تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت) الكتاب : تفسير البيضاوى ـ موافق للمطبوع المؤلف : البيضاوي دار النشر : دار الفكر - بيروت عدد الأجزاء / 5 [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ] " صفحة رقم 3 " سورة مريم وهي ثمان أو تسع وتسعون آية بسم الله الرحمن الرحيم مريم : ( 1 ) كهيعص ) كهيعص ( أمال أبو عمرو الهاء لأن ألفات أسماء التهجي ياءات وابن عامر وحمزة الياء والكسائي وأبو بكر كليهما ونافع بين بين ونافع وابن كثير وعاصم يظهرون دال الهجاء عند الذال والباقون يدغمونها مريم : ( 2 ) ذكر رحمة ربك . . . . . ) ذكر رحمة ربك ( خبر ما قبله إن أول السورة أو بالقرآن فإنه مشتمل عليه أو خبر محذوف أي هذا المتلو ) ذكر رحمة ربك ( أو مبتدأ حذف خبره أي فيما يتلى عليك ذكرها وقرىء ) ذكر رحمة ( على الماضي و ذكر على الأمر ) عبده ( مفعول الرحمة أو الذكر على أن الرحمة فاعله على الإتساع كقولك ذكرني جود زيد ) زكريا ( بدل منه أو عطف بيان له مريم : ( 3 ) إذ نادى ربه . . . . . ) إذ نادى ربه نداء خفيا ( لأن الإخفاء والجهر عند الله سيان والإخفاء أشد إخباتا وأكثر إخلاصا أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين ________________________________________ " صفحة رقم 4 " خافهم أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته واختلف في سنه حينئذ فقيل ستون وقيل سبعون وقيل خمس وسبعون وقيل خمس وثمانون وقيل تسع وتسعون مريم : ( 4 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني وهن العظم مني ( تفسير للنداء والوهن الضعف وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بنائه ولأنه أصلب ما فيه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن وتوحيد لأن المراد به الجنس وقرىء و ) هن ( و ) وهن ( بالضم والكسر ونظيره كمل بالحركات الثلاث ) واشتعل الرأس شيبا ( شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها ثم أخرجه مخرج الإستعارة وأسند الإشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة وجعله مميزا إيضاحا للمقصود واكتفى باللام على الإضافة للدلالة على أن علم المخاطب بتعين المراد يغني عن التقيد ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ( بل كلما دعوتك استجبت لي وهو توسل بما سلف معه من الإستجابة وتنبيه على أن المدعو له وإن لم يكن معتادا فإجابته معتادة وأنه تعالى عوده بالإجابة وأطمعه فيها ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه مريم : ( 5 ) وإني خفت الموالي . . . . . ) وإني خفت الموالي ( يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته ويبدلوا عليهم دينهم ) من ورائي ( بعد موتي وعن ابن كثير ________________________________________ " صفحة رقم 5 " بالمد والقصر بفتح الياء وهو يتعلق بمحذوف أو بمعنى الموالي أي خفت فعل الموالي من ورائي أو الذين يلون الأمر من ورائي وقرىء خفت الموالي من ورائي أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعدي أو خفوا ودرجوا قدامي فعلى هذا كان الظرف متعلقا ب ) خفت ( ) وكانت امرأتي عاقرا ( لا تلد ) فهب لي من لدنك ( فإن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك فإني وامرأتي لا نصلح للولادة ) وليا ( من صلبي مريم : ( 6 ) يرثني ويرث من . . . . . ) يرثني ويرث من آل يعقوب ( صفتان له وجزمهما أبو عمرو والكسائي على أنهما جواب الدعاء والمراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال وقيل يرثني الحبورة فإنه كان حبرا ويرث من آل يعقوب الملك وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام وقيل يعقوب كان أخا زكريا أو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام وقرىء يرثني وارث آل يعقوب على الحال من أحد الضميرين وأو يرث بالتصغير لصغره ووارث من آل يعقوب على أنه فاعل ) يرثني ( وهذا يسمى التجريد في علم البيان لأنه جرد عن المذكور أولا مع أنه المراد ) واجعله رب رضيا ( ترضاه قولا وعملا ________________________________________ " صفحة رقم 6 " مريم : ( 7 ) يا زكريا إنا . . . . . ) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ( جواب لندائه ووعد بإجابة دعائه وإنما توالي تسميته تشريفا له ) لم نجعل له من قبل سميا ( لم يسم أحد بيحيى قبله وهو شاهد بأن التسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمى وقيل سميا شبيها كقوله تعالى ) هل تعلم له سميا ( لأن المتماثلين يتشاركان في الاسم والأظهر أنه أعجمي وإن كان عربيا فمنقول عن فعل كيعيش ويعمر وقيل سمي به لأنه حيي به رحم أمه أو لأن دين الله حيي بدعوته مريم : ( 8 - 9 ) قال رب أنى . . . . . ) قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ( جساوة وقحولا في المفاصل وأصله عتو وكقعود فاستثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء ثم قلبت الثانية وأدغمت وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) عتيا ( ________________________________________ " صفحة رقم 7 " بالكسر وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بأن المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة ولذلك قال أي الله تعالى أو الملك المبلغ للبشارة تصديقا له ) كذلك ( الأمر كذلك ويجوز أن تكون الكاف منصوبة ب قال في ) قال ربك ( وذلك إشارة إلى مبهم يفسره ) هو علي هين ( ويؤيد الأول قراءة من قرأ وهو على هين أي الأمر كما قلت أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي أو كما وعدت وهو علي هين لا أحتاج فيما أريد أن أفعله إلى الأسباب ومفعول قال الثاني محذوف ) وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( بل كنت معدوما صرفا وفيه دليل على أن المعدوم ليس بشيء وقرأ حمزة والكسائي وقد خلقناك مريم : ( 10 ) قال رب اجعل . . . . . ) قال رب اجعل لي آية ( علامة أعلم بها وقوع ما بشرتني به ) قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( سوي الخلق ما بك من خرس ولا بكم وإنما ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران للدلالة على أنه استمر عليه المنع من كلام الناس والتجرد للذكر والشكر ثلاثة أيام ولياليهن مريم : ( 11 ) فخرج على قومه . . . . . ) فخرج على قومه من المحراب ( من المصلى أو من الغرفة ) فأوحى إليهم ( فأومأ إليهم لقوله ) إلا رمزا ( وقيل كتب لهم على الأرض ) أن سبحوا ( صلوا أو نزهوا ربكم ) بكرة وعشيا ( طرفي النهار ولعله كان مأمورا بأن يسبح ويأمر قومه بأن يوافقوه و ) إن ( تحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون مفسرة ________________________________________ " صفحة رقم 8 " مريم : ( 12 ) يا يحيى خذ . . . . . ) يا يحيى ( على تقدير القول ) خذ الكتاب ( التوراة ) بقوة ( بجد واستظهار بالتوفيق ) وآتيناه الحكم صبيا ( يعني الحكمة وفهم التوراة وقيل النبوة أحكم الله عقله في صباه واستنبأه مريم : ( 13 ) وحنانا من لدنا . . . . . ) وحنانا من لدنا ( ورحمة منا عليه وتعطفا في قلبه على أبويه وغيرهما عطف على الحكم ) وزكاة ( وطهارة من الذنوب أو صدقة أي تصدق الله به على أبويه أو مكنه ووفقه للتصديق على الناس ) وكان تقيا ( مطيعا متجنبا عن المعاصي مريم : ( 14 ) وبرا بوالديه ولم . . . . . ) وبرا بوالديه ( وبارا بهما ) ولم يكن جبارا عصيا ( عاقا أو عاصي ربه مريم : ( 15 ) وسلام عليه يوم . . . . . ) وسلام عليه ( من الله ) يوم ولد ( من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم ) ويوم يموت ( من عذاب القبر ) ويوم يبعث حيا ( من عذاب النار القيامة مريم : ( 16 ) واذكر في الكتاب . . . . . ) واذكر في الكتاب ( في القرآن ) مريم ( يعني قصتها ) إذ انتبذت ( اعتزلت بدل من ) مريم ( بدل الاشتمال لأن الأحيان مشتملة على ما فيها أو بدل الكل لأن المراد ب ) مريم ( قصتها وبالظرف الأمر الواقع فيه وهما واحد أو ظرف لمضاف مقدر وقيل ) إذ ( بمعنى أن المصدرية كقولك أكرمتك إذ لم تكرمني فتكون بدلا لا محالة ) من أهلها مكانا شرقيا ( شرقي بيت المقدس أو شرقي دارها ولذلك اتخذ النصارى المشرق قبلة ومكانا ظرف أو مفعول لأن ) انتبذت ( متضمن معنى أتت مريم : ( 17 ) فاتخذت من دونهم . . . . . ) فاتخذت من دونهم حجابا ( سترا ) فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( قيل قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض متحجبة بشيء يسترها وكانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت وتعود إليه إذا طهرت فبينما هي في مغتسلها أتاها جبريل عليه السلام متمثلا بصورة شاب أمرد سوي الخلق لتستأنس بكلامه ولعله لتهييج ________________________________________ " صفحة رقم 9 " شهوتها به فتنحدر نطفتها إلى رحمها مريم : ( 18 ) قالت إني أعوذ . . . . . ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك ( من غاية عفافها ) إن كنت تقيا ( تتقي الله وتحتفل بالاستعاذة وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي فإني عائذة منك أو فتتعظ بتعويذي أو فلا تتعرض لي ويجوز أن يكون للمبالغة أي إن كنت تقيا متورعا فإني أتعوذ منك فكيف إذا لم تكن كذلك مريم : ( 19 ) قال إنما أنا . . . . . ) قال إنما أنا رسول ربك ( الذي استعذت به ) لأهب لك غلاما ( أي لأكون سببا في هبته في بالنفخ في الدرع ويجوز أن يكون حكاية لقول الله تعالى ويؤيده قراءة أبي عمرو والأكثر عن نافع ويعقوب بالياء ) زكيا ( طاهرا من الذنوب أو ناميا على الخير أي مترقيا من سن إلى سن على الخير والصلاح مريم : ( 20 ) قالت أنى يكون . . . . . ) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ( ولم يباشرني رجل بالحلال فإن هذه الكنايات إنما تطلق فيه أما الزنا فإنما يقال فيه خبث بها وفجر ونحو ذلك ويعضده عطف قوله ) ولم أك بغيا ( عليه وهو فعول من البغي قلبت واوه ياء وأدغمت ثم كسرت الغين اتباعا ولذلك لم تلحقه التاء أو فعيل بمعنى فاعل ولم تلحقه التاء لأنه للمبالغة أو للنسب كطالق مريم : ( 21 ) قال كذلك قال . . . . . ) قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله ( أي ونفعل ذلك لنجعله آية أو لنبين به ________________________________________ " صفحة رقم 10 " قدرتنا ولنجعله وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات ) آية للناس ( علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا ) ورحمة منا ( على العباد يهتدون بإرشاده و ) وكان أمرا مقضيا ( أي تعلق به قضاء الله في الأزل أو قدر وسطر في اللوح أو كان أمرا حقيقيا بأن يقضى ويفعل لكونه آية ورحمة مريم : ( 22 ) فحملته فانتبذت به . . . . . ) فحملته ( بأن الفتح في درعها فدخلت النفخة في جوفها وكان مدة حملها سبعة أشهر وقيل ستة وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره وقيل ساعة كما حملته نبذته وسنها ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين ) فانتبذت به ( فاعتزلت وهو في بطنها كقوله " تدوس بنا الجماجم والتريبا " والجار والمجرور في موضع الحال ) مكانا قصيا ( بعيدا من أهلها وراء الجبل وقيل أقصى الدار مريم : ( 23 ) فأجاءها المخاض إلى . . . . . ) فأجاءها المخاض ( فألجأها المخاض وهو في الأصل منقول من جاء لكنه خص به في الاستعمال كآتي في أعطى وقرئ المخاض بالكسر وهما مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد في بطنها للخروج ) إلى جذع النخلة ( لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة وهو مابين العرق والغصن وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء ________________________________________ " صفحة رقم 11 " والتعريف إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثم غيرها وكانت كالمتعالم عند الناس ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها ) قالت يا ليتني مت قبل هذا ( استحياء من الناس ومخافة لومهم وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر ) مت ( من مات يموت ) وكنت نسيا ( ما من شأنه ان ينسى ولا يطلب ونظيره الذبح لما يذبح وقرأ حمزة وحفص بالفتح وهو لغة فيه أو مصدر سمي به وقرئ به وبالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء ينسؤه لقلته ) منسيا ( منسي الذكر بحيث لا يخطر ببالهم وقرئ بكسر الميم على الاتباع مريم : ( 24 ) فناداها من تحتها . . . . . ) فناداها من تحتها ( عيسى وقيل جبريل كان يقبل الولد وقيل تحتها أسفل من مكانها وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وروح من تحتها بالكسر والجر على أن في نادى ضمير أحدهما وقيل الضمير في تحتها النخلة ) ألا تحزني ( أي لا تحزني أو بأن لا تحزني ) قد جعل ربك تحتك سريا ( جدولا هكذا روي مرفوعا وقيل سيدا من السرو وهو عيسى عليه الصلاة والسلام مريم : ( 25 - 26 ) وهزي إليك بجذع . . . . . ) وهزي إليك بجذع النخلة ( وأميليه إليك والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والإمالة به أو ) وهزي ( الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع ) تساقط عليك ( تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة وقرأ يعقوب بالياء وحفص تساقط من ساقطت بمعنى أسقطت وقرئ تتساقط وتسقط ويسقط فالتاء للنخلة والياء ________________________________________ " صفحة رقم 12 " للجذع ) رطبا جنيا ( تمييز أو مفعول روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء فهزتها فجعل الله تعالى لها رأسا وخوصا ورطبا وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال ) فكلي واشربي ( أي من الرطب وماء السري أو من الرطب وعصيره ) وقري عينا ( وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنك وقرىء وقري بالكسر وهو لغة نجد واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره أو من القرفان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه ) فإما ترين من البشر أحدا ( فإن تري آدما وقرىء ترئن على لغة من يقول لبأت بالحج لتآخ بين الهمزة وحرف اللين ) فقولي إني نذرت للرحمن صوما ( صمتا وقد قرىء به أو صياما وكانوا لا يتكلمون في صيامهم ) فلن أكلم اليوم إنسيا ( بعد أن أخبرتم بنذري وإنما أكلم الملائكة وأناجي ربي وقيل أخبرتهم بنذرها بالإشارة وأمرها بذلك لكراهة المجادلة و الإكتفاء بكلام عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه قاطع في قطع الطاعن ________________________________________ " صفحة رقم 13 " مريم : ( 27 ) فأتت به قومها . . . . . ) فأتت به ( أي مع ولدها ) قومها ( راجعة إليهم بعد ما طهرت من النفاس ) تحمله ( حاملة إياه ) قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ( أي بديعا منكرا من فرى الجلد مريم : ( 28 ) يا أخت هارون . . . . . ) يا أخت هارون ( يعنون هرون النبي عليه الصلاة والسلام وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة وقيل هو رجل طالح أو صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكما أو لما رأوا قبل من صلاحها أو شتموها به ) ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ( تقرير لآن ما جاءت به فري وتنبيه على أن الفواحش من أولاد الصالحين أفحش مريم : ( 29 ) فأشارت إليه قالوا . . . . . ) فأشارت إليه ( إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أي كلموه ليجيبكم ) قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ( ولم نعهد صبيا في المهد كلمه عاقل و ) كان ( زائدة والظرف صلة من و ) صبيا ( حال من المستكن فيه أو تامة أو دائمة كقوله تعالى ) وكان الله عليما حكيما ( أو بمعنى صار مريم : ( 30 ) قال إني عبد . . . . . ) قال إني عبد الله ( أنطقه الله تعالى به أولا لأنه أول المقامات وللرد على من يزعم ربوبيته ) آتاني الكتاب ( الإنجيل ) وجعلني نبيا ( ________________________________________ " صفحة رقم 14 " مريم : ( 31 ) وجعلني مباركا أين . . . . . ) وجعلني مباركا ( نفاعا معلما للخير والتعبير بلفظ الماضي إما باعتبار ما سبق في قضائه أو بجعل المحقق وقوعه كالواقع وقيل أكمل الله عقله واستنبأه طفلا ) أين ما كنت ( حيث كنت ) وأوصاني ( وأمرني ) بالصلاة والزكاة ( زكاة المال إن ملكته أو تطهير النفس عن الرذائل ) ما دمت حيا ) مريم : ( 32 ) وبرا بوالدتي ولم . . . . . ) وبرا بوالدتي ( وبارا بها عطف على ) مباركا ( وقرىء بالكسر على أنه مصدر وصف به أو منصوب بفعل دل عليه أوصاني أي وكلفني برا ويؤيده القراءة بالكسر والجر عطفا على الصلاة ) ولم يجعلني جبارا شقيا ( عند الله من فرط تكبره ________________________________________ " صفحة رقم 15 " مريم : ( 33 ) والسلام علي يوم . . . . . ) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ( كما هو على يحيى والتعريف للعهد والأظهر أنه للجنس والتعريض باللعن على أعدائه فإنه لما جعل جنس السلام على نفسه عرض بأن ضده عليهم كقوله تعالى ) والسلام على من اتبع الهدى ( فإنه تعريض بأن العذاب على من كذب وتولى مريم : ( 34 ) ذلك عيسى ابن . . . . . ) ذلك عيسى ابن مريم ( أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله موصوفا بأضداد ما يصفونه ثم عكس الحكم ) قول الحق ( خبر محذوف أي هو قول الحق الذي لا ريب فيه والإضافة للبيان والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة وقيل صفة ) عيسى ( أبدل أو خبر ثان ومعناه كلمة الله وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب ) قول ( بالنصب على أنه مصدر مؤكد وقرىء قال الحق وهو بمعنى القول ) الذي فيه يمترون ( في أمره يشكون أو يتنازعون فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله وقرىء بالتاء على الخطاب مريم : ( 35 ) ما كان لله . . . . . ) ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ( تكذيب للنصارى وتنزيه لله تعالى عما بهتوه ) إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( تبكيت لهم فإن من إذا أراد شيئا أوجده ________________________________________ " صفحة رقم 16 " ب ) كن ( كان منزها عن شبه الخلق إلى الحاجة فى إتخاذ الولد بإحبال الإناث وقرأ ابن عامر ) فيكون ( بالنصب على الجواب مريم : ( 36 ) وإن الله ربي . . . . . ) وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( سبق تفسيره في سورة آل عمران وقرأ الحجازيان والبصريان ) وإن ( بالفتح على ولأن وقيل إنه معطوف على ) الصلاة ) مريم : ( 37 ) فاختلف الأحزاب من . . . . . ) فاختلف الأحزاب من بينهم ( اليهود والنصارى أو فرق النصارى نسطورية قالوا إنه ابن الله ويعقوبية قالوا هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء وملكانية قالوا هو عبد الله ونبيه ) فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ( من شهود يوم عظيم هوله وحسابه وجزاؤه وهو يوم القيامة أو من وقت الشهود أو من مكانه فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وآرابهم وأرجلهم بالكفر والفسق أو من وقت الشهادة أو من مكانها وقيل هو ما شهدوا به في عيسى وأمه مريم : ( 38 ) أسمع بهم وأبصر . . . . . ) أسمع بهم وأبصر ( تعجب معناه أن استماعهم وإبصارهم ) يوم يأتوننا ( أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما عميا في الدنيا أو التهديد بما سيسمعون ________________________________________ " صفحة رقم 17 " ويبصرون يومئذ وقيل أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك وما يحيق بهم فيه والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع وعلى الثاني في موضع النصب ) لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ( أوقع الظالمون موقع الضمير إشعارا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم وسجل بأنه ضلال بين مريم : ( 39 ) وأنذرهم يوم الحسرة . . . . . ) وأنذرهم يوم الحسرة ( يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه ) إذ قضي الأمر ( فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل ) لحسرة ( ) وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ( حال متعلقة بقوله ) في ضلال مبين ( وما بينهما اعتراض أو ب ) أنذرهم ( أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين فتكون حالا متضمنة للتعليل مريم : ( 40 ) إنا نحن نرث . . . . . ) إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ( لا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك أو نتوفى الأرض ومن عليها بالإفناء والإهلاك توفي الوارث لإرثه ) وإلينا يرجعون ( يردون للجزاء مريم : ( 41 ) واذكر في الكتاب . . . . . ) واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا ( ملازما للصدق أو كثير التصديق لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله ) نبيا ( استنبأه الله مريم : ( 42 ) إذ قال لأبيه . . . . . ) إذ قال ( بدل من ) إبراهيم ( وما بينهما اعتراض أو متعلق ب ) كان ( أو ________________________________________ " صفحة رقم 18 " ب ) صديقا نبيا ( ) لأبيه يا أبت ( التاء معوضة من ياء الإضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها ) لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ( فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك ) ولا يغني عنك شيئا ( في جلب نفع أو دفع ضر دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه فضلا عن عبادته التي هي غاية التعظيم ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام وهو الخالق الرازق المحي المميت المعاقب المثيب ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على النفع والضر ولكن كان ممكنا لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر مريم : ( 43 ) يا أبت إني . . . . . ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن محظوظا من العلم الإلهي مستقلا بالنظر السوي فقال ) يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ( ولم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق مريم : ( 44 - 45 ) يا أبت لا . . . . . ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوة عن النفع مستلزم للضر فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به فقال ) يا أبت لا تعبد الشيطان ( ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم بقوله ) إن الشيطان كان للرحمن عصيا ( ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال ) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ( قرينا في ________________________________________ " صفحة رقم 19 " اللعن والعذاب تليه ويليك أو ثابتا في موالاته فإنه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب وذكر الخوف والمس وتنكير العذاب إما للمجاملة أو لخفاء العاقبة ولعل اقتصاره على عصيان الشيطان من بين جناياته لارتقاء همته في الربانية أو لأنه ملاكها أو لأنه من حيث إنه نتيجة معاداته لآدم وذريته منبه عليها مريم : ( 46 ) قال أراغب أنت . . . . . ) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ( قابل استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظة وغلظه العناد فناداه باسمه ولم يقابل ) يا أبت ( بيا بني وأخره وقدم الخبر على المبتدأ وصدره بالهمزة لإنكار نفس الرغبة على ضرب من التعجب كأنها مما لا يرغب عنها عاقل ثم هدده فقال ) لئن لم تنته ( عن مقالك فيها أو الرغبة عنها ) لأرجمنك ( بلساني يعني الشتم والذم أو بالحجارة حتى تموت أو تبعد مني ) واهجرني ( عطف على ما دل عليه ) لأرجمنك ( أي فاحذرني واهجرني ) مليا ( زمانا طويلا من الملاوة أو مليا بالذهاب عني مريم : ( 47 ) قال سلام عليك . . . . . ) قال سلام عليك ( توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة أي لا أصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك ولكن ) سأستغفر لك ربي ( لعله يوفقك للتوبة والإيمان فإن حقيقة الاستغفار للكافر استدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وقد مر تقريره في سورة التوبة ) إنه كان بي حفيا ( بليغا في البر والإلطاف مريم : ( 48 ) وأعتزلكم وما تدعون . . . . . ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( بالمهاجرة بديني ) وأدعو ربي ( وأعبده وحده ) عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ( خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم وفي تصدير الكلام ب ) عسى ( التواضع وهضم النفس والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل غير واجبتين وأن ملاك الأمر خاتمته وهو غيب ________________________________________ " صفحة رقم 20 " مريم : ( 49 ) فلما اعتزلهم وما . . . . . ) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ( بالهجرة إلى الشام ) وهبنا له إسحاق ويعقوب ( بدل من فارقهم من الكفرة قيل أنه لما قصد الشام أتى أولا حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد منه يعقوب ولعل تخصيصها بالذكر لأنهما شجرتا الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضله على الانفراد ) وكلا جعلنا نبيا ( وكلا منهما أو منهم مريم : ( 50 ) ووهبنا لهم من . . . . . ) ووهبنا لهم من رحمتنا ( النبوة والأموال والأولاد ) وجعلنا لهم لسان صدق عليا ( يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته ) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( والمراد باللسان ما يوجد به ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتحول الدول وتبدل الملل مريم : ( 51 ) واذكر في الكتاب . . . . . ) واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا ( موحدا أخلص عبادته عن الشرك والرياء أو أسلم وجهه لله وأخلص نفسه عما سواه وقرأ الكوفيون بالفتح على أن الله أخلصه ) وكان رسولا نبيا ( أرسله الله إلى الخلق فأنبأهم عنه ولذلك قدم ) رسولا ( مع أنه أخص وأعلى مريم : ( 52 ) وناديناه من جانب . . . . . ) وناديناه من جانب الطور الأيمن ( من ناحيته اليمنى من اليمين وهي التي تلي يمين ________________________________________ " صفحة رقم 21 " موسى أو من جانبه الميمون من اليمن بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة ) وقربناه ( تقريب تشريف شبهه بمن قربه الملك لمناجاته ) نجيا ( مناجيا حال من أحد الضميرين وقيل مرتفعا من النحوة وهو الارتفاع لما روي أنه فوق السموات حتى سمع صرير القلم مريم : ( 53 ) ووهبنا له من . . . . . ) ووهبنا له من رحمتنا ( من أجل رحمتنا ) أخاه ( معاضده أخيه وموازرته إجابة لدعوته ) واجعل لي وزيرا من أهلي ( فإنه كان أسن من موسى وهو مفعول أو بدل على تقدير أن تكون ) من ( للتبعيض ) هارون ( عطف بيان له ) نبيا ( حال منه مريم : ( 54 ) واذكر في الكتاب . . . . . ) واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ( ذكره بذلك لأنه المشهور به والموصوف بأشياء في هذا الباب لم تعهد من غيره وناهيك أنه وعد الصبر على الذبح ________________________________________ " صفحة رقم 22 " فقال ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( فوفى ) وكان رسولا نبيا ( يدل على أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته مريم : ( 55 ) وكان يأمر أهله . . . . . ) وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ( اشتغالا بالأهم وهو أن يقبل الرجل على نفسه ومن هو أقرب الناس إليه بالتكميل قال الله تعالى ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( ) وأمر أهلك بالصلاة ( ) قوا أنفسكم وأهليكم نارا ( وقيل أهله أمته فإن الأنبياء آباء الأمم ) وكان عند ربه مرضيا ( لاستقامة أقواله وأفعاله مريم : ( 56 ) واذكر في الكتاب . . . . . ) واذكر في الكتاب إدريس ( وهو سبط شيث وجد أبي نوح عليهم السلام واسمه أخنوخ واشتقاق إدريس من الدرس يرده منع صرفه نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة درسه إذ روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة وأنه أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب ) إنه كان صديقا نبيا ) مريم : ( 57 ) ورفعناه مكانا عليا ) ورفعناه مكانا عليا ( يعني شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل الجنة وقيل السماء السادسة أو الرابعة مريم : ( 58 ) أولئك الذين أنعم . . . . . ) أولئك ( إشارة إلى المذكورين في السورة من زكريا إلى إدريس عليهم السلام ) الذين أنعم الله عليهم ( بأنواع النعم الدينية والدنيوية ) من النبيين ( بيان للموصول ) من ذرية آدم ( بدل منه بإعادة الجار ويجوز أن تكون ) من ( فيه للتبعيض لأن المنعم عليهم أعم من الأنبياء وأخص من الذرية ) وممن حملنا مع نوح ( أي ومن ذرية من حملنا خصوصا وهم من عدا إدريس فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح ) ومن ذرية إبراهيم ( الباقون ) وإسرائيل ( عطف على ) إبراهيم ( أي ومن ذرية إسرائيل وكان منهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية ) وممن هدينا ( ومن جملة من هديناهم إلى الحق ) واجتبينا ( للنبوة والكرامة ) إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ( خبر ل ) أولئك ( إن جعلت الموصول صفته واستئناف إن جعلته خبره لبيان خشيتهم من الله وإخباتهم له مع ما لهم من علو الطبقة ________________________________________ " صفحة رقم 23 " في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله تعالى وعن النبي عليه الصلاة والسلام اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكو فتباكوا والبكي جمع باك كالسجود في جمع ساجد وقرىء يتلى بالياء لأن التأنيث غير حقيقي وقرأ حمزة والكسائي بكيا بكسر الباء مريم : ( 59 ) فخلف من بعدهم . . . . . ) فخلف من بعدهم خلف ( فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء يقال خلف صدق بالفتح وخلف سوء بالسكون ) أضاعوا الصلاة ( تركوها أو أخروها عن وقتها ) واتبعوا الشهوات ( كشرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والإنهماك في المعاصي وعن علي رضي الله تعالى عنه في قوله ) واتبعوا الشهوات ( من بنى الشديد وركب المنظور ولبس المشهور ) فسوف يلقون غيا ( شرا كقوله " فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما " أو جزاء غي كقوله تعالى ) يلق أثاما ( أو غيا عن طريق الجنة وقيل هو واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها مريم : ( 60 ) إلا من تاب . . . . . ) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ( يدل على أن الآي في الكفرة ) فأولئك يدخلون الجنة ( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب على البناء للمفعول من أدخل ) ولا يظلمون شيئا ( ولا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ويجوز أن ينتصب ) شيئا ( على المصدر وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم مريم : ( 61 ) جنات عدن التي . . . . . ) جنات عدن ( بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها أو منصوب على المدح و قرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وعدن لأنه المضاف إليه في العلم أو ________________________________________ " صفحة رقم 24 " علم للعدن بمعنى الإقامة كبرة ولذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله ) التي وعد الرحمن عباده بالغيب ( أي وعدها إياهم وهي غائبة عنهم أو وهم غائبون عنها أو وعدهم بإيمانهم بالغيب ) أنه ( إن الله ) كان وعده ( الذي هو الجنة ) مأتيا ( يأتيها أهلها الموعود لهم لا محالة وقيل هو من أتى إليه إحسانا أي مفعولا منجزا مريم : ( 62 ) لا يسمعون فيها . . . . . ) لا يسمعون فيها لغوا ( فضول كلام ) إلا سلاما ( ولكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة أو تسليم الملائكة عليهم أو تسليم بعضهم على بعض على الاستثناء المنقطع أو على أن معنى التسليم إن كان لغوا فلا يسمعون لغوا سواه كقوله " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب " أو على أن معناه الدعاء بالسلامة وأهلها أغنياء عنه فهو من باب اللغو ظاهرا وإنما فائدته الإكرام ) ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ( على عادة المتنعمين والتوسط بين الزهادة والرغابة وقيل المراد دوام الرزق ودروره مريم : ( 63 ) تلك الجنة التي . . . . . ) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ( نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا تبطل برد ولا إسقاط وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم وعن يعقوب ) نورث ( بالتشديد ________________________________________ " صفحة رقم 25 " مريم : ( 64 ) وما نتنزل إلا . . . . . ) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( حكاية قول جبريل عليه الصلاة والسلام حين استبطأه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ورجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوما وقيل أربعين يوما حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه ثم نزل ببيان ذلك والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل والمعنى وما ننزل وقتا عب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته وقرئ وما يتنزل بالياء والضمير للوحي ) له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ( وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته ) وما كان ربك نسيا ( تاركا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة والمعنى وما ننزل الجنة إلا بأمر الله ولطفه وهو مالك الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله مريم : ( 65 ) رب السماوات والأرض . . . . . وقوله ) وما كان ربك نسيا ( تقرير من الله لقولهم أي وما كان ربك نسيا لأعمال العاملين وما وعد لهم من الثواب عليها وقوله ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( بيان لامتناع النسيان عليه وهو خبر محذوف أو بدل من ) ربك ( ) فاعبده واصطبر لعبادته ( خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مرتب عليه أي لما عرفت ربك لأنه لا ينبغي له أن ينساك أو أعمال العمال فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفر وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب اصطبر لقرنك ) هل تعلم له سميا ( مثلا يستحق أن يسمى إلها أو أحدا سمي الله فإن المشركين وإن سموا الصنم إلها لم يسموه الله قط وذلك لظهور أحديته تعالى وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس ________________________________________ " صفحة رقم 26 " والمكابرة وهو تقرير للأمر أي إذا صح أن لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لأمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها مريم : ( 66 ) ويقول الإنسان أئذا . . . . . ) ويقول الإنسان ( المراد به الجنس بأسره فإن المقول مقول فيما بينهم وإن لم يقله كلهم كقولك بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم أو بعضهم المعهود وهم الكفرة أو أبي بن خلف فإنه أخذ عظاما بالية ففتها وقال يزعم محمد أننا نبعث بعدما نموت ) أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ( من الأرض أو من حال الموت وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة وانتصابه بفعل دل عليه أخرج لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها وهي ها هنا مخلصة للتوكيد مجردة عن معنى الحال كما خلصت الهمزة واللام في يا الله للتعويض فساغ اقترانها بحرف الاستقبال وروي عن ابن ذكوان إذا ما مت بهمزة واحدة مكسورة على الخبر مريم : ( 67 ) أولا يذكر الإنسان . . . . . ) أولا يذكر الإنسان ( عطف على ) يقول ( وتوسيط همزة الإنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل ) أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ( بل كان عدما صرفا لم يقل ذلك فإن أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان ________________________________________ " صفحة رقم 27 " فيها من الأعراض وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب يذكر من الذكر الذي يراد به التفكر وقرئ يتذكر على الأصل مريم : ( 68 ) فوربك لنحشرنهم والشياطين . . . . . ) فوربك لنحشرنهم ( أقسم باسمه تعالى مضافا إلى نبيه تحقيقا للأمر وتفخيما لشأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) والشياطين ( عطف أو مفعول معه لما روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم كل مع شيطانه في سلسلة وهذا وإن كان مخصوصا بهم ساغ نسبته إلى الجنس بأسره فإنهم إذا حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا جميعا معهم ) ثم لنحضرنهم حول جهنم ( ليرى السعداء ما نجاهم الله منه فيزدادوا غبطة وسرورا وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم عدة ويزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم عليهم ) جثيا ( على ركبهم لما ديهمهم من هول الموقف جاثون لقوله تعالى ) وترى كل أمة جاثية ( على المعتاد في مواقف التقاول وإن كان المراد بالإنسان الكفرة فلعلهم يساقون جثاة من الموقف إلى شاطىء جهنم إهانة بهم أو لعجزهم عن القيام لما عراهم من الشدة وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) جثيا ( بكسر الجيم مريم : ( 69 ) ثم لننزعن من . . . . . ) ثم لننزعن من كل شيعة ( من كل أمة شاعت دينا ) أيهم أشد على الرحمن عتيا ( من كان أعصى وأعتى منهم فنطرحهم فيها وفي ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 28 " يعفو كثيرا من أهل العصيان ولو خص ذلك بالكفرة فالمراد أنه يميز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب أو يدخل كلا طبقتها التي تليق به ) أيهم ( مبني على الضم عند سيبويه لأن حقه أن يبنى كسائر الموصولات لكنه أعرب حملا على ) كل ( وبعض للزوم الإضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد إلى حقه منصوب المحل بننزعن ولذلك قرىء منصوبا ومرفوع عند غيره إما بالإبتداء على أنه استفهامي وخبره ) أشد ( والجملة محكية وتقدير الكلام ) لننزعن ( من كل شيعة الذين يقال فيهم أيهم أشد أو معلق عنها لننزعن لتضمنه معنى التمييز اللازم للعلم أو مستأنفة والفعل واقع على ) من كل شيعة ( على زيادة من أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة وإما بشيعة لأنها بمعنى تشيع وعلى للبيان أو متعلق بافعل مريم : ( 70 ) ثم لنحن أعلم . . . . . وكذا الباء في قوله ) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ( أي لنحن أعلم بالذين هم أولى بالصلي أو صليهم أولى بالنار وهم المنتزعون ويجوز أن يراد بهم وبأشدهم عتيا رؤساء ________________________________________ " صفحة رقم 29 " الشيع فإن عذابهم مضاعف لضلالهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) صليا ( بكسر الصاد مريم : ( 71 ) وإن منكم إلا . . . . . ) وإن منكم ( وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرىء وإن منهم ) إلا واردها ( إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهي خامدة وتنهار بغيرهم وعن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام سئل عنه فقال إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد رودتموها وهي خامدة وأما قوله تعالى ) أولئك عنها مبعدون ( فالمراد عن عذابها وقيل ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها ) كان على ربك حتما مقضيا ( كان ورودهم وادبا واجبا الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعدا لا يمكن خلفه وقيل أقسم عليه مريم : ( 72 ) ثم ننجي الذين . . . . . ) ثم ننجي الذين اتقوا ( فيساقون إلى الجنة وقرأ الكسائي ويعقوب ننجي بالتخفيف وقرىء ثم بفتح الثاء أي هناك و ) ونذر الظالمين فيها جثيا ( منهارا بهم كما كانوا وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم وتبقى الفجرة فيها منهارا بهم على هيئاتهم ________________________________________ " صفحة رقم 30 " مريم : ( 73 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( مرتلات الألفاظ مبينات المعاني بنفسها أو ببيان الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو واضحات الإعجاز ) قال الذين كفروا للذين آمنوا ( لأجلهم أو معهم ) أي الفريقين ( المؤمنين والكافرين ) خير مقاما ( موضع قيام أو مكانا وقرأ ابن كثير بالضم أي موضع إقامة ومنزل ) وأحسن نديا ( مجلسا ومجتمعا والمعنى أنهم لما سمعوا حفوظ الدنيا والإستدلال بزيادة حظهم فيها على فضلهم وحسن حالهم عند الله تعالى لقصور نظرهم على الحال وعلمهم بظاهر من الحياة الدنيا مريم : ( 74 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . . فرد عليهم ذلك أيضا مع التهديد نقضا بقوله ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ( و ) كم ( مفعول ) أهلكنا ( و ) من قرن ( بيانه وإنما سمي أهل كل عصر قرنا أي مقدما من قرن الدابة وهو مقدمها لأنه يتقدم من بعده وهم أحسن صفة لكم وأثاثا تمييز عن النسبة وهو متاع البيت وقيل هو ماجد منه والخرثي ما رث والرئي المنظر فعل من الرؤية لما يرى كالطحن والخبز وقرأ نافع وابن عامر ريا على قلب الهمزة وإدغامها أو على أنه من الري الذي هو النعمة وقرأ أبو بكر رييا على القلب وقرىء ريا بحذف الهمزة وزيا من الزي وهو الجمع فإنه محاسن مجموعة مريم : ( 75 ) قل من كان . . . . . ثم بين أن تمتيعهم استدراج وليس بإكرام وإنما العيار على الفضل والنقص ما يكون في الآخرة بقوله ) قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ( فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به وإنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا إمهاله مما ينبغي أن فعله استدراجا وقطعا ________________________________________ " صفحة رقم 31 " لمعاذيره كقوله تعالى ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( وكقوله ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( ) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( غاية المد وقيل غاية قول الذين كفروا للذين آمنوا أي قالوا أي الفريقين حتى إذا رأوا ما يوعدون ) إما العذاب وإما الساعة ( تفصيل للموعود فإنه إما العذاب في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والنكال ) فسيعلمون من هو شر مكانا ( من الفريقين بأن عاينوا الأمر على عكس ما قدروه وعاد ما متعوا به خذلانا ووبالآ عليهم وهو جواب الشرط والجملة محكية بعد ) حتى ( ) وأضعف جندا ( أي فئة وأنصارا قابل به أحسن نديا من حيث إن حسن النادي باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم مريم : ( 76 ) ويزيد الله الذين . . . . . ) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ( عطف على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله أراد أن يبين أن قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لأن الله عز وجل أراد به ما هو خير له وعوضه منه وقيل عطف على فليمدد لأنه في معنى الخبر كأنه قيل من كان في الضلالة يزيد الله الله في ضلاله ويزيد المقابل له هداية ) والباقيات الصالحات ( الطاعات التي تبقى عائدتها أبد الآباد ويدخل فيها ما قيل من الصلوات الخمس وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) خير عند ربك ثوابا ( عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها سيما ومآلها النعيم المقيم ومآل هذه الحسرة والعذاب الدائم كما أشار إليه بقوله ) وخير مردا ( والخير ها هنا إما لمجرد الزيادة أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره منه في برده ________________________________________ " صفحة رقم 32 " مريم : ( 77 ) أفرأيت الذي كفر . . . . . ) أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ( نزلت في العاص بن وائل كان لخباب عليه مال فتقاضاه فقال له لا حتى تكفر بمحمد فقال لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين تبعث قال فإذا بعثت جئتني فيكون لي ثم مال وولد فأعطيك ولما كانت الرؤية أقوى سند الإخبار استعمل أرأيت بمعنى الإخبار والفاء أصلها في التعقيب والمعنى أخبر بقصة هذا الكافر عقب حديث أولئك وقرأ حمزة والكسائي ولدا وهو جمع ولد كأسد في أسد أو لغة فيه كالعرب والعرب مريم : ( 78 ) أطلع الغيب أم . . . . . ) أطلع الغيب ( أقد بلغ من عظمة شأنه إلى أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار حتى ادعى أن يؤتى في الآخرة مالا وولدا وتألى عليه ) أم اتخذ عند الرحمن عهدا ( أو اتخذ من عالم الغيب عهدا بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين وقيل العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فإن وعد الله بالثواب عليهما كالعهد عليه مريم : ( 79 ) كلا سنكتب ما . . . . . ) كلا ( ردع وتنبيه على أنه مخطئ فيما تصوره لنفسه ) سنكتب ما يقول ( سنظهر له أنا كتبنا قوله على طريقة قوله " إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة " أي تبين أني لم تلدني لئيمة أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة العدو وحفظها عليه ________________________________________ " صفحة رقم 33 " فإن نفس الكتابة لا تتأخر عن القول لقوله تعالى ) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( ) ونمد له من العذاب مدا ( ونطول له من العذاب ما يستأهله أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكفره وافترائه واستهزائه على الله جلت عظمته ولذلك أكده بالمصدر دلالة على فرط غضبه عليه مريم : ( 80 ) ونرثه ما يقول . . . . . ) ونرثه ( بموته ) ما يقول ( يعني المال والولد ) ويأتينا ( يوم القيامة ) فردا ( لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا فضلا أن يؤتى ثم زائدا وقيل ) فردا ( رافضا لهذا القول منفردا عنه مريم : ( 81 ) واتخذوا من دون . . . . . ) واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ( ليتعززوا بهم حيث يكونون لهم وصلة إلى الله وشفعاء عنده مريم : ( 82 ) كلا سيكفرون بعبادتهم . . . . . ) كلا ( ردع وإنكار لتعززهم بها ) سيكفرون بعبادتهم ( ستجحد الآلهة عبادتهم ويقولون ما عبدتمونا لقوله تعالى ) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ( أو سينكر الكفرة لسوء العاقبة أنهم عبدوها لقوله تعالى ) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( ) ويكونون عليهم ضدا ( يؤيد الأول إذا فسر الضد بضد العز أي ويكونون عليهم ذلا أو بضدهم على معنى أنها تكون معونة في عذابهم بأن توقد بها نيرانهم أو جعل الواو للكفرة أي يكونون كافرين بهم بعد أن كانوا يعبدونها وتوحيده لوحدة المعنى الذي به مضادتهم فإنهم بذلك كالشيء الواحد ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام وهم يد على من سواهم وقرىء ) كلا ( بالتنوين على قلب الألف نونا في الوقف قلب ألف الإطلاق في قوله ________________________________________ " صفحة رقم 34 " " أقلي اللوم عاذل والعتابن " أو على معنى كل هذا الرأي كلا وكلا على إضمار فعل يفسره ما بعده أي سيجحدون ) كلا سيكفرون بعبادتهم ) مريم : ( 83 ) ألم تر أنا . . . . . ) ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ( بأن سلطانهم عليهم أو قيضنا لهم قرناء ) تؤزهم أزا ( تهزهم وتغريهم على المعاصي بالتسويلات وتحبيب الشهوات والمراد تعجيب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أقاويل الكفرة وتماديهم في الغي وتصميمهم على الكفر بعد وضوح الحق على ما نطقت به الآيات المتقدمة مريم : ( 84 ) فلا تعجل عليهم . . . . . ) فلا تعجل عليهم ( بأن يهلكوا حتى تستريح أنت والمؤمنون من شرورهم وتطهر الأرض من فسادهم ) إنما نعد لهم ( أيام آجالهم ) عدا ( والمعنى لا تعجل بهلاكهم فإنه لم يبق له إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة مريم : ( 85 ) يوم نحشر المتقين . . . . . ) يوم نحشر المتقين ( نجمعهم ) إلى الرحمن ( إلى ربهم الذي غمرهم برحمته ولا ختبار هذا الإسم في هذه السورة شأن ولعله لأن مساق هذا الكلام فيها لتعداد نعمه الجسام وشرح حال الشاكرين له ا والكافرين بها ) وفدا ( وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم مريم : ( 86 ) ونسوق المجرمين إلى . . . . . ) ونسوق المجرمين ( كما تساق البهائم ) إلى جهنم وردا ( عطاشا فإن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش أو كالدواب التي ترد الماء مريم : ( 87 ) لا يملكون الشفاعة . . . . . ) لا يملكون الشفاعة ( الضمير فها للعباد المدلول عليها بذكر القسمين وهو الناصب لليوم ) إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( إلا من تحلى بما يستعد به ويستأهل أن شفع للعصاة من الإيمان والعمل الصالح على ما وعد الله تعالى أو إلا من اتخذ من الله إذنا فيها كقوله تعالى ) لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ( من قولهم عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به ومحله الرفع على البدل من الضمير أو النصب على تقدير مضاف أي إلا شفاعة من اتخذ أو على الآستثناء وقيل الضمير للمجرمين والمعنى لا يملكون ________________________________________ " صفحة رقم 35 " الشفاعة فيهم إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا يستعد به أن يشفع له بالإسلام مريم : ( 88 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . . ) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( الضمير يحتمل الوجهين لأن هذا لما كان مقولا فيما بين الناس جاز أن ينسب إليهم مريم : ( 89 ) لقد جئتم شيئا . . . . . ) لقد جئتم شيئا إدا ( على الإلتفات للمبالغة في الذم والتسجيل عليهم بالجراءة على الله تعالى والإد بالفتح والكسر العظيم المنكر الإداة الشدة وأدني الأمر وآدني أثقلني وعظم علي مريم : ( 90 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . . ) تكاد السماوات ( وقرأ نافع والكسائي بالياء ) يتفطرن منه ( يتشققن مرة بعد أخرى وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب ينفطرن والأول أبلغ لأن التفعل مطاوع فعل والإنفعال مطاوع فعل ولأن أصل التفعل التكلف ) وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ( تهد هدا أو مهدودة أو لأنها تهد أي تكسر وهو تقرير لكونه أدا والمعنى أن هول هذه الكلمة وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام والعظام وتفتت من شدتها أو أن فظاعتها مجلبة لغضب الله بحيث لولا حلمه لخرب العالم وبدد قوائمه غضبا على من تفوه بها مريم : ( 91 ) أن دعوا للرحمن . . . . . ) أن دعوا للرحمن ولدا ( يحتمل النصب على العلة ل ) تكاد ( أو ل ) هدا ( على حذف اللام وإفضاء الفعل إليه والجر بإضمار اللام أو بالإبدال من الهاء في منه والرفع على أنه خبر محذوف تقديره الموجب لذلك ) أن دعوا ( أو فاعل ) هدا ( أي هدها دعاء ________________________________________ " صفحة رقم 36 " الولد للرحمن وهو من دعا بمعنى سمى المتعدي إلى مفعولين وإنما اقتصر على المفعول الثاني ليحيط بكل ما دعي له ولدا أو من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ادعى إلى فلان إذا انتسب إليه مريم : ( 92 - 93 ) وما ينبغي للرحمن . . . . . ) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( ولا يليق به اتخاذ الولد ولا يتطلب له لو طلب مثلا لأنه مستحيل ولعل ترتيب الحكم بصفة الرحمانية للإشعار بأن كل ما عداه نعمة ومنعم عليه فر يجانس من هو مبدأ النعم كلها ومولي أصولها وفروعها فكيف يمكن أن يتخذه ولدا ثم صرح به في قوله ) إن كل من في السماوات والأرض ( أي ما منهم ) إلا آتي الرحمن عبدا ( إلا وهو مملوك له يأوي إليه بالعبودية والإنقياد وقرىء / آت الرحمن / على الأصل مريم : ( 94 ) لقد أحصاهم وعدهم . . . . . ) لقد أحصاهم ( حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يخرجون عن حوز علمه وقبضة قدرته ) وعدهم عدا ( عد أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده بمقدار مريم : ( 95 ) وكلهم آتيه يوم . . . . . ) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ( منفردا عن الإتباع والأنصار فلا يجانسه شيء من ذلك ليتخذه ولدا ولا يناسبه ليشرك به مريم : ( 96 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ( سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أحب الله عبدا يقول لجبريل أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه في حبه أهل السماء ثم توضع له المحبة في الأرض والسين إما لأن السورة مكية وكانوا ممقوتين حينئذ بين الكفرة فوعدهم ذلك إذا دجا الإسلام أو لأن الموعود في القيامة حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغل ________________________________________ " صفحة رقم 37 " مريم : ( 97 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . . ) فإنما يسرناه بلسانك ( بأن أنزلناه بلغتك والباء بمعنى على أو على أصله لتضمن ) يسرناه ( معنى أنزلناه بلغتك ) لتبشر به المتقين ( الصائرين إلى التقوى ) وتنذر به قوما لدا ( أشداء الخصومة آخذين في كل لديد أي شق من المراء لفرط لجاجهم فبشر به وأنذر مريم : ( 98 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . . ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن ( تخويف للكفرة وتجسير للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على إنذارهم ) هل تحس منهم من أحد ( هل تشعر بأحد منهم وتراه ) أو تسمع لهم ركزا ( وقرئ ) تسمع ( من أسمعت والركز الصوت الخفي وأصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض والركاز المال المدفون عن رسول الله من قرأ سورة مريم أعطي عشر حسنات بعدد من كذب زكريا وصدق به ويحيى ومريم وعيسى وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورين فيها وبعدد من دعا الله في الدنيا ومن لم يدع الله ________________________________________ " صفحة رقم 38 " سورة طه مكية وهي مائة وأربع وثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم طه : ( 1 ) طه ) طه ( فخمها قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب على الأصل وفخم الطاء وحده أبو عمرو وورش لاستعلائه وأمالها الباقون وهما من أسماء الحروف وقيل معناه يا رجل على لغة عك فإن صح فلعل أصله يا هذا فتصرفوا فيه بالقلب والاختصار والاستشهاد بقوله " إن السفاهة طاها في خلائقكم لا قدس الله أخلاق الملاعين " ضعيف لجواز أن يكون قسما كقوله حم لا ينصرون وقرئ ) طه ( على أنه أمر للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه وأن ________________________________________ " صفحة رقم 39 " أصله طأ فقلبت همزته هاء أو قلبت في يطأ ألفا كقوله لا هناك المرتع ثم بنى عليه الأمر وضم إليه هاء السكت وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل ) طه ( طأها والألف مبدلة من الهمزة والهاء كناية الأرض لكن يرد ذلك كتابتهما على صورة الحرف وكذا التفسير بيا رجل أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما طه : ( 2 ) ما أنزلنا عليك . . . . . ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( خبر ) طه ( إن جعلته مبتدأ على أنه مؤول بالسورة أو ) القرآن ( والقرآن فيه واقع موقع العائد وجوابه إن جعلته مقسما به ومنادى له إن جعلته نداء واستئناف إن كانت جملة فعلية أو اسمية بإضمار مبتدأ أو طائفة من الحروف محكية والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق والشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رائض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد وقيل رد وتكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به ________________________________________ " صفحة رقم 40 " طه : ( 3 ) إلا تذكرة لمن . . . . . ) إلا تذكرة ( لكن تذكيرا وانتصابها على الاستثناء المنقطع ولا يجوز أن يكون بدلا من محل ) لتشقى ( لاختلاف الجنسين ولا مفعولا له ل ) أنزلنا ( فإن الفعل الواحد لا يتعدى إلى علتين وقيل هو مصدر في موقع الحال من الكاف أو القرآن أو مفعول له على أن ) لتشقى ( متعلق بمحذوف هو صفة القرآن أي ما أنزلنا عليك القرآن المنزل لتتعب بتبليغه إلا تذكرة ) لمن يخشى ( لمن في قلبه خشية ورقة تتأثر بالإنذار أو لمن علم الله منه أنه يخشى بالتخويف منه فإنه المنتفع به طه : ( 4 ) تنزيلا ممن خلق . . . . . ) تنزيلا ( نصب بإضمار فعله أو ب ) يخشى ( أو على المدح أو البدل من ) تذكرة ( إن جعل حالا وإن جعل مفعولا له لفظا أو معنى فلا لأن الشيء لا يعلل بنفسه ولا بنوعه ) ممن خلق الأرض والسماوات العلى ( مع ما بعده إلى قوله ) له الأسماء الحسنى ( تفخيم لشأن المنزل بفرط تعظيم المنزل بذكر أفعاله وصفاته على الترتيب ________________________________________ " صفحة رقم 41 " الذي هو عند العقل فبدأ بخلق الأرض والسموات التي هي أصول العالم وقدم الأرض لأنها أقرب غلى الحس وأظهر عنده من السموات العلى وهو جمع العليا تأنيث العلى طه : ( 5 - 6 ) الرحمن على العرش . . . . . ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش فأجرى منه الأحكام والتقادير وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسب ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فقال ) الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( ليدل بذلك على كمال قدرته وإرادته طه : ( 7 ) وإن تجهر بالقول . . . . . ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ( أي وإن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى منه وهو ضمير النفس وفيه على أن شرع الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار طه : ( 8 ) الله لا إله . . . . . ثم إنه لما ظهر بذلك أنه المستجمع لصفات الالوهية بين أنه المتفرد بها والمتوحد بمقتضاها فقال ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ( ومن في ) ممن خلق الأرض ( صلة ل ) تنزيلا ( أو صفة ) له ( والانتقال من التكلم إلى الغيبة للتفنن في الكلام وتفخيم المنزل من وجهين إسناد إنزاله إلى ضمير الواحد العظيم الشأن ونسبته إلى المختص بصفات الجلال والإكرام والتنبيه على أنه واجب الإيمان به والانقياد له من حيث أنه كلام من هذا شأنه ويجوز أن يكون أنزلناه حكاية كلام جبريل والملائكة النازلين معه وقرئ ) الرحمن ( على الجر صفة لمن خلق فيكون ) على العرش استوى ( خبر محذوف وكذا إن رفع ) الرحمن ( على المدح دون الابتداء ويجوز أن يكون خبرا ثانيا والثرى الطبقة الترابية من الأرض وهي آخر طبقاتها و ) الحسنى ( تأنيث الأحسن وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها ________________________________________ " صفحة رقم 42 " طه : ( 9 ) وهل أتاك حديث . . . . . ) وهل أتاك حديث موسى ( قفي تمهيد نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) بقصة موسى ليأتم به في تحمل أعباء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد فإن هذه السورة من أوائل ما نزل طه : ( 10 ) إذ رأى نارا . . . . . ) إذ رأى نارا ( ظرف لل ) حديث ( لأنه حدث أو مفعول لا ذكر قيل إنه استأذن شعيبا عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور نارا ) فقال لأهله امكثوا ( أقيموا مكانكم وقرأ حمزة لأهله امكثوا ها هنا وفي القصص بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها ) إني آنست نارا ( أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به ) لعلي آتيكم منها بقبس ( بشعلة من النار وقيل جمرة ) أو أجد على النار هدى ( هاديا يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم ولما كان حصولهما مترقبا بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس فإنه كان محققا ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه ومعنى الاستعلاء في ) على النار ( أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه طه : ( 11 ) فلما أتاها نودي . . . . . ) فلما أتاها ( أي النار وجد نارا بيضاء تتقد في شجرة خضراء ) نودي يا موسى ) طه : ( 12 ) إني أنا ربك . . . . . ) إني أنا ربك ( فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق قيل إنه لما نودي قال من المتكلم ________________________________________ " صفحة رقم 43 " قال إني أنا الله فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقيا روحانيا ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحسن المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة ) فاخلع نعليك ( أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال ) إنك بالواد المقدس ( تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين ) طوى ( عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان وقيل هو كثني من الطي مصدر ل ) نودي ( أو ) المقدس ( أي نودي نداءين أو قدس مرتين ________________________________________ " صفحة رقم 44 " طه : ( 13 ) وأنا اخترتك فاستمع . . . . . ) وأنا اخترتك ( اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة وإنا اخترناك ) فاستمع لما يوحى ( للذي يوحى إليك أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين طه : ( 14 ) إنني أنا الله . . . . . ) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ( بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل ) وأقم الصلاة لذكري ( خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره وقيل ) لذكري ( لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو لأن أذكرك بالثناء أو ) لذكري ( خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إن الله تعالى يقول أقم الصلاة لذكري طه : ( 15 ) إن الساعة آتية . . . . . ) إن الساعة آتية ( كائنة لا محالة ) أكاد أخفيها ( أريد إخفاء وقتها أو أقرب أن أخفيها فلا أقول إنها آتية ولولا ما في الأخبار بإتيانها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به أو أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاءه ويؤيده القراءة بالفتح من خفاه إذا أظهره ) لتجزى كل نفس بما تسعى ( متعلق ب ) آتيه ( أو ب ) أخفيها ( على المعنى الأخير طه : ( 16 ) فلا يصدنك عنها . . . . . ) فلا يصدنك عنها ( عن تصديق الساعة أو عن الصلاة ) من لا يؤمن بها ( نهى ________________________________________ " صفحة رقم 45 " الكافر أن يصد موسى عليه الصلاة والسلام عنها والمراد نهيه أن ينصد عنها كقولهم لا أرينك ها هنا تنبيها على أن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها ولم يعرض عنها وأنه ينبغي أن يكون راسخا في دينه فإن صد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه فيه ) واتبع هواه ( ميل نفسه إلى اللذات المحسوسة المخدجة فقصر نظره عن غيرها ) فتردى ( فتهلك بالانصداد بصده طه : ( 17 ) وما تلك بيمينك . . . . . ) وما تلك ( استفهام يتضمن استيقاظا لما يريه فيها من العجائب ) بيمينك ( حال من معنى الإشارة وقيل صلة ) تلك ( ) يا موسى ( تكرير لزيادة الاستئناس والتنبيه طه : ( 18 ) قال هي عصاي . . . . . ) قال هي عصاي ( وقرئ عصي على لغة هذيل ) أتوكأ عليها ( أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع ) وأهش بها على غنمي ( وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي وقرئ / أهش / وكلاهما من هش الخبز يهش إذا انكسر لهشاشته وقرئ بالسين من الهس وهو زجر الغنم أي أنحي عليها زاجرا لها ) ولي فيها مآرب أخرى ( حاجات أخر مثل أن كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته وعرض الزندين على شعبيتها وألقى عليها الكساء واستظل به وإذا قصر الرشاء وصله بها وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها وكأنه ( صلى الله عليه وسلم ) فهم أن المقصود من السؤال أن يذكر حقيقتها وما يرى من منافعها حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة مثل أن تشتعل شعبتاه بالليل كالشمع وتصيران دلوا عند الاستقاء وتطول بطول البئر وتحارب عنه إذا ظهر عدو وينبع الماء بركزها وينضب بنزعها وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها على أن ذلك آيات باهرة ومعجزات قاهرة أحدثها الله فيها لأجله وليست من خواصها فذكر حقيقتها ومنافعها مفصلا ومجملا على معنى أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه ________________________________________ " صفحة رقم 46 " طه : ( 19 - 20 ) قال ألقها يا . . . . . ) قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى ( قيل لما ألقاها انقلبت حية صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جانا تارة نظرا إلى المبدأ وثعبانا مرة باعتبار المنتهى وحية أخرى باعتبار الاسم الذي يعم الحالين وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال ) كأنها جان ) طه : ( 21 ) قال خذها ولا . . . . . ) قال خذها ولا تخف ( فإنه لما رآها حية تسرع وتبتلع الحجر والشجر خاف وهرب منها ) سنعيدها سيرتها الأولى ( هيئتها وحالتها المتقدمة وهي فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابها على نزع الخافض أو على أن أعاد منقول من عاده بمعنى عاد إليه أو على الظرف أي سنعيدها في طريقتها أو على تقدير فعلها أي سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الأولى فتنتفع بها ما كنت تنتفع قبل قيل لما قال له ربه ذلك اطمأنت نفسه حتى أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها طه : ( 22 ) واضمم يدك إلى . . . . . ) واضمم يدك إلى جناحك ( إلى جنبك تحت العضد يقال لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر استعارة من جناحي الطائر سميا بذلك لأنه يجنحهما عند الطيران ) تخرج بيضاء ( كأنها مشعة ) من غير سوء ( من غير عاهة وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوأة عن العورة لأن الطباع تعافه وتنفر عنه ) آية أخرى ( معجزة ثانية وهي حال من ضمير ) تخرج بيضاء ( أو من ضميرها أو مفعول بإضمار خذ أو دونك طه : ( 23 ) لنريك من آياتنا . . . . . ) لنريك من آياتنا الكبرى ( متعلق بهذا المضمر أو بما دل عليه آية أو القصة التي دللنا بها أو فعلنا ذلك ) لنريك ( و ) الكبرى ( صفة ) آياتنا ( أو مفعول نريك و ) من آياتنا ( حال منها طه : ( 24 ) اذهب إلى فرعون . . . . . ) اذهب إلى فرعون ( بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة ) إنه طغى ( عصى وتكبر ________________________________________ " صفحة رقم 47 " طه : ( 25 - 26 ) قال رب اشرح . . . . . ) قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ( لما أمره الله بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره ويفسح قلبه لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه والتلقي لما ينزل عليه ويسهل الأمر له بأحداث الأسباب ورفع الموانع وفائدة لي إبهام المشروح والميسر أولا ثم رفعه بذكر الصدر والأمر تأكيدا ومبالغة طه : ( 27 - 28 ) واحلل عقدة من . . . . . ) واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ( فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه وذلك أن فرعون حمله يوما فأخذ بلحيته ونتفها فغضب وأمر بقتله فقالت آسية إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة ووضعها في فيه ولعل تبيض يده كان لذلك وقيل احترقت يده فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ ثم لما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال به تمسك بقوله ) قد أوتيت سؤلك يا موسى ( ومن لم يقل احتج بقوله ) هو أفصح مني لسانا ( وقوله ) ولا يكاد يبين ( وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه مطلقا بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها وجعل يفقهوا جواب الأمر ومن لساني يحتمل أن يكون صفة عقدة وأن يكون صلة احلل ________________________________________ " صفحة رقم 48 " طه : ( 29 - 30 ) واجعل لي وزيرا . . . . . ) واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي ( يعينني على ما كلفتني به واشتقاق الوزير إما من الوزر لأنه يحمل الثقل عن أميره أو من الوزر وهو الملجأ لأن الأمير يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره ومنه الموازرة وقيل أصله أزير من الأزر بمعنى القوة فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واوا كقلبها في موازر ومفعولا اجعل وزيرا و ) هارون ( قدم ثانيهما للعناية به و ) لي ( صلة أو حال أو ) لي وزيرا ( و ) هارون ( عطف بيان للوزير أو وزير ) وزيرا من أهلي ( و ) لي ( تبيين كقوله ) ولم يكن له كفوا أحد ( و ) أخي ( على الوجوه بدل من ) هارون ( أو مبتدأ خبره طه : ( 31 - 32 ) اشدد به أزري ) اشدد به أزري وأشركه في أمري ( على لفظ الأمر وقرأهما ابن عامر بلفظ الخبر على أنهما جواب الأمر طه : ( 33 - 34 ) كي نسبحك كثيرا ) كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ( فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده ________________________________________ " صفحة رقم 49 " طه : ( 35 ) إنك كنت بنا . . . . . ) إنك كنت بنا بصيرا ( عالما بأحوالنا وأن التعاون مما يصلحنا وأن هرون نعم المعين لي فيما أمرتني طه : ( 36 ) قال قد أوتيت . . . . . ) قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ( أي مسؤولك فعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول طه : ( 37 ) ولقد مننا عليك . . . . . ) ولقد مننا عليك مرة أخرى ( أي أنعمنا عليك في وقت آخر طه : ( 38 ) إذ أوحينا إلى . . . . . ) إذ أوحينا إلى أمك ( بإلهام أو في منام أو على لسان نبي في وقتها أو ملك لا على وجه النبوة كما أوحي إلى مريم ) ما يوحى ( ما لا يعلم إلا بالوحي أو مما ينبغي أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به طه : ( 39 ) أن اقذفيه في . . . . . ) أن اقذفيه في التابوت ( بأن اقذفيه أو أي اقذفيه لأن الوحي بمعنى القول ) فاقذفيه في اليم ( والقذف يقال للإلقاء وللموضع كقوله تعالى ) وقذف في قلوبهم الرعب ( وكذلك الرمي كقوله " غلام رماه الله بالحسن يافعا " ) فليلقه اليم بالساحل ( لما كان إلقاء البحر إياه إلى الساحل أمرا واجب الحصول لتعلق الإرادة به وجعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمره بذلك وأخرج الجواب مخرج الأمر والأولى أن تجعل الضمائر كلها لموسى مراعاة للنظم فالمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان التابوت ________________________________________ " صفحة رقم 50 " بالذات فموسى بالعرض ) يأخذه عدو لي وعدو له ( جواب ) فليلقه ( وتكرير ) عدو ( للمبالغة أو لأن الأول باعتبار الواقع والثاني باعتبار المتوقع قيل إنها جعلت في التابوت قطنا ووضعته فيه ثم قيرته وألقته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر فدفعه الماء إليه فأداه إلى بركة في البستان وكان فرعون جالسا على رأسها مع امرأته آسية بنت مزاحم فأمر به فأخرج ففتح فإذا هو صبي أصبح الناس وجها فأحبه حبا شديدا كما قال سبحانه وتعالى ) وألقيت عليك محبة مني ( أي محبة كائنة مني قد زرعتها في القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك فلذلك أحبك فرعون ويجوز أن يتعلق ) مني ( ب ) وألقيت ( أي أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب وظاهر اللفظ أن اليم ألقاه بساحله وهو شاطئه لآن الماء يسحله فالتقط منه لكن لا يبعد أن يؤول الساحل بجنب فوهة نهره ) ولتصنع على عيني ( لتربى ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك والعطف على علة مضمرة مثل ليتعطف عليك أو على الجملة السابقة بإضمار فعل معلل مثل فعلت ذلك وقرئ و ) ولتصنع ( بكسر اللام وسكونها والجزم على أنه أمر ) ولتصنع ( بالنصب وفتح التاء أي وليكن عملك على عين مني لئلا تخالف به عن أمري طه : ( 40 ) إذ تمشي أختك . . . . . ) إذ تمشي أختك ( ظرف ل ) وألقيت ( أو ) ولتصنع ( أو بدل من ) إذ أوحينا ( على أن المراد بها وقت متسع ) فتقول هل أدلكم على من يكفله ( وذلك لأن كان لا يقبل ثدي المراضع فجاءت أخته مريم متفحصة خبره فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها فقالت ) هل أدلكم ( فجاءت بأمه فقبل ثديها ) فرجعناك إلى أمك ( وفاء بقولنا ) إنا رادوه إليك ( ) كي تقر عينها ( بلقائك ) ولا تحزن ( هي بفراقك أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها و ) وقتلت نفسا ( نفس القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي ) فنجيناك من الغم ( غم قتله خوفا من عقاب الله تعالى واقتصاص فرعون بالمغفرة والأمن منه بالهجرة إلى ________________________________________ " صفحة رقم 51 " ) وفتناك فتونا ( وابتليناك ابتلاء أو أنواعا من الإبتلاء على أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الإعتداد بالتاء كحجوز وبدور في حجزة وبدرة فخلصناك مرة بعد أخرى وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن ومفارقة الألآف والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وأجر نفسه إلى غير ذلك أوله ولما سبق ذكره ) فلبثت سنين في أهل مدين ( لبثت فيهم عشر سنين قضاء لأوفى الأجلين ومدين على ثمان مراحل من مصر ) ثم جئت على قدر ( قدرته لأن أكلمك وأستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر أو على مقدار من السن يوحى فيه إلى الأنبياء ) يا موسى ( كرره عقيب ما هو غاية الحكاية لتنبيه على ذلك طه : ( 41 ) واصطنعتك لنفسي ) واصطنعتك لنفسي ( واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرامة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه طه : ( 42 ) اذهب أنت وأخوك . . . . . ) اذهب أنت وأخوك بآياتي ( بمعجزاتي ) ولا تنيا ( ولا تفترا ولا تقصرا وقرىء تنيا بكسر التاء ) في ذكري ( لا تنسياني حيثما تقلبتما وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إلي طه : ( 43 ) اذهبا إلى فرعون . . . . . ) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ( أمر به أولا موسى عليه الصلاة والسلام وحده وههنا إياه وأخاه فلا تكرير قيل أوحى إلى هرون أن يتلقى موسى وقيل سمع بمقبله فاستقبله طه : ( 44 ) فقولا له قولا . . . . . ) فقولا له قولا لينا ( مثل ) هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ( فإنه ________________________________________ " صفحة رقم 52 " دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما أو احتراما لما له من حق التربية عليك وقيل كنياه وكان له ثلاث كنى أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة وقيل عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا يزول إلا بالموت ) لعله يتذكر أو يخشى ( متعلق ب ) اذهبا ( أو قولا أي باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما فإن الراجي مجتهد والآيس متكلف والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الإجتهاد مع علمه بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم ولذلك قدم الأول أي إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى طه : ( 45 ) قالا ربنا إننا . . . . . ) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ( أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم ومنه الفارط وفرس فرط يسبق الخيل وقرىء ) يفرط ( من أفرطته إذا حملته على العجلة أي نخاف أن يحمله حامل من استكبار أو خوف على الملك أو شيطان إنسي أو جني على المعالجة بالعقاب و ) يفرط ( من الإفراط في الأذية ) أو أن يطغى ( أو أن يزداد طغيانا فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب طه : ( 46 ) قال لا تخافا . . . . . ) قال لا تخافا إنني معكما ( بالحفظ والنصر ) أسمع وأرى ( ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فأحدث في كل ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما ويجوز أن لا يقدر شيء على معنى إنني حافظكما سامعا ومبصرا والحافظ إذا كان قادرا سميعا بصيرا تم الحفظ طه : ( 47 ) فأتياه فقولا إنا . . . . . ) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ( أطلقهم ) ولا تعذبهم ( بالتكاليف الصعبة وقتل الولدان فإنهم كانوا في أيدي القبط يستخدمونهم ويتعبونهم في ________________________________________ " صفحة رقم 53 " العمل ويقتلون ذكور أولادهم في عام دون عام وتعقيب الإتيان بذلك دليل على أن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة ) قد جئناك بآية من ربك ( جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وإنما وحد الآية وكان معه آيتان لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا الإشارة إلى وحدة الحجة وتعددها وكذلك قوله ) قد جئتكم ببينة ( ) فأت بآية ( ) قال أولو جئتك بشيء مبين ( ) والسلام على من اتبع الهدى ( وسلام الملائكة وخزنة الجنة على المهتدين أو السلامة في الدارين لهم طه : ( 48 ) إنا قد أوحي . . . . . ) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ( أن عذاب المنزلين على المكذبين للرسل ولعل تغيير النظم والتصريح بالوعيد والتوكيد فيه لأن التهديد في أول الأمر أهم وأنجح وبالواقع أليق طه : ( 49 ) قال فمن ربكما . . . . . ) قال فمن ربكما يا موسى ( أن بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به ولعله حذف لدلالة الحال عليه فإن المطيع إذا أمر بشيء فعله لا محالة وإنما خاطب الإثنين وخص موسى عليه الصلاة والسلام بالنداء لأنه الأصل وهرون وزيره وتابعه أو لأنه عرف أن له رتة ولأخيه فصاحة فأراد أن يفحمه ويدل عليه قوله ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ( ________________________________________ " صفحة رقم 54 " طه : ( 50 ) قال ربنا الذي . . . . . ) قال ربنا الذي أعطى كل شيء ( من الأنواع ) خلقه ( صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به فقدم المفعول الثاني لأنه المقصود بيانه وقيل أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة زوجا وقرىء ) خلقه ( صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ فيكون المفعول الثاني محذوفا أي أعطى كل مخلوق ما يصلحه ) ثم هدى ( ثم عرفه كيف يرتفق بما أعطي وكيف يتوصل به إلى بقائه وكماله اختيارا أو طبعا وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى وأن جميع ماعداه مفتقر إليه منعم عليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عليه فلم ير إلا صرف الكلام عنه طه : ( 51 ) قال فما بال . . . . . ) قال فما بال القرون الأولى ( فما حالهم بعد موتهم من السعادة والشقاوة طه : ( 52 ) قال علمها عند . . . . . ) قال علمها عند ربي ( أي هو غيب لا يعلمه إلا هو وإنما أنا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به ) في كتاب ( مثبت في اللوح المحفوظ ويجوز أن يكون تمثيلا لتمكنه في علمه بما استحفظه العالم وقيده بالكتبة ويؤيده ) لا يضل ربي ولا ينسى ( والضلال أن تخطىء الشيء في مكانه فلم تهتد إليه والنسيان أن تذهب عنه بحيث لا يخطر ببالك وهما محالان على العالم بالذات ويجوز أن يكون سؤاله دخلا على إحاطة قدرة الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 55 " بالأشياء كلها وتخصيصه ابعاضها بالصور والخواص المختلفة بأن ذلك يستدعي علمه بتفاصيل الأشياء وجزئياتها والقرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدتهم وتباعد أطرافهم كيف أحاط علمه بهم وبأجزائهم وأحوالهم فيكون معنى الجواب أن علمه تعالى محيط بذلك كله وأنه مثبت عنده لا يضل ولا ينسى طه : ( 53 - 54 ) الذي جعل لكم . . . . . ) الذي جعل لكم الأرض مهدا ( مرفوع صفة ل ) ربي ( أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح وقرأ الكوفيون هنا وفي الزخرف ) مهدا ( أي كالمهد تتمدونها وهو مصدر رسمي به والباقون مهادا وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في النبأ ) وسلك لكم فيها سبلا ( وجعل لكم فيها سبلا بين الجبال والأدوية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها ) وأنزل من السماء ماء ( مطرا ) فأخرجنا به ( عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته وعلى هذا نظائره كقوله ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ( ) أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ( الآية ) أزواجا ( أصنافا سميت بذلك لأزدواجها واقتران بعضها ببعض ) من نبات ( بيان أو صفة لأزواجا وكذلك ) شتى ( ويحتمل أن يكون صفة ل ) نبات ( ________________________________________ " صفحة رقم 56 " فإنه من حيث أنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال ) كلوا وارعوا أنعامكم ( وهو حال من ضمير ) فأخرجنا ( على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين ) كلوا وارعوا ( والمعنى معديهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه ) إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية طه : ( 55 ) منها خلقناكم وفيها . . . . . ) منها خلقناكم ( فإن التراب أصل خلقه أول آبائكم وأول مواد أبدانكم ) وفيها نعيدكم ( بالموت وتفكيك الأجزاء ) ومنها نخرجكم تارة أخرى ( بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها طه : ( 56 ) ولقد أريناه آياتنا . . . . . ) ولقد أريناه آياتنا ( بصرناه إياها أو عرفناه صحتها ) كلها ( تأكيد لشمول الأنواع أو لشمول الأفراد على أن المراد بآياتنا آيات معهودة وهي الآيات التسع المختصة بموسى أو أنه عليه السلام أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من المعجزات ) فكذب ( موسى من فرط عناده ) وأبى ( الإيمان والطاعة لعتوه طه : ( 57 ) قال أجئتنا لتخرجنا . . . . . ) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ( أرض مصر ) بسحرك يا موسى ( هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقا حتى خاف منه على ملكه فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكا مثله من أرضه طه : ( 58 - 59 ) فلنأتينك بسحر مثله . . . . . ) فلنأتينك بسحر مثله ( مثله سحرك ) فاجعل بيننا وبينك موعدا ( وعدا لقوله ) لا نخلفه نحن ولا أنت ( فإن الإخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب ) مكانا سوى ( بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف أو بأنه بدل من ) موعدا ( على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله ________________________________________ " صفحة رقم 57 " ) قال موعدكم يوم الزينة ( من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم أو بإضمار مثل مكان موعدكم مكان يوم الزينة كما هو على الأول أو وعدكم وعد يزم الزينة وقرىء ) يوم ( بالنصب وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر ومعنى سوى منتصفا يستوي مسافته إلينا وإليك وهو في النعت كقولهم قوم عدى في الشذوذ وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بالضم وقيل في يوم الزينة يوم عاشوراء أو يوم النيروز أو يوم عيد كان لهم في كل عام وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار ) وأن يحشر الناس ضحى ( عطف على ال ) يوم ( أو ) الزينة ( وقرىء على البناء للفاعل بالتاء على خطاب فرعون والياء على أن فيه ضمير ال ) يوم ( أو ضمير ) فرعون ( على أن الخطاب لقومه طه : ( 60 ) فتولى فرعون فجمع . . . . . ) فتولى فرعون فجمع كيده ( ما يكاد به يعني السحرة وآلاتهم ) ثم أتى ( الموعد طه : ( 61 ) قال لهم موسى . . . . . ) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ( بأن تدعوا آياته سحرا ) فيسحتكم بعذاب ( فيهلككم ويستأصلكم وبه قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب بالضم من الاسحات وهو لغة نجد وتميم والسحت لغة الحجاز ) وقد خاب من افترى ( كما خاب فرعون فإنه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه طه : ( 62 ) فتنازعوا أمرهم بينهم . . . . . ) فتنازعوا أمرهم بينهم ( أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم ليس هذا من كلام السحرة ) وأسروا النجوى ( بأن موسى إن غلبنا اتبعناه أو تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السر وقيل الضمير لفروعون وقومه طه : ( 63 ) قالوا إن هذان . . . . . وقوله ________________________________________ " صفحة رقم 58 " ) قالوا إن هذان لساحران ( تفسير ل ) وأسروا النجوى ( كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذرا أن يغلبا فيتبعهما الناس و ) هذان ( اسم إن على لغة بلحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديرا وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و ) هذان لساحران ( خبرها وقيل ) إن ( بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد بلام لا يليق به الحذف وقرأ أبو عمرو أن هذين وهو ظاهر وابن كثير وحفص أن هذان على أنها هي المخففة و اللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا ) يريدان أن يخرجاكم من أرضكم ( بالإستيلاء عليها ) بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ( بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله ) إني أخاف أن يبدل دينكم ( وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى ) أرسل معنا بني إسرائيل ( وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم واشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم ________________________________________ " صفحة رقم 59 " طه : ( 64 ) فأجمعوا كيدكم ثم . . . . . ) فأجمعوا كيدكم ( فأزمعوه واجعلوه مجمعا عليه لا يتخلف عنه واحد منكم وقرأ أبو عمرو ) فأجمعوا ( ويعضده قوله ) فجمع كيده ( والضمير في ) قالوا ( إن كان للسحرة فهو قول بعضهم لبعض ) ثم ائتوا صفا ( مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين قيل كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم جبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة ) وقد أفلح اليوم من استعلى ( فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض طه : ( 65 ) قالوا يا موسى . . . . . ) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ( أي بعد ما أتوا مراعاة للأدب و ) إن ( بما بعده منصوب بفعل مضمر أو مرفوع بخبرية محذوف أي اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا أبو الأمر إلقاءك أو إلقاؤنا طه : ( 66 ) قال بل ألقوا . . . . . ) قال بل ألقوا ( مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم وإسعافا إلى ما أو هموا من الميل إلى البدء بذكر الأول في شقهم وتغيير النظم إلى وجه أبلغ ولأن يبرزوا ما معهم ويستنفذوا أقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه ) فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ( أي فألقوا فإذا حبالهم وعصيهم وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضا ظرفية تستدعي متعلقا ينصبها وجملة تضاف إليها لكنها خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم وذلك بأنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليها أنها تتحرك وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وروح تخيل بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال والعصي وإبدال أنها ) تسعى ( منه بدل الاشتمال وقرئ ) يخيل ( بالياء على إسناده إلى الله تعالى وتخيل بمعنى تخيل طه : ( 67 ) فأوجس في نفسه . . . . . ) فأوجس في نفسه خيفة موسى ( فأضمر فيها خوفا من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية أو من أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه طه : ( 68 ) قلنا لا تخف . . . . . ) قلنا لا تخف ( ما توهمت ) إنك أنت الأعلى ( تعليل للنهي وتقرير لغلبته مؤكدا ________________________________________ " صفحة رقم 60 " بالاستئناف وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعريف الخبر ولفظ العلو الدال على الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل طه : ( 69 ) وألق ما في . . . . . ) وألق ما في يمينك ( أبهمه ولم يقل عصاك تحقيرا لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويدة التي في يدك أو تعظيما لها أي لا تحتفل بكثرة هذه الأجرام وعظمها فإن في يمينك ما هو أعظم منها أثرا فألقه ) تلقف ما صنعوا ( تبتلعه بقدرة الله تعالى وأصله تتلقف فحذفت إحدى التاءين وتاء المضارعة تحتمل التأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبب وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان بالرفع على الحال أو الاستئناف وحفص بالجزم والتخفيف على أنه من لقفته بمعنى تلقفته ) إنما صنعوا ( إن الذي زوروا وافتعلوا ) كيد ساحر ( وقرئ بالنصب على أن ما كافة وهو مفعول صنعوا وقرأ حمزة والكسائي سحر بمعنى ذي سحر أو بتسمية الساحر سحرا على المبالغة أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان كقولهم علم فقه وإنما وحد الساحر لأن المراد به الجنس المطلق ولذلك قال ) ولا يفلح الساحر ( أي هذا الجنس وتنكير الأول لتنكير المضاف كقول العجاج " يوم ترى النفوس ما أعدت في سعي دنيا طالما قد مدت " كأنه قيل إنما صنعوا كيد سحري ) حيث أتى ( حيث كان وأين أقبل ________________________________________ " صفحة رقم 61 " طه : ( 70 ) فألقي السحرة سجدا . . . . . ) فألقي السحرة سجدا ( أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله توبة عما صنعوا وإعتابا وتعظيما لما رأوا ) قالوا آمنا برب هارون وموسى ( قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية أو لأن فرعون ربى موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها طه : ( 71 ) قال آمنتم له . . . . . ) قال آمنتم له ( أي لموسى واللام لتضمن الفعل معنى الاتباع وقرأ قنبل وحفص ) آمنتم له ( على الخبر والباقون على الاستفهام ) قبل أن آذن لكم ( في الإيمان له ) إنه لكبيركم ( لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به أو لأستاذكم ) الذي علمكم السحر ( وأنتم تواطأتم على ما فعلتم ) فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن ابتدائية كأن القطع ابتدأ من مخالفة العضو العضو وهي مع المجرور بها في حيز النصب على الحال أي لأقطعنها مختلفات وقرئ لأقطعن ولأصلبن بالتخفيف ) ولأصلبنكم في جذوع النخل ( شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف وهو أول من صلب ) ولتعلمن أينا ( يريد نفسه وموسى لقوله ) آمنتم له ( واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله أراد به توضيع موسى والهزء به فإنه لم يكن من التعذيب في شيء وقيل رب موسى الذي آمنوا به ) أشد عذابا وأبقى ( وأدوم عقابا طه : ( 72 ) قالوا لن نؤثرك . . . . . ) قالوا لن نؤثرك ( لن نختارك ) على ما جاءنا ( موسى به ويجوز أن يكون الضمير فيه لما ) من البينات ( المعجزات الواضحات ) والذي فطرنا ( عطف على ما جاءنا أو قسم ) فاقض ما أنت قاض ( ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكم به ) إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ( إنما تصنع ما تهواه أو تحكم ما تراه في هذه الدنيا ) والآخرة خير وأبقى ( فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده وقرئ ) تقضي هذه الحياة الدنيا ( كقولك صيم يوم الجمعة طه : ( 73 ) إنا آمنا بربنا . . . . . ) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ( من الكفر والمعاصي ) وما أكرهتنا عليه من السحر ( من معارضة المعجزة روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما فوجدوه تحرسه ________________________________________ " صفحة رقم 62 " العصا فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه ) والله خير وأبقى ( جزاء أو خير ثوابا وأبقى عقابا طه : ( 74 ) إنه من يأت . . . . . ) أنه ( إن الأمر ) من يأت ربه مجرما ( بأن يموت على كفره وعصيانه ) فإن له جهنم لا يموت فيها ( فيستريح ) ولا يحيى ( حياة مهنأة طه : ( 75 ) ومن يأته مؤمنا . . . . . ) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ( في الدنيا ) فأولئك لهم الدرجات العلى ( المنازل الرفيعة طه : ( 76 ) جنات عدن تجري . . . . . ) جنات عدن ( بدل من الدرجات ) تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( حال والعامل فيها معنى الإشارة أو الإستقرار ) وذلك جزاء من تزكى ( تطهر من أدناس الكفر والمعاصي والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة وأن تكون ابتداء كلام من الله تعالى طه : ( 77 ) ولقد أوحينا إلى . . . . . ) ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ( أي من مصر ) فاضرب لهم طريقا ( فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما أو فاتخذ من ضرب اللبن إذا عمله ) في البحر يبسا ( يابسا مصدر وصف به يقال يبس يبسا ويبسا كسقم سقما وسقما ولذلك وصف به المؤنث فقيل شاة يبس للتي جف لبنها وقرىء ) يبسا ( وهو إما مخفف منه أو وصف على فعل كصعب أو جمع يابس كصحب وصف به الواحد مبالغة كقوله " كأن قتود رحلي حين ضمت حوالب غرزا ومعي جياعا " ________________________________________ " صفحة رقم 63 " أو لتعدده معنى فإنه جعل لكل سبط منهم طريقا ) لا تخاف دركا ( حال من المأمور أي آمنا من أن يدرككم العدو أوصفة ثانية والعائد محذوف وقرأ حمزة لا تخفف على أنه جواب الأمر 0 ) ولا تخشى ( استئناف أي وأنت لا تخشى أو عطف عليه والألف فيه للإطلاق كقوله و ) وتظنون بالله الظنونا ( أو حال بالواو والمعنى ولا تخشى الغرق طه : ( 78 ) فأتبعهم فرعون بجنوده . . . . . ) فأتبعهم فرعون بجنوده ( وذلك أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل فأخبر فرعون بذلك فقص أثرهم والمعنى فأتبعهم فرعون نفسه ومعه جنوده فحذف المفعول الثاني وقيل ) فأتبعهم ( بمعنى فأتبعهم ويؤيده القراءة به والباء للتعدية وقيل الباء مزيدة والمعنى فاتبعهم جنوده وذادهم خلفهم ) فغشيهم من اليم ما غشيهم ( الضمير لجنوده أوله ولهم وفيه مبالغة ووجازة أي غطاهم ما غطاهم والفاعل هو الله تعالى أو ما غشاهم أو فرعون لأنه الذي ورطهم للهلاك طه : ( 79 ) وأضل فرعون قومه . . . . . ) وأضل فرعون قومه وما هدى ( أي أضلهم في الدين وما هداهم وهو تهكم به في قوله ) وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( أو أضلهم في البحر وما نجا طه : ( 80 ) يا بني إسرائيل . . . . . ) يا بني إسرائيل ( خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا أو للذين منهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بما فعل بآبائهم ) قد أنجيناكم من عدوكم ( فرعون وقومه ) وواعدناكم جانب الطور الأيمن ( بمناجاة موسى وإنزال ________________________________________ " صفحة رقم 64 " التوراة وإنما عد الموعادة إليهم وهي لموسى أوله وللسبعين المختارين للملابسة ) ونزلنا عليكم المن والسلوى ( يعني في التيه طه : ( 81 ) كلوا من طيبات . . . . . ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( لذائذه أو حلالاته وقرأ حمزة والكسائي أنجيتكم وواعدتكم وما رزقتكم على التاء وقرىء ووعدتكم ووعدناكم والأيمن بالجر على الجوار مثل حجر ضب خرب ) ولا تطغوا فيه ( فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق ) فيحل عليكم غضبي ( فيلزمكم عذابي ويجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه ) ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( فقد تردى وهلك وقيل وقع في الهاوية وقرأ الكسائي يحل و / ويحلل / بالضم من حل يحل إذا نزل طه : ( 82 ) وإني لغفار لمن . . . . . ) وإني لغفار لمن تاب ( عن الشرك ) وآمن ( بما يجب الإيمان به ) وعمل صالحا ثم اهتدى ( ثم استقام على الهدى المذكور طه : ( 83 ) وما أعجلك عن . . . . . ) وما أعجلك عن قومك يا موسى ( سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة فينفسها انضم إليها إغفال القوم وإيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين وقدم جواب الإنكار لأنه أهم طه : ( 84 ) قال هم أولاء . . . . . ) موسى قال هم أولاء على أثري ( أي ماتقدمتهم إلا تخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بيني وبيهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا ) وعجلت إليك رب لترضى ( فإن المسارعة إلى إمتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك طه : ( 85 ) قال فإنا قد . . . . . ) قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك ( أبتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف مانجا من عبادة وقرىء ) وأضلهم ( أي ________________________________________ " صفحة رقم 65 " أشدهم ضلالا لأنه كان ضالا مضلا وإن صح أنهم أقاموا على الذين بعد ذهابه عشرين ليلة وحسبوها بأيامها أربعين وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل وإن هذا الخطاب كان له عند مقدمه إذ ليس في الآية ما يدل عليه كان ذلك إخبارا من الله له عن المترقب بلفظ الواقع على عادته فإن أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته و ) السامري ( منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجا من كرمان وقيل من أهل باجرما واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا طه : ( 86 ) فرجع موسى إلى . . . . . ) فرجع موسى إلى قومه ( بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة ) غضبان ( عليهم ) أسفا ( حزينا بما فعلوا ) قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ( بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور ) أفطال عليكم العهد ( أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم ) أم أردتم أن يحل عليكم ( يجب عليكم ) غضب من ربكم ( بعبادة ما هو مثل في الغباوة ) فأخلفتم موعدي ( وعدكم إياي بالثبات على الإيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به وقيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين وهو لا يناسب الترتيب على الترديد ولا على الشق الذي يليه ولا جوابهم له طه : ( 87 ) قالوا ما أخلفنا . . . . . ) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ( بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا ________________________________________ " صفحة رقم 66 " السامري لما أخلفناه وقرأ نافع وعاصم ) بملكنا ( بالفتح وحمزة والكسائي بالضم وثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء ) ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم ( حملنا أحمالا من حلى القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس وقيل استعاروا لعيد كان لهم ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به وقيل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ولعلهم سموها أوزارا لأنها آثام فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي ) فقذفناها ( أي في النار ) فكذلك ألقى السامري ( أي ما كان معه منها روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها نارا ونقذف كل ما معنا فيها ففعلوا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وروح حملنا بالفتح والتخفيف طه : ( 88 ) فأخرج لهم عجلا . . . . . ) فأخرج لهم عجلا جسدا ( من تلك الحلى المذابة ) له خوار ( صوت العجل ) فقالوا ( يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه ) هذا إلهكم وإله موسى فنسي ( أي فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور أو فنسي السامري أن ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان طه : ( 89 ) أفلا يرون ألا . . . . . ) أفلا يرون ( أفلا يعلمون ) ألا يرجع إليهم قولا ( أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا وقرئ ) يرجع ( بالنصب وفيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين ) ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ( ولا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم طه : ( 90 ) ولقد قال لهم . . . . . ) ولقد قال لهم هارون من قبل ( من قبل رجوع موسى عليه الصلاة والسلام أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك وبادر تحذيرهم ) يا قوم إنما فتنتم به ( ________________________________________ " صفحة رقم 67 " بالعجل ) وإن ربكم الرحمن ( لا غير ) فاتبعوني وأطيعوا أمري ( في الثبات على الدين طه : ( 91 ) قالوا لن نبرح . . . . . ) قالوا لن نبرح عليه ( على العجل وعبادته ) عاكفين ( مقيمين ) حتى يرجع إلينا موسى ( وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول طه : ( 92 ) قال يا هارون . . . . . ) قال يا هارون ( أي قال له موسى حين رجع ) ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ( بعبادة العجل طه : ( 93 ) ألا تتبعن أفعصيت . . . . . ) ألا تتبعن ( أن تتبعني في الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به أو أن تأتي عقبي وتلحقني ولا مزيدة كما في قوله ) ما منعك ألا تسجد ( ) أفعصيت أمري ( بالصلابة في الدين والمحاماة عليه طه : ( 94 ) قال يا ابن . . . . . ) قال يا ابن أم ( خص الأم استعطافا وترقيقا وقيل لأنه كان أخاه من الأم والجمهور على أنهما كانا من أب وأم ) لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ( أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه وفرط غضبه لله وكان عليه الصلاة والسلام حديدا خشنا متصلبا في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ) إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ( لو قاتلت أو فارقت بعضهم بعض ) ولم ترقب قولي ( حين قلت ) اخلفني في قومي وأصلح ( فإن الإصلاح كان في حفظ الدهماء والمداراة لهم أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك طه : ( 95 ) قال فما خطبك . . . . . ) قال فما خطبك يا سامري ( أي ثم أقبل عليه وقال له منكرا ما خطبك أي ما طلبك له وما الذي حملك عليه وهو مصدر خطب الشيء إذا طلبه طه : ( 96 ) قال بصرت بما . . . . . ) قال بصرت بما لم يبصروا به ( وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه وفطنت لما لم تفطنوا له وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه أو رأيت ما لم تروه وهو أن جبريل عليه الصلاة والسلام جاءك على فرس الحياة وقيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون وكان جبريل يغذوه حتى ________________________________________ " صفحة رقم 68 " استقل ) فقبضت قبضة من أثر الرسول ( من تربة موطئة والقبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير وقرىء بالصاد والأول للأخذ بجميع الكف والثاني للأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم والرسول جبريل عليه الصلاة والسلام ولعله لم يسمه لأنه لم عرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت وهو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور ) فنبذتها ( في الحلي المذاب أوفي جوف العجل حتى حيي ) وكذلك سولت لي نفسي ( زينته وحسنته لي طه : ( 97 ) قال فاذهب فإن . . . . . ) قال فاذهب فإن لك في الحياة ( عقوبة على ما فعلت ) أن تقول لا مساس ( خوفا من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى ومن مسك فتتحامى الناس ويتحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحش النافر وقرىء / لامساس / كفجار وهو علم للمسة ) وإن لك موعدا ( في الآخرة ) لن تخلفه ( لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيك لا محالة فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا وقرىء بالنون على حكاية قول الله ) وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ( ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا وقرىء بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها ) لنحرقنه ( أي بالنار ويؤيده قراءة ) لنحرقنه ( أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد ويعضده قراءة ) لنحرقنه ( ) ثم لننسفنه ( ثم لنذرينه رمادا أو مبرودا وقرىء بضم السين ) في اليم نسفا ( فلا يصادف منه شيء والمقصود من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر طه : ( 98 ) إنما إلهكم الله . . . . . ) أنما إلهكم ( المستحق لعبادتكم ) الله الذي لا إله إلا هو ( إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم والقدرة ) وسع كل شيء علما ( وسع علمه كل ما يصح أن يعلم ________________________________________ " صفحة رقم 69 " لا العجل الذي يصاغ ويحرق وإن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة وقرىء ) وسع ( فيكون انتصاب ) علما ( على المفعولية لأنه وإن انتصب على التمييز في المشهورة لكنه فاعل في المعنى فلما عدي الفعل بالتضعيف إلى المفعولين صار مفعولا طه : ( 99 ) كذلك نقص عليك . . . . . ) كذلك ( مثل ذلك الإقتصاص يعني اقتصاص عليه الصلاة والسلام ) نقص عليك من أنباء ما قد سبق ( من أخبار الأمور الماضية والأمم الدارجة تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها وتذكيرا للمستبصرين من أمتك ) وقد آتيناك من لدنا ذكرا ( كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والإعتبار والتنكير فيه للتعظيم وقيل ذكرا جميلا وصيتا عظيما بين الناس طه : ( 100 ) من أعرض عنه . . . . . ) من أعرض عنه ( عن الذكر الذي هو القرآن الجامع لوجوه السعادة والنجاة وقيل عن الله ) فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ( عقوبة ثقيلة فادحة على كفره وذنوبه سماها ) وزرا ( تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره أو إثما عظيما طه : ( 101 ) خالدين فيه وساء . . . . . ) خالدين فيه ( في الوزر أو في حمله والجمع فيه والتوحيد في أعرض للحمل على المعنى واللفظ ) وساء لهم يوم القيامة حملا ( أي بئس لهم ففيه ضمير مبهم يفسره ) حملا ( والمخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم واللام في ) لهم ( للبيان كما في ) هيت لك ( ولو جعلت ) ساء ( بمعنى أحزن والضمير الذي فيه للوزر أشكل أمر اللام ونصب ) حملا ( ولم يفد مزيد معنى طه : ( 102 ) يوم ينفخ في . . . . . ) يوم ينفخ في الصور ( وقرأ أبو ب عمرو بالنون على إسناد النفخ إلى الأمر به تعظيما له أو للنافخ وقرىء بالياء المفتوحة على أن فيه ضمير الله أو ضمير إسرافيل وإن لم يجر ذكره لأنه المشهور بذلك وقرىء ) في الصور ( وهو جمع صورة وقد سبق بيان ذلك ) ونحشر المجرمين يومئذ ( وقرىء ويحشر المجرمون ) زرقا ( زرق العيون وصفوا بذلك لأن ________________________________________ " صفحة رقم 70 " الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق العين ولذلك قالوا صفة العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين أو عميا فإن حدقة الأعمى تزراق طه : ( 103 ) يتخافتون بينهم إن . . . . . ) يتخافتون بينهم ( يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول والخفت خفض الصوت وإخفاؤه ) إن ( ما ) لبثتم إلا عشرا ( أي في الدنيا يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها أو لاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وعلموا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطار واتباع الشهوات أو في القبر لقوله ) ويوم تقوم الساعة ( إلى آخر الآيات طه : ( 104 ) نحن أعلم بما . . . . . ) نحن أعلم بما يقولون ( وهو مدة لبثهم ) إذ يقول أمثلهم طريقة ( أعدلهم رأيا أو عملا ) إن لبثتم إلا يوما ( استرجاح لقول من يكون أشد تقالا منهم طه : ( 105 ) ويسألونك عن الجبال . . . . . ) ويسألونك عن الجبال ( عن مآل أمرها وقد سأل عنها رجل من ثقيف ) فقل ( لهم ) ينسفها ربي نسفا ( يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها طه : ( 106 ) فيذرها قاعا صفصفا ) فيذرها ( فيذر مقارها أو الأرض وإضمارها من غير ذكر لدلالة ) الجبال ( عليها كقوله تعالى ) ما ترك عليها من دابة ( ) قاعا ( خاليا ) صفصفا ( مستويا كأن أجزاءها على صف واحد طه : ( 107 ) لا ترى فيها . . . . . ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( اعوجاجا ولا نتوا إن تأملت فيها بالقياس الهندسي وثلاثتها أحوال مترتبة فالأولان باعتبار الإحساس والثالث باعتبار المقياس ________________________________________ " صفحة رقم 71 " ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص بالمعاني والأمت وهو النتوء اليسير وقيل لا ترى استئناف مبين للحالين طه : ( 108 ) يومئذ يتبعون الداعي . . . . . ) يومئذ ( أي يوم إ نسقت على إضافة اليوم إلى وقت النسف ويجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة ) يتبعون الداعي ( داعي الله إلى المحشر قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقلبون من كل أوب إلى صوبه ) لا عوج له ( لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه ) وخشعت الأصوات للرحمن ( خفضت لمهابته ) فلا تسمع إلا همسا ( صوتا خفيا ومنه الهميس لصوت أخفاف الإبل وقد فسر الهمس بخفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر طه : ( 109 ) يومئذ لا تنفع . . . . . ) يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ( الاستثناء من الشفاعة أي إلا شفاعة من أذن له أو من أعم المفاعيل أي إلا من أذن في أن يشفع له فإن الشفاعة تنفعه ف ) من ( على الأول مرفوع على البدلية وعلى الثاني منصوب على المفعولية و ) آذن ( يحتمل أن يكون من الاذن ومن الأذن ) ورضي له قولا ( أي ورضي لمكانه عند الله قوله في الشفاعة أو رضي لأجله قول الشافع في شأنه أو قوله لأجله وفي شأنه طه : ( 110 ) يعلم ما بين . . . . . ) يعلم ما بين أيديهم ( ما تقدمهم من الأحوال ) وما خلفهم ( وما بعدهم مما يستقبلونه ) ولا يحيطون به علما ( ولا يحيط علمهم بمعلوماته وقيل بذاته وقيل الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما فإنهم لم يعلموا جميع ذلك ولا تفصيل ما علموا منه طه : ( 111 ) وعنت الوجوه للحي . . . . . ) وعنت الوجوه للحي القيوم ( ذلت وخضعت له خضوع العناة وهم الأسارى في يد الملك القهار وظاهرها يقتضي العموم ويجوز أن يراد بها وجوه المجرمين فتكون اللام ________________________________________ " صفحة رقم 72 " بدل الإضافة ويؤيده ) وقد خاب من حمل ظلما ( وهو يحتمل الحال والاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم طه : ( 112 ) ومن يعمل من . . . . . ) ومن يعمل من الصالحات ( بعض الطاعات ) وهو مؤمن ( إذ الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الخيرات ) فلا يخاف ظلما ( منع ثواب مستحق بالوعد ) ولا هضما ( ولا كسرا منه بنقصان أو جزاء ظلم وهضم لأنه غيره ولم يهضم حقه وقرئ فلا يخف على النهي طه : ( 113 ) وكذلك أنزلناه قرآنا . . . . . ) وكذلك ( عطف على كذلك نقص أي مثل ذلك الإنزال أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد ) أنزلناه قرآنا عربيا ( كله على هذه الوتيرة ) وصرفنا فيه من الوعيد ( مكررين فيه آيات الوعيد ) لعلهم يتقون ( المعاصي فتصير التقوى لهم ملكة ) أو يحدث لهم ذكرا ( عظة واعتبارا حين يسمعونها فتثبطهم عنها ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم والإحداث إلى القرآن طه : ( 114 ) فتعالى الله الملك . . . . . ) فتعالى الله ( في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته ذاتهم ) الملك ( النافذ أمره ونهيه الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده ) الحق ( في ملكوته يستحقه لذاته أو الثابت في ذاته وصفاته ) ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( نهي عن الاستعجال في تلقي الوحي من جبريل عليه السلام ومساوقته في القراءة حتى يتم وحيه بعد ذكر الإنزال على سبيل الاستطراد وقيل نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه ) وقل رب زدني علما ( أي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة طه : ( 115 ) ولقد عهدنا إلى . . . . . ) ولقد عهدنا إلى آدم ( ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد ________________________________________ " صفحة رقم 73 " إليه إذا أمره واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله ) وصرفنا فيه من الوعيد ( للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان ) من قبل ( من قبل هذا الزمان ) فنسي ( العهد ولم يعن به حتى غفل عنه أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة ) ولم نجد له عزما ( تصميم رأي وثباتا على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى ) ولم نجد له عزما ( وقيل عزما مفعولاه وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزما أو متعلق بنجد طه : ( 116 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . . ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( مقدر أي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك أنه نسي ولم يكن من أولي العزيمة والثبات ) فسجدوا إلا إبليس ( قد سبق القول فيه ) أبى ( جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السجود وهو الاستكبار وعلى هذا لا يقدر له مفعول مثل السجود المدلول عليه بقوله ) فسجدوا ( لأن المعنى أظهر الإباء عن المطاوعة طه : ( 117 ) فقلنا يا آدم . . . . . ) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما ( فلا يكونن سببا لإخراجكما ________________________________________ " صفحة رقم 74 " والمراد نهيهما عن أن يكون بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما ) من الجنة فتشقى ( وأفرده بإسناد الشقاء إليه بعد إشراكهما في الخروج اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث إنه قيم عليها ومحافظة على الفواصل أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ويؤيده قوله طه : ( 118 - 119 ) إن لك ألا . . . . . ) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ( ) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( فإنه بيان وتذكير لما له في الجنة من أسباب الكفاية وأقطاب الكفاف التي هي الشبع والري والكسوة والسكن مستغنيا عن اكتسابها والسعي في تحصيل أغراض ما عسى ينقطع ويزول منها بذكر نقائضها ليطرق سمعه بأصناف الشقوة المحذر عنها والعاطف وإن ناب عن أن لكنه ناب من حيث إنه عامل لا من حيث إنه حرف تحقيق فلا يمتنع دخوله على أن امتناع دخول إن عليه وقرأ نافع وأبو بكر وإنك لا تظمأ بكسر الهمزة والباقون بفتحها طه : ( 120 ) فوسوس إليه الشيطان . . . . . ) فوسوس إليه الشيطان ( فانتهى إليه وسوسته ) قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ( الشجرة التي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا فأضافها إلى الخلد أي الخلود لأنها سببه بزعمه ) وملك لا يبلى ( لا يزول ولا يضعف طه : ( 121 ) فأكلا منها فبدت . . . . . ) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر وهو ورق التين ) وعصى آدم ربه ( بأكل الشجرة ) فغوى ( فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو وقرئ فغوى من غوى الفصيل إذا أتخم من اللبن وفي النعي عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم للزلة وزجر بليغ لأولاده عنها ________________________________________ " صفحة رقم 75 " طه : ( 122 ) ثم اجتباه ربه . . . . . ) ثم اجتباه ربه ( اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من أجبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها وأصل معنى الكلمة الجمع ) فتاب عليه ( فقبل توبته لما تاب ) وهدى ( إلى الثبات على التوبة والتثبت بأسباب العصمة طه : ( 123 ) قال اهبطا منها . . . . . ) قال اهبطا منها جميعا ( الخطاب لآدم وحواء أو له ولإبليس ولما كانا أصلي الذرية خاطبهما مخاطبتهم فقال ) بعضكم لبعض عدو ( لأمر المعاش كما عليه الناس من التجاذب التحارب أو لاختلال حال كل من النوعين بواسطة الآخر ويؤيد الأول قوله ) فإما يأتينكم مني هدى ( كتاب ورسول ) فمن اتبع هداي فلا يضل ( في الدنيا ) ولا يشقى ( في الآخرة طه : ( 124 ) ومن أعرض عن . . . . . ) ومن أعرض عن ذكري ( عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي ) فإن له معيشة ضنكا ( ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث وقرىء ضنكى ازديادها خائفا على انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال ) وضربت عليهم الذلة والمسكنة ( ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( ) ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ( الآيات وقيل هو الضريع والزقوم في النار وقيل عذاب القبر ) ونحشره ( قرىء بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفا على محل ) فإن له معيشة ضنكا ( لأنه جواب الشرط ) يوم القيامة أعمى ( البصر أو القلب ويؤيد الأول طه : ( 125 ) قال رب لم . . . . . ) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ( وقد أمالهما حمزة والكسائي لأن الألف منقلبة من الياء وفرق أبو عمرو بأن الأول رأس الآية ومحل الوقف فهو جدير بالتغيير طه : ( 126 ) قال كذلك أتتك . . . . . ) قال كذلك ( أي مثل ذلك فعلت ثم فسره فقال ) أتتك آياتنا ( واضحة نيرة ) فنسيتها ( فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها ) وكذلك ( ومثل تركك إياها ) اليوم تنسى ( تترك في العمى والعذاب ________________________________________ " صفحة رقم 76 " طه : ( 127 ) وكذلك نجزي من . . . . . ) وكذلك نجزي من أسرف ( بالإنهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات ) ولم يؤمن بآيات ربه ( بل كذب بها وخالفها ) ولعذاب الآخرة ( وهو الحشر على العمى وقيل عذاب النار أي وللنار بعد ذلك ) أشد وأبقى ( من ضنك العيش أو منه ومن العمى ولعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله وحاله أو مما فعله من ترك الآيات والكفر بها طه : ( 128 ) أفلم يهد لهم . . . . . ) أفلم يهد لهم ( مسند إلى الله تعالى أبو الرسول أو ما دل عليه ) كم أهلكنا قبلهم من القرون ( أي إهلاكنا إياهم أو الجملة بمضمونها والفعل على الأولين معلق يجري مجرى أعلم ويدل عليه القراءة بالنون ) يمشون في مساكنهم ( ويشاهدون آثار هلاكهم ) إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي طه : ( 129 ) ولولا كلمة سبقت . . . . . ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة ) لكان لزاما ( لكان مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهؤلاء الكفرة وهو مصدر وصف به أو اسم آلة سمي به اللازم لفرط لزومه كقولهم لزاز خصم ) وأجل مسمى ( عطف على كلمة أي ولولا العدة بتأخير العذاب وأجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم وهو يوم القيامة أو يوم بدر لكان العذاب لزاما والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ويجوز عطفه على المستكن في كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين له طه : ( 130 ) فاصبر على ما . . . . . ) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك ( وصل وأنت حامد لربك على هدايته ________________________________________ " صفحة رقم 77 " وتوفيقه أو نزهة عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها ) قبل طلوع الشمس ( يعني الفجر ) وقبل غروبها ( يعني الظهر والعصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده ) ومن آناء الليل ( ومن ساعاته جمع أنا بالكسر والقصر أو أناء بالفتح والمد ) فسبح ( يعني المغرب والعشاء وإنما قدم زمان الليل لاختصاصه بمزيد الفضل فإن القلب فيه أجمع والنفس أميل إلى الاستراحة فكانت العبادة فيه أحمز ولذلك قال سبحانه وتعالى ) إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ( ) وأطراف النهار ( تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إرادة الاختصاص ومجيئه بلفظ الجمع لأمن الإلباس كقوله " ظهراهما مثل ظهور الترسين " أو أمر بصلاة الظهر فإنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الآخر وجمعه ________________________________________ " صفحة رقم 78 " باعتبار النصفين أو لأن النهار جنس أو بالتطوع في أجزاء النهار ) لعلك ترضى ( متعلق ب ) سبح ( أي سبح في هذه الأوقات طمعا أن تنال عند الله ما به ترضي نفسك وقرأ الكسائي وأبو بكر بالبناء للمفعول أي يرضيك ربك طه : ( 131 ) ولا تمدن عينيك . . . . . ) ولا تمدن عينيك ( أي نظر عينيك ) إلى ما متعنا به ( استحسانا له وتمنيا أن يكون لك مثله ) أزواجا منهم ( وأصنافا من الكفرة ويجوز أن يكون حالا من الضمير في به والمفعول منهم أي الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم أو ناسا منهم ) زهرة الحياة الدنيا ( منصوب بمحذوف دل عليه ) متعنا ( أو ) به ( على تضمينه معنى أعطينا أو بالبدل من محل ) به ( أو من ) أزواجا ( بتقدير مضاف ودونه أو بالذم وهي الزينة والبهجة وقرأ يعقوب بالفتح وهو لغة كالجهرة في الجهرة أو جمع زاهر وصف لهم بأنهم زاهر والدنيا لتنعمهم وبهاء زيهم بخلاف ما عليه المؤمنون الزهاد ) لنفتنهم فيه ( لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه ) ورزق ربك ( وما ادخر لك في الآخرة أو ما رزقك من الهدى والنبوة ) خير ( مما منحهم في الدنيا ) وأبقى ( فإنه لا ينقطع طه : ( 132 ) وأمر أهلك بالصلاة . . . . . ) وأمر أهلك بالصلاة ( أمره بأن يأمر أهل بيته أو التابعين له من أمته بالصلاة بعد ما أمر بها ليتعاونوا على الإستعانة بها على خصاصتهم ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة ) واصطبر عليها ( وداوم عليها ) لا نسألك رزقا ( أي أن ترزق نفسك ولا أهلك ) نحن نرزقك ( وإياهم ففرغ بالك لأمر الآخرة ) والعاقبة ( المحمودة ) للتقوى ( لذوي التقوى روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أصاب أهله ضر ________________________________________ " صفحة رقم 79 " أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية طه : ( 133 ) وقالوا لولا يأتينا . . . . . ) وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه ( بآية تدل على صدقة في إهداء النبوة أو بآية مقترحة إنكارا لما جاء به من الآيات أو للاعتداد به تعنتا وعنادا فألزمهم بإتيانه بالقرآن الذي هو أم المعجزات وأعظمها وأبقاها لأن حقيقة المعجزة اختصاص مدعي النبوة بنوع من العلم أو العمل على وجه خارق للعادة ولا شك أن العلم أصل العمل وأعلى منه قدرا وأبقى أثرا فكذا ما كان من هذا القبيل ونبههم أيضا على وجه أبين من وجوه إعجازه المختصة بهذا الباب فقال ) أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ( من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية فإن اشتمالها على زبدة ما فيها من العقائد والأحكام الكلية مع أن الآتي بها أمي لم يرها ولم يتعلم ممن علمها إعجاز بين وفيه إشعار بأنه كما يدل على نبوته برهان لما تقدمه من الكتب من حيث أنه معجز وتلك ليست كذلك بل هي مفتقرة إلى ما يشهد على صحتها وقرئ الصحف بالتخفيف وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم ) أو لم تأتهم ( بالتاء والباقون بالياء طه : ( 134 ) ولو أنا أهلكناهم . . . . . ) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ( من قبل محمد عليه الصلاة والسلام أو البينة والتذكير لأنها في معنى البرهان أو المراد بها القرآن ) لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ( بالقتل والسبي في الدنيا ) ونخزى ( بدخول النار يوم القيامة وقد قرئ بالبناء للمفعول فيهما طه : ( 135 ) قل كل متربص . . . . . ) قل كل ( أي كل واحد منا ومنكم ) متربص ( منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم ________________________________________ " صفحة رقم 80 " ) فتربصوا ( وقرئ فتمتعوا ) فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ( المستقيم وقرئ السواء أي الوسط الجيد والسوآى والسوء أي الشر والسوي هو تصغيره ) ومن اهتدى ( من الضلالة و ) من ( في الموضعين للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء ويجوز أن تكون الثانية موصولة بخلاف الأولى لعدم العائد فتكون معطوفة على محل الجملة الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة أو على أصحاب أو على الصراط على أن المراد به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ طه أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين ________________________________________ " صفحة رقم 81 " سورة الأنبياء مكية وآيها مائة واثنتا عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الأنبياء : ( 1 ) اقترب للناس حسابهم . . . . . ) اقترب للناس حسابهم ( بالإضافة إلى ما مضى أو ما عند الله لقوله تعالى ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( وقوله ) ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( أو لأن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما انقرض ومضى واللام صلة ل ) اقترب ( أو تأكيد للإضافة وأصله اقترب حساب الناس ثم اقترب للناس الحساب ثم اقترب للناس حسابهم وخص الناس بالكفار لتقييدهم بقوله ) وهم في غفلة ( أي في غفلة عن الحساب ) معرضون ( عن التفكر فيه وهما خبران للضمير ويجوز أن يكون الظرف حالا من المستكن في ) معرضون ) الأنبياء : ( 2 ) ما