربها ( بإرادة خالقها وتكوينه إبراهيم : ( 26 ) ومثل كلمة خبيثة . . . . . ) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ( كمثل شجرة خبيثة ) اجتثت ( استؤصلت وأخذت جئتها بالكلية ) من فوق الأرض ( لأن عروقها قريبة منه ) ما لها من قرار ( استقرار واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى لاكفر وتكذيب الحق ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة وروي ذلك مرفوعا وبشجرة في الجنة والخبيثة بالحنظلة والكشوث ولعل المراد بهما أيضا ما يعم ذلك إبراهيم : ( 27 ) يثبت الله الذين . . . . . ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( الذي بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم ) الحياة الدنيا ( فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحي عليهما السلام وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الأخدود ) وفي الآخرة ( فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة وروي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر قبض روح المؤمن فقال ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( ________________________________________ " صفحة رقم 348 " ) ويضل الله الظالمين ( الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن ) ويفعل الله ما يشاء ( من تثبيت بعض وإضلال آخرين من غير اعتراض عليه إبراهيم : ( 28 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( أي شكر نعمته كفرا بأن وضعوه مكانه أو بذلوا نفس النعمة كفرا فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين للكفر بدلها كأهل مكة خلقهم الله تعالى وأسكنهم حرمه وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه وشرفهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكفروا ذلك فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا أدلاء فبقوا مسلوبي النعمة وموصوفين بالكفر وعن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ) وأحلوا قومهم ( الذين شايعوهم في الكفر ) دار البوار ( دار الهلاك بحملهم على الكفر إبراهيم : ( 29 ) جهنم يصلونها وبئس . . . . . ) جهنم ( عطف بيان لها ) يصلونها ( حال منها أو من القوم أي داخلين فيها مقاسين لحرها أو مفسر لفعل مقدر ناصب لجهنم ) وبئس القرار ( أي وبئس المقر جهنم إبراهيم : ( 30 ) وجعلوا لله أندادا . . . . . ) وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله ( الذي هو التوحيد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بفتح الياء وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن كان نتيجة جعل كالغرض ) قل تمتعوا ( بشهواتكم أو بعبادة الأوثان فإنها من قبيل الشهوات التي يتمتع بها وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدد به وأن الأمرين كائنان لا محالة ولذلك علله بقوله ) فإن مصيركم إلى النار ( وأن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من أمر مطاع إبراهيم : ( 31 ) قل لعبادي الذين . . . . . ) قل لعبادي الذين آمنوا ( خصهم بالإضافة تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون ________________________________________ " صفحة رقم 349 " لحقوق العبودية ومفعول ) قل ( محذوف يدل عليه جوابه أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا ) يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم ( فيكون إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله " محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا " لدلالة قل عليه وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا مقامين مقامها وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرك وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا ) سرا وعلانية ( منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية أو على الحال أي ذوي سر وعلانية أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه ) ولا خلال ( ولا مخالة فيشفع لك خليل أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام إبراهيم : ( 32 ) الله الذي خلق . . . . . ) الله الذي خلق السماوات والأرض ( مبتدأ وخبره ) وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ( تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس مفعول لأخرج و ) من الثمرات ( بيان له وحال منه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق ) وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ( بمشيئته ________________________________________ " صفحة رقم 350 " غلى حيث توجهتم ) وسخر لكم الأنهار ( فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم وقيل تسخير هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها إبراهيم : ( 33 ) وسخر لكم الشمس . . . . . ) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات ) وسخر لكم الليل والنهار ( يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم إبراهيم : ( 34 ) وآتاكم من كل . . . . . ) وآتاكم من كل ما سألتموه ( أي بعض جميع ما سألتموه يعني من كل شيء سألتموه شيئا فإن الموجود من كل صنف بعض ما في قدرة الله تعالى ولعل المراد ب ) ما سألتموه ( ما كان حقيقيا بأن يسأل لاحتياج الناس إليه سئل أو لم يسأل وما يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة ومصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول وقرئ ) من كل ( بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال ويجوز أن تكون ) ما ( نافية في موقع الحال أي وآتاكم من كل شيء غير سائليه ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا عن إفرادها فإنها غير متناهية وفيه دليل على أن المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة ) إن الإنسان لظلوم ( يظلم النعمة بإغفال شكرها أو بظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان ) كفار ( شديد الكفران وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع إبراهيم : ( 35 ) وإذ قال إبراهيم . . . . . ) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ( بلدة مكة ) آمنا ( ذا أمن لمن فيها والفرق بينه وبين قوله ) اجعل هذا البلد آمنا ( أن المسؤول في الأول وإزالة الخوف عنه وتصييره ________________________________________ " صفحة رقم 351 " آمنا وفي الثاني جعله من البلاد الآمنة ) واجنبني وبني ( بعدني وإياهم ) أن نعبد الأصنام ( واجعلنا منها في جانب وقرئ ) واجنبني ( وهما على لغة نجد وأما أهل الحجاز فيقولون جنبني شره وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله وحفظه إياهم وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذريته وزعم ابن عيينة أن أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام لم يعبدوا الصنم محتجا به وإنما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمونها الدوار ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته إبراهيم : ( 36 ) رب إنهن أضللن . . . . . ) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ( فذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهن وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية كقوله تعالى ) وغرتهم الحياة الدنيا ( فمن تبعني على ديني ) فإنه مني ( أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين ) ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد التوفيق للتوبة وفيه دليل على أن كل ذنب فلله أن يغفره حتى الشرك إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره إبراهيم : ( 37 ) ربنا إني أسكنت . . . . . ) ربنا إني أسكنت من ذريتي ( أي بعض ذريتي أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم ) بواد غير ذي زرع ( يعني وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت ) عند بيتك المحرم ( الذي حرمت التعرض له و التهاون به أو لم يزل معظما ممنعا يهابه الجبابرة أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمي عتيقا أي أعتق منه ولو دعا بهذا الدعاء أول ما قدم فلعله قال ذلك باعتبار ما كان أو ما ________________________________________ " صفحة رقم 352 " سيؤول إليه روي أن هاجر كانت لسارة رضي الله عنها فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت منه إسماعيل عليه السلام فغارت عليها فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله عين زمزم ثم إن جرهم رأوا ثم طيورا فقالوا لا طير إلا على الماء فقصدوه فرأوهما وعندهما عين فقالوا أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت ) ربنا ليقيموا الصلاة ( اللام لام كي وهي متعلقة ب ) أسكنت ( أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة والمقصود من الدعاء توفيقهم لها وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها ) فاجعل أفئدة من الناس ( أي أفئدة من أفئدة الناس و ) من ( للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى أو للابتداء كقولك القلب مني سقيم أي أفئدة ناس وقرأ هشام / أفئيدة / يخلف عنه بياء بعد الهمزة وقرئ / آفدة / وهو يحتمل أن يكون مقلوب ) أفئدة ( كآدر في أدؤر وأن يكون اسم فاعل من أفدت الرحلة إذا عجلت أي جماعة يعجلون نحوهم / وأفدة / بطرح الهمزة للتخفي وإن كان الوجه فيه إخراجهما بين بين ويجوز أن يكون من أفد ) تهوي إليهم ( تسرع إليهم شوقا وودادا وقرئ ) تهوى ( على البناء للمفعول من أهوى إليه غيره و ) تهوى ( من هوى يهوي إذا أحب وتعديته بإلى لتضمنه معنى النزوع ) وارزقهم من الثمرات ( مع سكناهم واديا لا نبات فيه ) لعلهم يشكرون ( تلك النعمة ________________________________________ " صفحة رقم 353 " فأجاب الله عز وجل دعوته فجعله حرما آمنا يجيء إليه ثمرات كل شيء حتى توجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد إبراهيم : ( 38 ) ربنا إنك تعلم . . . . . ) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ( تعلم سرنا كما تعلم علننا والمعنى إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منا بأنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا إلى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك وقيل ما نخفي من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع إليك والتوكل عليك وتكرير النداء للمبالغة في التضرع واللجأ إلى الله تعالى ) وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ( لأنه العالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم ومن للاستغراق إبراهيم : ( 39 ) الحمد لله الذي . . . . . ) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر ( أي وهب لي وأنا كبير آيس من الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من آلائه ) إسماعيل وإسحاق ( روي أنه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة ) إن ربي لسميع الدعاء ( أي لمجيبه من قولك سمع الملك كلامي إذا اعتد به وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف إلى مفعوله أو فاعله على إسناد السماع إلى دعاء الله تعالى على المجاز وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ليكون من أجل النعم وأجلاها إبراهيم : ( 40 ) رب اجعلني مقيم . . . . . ) رب اجعلني مقيم الصلاة ( معدلا لها مواظبا عليها ) من ذريتي ( عطف على المنصوب في ) اجعلني ( والتبعيض لعلمه بإعلام الله أو استقراء عادته في الأمم الماضية أن يكون في ذريته كفار ) ربنا وتقبل دعاء ( واستجب دعائي أو وتقبل عبادتي إبراهيم : ( 41 ) ربنا اغفر لي . . . . . ) ربنا اغفر لي ولوالدي ( وقرئ / ولأبوي / وقد تقدم عذر استغفاره لهما وقيل ________________________________________ " صفحة رقم 354 " أراد بهما آدم وحواء ) وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ( يثبت مستعار من القيام على الرجل كقولهم قامت الحرب على ساق أو يقوم إليه أهله فحذف المضاف أو أسند إليه قيامهم مجازا إبراهيم : ( 42 ) ولا تحسبن الله . . . . . ) ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ( خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به تثبيته على ما هو عليه من أنه تعالى مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية والوعيد بأنه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة أو لكل من توهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا بإمهاله وقيل إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ) إنما يؤخرهم ( يؤخر عذابهم وعن أبي عمرو بالنون ) ليوم تشخص فيه الأبصار ( أي تشخص فيه أبصارهم فلا تقر في أماكنها من هول ما ترى إبراهيم : ( 43 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم . . . . . ) مهطعين ( أي مسرعين إلى الداعي أو مقبلين بأبصارهم لا يطوفون هيبة وخوفا وأصل الكلمة هو الإقبال على الشيء ) مقنعي رؤوسهم ( رافعيها ) لا يرتد إليهم طرفهم ( بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم ) وأفئدتهم هواء ( خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير " من الظلمان جؤجؤه هواء " وقيل خالية عن الخير خاوية عن الحق إبراهيم : ( 44 ) وأنذر الناس يوم . . . . . ) وأنذر الناس ( يا محمد ) يوم يأتيهم العذاب ( يعني يوم القيامة أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم وهو مفعول ثان ل ) أنذر ( ) فيقول الذين ظلموا ( بالشرك والتكذيب ) ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( أخر العذاب عنا أو ردنا إلى الدنيا ومهلنا إلى حد من الزمان قريب أو أخر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونحبك ونجيب دعوتك ) نجب دعوتك ونتبع الرسل ( جواب للأمر ونظيره ) لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ( ) أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( على إرادة القول و ) ما لكم ( جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية والمعنى أقسمتم أنكم ________________________________________ " صفحة رقم 355 " باقون في الدنيا لا تزالون بالموت ولعلهم أقسموا بطرا وغرورا أو دل عليه حالهم حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا وقيل أقسموا أنهم لا ينتقلون إلى دار أخرى وأنهم إذا ماتوا لا يزالون على تلك الحالة إلى حالة أخرى كقوله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) إبراهيم : ( 45 ) وسكنتم في مساكن . . . . . ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( بالكفر والمعاصي كعاد وثمود وأصل سكن أن يعدى بفي كقر وغني وأقام وقد يستعمل بمعنى التبوء فيجري مجراه كقولك سكنت الدار ) وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم ) وضربنا لكم الأمثال ( من أحوالهم أي بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة إبراهيم : ( 46 ) وقد مكروا مكرهم . . . . . ) وقد مكروا مكرهم ( المستفرغ فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل ) وعند الله مكرهم ( ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وإبطالا له ) وإن كان مكرهم ( في العظم والشدة ) لتزول منه الجبال ( مسوى لإزالة الجبال وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله ) وما كان الله ليعذبهم ( على أن الجبال مثل لأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونحوه وقيل مخففة من الثقيلة والمعنى أنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال الراسية ثباتا وتمكنا من آيات الله تعالى وشرائعه وقرأ الكسائي ) لتزول ( ________________________________________ " صفحة رقم 356 " بالفتح والرفع على أنها المخففة واللام هي الفاصلة ومعناه تعظيم مكرهم وقرئ بالفتح والنصب على لغة من يفتح لام وقرئو / إن مكرهم / إبراهيم : ( 47 ) فلا تحسبن الله . . . . . ) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ( مثل قوله ) إنا لننصر رسلنا ( ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله ) إن الله لا يخلف الميعاد ( وإذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلف رسله ) أن الله عزيز ( غالب لا يماكر قادر لا يدافع ) ذو انتقام ( لأوليائه إبراهيم : ( 48 ) يوم تبدل الأرض . . . . . ) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( بدل من ) يوم يأتيهم ( أو ظرف للانتقام أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده ) والسماوات ( عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات والتبديل يكون في الذات كقولك بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله ) بدلناهم جلودا غيرها ( وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبته وغيرت شكلها وعليه قوله ) يبدل الله سيئاتهم حسنات ( ولآية تحتملهما فعن علي رضي الله تعالى عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هي ________________________________________ " صفحة رقم 357 " تلك الأرض وإنما تغير صفاتها ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماء على الحقيقة ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسموات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى ) كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ( وقوله ) إن كتاب الفجار لفي سجين ( ) وبرزوا ( من أجداثهم ) لله الواحد القهار ( لمحاسبته ومجازاته وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار إبراهيم : ( 49 ) وترى المجرمين يومئذ . . . . . ) وترى المجرمين يومئذ مقرنين ( قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال كقوله ) وإذا النفوس زوجت ( أو قرنوا مع الشياطين أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال وهو يحتمل أن يكون تمثيلا لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم ) في الأصفاد ( متعلق ب ) مقرنين ( أو حال من ضميره والصفد القيد وقيل الغل قال سلامة بن جندل ________________________________________ " صفحة رقم 358 " وزيد الخيل قد لاقى صفادا يعض بساعد ويعظم ساق وأصله الشد إبراهيم : ( 50 ) سرابيلهم من قطران . . . . . ) سرابيلهم ( قمصانهم ) من قطران ( وجاء قطران لغتين فيه وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ويحتمل أن يكون تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعا من الغموم والآلام وعن يعقوب ) قطران ( والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في ) مقرنين ( ) وتغشى وجوههم النار ( وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى ) أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ( وقوله تعالى ) يوم يسحبون في النار على وجوههم ) إبراهيم : ( 51 ) ليجزي الله كل . . . . . ) ليجزي الله كل نفس ( أي يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة ) ما كسبت ( أو كل نفس من مجرمة أو مطيعة لأنه بين أن المجرمين يعاقبون لإجرامهم علم أن المطيعين يثابون لطاعتهم ويتعين ذلك أن علق اللام ب ) برزوا ( ) إن الله سريع الحساب ( لأنه لا يشغله حساب عن حساب إبراهيم : ( 52 ) هذا بلاغ للناس . . . . . ) هذا ( إشارة إلى القرآن أو السورة أو ما فيه العظة والتذكير أو ما وصفه من قوله ) ولا تحسبن الله ( ) بلاغ للناس ( كفاية لهم في الموعظة ) ولينذروا به ( عطف على ________________________________________ " صفحة رقم 359 " محذوف أي لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ فتكون اللام متعلقة بالبلاغ ويجوز أن تتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به أنزل أو تلي وقرئ بفتح الياء من نذر به إذا علمه واستعد له ) وليعلموا أنما هو إله واحد ( بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه أو المبهمة على ما يدل عليه ) وليذكر أولوا الألباب ( فيرتدعوا عما يرديهم ويتدرعوا بما يحظيهم واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر هذا البلاغ ثلاث فوائد هي الغاية والحكمة في إنزال الكتب تكميل الرسل للناس واستكمال القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد واستصلاح القوة العملية الذي هو التدرع بلباس التقوى جعلنا الله تعالى من الفائزين بهما وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة إبراهيم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وعدد من يعبدها ________________________________________ " صفحة رقم 360 " سورة الحجر وهي تسع وتسعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الحجر : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . . ) الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ( الإشارة إلى آيات السورة و ) والكتاب ( هو السورة وكذا القرآن وتنكيره للتفخيم أي آيات الجامع لكونه كتابا كاملا وقرآنا يبين الرشد من الغي بيانا غريبا الحجر : ( 2 ) ربما يود الذين . . . . . ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر أو حلول الموت أو يوم القيامة وقرأ نافع وعاصم ) ربما ( بالتخفيف وقرئ ) ربما ( بالفتح والتخفيف وفيه ثمان لغات ضم الراء وفتحها مع التشديد والتخفيف وبتاء التأنيث ودونها وما كافة تكفه عن الجر فيجوز دخوله على الفعل وحقه أن يدخل الماضي لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى كالماضي في تحققه أجري مجراه وقيل ما نكرة موصوفة كقوله ربما تكره النفوس من الأم ر له فرجة كحل العقال ________________________________________ " صفحة رقم 361 " ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودون لو كانوا يودون الإسلام مرة فبالحري أن يسارعوا غليه فكيف وهم يودونه كل ساعة وقيل تدهشهم أهوال القيامة فإن حانت منهم إفاقة في ببعض الأوقات تمنوا ذلك والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك حلف باله ليفعلن الحجر : ( 3 ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا . . . . . ) ذرهم ( دعهم ) يأكلوا ويتمتعوا ( بدنياهم ) ويلههم الأمل ( ويشغلهم تووقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الإستعداد للمعاد ) فسوف يعلمون ( سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه والغرض إقناط الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أرعوائهم وإيذانهم بأنهم من أهل الخذلان وإن نصحهم يعد اشتغال بما لا طائل تحته وفيه إلزام للحجة وتحذير عن أيثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل الحجر : ( 4 ) وما أهلكنا من . . . . . ) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية والأصل أن لا يدخلها الواو كقوله ) إلا لها منذرون ( ولكن لما شبهت صورتها الحال أدخلت تأكيدا للصوقها بالموصوف ________________________________________ " صفحة رقم 362 " الحجر : ( 5 ) ما تسبق من . . . . . ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ( أي وما يستأخرون عنه وتذكير ضمير ) أمة ( فيه للحمل على المعنى الحجر : ( 6 ) وقالوا يا أيها . . . . . ) وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( نادوا به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على التهكم ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم ) إنك لمجنون ( ونظير ذلك قول فرعون ) إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله تعالى تزل عليك الذكر أي القرآن الحجر : ( 7 ) لو ما تأتينا . . . . . ) لو ما تأتينا ( ركب ) لو ( مع ) ما ( كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض ) بالملائكة ( ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل ) إن كنت من الصادقين ( في دعواك الحجر : ( 8 ) ما ننزل الملائكة . . . . . ) ما ننزل الملائكة ( بالياء ونصب ) الملائكة ( على أن الضمير لله تعالى وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبنا للمفعول ورفع ) الملائكة ( وقرىء ) تنزل ( بمعنى تتنزل ) إلا بالحق ( إلا تنزيلا ملتبسا بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته ولا حكمه في أن تأتيكم بصور تشهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبسا ولا في معالجتكم بالعقوبة فإن منكم و من ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان وقيل الحق الوحي أو العذاب ) وما كانوا إذا منظرين ( ) إذا ( جواب لهم و جزاء لشرط مقدر أي و لو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين الحجر : ( 9 ) إنا نحن نزلنا . . . . . ) إنا نحن نزلنا الذكر ( رد لإنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجزه وقرره بقوله ) وإنا له لحافظون ( أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام ________________________________________ " صفحة رقم 363 " البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأن المنزل له وقيل الضمير في ) له ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) الحجر : ( 10 ) ولقد أرسلنا من . . . . . ) ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ( في فرقهم جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه واصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار والمعنى نبأنا رجالا فيهم وجعلناهم رسلا فيما بينهم الحجر : ( 11 ) وما يأتيهم من . . . . . ) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( كما يفعل هؤلاء وهو تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام ) وما ( للحال لا يدخل إلا مضارعا بمعنى الحال أو ماضيا قريبا منه وهذا على كحاية الحال الماضية الحجر : ( 12 ) كذلك نسلكه في . . . . . ) كذلك نسلكه ( ندخله ) في قلوب المجرمين ( والسلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط والرمح في المطعون والضمير للإستهزاء وفيه دليل على أن الله تعالى يوجد الباطل في قلوبهم وقيل ل ) الذكر ( فإن الضمير الآخر في قوله الحجر : ( 13 ) لا يؤمنون به . . . . . ) لا يؤمنون به ( له وهو خال من هذا الضمير والمعنى مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قولب المجرمين مكذبا غير مؤمن به أو بيان للجملة المتضمنه له وهذا الإحتجاج ضعيف إذ لا يلزم من تعاقب الضمائر توافقها في المرجوع غليه ولا يتعين أن تكون الجملة حالا من الضمير لجواز أن تكون حالا من المجرمين ولا ينافي كونها مفسرة للمعنى الأول يقويه ) وقد خلت سنة الأولين ( أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم أو بإهلاك من كذب الرسل منهم فيكون وعيدا لأهل مكة ________________________________________ " صفحة رقم 364 " الحجر : ( 14 ) ولو فتحنا عليهم . . . . . ) ولو فتحنا عليهم ( أي على هؤلاء المقترحين ) بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ( يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون أو تصعد الملائكة وهم يشاهدونهم الحجر : ( 15 ) لقالوا إنما سكرت . . . . . ) لقالوا ( من غلوهم في العناد وتشكيكهم في الحق ) إنما سكرت أبصارنا ( سدت عن الإبصار بالسحر من السكر ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أو حيرت من السكر ويدل عليه قراءة من قرأ ) سكرت ( ) بل نحن قوم مسحورون ( قد سحرنا محمد بذلك كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له بل هو باطل خيل إليهم بنوع من السحر الحجر : ( 16 ) ولقد جعلنا في . . . . . ) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( اثني عشر مختلفة الهيئات و الخواص على مادل عليه الرصد والتجربة مع بساطة السماء ) وزيناها ( بالأشكال والهيئات البهية ) للناظرين ( المعتبرين المستدلين بها على قدرة مبدعها وتوحيد صانعها الحجر : ( 17 ) وحفظناها من كل . . . . . ) وحفظناها من كل شيطان رجيم ( فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس إلى أهلها ويتصرف فيأمرها ويطلع على أحوالها الحجر : ( 18 ) إلا من استرق . . . . . ) إلا من استرق السمع ( بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاس سرا شبه به خطفتهم البسيرة من قطان السموات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالإستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) منعوا من كلها بالشهب ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها ________________________________________ " صفحة رقم 365 " أسباب أخر وقيل الإستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع ) فأتبعه ( فتبعه ولحقه ) شهاب مبين ( ظاهر للمبصرين والشهاب شعلة نار ساطعة وقدي طلق للكوكب والسنان لما فيهما من البريق الحجر : ( 19 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . . ) والأرض مددناها ( بسطناها ) وألقينا فيها رواسي ( جبالا ثوابت ) وأنبتنا فيها ( في الأرض أو فيها وفي الجبال ) من كل شيء موزون ( مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته أو مستحسن مناسب من قولهم كلام موزون أو ما يوزن ويقدر أو له وزن أبواب النعمة والمنفعة الحجر : ( 20 ) وجعلنا لكم فيها . . . . . ) وجعلنا لكم فيها معايش ( تعيشون لها من المطاعم والملابس وقرىء ) معايش ( بالهمزة على التشبيه بشمائل ) ومن لستم له برازقين ( عطف على ) معايش ( أو على محل ) لكم ( ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظنا كاذبا فإن الله يرزقهم وإياهم وفذلكة الآية الإستدلال يجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين مختلفة الجزاء في الوضع محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقه وطبيعة مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته والتفرد في الألوهية والإمتنان على العباد بم أنعم عليهم في ذلك ليوحدوه يعبدوه الحجر : ( 21 ) وإن من شيء . . . . . ثم بالغ في ذلك وقال ________________________________________ " صفحة رقم 366 " ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ( أي وما من شيء غلا نحن قادرون على إيجاده وتكوينه اضعاف ما وجد منه فضرب الخزائن مثلا لا قتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد ) وما ننزله ( من بقاع القدرة ) إلا بقدر معلوم ( حده الحكة وتعلقت به المشيئة فإن تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملا على ببعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم الحجر : ( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح . . . . . ) وأرسلنا الرياح لواقح ( حوامل شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله " ومختبط مما تطيح الطوائح " وقرىء ) وأرسلنا الرياح ( على تأويل الجنس ) فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ( فجعلناه لكم سقيما ) وما أنتم له بخازنين ( قادرين متمكنين من خراجه نفى عنهم ما أثبته لنفسه أو حافظين في الغدران والعيون والآباء وذلك أيضا يدل على المدبر الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له منسب مخصص الحجر : ( 23 ) وإنا لنحن نحيي . . . . . ) وإنا لنحن نحيي ( بإيجاد الحياة في بعض الجسام القالبة لها ) ونميت ( بإزالتها وقد أول الحياة بما يعم الحيوان والنبات وتكرير الضمير لدلالة على الحصر ) ونحن الوارثون ( الباقون إذا مات الخلائق كلها ________________________________________ " صفحة رقم 367 " الحجر : ( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين . . . . . ) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ( من استقدم ولادة وموتا ومن استأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد أو من تقدم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة أو تأخر لا يخفى علينا شيء من أحوالكم وهو بيان لكمال علمه بعد الإحتجاج على كمال قدرته فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه وقيل رغب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت وقيل إن إمرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتقدم بعض القوم لئلا ينظر إليها وتأخر بعض ليبصرها فنزلت الحجر : ( 25 ) وإن ربك هو . . . . . ) وإن ربك هو يحشرهم ( لا محالة للجزاء وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والتولي لحشرهم لا غير وتصدير الجملة ب ) إن ( لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله ) إنه حكيم ( باهر الحكمة متقن في أفعاله ) عليم ( وسع علمه كل شيء الحجر : ( 26 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . . ) ولقد خلقنا الإنسان من صلصال ( من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل ) من حمإ ( طين تغير واسود من طول مجاورة ________________________________________ " صفحة رقم 368 " المساء وهو صفة صلصال أي كائن ) من حمإ ( ) مسنون ( مصور من سنه الوجه أو منصوب لييبس ويتصور الجواهر المذابة تصب في القوالب من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحكمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل بينهما يكون منتنا ويسمى السنين الحجر : ( 27 ) والجان خلقناه من . . . . . ) والجان ( أبا الجن وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره ) خلقناه من قبل ( من قبل خلق الإنسان ) من نار السموم ( من نار الحر الشديد النافذ في المسام ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجوهر المجردة فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها لا جزء الناري فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي وقوله ) من نار ( باعتبار الغالب كقوله ) خلقكم من تراب ( ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول للجمع والإحياء الحجر : ( 28 ) وإذ قال ربك . . . . . ) وإذ قال ربك ( واذكر وقت قوله ) للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون ) الحجر : ( 29 ) فإذا سويته ونفخت . . . . . ) فإذا سويته ( عدلت خلقته وهيأته لنفخ الروح فيه ) ونفخت فيه من روحي ( حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ولما كان الروح يتعلق ألا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه ________________________________________ " صفحة رقم 369 " القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعلقه بالبدن نفخا وإضافة الروح إلى نفسه لما مر في ) النساء ( ) فقعوا له ( فأسقطوا له ) ساجدين ( أرم من وقع يقع الحجر : ( 30 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . . ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص وقيل أكد بالكل للإحاطة وبأجمعين للدلالة على أنهم سجدوا مجتمعين دفعة وفيه نظر إذ لو كان المر كذلك كان الثاني حالا لا تأكيدا الحجر : ( 31 ) إلا إبليس أبى . . . . . ) إلا إبليس ( إن جعل منقطعا اتصل به قوله ) أبى أن يكون مع الساجدين ( أي ولكن إبليس أبى وأن جعل متصلا كان استئنافا على أنه جواب سائل قال هلا سجد الحجر : ( 32 ) قال يا إبليس . . . . . ) قال يا إبليس ما لك ألا تكون ( أي غرض لك في أن لا تكون ) مع الساجدين ( لآدم الحجر : ( 33 ) قال لم أكن . . . . . ) قال لم أكن لأسجد ( اللام لتأكيد النفي أي لايصح مني وينافي حالي أن أسجد ) لبشر ( جسماني كثيف وأنا ملك روحاني ) خلقته من صلصال من حمإ مسنون ( وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها استنقص آدم عليه السلام باعتبار النوع الأصل وقد سبق الجواب عنه في سورة الأعراف الحجر : ( 34 ) قال فاخرج منها . . . . . ) قال فاخرج منها ( من السماء أو الجنة أو زمر الملائكة ) فإنك رجيم ( مطرود من الخير والكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان يرجم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته الحجر : ( 35 ) وإن عليك اللعنة . . . . . ) وإن عليك اللعنة ( هذا الطرد والإبعاد ) إلى يوم الدين ( فإنه منتهى أمد اللعن فإنه يناسب أيام التكليف ومه زمان الجزاء وما في قوله ) فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ( ________________________________________ " صفحة رقم 370 " معنى آخر ينسى عنده هذه وقيل إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية يضربها الناس أو لأنه يعذب فيه بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائل الحجر : ( 36 ) قال رب فأنظرني . . . . . ) قال رب فأنظرني ( فأخرني والفاء متعلقة بمحذوف دل عليه ) فاخرج منها فإنك رجيم ( ) إلى يوم يبعثون ( أراد أن يجد فسحة في الإغواء أو نجاة من الموات إذ لا موت بعد وقت البعث فأجابه إلى الأول دون ا لثاني الحجر : ( 37 - 38 ) قال فإنك من . . . . . ) قال فإنك من المنظرين ( ) إلى يوم الوقت المعلوم ( المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور ويجوز أن يكون المراد بالأيام الثلاثة يوم القيامة واختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات فعبر عنه أولا بيوم الجزاء لما عرفته وثانيا بيوم البعث إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف واليأس عن التضليل وثالثا بالمعلوم لوقوعه في الكلامين ولا يلزم من ذلك أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم وببعث مع الخلائق في تضاعيفه وهذه الخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على من صب إبليس لأن خطاب الله له على سبيل الإهانة والإذلال الحجر : ( 39 ) قال رب بما . . . . . ) قال رب بما أغويتني ( الباء للقسم وما مصدرية وجوابه ) لأزينن لهم في الأرض ( ________________________________________ " صفحة رقم 371 " والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور كقوله ) أخلد إلى الأرض ( وفي انعقاد القسم بأفعال الله تعالى خلاف وقيل للسببية والمعتزلة أولو الإغواء بالنسبة إلى لغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود لآدم عليه السلام أو بالإضلال عن طريق الجنة واعتذروا عن إمهال الله له وهو سبب لزيادة غيه وتسليط له على إغواء بني آدم بأن الله تعالى علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر ويصيرون إلى النار أمهل أولم يمهل وأن في إمهاله تعريضا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب وضعف ذلك لا يخفى على ذوي الألباب ) ولأغوينهم أجمعين ( ولأحملنهم أجمعين على الغواية الحجر : ( 40 ) إلا عبادك منهم . . . . . ) إلا عبادك منهم المخلصين ( الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب ففعلا يعمل فيهم كيدي وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالكسر فيكل القرآن أي الذين أخلصوا نفوسهم لله تعالى الحجر : ( 41 ) قال هذا صراط . . . . . ) قال هذا صراط علي ( حق علي أن أراعيه ) مستقيم ( لا انحراف عنه والإشارة ________________________________________ " صفحة رقم 372 " إلى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلصين من إغوائه أو الإخلاص على معنى أنه طرق ) على ( يؤدي إلى الوصول إلي من غير اعوجاج وقرئ ) على ( من علو الشرف الحجر : ( 42 ) إن عبادي ليس . . . . . ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ( تصديق لإبليس فيما استثناه وتغيير الوضع لتعظيم ) المخلصين ( ولأن المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشيطان عنهم أو تكذيب له فيما أوهم أن له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فإن منتهى تزيينه التحريض والتدليس كما قال ) وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ( وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا وعلى الأول يدفع قول من شرط أن يكون المستثني أقل من الباقي لإفضائه إلى تناقض الاستثناءين الحجر : ( 43 ) وإن جهنم لموعدهم . . . . . ) وإن جهنم لموعدهم ( لموعد الغاوين أو المتبعين ) أجمعين ( تأكيد للضمير أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا على تقدير مضاف ومعنى الإضافة إن جعلته اسم مكان فإنه لا يعمل الحجر : ( 44 ) لها سبعة أبواب . . . . . ) لها سبعة أبواب ( يدخلون منها لكثرتهم أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولعل تخصيص العدد لانحصار مجامع المهلكات في الركون إلى المحسوسات ومتابعة القوة الشهوي والغضبية أو لأن أهلها سبع فرق ) لكل باب منهم ( من الأتباع ) جزء مقسوم ( أفرز له فأعلاها للموحدين العصاة والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين وقرأ أبو بكر ) جزء ( بالتثقيل وقرئ ) جزء ( على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الزاي ثم الوقف ________________________________________ " صفحة رقم 373 " عليه بالتشديد ثم إجراء الوصل مجرى الوقف ومنهم حال منه أو من المستكن في الظرف لا في ) مقسوم ( لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها الحجر : ( 45 ) إن المتقين في . . . . . ) إن المتقين ( من اتباعه في الكفر والفواحش فإن غيرها مكفرة ) في جنات وعيون ( لكل واحد جنة وعين أو لكل عدة منهما كقوله ) ولمن خاف مقام ربه جنتان ( ثم قوله ) ومن دونهما جنتان ( وقوله ) مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن ( الآية وقرأ نافع وحفص وأبو عمرو وهشام ) وعيون ( بضم العين حيث وقع الباقون بكسر العين الحجر : ( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين ) ادخلوها ( على إرادة القول وقرئ بقطع الهمزة وكسر الخاء على أنه ماض فلا يكسر التنوين ) بسلام ( سالمين أو مسلما عليكم ) آمنين ( من الآفة والزوال الحجر : ( 47 ) ونزعنا ما في . . . . . ) ونزعنا ( في الدنيا بما ألف بين قلوبهم أو في الجنة بتطييب نفوسهم ) ما في صدورهم من غل ( من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب ) إخوانا ( حال من الضمير في جنات أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه والعامل فيها معنى الإضافة وكذا قوله ) على سرر متقابلين ( ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين وأن يكون متقابلين حالا من ________________________________________ " صفحة رقم 374 " الحجر : ( 48 ) لا يمسهم فيها . . . . . ) لا يمسهم فيها نصب ( استئناف أو حال بعد حال من الضمير في متقابلين ) وما هم منها بمخرجين ( فإن تمام النعمة بالخلود الحجر : ( 49 - 51 ) نبئ عبادي أني . . . . . ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ( فذلكه ما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين من يتقي الذنوب بأسرها كبيرها وصغيرها وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الوعد وتأكيده وفي عطف ) ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( على نبئ عبادي تحقيق لهما بما يعتبرون به الحجر : ( 52 ) إذ دخلوا عليه . . . . . ) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ( أي نسلم عليك سلاما أو سلمنا سلاما ) قال إنا منكم وجلون ( خائفون وذلك لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت ولأنهم امتنعوا من الأكل والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره الحجر : ( 53 ) قالوا لا توجل . . . . . ) قالوا لا توجل ( وقرئ / لا تأجل / و / لا تؤجل / من أوجله / ولا تواجل / من واجلة بمعنى أوجله ) إنا نبشرك ( استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل فإن المبشر لا يخاف منه وقرأ حمزة نبشرك بفتح النون والتخفيف من البشر ) بغلام ( هو إسحاق عليه السلام لقوله ) وبشرناه بإسحاق ( ) عليم ( إذا بلغ ________________________________________ " صفحة رقم 375 " الحجر : ( 54 ) قال أبشرتموني على . . . . . ) قال أبشرتموني على أن مسني الكبر ( تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه أو إنكار لأن ببشر به في مصل هذه الحالة وكذا وقوله ) فبم تبشرون ( أي فبأي أعجوبة تبشرون أو فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بمم لا يتصور وقوعه عادة بشرة بغير شيء وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة في كل القرآن على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وكسرها وقرأ نافع بكسرها مخففة على حذف نون الجمع استثقلا لاجتماع المثلين ودلالة بإيقاء نون الوقاية وكسرها على الياء الحجر : ( 55 - 56 ) قالوا بشرناك بالحق . . . . . ) قالوا بشرناك بالحق ( بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق وهو قول الله تعالى وأمره ) فلا تكن من القانطين ( من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر وكن استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك ) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ( المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله تعالى وكمال علمه وقدرته كما قل تعالى ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( وقرأ أبو عمرو و الكسائي يقنط بالكسر و قرىء بالضم وما ضيهما قنط بالفتح الحجر : ( 57 ) قال فما خطبكم . . . . . ) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( أي فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة ولعله علم أن كمال المقصود ليس البشارة لأنهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى ________________________________________ " صفحة رقم 376 " العدد ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت المقصود لابتدؤوا بها الحجر : ( 58 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . . ) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ( يعني قوم لوط الحجر : ( 59 ) إلا آل لوط . . . . . ) إلا آل لوط ( إن كان استثناء من ) قوم ( كان منقطعا إذ ال ) قوم ( مقيد بالإجراء وإن كان استثناء من الضمير في ) مجرمين ( كان متصلا والقوم والإرسال شاملين للمجرمين و ) آل لوط ( المؤمنين به وكأن المعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط منهم ويدل عليه قوله ) إنا لمنجوهم أجمعين ( أي مما يعذب به القوم وهو استئناف إذا اتصل الإستثناء ومتصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن إذا انقطع وعلى هذا جاز أن يكون قوله الحجر : ( 60 ) إلا امرأته قدرنا . . . . . ) إلا امرأته ( استثناء من ) آل لوط ( أو من ضميرهم وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل ) إنا لمنجوهم ( اعتراضا وقرأ حمزة والكسائي ) لمنجوهم ( مخففا ) قدرنا إنها لمن الغابرين ( الباقين مع الكفرة لتهلك معهم وقرأ أبو بكر عن عاصم ) قدرنا ( هنا وفي ) النمل ( بالتخفيف وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم ويجوز أني كون ) قدرنا ( أجري مجرى قلنا ________________________________________ " صفحة رقم 377 " لأن التقدير بمعنى اقضاء قول وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم وهو فعل الله سبحانه وتعالى لمالهم من القرب والإختصاص به الحجر : ( 61 - 62 ) فلما جاء آل . . . . . ) فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون ( تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشر الحجر : ( 63 ) قالوا بل جئناك . . . . . ) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون ( أي ماجئناك بما تنكرنا لأجله بل بما يسرك ويشفي لك من عدوك وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه الحجر : ( 64 ) وأتيناك بالحق وإنا . . . . . ) وأتيناك بالحق ( باليقين من عذابهم ) وإنا لصادقون ( فيما أخبرناك به الحجر : ( 65 ) فأسر بأهلك بقطع . . . . . ) فأسر بأهلك ( فاذهب بهم في الليل وقرأ الحجازيان بوصل الهمزة من اسرى وهما بمعنى وقرىء / فسر / من السير ) بقطع من الليل ( في طائفة من الليل وقيل في آخره قال افتحي الباب وانظري فيا لنجوم كم علينا من قطع ليل بهيم ) واتبع أدبارهم ( وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم ) ولا يلتفت منكم أحد ( لينظر ما وراءه فيرى من الهول مالا يطيقه أو فيصيبه ما أصابهم أو لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف أمرؤ لغرض فيصيبه العذاب وقيل نهوا عن الإلتفات ليوطئوا نفوسهم على المهاجرة ) وامضوا حيث تؤمرون ( إلى حيث أمركم الله بالمضي إليه وهو الشام أو مصر فعدي ) وامضوا ( إلى ) حيث تؤمرون ( إلى ضمير المحذوف على الإتساع ________________________________________ " صفحة رقم 378 " الحجر : ( 66 ) وقضينا إليه ذلك . . . . . ) وقضينا إليه ( أي وأوحينا إليه مقضيا ولذلك عدي بإلى ) ذلك الأمر ( مبهم يفسره ) أن دابر هؤلاء مقطوع ( ومحله النصب على البدل منه وفي ذلك تفخيم للأمر وتعظيم له وقرىء بالكسر على الإستئناف والمعنى أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد ) مصبحين ( داخلين في الصبح وهو حال من هؤلاء أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى ف ) أن دابر هؤلاء ( في معنى مدبري هؤلاء الحجر : ( 67 ) وجاء أهل المدينة . . . . . ) وجاء أهل المدينة ( سدوم ) يستبشرون ( بأضياف لوط طمعا فيهم الحجر : ( 68 ) قال إن هؤلاء . . . . . ) قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ( بفضيحة ضيفي فإن من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء غليه الحجر : ( 69 ) واتقوا الله ولا . . . . . ) واتقوا الله ( في ركوب الفاحشة ) ولا تخزون ( ولا تذلوني بسببهم من الخزي وهو الهوان أو لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهو الحياء الحجر : ( 70 ) قالوا أو لم . . . . . ) قالوا أو لم ننهك عن العالمين ( على أن تجير منهم أحدا أو تمنع بينا وبيينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان لوط يمنعهم عنه بقدر وسعه أو عن ضيافة الناس وإنزالهم الحجر : ( 71 ) قال هؤلاء بناتي . . . . . ) قال هؤلاء بناتي ( يعني نساء القوم فإن نبي كل أمه بمنزلته أبيهم وفيه وجوه ذكرت في سورة ) هود ( ) إن كنتم فاعلين ( قضاء الوطر أو ما أقول لكم الحجر : ( 72 ) لعمرك إنهم لفي . . . . . ) لعمرك ( قسم بحياة المخاطب والمخاطب في هذا القسم هو النبي عليه الصلاة والسلام وقيل لوط عليه السلام قالت الملائكة له ذلك والتقدير لعمرك قسمي وهو للغة في العمر يختص به القسم لإيثار الأخف فيه لأنه كثير الدور على ألسنتهم ) إنهم لفي سكرتهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 379 " لفي غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم ) يعمهون ( يتحيرون فكيف يسمعون نصحك وقيل الضمير لقريش والجملة اعتراض الحجر : ( 73 ) فأخذتهم الصيحة مشرقين ) فأخذتهم الصيحة ( يعني صيحة هائلة مهلكة وقيل صيحة جبريل عليه السلام ) مشرقين ( داخلين في وقت شروق الشمس الحجر : ( 74 ) فجعلنا عاليها سافلها . . . . . ) فجعلنا عاليها ( عالي قراهم ) سافلها ( وصارت منقلبة بهم ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ( من طين متحجر أو طين عليه كتاب من السجل وقد تقدم مزيد بيان لهذه القصة في سورة هود الحجر : ( 75 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( للمتفكرين المتفرسين الذين يتشبثون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته الحجر : ( 76 ) وإنها لبسبيل مقيم ) وإنها ( وإن المدينة أو القرى ) لبسبيل مقيم ( ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها الحجر : ( 77 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لآية للمؤمنين ( بالله ورسله الحجر : ( 78 ) وإن كان أصحاب . . . . . ) وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ( هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعثه الله إليهم فكذبوه فأهلكوا بالظلة و ) الأيكة ( الشجرة المتكاثفة الحجر : ( 79 ) فانتقمنا منهم وإنهما . . . . . ) فانتقمنا منهم ( بالإهلاك ) وإنهما ( يعني سدوم والأيكة وقيل الأيكة ومدين فإنه كان مبعوثا إليهما فكان ذكر إحداهما منبها على الأخرى ) لبإمام مبين ( لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح لأنهما مما يؤتم به الحجر : ( 80 ) ولقد كذب أصحاب . . . . . ) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ( يعني ثمود كذبوا صالحا ومن كذب واحدا من الرسل فكأنما كذب الجميع ويجوز أن يكون المراد بالمرسلين صالحا ومن معه من المؤمنين و ) الحجر ( واد بين المدينة والشأم يسكنونه الحجر : ( 81 ) وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . . ) وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين ( يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم أو معجزاته كالناقة وسقيها وشربها ودرها أو ما نصب لهم من الأدلة ________________________________________ " صفحة رقم 380 " الحجر : ( 82 ) وكانوا ينحتون من . . . . . ) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ( من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لفرط غفلتهم أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه الحجر : ( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين ) فأخذتهم الصيحة مصبحين ) الحجر : ( 84 ) فما أغنى عنهم . . . . . ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد الحجر : ( 85 ) وما خلقنا السماوات . . . . . ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( إلا خلقا ملتبسا بالحق لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشرور فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض ) وإن الساعة لآتية ( فينتقم الله لك فيها ممن كذبك ) فاصفح الصفح الجميل ( ولا تعجل بانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم وقيل هو منسوخ بآية السيف الحجر : ( 86 ) إن ربك هو . . . . . ) إن ربك هو الخلاق ( الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم ) العليم ( بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلم الأصلح لكم وقد علم أن الصفح اليوم أصلح وفي مصحف عثمان وأبي رضي الله عنهما هو ) الخالق ( وهو يصلح للقليل والكثير و ) الخلاق ( يختص بالكثير ________________________________________ " صفحة رقم 381 " الحجر : ( 87 ) ولقد آتيناك سبعا . . . . . ) ولقد آتيناك سبعا ( سبعة آيات وهي الفاتحة وقيل سبعة سور وهي الطوال وسابعتها ) الأنفال ( و ) التوبة ( فإنهما في حكم سورة ولذلك لم يفصل بينهما بالتسمية وقيل ) التوبة ( وقيل ) يونس ( أو الحواميم السبع وقيل سبع صحائف وه الأسباع ) من المثاني ( بيان للسبع والمثاني من التثنية أو الثناء فإن كل ذلك مثنى تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظة أو مثني عليه يالبلاغة والإعجاز أو مثن على الله بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى ويجوز أن يراد ب ) المثاني ( القرآن أو كتب الله كلها فتكون ) من ( للتبعيض ) والقرآن العظيم ( إن أريد بالسبع الآيات أو السور فمن عطف الكل على البعض أو العام على الخاص وإن أريد به الأسباع فمن عطف أحد الوصفين على الآخر الحجر : ( 88 ) لا تمدن عينيك . . . . . ) لا تمدن عينيك ( لا تطمح ببصرك طموح راغب ) إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( أصنافا من الكفار فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا وروي أنه عليه الصلاة والسلام وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجواهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون لو كانت هذه الأموال لنا لتقويتنا بها وأنفقناها في سبيل الله فقال لهم لقد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع ) ولا تحزن عليهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 382 " أنهم لم يؤمنوا وقيل إنهم المتمتعون به ) واخفض جناحك للمؤمنين ( وتواضع لهم وارفق بهم الحجر : ( 89 ) وقل إني أنا . . . . . ) وقل إني أنا النذير المبين ( أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا الحجر : ( 90 ) كما أنزلنا على . . . . . ) كما أنزلنا على المقتسمين ( مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه والمقتسمون هم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم لينفروا الناس عن الإيمان بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فأهلكهم الله تعالى يوم بدر أو الرهط الذين اقتسموا على أن يبيتوا صالحا عليه الصلاة والسلام وقيل هو صفة مصدر محذوف يدل عليه ) ولقد آتيناك ( فإنه بمعنى أنزلنا إليك والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين حيث قالوا عنادا بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما أو قسموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض على أن القرآن ما يقرؤون من كتبهم فيكون ذلك تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) لا تمدن عينيك ( الخ اعتراضا ممدا لها الحجر : ( 91 ) الذين جعلوا القرآن . . . . . ) الذين جعلوا القرآن عضين ( أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء وقيل فعل من عضهته إذا بهته وفي الحديث " لعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) العاضهة والمستعضهة " وقيل أسحارا وعن عكرمة العضة السحر وإنما جمع السلامة جبرا لما حذف منه والموصول بصلته صفة للمقتسمين أو مبتدأ خبره الحجر : ( 92 ) فوربك لنسألنهم أجمعين ) فوربك لنسألنهم أجمعين ) الحجر : ( 93 ) عما كانوا يعملون ) عما كانوا يعملون ( من التقسيم أو النسبة إلى السحر فنجازيهم عليه وقيل هو عام في كل ما فعلوا من الكفر والمعاصي الحجر : ( 94 ) فاصدع بما تؤمر . . . . . ) فاصدع بما تؤمر ( فاجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا أو فافرق به بين الحق والباطل وأصله الإبانة والتمييز وما مصدرية أو موصولة والراجع محذوف أي بما تؤمر به من الشرائع ) وأعرض عن المشركين ( ولا تلتفت إلى ما يقولون ________________________________________ " صفحة رقم 383 " الحجر : ( 95 ) إنا كفيناك المستهزئين ) إنا كفيناك المستهزئين ( بقمعهم وإهلاكهم قيل كانوا خمسة من أشراف قريش الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل وعدي بني قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب يبالغلون في إيذائه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والاستهزاء به فقال جبريل عليه السلام لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمرت أن أكفيكهم فأومأ إلى ساق الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه فأصاب عرقا فيعقبه فقطعه فمات وأومأ إلى أخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتى صارت كالرحى ومات وأشار إلى أنف عدي بن قيس فامتخط قيحا فمات وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات وإلى عيني الأسود بن المطلب فعمي الحجر : ( 96 ) الذين يجعلون مع . . . . . ) الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ( عاقبة أمرهم في الدارين الحجر : ( 97 ) ولقد نعلم أنك . . . . . ) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ( من الشرك والطعن في القرآن والإستهزاء بك الحجر : ( 98 ) فسبح بحمد ربك . . . . . ) فسبح بحمد ربك ( فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بلا تسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك أو فنزهه عما يقولون حامدا له على أن هداك للحق ) وكن من الساجدين ( من المصلين وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة الحجر : ( 99 ) واعبد ربك حتى . . . . . ) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ( أي الموت فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق والمعنى فاعبده ما دمت حيا ولا تخل بالعبادة لحظة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والله أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 384 " سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها وهي مائة وثمان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم النحل : ( 1 ) أتى أمر الله . . . . . ) أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( كانوا يستعجلون ما أو عدهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من قيام الساعة أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيبا ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي التحقق من حيث إنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( تبرأ وجل عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم وقرأ حمزة و الكسائي بالتاء على وفق قوله ) فلا تستعجلوه ( والباقون بالياء على تلوين الخطاب أو على أن الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم لما روى أنه لما نزلت أتى أمر الله فوثب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ورفع الناس رؤسهم فنزلت ) فلا تستعجلوه ) النحل : ( 2 ) ينزل الملائكة بالروح . . . . . ) ينزل الملائكة بالروح ( بالوحي أو القرآن فإنه يحيى به القلوب الميتة بالجهل أو ________________________________________ " صفحة رقم 385 " يقوم في الدين مقام الروح في الجسد وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به علم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ما تحقق موعدهم به ودنوه وإزاحة لاستبعادهم اختصاصه بالعلم به وقرأ ابن كثير وأبو بعمرو ) ينزل ( من أنزل وعن يعقوب مثله وعنه ) تنزل ( بمعنى تتنزل وقرأ أبو بكر ) تنزل ( على المضارع المبني للمفعول من التنزيل ) من أمره ( بأمره أو من أجله ) على من يشاء من عباده ( أن يتخذه رسولا ) أن أنذروا ( بأن أنذروا أي اعلموا من نذرت بكذا إذا علمته ) أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( أن الشأن ) لا إله إلا أنا فاتقون ( أو خوفوا أهل الكفر والمعاصي بأنه ) لا إله إلا أنا ( وقوله ) فاتقون ( رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود و ) إن ( مفسرة لأن الروح بمعنى الوحي الدال على القول أو مصدرية في موضع الحر بدلا من الروح أو النصب بنزع الخافض أو مخففة من الثقيلة والآية تدل على أن نزول الوحي بواسطة الملائكة وأن حاصله التنبيه على التوحيد الذي هو منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمال القوة العملية وأن النبوة عطائية والآيات التي بعدها دليل على وحدانيته من حيث إنها تدل على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة ولو كان له شريك لقدر على ذلك في فيلزم التمانع النحل : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . . ) خلق السماوات والأرض بالحق ( أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحكمته ) تعالى عما يشركون ( منهما أو مما يفتقر في وجوده ________________________________________ " صفحة رقم 386 " أو بقائه إليهما ومما لا يقدر على خلقهما وفيه دليل على أنه تعالى ليس من قبيل الأجرام النحل : ( 4 ) خلق الإنسان من . . . . . ) خلق الإنسان من نطفة ( جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع الشكل ) فإذا هو خصيم ( منطيق مجادل ) مبين ( للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل ) من يحيي العظام وهي رميم ( روي أن أبي بن خلف أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعظم رميم وقال يا محمد أترى الله يحي هذا بعد ما قد رم فنزلت النحل : ( 5 ) والأنعام خلقها لكم . . . . . ) والأنعام ( الإبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره ) خلقها لكم ( أو بالعطف على الإنسان وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له ) فيها دفء ( ما يدفأ به فيقي البرد ) ومنافع ( نسلها ودرها وظهورها وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها ) ومنها تأكلون ( ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه النحل : ( 6 ) ولكم فيها جمال . . . . . ) ولكم فيها جمال ( زينة ) حين تريحون ( تردونها من مراعيها إلى مراحلها بالعشي ) وحين تسرحون ( تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها وقرئ / حينا / على أن ) تريحون ( و ) تسرحون ( وصفان له بمعنى ) تريحون ( فيه و ) تسرحون ( فيه النحل : ( 7 ) وتحمل أثقالكم إلى . . . . . ) وتحمل أثقالكم ( أحمالكم ) إلى بلد لم تكونوا بالغيه ( أي إن لم تكن الأنعام ________________________________________ " صفحة رقم 387 " ولم تخلق فضلا أن تحملوها على ظهوركم إليه ) إلا بشق الأنفس ( إلا بكلفة ومشقة وقرئ بالفتح وهو لغة فيه وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف كأنه ذهب نصف قوته بالتعب ) إن ربكم لرؤوف رحيم ( حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم النحل : ( 8 ) والخيل والبغال والحمير . . . . . ) والخيل والبغال والحمير ( عطف على ) الأنعام ( ) لتركبوها وزينة ( أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة وقيل هي معطوفة على محل ) لتركبوها ( وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله ولأن المقصود من خلقها الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض وقرئ بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة ) لتركبوها ( أو مصدرا في موضع الحال من أحد الضميرين أي متزينين أو متزينا بها واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالبا أن لا يقصد منه غيره أصلا ويدل على أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر ) ويخلق ما لا تعلمون ( لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالبا احتياجا ضروريا أو غير ضروري أجمل غيرها ويجوز أن يكون إخبارا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر النحل : ( 9 ) وعلى الله قصد . . . . . ) وعلى الله قصد السبيل ( بيان مستقبل الطريق الموصل إلى الحق أو إقامة السبيل وتعديلها رحمة وفضلا أو عليه قصد السبيل يصل إليه من يسلكه لا محالة يقال سبيل قصد ________________________________________ " صفحة رقم 388 " وقاصد أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يقصده السالك لا يميل عنه والمراد من ) السبيل ( الجنس ولذلك أضاف إليه ال ) قصد ( وقال ) ومنها جائر ( حائدعن القصد أو عن الله وتغيير الأسلوب لأنه ليس بحق على الله تعالى أن يبين طرق الضلالة أو لأن المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض وقرئ و / منكم جائر / أي عن القصد ) ولو شاء ( الله ) لهداكم أجمعين ( أي ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السبيل هداية مستلزمة للاهتداء النحل : ( 10 ) هو الذي أنزل . . . . . ) هو الذي أنزل من السماء ( من السحاب أو من جانب السماء ) ماء لكم منه شراب ( ما تشربونه ) ولكم ( صلة ) أنزل ( أو خبر ) شراب ( و ) من ( تبعيضية متعلقة به وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه لقوله ) فسلكه ينابيع ( وقوله ) فأسكناه في الأرض ( ) ومنه شجر ( ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي وقيل كل ما نبت على الأرض شجر قال يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر ) فيه تسيمون ( ترعون من سامت الماشية وأسامها صاحبها وأصله السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات النحل : ( 11 ) ينبت لكم به . . . . . ) ينبت لكم به الزرع ( وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم ) والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ( وبعض كلها إذا لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانيا هو اشرف الأغذية ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها ) إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( على وجود الصانع وحكمته فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجرة وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها ثم ينموا ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع مع اتحاد المواد ونسبة الطبائع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ولعل فصل الآية به ________________________________________ " صفحة رقم 389 " النحل : ( 12 ) وسخر لكم الليل . . . . . ) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ( بأن هيأها لمنافعكم ) مسخرات بأمره ( حال من الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه وفيه إيذان بالجواب عما عسى أن يقال إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضا ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة فلا بد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعا للدور والتسلسل أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع وقرأ حفص ) والنجوم مسخرات ( على الابتداء والخبر فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه ورفع ابن عامر ) الشمس والقمر ( أيضا ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( جمع الآية وذكر العقل لأنها تدل أنواعا من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة غير محوجة إلى استيفاء فكر كأحوال النبات النحل : ( 13 ) وما ذرأ لكم . . . . . ) وما ذرأ لكم في الأرض ( عطف على ) الليل ( أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات ) مختلفا ألوانه ( أصنافه فإنها تتخالف باللون غالبا ) إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ( إن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم النحل : ( 14 ) وهو الذي سخر . . . . . ) وهو الذي سخر البحر ( جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص ) لتأكلوا منه لحما طريا ( هو السمك ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم يسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله ولإظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق وتمسك به مالك والثوري على أن من حلف أن لا يأكل لحما حنث بأكل السمك وأجيب عنه بأن مبنى الإيمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإطلاق ألا ترى أن الله تعالى سمى الكافر دابة ولا يحنث الخالق على أن لا يركب دابة بركوبه ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( كاللؤلؤ والمرجان أي تلبسها نساؤكم فأسند إليهم لأنهن من جملتهم ولأنهن ________________________________________ " صفحة رقم 390 " يتزين بها لأجلهم ) وترى الفلك ( السفن ) مواخر فيه ( جواري فيه تشقه بحيزومها من المخر وهو شق الماء وقيل صوت جري الفلك ) ولتبتغوا من فضله ( من سعة رزقه بركوبها للتجارة ) ولعلكم تشكرون ( أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام من حيث أنه جعل المهالك سببا للانتفاع وتحصيل المعاش النحل : ( 15 ) وألقى في الأرض . . . . . ) وألقى في الأرض رواسي ( جبالا رواسي ) أن تميد بكم ( كراهة أن تميل بكم وتضطرب وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالإستدارة كالأفلاك أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوت جوانبها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هي بمقر أحد على ظهورها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ) وأنهارا ( وجعل فيها أنهارا لأن ألقى فيه معناه ) سبلا لعلكم تهتدون ( لمقاصدكم أو إلى معرفة الله سبحانه وتعالى النحل : ( 16 ) وعلامات وبالنجم هم . . . . . ) وعلامات ( معالم يستدل بها السابلة من جبل وسهل وريح ونحو ذلك ) وبالنجم هم يهتدون ( بالليل في البراري والبحار والمراد بالنجم الجنس ويدل عليه قراءة ) وبالنجم ( بضمتين وضمة وسكون على الجمع وقيل الثريا والفرقدات وبنات نعش والجدي ولعل الضمير لقريش لأنهم كانوا كثيري الأسفار مشهورين بالإهتداء في مسايرهم بالنجوم وإخراج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم النجم وإقحام الضمير ________________________________________ " صفحة رقم 391 " للتخصيص كأنه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فا الإعتبار بذلك والشكر عليه ألزم لهم أوجب عليهم النحل : ( 17 ) أفمن يخلق كمن . . . . . ) أفمن يخلق كمن لا يخلق ( إنكار بعد إقامة الدلائل المتكاثرة على كمال قدرته وتناهي حكمته والتفرد بخلق ما عدد من مدعاته لأن يساويه ويستحق مشاركته مالا يقدر على خلق شيء من ذلك بل على إيجاد شيء ما وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق لكنه عكس تنبيها على أنهم بالإشراك بالله سبحانه وتعالى جعلوه من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى مغلبا فيه أولو العلم شبيها بها والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى مغلبا فيه أولو العلم منهم أو الأصنام وأجروها مجرى أولي العلم لأنهم سموها آلهة ومن حق الإله أن يعلم أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق أو لمبالغة وكأن قيل إن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده ) أفلا تذكرون ( فتعرفوا فساد ذلك فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر عنده بأدنى تذكر والتفات النحل : ( 18 ) وإن تعدوا نعمة . . . . . ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( لا تضبطوا عددها فضلا أن يطيقوا القيام بشكرها أتبع ذلك تعداد النعم وإلزام الحجة على تفرده باستحقاق العبادة تنبيها على أن وراء ما عدد نعما لا ت نحصر وأن حق عبادته تعالى غير مقدور ) إن الله لغفور ( حيث يتجاوز عن تقصير في أداء شكرها ) رحيم ( لا يقطعها لتفريطيكم فيه ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها النحل : ( 19 ) والله يعلم ما . . . . . ) والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ( من عقائدكم وأعمالكم وهو وعيد ونزيف للشرك باعتبار العلم بعد تزييفه باعتبار القدرة النحل : ( 20 ) والذين يدعون من . . . . . ) الذين تدعون من دون الله ( أي والآلهة الذين تعبدونهم من دونه وقرأ أبو بكر ) يدعون ( بالياء وقرأ حفص ثلاثتها بالياء ) لا يخلقون شيئا ( لما نفى المشاركة بين من ________________________________________ " صفحة رقم 392 " يخل قومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئا لينتج أنهم لا يشاركونه ثم أكد ذلك بأن اثبت لهم صفات تنافى الألوهية فقال ) وهم يخلقون ( لأنهم ذوات ممكنة مفترقة الوجود إلى التخليق والإله ينبغي أن يكون واجب الوجود النحل : ( 21 ) أموات غير أحياء . . . . . ) أموات ( هم أموات لا تعتريهم الحياة أو أموات حالا أو مالا ) غير أحياء ( بالذات ليتناول كل معبود والإله ينبغي أن يكون حيا بالذات لا يعتريه الممات ) وما يشعرون أيان يبعثون ( ولا يعلمون وقت بعثهم أو بعث عبدتهم فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم والإله ينبغي أن يكون عالما بالغيوب مقدارا للثواب والعقاب وفيه تنبيه على أن البعث من توابع التكليف النحل : ( 22 ) إلهكم إله واحد . . . . . ) إلهكم إله واحد ( تكرير للمدعي بعد إقامة الحجج ) فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ( بيان لما اقتضى إصرارهم بعد وضوح الحق وذلك عدم إيمانهم بالآخرة فإن المؤمن بها يكون طالبا للدلائل متأملا فيما يسمع فينتفع به والكافر بها يكون حاله بالعكس وإنكار قلوبهم مالا يعرف إلا بالبرهان اتباعا للأسلاف وركونا إلى المألوف فإنه ينافي النظر والإستكبار عن أتباع الرسول وتصديقه والألتفات إلى قوله والأول هو العمدة في الباب ولذلك رتب عليه ثبوت الآخرين النحل : ( 23 ) لا جرم أن . . . . . ) لا جرم ( حقا ) أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( فيجازيهم وهو في موضع الرفع ب ) جرم ( لأنه مصدر أو فعل ) إنه لا يحب المستكبرين ( فضلا عن الذين استكبروا عن توحيده أو اتباع الرسول ________________________________________ " صفحة رقم 393 " النحل : ( 24 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ( القائل بعضهم على التهكم أو الوافدون عليهم أو المسلمون ) قالوا أساطير الأولين ( أي ما تدعون نزوله أو المنزل أساطير الأولين وإنما سموه منزلا على التهكم أو على الفرض أي على تقدير أنه منزل فهو أساطير الأولين لا تحقيق فيه والقائلون قيل هم المقتسمون النحل : ( 25 ) ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . . ) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ( أي قالوا ذلك إضلالا للناس فحملوا أوزار ضلالهم كالمة فإن إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال ) ومن أوزار الذين يضلونهم ( وبعض أوزار ضلال من يضلوهم وهو حصة التسبب ) بغير علم ( حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال وفائدتها الدلالة على أن جهلهم لا يعذرهم إذ كان عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق والمبطل ) ألا ساء ما يزرون ( بئس شيئا يزرونه فعلهم النحل : ( 26 ) قد مكر الذين . . . . . ) وقد مكر الذين من قبلهم ( أي سووا منصوبات ليمكروا بها رسل الله عليهم الصلاة والسلام ) فأتى الله بنيانهم من القواعد ( فأتاها أمره من جهة العمد التي بنوا عليها بأن ضعضعت ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( وصار سبب هلاكهم ) وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( لا يحتسبون ولا يتوقعون وهو على سبيل التمثيل وقيل المراد به نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل سمكه خمسة آلاف ذراع ليترصد أمر السماء فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا النحل : ( 27 ) ثم يوم القيامة . . . . . ) ثم يوم القيامة يخزيهم ( يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله تعالى ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( ) ويقول أين شركائي ( أضاف إلى نفسه استهزاء أو حكاية ________________________________________ " صفحة رقم 394 " لإضافتهم زيادة في توبيخهم النحل : ( 28 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . . ) الذين كنتم تشاقون فيهم ( تعادون المؤمنين في شأنهم وقرأ نافع بكسر النون بمعنى تشاقوني فإن مشاقة المؤمنين كمشاقة الله عز وجل ) وقال الذين أوتوا العلم ( أي الأنبياء والعلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد فيشاقونهم ويتكبرون عليهم أو الملائكة ) إن الخزي اليوم والسوء ( الذلة والعذاب ) على الكافرين ( وفائدة إظهار الشماتة بهم وزيادة الإهانة وحكايته لأن يكون لطفا ووعظا لمن سمعه ) الذين تتوفاهم الملائكة ( وقرأ حمزة بالياء وقرئ بإذغام في التاء وموضع الموصول يحتمل الأوجه الثلاثة ) ظالمي أنفسهم ( بأن عرضوها للعذاب المخلد ) فألقوا السلم ( فسالموا وأخبتوا حين عاينوا الموت ) ما كنا ( قائلين ما كنا ) نعمل من سوء ( كفر وعدوا ويجوز أن يكون تفسيرا ل ) السلم ( على أن المراد به القول الدال على الاستسلام ) بلى ( أي فتجيبهم الملائكة بلى ) إن الله عليم بما كنتم تعملون ( فهو يجازيكم عليه وقيل قوله ) فألقوا السلم ( إلى آخر الآية استئناف ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة وعلى هذا أول من لم يجوز الكذب يومئذ ) ما كنا نعمل من سوء ( بأنا لم نكن في زعمنا واعتقادنا عاملين سوءا ويحتمل أن يكون الراد عليهم هو الله تعالى أو أولو العلم النحل : ( 29 ) فادخلوا أبواب جهنم . . . . . ) فادخلوا أبواب جهنم ( كل صنف بابها المعد له وقيل أبواب جهنم أصناف عذابها ) خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ( جهنم ________________________________________ " صفحة رقم 395 " النحل : ( 30 ) وقيل للذين اتقوا . . . . . ) وقيل للذين اتقوا ( يعني المؤمنين ) ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( أي أنزل خيرا وفي نصبه دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب وأطبقوه على السؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا جاء الوافد المقتسمين قالوا له ما قالوا وإذا جاء المؤمنين قالوا له ذلك ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( مكافأة في الدنيا ) ولدار الآخرة خير ( أي ولثوابهم في الآخرة خير منها وهو عدة للذين اتقوا على قولهم ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلا وتفسيرا ل ) خيرا ( على أنه منتصب ب ) قالوا ( ) ولنعم دار المتقين ( دار الآخرة فحذفت لتقدم ذكرها النحل : ( 31 ) جنات عدن يدخلونها . . . . . وقوله ) جنات عدن ( خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح ) يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون ( من أنواع المشتهيات وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة ) كذلك يجزي الله المتقين ( مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول النحل : ( 32 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . . ) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة ) ظالمي أنفسهم ( وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس ) يقولون سلام عليكم ( لا يحيقكم ________________________________________ " صفحة رقم 396 " بعد مكروه النحل : ( 33 ) هل ينظرون إلا . . . . . ) ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن المر بالدخول حينئذ ) هل ينظرون ( ما ينتظر الكفار المار ذكرهم ) إلا أن تأتيهم الملائكة ( لقبض أرواحهم وقرأ حمزة والكسائي بالياء ) أو يأتي أمر ربك ( القيامة أو العذاب المستأصل ) كذلك ( مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب ) فعل الذين من قبلهم ( فأصابهم ما أصابوا ) وما ظلمهم الله ( بتدميرهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه النحل : ( 34 ) فأصابهم سيئات ما . . . . . ) فأصابهم سيئات ما عملوا ( أي جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف أو تسمية الجزاء باسمها ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وأحاط بهم جزاؤه ولا يستعلم إلا في الشر النحل : ( 35 ) وقال الذين أشركوا . . . . . ) وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ( إنما قالوا ذلك استهزاء أو منعا للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيها أو إنكارا لقبح ما أنكر عليهم من الشركى وتحريم البحائر ونحوها محتجين بأنها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم ولشاء خلافه ملجئا إليه لا اعتذارا إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم وفيما بعده تنبيه على الجواب عن ________________________________________ " صفحة رقم 397 " الشبهتين ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله ) فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ( إلا الإبلاغ الموضح للحق وهو لا يؤثر فيهدى من شاء الله هداه لكنه يؤدي إليه على سبيل التوسط وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقا بل بأسباب قدرها له النحل : ( 36 ) ولقد بعثنا في . . . . . ثم بين أن البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في المم كلها سببا لهدى من أراد اهتداءه وزيادة لضلال من أراد ضلاله كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضر المنحرف ويفنيه بقوله تعالى ) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ( يأمر بعبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت ) فمنهم من هدى الله ( وفقهم للإيمان بإرشادهم ) ومنهم من حقت عليه الضلالة ( إذ لم يوفقهم ولم يرد هداهم وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية لما فيه من الدلالة على أن تحقق الضلال وثباته بفعل اله تعالى وإرادته من حيث أنه قسم من هدى الله وقد صرح به في الآية الأخرى ) فسيروا في الأرض ( يا معشر قريش ) فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( من عاد وثمود وغيرهم لعلكم تعتبرون النحل : ( 37 ) إن تحرص على . . . . . ) إن تحرض ( يا محمد ) على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل ( من يريد ضلاله وهو المعنى بمن حقت عليه الضلالة وقرأ غير الكوفيين ) لا يهدي ( على البناء للمفعول وهو أبلغ ) وما لهم من ناصرين ( من ينصرهم بدفع العذاب عنهم . النحل : ( 38 ) وأقسموا بالله جهد . . . . . ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( عطف على ) وقال الذين أشركوا ( إيذانا بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة في البت على فساده ولقد رد الله عليهم أبلغ فقال ) بلى ( يبعثهم ) وعدا ( مصدر مؤكد لنفسه وهو ________________________________________ " صفحة رقم 398 " ما دل عليه ) بلى ( فإن يبعث موعد من الله ) عليه ( إنجازه لا متناع الخلف فيوعده أو لأن البعث مقتضى حكمته ) حقا ( صفة أخرى للوعد ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهم امتناعه النحل : ( 39 ) ليبين لهم الذي . . . . . ثم إنه تعالى بين الأمرين فقال ) ليبين لهم ( أي يبعثهم ) ليبين لهم ( ) الذي يختلفون فيه ( وهو الحق ) وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ( فيما يزعمون وهو إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة وهو المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب النحل : ( 40 ) إنما قولنا لشيء . . . . . ثم قال ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( وهو بيان إمكانية وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد وإلا لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده ونصب ابن عامر و الكسائي ها هنا وفي ) يس ( فيكون عطفا على نقول أو جوابا للأمر النحل : ( 41 ) والذين هاجروا في . . . . . ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ( هم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه المهاجرون ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة وبعضهم إلى المدينة أو المحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وأبو جندل وسهيل رضي الله تعالى عنهم وقوله و ) في الله ( أي في حقه ولوجهه ) لنبوئنهم في الدنيا حسنة ( مباءة حسنة وهي المدينة أو تبوئة حسنة ) ولأجر الآخرة أكبر ( ________________________________________ " صفحة رقم 399 " مما يعجل لهم في الدنيا وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال له خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل ) لو كانوا يعلمون ( الضمير للكفار أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقهم أو للمهاجرين أي لو علموا ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم النحل : ( 42 ) الذين صبروا وعلى . . . . . ) الذين صبروا ( على الشدائد كأذى الكفار ومفارقة الوطن ومحله النصب أو الرفع على المدح ) وعلى ربهم يتوكلون ( منقطعين إلى الله مفوضين إليه الأمر كله النحل : ( 43 ) وما أرسلنا من . . . . . ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( رد لقول قريش الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا أي جرت السنة الإلهية بأن لا يبعث للدعوة العامة إلا بشرا يوحي إليه على ألسنة الملائكة والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة ) الأنعام ( فإن شككتم فيه ) فاسألوا أهل الذكر ( أهل الكتاب أو علماء الأخبار ليعلموكم ) إن كنتم لا تعلمون ( وفي الآية دليل على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا ملكا للدعوة العامة وقوله ) جاعل الملائكة رسلا ( معناه رسلا إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل لم يبعثوا إلى الأنبياء إلا متمثلين بصورة الرجال ورد بما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل صلوات الله عليه وعلى صورته التي هو عليها مرتين وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم النحل : ( 44 ) بالبينات والزبر وأنزلنا . . . . . ) بالبينات والزبر ( أي أرسلناهم بالبينات والزبر أي المعجزات والكتب كأنه جواب قائل قال بم أرسلوا ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء مع رجالا أي وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك ما ضربت إلا زيدا بالسوط أو صفة لهم أي رجالا ملتبسين بالبينات أو بيوحي على المفعولية أو الحال من القائم مقام فاعله على أن ________________________________________ " صفحة رقم 400 " قوله فاسألوا اعتراض أو بلا تعلمون على أن الشرط للتبكيت والإلزام ) وأنزلنا إليك الذكر ( أي القرآن وإنما سمي ذكرا مما أمروا به ونهوا عنه أو مما تشابه عليهم والتبيين أعم من أن ينص بالمقصود أو يرشد إلى ما يدل عليه كالقياس ودليل العقل ) ولعلهم يتفكرون ( وإرادة أن يتأملوا فيه فينتبهوا للحقائق النحل : ( 45 ) أفأمن الذين مكروا . . . . . ) أفأمن الذين مكروا السيئات ( أي المكرات السيئات وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء أو الذين مكروا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وراموا صد أصحابه عن الإيمان ) أن يخسف الله بهم الأرض ( كما خسف بقارون ) أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط النحل : ( 46 ) أو يأخذهم في . . . . . ) أو يأخذهم في تقلبهم ( أي متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم ) فما هم بمعجزين ) النحل : ( 47 ) أو يأخذهم على . . . . . ) أو يأخذهم على تخوف ( على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون أو على أن ينقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر ما تقولون فيها فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال هذه لغتنا التخوف التنقص فقال هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته " تخوف الرجل منها بامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن " ________________________________________ " صفحة رقم 401 " فقال عمر عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا وما ديواننا قال شعر الجاهلية فإن قيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم ) فإن ربكم لرؤوف رحيم ( حيث لا يعالجكم بالعقوبة النحل : ( 48 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء ( استفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع فما بالهم لم يتفكروا فيها ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه وما موصولة مبهمة بيانها ) يتفيأ ظلاله ( أي أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة وقرأ حمزة والكسائي / ترو / بالتاء ) عن اليمين والشمائل ( عن إيمانها وعن شمائلها أي عن جانبي كل واحد منها استعارة من يمين الإنسان وشماله ولعل توحيد اليمين وجمع شمائلها باعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد الضمير في ظلاله وجمعه في قوله ) سجدا لله وهم داخرون ( وهما حالان من الضمير في ظلاله والمراد من السجود الاستسلام سواء كان بالطبع أو الاختيار يقال سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب وسجدا حال من الظلال ) وهم داخرون ( حال من الضمير والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدر لها من التفيؤ أو واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد والأجرام في أنفسها أيضا داخرة أي صاغرة من قادة لأفعال الله تعالى فيها وجمع ) داخرون ( بالواو لأن من جملتها من يعقل أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء وقيل المراد ب ) اليمين والشمائل ( يمين الفلك وهو جانبه الشرقي لأن الكواكب ________________________________________ " صفحة رقم 402 " تظهر منه آخذة في الأرتفاع وشماله هو الجانب الغربي المقابل له من الأرض فإن الظلال في أول النهار تبتدىء من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض وعند الزوال تبتدىء من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الأرض النحل : ( 49 ) ولله يسجد ما . . . . . ) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض ( أي ينقاد أنقيادا يعم الأنقياد لإرادته وتأثيره طبعا والإنقياد لتكليفه وأمره طوعا ليصح إسناده إلى عامة أهل السموات والأرض وقوله ) من دابة ( بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية سواء كانت في أرض أو سماء ) والملائكة ( عطف على المبين به عطف جبريل على الملائكة للعظيم أو عطف المجردات على الجسمانيات وبه احتج من نقال إن الملائكة أرواح مجردة أو بيان لما في الأرض والملائكة تكرير لما في السموات وتعيين له إجلالا وتعظيما أو المراد بها ملائكتها من الحفظة وغيرهم وما لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق من تغليبا للعقلاء ) وهم لا يستكبرون ( عن عبادته النحل : ( 50 ) يخافون ربهم من . . . . . ) يخافون ربهم من فوقهم ( يخافونه أن يرسل عذابا من فوقهم أو يخافونه وهو ________________________________________ " صفحة رقم 403 " فوقهم بالقهر كقوله تعالى ) وهو القاهر فوق عباده ( والجملة حال من الضمير ف ) لا يستكبرون ( أو بيان له وتقرير لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته ) ويفعلون ما يؤمرون ( من الطاعة والتدبير وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء النحل : ( 51 ) وقال الله لا . . . . . ) وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ( ذكر العدد مع أن المعدود يدل عليه دلالة على أن مساق النهي إليه أو إيماء بأن الأثينية تنافي الألوهية كما ذكر الواحد في قوله ) إنما هو إله واحد ( للدلالة على أن المقصود إثبات الواحدانية دون الإلهية أو للتنبيه على أن الوحدة من لوازم الإلهية ) فإياي فارهبون ( نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب وتصريحا بالمقصود فكأنه قال فأنا ذلك الإله الواحد فإياي فارهبون لا غير النحل : ( 52 ) وله ما في . . . . . ) وله ما في السماوات والأرض ( خلقا وملكا ) وله الدين ( أي الطاعة ) واصبا ( لا زما لما تقرر من أنه الإله وحده والحقيق بأن يرهب منه وقيل ) واصبا ( من الوصب أي وله الدين ذا كلفة وقيل الدين الجزاء أي وله الجزاء دائما لا ينقطع ثوابه لمن آمن وعقابه لمن كفر ) أفغير الله تتقون ( ولا ضار سواه كما لا نافع غيره كما قال تعالى النحل : ( 53 ) وما بكم من . . . . . ) وما بكم من نعمة فمن الله ( أي وأي شيء اتصل بكم من نعمة فهو مناله ) وما ( شرطية أو موصولة متضمنة معنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول فإن استقرار النعمة ________________________________________ " صفحة رقم 404 " بهم يكون سببا للإخبار بأنها من الله لا لحصولها منه ) ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( فما تتضرعون إلا إليه والجؤار رفع الصوت في الدعاء والإستغاثة النحل : ( 54 ) ثم إذا كشف . . . . . ) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم ( وهم كفاركم ) بربهم يشركون ( بعبادة غيره هذا إذا كان الخطاب عاما فإن كان خاصيا بالمشركين كان من للبيان كأنه قال إذا فريق وهم أنتم ويجوز أن تكون من للتبعيض على أن يعتبر بعضهم كقوله تعالى ) فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) النحل : ( 55 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . . ) ليكفروا بما آتيناهم ( من نعمة الكشف عنهم كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة أو إنكار كونها من الله تعالى ) فتمتعوا ( أمر تهديد ) فسوف تعلمون ( أغلظ وعيده وقرىء / فيمتعوا / مبنيا للمفعول عطفا على ) ليكفروا ( وعلى هذا جاز أن تكون اللام لام الأمر الوارد للتهديد والفاء للجواب النحل : ( 56 ) ويجعلون لما لا . . . . . ) ويجعلون لما لا يعلمون ( أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد فيكون الضمير ) لما ( أو التي لا يعلمونها فيعتقدون فيها جهالات مثل أنها تنفعهم وتشفع لهم على أن العائد إلى ما محذوف أو لجهلهم على أن ما مصدرية والمجعول له محذوف للعلم به ) نصيبا مما رزقناهم ( من الزروع والأنعام ) تالله لتسألن عما كنتم تفترون ( من أنها آلهة حقيقة بالتقريب غليها وهو وعيد لهم عليه النحل : ( 57 ) ويجعلون لله البنات . . . . . ) ويجعلون لله البنات ( كانت خزاعة وكنانة يقولن الملائكة بنات الله ) سبحانه ( تنزيه له منقولهم أو تعجب منه ) ولهم ما يشتهون ( يعني البنين ويجوز فيما يشتهون الرفع بالإبتداء والنصب بالعطف على البنات على أن الجعل بمعنى الإختيار وهو وإن أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد لكنه لا يبعد تجويزه في المعطوف ________________________________________ " صفحة رقم 405 " النحل : ( 58 ) وإذا بشر أحدهم . . . . . ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ( أخبر بولادتها ) ظل وجهه ( صار أو دام النهار كله ) مسودا ( من الكآبة والحياء من الناس واسوداد الوجه كناية عن الإغتنام والتشوير ) وهو كظيم ( مملوء غيظا من المرأة النحل : ( 59 ) يتوارى من القوم . . . . . ) يتوارى من القوم ( يستخفي منهم ) من سوء ما بشر به ( من سوء المبشر به عرفا ) أيمسكه ( محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه ) على هون ( ذلك ) أم يدسه في التراب ( أي يفيه فيه ويئده وتذكير الضمير للفظ ) ما ( وقرىء بالتأنيث فيهما ) ألا ساء ما يحكمون ( حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محله عندهم النحل : ( 60 ) للذين لا يؤمنون . . . . . ) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ( صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد المنادية بالموت واستبقاء الذكور استظهارا بهم وكراهة الإناث ووأدهن خشية الإملاق ) ولله المثل الأعلى ( وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الفائق والنزاهة عن صفات المخلوقين ) وهو العزيز الحكيم ( المنفرد بكمال القدرة والحكمة النحل : ( 61 ) ولو يؤاخذ الله . . . . . ) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ( بكفرهم ومعاصيهم ) ما ترك عليها ( على الأرض وإنما أضمرها من غير ذكر لدلالة الناس والدابة عليها ) من دابة ( قط بشؤم ظلمهم وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كاد الجعل يهلك في حجره بذنب ابن آدم أو من دابة ظالمة وقيل لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( سماه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( بل هلكوا أو عذبوا حينئذ لا محالة ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم أن يكونوا كلهم ظالمين حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم النحل : ( 62 ) ويجعلون لله ما . . . . . ) ويجعلون لله ما يكرهون ( أي ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة والاستخفاف بالرسل وأراذل الأموال ) وتصف ألسنتهم الكذب ( مع ذلك وهو ) أن لهم الحسنى ( أي عند الله كقوله ) ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( وقرئ ) الكذب ( جمع كذوب صفة لللألسنة ) لا جرم أن لهم النار ( رد لكلامهم وإثبات لضده ) وأنهم مفرطون ( مقدمون إلى النار من أفرطته في طلب الماء إذا قدمته وقرأ ________________________________________ " صفحة رقم 406 " نافع بكسر الراء على أنه من الإفراط في المعاصي وقرئ بالتشديد مفتوحا من فرطته في طلب الماء ومكسورا من التفريط في الطاعات النحل : ( 63 ) تالله لقد أرسلنا . . . . . ) تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم ( فأصروا على قبائحها وكفروا بالمرسلين ) فهو وليهم اليوم ( أي في الدنيا وعبر باليوم عن زمانها أو فهو وليهم حين كان يزين لهم أو يوم القيامة على أنه حكاية حال ماضية أو آتية ويجوز أن يكون الضمير لقريش أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم وهو ولي هؤلاء اليوم يغريهم ويغويهم وإن يقدر مضاف أي فهو ولي أمثالهم والولي القرين أو الناصر فيكون نفيا للناصر لهم عل أبلغ الوجوه ) ولهم عذاب أليم ( في القيامة النحل : ( 64 ) وما أنزلنا عليك . . . . . ) وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم ( للناس ) الذي اختلفوا فيه ( من التوحيد والقدر وأحوال المعاد وأحكام الأفعال ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( معطوفان على محل لتبين فإنهما فعلا المنزل بخلاف التبيين النحل : ( 65 ) والله أنزل من . . . . . ) والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ( أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها ) إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ( سماع تدبر وإنصاف النحل : ( 66 ) وإن لكم في . . . . . ) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم ) نسقيكم مما في بطونه ( استئناف لبيان العبرة وإنما ذكر الضمير ووحده ها هنا للفظ وأنثه في سورة ) المؤمنين ( للمعنى فإن الأنعام اسم جمع ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال كأخلاق وأكياس ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإن اللبن لبعضها دون جميعها أو لواحدة أو له على المعنى فإن المراد به الجنس وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب ) نسقيكم ( بالفتح هنا وفي ) المؤمنين ( ) من بين فرث ودم لبنا ( فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث وهو الأشياء المأكولة ________________________________________ " صفحة رقم 407 " المنهضمة بعض الإنهضام في الكرش وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن البهيمة إذا اعتلفت وانطبخ العلف في كرشها كان أسفلة فرثا وأوسطه لبنا وإعلاه دما ولعله أن صح فالمراد أن أوسطه يكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم الذي يغذي البدن لأنهما لا يتكونان في الكرش هو يبقى ثقله وهو الفرث ثم يسكها ريثما يهضمها هضما ثانيا فيحدث أخلاطا أربعة معه مائية فتميز القوة المميزة تلك المائية بما زاد على قدر الحاجة من المرتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطحال ثم يوزع الباقي على الأعضاء بحسبها فيجري إلى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم ثم إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرد والرطوبة على مزاجها فيندفع الزائد أولا إلى الرحم لأجل الجنين فإذا انفصل انصب ذلك الزائد أو بعضه إلى الضروع فيبيض بمجاورة لحومها الغددية البيض فيصير لبنا ومن نتدبر صنع الله تعالى في إحداث الخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها والأسباب المولدة لها والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق به اضطر إلى الإقرار بكمال حكمته وتناهي رحمته و ) من ( الأولى تبغيضية لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية ابتدائية كقولك سقيت من الحوض لأن بين الفرث والدم المحل الذي يبتدأ منه الإسقاء وهي متعلقة ب ) نسقيكم ( أو حال من ) لبنا ( قدم عليه لتنكيره وللتنبيه على أنه موضع العبرة ) خالصا ( صافيا لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث أو مضى عما يصحبه من الأجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه ) سائغا للشاربين ( سهل المرور في حلقهم وقرىء / سيغا / بالتشديد والتخفيف النحل : ( 67 ) ومن ثمرات النخيل . . . . . ) ومن ثمرات النخيل والأعناب ( متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما وقوله ) تتخذون منه سكرا ( استئناف لبيان الإسقاء أو ب ) تتخذون ( ومنه تكرير للظرف تأكيدا أو خبر لمحذوف صفته ) تتخذون ( أي ومن ________________________________________ " صفحة رقم 408 " ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لأنه للمضاف المحذوف الذي هو العصير أو لأن ال ) ثمرات ( بمعنى الثمر وال ) سكرا ( مصدر سمي به الخمر ) ورزقا حسنا ( كالتمر والزبيب والدبس والخل والآية إن كانت ساقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة وقيل ال ) سكرا ( النبيذ وقيل الطعم قال " جعلت أعراض الكرام سكرا " أي تنقلت بأعراضهم وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه النحل : ( 68 ) وأوحى ربك إلى . . . . . ) وأوحى ربك إلى النحل ( ألهمها وقذف في قلوبها وقرئ ) إلى النحل ( بفتحتين ) أن اتخذي ( بأن اتخذي ويجوز أن تكون ) إن ( مفسرة لأن في الإيحاء معنى معنى القول وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر ) من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتا تشبيها ببناء الإنسان لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة ولعل ذكره لتنبيه على ذلك وقرئ ) بيوتا ( بكسر الباء وقرأ ابن عامر وأبو بكر ) يعرشون ( بضم الراء النحل : ( 69 ) ثم كلي من . . . . . ) ثم كلي من كل الثمرات ( من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها ) فاسلكي ( ما أكلت ) سبل ربك ( في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من أجوافك أو ________________________________________ " صفحة رقم 409 " ) فاسلكي ( الطرق التي ألهمك في عمل العسل أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك ) سبل ربك ( لا تتوعر عليك ولا تلتبس ) ذللا ( جمع ذلول وهي حال من السبل أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك أو من الضمير في اسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به ) يخرج من بطونها ( كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس لأنه محل الإنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم ) شراب ( يعني العسل لأنه مما يشرب واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلا ثم تقيء ادخارا للشتاء ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار وتضعها في بيوتها ادخارا فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه ) مختلف ألوانه ( ابيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل ) فيه شفاء للناس ( إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية أو مع غيره كما في سائر الأمراض إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض ويجوز أن يكون للتعظيم وعن قتادة أن رجلا جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال " اسقه العسل " فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فما نفع فقال اذهب واسقه عسلا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل ) إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعا أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه النحل : ( 70 ) والله خلقكم ثم . . . . . ) والله خلقكم ثم يتوفاكم ( بآجال مختلفة ) ومنكم من يرد ( يعاد ) إلى أرذل العمر ( ________________________________________ " صفحة رقم 410 " أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون ) لكي لا يعلم بعد علم شيئا ( ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم ) إن الله عليم ( بمقادير أعماركم ) قدير ( يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفاني وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ركب أبنيتهم وعدل أمزجتهم على قدر معلوم ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ النحل : ( 71 ) والله فضل بعضكم . . . . . ) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ( فمنكم غني ومنكم فقير ومنكم موال يتولون يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك ) فما الذين فضلوا برادي رزقهم ( بمعطي رزقهم ) على ما ملكت أيمانهم ( على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم ) فهم فيه سواء ( فالموالي والمماليك سواء في أن عليهم رزقهم فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه ) أفبنعمة الله يجحدون ( حيث يتخذون له شركاء فإنه يقتضى أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم والباء لتضمن الجحود معنى الكفر وقرأ أبو بكر / تجحدون / بالتاء لقوله ) خلقكم ( و ) فضل بعضكم ) النحل : ( 72 ) والله جعل لكم . . . . . ) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( أي من جنسكم لتأنسوا بها ولتكون أولادكم ________________________________________ " صفحة رقم 411 " مثلكم وقيل هو خلق حواء من آدم ) وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ( وأولاد أولاد أو بنات فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة وقيل هم الأختان على البنات وقيل الربائب ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين ) ورزقكم من الطيبات ( من اللذائذ أو الحلالات و ) من ( للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها ) أفبالباطل يؤمنون ( وهو أن الأصنام تنفعهم أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب ) وبنعمة الله هم يكفرون ( حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام أو حرموا ما أحل الله لهم وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام أو لإيهام التخصيص مبالغة أو للمحافظة على الفواصل النحل : ( 73 ) ويعبدون من دون . . . . . ) ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ( من مطر ونبات و ) رزقا ( إن جعلته مصدرا فشيئا منصوب به وإلا فبدل منه ) ولا يستطيعون ( أن يتملكوه أو لا استطاعة لهم أصلا وجمع الضمير فيه وتوحيده في ) لا يملك ( لأن ) ما ( مفرد في معنى الألهة ويجوز أن يعود إلى الكفار أي ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون شيئا من ذلك فكيف بالجماد النحل : ( 74 ) فلا تضربوا لله . . . . . ) فلا تضربوا لله الأمثال ( فلا تجعلوا له مثلا تشركون به أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال ) أن الله يعلم ( فساد ما تعولون عليه من القياس على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون ) وأنتم لا تعلمون ( ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو عليم للنهي أو أنه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم دون نصه ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ثم علمهم كيف يضرب فضرب مثلا لنفسه ولمن عبد دونه فقال ________________________________________ " صفحة رقم 412 " النحل : ( 75 ) ضرب الله مثلا . . . . . ) ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون ( مثل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرف رأسا ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله مالا كثيرا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء واحتج بامتناع الاشتراك والتسوية بينهما مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغني القادر على الإطلاق وقيل هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق وتقييد العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر فإنه أيضا عبد الله وبسلب القدرة للتمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيما للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك والأظهر أن ) من ( نكرة موصوفة ليطابق ) عبدا ( وجمع الضمير في ) يستوون ( لأنه للجنسين فإن المعنى هل يستوي الأحرار والعبيد ) الحمد لله ( كل الحمد له لا يستحقه غيره فضلا عن العبادة لأنه مولى النعم كلها ) بل أكثرهم لا يعلمون ( فيضيفون نعمة إلى غيره ويعبدونه لأجلها النحل : ( 76 ) وضرب الله مثلا . . . . . ) وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم ( ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم ) لا يقدر على شيء ( من الصنائع والتدابير لنقصان عقله ) وهو كل على مولاه ( عيال وثقل على من يلي أمره ) أينما يوجهه ( حيثما يرسله مولاه في أمر وقرئ / يوجه / على البناء للمفعول و / يوجه / بمعنى يتوجه كقوله أينما أوجه ألق سعدا وتوجه بلفظ الماضي ) لا يأت بخير ( ينجح وكفاية مهم ) هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل ( ومن هو فهم منطيق ذو كفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل ) وهو على صراط مستقيم ( وهو في نفسه على طريق مستقيم لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي وإنما قابل تلك الصفات بهذين الوصفين لأنهما كمال ما يقابلهما وهذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام لإبطال المشاركة بينه وبينها أو للمؤمن والكافر النحل : ( 77 ) ولله غيب السماوات . . . . . ) ولله غيب السماوات والأرض ( يختص به علمه لا يعلمه غيره وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوسا ولم يدل عليه محسوس وقيل يوم القيامة فإن علمه غائب عن أهل السموات والأرض ) وما أمر الساعة ( وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته ________________________________________ " صفحة رقم 413 " ) إلا كلمح البصر ( إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها ) أو هو أقرب ( أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل الآن الذي تبتدئ فيه فإنه تعالى يحيي الخلائق ودفعة وما يوجد دفعة كان في آن و ) أو ( للتخيير أو بمعنى بل وقيل معناه أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه ) إن الله على كل شيء