يأتيهم من . . . . . ) ما يأتيهم من ذكر ( ينبههم من سنة الغفلة والجهالة ) من ربهم ( صفة ل ) ذكر ( ________________________________________ " صفحة رقم 82 " أو صلة ل ) يأتيهم ( ) محدث ( تنزيله ليكرر على أسماعهم التنبيه كي يتعظوا وقرىء بالرفع حملا على المحل ) إلا استمعوه وهم يلعبون ( يستهزئون به ويستسخرون منه لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور والتفكر في العواقب ) وهم يلعبون ( حال من الواو وكذلك الأنبياء : ( 3 ) لاهية قلوبهم وأسروا . . . . . ) لاهية قلوبهم ( أي استمعوه جامعين بين الإستهزاء والتلهي والذهول عن التفكر فيه ويجوز أن يكون من واو ) يلعبون ( وقرئت بالرفع على أنها خبر آخر للضمير بدل من واو ) وأسروا ( للإيماء بأنهم ظالمون فيما أسروا به أو فاعل له والواو لعلامة الجمع أو مبتدأ والجملة المتقدمة خبره وأصله وهؤلاء أسروا النجوى فوضع الموصول موضعه تسجيلا على فعلهم بأنه ظلم أو منصوب على الذم ) هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ( بأمره في موضع النصب بدلا من ) النجوى ( أو مفعولا لقول مقدر كأنهم استدلوا بكونه بشرا على كذبه في ادعاء الرسالة لا عتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا واستلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر فأنكروا حضوره وإنما أسروا به تشاورا في استنباط ما يهدم أمره ويظهر فساده للناس عامة الأنبياء : ( 4 ) قال ربي يعلم . . . . . ) قل ربي يعلم القول في السماء والأرض ( جهرا كان أو سرا فضلا عما أسروا به فهو ________________________________________ " صفحة رقم 83 " آكد من قوله ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ( ولذلك أختير ها هنا وليطابق قوله ) وأسروا النجوى ( في المبالغة وقرأ حمزة والكسائي وحفص / قال / بالإخبار عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وهو السميع العليم ( فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون الأنبياء : ( 5 ) بل قالوا أضغاث . . . . . ) بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر ( إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ثم إلى أنه قول شاعر والظاهر أن ) بل ( الأولى لتمام حكاية والإبتداء بأخرى أو للإضراب عن تحاورهم في شأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن والثانية والثالثة لإضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه وخلطت عليه إلى كونه مفتريات أختلقها من تلقاء نفسه ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لاحقيقة لها ويرغبه فيها ويجوز أن يكون الكل من الله تنزيلا لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعرا أبعد من كونه مفترى لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع والمفتري لا يكون كذلك بخلاف الأحلام ولأنهم جربوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نيفا وأربعين سنة وما سمعوا منه كذبا قط وهو أبعد من كونه سحرا لأنه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق ) فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ( أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى وصحة التشبيه من حيث إن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية ________________________________________ " صفحة رقم 84 " الأنبياء : ( 6 ) ما آمنت قبلهم . . . . . ) ما آمنت قبلهم من قرية ( من أهل قرية ) أهلكناها ( باقتراح الآيات لما جاءتهم ) أفهم يؤمنون ( لو جئتهم بها وهم أعتى منهم وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم إذ لو أتى به ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم الأنبياء : ( 7 ) وما أرسلنا قبلك . . . . . ) وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( جواب لقولهم ) هل هذا إلا بشر مثلكم ( فأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرسل المتقدمة ليزول عنهم الشبهة والإحالة عليهم إما للإلزام فإن المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبي عليه الصلاة والسلام ويثقون بقولهم أو لأن إخبار الجم الغفير يوجب العلم وإن كانوا كفارا وقرأ حفص نوحي بالنون الأنبياء : ( 8 ) وما جعلناهم جسدا . . . . . ) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ( نفي لما اعتقدوا أنها من خواص الملك عن الرسل تحقيقا لأنهم أبشارا مثلهم وقيل جواب لقولهم ) ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( ) وما كانوا خالدين ( تأكيد وتقرير له فإن التعيش بالطعام من توابع التحليل المؤدي إلى الفناء وتوحيد الجسد لإرادة الجنس أو لأنه مصدر في الأصل أو على حذف المضاف أو تأويل الضمير بكل واحد وهو جسم ذو لون فلذلك لا يطلق على الماء والهواء ومنه الجساد للزعفران وقيل جسم ذو تركيب لأن أصله لجمع الشيء واشتداده الأنبياء : ( 9 ) ثم صدقناهم الوعد . . . . . ) ثم صدقناهم الوعد ( أي في الوعد ) فأنجيناهم ومن نشاء ( يعني المؤمنين بهم ومن في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو أحد من ذريته ولذلك حميت العرب من عذاب الاستئصال ) وأهلكنا المسرفين ( في الكفر والمعاصي ________________________________________ " صفحة رقم 85 " الأنبياء : ( 10 ) لقد أنزلنا إليكم . . . . . ) لقد أنزلنا إليكم ( يا قريش ) كتابا ( يعني القرآن ) فيه ذكركم ( صيتكم كقوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( أو موعظتكم أو ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق ) أفلا تعقلون ( فتؤمنون الأنبياء : ( 11 ) وكم قصمنا من . . . . . ) وكم قصمنا من قرية ( وارادة عن غضب عظيم لأن القصم كسر يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم ) كانت ظالمة ( صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامه ) وأنشأنا بعدها ( بعد إهلاك أهلها ) قوما آخرين ( مكانهم الأنبياء : ( 12 ) فلما أحسوا بأسنا . . . . . ) فلما أحسوا بأسنا ( فلما أدركوا شدة عذابنا وإدراك المشاهد المحسوس والضمير للأهل المحذوف ) إذا هم منها يركضون ( يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم الأنبياء : ( 13 ) لا تركضوا وارجعوا . . . . . ) لا تركضوا ( على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين ) وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ( من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة ) ومساكنكم ( التي كانت لكم ) لعلكم تسألون ( غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل الأنبياء : ( 14 ) قالوا يا ويلنا . . . . . ) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( لما رأوا العذاب ولم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم وقيل إن أهل حضور من قرى اليمن بعث إليهم نبي فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر فوضع السيف فيهم فنادى مناد من السماء يا لثارات الأنبياء فندموا وقالوا ذلك الأنبياء : ( 15 ) فما زالت تلك . . . . . ) فما زالت تلك دعواهم ( فما زالوا يرددون ذلك وإنما سماه دعوى لأن المولول ________________________________________ " صفحة رقم 86 " كأنه يدعوا الويل ويقول يا ويل تعال فهذا أوانك وكل من ) تلك ( و ) دعواهم ( يحتمل الاسمية والخبرية ) حتى جعلناهم حصيدا ( مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع ) خامدين ( ميتين من خمدت النار وهو مع ) حصيدا ( بمنزلة المفعول الثاني كقولك جعلته حلوا حامضا إذ المعنى وجعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود أو صفة له أو حال من ضميره الأنبياء : ( 16 ) وما خلقنا السماء . . . . . ) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسببا لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فإنها سريعة الزوال الأنبياء : ( 17 ) لو أردنا أن . . . . . ) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( ما يتلهى به ويلعب ) لاتخذناه من لدنا ( من جهة قدرتنا أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام المبسوطة كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفرش وتزيينها وقيل اللهو الولد بلغة اليمن وقيل الزوجة والمراد به الرد على النصارى ) إن كنا فاعلين ( ذلك ويدل على جواب الجواب المتقدم وقيل ) إن ( نافية والجملة كالنتيجة للشرطية الأنبياء : ( 18 ) بل نقذف بالحق . . . . . ) بل نقذف بالحق على الباطل ( إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو ) فيدمغه ( فيمحقه وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤة المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لابطاله ومبالغة فيه وقرئ ) فيدمغه ( بالنصب كقوله " سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا " ________________________________________ " صفحة رقم 87 " ووجهه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على الحق ) فإذا هو زاهق ( هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز ) ولكم الويل مما تصفون ( مما تصفونه به مما لا يجوز عليه وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة الأنبياء : ( 19 ) وله من في . . . . . ) وله من في السماوات والأرض ( خلقا وملكا ) ومن عنده ( يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك وهو معطوف على ) من في السماوات ( وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره ) لا يستكبرون عن عبادته ( لا يتعظمون عنها ) ولا يستحسرون ( ولا يعيون منها وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيها على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون الأنبياء : ( 20 ) يسبحون الليل والنهار . . . . . ) يسبحون الليل والنهار ( ينزهونه ويعظمونه دائما ) لا يفترون ( حال من الواو في ) يسبحون ( وهو استئناف أو حال من ضمير قبله الأنبياء : ( 21 ) أم اتخذوا آلهة . . . . . ) أم اتخذوا آلهة ( بل اتخذوا والهمزة لإنكار اتخاذهم ) من الأرض ( صفة لآلهة أو متعلقة بالفعل على معنى الآبتداء وفائدتها التحقير دون التخصيص ) هم ينشرون ( الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لكن ________________________________________ " صفحة رقم 88 " لزم ادعاؤهم لها الإلهية فإن من لوازمها الإقتدار على جميع الممكنات والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الإنشار بهم الأنبياء : ( 22 ) لو كان فيهما . . . . . ) لو كان فيهما آلهة إلا الله ( غير الله وصف ب ) إلا ( لتعذر الإستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه والمراد ملازمته لكونها مطلقا أو معه حملا لها على غير كما استثنى بغير حملا عليها ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الإستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب ) لفسدتا ( لبطلتا لما يكون بينهما ________________________________________ " صفحة رقم 89 " من الإختلاف و التمانع فإنها إن توافقت في المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت فيه تعاوقت عنه ) فسبحان الله رب العرش ( المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير ومنشأ التقادير ) عما يصفون ( من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد الأنبياء : ( 23 ) لا يسأل عما . . . . . ) لا يسأل عما يفعل ( لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالألوهية والسلطنة الذاتية ) وهم يسألون ( لأنهم مملوكون مستعبدون والضمير لل آلهة أو للعباد الأنبياء : ( 24 ) أم اتخذوا من . . . . . ) أم اتخذوا من دونه آلهة ( كرره استعظاما لكفرهم واستفظاعا لأمرهم وتبكيتا وإظهارا لجهلهم أو ضما لإنكار ما يكون لهم سندا من النقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلا من العقل على معنى أوجدوا آلهة ينشرون الموتى فاتخذوهم آلهة لما وجدوا فيهم من خواص الألوهية أو وجدوا في الكتب الإلهية الأمر بإشراكهم فاتخذوهم متابعة للأمر ويعضد ذلك أنه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلا وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلا ) قل هاتوا برهانكم ( على ذلك إما من العقل أو من النقل فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه كيف وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلا ونقلا ) هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ( من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك والتوحيد لما لم يتوقف على صحته بعثة الرسل وإنزال الكتب صح الإستدلال فيه بالنقل و ) من معي ( أمته و ) من قبلي ( الأمم المتقدمة وإضافة ال ) ذكر ( إليهم لأنه عظتهم وقرىء بالتنوين ولا إعمال وبه وب ) من ( الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وشبههما وبعدهما ) بل أكثرهم لا يعلمون الحق ( ولا يميزون بينه وبين الباطل وقرىء ) الحق ( بالرفع على أنه خبر محذوف وسط للتأكيد بين السبب والمسبب ) فهم معرضون ( عن التوحيد وإتباع الرسول من أجل ذلك الأنبياء : ( 25 ) وما أرسلنا من . . . . . ) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ( تعميم بعد تخصيص فإن ) وذكر من قبلي ( من ________________________________________ " صفحة رقم 90 " حيث إنه خبر لاسم الإشارة مخصوص بالموجود بين أظهرهم وهو الكتب الثلاثة وقرأ حفص وحمزة والكسائي نوحي إليه بالنون وكسر الحاء والباقون بالياء وفتح الحاء الأنبياء : ( 26 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . . ) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله ) سبحانه ( تنزيه له عن ذلك ) بل عباد ( بل هم عباد من حيث إنهم مخلوقون وليسوا بالأولاد ) مكرمون ( وفيه تنبيه على مدحض القوم وقرىء بالتشديد الأنبياء : ( 27 ) لا يسبقونه بالقول . . . . . ) لا يسبقونه بالقول ( لا يقولون شيئا حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المؤدبين وأصله لا يسبق قولهم قوله فنسب السبق إليه وإليهم وجعل القول محله وأداته تنبيها على استهجان السبق المعرض به للقائلين على الله ما لم يقله وأنيبت اللام على الإضافة اختصارا وتجافيا عن تكرير الضمير وقرىء ) لا يسبقونه ( بالضم من سابقته فسبقته أسبقه ) وهم بأمره يعملون ( لا يعلمون قط ما لم يأمرهم به الأنبياء : ( 28 ) يعلم ما بين . . . . . ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنهم لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( أن يشفع له مهابة منه ) وهم من خشيته ( عظمته ومهابته ) مشفقون ( مرتعدون وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء والإشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس الأنبياء : ( 29 ) ومن يقل منهم . . . . . ) ومن يقل منهم ( من الملائكة أو من الخلائق ) إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( يريد به نفي النبوة وإدعاء ذلك عن الملائكة وتهديد المشركين بتهديد مدعي الربوبية ) كذلك نجزي الظالمين ( من ظلم بالإشراك وادعاء الربوبية ________________________________________ " صفحة رقم 91 " الأنبياء : ( 30 ) أولم ير الذين . . . . . ) أولم ير الذين كفروا ( أو لم يعلموا وقرأ ابن كثير بغير واو ) أن السماوات والأرض كانتا رتقا ( ذات رتق أو مرتوقتين وهو الضم والإلتحام أي كانتا واحدا وحقيقة متحدة ) ففتقناهما ( بالتنويع والتمييز أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكا وكانت الأر ضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم وقيل ) كانتا ( بحيث لا فرجة بينهما ففرج وقيل ) كانتا رتقا ( لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات فيكون المراد ب ) السماوات ( سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو ) السماوات ( بأسرها على أن لها مدخلا ما في الأمطار والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرا فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط أو استفسارا من العلماء ومطالعة للكتب وإنما قال ) كانتا ( ولم يقل كن لأن المارد جماعة السموات وجماعة الأرض وقرىء ) رتقا ( بالفتح على تقدير شيئا رتقا أي مرتوقا كالرفض بمعنى المرفوض ) وجعلنا من الماء كل شيء حي ( وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى ) والله خلق كل دابة من ماء ( وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه أو صيرنا كل ________________________________________ " صفحة رقم 92 " شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه وقرئ حيا على أنه صفة ) كل ( أو مفعول ثان والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان ) أفلا يؤمنون ( مع ظهور الآيات الأنبياء : ( 31 ) وجعلنا في الأرض . . . . . ) وجعلنا في الأرض رواسي ( ثابتات من رسا الشيء إذا ثبت ) أن تميد بهم ( كراهة أن تميل بهم وتضطرب وقيل لأن لا تميد فحذف لا لأمن الإلباس ) وجعلنا فيها ( في الأرض أو الرواسي ) فجاجا سبلا ( مسالك واسعة وإنما قدم فجاجا وهو وصف له ليصير حالا فيدل على أنه حين خلقها كذلك أو ليبدل منها ) سبلا ( فيدل ضمنا على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد ) لعلهم يهتدون ( إلى مصالحهم الأنبياء : ( 32 ) وجعلنا السماء سقفا . . . . . ) وجعلنا السماء سقفا محفوظا ( عن الوقوع بقدرته أو الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته أو استراق السمع بالشهب ) وهم عن آياتها ( عن أحوالها الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهي حكمته التي يحس ببعضها ويبحث عن بعضها في علمي الطبيعة والهيئة ) معرضون ( غير متفكرين الأنبياء : ( 33 ) وهو الذي خلق . . . . . ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ( بيان لبعض تلك الآيات ) كل في فلك ( أي كل واحد منهما والتنوين بدل من المضاف إليه والمراد بالفلك الجنس كقولهم كساهم الأمير حلة ) يسبحون ( يسرعون على سطح الفلك إسراع السابح على سطح الماء وهو خبر ) كل ( والجملة حال من ) الشمس والقمر ( وجاز انفرادهما بها لعدم اللبس والضمير ________________________________________ " صفحة رقم 93 " لهما وإنما جمع باعتبار المطالع وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة فعلهم الأنبياء : ( 34 ) وما جعلنا لبشر . . . . . ) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون وفي معناه قوله " فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا " والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة لإنكاره بعد ما تقرر ذلك الأنبياء : ( 35 ) كل نفس ذائقة . . . . . ) كل نفس ذائقة الموت ( ذائقة مرارة مفارقتها جسدها وهو برهان على ما أنكروه ) ونبلوكم ( ونعاملكم معاملة المختبر ) بالشر والخير ( بالبلايا والنعم ) فتنة ( ابتلاء مصدر من غير لفظه ) وإلينا ترجعون ( فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر وفيه إيماء بأن المقصود من هذه الحياة والابتلاء والتعريض للثواب والعقاب تقريرا لما سبق الأنبياء : ( 36 ) وإذا رآك الذين . . . . . ) وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك ( ما يتخذونك ) إلا هزوا ( إلا مهزوءا به ويقولون ) أهذا الذي يذكر آلهتكم ( أي بسوء وإنما أطلقه لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء ) وهم بذكر الرحمن ( بالتوحيد أو بإرشاد الخلق ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم أو بالقرآن ) هم كافرون ( منكرون فهم أحق أن يهزأ بهم وتكرير الضمير للتأكيد والتخصيص ولحيلولة الصلة بينه وبين الخبر الأنبياء : ( 37 ) خلق الإنسان من . . . . . ) خلق الإنسان من عجل ( كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته كقولك خلق زيد من الكرم جعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع وهو منه مبالغة في لزومه له ولذلك قيل إنه على القلب ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد روي أنها نزلت في النضر بن ________________________________________ " صفحة رقم 94 " الحارث حين استعجل العذاب ) سأريكم آياتي ( نقماتي في الدنيا كوقعة بدر وفي الآخرة عذاب النار ) فلا تستعجلون ( بالأتيان بها والنهي عما جبلت عليه نفوسهم ليقعدوها عن مرادها الأنبياء : ( 38 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون متى هذا الوعد ( وقت وعد العذاب أو القيامة ) إن كنتم صادقين ( يعنون النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم الأنبياء : ( 39 ) لو يعلم الذين . . . . . ) لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ( محذوف الجواب و ) حين ( مفعول ) يعلم ( أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلون منه بقولهم ) متى هذا الوعد ( وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصرا يمنعها لما استعجلوا يعلمون بطلان ما هم عليه حين لا يكفون وإنما وضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على ما أوجب لهم ذلك الأنبياء : ( 40 ) بل تأتيهم بغتة . . . . . ) بل تأتيهم ( العدة أو النار أو الساعة ) بغتة ( فجأة مصدر أو حال وقرىء بفتح الغين ) فتبهتهم ( فنغلبهم أو تحيرهم وقرىء الفعلان بالياء والضمير ل ) الوعد ( أو ال ) حين ( وكذا في قوله ) فلا يستطيعون ردها ( لأن الوعد بمعنى النار أو العدة والحين بمعنى الساعة ويجوز أن يكون ل ) النار ( أو لل ) بغتة ( ) ولا هم ينظرون ( يمهلون وفيه تذكير بإمهالهم في الدنيا الأنبياء : ( 41 ) ولقد استهزئ برسل . . . . . ) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون ( ________________________________________ " صفحة رقم 95 " وعد له بأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالإنبياء ما فعلوا يعني جزاءه الأنبياء : ( 42 ) قل من يكلؤكم . . . . . ) قل ( يا محمد للمستهزئين ) من يكلؤكم ( يحفظكم ) بالليل والنهار من الرحمن ( من بأسه إن أراد بكم وفي لفظ ) الرحمن ( تنبيه على أن لا كالىء غير رحمته العامة وأن اندفاعه بمهلته ) بل هم عن ذكر ربهم معرضون ( لا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه حتى إذا كلؤا منه عرفوا الكالىء وصلحوا للسؤال عنه الأنبياء : ( 43 ) أم لهم آلهة . . . . . ) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ( بل ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا أو من عذاب يكون من عندنا والإضرابان عن الأمر بالسؤال على الترتيب فإنه عن المعرض الغافل عن الشيء بعيد وعن المعتقد أبعد ) لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ( استئناف بإبطال ما اعتقدوه فإن من لا يقدر على نصر نفسه ولا يصحبه نصر من الله فكيف ينصر غيره الأنبياء : ( 44 ) بل متعنا هؤلاء . . . . . ) بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ( إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم وهو الإستدراج والتمتع بما قدر لهم من الأعمار أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال ) أفلا يرون أنا نأتي الأرض ( أرض الكفرة ) ننقصها من أطرافها ( بتسليط المسلمين عليها وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين ) أفهم الغالبون ( رسول الله والمؤمنين الأنبياء : ( 45 ) قل إنما أنذركم . . . . . ) قل إنما أنذركم بالوحي ( بما أوحي إلي ) ولا يسمع الصم الدعاء ( وقرأ ابن عامر ولا تسمع الصم على خطاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقرىء بالياء على أن فيه ضميره وإنما سماهم ) الصم ( ووضعه موضع ضميرهم للدلالة على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون ) إذا ما ينذرون ( منصوب ب ) يسمع ( أو ب ) الدعاء ( والتقييد به لأن الكلام في الإنذار أو للمبالغة في تصامهم وتجاسرهم ________________________________________ " صفحة رقم 96 " الأنبياء : ( 46 ) ولئن مستهم نفحة . . . . . ) ولئن مستهم نفحة ( أدنى وفيه مبالغات ذكر المس وما فيه النفحة من معنى القلة فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والبناء الدال على المرة ) من عذاب ربك ( من الذي ينذرون به ) ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم الأنبياء : ( 47 ) ونضع الموازين القسط . . . . . ) ونضع الموازين القسط ( العدل توزن بها صحائف الأعمال وقيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل وإفراد ) القسط ( لأنه مصدر وصف به للمبالغة ) ليوم القيامة ( لجزاء يوم القيامة أو لأهله أو فيه كقولك جئت لخمس خلون من الشهر ) فلا تظلم نفس شيئا ( من حقها أو من الظلم ) وإن كان مثقال حبة من خردل ( أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة ورفع نافع ) مثقال ( على ) كان ( التامة ) أتينا بها ( أحضرناها وقرىء ) آتينا ( بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وأثبنا من الثواب وجئنا والضمير للمثقال وتأنيثه لإضافته إلى ) حبه ( ) وكفى بنا حاسبين ( إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا الأنبياء : ( 48 