قدير ( فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجا النحل : ( 78 ) والله أخرجكم من . . . . . ثم دل على قدرته فقال ) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ( وقرأ الكسائي بكسر الهمزة على أنه لغة أو إتباع لما قبلها وحمزة بكسرها وكسر الميم والهاء مزيدة مثلها في أهراق ) لا تعلمون شيئا ( جهالا مستصحبين جهل الجمادية ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزيئات الأشياء فتدركونها ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرر الإحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها ) لعلكم تشكرون ( كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه النحل : ( 79 ) ألم يروا إلى . . . . . ) ألم يروا إلى الطير ( قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء على أنه خطاب للعامة ) مسخرات ( مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية له ) في جو السماء ( في الهواء المتباعد من الأرض ) ما يمسكهن ( فيه ) إلا الله ( فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها ) إن في ذلك لآيات ( تسخير الطير للطيران بأن خلقها خلقة يمكن معها الطيران وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها في الهواء على خلاف طبعها ) لقوم يؤمنون ( لأنهم هم المنتفعون بها النحل : ( 80 ) والله جعل لكم . . . . . ) والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ( موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم كالبيوت المتخذة من الحجر والمدر فعل بمعنى مفعول ) وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ( هي ________________________________________ " صفحة رقم 414 " القباب المتخذة من الأدم ويجوز أن يتناول المتخذة من الوبر والصوف والشعر فإنها من حيث إنها نباتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها ) تستخفونها ( تجدونها خفيفة يخف عليكم حملها ونقلها ) يوم ظعنكم ( وقت ترحالكم ) ويوم إقامتكم ( ووضعها أو ضربها وقت الحضر أو النزول وقرأ الحجازيان والبصريان ) يوم ظعنكم ( بالفتح وهو لغة فيه ) ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها ( الصوف للضائنة والوبر للإبل والشعر للمعز وإضافتها إلى ضمير ) الأنعام ( لأنها من جملتها ) أثاثا ( ما يلبس ويفرش ) ومتاعا ( ما يتجر به ) إلى حين ( إلى مدة من الزمان فإنها لصلابتها تبقى مدة مديدة أو إلى حين مماتكم أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم النحل : ( 81 ) والله جعل لكم . . . . . ) والله جعل لكم مما خلق ( من الشجر والجبل والأبنية وغيرها ) ظلالا ( تتقون بها حر الشمس ) وجعل لكم من الجبال أكنانا ( مواضع تسكنون بها من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها جمع كن ) وجعل لكم سرابيل ( ثيابا من الصوف والكتان والقطن وغيرها ) تقيكم الحر ( خصه بالذكر اكتفاء بأحد الضدين أو لأن وقاية الحر كانت أهم عندهم ) وسرابيل تقيكم بأسكم ( يعني الدروع والجواشن والسربال يعم كل ما يلبس ) كذلك ( كإتمام هذه النعم التي تقدمت ) يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ( أي تنظرون في نعمه فتؤمنون به وتنقادون لحكمه وقرئ ) تسلمون ( من السلامة أي تشكرون فتسلمون من العذاب أو تنظرون فيها فتسلمون من الشرك وقيل ) تسلمون ( من الجراح بلبس الدروع النحل : ( 82 ) فإن تولوا فإنما . . . . . ) فإن تولوا ( أعرضوا ولم يقبلوا منك ) فإنما عليك البلاغ المبين ( فلا يضرك فإنما عليك البلاغ وقد بلغت وهذا من إقامة السبب مقام المسبب النحل : ( 83 ) يعرفون نعمة الله . . . . . ) يعرفون نعمة الله ( أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى ) ثم ينكرونها ( بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا أو بسبب كذا أو بإعراضهم عن أداء حقوقها وقيل نعمة الله نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 415 " عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة ) وأكثرهم الكافرون ( الجاحدون عنادا وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله ) بل أكثرهم لا يعلمون ) النحل : ( 84 ) ويوم نبعث من . . . . . ) ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ( وهو نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر ) ثم لا يؤذن للذين كفروا ( في الاعتذار إذ لا عذر لهم وقيل في الرجوع إلى الدنيا و ) ثم ( لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع عن الاعتذار لما فيه من الإقناط الكلي على ما يمنون به من شهادة الأنبياء ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا هم يستعتبون ( ولا هم يسترضون من العتبى وهي الرضا وانتصاب يوم بمحذوف تقديره اذكر أو خوفهم أو يحيق بهم ما يحيق وكذا قوله النحل : ( 85 ) وإذا رأى الذين . . . . . ) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب ( عذاب جهنم ) فلا يخفف عنهم ( أي العذاب ) ولا هم ينظرون ( يمهلون النحل : ( 86 ) وإذا رأى الذين . . . . . ) وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم ( أوثانهم التي ادعوها شركاء أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه ) قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك ( نعبدهم أو نطيعهم وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك أو التماس لأن يشطر عذابهم ) فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ( أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله أو أنهم ما عبدونهم حقيقة وإنما عبدوا أهواءهم كقوله تعالى ) كلا سيكفرون بعبادتهم ( ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به حينئذ أو في أنهم حملوهم على الكفر وألزموهم إياه كقوله ) وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ( ________________________________________ " صفحة رقم 416 " النحل : ( 87 ) وألقوا إلى الله . . . . . ) وألقوا ( وألقى الذين ظلموا ) إلى الله يومئذ السلم ( الاستسلام لحكمه بعد الاستكبار في الدنيا ) وضل عنهم ( وضاع عنهم وبطل ) ما كانوا يفترون ( من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤوا منهم النحل : ( 88 ) الذين كفروا وصدوا . . . . . ) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ( بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفر ) زدناهم ( آية لصدهم ) فوق العذاب ( المستحق بكفرهم ) بما كانوا يفسدون ( بكونهم مفسدين بصدهم النحل : ( 89 ) ويوم نبعث في . . . . . ) ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ( يعني نبيهم فإن نبي كل أمة بعث منهم ) وجئنا بك ( يا محمد ) شهيدا على هؤلاء ( على أمتك ) ونزلنا عليك الكتاب ( استئناف أو حال بإضمار قد ) تبيانا ( بيانا بليغا ) لكل شيء ( من أمور الدين على المحروم من تفريطه ) وبشرى للمسلمين ( خاصة النحل : ( 90 ) إن الله يأمر . . . . . ) إن الله يأمر بالعدل ( بالتوسط في الأمور اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك والقول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر وعملا كالتعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير ) والإحسان ( إحسان الطاعات وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل أو بحسب الكيفية كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وإيتاء ذي القربى ( وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه وهو تخصيص بعد تعميم للمبالغة ) وينهى عن الفحشاء ( عن الإفراط في متابعة القوة الشهوية كالزنى فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشنعها ) والمنكر ( ما ينكر على متعاطيه في إثارة القوة الغضبية ________________________________________ " صفحة رقم 417 " ) والبغي ( والاستعلاء والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم فإنها الشيطنة التي هي مقتضى القوة الوهمية ولا يوجد من الإنسان شر إلا وهو مندرج في هذه الأقسام صادر بتوسط إحدى هذه القوى الثلاث ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه هي أجمع آية في القرآن للخير والشر وصارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة للعالمين ولعل إيرادها عقب قوله ) ونزلنا عليك الكتاب ( للتنبيه عليه ) يعظكم ( بالأمر والنهي والميز بين الخير والشر ) لعلكم تذكرون ( تتعظون النحل : ( 91 ) وأوفوا بعهد الله . . . . . ) وأوفوا بعهد الله ( يعني البيعة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقوله تعالى ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( وقيل كل أمر يجب الوفاء به ولا يلائمه قوله ) إذا عاهدتم ( وقيل النذور وقيل الإيمان بالله ) ولا تنقضوا الأيمان ( أي أيمان البيعة أو مطلق الأيمان ) بعد توكيدها ( بعد توثيقها بذكر الله تعالى ومنه أكد بقلب الواو همزة ) وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ( شاهدا بتلك البيعة فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه ) إن الله يعلم ما تفعلون ( من نقض الأيمان والعهود النحل : ( 92 ) ولا تكونوا كالتي . . . . . ) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ( ما غزلته مصدر بمعنى المفعول ) من بعد قوة ( متعلق ب ) نقضت ( أي نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام ) أنكاثا ( طاقات نكث فتلها جمع نكث وانتصابه على الحال من ) غزلها ( أو المفعول الثاني لنقضت فإنه بمعنى صيرت والمراد به تشبيه الناقض بمن هذا شأنه وقيل هي ريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء تفعل ذلك ) تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ( حال من الضمير في ) ولا تكونوا ( أو في الجار الواقع موقع الخبر أي لا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها متخذي أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم وأصل الدخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه ) أن تكون أمة هي أربى من أمة ( لأن تكون جماعة أزيد عددا وأوفر مالا من جماعة والمعنى لا تغدروا ________________________________________ " صفحة رقم 418 " بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذتهم وقوتهم كقريش فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم ) إنما يبلوكم الله به ( الضمير لأن تكون أمة لأنه بمعنى المصدر أي يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم وقيل الضمير للرياء وقيل للأمر بالوفاء ) وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ( إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب النحل : ( 93 ) ولو شاء الله . . . . . ) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( متفقة على الإسلام ) ولكن يضل من يشاء ( بالخذلان ) ويهدي من يشاء ( بالتوفيق ) ولتسألن عما كنتم تعملون ( سؤال تبكيت ومجازاة النحل : ( 94 ) ولا تتخذوا أيمانكم . . . . . ) ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ( تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي ) فتزل قدم ( أي عن محجة الإسلام ) بعد ثبوتها ( عليها والمراد أقدامهم وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة ) وتذوقوا السوء ( العذاب في الدنيا ) بما صددتم عن سبيل الله ( بصدكم عن الوفاء أو صدكم غيركم عنه فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره ) ولكم عذاب عظيم ( في الآخرة النحل : ( 95 ) ولا تشتروا بعهد . . . . . ) ولا تشتروا بعهد الله ( ولا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ثمنا قليلا ( عرضا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدون لضعفاء المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد ) إنما عند الله ( من النصر والتغنيم في الدنيا والثواب في الآخرة ) هو خير لكم ( مما يعدونكم ) إن كنتم تعلمون ( إن كنتم من أهل العلم والتمييز النحل : ( 96 ) ما عندكم ينفد . . . . . ) ما عندكم ( من أعراض الدنيا ) ينفد ( ينقضي ويفنى ) وما عند الله ( من خزائن رحمته ) باق ( لا ينفذ وهو تعليل للحكم السابق ودليل على أن نعيم أهل الجنة باق ) ولنجزين الذين صبروا أجرهم ( على الفاقة وأذى الكفار أو على مشاق التكاليف وقرأ ابن كثير وعاصم بالنون ) بأحسن ما كانوا يعملون ( بما يرجع فعله من أعمالهم كالواجبات والمندوبات أو بجزاء أحسن من أعمالهم النحل : ( 97 ) من عمل صالحا . . . . . ) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى ( بينه بالنوعين دفعا للتخصيص ) وهو مؤمن ( إذ ________________________________________ " صفحة رقم 419 " لا اعتداد بأعمال الكفرة في استحقاق الثواب وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب ) فلنحيينه حياة طيبة ( في الدنيا يعيش عيشا طيبا فإنه إن كان موسرا فظاهر وإن كان معسرا يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقع الأجر العظيم في الآخرة بخلاف الكافر فإنه إن كان معسرا فظاهر وإن كان موسرا لم يدعه الحرص وخوف الفوات أن يتهنأ بعيشه وقيل في الآخرة ) ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( من الطاعة النحل : ( 98 ) فإذا قرأت القرآن . . . . . ) فإذا قرأت القرآن ( إذا أدرت قراءته كقوله تعالى ) إذا قمتم إلى الصلاة ( ) فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( فاسأل الله أن يعيذك من وساوسه لئلا يوسوسك في القراءة والجمهور على أنه للاستحباب وفيه دليل على أن المصلي يستعيذ في كل ركعة لأن الحكم المترتب على شرط يتكرر بتكرره قياسا وتعقيبه لذكر العمل الصالح والوعد عليه إيذان بأن الاستعاذة عند القراءة من هذا القبيل وعن ابن مسعود قرأت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم فقال قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح المحفوظ النحل : ( 99 ) إنه ليس له . . . . . ) إنه ليس له سلطان ( تسلط وولاية ) على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( على أولياء الله تعالى المؤمنين به والمتوكلين عليه فإنهم لا يطيعون أوامره ولا يقبلون وساوسه إلا فيما يحتقرون على ندور وغفلة ولذلك أمروا بالاستعاذة فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة لئلا يتوهم منه أن له سلطانا النحل : ( 100 ) إنما سلطانه على . . . . . ) إنما سلطانه على الذين يتولونه ( يحبونه ويطيعونه ) والذين هم به ( بالله أو بسبب الشيطان ) مشركون ) النحل : ( 101 ) وإذا بدلنا آية . . . . . ) وإذا بدلنا آية مكان آية ( بالنسخ فجعلنا الآية الناسخة مكان المنسوخة لفظا أو ________________________________________ " صفحة رقم 420 " حكما ) والله أعلم بما ينزل ( من المصالح فلعل ما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة بعده فينسخه وما لا يكون مصلحة حينئذ يكون مصلحة الآن فيثبته مكانه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) ينزل ( بالتخفيف ) قالوا ( أي الكفرة ) إنما أنت مفتر ( متقول على الله تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه وجواب ) إذا ( ) والله أعلم بما ينزل ( اعتراض لتوبيخ الكفار على قولهم والتنبيه على فساد سندهم ويجوز أن يكون حالا ) بل أكثرهم لا يعلمون ( حكمة الأحكام ولا يميزون الخطأ من الصواب النحل : ( 102 ) قل نزله روح . . . . . ) قل نزله روح القدس ( يعني جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر كقولهم حاتم الجود وقرأ ابن كثير ) روح القدس ( بالتخفيف وفي ) ينزل ( و ) نزله ( تنبيه على أن إنزاله مدرجا على حسب المصالح بما يقتضي التبديل ) من ربك بالحق ( ملتبسا بالحكمة ) ليثبت الذين آمنوا ( ليثبت الله الذين آمنوا على الإيمان بأنه كلامه وأنهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم ) وهدى وبشرى للمسلمين ( المنقادين لحكمه وهما معطوفان على محل ) ليثبت ( أي تثبيتا وهداية وبشارة وفيه تعريض بحصول أضداد ذلك لغيرهم وقرئ ) ليثبت ( بالتخفيف النحل : ( 103 ) ولقد نعلم أنهم . . . . . ) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ( يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي وقيل جبرا ويسارا كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل وكان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه وقيل عائشا غلام حويطب بن عبد العزى قد أسلم وكان صاحب كتب وقيل سلمان الفارسي ) لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ( لغة الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه مأخوذ من لحد القبر وقرأ حمزة والكسائي يلحدون بفتح الياء والحاء لسان أعجمي غير بين ) وهذا ( وهذا القرآن ) لسان عربي مبين ( ذو بيان وفصاحة والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم وتقريره يحتمل وجهين أحدهما أن ما سمعه منه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم والقرآن عربي تفهمونه بأدنى ________________________________________ " صفحة رقم 421 " تأمل فكيف يكون ما تلقفه منه وثانيهما هب أنه تعلم من المعنى باستماع كلامه لكن لم يتلقف منه اللفظ لأن ذلك أعجمي وهذا عربي والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى فهو معجز من حيث اللفظ مع أن العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلمها إلا بملازمة معلم فائق في تلك العلوم مدة متطاولة فكيف تعلم جميع ذلك من غلام سوقي سمع منه في بعض أوقات مروره عليه كلمات أعجمية لعلهما لم يعرفا معناها وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة دليل على غاية عجزهم النحل : ( 104 ) إن الذين لا . . . . . ) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله ( لا يصدقون أنها من عند الله ) لا يهديهم الله ( إلى الحق أو إلى سبيل النجاة وقيل إلى الجنة ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة هددهم على كفرهم بالقرآن بعدما أماط شبهتهم ورد طعنهم فيه النحل : ( 105 ) إنما يفتري الكذب . . . . . ثم قلب الأمر عليهم فقال ) إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ( لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه ) وأولئك ( إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش ) هم الكاذبون ( أي الكاذبون على الحقيقة أو الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله والطعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب أو الذين عادتهم الكذب لا يصرفهم عنه دين ولا مروءة أو الكاذبون في قولهم ) إنما أنت مفتر ( ) إنما يعلمه بشر ) النحل : ( 106 ) من كفر بالله . . . . . ) من كفر بالله من بعد إيمانه ( بدل من الذين لا يؤمنون وما بينهما اعتراض أو من ) أولئك ( أو من ) الكاذبون ( أو مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله ) فعليهم غضب ( ويجوز أن ينتصب بالذم وان تكون من شرطية محذوفة الجواب دل عليه قوله ) إلا من أكره ( على الافتراء أو كلمة الكفر استثناء متصل لأن الكفر لغة يعم القول والعقد كالإيمان ) وقلبه مطمئن بالإيمان ( لم تتغير عقيدته وفيه دليل على أن الإيمان هو التصديق بالقلب ) ولكن من شرح بالكفر صدرا ( اعتقده وطاب به نفسا ) فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 422 " إذ لا أعظم من جرمه روي أن قريشا أكرهوا عمرا وأبويه يا سرا وسمية على الارتداد فربطوا سمية بين بعيرين وجيء بحربة في قبلها وقالوا انك اسلمت من اجل الرجال فقتلت وقتلوا ياسرا وهما أول قتيلين في الإسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل يا رسول الله إن عمارا كفر فقال كلا إن عمارا ملئ ايمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يبكي فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمسح عينيه ويقول ما لك أن عادوا لك فعد لهم بما قلت وهو دليل على جواز التكلم بالكفر عند الاكراه وان كان الأفضل أن يتجنب عنه اعزازا للدين كما فعه ابواه لما روي أن مسيلمة اخذ رجلين فقال لاحدهما ما تقول في محمد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فما تقول في فقال أنت أيضا فخلاه وقال للآخر ما تقول في محمد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فما تقول في قال أنا اصم فاعاد جوابه فقتله فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أما الأول فقد اخذ برخصة الله واما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له النحل : ( 107 ) ذلك بأنهم استحبوا . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى الكفر بعد الإيمان أو الوعيد ) بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ( بسبب انهم آثروها عليها ) وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ( أي الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان ولا يعصمهم من الزيغ النحل : ( 108 ) أولئك الذين طبع . . . . . ) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ( فأبت عن ادراك الحق والتأمل فيه ) وأولئك هم الغافلون ( الكاملون في الغفلة إذ اغفلتهم الحالة الراهنة عن تدبر العواقب النحل : ( 109 ) لا جرم أنهم . . . . . ) لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ( إذ ضيعوا اعمارهم وصرفوها فيما افضى بهم إلى العذاب المخلد النحل : ( 110 ) ثم إن ربك . . . . . ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( أي عذبوا كعمار رضي الله تعالى عنه بالولاية والنصر و ) ثم ( لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك وقرأ ابن عامر فتنوا بالفتح ________________________________________ " صفحة رقم 423 " أي من بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي اكره مولاه جبرا حتى ارتد ثم اسلم وهاجر ) ثم جاهدوا وصبروا ( على الجهاد وما اصابهم من المشاق ) إن ربك من بعدها ( من بعد الهجرة والجهاد والصبر ) لغفور ( لما فعلوا قبل ) رحيم ( منعم عليهم مجازاة على ما صنعوا بعد النحل : ( 111 ) يوم تأتي كل . . . . . ) يوم تأتي كل نفس ( منصوب ب ) رحيم ( أو باذكر ) تجادل عن نفسها ( تجادل عن ذاتها وتسعى في خلاصها لا يهمها شأن غيرها فتقول نفسي نفسي ) وتوفى كل نفس ما عملت ( جزاء ما عملت ) وهم لا يظلمون ( لا ينقصون اجورهم النحل : ( 112 ) وضرب الله مثلا . . . . . ) وضرب الله مثلا قرية ( أي جعلها مثلا لكل قوم انعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا فأنزل الله بهم نقمته أو لمكة ) كانت آمنة مطمئنة ( لا يزعج أهلها خوف ) يأتيها رزقها ( اقواتها ) رغدا ( واسعا ) من كل مكان ( من نواحيها ) فكفرت بأنعم الله ( بنعمه جمع نعة على ترك الاعتداد بالتاء كدرح وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس ) فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ( استعار الذوق لإدراك اثر الضرر واللباس لما غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف واوقع الاذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له كقول كثير " غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا علقت لضحكته رقاب المال " فإنه استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه واضاف إليه الغمر الذي هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء نظرا إلى المستعار له وقد ينظر إلى المستعار كقوله " ينا زعني ردائي عبد عمر رويدك يا اخا عمرو بن بكر " " لي الشطر الذي ملكت يميني ودونك فاعتجز منه بشطر " استعار الرداء لسيفه ثم قال فاعتجر نظرا إلى المستعار ) بما كانوا يصنعون ( بصنيعهم النحل : ( 113 ) ولقد جاءهم رسول . . . . . ) ولقد جاءهم رسول منهم ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) والضمير لأهل مكة عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم ) فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ( أي حال التباسهم بالظلم والعذاب ما اصابهم من الجدب الشديد أو وقعة بدر ________________________________________ " صفحة رقم 424 " النحل : ( 114 ) فكلوا مما رزقكم . . . . . ) فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ( أمرهم بأكل ما احل الله لهم وشكر ما انعم عليهم بعدما زجرهم عن الكفر وهددهم عليه بما ذكر من التمثيل والعذاب الذي حل بهم صدا لهم عن صنيع الجاهلية ومذاهبها الفاسدة ) واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ( تطيعون أو إن صح زعمكم انكم تقصدون بعبادة الالهة عبادته النحل : ( 115 ) إنما حرم عليكم . . . . . ) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ( لما أمرهم بتناول ما احل لهم عدد عليهم محرماته ليعلم أن ما عداها حل لهم النحل : ( 116 - 117 ) ولا تقولوا لما . . . . . ثم اكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال ) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ( كما قالوما ) ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ( الآية ومقتضى سياق الكلام وتصدير الجملة بإنما حصر المحرمات في الاجناس الأربعة إلا ما ضم إليه دليل كالسباع والحمر الأهلية وانتصاب ) الكذب ( ب ) لا تقولوا ( و ) هذا حلال وهذا حرام ( بدل منه أو متعلق بتصف على إرادة القول أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه السنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام أو مفعول ) لا تقولوا ( و ) الكذب ( منتصب ب ) تصف ( وما مصدرية أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي لا تحرموا ولا تحللوا بمجرد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتكم تصفها وتعرفها بكلامهم هذا ولذلك عدد من تصحيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر وقرئ ) الكذب ( بالجر بدلا من ) ما ( و ) الكذب ( جمع كذوب أو كذاب بالرفع صفة للألسنة وبالنصب على الذم أو بمعنى الكلم الكواذب ) لتفتروا على الله الكذب ( تعليل لا يتضمن الغرض ) إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( لما كان المفتري يفتري لتحصيل مطلوب نفي عنهم الفلاح وبينه بقوله ) متاع قليل ( أي ما يفترون لأجله أو ما هم فيه منفعة قليلة تنقطع عن قريب ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة النحل : ( 118 ) وعلى الذين هادوا . . . . . ) وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك ( أي في سورة الأنعام في قوله ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( ) من قبل ( متعلق ب ) قصصنا ( أو ب ________________________________________ " صفحة رقم 425 " ) حرمنا ( ) وما ظلمناهم ( بالتحريم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم وأنه كما يكون للمضرة يكون للعقوبة النحل : ( 119 ) ثم إن ربك . . . . . ) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ( بسببها أو ملتبسين بها ليعم الجهل بالله وبعقابه وعدم التدبر في العواقب لغلبة الشهوة والسوء يعم الافتراء على الله وغيره ) ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها ( من بعد التوبة ) لغفور ( لذلك السوء ) رحيم ( يثيب على الإنابة النحل : ( 120 ) إن إبراهيم كان . . . . . ) إن إبراهيم كان أمة ( لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا مفرقة في أشخاص كثيرة كقوله " ليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد " وهو رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي جادل فرق المشركين وأبطل مذاهبهم الزائغة بالحجج الدامغة ولذلك عقب ذكره بتزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن في النبوة وتحريم ما أحله أو لأنه كان وحده مؤمنا وكان سائر الناس كفارا وقيل هي فعلة بمعنى مفعول كالرحلة والنخبة من أمه إذا قصده أو اقتدى به فإن الناس كانوا يؤمونه ________________________________________ " صفحة رقم 426 " للاستفادة ويقتدون بسيرته كقوله ) إني جاعلك للناس إماما ( ) قانتا لله ( مطيعا له قائما بأوامره ) حنيفا ( مائلا عن الباطل ) ولم يك من المشركين ( كما زعموا فإن قريشا كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم النحل : ( 121 ) شاكرا لأنعمه اجتباه . . . . . ) شاكرا لأنعمه ( ذكر بلفظ القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر النعم القليلة فكيف بالكثيرة ) اجتباه ( للنبوة ) وهداه إلى صراط مستقيم ( في الدعوة إلى الله ) وآتيناه في الدنيا حسنة ( بأن حببه إلى الناس حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ورزقه أولادا طيبة وعمرا طويلا في السعة والطاعة النحل : ( 122 ) وآتيناه في الدنيا . . . . . ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( لمن أهل الجنة كما سأله بقوله ) وألحقني بالصالحين ) النحل : ( 123 ) ثم أوحينا إليك . . . . . ) ثم أوحينا إليك ( يا محمد و ) ثم ( إما لتعظيمه والتنبيه على أن أجل ما أوتي إبراهيم اتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ملته أو لتراخي أيامه ) أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ( في التوحيد والدعوة إليه بالرفق وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه ) وما كان من المشركين ( بل كان قدوة الموحدين النحل : ( 124 ) إنما جعل السبت . . . . . ) إنما جعل السبت ( تعظيم السبت أو التخلي فيه للعبادة ) على الذين اختلفوا فيه ( أي على نبيهم وهم اليهود أمرهم موسى ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة فأبوا وقالوا نريد يوم السبت لأنه تعالى فرغ فيه من خلق السموات والأرض فألزمهم الله السبت وشدد الأمر عليهم وقيل معناه إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه فأحلوا الصيد فيه تارة وحرموه أخرى واحتالوا له الحيل وذكرهم هنا لتهديد المشركين كذكر القرية التي كفرت بأنعم الله ) وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( بالمجازاة على الاختلاف أو بمجازاة كل فريق بما يستحقه النحل : ( 125 ) ادع إلى سبيل . . . . . ) ادع ( من بعثت إليهم ) إلى سبيل ربك ( إلى الإسلام ) بالحكمة ( بالمقالة المحكمة وهو الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة ) والموعظة الحسنة ( الخطابات المقنعة والعبر النافعة فالأولى لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق والثانية لدعوة عوامهم ) وجادلهم ( وجادل معانديهم ) بالتي هي أحسن ( بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر والمقدمات التي هي أشهر فإن ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 427 " أنفع في تسكين لهبهم وتبيين شغبهم ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( أي إنما عليك البلاغ والدعوة وأما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا إليك بل الله أعلم بالضالين والمهتدين وهو المجازي لهم النحل : ( 126 ) وإن عاقبتم فعاقبوا . . . . . ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( لما أمره بالدعوة وبين له طرقها أشار إليه وإلى من يتابعه بترك المخالفة ومراعاة العدل مع من يناصبهم فإن الدعوة لا تنفك عنه من حيث إنها تتضمن رفض العادات وترك الشهوات والقدح في دين الأسلاف والحكم عليهم بالكفر والضلال وقيل إنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما رأى حمزة وقد مثل به فقال والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك فنزلت فكفر عن يمينه وفيه دليل على أن للمقتص أن يماثل الجاني وليس له أن يجاوزه وحث على العفو تعريضا بقوله ) وإن عاقبتم ( وتصريحا على الوجه الآكد بقوله ) ولئن صبرتم لهو ( أي الصبر ) خير للصابرين ( من الانتقام للمنتقمين النحل : ( 127 ) واصبر وما صبرك . . . . . ثم صرح بالأمر به لرسوله لأنه أولى الناس به لزيادة علمه بالله ووثوقه عليه فقال ) واصبر وما صبرك إلا بالله ( إلا بتوفيقه وتثبيته ) ولا تحزن عليهم ( على الكافرين أو على المؤمنين وما فعل بهم ) ولا تك في ضيق مما يمكرون ( في ضيق صدر من مكرهم وقرأ ابن كثير في ) ضيق ( بالكسر هنا وفي النمل وهما لغتان كالقول والقيل ويجوز أن يكون الضيق تخفيف ضيق ________________________________________ " صفحة رقم 428 " النحل : ( 128 ) إن الله مع . . . . . ) إن الله مع الذين اتقوا ( المعاصي ) والذين هم محسنون ( في أعمالهم بالولاية والفضل أو مع الذين اتقوا الله بتعظيم أمره والذين هم محسنون بالشفقة على خلقه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله بما أنعم عليه في دار الدنيا وإن مات في يوم تلاها أو ليلة كان له من الأجر كالذي مات وأحسن الوصية ________________________________________ " صفحة رقم 429 " سورة الإسراء مكية وقيل إلا قوله تعالى ) وإن كادوا ليفتنونك ( إلى آخر ثمان آيات وهي مائة وإحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الإسراء : ( 1 ) سبحان الذي أسرى . . . . . ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ( سبحان اسم بمعنى التسبيح ) الذي ( هو التنزيه يستعمل علما له فيقطع عن الإضافة ويمنع عن الصرف قال " قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر " وانتصابه بفعل متروك إظهاره وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد و ) أسرى ( وسرى بمعنى و ) ليلا ( نصب على الظرف وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء ولذلك قرئ من ) الليل ( أي بعضه كقوله ) ومن الليل فتهجد به ( ________________________________________ " صفحة رقم 430 " ) من المسجد الحرام ( بعينه لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق أو من الحرم وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به أو ليطابق المبدأ المنتهى لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة عليها وقال مثل لي الأنبياء ( صلى الله عليه وسلم ) فصليت بهم ثم خرج إلى المسجد الحرام وأخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة وارتد ناس ممن آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال إن كان قال لقد صدق فقالوا أتصدقه على ذلك قال إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق واستنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلى له فطفق ينظر إليه وينعته لهم فقالوا أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إلا سحر مبين وكان ذلك قبل الهجرة بسنة واختلف في أنه كان في ________________________________________ " صفحة رقم 431 " المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده والأكثر على أنه أسري بجسده إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ولذلك تعجب قريش واستحالوه والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض وأن الله قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو فيما يحمله والتعجب من لوازم المعجزات ) إلى المسجد الأقصى ( بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد ) الذي باركنا حوله ( ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام ومحفوف بالانهار والاشجار ) لنريه من آياتنا ( كذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له ووقوفه على مقاماتهم وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم لتعظيم تلك البركات والايات وقرئ ) ليريه ( بالياء ) إنه هو السميع ( لأقوال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) البصير ( بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك الإسراء : ( 2 ) وآتينا موسى الكتاب . . . . . ) وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا ( على أن لا تتخذوا كقولك كتبت إليك أن افعل كذا وقرأ أبو عمرو بالياء على ) ألا تتخذوا من دوني وكيلا ( ربا تكلون إليه اموركم غيري ________________________________________ " صفحة رقم 432 " الإسراء : ( 3 ) ذرية من حملنا . . . . . ) ذرية من حملنا مع نوح ( نصب على الاختصاص أو النداء أن قرى / أن لا تتخذوا / بالتاء على النهي يعني قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا أو على انه أحد مفعولي ) لا تتخذوا ( و ) من دوني ( حال من ) وكيلا ( فيكون كقوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو ) تتخذوا ( و ) ذرية ( بكسر الذال وفيه تذكير بأنعام الله تعالى عليهم في انجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة ) أنه ( إن نوحا عليه السلام ) كان عبدا شكورا ( يحمد الله تعالى على مجامع حالاته وفيه ايماء بأن انجاءه ومن معه كان ببركة شكره وحث للذرية على الاقتداء به وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام الإسراء : ( 4 ) وقضينا إلى بني . . . . . ) وقضينا إلى بني إسرائيل ( واوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتا ) في الكتاب ( في التوراة ) لتفسدن في الأرض ( جواب قسم محذوف أو قضينا على اجراء القضاء المبتوت مجرى القسم ) مرتين ( افسادتين اولاهما مخالفة احكام التوراة وقتل شيعاء وقيل ارمياء وثانيهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام ) ولتعلن علوا كبيرا ( ولتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتظلمن الناس الإسراء : ( 5 ) فإذا جاء وعد . . . . . ) فإذا جاء وعد أولاهما ( وعد عقاب اولاهما ) بعثنا عليكم عبادا لنا ( بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده وقيل جالوت الجزري وقيل سنحاريب من أهل نينوى ) أولي بأس شديد ( ذوي قوة وبطش في الحرب شديد ) فجاسوا ( فترددوا لطلبكم وقرئ بالحاء المهملة وهما أخوان ) خلال الديار ( وسطها للقتل والغارة فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر على ذلك اولوا البعث بالتخلية وعدم المنع ) وكان وعدا مفعولا ( وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل الإسراء : ( 6 ) ثم رددنا لكم . . . . . ) ثم رددنا لكم الكرة ( أي الدولة والغلبة ) عليهم ( على الذين بعثوا عليكم وذلك بأن القى الله في قلوب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف ________________________________________ " صفحة رقم 433 " شفقة عليهم فرد اسراهم إلى الشام وملك دانيا عليهم فاستولوا على من كان فيها من اتباع بختنصر أو بأن سلط الله داود عليه الصلاة والسلام على جالوت فقتله ) وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( مما كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه وقيل جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو الإسراء : ( 7 ) إن أحسنتم أحسنتم . . . . . ) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ( لان ثوابه لها ) وإن أسأتم فلها ( فإن وباله عليها وإنما ذكرها باللازم ازدواجا ) فإذا جاء وعد الآخرة ( وعد عقوبة المرة الآخرة ) ليسوؤوا وجوهكم ( أي بعثناهم ) ليسوؤوا وجوهكم ( أي يجعلوها بادية آثار المساءة فيها فحذف لدلالة ذكره اولا عليه وقرأ ابن عامر وحمزة أبو بكر ليسوء على التوحيد والضمير فيه للوعد أو للعبث أو لله ويعقضده قراءة الكسائي بالنون وقرئ / لنسوأن / بالنون والياء والنون المخففة والمثقلة و / لنسوأن / بفتح اللام على الاوجه الأربعة على انه جواب إذا واللام في قوله ) وليدخلوا المسجد ( متعلق بمحذوف هو بعثناهم ) كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما ( ليهلكوا ) ما علوا ( ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم ) تتبيرا ( ذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطائف اسمه جودرز وقيل حردوس قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقوني فقتل عليه الوفا منهم فلم يهدأ الدم ثم قافل أن لم تصدقوني ما تركت منكم احدا فقالوا إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم ________________________________________ " صفحة رقم 434 " منكم ثم قال يا يحيى قد علم ربي وربك ما اصاب قومك من اجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا ابقي احدا منهم فهدأ الإسراء : ( 8 ) عسى ربكم أن . . . . . ) عسى ربكم أن يرحمكم ( بعد المرة الآخرة ) وإن عدتم ( نوبة أخرى ) عدنا ( مرة ثالثة إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقصد قتله فعاد الله تعالى بتسليطه عليهم فقتل قريظة واجلى بني النضير وضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا ) وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( محبسا لا يقدرون على الخروج منها ابد الآباد وقيل بساطا كما يبسط الحصير الإسراء : ( 9 ) إن هذا القرآن . . . . . ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطلاق ) ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ( وقرأ حمزة والكسائي ) ويبشر ( بالتخفيف الإسراء : ( 10 ) وأن الذين لا . . . . . ) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما ( عطف على ) أن لهم أجرا كبيرا ( والمعنى انه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم أو على ) يبشر ( بإضمار يخبر الإسراء : ( 11 ) ويدع الإنسان بالشر . . . . . ) ويدع الإنسان بالشر ( ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله أو يدعوه بما حسبه خيرا وهو شر ) دعاءه بالخير ( مثل دعائه بالخير ) وكان الإنسان عجولا ( يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط روي انه عليه السلام دفع اسيرا إلى سودة بنت زمعة فحرمته لانينه فأخرت كتافه فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت ويجوز أن يريد بالانسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن ________________________________________ " صفحة رقم 435 " الحارث اللهم انصر خير الحزبين ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية فاجيب له فضرب عنقه صبرا يوم بدر الإسراء : ( 12 ) وجعلنا الليل والنهار . . . . . ) وجعلنا الليل والنهار آيتين ( تدلان على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد بإمكان غيره ) فمحونا آية الليل ( أي الآية التي هي الليل بالاشراق والاضافة فيهما للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود ) وجعلنا آية النهار مبصرة ( مضيئة أو مبصرة للناس من ابصره فبصر أو مبصرا أهله كقولهم اجبن الرجل إذا كان أهله جبناء وقيل الايتان القمر والشمس وتقدير الكلام وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين أو جعلنا الليل والنهار ذوي آيتين ومحو آية الليل التي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها مطموسة النور أو نقص نورها شيئا فشيئا إلى المحاق وجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة جعلها ذات شعاع تبصر الاشياء بضوئها ) لتبتغوا فضلا من ربكم ( لتطلبوا في بياض النهار اسباب معاشكم وتتوصلوا به إلى استبانة أعمالكم ) ولتعلموا ( باختلافهما أو بحركاتهما ) عدد السنين والحساب ( وجنس الحساب ) وكل شيء ( تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا ) فصلناه تفصيلا ( بيناه بيانا غير ملتبس الإسراء : ( 13 ) وكل إنسان ألزمناه . . . . . ) وكل إنسان ألزمناه طائره ( عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوح الطار وبروحه استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر الله تعالى وعمل العبد ) في عنقه ( لزوم الطوق في عنقه ) ونخرج له يوم القيامة كتابا ( هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار اعماله فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس احوالا ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات ونصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف وهو ضمير الطائر ويعضده قراءة يعقوب و ) يخرج ( من خرج ) يخرج ( وقرئ و ) يخرج ( أي الله عز وجل ) يلقاه منشورا ( لكشف الغطاء وهما صفتان للكتاب أو ) يلقاه ( صفة و ) منشورا ( حال من مفعوله وقرأ ابن عامر ) يلقاه ( على البناء للمفعول من لقيته كذا الإسراء : ( 14 ) اقرأ كتابك كفى . . . . . ) اقرأ كتابك ( على إرادة القول ) كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( أي كفى نفسك والباء مزيدة و ) حسيبا ( تمييز وعلى صلته لانه أما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم وضريب القداح بمعنى ضاربها من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي فوضع ________________________________________ " صفحة رقم 436 " موضع الشهيد لأنه يكفي المدعي ما أهمه وتذكيره على أن الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال أو على تأويل النفس بالشخص الإسراء : ( 15 ) من اهتدى فإنما . . . . . ) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ( لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزر نفس أخرى بل إنما تحمل وزرها ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع الإسراء : ( 16 ) وإذا أردنا أن . . . . . ) وإذا أردنا أن نهلك قرية ( وإذا تعلقت ارادتنا بإهلاك قوم لانفاذ قضائنا السابق أو دنا وقته المقدر كقولهم إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة ) أمرنا مترفيها ( متنعميها بالطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم ويدل على ذلك ما قبله وما بعده فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان فيدل على الطاعة من طريق المقابلة وقيل امرناهم بالفسق لقوله ) ففسقوا فيها ( كقولك امرته فقرأ فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما ابطرهم وافضى بهم إلى الفسوق ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم امرته فعصاني وقيل معناه كثرنا يقال امرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته وفي الحديث خير ________________________________________ " صفحة رقم 437 " المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج وهو أيضا مجاز من معنى الطلب ويؤيده قراءة يعقوب ) أمرنا ( ورواية ) أمرنا ( عن أبي عمرو ويحتمل أن يكون منقولا من أمر بالضم امارة أي جعلناهم امراء وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولانهم أسرع إلى الحماقة واقدر على الفجور ) فحق عليها القول ( يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي ) فدمرناها تدميرا ( اهلكناها بإهلاك أهلها وتهريب ديارهم الإسراء : ( 17 ) وكم أهلكنا من . . . . . ) وكم أهلكنا ( وكثيرا أهلكنا ) من القرون ( بيان لكم وتمييز له ) من بعد نوح ( كعاذ وثمود ) وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ( يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها وقديم الخبير لتقدم متعلقه الإسراء : ( 18 ) من كان يريد . . . . . ) من كان يريد العاجلة ( مقصورا عليها همه ) عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والارادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل ) لمن نريد ( بدل من له بدل البعض وقرئ ) ما يشاء ( والضمير فيه لله تعالى حتى يطابق المشهورة وقيل ) لمن ( فيكون ________________________________________ " صفحة رقم 438 " مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها ) ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ( مطرودا من رحمة الله تعالى الإسراء : ( 19 ) ومن أراد الآخرة . . . . . ) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ( حقها من السعي وهو الاتيان بما أمر به والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم وفائدة اللام اعتبار النية والاخلاص ) وهو مؤمن ( ايمانا صحيحا لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة ) فأولئك ( الجامعون للشروط الثلاثة ) كان سعيهم مشكورا ( من الله تعالى أي مقبولا عنده مثابا عليه فإن شكر الله الثواب على الطاعة الإسراء : ( 20 ) كلا نمد هؤلاء . . . . . ) كلا ( كل واحد من الفريقين والتنوين بدل من المضاف إليه ) نمد ( بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدادا لسالفه ) هؤلاء وهؤلاء ( بدل من ) كلا ( ) من عطاء ربك ( من معطاه متعلق ب ) نمد ( ) وما كان عطاء ربك محظورا ( ممنوعا لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلا الإسراء : ( 21 ) انظر كيف فضلنا . . . . . ) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ( في الرزق وانتصاب ) كيف ( ب ) فضلنا ( على الحال ) وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ( أي التفاوت في الآخرة اكبر لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها الإسراء : ( 22 ) لا تجعل مع . . . . . ) لا تجعل مع الله إلها آخر ( الخطاب لرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به أمته أو لكل أحد ) فتقعد ( فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه ) مذموما مخذولا ( جامعا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحا منصورا الإسراء : ( 23 ) وقضى ربك ألا . . . . . ) وقضى ربك ( أمر أمرا مقطوعا به ) أن لا تعبدوا ( بأن لا تعبدوا ) إلا إياه ( لأن ________________________________________ " صفحة رقم 439 " غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الأنعام وهو كالتفصيل لسعي الآخرة ويجوز أن تكون ) إن ( مفسرة و ) لا ( ناهية ) وبالوالدين إحسانا ( وبأن تحسنوا أو واحسنوا بالوالدين احسانا لانهما السبب الظاهر للوجود والتعيش ولا يجوز أن تتعلق الباء بالاحسان لأن صلته لا تتقدم عليه ) إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ( ) أما ( لا هي أن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل واحدهما فاعل ) يبلغن ( ويدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف / يبلغان / الراجع إلى ) الوالدين ( وكعطف على أحدهما فاعلا أو لبدلا ولذلك لم يجز أن يكون تأكيدا للالف ومعنى ) عندك ( أن يكونا في كنفك وكفالتك ) فلا تقل لهما أف ( فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما وهو صوت يدل على تضجر وقيل هو اسم الفعل الذي هو اتضجر وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قراءة نافع وحفص للتنكير وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف وقرئ به منونا وبالضم للاتباع كمنذ منونا وغير منون والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياسا بطريق الأولى وقيل عرفا كقولك فلان لا يملك النقير والقطمير ولذلك منع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالاحسان بهما ) ولا تنهرهما ( ________________________________________ " صفحة رقم 440 " ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ وقيل النهي والنهر والنهم اخوات ) وقل لهما ( بدل التأفيف والنهر ) قولا كريما ( جميلا لا شراسة فيه الإسراء : ( 24 ) واخفض لهما جناح . . . . . ) واخفض لهما جناح الذل ( تذلل لهما وتواضع فيهما وجعل للذل جناحا كما جعل لبيد في قوله " وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الشمال زمامها " للشمال يدا أو اللقرة زماما وأمره بخفضه مبالغة أو أراد جناحه كقوله تعالى ) واخفض جناحك للمؤمنين ( واضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما اضيفت حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل وقرئ ) الذل ( بالكسر وهو الانقياد ________________________________________ " صفحة رقم 441 " والنعت منه ذلول ) من الرحمة ( من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان افقر خلق الله تعالى إليهما بالامس ) وقل رب ارحمهما ( وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وان كانا كافرين لان من الرحمة أن يديهما ) كما ربياني صغيرا ( رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وارشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين روي أن رجلا قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أبوي بلغا من الكبر أني ألأي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما قال لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما الإسراء : ( 25 ) ربكم أعلم بما . . . . . ) ربكم أعلم بما في نفوسكم ( من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا ) إن تكونوا صالحين ( قاصدين لللاح ) فإنه كان للأوابين ( للتوابين ) غفورا ( ما فطر منهم عند حرج الصدر من اذية أو تقصر وفيه تشديد عظيم ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ويندرج فيه الجاني على ابويه التائب من جنايته لوروده على اثره الإسراء : ( 26 ) وآت ذا القربى . . . . . ) وآت ذا القربى حقه ( من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبرعليهم وقال أبو حنيفة حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم وقيل المراد بذي القربى اقارب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( بصرف المال فيما لا ينبغي وانفاقه على وجه الاسراف واصل التبذير التفريق وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال لسعد وهو يتوضأ ما هذا السرف قال أو في الوضوء سرف قال نعم وإن كنت على نهر جار الإسراء : ( 27 ) إن المبذرين كانوا . . . . . ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ( امثالهم في الشرارة فإن التضييع والاتلاف شر أو اصدقاءهم واتباعهم لأنهم يطيعونهم في الاسراف والصرف في المعاصي روي ________________________________________ " صفحة رقم 442 " أنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذرون اموالهم في السمعة فنهاهم الله عن ذلك وامرهم بالانفاق في القربات ) وكان الشيطان لربه كفورا ( مبالغا في الكفر به فينبغي أن لا يطاع الإسراء : ( 28 ) وإما تعرضن عنهم . . . . . ) وإما تعرضن عنهم ( وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكن وابن السبيل حياء من الرد ويجوز أن يراد بالاعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية ) ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ( لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله ) فقل لهم قولا ميسورا ( أي فقل لهم قولا لينا ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم باجمال القول لهم والميسور من يسر الأمر مثل سعد الرجل ونحس وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل اغناكم الله تعالى ورزقنا الله واياكم الإسراء : ( 29 ) ولا تجعل يدك . . . . . ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ( تمثيلان لمنع الشحيح واسراف المبذر نهى عنهما آمرا بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم ) فتقعد ملوما ( فتصير ملوما عند الله وعند الناس بالاسراف وسوء التدبير ) محسورا ( نادما أو منقطعا بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه وعن جابر بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالس أتاه صبي فقل إن أمي تستكسيك درعا فقال ( صلى الله عليه وسلم ) من ساعة إلى ساعة فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل ( صلى الله عليه وسلم ) داره ونزع قميصه واعطاه ________________________________________ " صفحة رقم 443 " وقعد عريانا وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل الله ذلك الإسراء : ( 30 - 31 ) إن ربك يبسط . . . . . ثم سلاه بقوله ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الاضافة إلا لمصلحتك ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا أو انه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط وان يكون تمهيدا لقوله تعالى ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( مخافة الفاقة وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمر لهم ارزاقهم فقال ) نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ( ذنبا كبيرا لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع وال ) خطأ ( الاثم يقال خطئ خطأ كأثم اثما وقرأ ابن عامر ) خطأ ( وهو اسم من أخطأ يضاد الصواب وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر وقرأ ابن كثير / خطاء / بالمد والكسر وهو أما لغة فيه أو مصدر خطاء بالمد والكسر وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله " تخاطأه القاص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب " وهو مبني عليه وقرئ / خطاء / بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا الإسراء : ( 32 ) ولا تقربوا الزنى . . . . . ) ولا تقربوا الزنى ( بالعزم والاتيان بالمقدمات فضلا عن أن تباشروه ) إنه كان فاحشة ( ________________________________________ " صفحة رقم 444 " فعلة ظاهرة القبح زائدته ) وساء سبيلا ( وبئس طريقا طريقه هو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن الإسراء : ( 33 ) ولا تقتلوا النفس . . . . . ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد احصان وقتل مؤمن معصوم عمدا ) ومن قتل مظلوما ( غير مستوجب للقتل ) فقد جعلنا لوليه ( للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث ) سلطانا ( تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى ) مظلوما ( بدل على أن القتل عمدا عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلما ) فلا يسرف ( أي القاتل ) في القتل ( بأن يقتل من لا يستحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير لا يستحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي / فلا تسرفوا / وقرأ حمزة والكسائي / فلا تسرف / على خطاب أحدهما ) إنه كان منصورا ( علة النهي على الاستئناف والضمير أما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب واما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث اوجب القصاص له أمر الولاة بمعونته واما للذي يقتله الولي اسرافا بإيجاب القصاص أو التعزيز والوزر على المسرف الإسراء : ( 34 ) ولا تقربوا مال . . . . . ) ولا تقربوا مال اليتيم ( فضلا أن تتصرفوا فيه ) إلا بالتي هي أحسن ( إلا بالطريقة التي هي احسن ) حتى يبلغ أشده ( غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء ) وأوفوا بالعهد ( بما عاهدكم الله من تكاليفه أو ما عاهدتموه وغيره ) إن العهد كان مسؤولا ( مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به أو مسؤولا عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت أو يسأل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة ) بأي ذنب قتلت ( فيكون تخييلا ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا ________________________________________ " صفحة رقم 445 " الإسراء : ( 35 ) وأوفوا الكيل إذا . . . . . ) وأوفوا الكيل إذا كلتم ( ولا تبخسوا فيه ) وزنوا بالقسطاس المستقيم ( بالميزان السوي وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الاعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربيا وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا في الشعراء ) ذلك خير وأحسن تأويلا ( واحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع الإسراء : ( 36 ) ولا تقف ما . . . . . ) ولا تقف ( ولا تتبع وقرئ ) ولا تقف ( من قاف اثره إذا قفاه ومنه القافة ) ما ليس لك به علم ( ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه ان المراد بالعلم هو الإعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع وقيل انه مخصوص بالعقائد وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج وقول الكميت " ولا ارمي البريء بغير ذنب ولا اقو الحواصن أن قفينا " ) إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك ( أي كل هذه الاعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن احوالها شاهدة على صاحبها هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله " والعيش بعد أولئك الأيام " ________________________________________ " صفحة رقم 446 " ) كان عنه مسؤولا ( في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر ) ولا تقف ( أو لصاحب السمع والبصر وقيل ) مسؤولا ( مسند إلى ) عنه ( كقوله تعالى ) غير المغضوب عليهم ( والمعنى يسأل صاحبه عنه وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية وقرئ ) والفؤاد ( بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم ابدالها بالفتح الإسراء : ( 37 ) ولا تمش في . . . . . ) ولا تمش في الأرض مرحا ( أي ذا مرح وهو الاختيال وقرئ ) مرحا ( وهو باعتبار الحكم ابلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت ) إنك لن تخرق الأرض ( لن تجعل فيها خرقا بشدة وطأتك ) ولن تبلغ الجبال طولا ( بتطاولك وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل الإسراء : ( 38 ) كل ذلك كان . . . . . ) كل ذلك ( إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله تعالى ) لا تجعل مع الله إلها آخر ( وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنها المكتوبة في الواح موسى عليه السلام ) كان سيئه ( يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه وقرأ الحجازيان والبصريان ) سيئة ( على أنها خبر ) كان ( والاسم ضمير ) كل ( و ) ذلك ( إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله ) عند ربك مكروها ( بدل من ) سيئة ( أو ________________________________________ " صفحة رقم 447 " صفة لها محمولة على المعنى فإنه بمعنى سيئا وقد قرئ به ويجوز أن ينتصب مكروها على الحال من المستكن في ) كان ( أو في الظرف على انه صفة ) سيئة ( والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى الإسراء : ( 39 ) ذلك مما أوحى . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى الأحكام المتقدمة ) مما أوحى إليك ربك من الحكمة ( التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به ) ولا تجعل مع الله إلها آخر ( كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه وانه رأس الحكمة وملاكها ورتب عليه اولا ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانيا ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى ) فتلقى في جهنم ملوما ( تلوم نفسك ) مدحورا ( مبعدا من رحمة الله تعالى الإسراء : ( 40 ) أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . . ) أفأصفاكم ربكم بالبنين ( خطاب لم نقالوا الملائكة بنات الله والهمزة للانكار والمعنى افخصكم ربكم بأفضل الأولاد هم البنون ) واتخذ من الملائكة إناثا ( بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم ) إنكم لتقولون قولا عظيما ( بإضافة الأولاد إليه وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها ثم بتفضيل انفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من اشرف خلق الله ادونهم الإسراء : ( 41 ) ولقد صرفنا في . . . . . ) ولقد صرفنا ( كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير ) في هذا القرآن ( في مواضع منه ويجوز أن يراد بهذا القرآن ابطال إضافة البنات إليه على تقدير ولقد صرفنا هذا القول ________________________________________ " صفحة رقم 448 " في هذا المعنى أو اوقعنا التصريف فيه وقرئ ) صرفنا ( بالتخفيف ) ليذكروا ( ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي القرآن ) ليذكروا ( من الذكر الذي هو بمعنى التذكر ) وما يزيدهم إلا نفورا ( عن الحق وقلة طمأنينة إليه الإسراء : ( 42 ) قل لو كان . . . . . ) قل لو كان معه آلهة كما يقولون ( آيها المشركون وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخاطب به المشركين والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم ) إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ( جواب عن قولهم وجزاء للو والمعنى لطلبوا إلى م نهو مالك الملك سبيلا بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقوله تعالى ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) الإسراء : ( 43 ) سبحانه وتعالى عما . . . . . ) سبحانه ( ينزه تنزيها ) وتعالى عما يقولون علوا ( تعاليا ) كبيرا ( متباعدا غاية البعد عما يقولون فإنه في أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته واتخاذ الولد من ادنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه الإسراء : ( 44 ) تسبح له السماوات . . . . . ) تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( ينزهه عما هو من لوازم الإمكان توابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته ) ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( أيها المشركون لاخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ ________________________________________ " صفحة رقم 449 " والدلالة لاسناده إلى ما يتصور منه اللفظ والى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر ) يسبح ( بالياء ) إنه كان حليما ( حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم ) غفورا ( لمن تاب منكم الإسراء : ( 45 - 46 ) وإذا قرأت القرآن . . . . . ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا ( يجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم ) مستورا ( ذا ستر كقوله تعالى ) وعده مأتيا ( وقولهم سيل مفعم أو مستورا عن الحس أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون انهم لا يفهمون نفي عنهم أن يفهموا ما انزل عليهم من الآيات بعدما نفى عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الانفس والافاق تقريرا له وبيانا لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله ________________________________________ " صفحة رقم 450 " ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( تكنها وتحول دونها عن ادراك الحق وقبوله ) أن يفقهوه ( كراهة أن يفقهوه ويجوز أن يكون مفعولا لما دل عليه قوله ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( أي منعناهم أن يفقهوه ) وفي آذانهم وقرا ( يمنعهم عن استماعه ولما كان القرآن معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى واراك اللفظ ) وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ( واحداص غير مشفوع به آلهتهم مصدر وقع موقع الحال واصله يحد وحده بمعنى واحدا وحده ) ولوا على أدبارهم نفورا ( هربا من استماع التوحيد ونفرة أو تولية ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود الإسراء : ( 47 ) نحن أعلم بما . . . . . ) نحن أعلم بما يستمعون به ( بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن ) إذ يستمعون إليك ( ظرف ل ) أعلم ( وكذا ) وإذ هم نجوى ( أي نحن اعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به و ) نجوى ( مصدر وحيتمل أن يكون جمع نجى ) إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( مقدر باذكر أو بدل من ) وإذ هم نجوى ( على وضع ) الظالمون ( موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم والمسحور هو الذي سحر فزال عقله وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلا يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم الإسراء : ( 48 ) انظر كيف ضربوا . . . . . ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون ) فضلوا ( عن الحق في جميع ذلك ) فلا يستطيعون سبيلا ( إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد الإسراء : ( 49 ) وقالوا أئذا كنا . . . . . ) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( حطاما ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( على الإنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من المباعدة والمنافاة و العامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها و ) خلقا ( مصدر أو حال ________________________________________ " صفحة رقم 451 " الإسراء : ( 50 ) قل كونوا حجارة . . . . . ) قل ( جوابا لهم ) كونوا حجارة أو حديدا ) الإسراء : ( 51 ) أو خلقا مما . . . . . ) أو خلقا مما يكبر في صدوركم ( أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه ابعد شيء منها فإن قدرته تعالى لا تقصر عن احيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء اقبل لما عهد فيه مما لم يعهد ) فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ( وكنتم ترابا وما هو ابعد منه من الحياة ) فسينغضون إليك رؤوسهم ( فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء ) ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ( فإن كل ما هو آت قريب وانصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب و ) أن يكون ( اسم ) عسى ( أو خبره والاسم مضمر الإسراء : ( 52 ) يوم يدعوكم فتستجيبون . . . . . ) يوم يدعوكم فتستجيبون ( أي يوم يبعثكم فتنبعثون استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر امرهما وان المقصود منهما الاحضار للمحاسبة والجزاء ) وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( وتستصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مر على قرية أو مدة حياتكم لما ترون من الهول الإسراء : ( 53 ) وقل لعبادي يقولوا . . . . . ) وقل لعبادي ( يعني المؤمنين ) يقولوا التي هي أحسن ( الكلمة التي هي احسن ولا يخاشنوا المشركين ) إن الشيطان ينزغ بينهم ( يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد ) إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ( ظاهر العداوة الإسراء : ( 54 ) ربكم أعلم بكم . . . . . ) ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ( تفسير ل ) التي هي أحسن ( وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحا بأنهم من أهل النار فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله ) وما أرسلناك عليهم وكيلا ( ________________________________________ " صفحة رقم 452 " موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإيمان وانما ارسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم وروي أن المشركين افرطوا في ايذائهم فشكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو الإسراء : ( 55 ) وربك أعلم بمن . . . . . ) وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ( بأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وان يكون العراة الجؤع اصحابه ) ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ( بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والاتباع حتى داود عليه الصلاة والسلام فإن شرفه بما اوحى إليه من الكتاب لا بما اوتيه من الملك قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) وآتينا داود زبورا ( تنبيه على وجه تفضيله وهو انه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله تعالى ) ولقد كتبنا في الزبور ( لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم وهو كالعباس أو الفضل أو لأن المراد وآتينا داود بعض الزبر أو بعضا من الزبور فيه ذكر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الإسراء : ( 56 ) قل ادعوا الذين . . . . . ) قل ادعوا الذين زعمتم ( أنها آلهة ) من دونه ( كالملائكة والمسيح وعزير ) فلا يملكون ( فلا يستطيعون ) كشف الضر عنكم ( كالمرض والفقر والقحط ) ولا تحويلا ( ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم الإسراء : ( 57 ) أولئك الذين يدعون . . . . . ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( هؤلاء الالهة يبتغون إلى الله القرابة بالطاعة ) أيهم أقرب ( بدل من واو ) يبتغون ( أي من هو اقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب ) ويرجون رحمته ويخافون عذابه ( كسائر العباد فكيف تزعمون انهم آلهة ) إن عذاب ربك كان محذورا ( حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة ________________________________________ " صفحة رقم 453 " الإسراء : ( 58 ) وإن من قرية . . . . . ) وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ( بالموت والاستئصال ) أو معذبوها عذابا شديدا ( بالقتل وانواع البلية ) كان ذلك في الكتاب ( في اللوح المحفوظ ) مسطورا ( مكتوبا الإسراء : ( 59 ) وما منعنا أن . . . . . ) وما منعنا أن نرسل بالآيات ( ما صرفنا عن ارسال الآيات التي اقترحها قريش ) إلا أن كذب بها الأولون ( إلا تكذيب الأولين الذين هم امثالهم في الطبع كعاد وثمود وأنها لو ارسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال ) وآتينا ثمود الناقة ( بسؤالهم ) مبصرة ( بينة ذات ابصار أو بصائر أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرئ بالفتح ) فظلموا بها ( فكفروا بها أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها ) وما نرسل بالآيات ( أي بالآيات المقترحة ) إلا تخويفا ( من نزول العذاب المستأصل فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفا بعذاب الآخرة فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف الإسراء : ( 60 ) وإذ قلنا لك . . . . . ) وإذ قلنا لك ( واذكر إذ اوحينا إليك ) إن ربك أحاط بالناس ( فهم في قبضة قدرته أو احاط بقريش بمعنى اهلكهم من احاط بهم العدو فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه ) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ( ليلة المعراج وتعلق به من قال انه كان في المنام ومن قال انه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية أو عام الحديبية حين ________________________________________ " صفحة رقم 454 " رأى انه دخل مكة وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى ) إذ يريكهم الله في منامك قليلا ( ولما روي انه لما ورد ماءه قال لكأني انظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فتسامعت به قريش واستسخروا منه وقيل رأى قوما من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وعلى هذا كان المراد بقوله ) إلا فتنة للناس ( ما حدث في ايامهم ) والشجرة الملعونة في القرآن ( عطف على ) الرؤيا ( وهي شجرة الزقوم لما سمع المشركون ذكرها قالوا أن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السمندل من أن تأكله النار واحشاء النعامة من اذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه ابعد مكان من الرحمة أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضارا وقد اولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك ) ونخوفهم ( بأنواع التخويف ) فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ( إلا عتوا متجاوز الحد الإسراء : ( 61 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . . ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ( لمن خلقته من طين فنصب بنزع الخافض ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين أو منه أي أأسجد له وأ له طين وفيه على الوجوه الثلاثة ايماء بعلة الإنكار الإسراء : ( 62 ) قال أرأيتك هذا . . . . . ) قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي ( الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب ________________________________________ " صفحة رقم 455 " وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه والمعنى اخبرني عن هذا الذي كرمته علي بامري بالسجود له لم كرمته علي ) لئن أخرتن إلى يوم القيامة ( كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه ) لأحتنكن ذريته إلا قليلا ( أي لاستأصلنهم بالاغواء إلا قليلا لا اقدر أن اقاوم شكيمتهم من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها اكلا مأخوذ من الحنك وانما علم أن ذلك يتسهل له أما استنباطا من قول الملائكة ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( مع التقرير أو تفرسا من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب الإسراء : ( 63 ) قال اذهب فمن . . . . . ) قال اذهب ( امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سلوت له نفسه ) فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ( جزاؤك جزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات ) جزاء موفورا ( مكملا من قولهم فر لصاحبك عرضه وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في ) جزاؤكم ( من معنى تجازون أو حال موطئة لقوله ) موفورا ) الإسراء : ( 64 ) واستفزز من استطعت . . . . . ) واستفزز ( واستخفف ) من استطعت منهم ( أن تستفزه والفز الخفيف ) بصوتك ( بدعائك إلى الفساد ) وأجلب عليهم ( وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح ) بخيلك ورجلك ( باعوانك من راكب وراجل والخيل الخيالة ومنه قوله عليه ( صلى الله عليه وسلم ) يا خيل الله اركبي والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب ويجوز أن يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من اماكنهم ________________________________________ " صفحة رقم 456 " واجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم وقرأ حفص ) ورجلك ( بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه وجمعك الرجل وقرئ و / رجالك / و / رجالك / ) وشاركهم في الأموال ( بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي ) والأولاد ( بالحث على التوثل إلى الولد بالسبب المحرم والاشراك فيه بتسميته عبد العزى والتضليل بالحمل على الاديان الزائغة والحرف الذميمة والافعال القبيحة ) وعدهم ( المواعيد الباطلة كشفاعة الالهة والاتكال على كرامة الاباء وتأخير التوبة لطول الأمل ) وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( اعتراض لبيان مواعيده الباطلة والغرور تزيين الخطأ بما يوهم انه صواب الإسراء : ( 65 ) إن عبادي ليس . . . . . ) إن عبادي ( يعين المخلصين وتعظيم الاضافة والتقييد في قوله ) إلا عبادك منهم المخلصين ( يخصصهم ) ليس لك عليهم سلطان ( أي على اغوائهم قردة ) وكفى بربك وكيلا ( يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة الإسراء : ( 66 ) ربكم الذي يزجي . . . . . ) ربكم الذي يزجي ( هوالذي يجري ) لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله ( الريح وانواع الامتعة التي لا تكون عندكم ) إنه كان بكم رحيما ( حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من اسبابه الإسراء : ( 67 ) وإذا مسكم الضر . . . . . ) وإذا مسكم الضر في البحر ( خوف الغرق ) ضل من تدعون ( ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم ) إلا إياه ( وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا ________________________________________ " صفحة رقم 457 " تدعون لكشفه إلا إياه أو ضل كل من تعبدونه عن اغاثتكم إلا الله ) فلما نجاكم ( من الغرق ) إلى البر أعرضتم ( عن التوحيد وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة " عطاء فتى تمكن في المعالي فاعرض في المكارم واستطالا " ) وكان الإنسان كفورا ( كالتعليل للاعراض الإسراء : ( 68 ) أفأمنتم أن يخسف . . . . . ) أفأمنتم ( الهمزة فيه للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره انجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الاعراض فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره ) أن يخسف بكم جانب البر ( أن يقلبه وأنتم عليه أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده وفي ذكر الجانب تنبيه على انهم لما وصلوا الساحل كفروا واعرضوا وان الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من اسباب الهلاك ) أو يرسل عليكم حاصبا ( ريحا تحصب أي ترمي بالحصباء ) ثم لا تجدوا لكم وكيلا ( يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفضله الإسراء : ( 69 ) أم أمنتم أن . . . . . ) أم أمنتم أن يعيدكم فيه ( في البحر ) تارة أخرى ( بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه ) فيرسل عليكم قاصفا من الريح ( لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته ) فيغرقكم ( وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير ) الريح ( بما كفرتم بسبب اشراككم أو كفرانكم نعمة الانجاء ) ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ( مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف الإسراء : ( 70 ) ولقد كرمنا بني . . . . . ) ولقد كرمنا بني آدم ( بحسن الصورة والمزاج الاعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والتهدي إلى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الاسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون احصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الانسن فإنه يرفعه إليه بيده ) وحملناهم في البر والبحر ( على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتى لم ________________________________________ " صفحة رقم 458 " تخسف بهم الأرض ولم يغرضهم الماء ) ورزقناهم من الطيبات ( المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم ) وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ( بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف الإسراء : ( 71 - 72 ) يوم ندعوا كل . . . . . ) يوم ندعوا ( نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه ) ولا يظلمون ( وقرئ ) يدعو ( و ) يدعى ( و ) يدعو ( على قلب الألف واوا لي لغة من يقول افعو في افعى أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله ) وأسروا النجوى الذين ظلموا ( أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع وهو قد يقدر كما في ) يدعى ( ) كل أناس بإمامهم ( بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا أي تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وافعالهم وقيل بأمهاتهم ________________________________________ " صفحة رقم 459 " جمع أم كخف وخفاف والحكمة في ذلك اجلال عيسى عليه السلام واظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما وان لا يفتضح أولاد الزنا ) فمن أوتي ( من المدعوين ) كتابه بيمينه ( أي كتاب عمله ) فأولئك يقرؤون كتابهم ( ابتهادا وتبجحا بما يرون فيه ) ولا يظلمون فتيلا ( ولا ينقصون من اجورهم ادنى شيء وجمع اسم الاشارة والضمير لان من اوتي في معنى الجمع وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن من اوتي كتابه بشماله إذا اطلع ما فيه غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة ولذلك لم يذكرهم من أن قوله ) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ( أيضا مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب والمعنى ومن كان في هذه الدنيا اعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة اعمى لا يرى طريق النجاة ) وأضل سبيلا ( منه في الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة وقيل لان الاهتداء بعد لا ينفعه والاعمى مستعار من فاقد الحاسة وقيل الثاني للتفضيل من عمي بقلبه كالاجهل والابله ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب فإن أفعل ________________________________________ " صفحة رقم 460 " التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالكم بخلاف النعت فإن الفه واقعة في الطرف لفظا وحكما فكانت معرضة للامالة من حيث إنها تصير ياء في التثنية وقد امالهما حمزة والكسائي وأبو بكر وقرأ ورش بين بين فيهما الإسراء : ( 73 ) وإن كادوا ليفتنونك . . . . . ) وإن كادوا ليفتنونك ( نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في امرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا وكل ربا لنا فهو لنا وكل ربنا علينا فهو موضوع عنا وان تمتعنا باللات سنة وان تحرم وادينا كما حرمت مكة فإن قالت العرب لم فلت ذلك فقل إن الله امرني وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك وان هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى أن الشان قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال ) عن الذي أوحينا إليك ( من الأحكام ) لتفتري علينا غيره ( غير ما اوحينا اليك ) وإذا لاتخذوك خليلا ( ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك وليا لهم بريئا من ولايتي الإسراء : ( 74 ) ولولا أن ثبتناك . . . . . ) ولولا أن ثبتناك ( ولولا تثبيتنا اياك ) لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ( لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم والمعنى انك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن ادركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم وهو صريح ف يانه ( صلى الله عليه وسلم ) ما هم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه الإسراء : ( 75 ) إذا لأذقناك ضعف . . . . . ) إذا لأذقناك ( أي لو قاربت لاذقناك ) ضعف الحياة وضعف الممات ( أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر وكان اصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات بمعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه ثم اضيفت كما يشاف موصوفها وقيل الضعف من أسماء العذاب وقيل المراد ب ) ضعف الحياة ( عذاب الآخرة ) وضعف الممات ( ________________________________________ " صفحة رقم 461 " عذاب القبر ) ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( يدفع العذاب عنك الإسراء : ( 76 ) وإن كادوا ليستفزونك . . . . . ) وإن كادوا ( وان كاد أهل مكة ) ليستفزونك ( ليزعجوك بمعاداتهم ) من الأرض ( أرض مكة ) ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك ( ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك ) إلا قليلا ( وقد كان كذلك فإنهم اهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة وقيل الآية نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا الشام مقام الأنبياء فإن كنت نيا فالحق بها حتى نؤمن بك فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت فرجع ثم قتل منهم بنوا قريظة واجلى بنو قريظة واجلى بنو النضير بقليل وقرئ / لا يلبثوا / منصوبا ب ) إذا ( على انه معطوف على جملة قوله ) وإن كادوا ليستفزونك ( لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمدا ما بعدها على ما قبلها وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص ) خلافك ( وهو لغة فيه قال الشاعر " عفت الديار خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا " الإسراء : ( 77 ) سنة من قد . . . . . ) سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ( نصب على المصدر أي سن الله ذلك سنة وهو أن يهلك كل أمة اخرجوا رسولهم من بين اظهرهم فالسنة لله واضافتها إلى الرسل لأنها من اجلهم ويدل عليه ) ولا تجد لسنتنا تحويلا ( أي تغييرا الإسراء : ( 78 ) أقم الصلاة لدلوك . . . . . ) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( لزوالها ويدل عليه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر وقيل لغروبها واصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فإن الدلك لا تستقر يده وكذا كل ما تركب من الدال واللام كدلج ودلح ودلع ودلف ودله وقيل الدلوك من الدلك لان الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع ________________________________________ " صفحة رقم 462 " شعاعها واللام للتأقيت مثلها في لثلاث خلون ) إلى غسق الليل ( إلى ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الاخيرة ) وقرآن الفجر ( وصلاة الصبح سميت قرآنا لانه ركنها كما سميت ركوعا وسجودا واستدل به على وجوب القراءة فيها ولا دليل فيه لجواز أن يكون التجوز لكونها مندوبة فيها نعم لو فسر بالقراءة في صلاة الفجر دل الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصا وفي غيرها قياسا ) إن قرآن الفجر كان مشهودا ( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار أو شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو اخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير والاية جامعة للصلوات الخمس أن فسر الدلوك بالزوال ولصلوات الليل وحدها أن فسر بالغروب وقيل المراد بالصلاة صلاة المغرب وقوله ) لدلوك الشمس إلى غسق الليل ( بيان لمبدأ الوقت ومنتهاه ، واستدل به على أن الوقت يمتد إلى غروب الشفق . الإسراء : ( 79 ) ومن الليل فتهجد . . . . . ) ومن الليل فتهجد به ( وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة والضمير لل ) قرآن ( ) نافلة لك ( فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة أو فضيلة لك لاختصاص وجوبه بك ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه وهو مطلق في كل مكان يتضمن كرامة والمشهور انه مقام الشفاعة لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه انه ( صلى الله عليه وسلم ) قال هو المقام الذي اشفع فيه لامتي ولاشعاره بأن ________________________________________ " صفحة رقم 463 " الناس يحمدونه لقيامه فيه وما ذاك إلا مقام الشفاعة وانتصابه على الظرف بإضمار فعله أي فيقيمك مقاما أو بتضمين ) يبعثك ( معناه أو الحال بمعنى أن يبعثك ذا مقام الإسراء : ( 80 ) وقل رب أدخلني . . . . . ) وقل رب أدخلني ( أي في القبر ) مدخل صدق ( ادخالا مرضيا ) وأخرجني ( أي منه عند البعث ) مخرج صدق ( اخراجا ملقى بالكرامة وقيل المراد ادخال المدينة والاخراج من مكة وقيل ادخاله مكة ظاهرا عليها واخراجه منها آمنا من المشركين وقيل ادخاله الغار واخراجه منه سالما وقيل ادخاله فيما حمله من اعباء الرسالة واخراجه منه مؤديا حقه وقيل ادخاله في كل ما يلابسه م مكان أو أمر واخراجه منه وقرئ ) مدخل ( و ) مخرج ( بالفتح على معنى ادخلني فأدخل دخولا واخرجني فأخرج خروجا ) واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( حجة تنصرني على من خالفني أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب له بقوله ) فإن حزب الله هم الغالبون ( ) ليظهره على الدين كله ( ) ليستخلفنهم في الأرض ) الإسراء : ( 81 ) وقل جاء الحق . . . . . ) وقل جاء الحق ( الإسلام ) وزهق الباطل ( وذهب وهلك الشرك من زهق روحه إذا خرج ) إن الباطل كان زهوقا ( مضمحلا غير ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه انه ( صلى الله عليه وسلم ) دخل مكة يوم الفتح وفيها ثلثمائة وستون صنما ينكت بمخصرته في عين واحد واحد منها فيقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى القى جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره الإسراء : ( 82 ) وننزل من القرآن . . . . . ) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ( ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى و ) من ( للبيان فإن كله كذلك وقيل انه للتبعيض والمعنى أن منه ما يشفى من المرض كالفاتحة وآيات الشفاء وقرأ البصريان ) ننزل ( بالتخفيف ) ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ( لتكذيبهم وكفرهم به ________________________________________ " صفحة رقم 464 " الإسراء : ( 83 ) وإذا أنعمنا على . . . . . ) وإذا أنعمنا على الإنسان ( بالصحة والسعة ) أعرض ( عن ذكر الله ) ونأى بجانبه ( لوى عطفه وبعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار لانه من عادة المستكبرين وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان هنا وفي فصلت / وناء / على القلب أو على انه بمعنى نهض ) وإذا مسه الشر ( من مرض أو فقر ) كان يؤوسا ( شديد اليأس من روح الله الإسراء : ( 84 ) قل كل يعمل . . . . . ) قل كل يعمل على شاكلته ( قل كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة أو جوهر روحه واحواله التابعة لمزاج بدنه ) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ( أسد طريقا وابين منهجا وقد فسرت الشاكلة بالطبيعة والعادة والدين الإسراء : ( 85 ) ويسألونك عن الروح . . . . . ) ويسألونك عن الروح ( الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره ) قل الروح من أمر ربي ( من الابداعيات الكائنة ب ) كن ( من غير مادة وتولد من اصل كأعضاء جسده أو وجد بأمره وحدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه وقيل مما استأثر الله بعلمه لما روي أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن اجاب عنها أو سكت فليس بنبي وان اجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وابهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة ويقل الروح جبريل وقيل خلق اعظم من الملك وقيل القرآن ومن أمر ربي معناه من وحيه ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( تستفيدونه بتوسط حواسكم فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية إنما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما ولعل اكثر الاشياء لا يدركه الحس ولا شيئا من أحواله المعروفة لذاته وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب وما رب العالمين بذكر بعض صفاته روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) لما قال لهم ذلك قالوا انحن مختصون بهذا الخطاب فقال بل نحن ________________________________________ " صفحة رقم 465 " وانتم فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول ) ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ( وساعة تقول هذا فنزلت ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( وما قالوه لسوء فهمهم لان الحكمة الانسانية أن يعلم من الخير والحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه ومعاده وهو بالاضافة إلى معلومات الله التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين وهو بالاضافة إليه كثيرا الإسراء : ( 86 ) ولئن شئنا لنذهبن . . . . . ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( اللام الأولى موطئة للقسم و ) لنذهبن ( جوابه النائب مناب جزاء الشرط والمعنى أن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من المصاحف والصدور ) ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ( من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا الإسراء : ( 87 ) إلا رحمة من . . . . . ) إلا رحمة من ربك ( فإنها أن نالتك فلعلها تسترده عليك ويجوز أن يكون استثناء منقطعا بمعنى ولك رحمة ربك تركته غير مذهوب به فيكون امتنانا بابقائه بعد المنة في تنزيله ) إن فضله كان عليك كبيرا ( كإرساله وانزال الكتاب عليه وابقائه في حفظه الإسراء : ( 88 ) قل لئن اجتمعت . . . . . ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ( في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى ) لا يأتون بمثله ( وفيهم العرب العرباء وارباب البيان وأهل التحقيق وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة ولولا هي لكان جوب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا كقول زهير " وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم " ________________________________________ " صفحة رقم 466 " ) ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( ولو تظاهروا على الاتيان به ولعله لم يذكر الملائكة لان اتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا ولانهم كانوا وسائط في اتيانه ويجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله ) ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ) الإسراء : ( 89 ) ولقد صرفنا للناس . . . . . ) ولقد صرفنا ( كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان ) للناس في هذا القرآن من كل مثل ( من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الانفس ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( إلا جحودا وانما جاز ذلك ولم يجز ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفي الإسراء : ( 90 ) وقالوا لن نؤمن . . . . . ) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة بيان اعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات إليه وقرأ الكوفيون ويعقوب ) تفجر ( بالتخفيف والأرض ارض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر الإسراء : ( 91 ) أو تكون لك . . . . . ) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ( أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك الإسراء : ( 92 ) أو تسقط السماء . . . . . ) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ( يعنون قوله تعالى " أو تسقط عليهم كسفا من السماء " وهو كقطع لفظا ومعنى وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة وأبو ________________________________________ " صفحة رقم 467 " بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا الطور وهو أما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن ) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( كفيلا بما تدعيه أي شاهدا على صحته ضامنا لدركه أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من الله وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله " فإني وقيار بها لغريب " الإسراء : ( 93 ) أو يكون لك . . . . . ) أو يكون لك بيت من زخرف ( من ذهب وقد قرئ به واصله الزنية ) أو ترقى في السماء ( في معارجها ) ولن نؤمن لرقيك ( وحده ) حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ( وكان فيه تصديقك ) قل سبحان ربي ( تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة وقرأ ابن كثير وابن عامر قال سبحان ربي أي قال الرسول ) هل كنت إلا بشرا ( كسائر الناس ) رسولا ( كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى يخيروها علي هذا هو الجواب المجمل واما التفصيل فقد ذكر في آيات آخر كقوله ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ( ) ولو فتحنا عليهم بابا ) الإسراء : ( 94 ) وما منع الناس . . . . . ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ( أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق ) إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ( إلا قولهم هذا والمعنى انه لم يبق لهم / شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن إلا إنكارهم أن يرسل الله بشرا الإسراء : ( 95 ) قل لو كان . . . . . ) قل ( جوابا لشبهتهم ) لو كان في الأرض ملائكة يمشون ( ما يمشي بنو آدم ) مطمئنين ( ساكنين فيها ) لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( لتمكنهم من الاجتماع ________________________________________ " صفحة رقم 468 " به والتلقي منه واما الأنس فعامتهم عماة من ادراك الملك والتلقف منه فان ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس وملكيا يحتمل أن يكون حالا من رسول وان يكون موصوفا به وكذلك بشرا والاول اوفق الإسراء : ( 96 ) قل كفى بالله . . . . . ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ( على أني رسول الله السكم باظهاره المعجزة على وفق دعواي أو على أني بلغت ما ارسلت به اليكم وانكم عاندتهم وشهيدا نصب على الحال أو التمييز ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازتهم عليها وفيه تسلية للرسول ص وتهديد للكفار الإسراء : ( 97 - 98 ) ومن يهد الله . . . . . ) ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ( يهدونه ) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ( يسبحون عليها أو يمشون بها روي انه قتل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف يمشون على وجوهم قال أن الذي امشاهم على اقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ) عميا وبكما وصما ( لا يبصرون ما يقر اعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم لانهم في ديناهم لم يستبصروا بالأيات والعبر وتصاموا عن استعماع الحق وأبو أن ينطقوا بالصدق ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس ) مأواهم جهنم كلما خبت ( سكن لهيها بان أكلت جلودهم ولحومهم ) زدناهم سعيرا ( توقدا بان نبدل جلودهم ولحومهم فتعود متلهبة مستعرة كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الافناء جزاهم الله بان لا يزالوا على الاعادة والافناء واليه أشار بقوله ) ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( لان الاشارة إلى ما تقدم من عذابهم ________________________________________ " صفحة رقم 469 " الإسراء : ( 99 ) أولم يروا أن . . . . . ) أو لم يروا ( أو لم يعلموا ) أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ( فانهم ليسوا اشد خلقا منهن ولا الاعادة اصعب عليه من الابداء ) وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ( هو الموت أو القيامة ) فأبى الظالمون ( مع وضوح الحق ) إلا كفورا ( إلا جحودا الإسراء : ( 100 ) قل لو أنتم . . . . . ) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( خزائن رزقه وسائر نعمه وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم لو ذات سوار لطمتني وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الايجاز والدلالة على الاختصاص ) إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ( لبخلتم مخافة النفاد بالانفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالاضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء اغلب فيهم ) وكان الإنسان قتورا ( بخيلا لان بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله الإسراء : ( 101 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ( هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل وقيل الطوفان والسنون وقص الثمرات مكان الثلاثة الاخيرة وعن صفوان أن يهديا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عنها فقال أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبل اليهودي يده ورجله فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام ) فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ( فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأل على لفظ المضي بغير همز وهو ________________________________________ " صفحة رقم 470 " لغة قريش و ) إذ ( متعلق بقلنا أو اسأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو للتتسلى نفسك أو لتعلم انه تعالى لو أتى بما اقترحوا لاصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم أو ليزادد يقينك لان تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان ) إذ ( نصبا بآيتنا أو بإضمار يخبروك على انه جواب الأمر أو باضمار اذكر على الاستئناف ) فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ( سحرت فتخبط عقلك الإسراء : ( 102 ) قال لقد علمت . . . . . ) قال لقد علمت ( يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على اخباره عن نفسه ) ما أنزل هؤلاء ( يعني الآيات ) إلا رب السماوات والأرض بصائر ( بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال ) وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ( مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما صرفك أو هالكا قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر اماراته وقرئ / وإن أخالك يا فرعون لمثبورا / على أن المخففة واللام هي الفارقة الإسراء : ( 103 ) فأراد أن يستفزهم . . . . . ) فأراد ( فرعون ) أن يستفزهم ( أن يستخف موسى وقومه وينفيهم ) من الأرض ( أرض مصر أو الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال ) فأغرقناه ومن معه جميعا ( فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالاغراق الإسراء : ( 104 ) وقلنا من بعده . . . . . ) وقلنا من بعده ( من بعد فرعون أو اغراقه ) لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ( التي أراد أن يستفزكم منها ) فإذا جاء وعد الآخرة ( الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة ) جئنا بكم لفيفا ( مختلطين اياكم واياهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من اشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى ________________________________________ " صفحة رقم 471 " الإسراء : ( 105 ) وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . . ) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( أي وما انزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق المقتضي لانزاله وما نزل على الرسول إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه وقيل وما انزلناه من السماء إلا محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره ) وما أرسلناك إلا مبشرا ( للمطيع بالثواب ) ونذيرا ( للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والانذار الإسراء : ( 106 ) وقرآنا فرقناه لتقرأه . . . . . ) وقرآنا فرقناه ( نزلناه مفرقا منجما وقيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله ويما شهدناه وقرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة ) لتقرأه على الناس على مكث ( على مثل وتؤدة فإنه ايسر للحفظ وأعن في الفهم وقرس بالفتح وهو لغة فيه ) ونزلناه تنزيلا ( على حسب الحوادث الإسراء : ( 107 ) قل آمنوا به . . . . . ) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ( فإن ايمانكم بالقرآن لا يزيد كمالا وامتناعكم عنه لا يورثه نقصا وقوله ) إن الذين أوتوا العلم من قبله ( تعليل له أي أن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وامارات النبوة وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل أو رأوا نعتك وصفة ما انزل إليك في تلك الكتب ويجوز أن يكون تعليلا ل ) قل ( على سبيل التسلية كأنه قيل تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم ) إذا يتلى عليهم ( القرآن ) يخرون للأذقان سجدا ( يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله أو شكرا لانجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على فترة من الرسل وانزال القرآن عليه الإسراء : ( 108 ) ويقولون سبحان ربنا . . . . . ) ويقولون سبحان ربنا ( عن خلف الموعد ) إن كان وعد ربنا لمفعولا ( انه كان وعده كائنا لا محالة الإسراء : ( 109 ) ويخرون للأذقان يبكون . . . . . ) ويخرون للأذقان يبكون ( كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند انجاز الوعد والثاني لما اثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله وذكر الذقن لانه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرور به ) ويزيدهم ( سماع القرآن ) خشوعا ( كما يزيدهم علما ويقينا بالله ________________________________________ " صفحة رقم 472 " الإسراء : ( 110 ) قل ادعوا الله . . . . . ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول يا الله يا رحمن فقالوا انه ينهانا أن نعبد الهين وهو يدعو الها آخر أو قالت اليهود انك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثره الله في التوراة والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بانهما يطلقان على ذات واحدة وان اختلف اعتبار اطلاقهما والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني انههم سيان في حسن الإطلاق والافضاء إلى المقصود وهو اجود لقوله ) أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في ) أيا ( عوض عن المضاف إليه و ) ما ( صلة لتأكيد ما في ) أيا ( من الإبهام والضمير في ) فله ( للمسمى لأن التسمية له لا للاسم وكان اصل الكلام ) أيا ما تدعوا ( فهو حسن فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والاكرام ) ولا تجهر بصلاتك ( بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها ) ولا تخافت بها ( حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين ) وابتغ بين ذلك ( بين الجهر والمخافتة ) سبيلا ( وسطا فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول اناجي ربي وقد علم حاجتي وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول اطرد الشيطان واوقظ الوسنان فلما نزلت أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبا بكر أن يرفع قليلا وعمر أن يخفض قليلا قيل معناه لا ________________________________________ " صفحة رقم 473 " تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلا بالاخفات نهارا والجهر ليلا الإسراء : ( 111 ) وقل الحمد لله . . . . . ) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ( في الألوهية ) ولم يكن له ولي من الذل ( ولي يواليه من اجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا واضطرارا وما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على انه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالايجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله ) وكبره تكبيرا ( وفيه تنبيه على أن العبد وان بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا افصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين كان له قنطار في الجنة والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية والله اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب ________________________________________ " صفحة رقم 474 " سورة الكهف مكية وقيل إلا قوله ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( الآية وهي مائة واحدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم الكهف : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . . ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ( يعني القرآن رتب استحقاق الحمد على انزاله تنبيها على انه اعظم نعمائه وذلك لانه الهادي إلى ما فيه كمال العباد والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد ) ولم يجعل له عوجا ( شيئا من العوج باختلال في اللفظ وتناف في المعنى أو انحراف من الدعوة إلى جانب الحق وهو في المعاني كالعوج في الاعيان ________________________________________ " صفحة رقم 475 " الكهف : ( 2 ) قيما لينذر بأسا . . . . . ) قيما ( مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط أو ) قيما ( بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال أو على الكتب السابقة يشهد بصحتها وانتصابه بمضمر تقديره جعله قيما أو على الحال من الضمير في ) له ( أو من ) الكتاب ( على أن الواو ) ولم يجعل ( للحال دون العطف إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا بين ابعاض المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير ) قيما ( ) لينذر بأسا شديدا ( أي لينذر الذين كفروا عذبا شديدا فحذف المفعول الأول اكتفاء بدلالة القرينة واقتصارا على الغرض المسوق إليه ) من لدنه ( صادرا من عنده وقرأ أبو بكر بإسكان الدال كإسكان الباء من سبع مع الاشمام ليدل على اصله وكسر النون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء للاتباع ) ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ( هو الجنة الكهف : ( 3 ) ماكثين فيه أبدا ) ماكثين فيه ( في الاجر ) أبدا ( بلا انقطاع ________________________________________ " صفحة رقم 476 " الكهف : ( 4 ) وينذر الذين قالوا . . . . . ) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( خصهم بالذكر وكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم وانما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره الكهف : ( 5 ) ما لهم به . . . . . ) ما لهم به من علم ( أي بالولد أو باتخاذه أو بالقول والمعنى انهم يقولوه عن جهل مفرط وتوهم كاذب أو تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي ارادوا به فإنهم كانوا يطلقون الاب والابن بمعنى المؤثر والاثر أو بالله إذ لو علموه لما جوزا نسبة الاتخاذ إليه ) ولا لآبائهم ( الذين تقولوه بمعنى التبني ) كبرت كلمة ( عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ و ) كلمة ( نصب على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية والاول ابلغ وادل على المقصود ) تخرج من أفواههم ( صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على ________________________________________ " صفحة رقم 477 " اخراجها من افواهم والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم لان كبرها هنا بمعنى بئس وقرئ ) كبرت ( بالسكون مع الاشمام ) إن يقولون إلا كذبا ) الكهف : ( 6 ) فلعلك باخع نفسك . . . . . ) فلعلك باخع نفسك ( قاتلها ) على آثارهم ( إذا ولوا عن الإيمان لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته اعزته فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسك وجدا عليهم وقرئ ) باخع نفسك ( على الاضافة ) إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ( بهذا القرآن ) أسفا ( للتأسف عليهم أو متأسفا عليهم والاسف فرط الحزن والغضب وقرئ ) إن ( بالفتح على لأن فلا يجوز أعمال ) باخع ( إلا إذا جعل حكاية حال ماضية ________________________________________ " صفحة رقم 478 " الكهف : ( 7 ) إنا جعلنا ما . . . . . ) إنا جعلنا ما على الأرض ( من الحيوان والنبات والمعادن ) زينة لها ( ولأهلها ) لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( في تعاطيه وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي وفيه تسكين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الكهف : ( 8 ) وإنا لجاعلون ما . . . . . ) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( تزهيد فيه والجزر الأرض التي قطع نباتها مأخوذ من الجرز وهو القطع والمعنى إنا لنعيد ما علينا من الزينة ترابا مستويا بالأرض ونجعله كصعيد املس لا نبات فيه الكهف : ( 9 ) أم حسبت أن . . . . . ) أم حسبت ( بل احسبت ) أن أصحاب الكهف والرقيم ( في ابقاء حياتهم مدة مديدة ) كانوا من آياتنا عجبا ( وقصتهم بالاضافة إلى خلق ما على الأرض من الاجناس والانواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة ________________________________________ " صفحة رقم 479 " واحدة ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات الله كالنزر الحقير و ) الكهف ( الغار الواسع في الجبل و ) والرقيم ( اسم الجبل أو الوادي الذين فيه كهفهم أو اسم قريتهم أو كلبهم قال أمية بن أبي الصلت " وليس بها إلا الرقيم جاورا وصيدهمو والقوم في الكهف هجد " أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه اسماؤهم وجعل على باب الكهف وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه فقال أحدهم اذكروا ايكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته فقال أحدهم استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته ثم اجرهم فغضب أحدهم وترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مر بي بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله فرجع الي بعد حين شيخا ضعيفا لا اعرفه وقال إنه لي عندك حقا وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعا اللهم أن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وقال آخر كان في فضل وصابت الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفا فقلت والله ما هو دون فك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها فقال اجيبي له واغيثي عيالك فأتت وسلمت الي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت ما لك قالت اخاف الله فقلت لها خفته في الشدة ولم اخفه في الرخاء فتركتها واعطيتها ملتمسها اللهم أن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا فانصدع حتى تعارفوا وقال الثالث كان لي ابوان هرمان وكانت ________________________________________ " صفحة رقم 480 " لي غنم وكنت اطعمهما واسقيهما ثم ارجع إلى غنمي فحبسني ذات يوم غيث فلم ابرح حتى امسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت أليهما فوجدتهما نائمين فشق علي أن اوقظهما فوقعت جاليا ومحلبي على يدي حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما اللهم أن كنت فعلته لوجهك فافرح عنا ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير الكهف : ( 10 ) إذ أوى الفتية . . . . . ) إذ أوى الفتية إلى الكهف ( يعني فتية من اشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف ) فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ( توجب لنا المغرفة والرزق والامن من العدو ) وهيئ لنا من أمرنا ( من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار ) رشدا ( نصيرا بسببه راشدين مهتدين أو اجعل ارنا كله رشدا كقولك رأيت منك اسدا وأ ل التهيئة احداث هيئة الشيء الكهف : ( 11 ) فضربنا على آذانهم . . . . . ) فضربنا على آذانهم ( أي ضربنا عليهم حجابا يمنع السماع بمعنى انمناهم انامة لا تنبههم فيها الاصوات فحذف المفعول كما حذف في قولهم بنى على امرأته ) في الكهف سنين ( ________________________________________ " صفحة رقم 481 " ظرفان لضربنا ) عددا ( أي ذوات عدد ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده الكهف : ( 12 ) ثم بعثناهم لنعلم . . . . . ) ثم بعثناهم ( ايقظناهم ) لنعلم ( ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا ) أي الحزبين ( المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم ) أحصى لما لبثوا أمدا ( ضبط امد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم فهو مبتدأ و ) أحصى ( خبره وهو فعل ماض و ) أمدا ( مفعول له و ) لما لبثوا ( حال منه أو مفعول له وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة و ) أمدا ( تمييز وقيل ) أحصى ( اسم تفضل من الاحصاء بحذف الزوائد كقولهم هو أحصى للمال وافلس من ابن المذلق و ) أمدا ( نصب بفعل دل عليه ) أحصى ( كقوله " واضرب منا بالسيوف القوانسا " ________________________________________ " صفحة رقم 482 " الكهف : ( 13 ) نحن نقص عليك . . . . . ) نحن نقص عليك نبأهم بالحق ( بالصدق ) إنهم فتية ( شبان جمع فتى كصبي وصبية ) آمنوا بربهم وزدناهم هدى ( بالتثبيت الكهف : ( 14 ) وربطنا على قلوبهم . . . . . ) وربطنا على قلوبهم ( وقويناها بالصبر على هجر الوطن والاهل والمال والجراءة على اظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار ) إذ قاموا ( بين يديه ) فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( والله لقد قلنا قولا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم الكهف : ( 15 ) هؤلاء قومنا اتخذوا . . . . . ) هؤلاء ( مبتدأ ) قومنا ( عطف بيان ) اتخذوا من دونه آلهة ( خبره وهو إخبار في معنى انكار ) لولا يأتون ( هلا يأتون ) عليهم ( على عبادتهم ) بسلطان بين ( ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وان التقليد فيه غير جائز ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( بنسبة الشريك إليه الكهف : ( 16 ) وإذ اعتزلتموهم وما . . . . . ) وإذ اعتزلتموهم ( خطاب بعضهم لبعض ) وما يعبدون إلا الله ( عطف على الضمير المنصوب أي وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله فإنهم كانوا يعبدون الله ويبعدون الاصنام كسائر المشركين ويجوز أن تكون ) ما ( مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله وأن تكون نافية على انه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترضين بين ) إذ ( وجوابه لتحقيق اعتزالهم ) فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم ( يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم ) من رحمته ( في الدارين ) ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( ما ترتفقون به أي تنتفعون وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى وقرأ نافع وابن عامر ) مرفقا ( بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذا كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح ________________________________________ " صفحة رقم 483 " الكهف : ( 17 ) وترى الشمس إذا . . . . . ) وترى الشمس ( لو رأيتهم والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد ) إذا طلعت تزاور عن كهفهم ( تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم يؤذيه لان الكهف كان جنوبيا أو لان الله تعالى زورها عنهم واصله تتزاول فأدغمت التاء في الزاي وق أ الكوفيون بحذفها وابن عامر ويعقوب / تزور / كتحمر وقرئ ) تزاور ( كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل ) ذات اليمين ( جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين ) وإذا غربت تقرضهم ( تقطعهم وتصرم عنهم ) ذات الشمال ( يعني يمين الكهف وشماله لقوله ) وهم في فجوة منه ( أي وهم في متسع من الكهف يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش واقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلق مائلة عنه مقابلة لجانبه الأبيض وهو الذي يلي المغرب وتغرب محاذية لجانبه الايسر فيقع شعاعها على جانبيه ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم ) ذلك من آيات الله ( أي شأنهم وايواؤهم إلى كهف شأنه كذلك أو اخبارك بالتوفيق ) فهو المهتد ( الذي اصاب الفلاح والمراد به أما الثناء عليهم أو التنبيه على أن امثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للتأمل فيها والاستبصار بها ) ومن يضلل ( ومن يخذله ) فلن تجد له وليا مرشدا ( من يليه ويرشده ________________________________________ " صفحة رقم 484 " الكهف : ( 18 ) وتحسبهم أيقاظا وهم . . . . . ) وتحسبهم أيقاظا ( لانفتح عيونهم أو لكثر تقلبهم ) وهم رقود ( نيام ) ونقلبهم ( في رقدتهم ) ذات اليمين وذات الشمال ( كيلا تأكل الأرض ما يليها من ابدانهم على طول الزمان وقرئ / ويقلبهم / بالياء والضمير لله تعالى و ) ونقلبهم ( على المصدر منصوبا بعفل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم ) وكلبهم ( هو مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله فقال أنا احب احباء الله فناموا وأنا احرسكم أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب ويؤيده قراءة من قرأ و / كالبهم / أي وصاحب كلبهم ) باسط ذراعيه ( حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل ) بالوصيد ( بفناء الكهف وقيل الوصيد الباب وقيل العتبة ) لو اطلعت عليهم ( فنظرت إليهم وقرئ ) لو اطلعت ( بضم الواو ) لوليت منهم فرارا ( لهربت منهم و ) فرارا ( يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال ) ولملئت منهم رعبا ( خوفا يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم اجرامهم وانفتاح عيونهم وقيل لوحشة مكانهم وعن معاوية رضي الله عنه انه غزا الروم فمر بالكهف فقال لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال ) لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ( فلم يسمع وبعث ناسا فلما دخلوا جاءت ريح فاحرقتهم وقرأ الحجازيان / لملئت / بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب ) رعبا ( بالتثقيل الكهف : ( 19 ) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا . . . . . ) وكذلك بعثناهم ( وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا ) ليتساءلوا بينهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 485 " ليسأل بعضهم بعضا فتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقينا على كمال قدرة الله تعالى ويستبصروا به أمر البعث ويشركوا ما انعم الله به عليهم ) قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( بناء على غالب ظنهم لان النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك احالوا العلم إلى الله تعالى ) قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ( ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا انكار الآخرين عليهم وقيل انهم دخلوا الكهف غدة وانتبهوا ظهيرة وظنوا انهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك فلما نظروا إلى طول اظفارهم واشعارهم قالا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه اخذوا فيما يهمهم وقالوا ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ( والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف وقرئ بالتثقيل وادغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغما وغير مدغم ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس ) فلينظر أيها ( أي أهلها ) أزكى طعاما ( احل واطيب أو اكثر وارخص ) فليأتكم برزق منه وليتلطف ( وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن أو في التخفي حتى لا يعرف ) ولا يشعرن بكم أحدا ( ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور الكهف : ( 20 ) إنهم إن يظهروا . . . . . ) إنهم إن يظهروا عليكم ( أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم والضمير للأهل المقدر في ) أيها ( ) يرجموكم ( يقتلوكم بالرجم ) أو يعيدوكم في ملتهم ( أو يصيروكم إليها كرها من العود بمعنى الصيرورة وقيل كانوا اولا على دينهم فآمنوا ) ولن تفلحوا إذا أبدا ( إن دخلتم في ملتهم ________________________________________ " صفحة رقم 486 " الكهف : ( 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم . . . . . ) وكذلك أعثرنا عليهم ( وكما انمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم اطلعنا عليهم ) ليعلموا ( ليعلم الذين اطلعناهم على حالهم ) إن وعد الله ( بالبعث أو الموعود الذي هو البعث ) حق ( لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث ) وأن الساعة لا ريب فيها ( وأن القيامة لا ريب في امكانها فإن من توفى نفوسهم وامسكها ثلاثمائة سنني حافظا أبدانها عن التحلل والتفتت ثم ارسلنا إليها قد أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكا إياها إلى أن يحشر ابدانهم فيردها عليها ) إذ يتنازعون ( ظرف ل ) أعثرنا ( أي اعثرنا عليهم حين يتنازعون ) بينهم أمرهم ( أمر دينهم وكان بعضم يقول تبعث الارواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين انهما يبعثان معا أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانيا بالموت فقال بعضهم ماتوا وقال اخرون لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه كما قال تعالى ) ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ( ________________________________________ " صفحة رقم 487 " وقوله ) ربهم أعلم بهم ( اعتراض أما من الله ردا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين في زمانهم أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكرا أمرهم وتناقلوا في انسابهم واحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك حكي أن المبعوث لما دخل السوق واخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك وكان نصرانيا موحدا فقص عليه القصص فقال بعضهم إن آباءنا اخبرونا أن فتية فرا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء فانطلق الملك أهل المدينة من مؤمن وكافر وابصروهم وكلموهم ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والانس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليم مسجدا وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى ادخل اولا لئلا يفزعوا فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجدا الكهف : ( 22 ) سيقولون ثلاثة رابعهم . . . . . ) سيقولون ( أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب والمؤمنين ) ثلاثة رابعهم كلبهم ( أي هم ثلاثة رجال يربعهم كلبهم بانضمامه إليهم قيل هو قول اليهود وقيل هو قول السيد من نصارى نجران وكان يعقوبيا ) ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 488 " قاله النصارى أو العاقب منهم وكاننسطوريا ) رجما بالغيب ( يرمون رميا بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه واتيانا به أو ظنا بالغيب من قولهم رجم بالظن إذا ظنوإنما لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه ) ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ( إنما قاله المسلمون بإخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام وايماء الله تعالى إليه بأنه اتبعه قوله ) قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ( واتبع الأولين قوله رجما بالغيب وبأن اثبت العلم بهم لطافة بعد ما حصر اقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة فإن عدم ايراج رابع في نحو هذا المحل دليل العدم مع أن الأصل ينفيه ثم رد الأولين بأن اتبعهما قوله ) رجما بالغيب ( ليتعين الثالث وبأن ادخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا م المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على ________________________________________ " صفحة رقم 489 " أن اتصافه بها أمر ثابت وعن علي رضي الله عنه هم سبعة وثمانهم كلبهم واسماؤهم يمليحا ومكشينيا ومشلينيا هؤلاء أصحاب يمين الملك ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش احصاب يساره وكان يستشيرهم والسابع الراعي الذي وافقهم واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم افسوس وقيل الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم ) فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ( فلا تجادل في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليم ما في القرآن من غير تجهيل لهم والرد عليهم ) ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( ولا تسأل احدا عن قصتهم سؤال مسترشد فإنما فيما اوحي إليك لمندوحة من غيره مع أنه لا علم لهم بها ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول وتزييف ما عنده فإنه مخل بمكارم الأخلاق الكهف : ( 23 - 24 ) ولا تقولن لشيء . . . . . ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( نهي تأديب من الله تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح واصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غدا أخبركم ولم يستثن فابطأ عليه الوحي بشعة عشر يوما حتى شق عليه وكذبه قريش والاستثناء من النهي أي ولا تقولن أجل شيء تعزم عليه أني فاعله فيما يستقبل إلا ب ) أن يشاء الله ( أي إلا ملتبسا بمشيئته قائلا إن شاء الله أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه ولا يجوز تعليقه بفاعل لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل ________________________________________ " صفحة رقم 490 " غير سديد استثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي ) واذكر ربك ( مشيئة ربك وقل أن شاء الله كما روي انه لما نزل قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله ) إذا نسيت ( إذا فرط منك نسيان لذلك ثم تذكرته وعن ابن عباس ولو بعد سنة ما لم يحنث ولذلك جوز تأخير الاستثناء عنه وعامة الفقهاء على خلافه لأنه لو صح ذلك لم يتقرر اقرارا ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب وليس في الآية والخبر أن الاستثناء المتدارك به من القول السابق بل هو من مقدر مدلول به عليه ويجوز أن يكون المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء مبالغة في الحث عليه أو اذكر ربك وعقابه إذا ________________________________________ " صفحة رقم 491 " تركت بعض ما امرك به ليبعثك على التدارك أو اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي ) وقل عسى أن يهدين ربي ( يدلني ) لأقرب من هذا رشدا ( لأقرب رشدا واظهر دلالة على أني نبي من نبأ أصحاب الكهف وقد هداه لأعظم من ذلك كقصص الأنبياء المتباعدة عنه ايامهم والاخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الاعصار المستقبلة إلى قيام الساعة أو لأقرب رشدا وأدنى خيرا من المنسي الكهف : ( 25 ) ولبثوا في كهفهم . . . . . ) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ( يعني لبثهم فيه أحياء مضروبا على اذانهم وهو بيان لما أجمل قبل وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب فإنهم اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فقال بعضهم ثلاثمائة وقال بعضهم ثلثمائة وتسع سنين وقرأ حمزة والكسائي / ثلاثمائة سنين / بالاضافة على وضع الجمع موضع الواحد ويحسنه ________________________________________ " صفحة رقم 492 " ها هنا أن علامة الجمع فيه جبر لما حذف من الواحد وان الأصل في العدد اضافته إلى الجمع ومن لم يضف أبدل السنين من ثلثمائة ) قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ( له ما غاب فيهما وخفي من احوال أهلهما فلا خلق يخفى عليه علما ) أبصر به وأسمع ( ذكر بصيغة التعجب للدلالة على أن آمره في الادراك خارج عما عليه ادراك السامعين والمبصرين إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دون لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي والهاء تعود إلى الله ومحله الرفع على الفاعلية والباء مزيدة عند سيبويه وكان اصله ابصر أي صار ذا بصر ثم نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الانشاء فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة له أو لزيادة الباء كما في قوله تعالى ) وكفى به ( والنصب على المفعولية عند الاخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة أن كانت الهمزة للتعدية ومعدية أن كانت للصيرورة ) ما لهم ( الضمير أهل السماوات والأرض ) من دون الله من ولي ( من يتولى امورهم ) ولا يشرك في حكمه ( في ________________________________________ " صفحة رقم 493 " قضائه ) أحدا ( منهم ولا بجعل له فيه مدخلا وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم على نهي كل أحد عن الاشراك الكهف : ( 27 ) واتل ما أوحي . . . . . ثم لما دل اشتمال القرآن على قصة أصحاب الكهف من حيث إنها من المغيبات بالاضافة إلى رسول الله على انه وحي معجز آمره أن يداوم درسه ويلازم اصحابه فقال ) واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ( من القرآن ولا تسمع لقولهم ) ائت بقرآن غير هذا أو بدله ( ) لا مبدل لكلماته ( لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره ) ولن تجد من دونه ملتحدا ( ملتجأ عليه إن هممت به الكهف : ( 28 ) واصبر نفسك مع . . . . . ) واصبر نفسك ( واحبسها وثبتها ) مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( في مجامع اوقاتهم أو في طرفي النهار وقرأ ابن عامر / بالغدوة / وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير ) يريدون وجهه ( رضا الله وطاعته ) ولا تعد عيناك عنهم ( ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ وقرئ ) ولا تعد عيناك ( ) ولا تعد ( من أعداه وعداه والمراد نهي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحا إلى طراوة زي الاغنياء ) تريد زينة الحياة الدنيا ( حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها ) ولا تطع من أغفلنا قلبه ( من جعلنا قلبه غافلا ) عن ذكرنا ( كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وانه لو اطاعه كان مثله في الغباوة والمعتزلة لما غاظهم اسناد الاغفال إلى الله تعالى قالوا انه مثل اجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه أو من اغفل ابله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقولب الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر ________________________________________ " صفحة رقم 494 " أولا بقوله ) واتبع هواه ( وجوابه ما مر غير مرة وقرئ ) أغفلنا ( بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة ) وكان أمره فرطا ( أي تقدما على الحق نبذا له وراء ظهره يقال فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط الكهف : ( 29 ) وقل الحق من . . . . . ) وقل الحق من ربكم ( الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى ويجوز أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف و ) من ربكم ( حالا ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( لا ابالي بإيمان من آمن ولا كفر من كفر وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله فإنه وان كان بمشيئته فمشيئته ليست بمشيئته ) إنا أعتدنا ( هيأنا ) للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ( فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار ) وإن يستغيثوا ( من العطش ) يغاثوا بماء كالمهل ( كالجسد المذاب وقيل كدردي الزيت وهو على طريقة قوله فاعتبوا باصيلم ) يشوي الوجوه ( إذا قدم ليشرب من فرط حرارته وهو صفة ثانية لماء أو ________________________________________ " صفحة رقم 495 " حال من المهل أو الضمير في الكاف ) بئس الشراب ( المهل ) وساءت ( النار ) مرتفقا ( متكأ واصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وهو لمقابلة قوله وحسنت مرتفقا وألا فلا ارتفاق لأهل النار الكهف : ( 30 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( خبر إن الأولى وهي الثانية بما في حيزها والراجع محذوف تقديره من أحسن عملا منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملا كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد أو واقع موقعه الظاهر فإن من احسن عملا لا يحسن اطلاقه على الحقيقة إلا على الذين آمنا وعملوا الصالحات الكهف : ( 31 ) أولئك لهم جنات . . . . . ) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ( وما بينهما اعتراض وعلى الأول استئناف لبيان الاجر أو خبر ثان ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( من الأولى للابتداء والثانية للبيان صفة ل ) أساور ( وتنكيره لتعظيم حسنها من الاحاطة به وهو جمع اسورة أو أسوار في جمع سوار ) ويلبسون ثيابا خضرا ( لان الخضرة احسن الألوان واكثرها راوة ) من سندس وإستبرق ( مما رق من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ) متكئين فيها على الأرائك ( على السرر كما هو هيئة المتنعمين ) نعم الثواب ( الجنة ونعيمها ) وحسنت ( الارائك ) مرتفقا ( متكأ ________________________________________ " صفحة رقم 496 " الكهف : ( 32 ) واضرب لهم مثلا . . . . . ) واضرب لهم مثلا ( للكافر والمؤمن ) رجلين ( حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا وصرفها المؤمن في وجوه الخير وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الاشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) جعلنا لأحدهما جنتين ( بستانين ) من أعناب ( من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين ) وحففناهما بنخل ( وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزرا بها كرومهما يقال حفه القوم إذا اطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولا ثانيا كقولك غشيته به ) وجعلنا بينهما ( وسطهما ) زرعا ( ليكون كل منهما جامعا للاقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الانيق الكهف : ( 33 ) كلتا الجنتين آتت . . . . . ) كلتا الجنتين آتت أكلها ( ثمرها وافراد الضمير لأفراد ) كلتا ( وقرئ / كل الجنتين آتى أكله / ) ولم تظلم منه ( ولم تنقص من أكلها ) شيئا ( يعهد في سائر البساتين فإن اثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبا ) وفجرنا خلالهما نهرا ( ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما وعن يعقوب ) وفجرنا ( بالتخفيف الكهف : ( 34 ) وكان له ثمر . . . . . ) وكان له ثمر ( أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم وأبو عمرو بضم الثاء واسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله ) وأحيط بثمره ( ) فقال لصاحبه وهو يحاوره ( يراجعه في الكلام من حار إذا رجع ) أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ( حشما وأعوانا وقيل اولادا ذكورا لانهم الذين ينفرون معه الكهف : ( 35 ) ودخل جنته وهو . . . . . ) ودخل جنته ( بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها وافراد الجنة لان المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيها على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد ________________________________________ " صفحة رقم 497 " المتقون أو لاتصال كل واحدة من جنتيه بالاخرى أو لان الدخول يكون في واحدة واحدة ) وهو ظالم لنفسه ( ضار لها بعجبه وكفره ) قال ما أظن أن تبيد ( أن تفنى ) هذه ( لاجنة ) أبدا ( لطول امله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته الكهف : ( 36 ) وما أظن الساعة . . . . . ) وما أظن الساعة قائمة ( كائنة ) ولئن رددت إلى ربي ( بالبعث كما زعمت ) لأجدن خيرا منها ( من جنته وقرأ الحجازيان والشامي ) منهما ( أي من الجنتين ) منقلبا ( مرجعا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية وانما اقسم على ذلك لاعتقاده انه تعالى إنما اولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه اينما تلقاه الكهف : ( 37 ) قال له صاحبه . . . . . ) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ( لانه اصل مادتك أو مادة اصلك ) ثم من نطفة ( فإنها مادتك القريبة ) ثم سواك رجلا ( ثم عدلك وكملك انسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه الكهف : ( 38 ) لكن هو الله . . . . . ) لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ( اصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو دون فتلاقت النونان فكان الادغام وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لاجراء الوصل مجرى الوقف وقد قرئ / لكن أنا / على الأصل ________________________________________ " صفحة رقم 498 " وهو ضمير الشأن وهو بالجملة الواقعة خبرا له خبر أنا أو ضمير ) الله ( و ) الله ( بدله وربي خبره والجملة خبر أنا والاستدراك من اكفرت كأنه قال أنت كافر بالله لكني مؤمن به وقد قرئ لكن هو الله ربي ولكن أنا لا اله إلا هو ربي الكهف : ( 39 ) ولولا إذ دخلت . . . . . ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ( وهلا قلت عند دخولها ) ما شاء الله ( الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة أو أي شيء شاء الله كان على إنها شرطية والجواب محذوف اقرارا بأنها وما فيها بمشيئة الله أن شاء ابقاها وان شاء ابداها ) لا قوة إلا بالله ( وقلت لا قوة إلا بالله اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله وان ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها بمعونته واقداره وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره ) إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( يحتمل أن يكون فصلا وأن يكون تأكيدا للمفعول الأول وقرئ ) أقل ( بالرفع على أنه خبر ) إنا ( والجملة مفعول ثاني ل ) ترن ( وفي قوله ) وولدا ( دليل لمن فسر النفر بالاولاد الكهف : ( 40 ) فعسى ربي أن . . . . . ) فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ( في الدنيا أو في الآخرة لايماني وهو جواب الشرط ) ويرسل عليها ( على جنتك لكفرك ) حسبانا من السماء ( مرامي جمع حسبانة وهي الصواعد وقيل هو مصدر بمعنى الحساب المراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة ) فتصبح صعيدا زلقا ( أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها واشجارها الكهف : ( 41 ) أو يصبح ماؤها . . . . . ) أو يصبح ماؤها غورا ( أي غائرا في الأرض مصدر وصف به كالزرق ) فلن تستطيع له طلبا ( للماء الغائر ترددا في رده الكهف : ( 42 ) وأحيط بثمره فأصبح . . . . . ) وأحيط بثمره ( واهلك امواله حسبما توقعه صاحبه وانذره منه وهو مأخوذ من احاط به العدو فإنه إذا احاط به غلبه وإذا غلبه اهلكه ونظيره أتى عليه إذا اهلكه من أتى ________________________________________ " صفحة رقم 499 " عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم ) فأصبح يقلب كفيه ( ظهرا لبطن تلهفا وتحسرا ) على ما أنفق فيها ( في عمارتها وهو متعلق ب ) يقلب ( لان تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل فأصبح يندم أو حال أي متحسرا على ما انفق فيها ) وهي خاوية ( ساقطة ) على عروشها ( بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها ) ويقول ( عطف على ) يقلب ( أو حال من ضميره ) يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ( كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم انه أتى من قبل شركة فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يهلك الله بستانه ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندما على ما سبق منه الكهف : ( 43 ) ولم تكن له . . . . . ) ولم تكن له فئة ( وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه ) ينصرونه ( يقدرون نصره بدفع الاهلاك أو رد المهلك أو الاتيان بمثله ) من دون الله ( فإنه القادر على ذلك وحده ) وما كان منتصرا ( وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام الله منه الكهف : ( 44 ) هنالك الولاية لله . . . . . ) هنالك ( في ذلك المقام وتلك الحال ) الولاية لله الحق ( النصرة له وحده لا يقدر عليها غير تقديرا لقوله ) ولم تكن له فئة ينصرونه ( أو نصر فيها اولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر اخاه المؤمن ويعضده قوله ) هو خير ثوابا وخير عقبا ( أي لاوليائه وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هناك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه أو لا يعبد غيره كقوله تعالى ) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ( فيكون تنبيها على أن قوله ) يا ليتني لم أشرك ( كان عن اضطرار ________________________________________ " صفحة رقم 500 " وجزع مما دهاه وقيل ) هنالك ( إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي ) الحق ( بالرفع صفة للولاية وقرئ بالنصب على المصر المؤكد وقرأ عاصم وحمزة ) عقبا ( بالسكون وقرئ ) عقبى ( وكلها بمعنى العاقبة الكهف : ( 45 ) واضرب لهم مثل . . . . . ) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ( واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة ) كماء ( هي كماء ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ل ) اضرب ( على انه بمعنى صير ) أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ( فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته ) فأصبح هشيما ( مهشوما مكسورا ) تذروه الرياح ( تفرقه وقرئ / تذريه / من اذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة وهي حال النبات المنبت بالماء يكون اخضر وارفا ثم هشيما تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن ) وكان الله على كل شيء ( من الانشاء والافناء ) مقتدرا ( قادرا الكهف : ( 46 ) المال والبنون زينة . . . . . ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( يتزين بها الإنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب ) والباقيات الصالحات ( واعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها ابد الاباد ويندرج فيها ما ________________________________________ " صفحة رقم 501 " فسرت به من الصلوات الخمس واعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر والكلام الطيب ) خير عند ربك ( من المال والبنين ) ثوابا ( عائذة ) وخير أملا ( لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا الكهف : ( 47 ) ويوم نسير الجبال . . . . . ) ويوم نسير الجبال ( واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو أو نذهب في الجو أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثا ويجوز عطفه على ) عند ربك ( أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ / تسير / من سارت ) وترى الأرض بارزة ( بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها وقرئ وترى على بناء المفعول ) وحشرناهم ( وجمعناهم إلى الموقف ومجيئه ماضيا بعد ________________________________________ " صفحة رقم 502 " ) نسير ( ) وترى ( لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسييير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم وعلى هذا تكون الواو للحال بإذمار قد ) فلم نغادر ( فلم نترك ) منهم أحدا ( يقال غادره واغدره إذا تركه ومنه العدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السير وقرئ بالياء الكهف : ( 48 ) وعرضوا على ربك . . . . . ) وعرضوا على ربك ( شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم ) صفا ( مصطفين لا يحجب أحد أحدا ) لقد جئتمونا ( على اضمار القول على وجه يكون حالا أو عاملا في يوم نسير ) كما خلقناكم أول مرة ( عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله ) ولقد جئتمونا فرادى ( أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله ) بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ( وقتا لانجاز الوعد بالبعث والنشور وان الأنبياء كذبوكم به وبل للخروج من قصة إلى أخرى الكهف : ( 49 ) ووضع الكتاب فترى . . . . . ) ووضع الكتاب ( صحائف الأعمال في الإيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع الحساب ) فترى المجرمين مشفقين ( خائفين ) مما فيه ( من الذنوب ) ويقولون يا ويلتنا ( ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات ) ما لهذا الكتاب ( تعجبا من شأنه ) لا يغادر صغيرة ( ________________________________________ " صفحة رقم 503 " هنة صغيرة ) ولا كبيرة إلا أحصاها ( إلا عددها واحاط بها ) ووجدوا ما عملوا حاضرا ( مكتوبا في الصحف ) ولا يظلم ربك أحدا ( فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله الكهف : ( 50 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . . ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ( كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعه قرر ذلك بأنه من سنن إبليس أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان زهدهم اولا في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وابقى من انفسها واعلاها ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن ) كان من الجن ( حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل ما له لم يسجد فقيل كان من الجن ) ففسق عن أمر ربه ( فخرج عن آمره بترك السجود والفاء للسبب وفيه دليل على أن الملك لا يعصى ________________________________________ " صفحة رقم 504 " البتة وانما عصى إبليس لانه كان جنيا في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة البقرة ) أفتتخذونه ( اعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للانكار والتعجب ) وذريته ( اولاده أو اتباعه وسماهم ذرية مجازا ) أولياء من دوني ( فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي ) وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ( من الله تعالى إبليس وذريته الكهف : ( 51 ) ما أشهدتهم خلق . . . . . ) ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ( نفى احضار إبليس وذريته خلق السماوات والأرض واحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله ) وما كنت متخذ المضلين عضدا ( أي اعوانا ردا لاتخاذهم اولياء من دون الله شركاء له في العبادة فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها فوضع ) المضلين ( موضع الضمير ذما لهم واستبعادا للاعتضاد بهم وقيل الضمير للمشركين والمعنى ما اشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو ________________________________________ " صفحة رقم 505 " آمنا اتبعهم الناس كما يزعمون فلا تلتفت إلى قوهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن اعتضد بالمضلين لديني ويعضده قراءة من قرأ ) وما كنت ( على خطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ / متخذا المضلين / على الأصل و ) عضدا ( بالتخفيف و ) عضدا ( بالاتباع و ) عضدا ( كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه الكهف : ( 52 ) ويوم يقول نادوا . . . . . ) ويوم يقول ( أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون ) نادوا شركائي الذين زعمتم ( أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي واضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه وقيل إبليس وذريته ) فدعوهم ( فنادوهم للاغاثة ) فلم يستجيبوا لهم ( فلم يغيثوهم ) وجعلنا بينهم ( بين الكفار وآلهتهم ) موبقا ( مهلكا يشتركون فيه وهو النار أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا و ) موبقا ( اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة الكهف : ( 53 ) ورأى المجرمون النار . . . . . ) ورأى المجرمون النار فظنوا ( فأيقنوا ) أنهم مواقعوها ( مخالطوها واقعون فيها ) ولم يجدوا عنها مصرفا ( انصرافا أو مكانا ينصرفون إليه الكهف : ( 54 ) ولقد صرفنا في . . . . . ) ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ( من كل جنس يحتاجون إليه ) وكان الإنسان أكثر شيء ( يتأتى منه الجدل ) جدلا ( خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز الكهف : ( 55 ) وما منع الناس . . . . . ) وما منع الناس أن يؤمنوا ( من الإيمان ) إذ جاءهم الهدى ( وهو الرسول الداعي والقرآن المبين ) ويستغفروا ربهم ( ومن الاستغفار من الذنوب ) إلا أن تأتيهم سنة الأولين ( إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين وهي الاستئصال فحذف ________________________________________ " صفحة رقم 506 " المضاف واقيم المضاف إليه مقامه ) أو يأتيهم العذاب ( عذاب الآخرة ) قبلا ( عيانا وقرأ الكوفيون ) قبلا ( بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع وقرئ بفتحتين وهو أيضا لغة يقال لقيته مقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وانتصابه على الحال من الضمير أو ) العذاب ) الكهف : ( 56 ) وما نرسل المرسلين . . . . . ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ( للمؤمنين والكافرين ) ويجادل الذين كفروا بالباطل ( باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات والسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها تعنتا ) ليدحضوا به ( ليزيلوا بالجدال ) الحق ( عن مقره ويبطلوه من ادحاض القدم وهو ازلاقها وذلك قوهم للرسل ) ما أنتم إلا بشر مثلنا ( ) ولو شاء الله لأنزل ملائكة ( ونحو ذلك ) واتخذوا آياتي ( يعني القرآن ) وما أنذروا ( وانذارهم أو والذي انذروا به من العقاب ) هزوا ( استهزاء وقرئ / هزأ / بالسكون وهو ما يستهزأ به على التقديرين الكهف : ( 57 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ( بالقرآن ) فأعرض عنها ( فلم يتدبرها ولم يتذكر بها ) ونسي ما قدمت يداه ( من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما ) إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ( تعليل لاعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم ) أن يفقهوه ( كراهة أن يفقهوه وتذكير الضمير وافراده للمعنى ) وفي آذانهم وقرا ( يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه ) وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ( تحقيقا ولا تقليدا لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون وإذا كما عرفت جزاء وجواب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على تقدير قوله ما لي ادعوهم فإن حرصه ( صلى الله عليه وسلم ) على إسلامهم يدل عليه الكهف : ( 58 ) وربك الغفور ذو . . . . . ) وربك الغفور ( البليغ المغفرة ) ذو الرحمة ( الموصوف بالرحمة ) لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب ( استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة ________________________________________ " صفحة رقم 507 " رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بل لهم موعد ( وهو يوم بدر أو يوم القيامة ) لن يجدوا من دونه موئلا ( منجأ ولا ملجأ يقال وأل إذا نجاووأل إليه إذا لجأ إليه الكهف : ( 59 ) وتلك القرى أهلكناهم . . . . . ) وتلك القرى ( يعني قرى عاد وثمود اضرابهم ) وتلك ( مبتدأ خبره ) أهلكناهم ( أو مفعول مضمر مفسر به و ) القرى ( صفته ولا بد من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضمائر ) لما ظلموا ( كقريش بالتكذيب والمراء وانواع المعاصي ) وجعلنا لمهلكهم موعدا ( لإهلاكهم وقتا لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فيعتبروا بهم ولا يغتروا بهم ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم وقرأ أبو بكر ) لمهلكهم ( بفتح الميم واللام أي لهلاكهم وحفص بكسر اللام حملا على ما شذ من مصادر يفعل كالمرجع والمحيض الكهف : ( 60 ) وإذ قال موسى . . . . . ) وإذ قال موسى ( مقدر باذكر ) لفتاه ( يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده ) لا أبرح ( أي لا أزال اسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله ) حتى أبلغ مجمع البحرين ( من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه ويجوز أن يكون اصله لا يبرح مسيري حتى ابلغ على أن حتى ابلغ هو الخبر فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه فانقلب الضمير والفعل وان يكون ) لا أبرح ( هو بمعنى لا ازول عما أنا عليه من السير والطلب ولا افارقه فلا يستدعي الخبر و ) مجمع البحرين ( ملتقى بحري فارس ولروم مما يلي المشرق وعد ________________________________________ " صفحة رقم 508 " لقاء الخضر فيه وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسالم فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن وقرئ ) مجمع ( بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشر والمطلع ) أو أمضي حقبا ( أو اسير زمانا طويلا والمعنى حتى يقع أما بلوغالمجمع أو مضي الحقب أو حتى ابلغ إلا أن امضي زمانا اتيقن معه فوات المجمع والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون روي أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له هل تعلم احدا اعلم منك فقال لا فأوحى الله إليه بل اعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين وكان الخضر في أيام افريدون وكان على مقدمة ذي القرني الأكبر وبقي إلى أيام موسى وقيل أن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك احب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك اقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك اعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ________________________________________ " صفحة رقم 509 " فقال أن كان في عبادك اعلم نمي فادللني عليه قال اعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان الكهف : ( 61 ) فلما بلغا مجمع . . . . . ) فلما بلغا مجمع بينهما ( أي مجمع البحرين و ) بينهما ( ظرف اضيف إليه على التساع أو بمعنى الوصل ) نسيا حوتهما ( نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر روي أن موسى عليه السلام ورقد فاضطرب الحوت المشوي ووثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء وقيل نسيا تفقد آمره وما يكون منه امارة على الظفر بالمطلوب ) فاتخذ سبيله في البحر سربا ( فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا من قوله ) وسارب بالنهار ( وقيل امسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ الكهف : ( 62 ) فلما جاوزا قال . . . . . ) فلما جاوزا ( مجمع البحرين ) قال لفتاه آتنا غداءنا ( ما نتغدى به ) لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر القي عليه الجوع والنصب وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الاشارة الكهف : ( 63 ) قال أرأيت إذ . . . . . ) قال أرأيت إذ أوينا ( أرأيت ما دهاني إذ اوينا ) إلى الصخرة ( يعني الصخرة التي ________________________________________ " صفحة رقم 510 " رقد عندها موسى وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت ) فإني نسيت الحوت ( فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه ) وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ( أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإنه ) أن أذكره ( بدل من الضمير وقرىء / أن أذكركه / وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة امثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة وإنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بإحداهما عن الآخر يعد من نقصان ) واتخذ سبيله في البحر عجبا ( سبيلا عجبا وهو كونه كالسرب أو اتخاذا عجبا والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه أو موسى في جوابه عجبا تعجبا من تلك الحال وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا الكهف : ( 64 ) قال ذلك ما . . . . . ) قال ذلك ( أي أمر الحوت ) ما كنا نبغ ( نطلب لأنه امارة المطلوب ) فارتدا على آثارهما ( فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه ) قصصا ( يقصان قصصا أن يتبعان آثارهما ابتاعا أو مقتصين حتى اتيا الصخرة الكهف : ( 65 ) فوجدا عبدا من . . . . . ) فوجدا عبدا من عبادنا ( الجهور على انه الخضر عليه السام واسمه بلي بن ملكان وقيل اليسع وقيل اليأس ) آتيناه رحمة من عندنا ( هي الوحي والنبوة ) وعلمناه من لدنا علما ( مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب ________________________________________ " صفحة رقم 511 " الكهف : ( 66 ) قال له موسى . . . . . ) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن ( على شرط أن تعلمني وهو في موضع الحال من الكاف ) مما علمت رشدا ( علما ذا رشد وهو اصابة الخير وقرأ البصريان بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخر وه مفعول ) تعلمن ( ومفعول ) علمت ( العائد المحذوف وكلاهما منقولان من علم الذي له مفعول واحد ويجوز أن يكون رشدا علة لا تبعد أو مصدر إضمار فعله ولا ينافي نبوته وكنه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا ي أبواب الدين فإن الرسول ينبغي أن يكون اعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من اصول الدين وفروعه لا مطلقا وقد راعى في ذلك في غاية التواضع والادب فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعا له وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه الكهف : ( 67 - 68 ) قال إنك لن . . . . . ) قال إنك لن تستطيع معي صبرا ( نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم وعلل ذلك واعتذر عنه بقوله ) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ( أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك وخبرا تمييزا أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره ________________________________________ " صفحة رقم 512 " الكهف : ( 69 ) قال ستجدني إن . . . . . ) قال ستجدني إن شاء الله صابرا ( معك غير منكر عليك ) ولا أعصي لك أمرا ( عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص أو على ستجدني وتعليق الوعد بالمشيئة أما للتيمن وخلفه ناسيا لا يقدح في عصمته أو لعلمه بصعوبة الأمر فإن مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد فلا خلف وفيه دليل على أن افعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى الكهف : ( 70 ) قال فإن اتبعتني . . . . . ) قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ( فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء انكرته مني ولم تعلم وجه صحته ) حتى أحدث لك منه ذكرا ( حتى ابتدئك ببيانه وقرأ نافع وابن عامر ) فلا تسألني ( بالنون الثقيلة الكهف : ( 71 ) فانطلقا حتى إذا . . . . . ) فانطلقا ( على الساحل يطلبان السفينة ) حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ( اخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من الواحها ) قال أخرقتها لتغرق أهلها ( فإ خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها وقرئ ) لتغرق ( بالتشديد للتكثير وقرأ حمزة والكسائي / ليغرق أهلها / على إسناده إلى الاهل ) لقد جئت شيئا إمرا ( أتيت امرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم الكهف : ( 72 ) قال ألم أقل . . . . . ) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ( تذكير لما ذكره قبل الكهف : ( 73 ) قال لا تؤاخذني . . . . . ) قال لا تؤاخذني بما نسيت ( بالذي نسيته أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها وقيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة وقيل انه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسبه ) ولا ترهقني من أمري عسرا ( ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر ________________________________________ " صفحة رقم 513 " على متابعتك و ) عسرا ( مفعول ثاني لترهق فإنه يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه وقرئ ) عسرا ( بضمتين الكهف : ( 74 ) فانطلقا حتى إذا . . . . . ) فانطلقا ( أي بعد ما خرجا من السفينة ) حتى إذا لقيا غلاما فقتله ( قيل فتل عنقه وقيل ضرب برأسه الحائط وقيل اضجعه فذبحه والفاء للدلالة على انه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك ) قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ( أي طاهرة من الذنوب وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب زاكية والأول أبلغ وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت ولعله اختار الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد اذنبت ذنبا يقتضي قتلها أو قتلت نفسا فتقاد بها نبه به على أن القتل إنما يباح حدا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفا في الأولى في الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء لأن القتل اقبح والاعتراض عليه ادخل فكا جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله ) لقد جئت شيئا نكرا ( أي منكرا وقرأ نافع في رواية قالون وروش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر ) نكرا ( بضمتين الكهف : ( 75 ) قال ألم أقل . . . . . ) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( زاد فيه ) لك ( مكافحة بالعتاب على ________________________________________ " صفحة رقم 514 " رفض الوصية ووسما بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أو مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة الكهف : ( 76 ) قال إن سألتك . . . . . ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ( وان سألت صحبتك وعن يعقوب ) فلا تصاحبني ( أي فلا تجعلني صاحبك ) قد بلغت من لدني عذرا ( قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لابصر اعجب الاعاجيب وقرأ نافع ) من لدني ( بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله " قدني نم نصر الحبيبين قدى " وأبو بكر ) لدني ( بتحريك النون واسكان الضاد من عضد الكهف : ( 77 ) فانطلقا حتى إذا . . . . . ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ( قرية إنطاكية وقيل ابلة البصرة وقيل باج وان أرمينية ) استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ( وقرئ ) يضيفوهما ( من إضافة يقال ضافه إذا نزل به ضيفا وأضافه وضيفه انزله واصل التركيب للميل يقال ضاف السهم عن الغرض إذا مال ) فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ( يداني أن يسقط فاستعيرت الارادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم قال " يريد الرمع صدر أبي براء ويعدل عن دماء بني عقيل " وقال " إن دهرا يلم شملي بجمل لزمان يهم بالاحسان " وانقض انفعل من قضضه إذا كسرته ومنه انقضاض الطير والكواكب لهويه أو افعل من النقض وقبرئ ) أن ينقض ( و / أن ينقاض / بالصاد المهملة من انقاصت السن إذا انشقت طولا ) فأقامه ( بعمارته أو بعمود عمده به وقيل مسحه بيده فقام وقيل نقضه ________________________________________ " صفحة رقم 515 " وبناه ) قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ( تحريضا على اخذ الجعل لينتعشا به أو تعريضا بأنه فضول لما في ) لو ( من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه واتخذ افتعل من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين وقرأ ابن كثير والبصريان / لتخذت / أي لاخذت واظهر ابن كثير يعقوب وخفص الدال وادغمه الباقون الكهف : ( 78 ) قال هذا فراق . . . . . ) قال هذا فراق بيني وبينك ( الاشارة إلى الفراق الموعود بقوله ) فلا تصاحبني ( أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته واضافة الفراق إلى البين واضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع وقد قرئ على الأصل ) سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا من حيث الظاهر الكهف : ( 79 ) أما السفينة فكانت . . . . . ) أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ( لمحاويج وهودليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة اخوة خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر ) فأردت أن أعيبها ( أن اجعلها ذات عيب ) وكان وراءهم ملك ( قدامهم أو خلفهم وكان ________________________________________ " صفحة رقم 516 " رجوعهم عليه واسمه دلندي بن كركر وقيل منوار بن جلندي الازدي ) يأخذ كل سفينة غصبا ( من اصحابها وكان حق النظم أن يتأخر قوله ) فأردت أن أعيبها ( عن قوله ) وكان وراءهم ملك ( لان إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وانما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنه الملاك رتبه على اقوى الجزأين واعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم وقرئ / كل سفينة صالحة / والمعنى عليها الكهف : ( 80 ) وأما الغلام فكان . . . . . ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما ( أن يغضيهما ) طغيانا وكفرا ( لنعمتهما بعقوقه فليحقهما شرا أو يقرن بايمانهما طغيانه وكفره يجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر أو يديهما بعلته فيرتدا بإضلاله أو بممالأته على طغيانه وكفره حياله وانما خشي ذلك لأن الله تعالى اعلمه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نجدة الحروري كتب الهي كيف قتله وقد نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن قتل الولدان فكتب إليه إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل وقرئ / فخاف ربك / أي فكره كراهة من خاف سوء عاقبته ويجوز أن يكون قوله ) فخشينا ( حكاية قول الله عز وجل الكهف : ( 81 ) فأردنا أن يبدلهما . . . . . ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه ( أن يرزقهما ولدا خيرا منه ) زكاة ( طهارة من الذنوب والاخلاق الرديئة ) وأقرب رحما ( رحمة وعطفا على والديه قيل ولدت لهما ________________________________________ " صفحة رقم 517 " جارية فتزوجها نبي فولدت له نبيا هدى الله به أمة من الأمم وقرأ نافع وأبو عمرو / ويبدلهما / بالتشديد وابن عامر ويعقوب وعاصم ) رحما ( بالتخفيف وانتصابه على التمييز والعامل اسم التفضيل وكذلك ) زكاة ) الكهف : ( 82 ) وأما الجدار فكان . . . . . ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ( قيل اسمهما اصر وصريم واسم المقتول جيسور ) وكان تحته كنز لهما ( من ذهب وفضة روي ذلك مرفوعا والذم على كنزهما في قوله تعالى ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق وقيل من كتب العلم وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا اله إلا الله محمد رسول الله ) وكان أبوهما صالحا ( تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه قيل كان بينهما وبين الاب الذي حفظا ________________________________________ " صفحة رقم 518 " سبعة آباء وكان سياحا واسمه كاشح ) فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ( أي الحلم وكمال الرأي ) ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ( مرحومين من ربك ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن إرادة الخير رحمة وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت رحمة من ربك ولعل اسناد الارادة اولا إلى نفسه لانه المباشرك للتعيب وثانيا إلى الله والى نفسه لان التبديل باهلاك الغلام ويجاد الله بدله وثالثا إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين أو لان الأول في نفسه شر والثالث خير والثاني ممتزج أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط ) وما فعلته ( وما فعلت ما رأيته ) عن أمري ( عن رأي وانما فعلته بأمر الله عز وجل ومبنى ذلك على انه إذا تعارض ضرران يجب تحمل اهونهما لدفع اعظمهما وهو اصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلة ) ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ( أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى انكار ما لم يستحسنه فلعل فيه سرا لا يعرفه وان يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ويراعي الأدب في المقابل وان ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق اصراره ثم يهاجر عنه ________________________________________ " صفحة رقم 519 " الكهف : ( 83 ) ويسألونك عن ذي . . . . . ) ويسألونك عن ذي القرنين ( يعني اسكندر الرومي ملك فارس والروم وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين أو لانه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها وقيل لانه انقرض في أيامه قرنان من الناس وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان وقيل كان لتاجه قرنان ويحتمل انه لقب بذلك لشجاته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح اقرانه واختلف في نبوته مع الاتفاق على ايمانه وصلاحه والسائلون هم اليهود سألوه امتحانا أو مشركو مكة ) قل سأتلو عليكم منه ذكرا ( خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين وقيل لله الكهف : ( 84 ) إنا مكنا له . . . . . ) إنا مكنا له في الأرض ( أي مكنا له آمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول ) وآتيناه من كل شيء ( اراده وتوجه إليه ) سببا ( وصلة توصلة إليه من العلم والقدرة والالة ________________________________________ " صفحة رقم 520 " الكهف : ( 85 ) فأتبع سببا ) فأتبع سببا ( أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سببا يوصله إليه وقرأ الكوفيون وابن عامر بقطع الألف مخففة التاء الكهف : ( 86 ) حتى إذا بلغ . . . . . ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ( ذات حمأ من حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ) حامية ( أي حارة ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين أو ) حمية ( على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال ) وجدها تغرب ( ولم يقل كانت تغرب وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ ) حامية ( فقال ) حمئة ( فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة ) ووجد عندها ( عند تلك العين ) قوما ( قيل كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر وكانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان كما حكى بقوله ) قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب ( أي بالقتل على كفرهم ) وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( بالإرشاد وتعليم الشرائع وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيده الأول الكهف : ( 87 ) قال أما من . . . . . وقوله ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( أي فاختار الدعوة وقال أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل ثم يعذبه الله في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله الكهف : ( 88 ) وأما من آمن . . . . . ) وأما من آمن وعمل صالحا ( وهو ما يقتضيه الإيمان ) فله ( في الدارين ) جزاء الحسنى ( ________________________________________ " صفحة رقم 521 " فعلته الحسنى وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص ) جزاء ( منونا منصوبا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيا بها أو على المصدر لفعله المقدر حالا أي يجزي بها جزاء أو التمييز وقرئ منصوبا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونا مرفوعا على انه المبتدأ و ) الحسنى ( بدله ويجوز أن يكون ) أما ( وما للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم أما التعذيب واما الاحسان فالأول لمن اصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه ونداء الله إياه أن كان نبيا فبوحي وان كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي ) وسنقول له من أمرنا ( بما نأمر به ) يسرا ( سهلا ميسرا غير شاق وتقديره ذا يسر وقرئ بضمتين الكهف : ( 89 ) ثم أتبع سببا ) ثم أتبع سببا ( ثم اتبع طريقا يوصله إلى المشرق الكهف : ( 90 ) حتى إذا بلغ . . . . . ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس ( يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وقرئ بفتح اللام على اضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر ) وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ( من اللباس أو البناء فإن ارضهم لا تمسك الابنية أو انهم اتخذوا الاسراب بدل الابنية الكهف : ( 91 ) كذلك وقد أحطنا . . . . . ) كذلك ( أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو ) نجعل ( أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب علهيم الشمس في الكفر والحكم ) وقد أحطنا بما لديه ( من الجنود الآلات والعدد والاسباب ) خبرا ( علما تعلق بظواهره وخفاياه والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير الكهف : ( 92 ) ثم أتبع سببا ) ثم أتبع سببا ( يعني طريقا ثالثا معرضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال ________________________________________ " صفحة رقم 522 " الكهف : ( 93 ) حتى إذا بلغ . . . . . ) حتى إذا بلغ بين السدين ( بين الجبلين المبني بينهما سده وهما جبلا أرمينية واذربيجان وقيل جبلان منفان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب ) بين السدين ( بالضم وهما لغتان وقيل المضموم لخا خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لانه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة ) وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم وقرأ حمزة والكسائي ) لا يفقهون ( أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه الكهف : ( 94 ) قالوا يا ذا . . . . . ) قالوا يا ذا القرنين ( أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال / الذين من دونهم / ) إن يأجوج ومأجوج ( قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل وهما اسمان اعجميان بدليل منع الصرف وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع واصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث ) مفسدون في الأرض ( ________________________________________ " صفحة رقم 523 " أي في ارضنا بالقتل والتخريب واتلاف الزرع قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون اخضر إلا اكلوه ولا يابسا إلا احتملوه وقيل كانوا يأكلون الناس ) فهل نجعل لك خرجا ( نخرجه من اموالنا وقرأ حمزة والكسائي / خراجا / وكلاهما واحد كالنول والنوال وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر ) على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم السدين غير حمزة والكسائي الكهف : ( 95 ) قال ما مكني . . . . . ) قال ما مكني فيه ربي خير ( ما جعلني فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه وقرأ ابن كثير / مكنني / على الأصل ) فأعينوني بقوة ( أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات ) أجعل بينكم وبينهم ردما ( حاجزا حصينا وهو اكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعا فوق رقاع الكهف : ( 96 ) آتوني زبر الحديد . . . . . ) آتوني زبر الحديد ( قطعه والزبرة القطعة الكبيرة وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لان الايتاء بمعنى المناولة ويدل عليه قراءة أبي بكر / ردما ائتوني / بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد والباء محذوفة حذفها في امرتك الخير ولان اعطاء الآلة من الاعانة بالقوة دون الخراج على العمل ) حتى إذا ساوى بين الصدفين ( بين جانبي الجبلين بتنضيدها وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين أبو بكر بضم الصاد وسكون الدال وقرئ بفتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لان كلا منهما منعزل عنالاخر ومنه التصادف للتقابل ) قال انفخوا ( أي قال للعملة انفخوا في الاكوار والحديد ) حتى إذا جعله ( جعل المنفوخ فيه ) نارا ( كالنار بالاحماء ) قال آتوني أفرغ عليه قطرا ( أي اتوني قطرا أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه وبه تمسك البصريون على أن أعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد اولى إذ لو كان قطرا مفعول افرغ حذرا ________________________________________ " صفحة رقم 524 " من الالباس وقرأ حمزة وأبو بكر قال أتوني موصولة الألف الكهف : ( 97 ) فما اسطاعوا أن . . . . . ) فما اسطاعوا ( بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين وقرأ حمزة بالادغام جامعا بين الساكنين على غير حده وقرئ بقلب السين صادا ) أن يظهروه ( أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه ) وما استطاعوا له نقبا ( لثخنه وصلابته وقيل حفر للاساس حتى بلغ الماء وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى اعلى الجبلين ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها الكهف : ( 98 ) قال هذا رحمة . . . . . ) قال هذا ( هذا السد أو الاقدار على تسويته ) رحمة من ربي ( على عباده ) فإذا جاء وعد ربي ( وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة ) جعله دكا ( مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل ادك لمنبسط السنام وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي ارضا مستوية ) وكان وعد ربي حقا ( كائا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين الكهف : ( 99 ) وتركنا بعضهم يومئذ . . . . . ) وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ( وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون انسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله ) ونفخ في الصور ( لقيام الساعة ) فجمعناهم جمعا ( للحساب والجزاء الكهف : ( 100 ) وعرضنا جهنم يومئذ . . . . . ) وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( وابرزناها واظهرناها لهم الكهف : ( 101 ) الذين كانت أعينهم . . . . . ) الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ( عن آياتي التي ينظر إليها فاذكر بالتوحيد والتعظيم ) وكانوا لا يستطيعون سمعا ( استماعا لذكري وكلامي لإفراط صممهم عن الحق فإن الاصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم اصمت مسامعهم بالكلية الكهف : ( 102 ) أفحسب الذين كفروا . . . . . ) أفحسب الذين كفروا ( افظنوا والاستفهام للانكار ) أن يتخذوا عبادي ( اتخاذهم الملائكة والمسيح ) من دوني أولياء ( معبودين نافعهم أو لا أعذبهم به فحذف المفعول ________________________________________ " صفحة رقم 525 " الثاني كما يحذف الخبر للقرينة أو سد أن يتخذوا مسد مفعوليه وقرئ ) أفحسب الذين كفروا ( أي إفكا فيهم في النجاة وان بما في حيزها مرتفع بأنه فاعل حسب فإن النعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل أو خبر له ) إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ما يقام للنزيل وفيه تهكم وتنبيه على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه الكهف : ( 103 ) قل هل ننبئكم . . . . . ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم الكهف : ( 104 ) الذين ضل سعيهم . . . . . ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ( ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم واخراهم ومحله الرفع على الخبر المحذوف فأنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( بعجبهم واعتقادهم انهم على الحق الكهف : ( 105 ) أولئك الذين كفروا . . . . . ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ( بالقرآن أو بدلائله المنصوبة على التوحيد ________________________________________ " صفحة رقم 526 " والنبوة ) ولقائه ( بالبعث على ما هو عليه أو لقاء عذابه ) فحبطت أعمالهم ( بكفرهم فلا يثابون عليها ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا أو لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لانحباطها الكهف : ( 106 ) ذلك جزاؤهم جهنم . . . . . ) ذلك ( أي الأمر ذلك وقوله ) جزاؤهم جهنم ( جملة مبينة له ويجوز أن يكون ) ذلك ( مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به أو جزاؤهم بدله و ) جهنم ( خبره أو ) جزاؤهم ( خبره و ) جهنم ( عطف بيان للخبر ) بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ( أي بسبب ذلك الكهف : ( 107 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( فيما سبق من حكم الله ووعده و ) الفردوس ( اعلى درجات الجنة واصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل الكهف : ( 108 ) خالدين فيها لا . . . . . ) خالدين فيها ( حال مقدرة ) لا يبغون عنها حولا ( تحولا إذ لا يجدون اطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود الكهف : ( 109 ) قل لو كان . . . . . ) قل لو كان البحر مدادا ( ما يكتب به وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة ________________________________________ " صفحة رقم 527 " والسليط للسراج ) لكلمات ربي ( لكلمات علمه وحكمته ) لنفد البحر ( لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه ) قبل أن تنفد كلمات ربي ( فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه وقرأ حمزة والكسائي بالياء ) ولو جئنا بمثله ( بمثل البحر الموجود ) مددا ( زيادة ومعونة لان مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهي الابعاد والمتناهي ينفذ قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة وقرئ ) ينفد ( بالياء و ) مددا ( بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومدادا وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم ) ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ( وتقرؤون ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الكهف : ( 110 ) قل إنما أنا . . . . . ) قل إنما أنا بشر مثلكم ( لا ادعي الاحاطة على كلماته ) يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( وانما تميزت عنكم بذلك ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه ) فليعمل عملا صالحا ( يرتضيه الله ) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( بأن يرائيه أو يطلب منه اجرا روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إني لاعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال إن الله لا يقبل ما شورك فيه فنزلت تصديقا له وعنه ________________________________________ " صفحة رقم 528 " ( صلى الله عليه وسلم ) اتقوا الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الاصغر قال الرياء والاية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والاخلاص في الطاعة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأها عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم فإن كان مضجعه بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء ________________________________________