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ( أي الكتاب الجامع لكونه فارقا بين الحق والباطل ) وضياء ( يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة ) وذكرا ( يتعظ به المتقون أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع وقيل ) الفرقان ( النصر وقيل فلق البحر وقرىء ) ضياء ( بغير واو على أنه حال من الفرقان الأنبياء : ( 49 ) الذين يخشون ربهم . . . . . ) الذين يخشون ربهم ( صفة ) للمتقين ( أو مدح لهم منصوب أو مرفوع ) بالغيب ( حال من الفاعل أو المفعول ) وهم من الساعة مشفقون ( خائفون وفي تصدير الضمير وبناء الحكم عليه مبالغة وتعريض الأنبياء : ( 50 ) وهذا ذكر مبارك . . . . . ) وهذا ذكر ( يعني القرآن ) مبارك ( كثير خيره ) أنزلناه ( على محمد عليه الصلاة والسلام ) أفأنتم له منكرون ( استفهام توبيخ الأنبياء : ( 51 ) ولقد آتينا إبراهيم . . . . . ) ولقد آتينا إبراهيم رشده ( الإهتداء لوجوه الصلاح وإضافته ليدل على أنه رشد مثله ________________________________________ " صفحة رقم 97 " وأن له شأنا وقرئ رشدة وهو لغة ) من قبل ( من قبل موسى وهرون أو محمد عليه الصلاة والسلام وقيل من قبل استنبائه أو بلوغه حيث قال ) إني وجهت ( ) وكنا به عالمين ( علمنا أنه أهل لما أتيناه أو جامع لمحاسن الأوصاف ومكارم الخصال وفيه إشارة إلى أن فعله سبحانه وتعالى باختيار وحكمة وأنه عالم بالجزئيات الأنبياء : ( 52 ) إذ قال لأبيه . . . . . ) إذ قال لأبيه وقومه ( متعلق ب ) آتينا ( أو ب ) رشده ( أو بمحذوف أي أذكر من أوقات رشده وقت قوله ) ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ( تحقير لشأنها وتوبيخ على إجلالها فإن التمثال صورة لا روح فيها لا يضر ولا ينفع واللام للاختصاص لا للتعدية فإن تعدية العكوف بعلى والمعنى أنتم فاعلون العكوف لها ويجوز أن يؤول بعلى أو يضمن العكوف معنى العبادة الأنبياء : ( 53 ) قالوا وجدنا آباءنا . . . . . ) قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ( فقلدناهم وهو جواب عما لزم الاستفهام من السؤال عما اقتضى عبادتها وحملهم عليها الأنبياء : ( 54 ) قال لقد كنتم . . . . . ) قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ( منخرطين في سلك ضلال لا يخفى على عاقل لعدم استناد الفريقين إلى دليل والتقليد إن جاز فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق ________________________________________ " صفحة رقم 98 " الأنبياء : ( 55 ) قالوا أجئتنا بالحق . . . . . ) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ( كأنهم لاستبعادهم تضليله إياهم ظنوا أن ما قاله على وجه الملاعبة فقالوا أبجد تقوله أم تلعب به الأنبياء : ( 56 ) قال بل ربكم . . . . . ) قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ( إضراب عن كونه لاعبا بإقامة البرهان على ما ادعاه وهن للسموات والأرض أو للتماثيل وهو أدخل في تضليلهم وإلزام الحجة عليهم ) وأنا على ذلكم ( أي المذكور من التوحيد ) من الشاهدين ( من المتحققين له والمبرهنين عليه فإن الشاهد من تحقق الشيء وحققه الأنبياء : ( 57 ) وتالله لأكيدن أصنامكم . . . . . ) وتالله ( وقرئ بالباء وهي الأصل والتاء بدل من الواو المبدلة منها وفيها تعجب ) لأكيدن أصنامكم ( لأجتهدن في كسرها ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل ) بعد أن تولوا ( عنها ) مدبرين ( إلى عيدكم ولعله قال ذلك سرا الأنبياء : ( 58 ) فجعلهم جذاذا إلا . . . . . ) فجعلهم جذاذا ( قطاعا فعال بمعنى مفعول كالحطام من الجذ وهو القطع وقرأ الكسائي بالكسر وهو لغة أو جمع جذيذ كخفاف وخفيف وقرئ بالفتح و / جذذا / جمع جذيذ وجذذا جمع جذة ) إلا كبيرا لهم ( للأصنام كسر غيره واستبقاه وجعل الفأس على عنقه ) لعلهم إليه يرجعون ( لأنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لتفرده واشتهاره بعداوة آلهتهم فيحاجهم بقوله ) بل فعله كبيرهم ( فيحجهم أو أنهم يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن كاسرها إذ من شأن المعبود أن يرجع إليه في حل العقد فيبكتهم بذلك أو إلى الله أي ) يرجعون ( إلى توحيده عند تحققهم عجز آلهتهم الأنبياء : ( 59 ) قالوا من فعل . . . . . ) قالوا ( حين رجعوا ) من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ( بجرأته على الآلهة الحقيقة بالإعظام أو بإفراطه في حطمها أو بتوريط نفسه للهلاك ________________________________________ " صفحة رقم 99 " الأنبياء : ( 60 ) قالوا سمعنا فتى . . . . . ) قالوا سمعنا فتى يذكرهم ( يعيبهم فلعله فعله ويذكر ثاني مفعولي سمع أو صفة ل فتى مصححة لأن يتعلق به السمع وهو أبلغ في نسبة الذكر إليه ) يقال له إبراهيم ( خبر محذوف أي هو إبراهيم ويجوز أن يرفع بالفعل لأن المراد به الأسم الأنبياء : ( 61 ) قالوا فأتوا به . . . . . ) قالوا فأتوا به على أعين الناس ( بمرأى منهم بحيث تتمكن صورته في أعينهم تتمكن الراكب على المركوب ) لعلهم يشهدون ( بفعله أو قوله أو يحضرون عقوبتنا له الأنبياء : ( 62 ) قالوا أأنت فعلت . . . . . ) قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ( حين أحضروه الأنبياء : ( 63 ) قال بل فعله . . . . . ) قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ( أسند الفعل إليه تجوزا لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه أو تقريرا لنفسه مع الإستهزاء والتبكيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أأنت كتبت هذا فقلت بل كتبته أنت أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله ) إن كانوا ينطقون ( وما بينهما اعتراض أو ضمير ) فتى ( أو ) إبراهيم ( وقوله ) كبيرهم هذا ( مبتدأ وخبر ولذلك وقف على فعله وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لإبراهيم ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته الأنبياء : ( 64 ) فرجعوا إلى أنفسهم . . . . . ) فرجعوا إلى أنفسهم ( وراجعوا عقولهم ) فقالوا ( فقال بعضهم لبعض ) إنكم أنتم الظالمون ( ________________________________________ " صفحة رقم 100 " بهذا السؤال أو بعبادة من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع لا من ظلمتموه بقولكم ) إنه لمن الظالمين ) الأنبياء : ( 65 ) ثم نكسوا على . . . . . ) ثم نكسوا على رؤوسهم ( انقلبوا إلى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعليا على أعلاه وقرىء نكسوا بالتشديد و ) نكسوا ( أي نكسوا أنفسهم ) لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ( فكيف تأمرنا بسؤالها وهو على إرادة القول الأنبياء : ( 66 ) قال أفتعبدون من . . . . . ) قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ( إنكار لعبادتهم لها بعد اعترافهم بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر فإنه ينافي الألوهية الأنبياء : ( 67 ) أف لكم ولما . . . . . ) أف لكم ولما تعبدون من دون الله ( تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين و ) أف ( صوت المتضجر ومعناه قبحا ونتنا واللام لبيان المتأفف له ) أفلا تعقلون ( قبح صنيعكم الأنبياء : ( 68 ) قالوا حرقوه وانصروا . . . . . ) قالوا ( أخذا في المضارة لما عجزوا عن المحاجة ) حرقوه ( فإن النار أوهل ما يعاقب به ) وانصروا آلهتكم ( بالإنتقام لها ) إن كنتم فاعلين ( إن كنتم ناصرين لها نصرا مؤزرا والقائل فيهم رجل من أكراد فارس اسمه هيون خسف به الأرض خسف به الأرض وقيل نمروذ الأنبياء : ( 69 ) قلنا يا نار . . . . . ) قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ( ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته مأمورة مطيعة وإقامة ) كوني ( ذات برد مقام أبردي ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل نصب ) سلاما ( بفعله أي وسلمنا سلاما روى أنهم بنوا حظير بكوثي وجمعوا فيها نارا عظيمة ثم وضعوه في المنجنيق مغلولا فرموا به فيها فقال له جبريل هل لك حاجة فقال أما إليك فلا فقال فسل ربك فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرة روضة ولم يحترق منه إلا وثاقة فاطلع عليه نمروذ من الصرح فقال إني مقرب إلى إلهك ________________________________________ " صفحة رقم 101 " فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكان إذ ذاك ابن ست عشرة سنة وانقلاب النار هواء طيبا ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من المعتاد فهو إذن من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكنه سبحانه وتعالى دفع عنه أذاها كما ترى في السمندل ويشعر به قوله على إبراهيم الأنبياء : ( 70 ) وأرادوا به كيدا . . . . . ) وأرادوا به كيدا ( مكرا في إضراره ) فجعلناهم الأخسرين ( أخسر من كل خاسر لما عاد سعيهم برهانا قاطعا على أنهم على الباطل وإبراهيم على الحق وموجبا لمزيد درجته واستحقاقهم أشد العذاب الأنبياء : ( 71 ) ونجيناه ولوطا إلى . . . . . ) ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ( أي من العراق إلى الشام وبركاته العامة أن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية وقيل كثرة النعم والخصب الغالب روي أنه عليه الصلاة والسلام نزل بفلسطين ولوط عليه الصلاة والسلام بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة الأنبياء : ( 72 ) ووهبنا له إسحاق . . . . . ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ( عطية فهي حال منهما أو ولد ولد أو زيادة على ما سأل وهو إسحاق فتختص بيعقوب ولا بأس به للقرينة ) وكلا ( يعني الأربعة ) جعلنا صالحين ( بأن وفقناهم للصلاح وحملناهم عليه فصاروا كاملين الأنبياء : ( 73 ) وجعلناهم أئمة يهدون . . . . . ) وجعلناهم أئمة ( يقتدى بهم ) يهدون ( الناس إلى الحق ) بأمرنا ( لهم بذلك وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين ) وأوحينا إليهم فعل الخيرات ( ليحثوهم عليها فيتم كمالها بانضمام العمل إلى العلم وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم ) فعل الخيرات ( وكذلك قوله ) وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ( وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل وحذفت تاء الإقامة المعوضة من إحدى الألفين لقيام المضاف إليه مقامها ) وكانوا لنا عابدين ( موحدين مخلصين في العبادة ولذلك قدم الصلة الأنبياء : ( 74 ) ولوطا آتيناه حكما . . . . . ) ولوطا آتيناه حكما ( حكمة أو نبوة أو فصلا بين الخصوم ) وعلما ( بما ينبغي علمه للأنبياء ) ونجيناه من القرية ( قرية سدوم ) التي كانت تعمل الخبائث ( يعني اللواطة وصفها بصفة أهلها أو أسندها إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامه ويدل عليه ) إنهم كانوا قوم سوء فاسقين ( فإنه كالتعليل له ________________________________________ " صفحة رقم 102 " الأنبياء : ( 75 ) وأدخلناه في رحمتنا . . . . . ) وأدخلناه في رحمتنا ( في أهل رحمتنا أو جنتنا ) إنه من الصالحين ( الذين سبقت لهم منا الحسنى الأنبياء : ( 76 ) ونوحا إذ نادى . . . . . ) ونوحا إذ نادى ( إذ دعا الله سبحانه على قومه بالهلاك ) من قبل ( من قبل المذكورين ) فاستجبنا له ( دعاءه ) فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ( من الطوفان أو أذى قومه والكرب الغم الشديد الأنبياء : ( 77 ) ونصرناه من القوم . . . . . ) ونصرناه ( مطاوع انتصر أي جعلناه منتصرا ) من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ( لاجتماع الأمرين تكذيب الحق والانهماك في الشر ولعلهما لم يجتمعا في قوم إلا وأهلكهم الله تعالى الأنبياء : ( 78 ) وداود وسليمان إذ . . . . . ) وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ( في الزرع وقيل في كرم تدلت عناقيده ) إذ نفشت فيه غنم القوم ( رعته ليلا ) وكنا لحكمهم شاهدين ( لحكم الحاكمين والمتحاكمين إليهما عالمين الأنبياء : ( 79 ) ففهمناها سليمان وكلا . . . . . ) ففهمناها سليمان ( الضمير للحكومة أو للفتوى وقرئ فأفهمناها روي أن داود حكم بالغنم لصاحب الحرث فقال سليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة غير هذا أرفق بهما فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأشعارها والحرث إلى أرباب الغنم يقومون عليه حتى يعود إلى ما كان ثم يترادان ولعلهما قالا اجتهادا والأول نظير قول أبي حنيفة في العبد الجاني والثاني مثل قول الشافعي بغرم الحيلولة في العبد المغصوب إذا أبق وحكمه في شرعنا عند الشافعي وجوب ضمان المتلف بالليل إذ المعتاد ضبط الدواب ليلا وهكذا قضى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما دخلت ناقة البراء حائطا وأفسدته فقال على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية حفظهما بالليل وعند أبي حنيفة لا ضمان إلا أن يكون معها حافظ لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) جرح العجماء جبار ) وكلا آتينا حكما وعلما ( دليل على أن ________________________________________ " صفحة رقم 103 " خطأ المجتهد لا يقدح فيه وقيل على أن كل مجتهد مصيب وهو مخالف لمفهوم قوله تعالى ) ففهمناها ( ولولا النقل لاحتمل توافقهما على أن قوله ففهمناها لإظهار ما تفضل عليه في صغره ) وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ( يقدسن الله معه إما بلسان الحال أو بصوت يتمثل له أو بخلق الله تعالى فيها الكلام وقيل يسرن معه من السباحة وهو حال أو استئناف لبيان وجه التسخير و ) مع ( متعلقة ب ) سخرنا ( أو ) يسبحن ( ) والطير ( عطف على ) الجبال ( أو مفعول معه وقرئ بالرفع على الابتداء أو العطف على الضمير على ضعف ) وكنا فاعلين ( لأمثاله فليس ببدع منا وإن كان عجبا عندكم الأنبياء : ( 80 ) وعلمناه صنعة لبوس . . . . . ) وعلمناه صنعة لبوس ( عمل الدرع وهو في الأصل اللباس قال " البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها " قيل كانت صفائح فحلقها وسردها ) لكم ( متعلق بعلم أو صفة للبوس ) لتحصنكم من بأسكم ( بدل منه بدل الاشتمال بإعادة الجار والضمير لداود عليه الصلاة والسلام أو للبوس وفي قراءة ابن عامر وحفص بالتاء للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع وفي قراءة أبي بكر ورويس بالنون لله عز وجل ) فهل أنتم شاكرون ( ذلك أمر أخرجه في صورة الاستفهام للمبالغة والتقريع الأنبياء : ( 81 ) ولسليمان الريح عاصفة . . . . . ) ولسليمان ( وسخرنا له ولعل اللام فيه دون الأول لأن الخارق فيه عائد إلى سليمان نافع له وفي الأول أمر يظهر في الجبال والطير مع داود وبالإضافة إليه ) الريح عاصفة ( شديدة الهبوب من حيث إنها تبعد بكرسيه في مدة يسيرة كما قال تعالى ) غدوها شهر ورواحها شهر ( وكانت رخاء في نفسها طيبة وقيل كانت رخاء تارة وعاصفة أخرى ________________________________________ " صفحة رقم 104 " حسب إرادته ) تجري بأمره ( بمشيئته حال ثانية أو بدل من الأولى أو حال من ضميرها ) إلى الأرض التي باركنا فيها ( إلى الشام رواحا بعد ما سارت به منه بكرة ) وكنا بكل شيء عالمين ( فنجريه على ما تقتضيه الحكمة الأنبياء : ( 82 ) ومن الشياطين من . . . . . ) ومن الشياطين من يغوصون له ( في البحار ويخرجون نفائسها ) ومن ( عطف على ) الريح ( أو مبتدأ خبره ما قبله وهي نكرة موصوفة ) ويعملون عملا دون ذلك ( ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر كبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة كقوله تعالى ) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ( ) وكنا لهم حافظين ( أن يزيغوا عن أمره أو يفسدوا على ما هو مقتضى جبلتهم الأنبياء : ( 83 ) وأيوب إذ نادى . . . . . ) وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر ( بأني مسني الضر وقرىء بالكسر على إضمار القول أو تضمين النداء معناه و ) الضر ( بالفتح شائع كل كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال ) وأنت أرحم الراحمين ( وصف ربه بغاية الرحمة بعدما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفا في السؤال وكان روميا من ولد عيص بن إسحاق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات روي أن امرأته ماخير بنت ميشا بن يوسف أو رحمة بنت إفراثيم بن يوسف قالت له يوما لو دعوت الله فقال كم كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال استحيي من الله أن ادعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي الأنبياء : ( 84 ) فاستجبنا له فكشفنا . . . . . ) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ( بالشفاء من مرضه ) وآتيناه أهله ومثلهم معهم ( بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيي ولده وولد له منهم نوافل ) رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ( رحمة على أيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كماصبر فيثابوا كما أثيب أو لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم الأنبياء : ( 85 ) وإسماعيل وإدريس وذا . . . . . ) وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ( يعني إلياس وقيل يوشع وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم والكفل ________________________________________ " صفحة رقم 105 " يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف ) كل ( كل هؤلاء ) من الصابرين ( على مشاق التكاليف وشدائد النوب الأنبياء : ( 86 ) وأدخلناهم في رحمتنا . . . . . ) وأدخلناهم في رحمتنا ( يعني النبوة أو نعمة الآخرة ) إنهم من الصالحين ( الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن صلاحهم معصوم عن كدر الفساد الأنبياء : ( 87 ) وذا النون إذ . . . . . ) وذا النون ( وصاحب الحوت يونس بن متى ) إذ ذهب مغاضبا ( لقومه لما برم بطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجرا عنهم قبل أن يؤمر وقبل وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها وقرىء مغضبا ) فظن أن لن نقدر عليه ( لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر ويعضده أنه قرىء مثقلا أو لن نعمل فيه قدرتنا وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمرنا أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسميت ظنا للمبالغة وقرىء بالياء وقرأ يعقوب على البناء للمفعول وقرىء به مثقلا ) فنادى في الظلمات ( في الظلمة الشديدة المتكاثفة أو ظلمات بطن الحوت والبحر والليل ) أن لا إله إلا أنت ( بأنه لا إله إلا أنت ) سبحانك ( من أن يعجزك شيء ) إني كنت من الظالمين ( لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة وعن النبي عليه الصلاة والسلام ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له الأنبياء : ( 88 ) فاستجبنا له ونجيناه . . . . . ) فاستجبنا له ونجيناه من الغم ( بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان في بطنه وقيل ثلاثة أيام والغم غم الإلتقام وقيل غم الخطيئة ) وكذلك ننجي المؤمنين ( من غموم دعوا الله فيها بالإخلاص وفي الإمام نجي ولذلك أخفى الجماعة النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الفم وقرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم على أن ________________________________________ " صفحة رقم 106 " أصله ) ننجي ( النون الثانية كما حذفت التاء الثانية في ) تظاهرون ( وهي وإن كانت فاء فحذفها أوقع من حذف حرف المضارعة التي لمعنى ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النونين فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإدغام وامتناع الحذف في تتجافى لخوف اللبس وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر وسكن آخره تخفيفا ورد بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخره الأنبياء : ( 89 ) وزكريا إذ نادى . . . . . ) وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا ( وحيدا بلا ولد يرثني ) وأنت خير الوارثين ( فإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به الأنبياء : ( 90 ) فاستجبنا له ووهبنا . . . . . ) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ( أي أصلحناها للولادة بعد عقرها أو ل ) زكريا ( بتحسين خلقها وكانت حردة ) إنهم ( يعني المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) كانوا يسارعون في الخيرات ( يبادرون إلى أبواب الخير ) ويدعوننا رغبا ورهبا ( ذوي رغب ورهب أو راغبين في الثواب راجين للإجابة أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية ) وكانوا لنا خاشعين ( مخبتين أو دائبين الوجل والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال الأنبياء : ( 91 ) والتي أحصنت فرجها . . . . . ) والتي أحصنت فرجها ( من الحلال والحرام يعني مريم ) فنفخنا فيها ( أي في عيسى عليه الصلاة والسلام فيها أي أحييناه في جوفها وقيل فعلنا النفخ فيها ) من روحنا ( من الروح الذي الذي هو بأمرنا وحده أو من جهة روحنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام ) وجعلناها وابنها ( أي قصتهما أو حالهما ولذلك وحد قوله ) آية للعالمين ( فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى الأنبياء : ( 92 ) إن هذه أمتكم . . . . . ) إن هذه أمتكم ( أي إن ملة التوحيد والإسلام ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها فكونوا عليها ) أمة واحدة ( غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا مشاركة لغيرها في صحة الاتباع وقرئ ) أمتكم ( بالنصب على البدل ) أمة ( بالرفع على الخبر وقرئتا بالرفع عن أنهما خبران ) وأنا ربكم ( لا إله لكم غيري ) فاعبدون ( ________________________________________ " صفحة رقم 107 " الأنبياء : ( 93 ) وتقطعوا أمرهم بينهم . . . . . ) وتقطعوا أمرهم بينهم ( صرفه إلى الغيبة التفاتا لينعى على الذين تفرقوا في الدين وجعلوا أمره قطعا موزعة بقبيح فعلهم إلى غيرهم ) كل ( من الفرق المتحزبة ) إلينا راجعون ( فنجازيهم الأنبياء : ( 94 ) فمن يعمل من . . . . . ) فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ( بالله ورسله ) فلا كفران ( فلا تضييع ) لسعيه ( استعير لمنع الثواب كما أستعير الشكر لإعطائه ونفي نفي الجنس للمبالغة ) وإنا له ( لسعيه ) كاتبون ( مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما الأنبياء : ( 95 ) وحرام على قرية . . . . . ) وحرام على قرية ( وممتنع على أهلها غير متصور منهم وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي وحرم بكسر الحاء وإسكان الراء وقرئ حرم ) أهلكناها ( حكمنا بإهلاكها أو وجدناها هالكة ) أنهم لا يرجعون ( رجوعهم إلى التوبة أو الحياة ولا صلة أو عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ خبره حرام أو فاعل له ساد مسد خبره أو دليل عليه وتقديره توبتهم أو حياتهم أو عدم بعثهم أو لأنهم ) لا يرجعون ( ولا ينيبون ) وحرام ( خبر محذوف أي وحرام عليها ذاك وهو المذكور في الآية المتقدمة ويؤيده القراءة بالكسر وقيل ) حرام ( عزم وموجب عليهم ) أنهم لا يرجعون ) الأنبياء : ( 96 ) حتى إذا فتحت . . . . . ) حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ( متعلق ب ) حرام ( أو بمحذوف دل الكلام عليه أو ب ) لا يرجعون ( أي يستمر الإمتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها والمحكي هي الجملة الشرطية وقرأ ابن عامر ويعقوب فتحت بالتشديد وهم يعني ________________________________________ " صفحة رقم 108 " يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم ) من كل حدب ( نشز من الأرض وقرئ جدث وهو القبر ) ينسلون ( يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين الأنبياء : ( 97 ) واقترب الوعد الحق . . . . . ) واقترب الوعد الحق ( وهو القيامة ) فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ( جواب الشرط وإذا للمفاجأة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله تعالى ) إذا هم يقنطون ( فإذا جاءت الفاء معها تظاهرتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد والضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار ) يا ويلنا ( مقدر بالقول واقع موقع الحال من الموصول ) قد كنا في غفلة من هذا ( لم نعلم أنه حق ) بل كنا ظالمين ( لأنفسنا بالإخلال بالنظر وعدم الاعتداد بالنذر الأنبياء : ( 98 ) إنكم وما تعبدون . . . . . ) إنكم وما تعبدون من دون الله ( يحتمل الأوثان وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم في حكم عبدتهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما تلا الآية على المشركين قال له ابن الزبعرى قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال ( صلى الله عليه وسلم ) بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك فأنزل الله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( الآية وعلى هذا يعم الخطاب ويكون ) ما ( مؤولا ب ) من ( أو بما يعمه ويدل عليه ما روي أن ابن الزبعرى قال هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله فقال ( صلى الله عليه وسلم ) بل لكل من عبد من دون الله ويكون قوله ) إن الذين ( بيانا للتجوز أو للتخصيص فأخر عن الخطاب ) حصب جهنم ( ما ________________________________________ " صفحة رقم 109 " يرمي به إليها وتهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء وقرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر ) أنتم لها واردون ( استئناف أو بدل من ) حصب جهنم ( واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على أن ورودهم لأجلها الأنبياء : ( 99 ) لو كان هؤلاء . . . . . ) لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ( لأن المؤاخذ بالعذاب لا يكون إلها ) وكل فيها خالدون ( لا خلاص لهم عنها الأنبياء : ( 100 ) لهم فيها زفير . . . . . ) لهم فيها زفير ( أنين وتنفس شديد وهو من إضافة فعل البعض إلى الكل للتغلب إن أريد ) ما تعبدون ( الأصنام ) وهم فيها لا يسمعون ( من الهول وشدة العذاب وقيل ) لا يسمعون ( ما يسرهم الأنبياء : ( 101 ) إن الذين سبقت . . . . . ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( أي الخصلة الحسنى وهي السعادة أو التوفيق بالطاعة أو البشرى بالجنة ) أولئك عنها مبعدون ( لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين ________________________________________ " صفحة رقم 110 " روي أن عليا كرم الله وجهه خطب وقرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه ويقول الأنبياء : ( 102 ) لا يسمعون حسيسها . . . . . ) لا يسمعون حسيسها ( وهو بدل من ) مبعدون ( أو حال من ضميره سيق للمبالغة في إبعادهم عنها والحسيس صوت يحس به ) وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ( دائمون في غاية التنعم وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام به الأنبياء : ( 103 ) لا يحزنهم الفزع . . . . . ) لا يحزنهم الفزع الأكبر ( النفخة الأخيرة لقوله تعالى ) ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض ( أو الانصراف إلى النار أو حين يطبق على النار أو يذبح الموت ) وتتلقاهم الملائكة ( تستقبلهم مهنئين لهم ) هذا يومكم ( يوم ثوابكم وهو مقدر بالقول ) الذي كنتم توعدون ( في الدنيا الأنبياء : ( 104 ) يوم نطوي السماء . . . . . ) يوم نطوي السماء ( مقدر باذكر أو ظرف ل ) لا يحزنهم ( أو ) وتتلقاهم ( أو حال مقدرة من العائد المحذوف من ) توعدون ( والمراد بالطي ضد النشر أو المحو من قولك طوعني هذا الحديث وذلك لأنها نشرت مظلة لبني آدم فإذا انتقلوا قوضت عنهم وقرئ بالياء والبناء للمفعول ) كطي السجل للكتب ( طيا كطي الطومار لأجل الكتابة أو لما يكتب أو يكتب أو كتب فيه ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص على الجمع أي للمعاني الكثيرة المكتوبة فيه وقيل ) السجل ( ملك يطوي كتب الأعمال إذا رفعت إليه أو كاتب كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ ) السجل ( كالدلو و ) السجل ( كالعتل وهما لغتان فيه ) كما بدأنا أول خلق نعيده ( أي نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إياه في كونهما إيجادا عن العدم أو جمعا بين الأجزاء المتبددة والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على الإبداء لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة القديمة لهما على السواء ________________________________________ " صفحة رقم 111 " وما كافة أو مصدرية وأول مفعول ل ) بدأنا ( أو لفعل يفسره ) نعيده ( أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف يفسره ) نعيده ( أي نعيد مثل الذي بدأنا وأول خلق ظرف ل ) بدأنا ( أو حال من ضمير الموصول المحذوف ) وعدا ( مقدر بفعله تأكيدا ل ) نعيده ( أو منتصب به لأنه عدة بالإعادة ) علينا ( أي علينا إنجازه ) إنا كنا فاعلين ( ذلك لا محالة الأنبياء : ( 105 ) ولقد كتبنا في . . . . . ) ولقد كتبنا في الزبور ( في كتاب داود عليه السلام ) من بعد الذكر ( أي التوراة وقيل المراد ب ) الزبور ( جنس الكتب المنزل وب ) الذكر ( اللوح المحفوظ ) إن الأرض ( أي أرض الجنة أو الأرض المقدسة ) يرثها عبادي الصالحون ( يعني عامة المؤمنين أو الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها أو أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الأنبياء : ( 106 ) إن في هذا . . . . . ) إن في هذا ( أي فيما ذكر من الأخبار والمواعظ والمواعيد ) لبلاغا ( لكفاية أو لسبب بلوغ إلى البغية ) لقوم عابدين ( همهم العبادة دون العادة الأنبياء : ( 107 ) وما أرسلناك إلا . . . . . ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( لأن ما بعثت به سبب لإسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم وقيل كونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال الأنبياء : ( 108 ) قل إنما يوحى . . . . . ) قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( أي ما يوحى إلي إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد وذلك لأن المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التوحيد فالأولى لقصر الحكم على الشيء والثانية على العكس ) فهل أنتم مسلمون ( مخلصون العبادة لله تعالى على مقتضى الوحي المصدق بالحجة وقد عرفت أن التوحيد مما يصح إثباته بالسمع الأنبياء : ( 109 ) فإن تولوا فقل . . . . . ) فإن تولوا ( عن التوحيد ) فقل آذنتكم ( أي أعلمتكم ما أمرت به أو حربي لكم ) على سواء ( مستوين في الإعلام به أو مستوين أنا وأنتم في العلم بما أعلمتكم به أو في ________________________________________ " صفحة رقم 112 " المعاداة أو إيدانا على سواء وقيل أعلمتكم أني على ) سواء ( أي عدل واستقامة رأي بالبرهان النير ) وإن أدري ( وما أدري ) أقريب أم بعيد ما توعدون ( من غلبة المسلمين أو الحشر لكنه كائن لا محالة الأنبياء : ( 110 ) إنه يعلم الجهر . . . . . ) إنه يعلم الجهر من القول ( ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام ) ويعلم ما تكتمون ( من الإحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه الأنبياء : ( 111 ) وإن أدري لعله . . . . . ) وإن أدري لعله فتنة لكم ( وما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم أو امتحان لينظر كيف تعملون ) ومتاع إلى حين ( وتمتيع إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئته الأنبياء : ( 112 ) قال رب احكم . . . . . ) قال رب احكم بالحق ( اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضى لاستعجال العذاب والتشديد عليهم وقرأ حفص / قال / على حكاية قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ رب بالضم وربي احكم على بناء التفضيل و ) احكم ( من الأحكام ) وربنا الرحمن ( كثير الرحمة على خلقه ) المستعان ( المطلوب منه المعونة ) على ما تصفون ( من الحال بأن الشوكة تكون لهم وأن راية الإسلام تخفق أياما ثم تسكن وأن الموعد به لو كان حقا لنزل بهم فأجاب الله تعالى دعوة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فخيب أمانيهم ونصر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم وقرئ بالياء وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ اقترب حاسبه الله حسابا يسيرا وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن والله تعالى أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 113 " سورة الحج مكية إ لا ست آيات من هذان خصمان إلى صراط الحميد وآيها ثمان وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الحج : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة ( تحريكها للأشياء على الإسناد المجازي أو تحريك الأشياء فيها فاضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير في أو إضافة المصدر إلى الظرف على إجرائه مجرى المفعول به وقيل هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها وإضافتها إلى الساعة لأنها من أشراطها ) شيء عظيم ( هائل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا أنه لا يؤمنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى فيبقوا على أنفسهم ويتقوها بملازمة التقوى الحج : ( 2 ) يوم ترونها تذهل . . . . . ) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ( تصوير لهولها والضمير لل ) زلزلة ( و ) يوم ( منصوب ب ) تذهل ( وقرئ ) تذهل ( و ) تذهل ( مجهولا ومعروفا أي تذهلها الزلزلة والذهول الذهاب عن الأمر بدهشة والمقصود الدلالة على أن هولها بحيث إذا دهشت التي ألقمت الرضيع ثديها نزعته من فيه وذهلت عنه و ) ما ( موصولة أو مصدرية ) وتضع كل ذات حمل حملها ( جنينها ) وترى الناس سكارى ( كأنهم سكارى ) وما هم بسكارى ( على الحقيقة ) ولكن عذاب الله شديد ( فأرهقهم هوله بحيث طير عقولهم وأذهب تمييزهم وقرئ ) ترى ( من أريتك قائما أو رؤيت قائما بنصب الناس ورفعه على أنه نائب مناب الفاعل وتأنيثه على تأويل الجماعة وإفراده بعد جمعه لأن الزلزلة يراها الجميع وأثر السكر إنما يراه كل أحد على غيره وقرأ حمزة والكسائي سكرى كعطشى إجراء للسكر مجرى العلل الحج : ( 3 ) ومن الناس من . . . . . ) ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ( نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلا ________________________________________ " صفحة رقم 114 " يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت هي تعمه وأضرابه ) ويتبع ( في المجادلة أو في عامة أحواله ) كل شيطان مريد ( متجرد للفساد وأصله العري الحج : ( 4 ) كتب عليه أنه . . . . . ) كتب عليه ( على الشيطان ) أنه من تولاه ( تبعه والضمير للشأن ) فأنه يضله ( خبر لمن أو جواب له والمعنى كتب عليه إضلال من يتولاه لأنه جبل عليه وقرئ بالفتح على تقدير فشأنه أنه يضله لا على العطف فإنه يكون بعد تمام الكلام وقرئ بالكسر في الموضعين على حكاية المكتوب أو إضمار القول أو تضمين الكتب معناه ) ويهديه إلى عذاب السعير ( بالحمل على ما يؤدي إليه الحج : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ( من إمكانه وكونه مقدورا وقرئ ) من البعث ( بالتحريك كالجلب ) فإنا خلقناكم ( أي فانظروا في بدء خلقكم فإنه يزيح ريبكم فإنا خلقناكم ) من تراب ( بخلق آدم منه أو الأغذية التي يتكون منها المني ) ثم من نطفة ( مني من النطف وهو الصب ) ثم من علقة ( قطعة من الدم جامدة ) ثم من مضغة ( قطعة من اللحم وهي في الأصل قدر ما يمضغ ) مخلقة وغير مخلقة ( مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة أو تامة وساقطة أو مصورة وغير مصورة ) لنبين لكم ( بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا وأن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها أخرى وأن من قدر على تغييره وتصويره أولا قدر على ذلك ثانيا وحذف المفعول إيماء إلى أن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وحكمته ما لا يحيط به الذكر ) ونقر في الأرحام ما نشاء ( أن نقره ) إلى أجل مسمى ( هو وقت الوضع وأدناه بعد ستة أشهر وأقصاه أربع سنين وقرئ ونقره بالنصب وكذا قوله ) ثم نخرجكم طفلا ( عطفا على نبين كأن خلقهم مدرجا لغرضين تبيين القدرة وتقريرهم في الأرحام حتى يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف وقرئا بالياء رفعا ونصبا ويقر بالياء ) ونقر ( من قررت الماء إذا صببته و ) طفلا ( حال أجريت على تأويل كل واحد أو للدلالة على الجنس أو لأنه في الأصل مصدر ) ثم لتبلغوا أشدكم ( كمالكم في القوة والعقل جمع شدة كالأنعم جمع نعمة كأنها شدة في الأمور ) ومنكم من يتوفى ( عند بلوغ الأشد أو قبله وقرئ ) يتوفى ( أو يتوفاه الله تعالى ) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( وهو الهرم والخوف وقرئ بسكون الميم ) لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ( ________________________________________ " صفحة رقم 115 " ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما عمله وينكر ما عرفه والآية استدلال ثان على إمكان البعث بما يعتري الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره ) وترى الأرض هامدة ( ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا ) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ( تحركت بالنبات ) وربت ( وانتفخت وقرئ وربات أي ارتفعت ) وأنبتت من كل زوج ( من كل صنف ) بهيج ( حسن رائق وهذه دلالة ثالثة كررها الله تعالى في كتابه لظهورها وكونها مشاهدة الحج : ( 6 ) ذلك بأن الله . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على أحوال متضادة وإحياء الأرض بعد موتها وهو مبتدأ خبره ) بأن الله هو الحق ( أي بسبب انه الثابت في نفسه الذي به تتحقق الأشياء ) وأنه يحيي الموتى ( وأنه يقدر على إحيائها وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة ) وأنه على كل شيء قدير ( لأن قدرته لذاته الذي نسبته غلى الكل على سواء فلما دلت المشاهدة على قدرته على إحياء بعض الأموات لزم اقتداره على إحياء كلها الحج : ( 7 ) وأن الساعة آتية . . . . . ) وأن الساعة آتية لا ريب فيها ( فإن التغيير من مقدمات الانصرام وطلائعه ) وأن الله يبعث من في القبور ( بمقتضى وعده الذي لا يقبل الخلف ________________________________________ " صفحة رقم 116 " الحج : ( 8 ) ومن الناس من . . . . . ) ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ( تكرير للتأكيد ولم نيط به من الدلالة بقوله ) ولا هدى ولا كتاب منير ( على أنه لا سند له عن استدلال أو وحي أو الأول في المقلدين وهذا في المقلدين والمراد بالعلم العلم الفطري ليصبح عطف ال ) هدى ( وال ) كتاب ( عليه الحج : ( 9 ) ثاني عطفه ليضل . . . . . ) ثاني عطفه ( متكبرا وثنى العطف كناية عن التكبر كلي الجيد أو معرضا عن الحق استخفافا به وقرئ بفتح العين أي مانع تعطفه ) ليضل عن سبيل الله ( علة للجدال وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه بالإقبال على الجدال الباطل خروج من الهدى إلى الضلال وأنه من حيث مؤداه كالغرض له ) له في الدنيا خزي ( وهو ما أصابه يوم بدر ) ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( المحروق وهو النار الحج : ( 10 ) ذلك بما قدمت . . . . . ) ذلك بما قدمت يداك ( على الالتفات أو إرادة القول أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( وإنما هو مجاز لهم على أعمالهم والمبالغة لكثرة العبيد الحج : ( 11 ) ومن الناس من . . . . . ) ومن الناس من يعبد الله على حرف ( على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون على طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر ) فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ( روي أنها نزلت في أعاريب قدموا المدينة فكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سريا وولدت امرأته غلاما سويا وكثر ماله وماشيته قال ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شرا وانقلب وعن أبي سعيد أن يهوديا أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام فأتى ________________________________________ " صفحة رقم 117 " النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أقلني فقال إن الإسلام لا يقال فنزلت ) خسر الدنيا والآخرة ( بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد وقرئ حاسرا بالنصب على الحال والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع الضمير تنصيصا على خسرانه أو على أنه خبر محذوف ) ذلك هو الخسران المبين ( إذ لا خسران مثله الحج : ( 12 ) يدعو من دون . . . . . ) يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ( يعبد جمادا بنفسه ولا ينفع ) ذلك هو الضلال البعيد ( عن المقصد مستعار من ضلال من أبعد في التيه ضالا الحج : ( 13 ) يدعو لمن ضره . . . . . ) يدعو لمن ضره ( بكونه معبودا لأنه يوجب القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة ) أقرب من نفعه ( الذي يتوقع بعبادته وهو الشفاعة والتوسل بها إلى الله تعالى واللام معلقة ل ) يدعو ( من حيث إنه بمعنى يزعم والزعم قول مع اعتقاد أو داخلة على الجملة ________________________________________ " صفحة رقم 118 " الواقعة مقولا إجراء له مجرى قول أي يقول الكافر ذلك بدعاء وصراخ حين يرى استضراره به أو مستأنفة على أن يدعو تكرير للأول ومن مبتدأ خبره ) لبئس المولى ( الناصر ) ولبئس العشير ( الصاحب الحج : ( 14 ) إن الله يدخل . . . . . ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد ( من إثابة الموحد الصالح وعقاب المشرك الطالح لا دافع له ولا نافع الحج : ( 15 ) من كان يظن . . . . . ) من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ( كلام فيه اختصار والمعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه وقيل المراد بالنصر الرزق والضمير لمن ) فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ( فليستقص في إزالة غيظه أو جزعه بأن يفعل كل ما يفعله الممتلئ غيظا أو المبالغ جزعا حتى يمد حبلا إلى سماء بيته فيختنق من قطع إذا اختنق فإن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وقيل فليمده حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانها فيجتهد في دفع نصره أو تحصيل رزقه وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر ليقطع بكسر اللام 0 ) فلينظر ( فليتصور في نفسه ) هل يذهبن كيده ( فعله ذلك وسماه على الأول كيدا لأنه منتهى ما يقدر عليه ) ما يغيظ ( ________________________________________ " صفحة رقم 119 " غيظه أو الذي يغيظ من نصر الله وقيل نزلت في قوم مسلمين استبطأوه نصر الله لاستعجالهم وشدة غيظهم على المشركين الحج : ( 16 ) وكذلك أنزلناه آيات . . . . . ) وكذلك ( ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله ) آيات بينات ( واضحات ) وأن الله يهدي ( ولأن الله يهدي به أو يثبت على الهدى من يريد هدايته أو إثباته أنزله كذلك مبينا الحج : ( 17 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ( بحكومة بينهم وإظهار المحق منهم على المبطل أو الجزاء فيجازي كلا ما يليق به ويدخله المحل المعدل له وإنما أدخلت إن على كل واحد من طرفي الجملة لمزيد التأكيد ) إن الله على كل شيء شهيد ( عالم به مراقب لأحواله الحج : ( 18 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ( يستخر لقدرته ولا يتأتى عن تدبيره أو يدل بذلته على عظمته مدبره ومن يجوز أن يعم أولي العقل وغيرهم على التغليب فيكون قوله ) والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ( إفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها وقرىء ) والدواب ( بالتخفيف كراهة التضعيف أو الجمع بين السكنين ) وكثير من الناس ( عطف عليها إن جوز إ مال اللفظ الواحد فيكل واحد من مفهوميه وإسناده بعتبار أحدهما إلى أمر وباعتبار الآخر إلى آخر فإن تخصيص الكثير يدل على خصوص المعنى المسند إليهم أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه خبر قسيمة نحو حق له الثواب أو فاعل فعل مضمر أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة ) وكثير حق عليه العذاب ( بكفره وإبائه عن الطاعة ويجوز أن يجعل وكثيرا تكريرا للأول مبالغة في تكثير المحقوقين بالعذاب وأن يعطف به على الساجدين بالمعنى العام ________________________________________ " صفحة رقم 120 " موصوفا بما بعده وقرىء ) حق ( بالضم وحقا بإضمار فعله ) ومن يهن الله ( بالشقاوة ) فما له من مكرم ( يكرمه بالسعادة وقرىء بالفتح بمعنى الإكرام ) إن الله يفعل ما يشاء ( من الإكرام والإهانة الحج : ( 19 ) هذان خصمان اختصموا . . . . . ) هذان خصمان ( أي فوجان مختصمان ولذلك قال ) اختصموا ( حملا على المعنى ولو عكس لجاز والمراد بهما المؤمنون والكافرون ) في ربهم ( في دينه أو في ذاته وصفاته وقيل تخاصمت اليهود والمؤمنون فقال اليهود نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ونبيا قبل نبيكم وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بمحمد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم كفرتم به حسدا فنزلت ) فالذين كفروا ( فصل لخصومتهم وهو المعنى بقوله تعالى ) إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ( ) قطعت لهم ( قدرت لهم على مقادير جثهم وقرىء بالتخفيف ) ثياب من نار ( نيران تحيط بهم إحاطة الثياب ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( حال من الضمير في ) لهم ( أو خبر ثان والحميم الماء الحار الحج : ( 20 ) يصهر به ما . . . . . ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( أي يؤثر من فرط حرارته في بطونهم تأثيره في ظاهرهم فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم والجملة حال من ) الحميم ( أو من ضميرهم وقرىء بالتشديد للتكثير ________________________________________ " صفحة رقم 121 " الحج : ( 21 ) ولهم مقامع من . . . . . ) ولهم مقامع من حديد ( سياط منه يجلدون بها وجمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به أي بكف بعنف الحج : ( 22 ) كلما أرادوا أن . . . . . ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها ( من النار ) من غم ( من عمومها بدل من الهاء بإعادة الجار ) أعيدوا فيها ( أي فخرجوا أعيدوا لأن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج وقيل يضربهم لهيب النار فيرفعهم إلى أعلاها فيضربون بالمقامع فيهرون فيها ) وذوقوا ( أي وقيل لهم ذوقوا ) عذاب الحريق ( أي النار البالغة في الإحراق الحج : ( 23 ) إن الله يدخل . . . . . ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( غير الأسلوب فيه وأسند الإدخال إلى الله تعالى وأكده بإن إحمادا لحال المؤمنين وتعظيما لشأنهم ) يحلون فيها ( من حليت المرأة إذا ألبستها الحلى وقرىء بالتخفيف والمعنى واحد ) من أساور ( صفة مفعول محذوف و ) أساور ( جمع أسورة وه جمع سوار ) من ذهب ( بيان له ) ولؤلؤا ( عطف عليها لا على ) ذهب ( لأنه لم يعهد السوار منه غلا يراد المرصعة به ونصبه نافع وعاصم عطفا على محلها أو إضمار الناصب مثل ويؤتون وروى حفص بهمزتين وترك أبو بكر والسوسي عن أبي عمرو الهمزة الأولى وقرىء لؤلؤا بقلب الصانية واوا ولوليا بقلبهما ولوين ثم قلب الثانية ياء و ليليا بقلبهما ياءين ولول كأدل و ) ولباسهم فيها حرير ( غير أسلوب الكلام فيه للدلالة على ان الحرير ثيابهم المعتادة أو للمحافظة عل هيئة الفواصل الحج : ( 24 ) وهدوا إلى الطيب . . . . . ) وهدوا إلى الطيب من القول ( وهو قولهم ) الحمد لله الذي صدقنا وعده ( أو ________________________________________ " صفحة رقم 122 " كلمة التوحيد ) وهدوا إلى صراط الحميد ( المحمود نفسه أو عاقبته وهو الجنة أو الحق أو المستحق لذاته الحمد وهو الله سبحانه وتعالى وصراط الإسلام الحج : ( 25 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ( لا يريد به حالا ولا استقبالا وإنما يريد به استمروا الصد منهم كقولهم فلان يعطي ويمنع ولذلك حسن عطفه على الماضي وقيل هو حال من فاعل ) كفروا ( وخبر ) إن ( محذوف دل عليه آخر الآية أي معذبون ) والمسجد الحرام ( عطف على إسم الله وأوله الخنفية بمكة واستشهدوا بقوله ) الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ( أي المقيم والطارىء على عدم جواز بيع دورها وإجارتها وهو مع ضعفه معارض بقوله تعالى ) الذين أخرجوا من ديارهم ( وشراء عمر رضي الله تعالى عنه دار السجن فيها من غير نكير و ) سواء ( خبر مقدم والجملة مفعول ل ثان ل ) جعلناه ( إن جعل ) للناس ( حالا من الهاء وإلا فحال من المستكن فيه وصبه حفص على أنه المفعول أو الحال و ) العاكف ( مرتفع به وقرىء ) العاكف ( بالجر على أنه بدل من الناس ) ومن يرد فيه ( مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول وقرىء بالفتح من الورود ) بإلحاد ( عدول عن القصد ) بظلم ( بغير حق وهما حالان مترادفان أو الثاني بدل من الأول بإعادة الجار أو صلة له أي مجلدا بسبب الظلم كالإشراك واقتراف الآثام ) نذقه من عذاب أليم ( جواب ل ) من ) الحج : ( 26 ) وإذ بوأنا لإبراهيم . . . . . ) وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ( أي واذكر إذ عيناه وجعلنا له مباءة وقيل اللام زائدة ومكان ظرف أي وإذ أنزلناه فيه قيل رفع البيت إلى السماء وانطمس أيام الطوفان فأعلمه الله مكانه بريح أرسلها فكنست ما حوله فبناه على اسه القديم ) أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( ) إن ( مفسرة ل ) بوأنا ( من حيث إنه ________________________________________ " صفحة رقم 123 " تضمن معنى تعبدنا لأن التبوئة من أجل العبادة أو مصدرية موصولة بالنهي أي فعلنا ذلك لئلا تشرك بعبادتي وطهر بيتي من الأوثان والأقدار لمن يطوف به ويصلي فيه ولعله عبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على أن كل واحد منها مستقل بإقتضاء ذلك كيف وقد اجتمعت وقرىء ) يشرك ( بالياء وقرأ نافع وحفص وهشام ) بيتي ( بفتح الياء الحج : ( 27 ) وأذن في الناس . . . . . ) وأذن في الناس ( ناد فيهم وقرىء وآذن ) بالحج ( بدعوة الحج والأمر به روي أنه عليه الصرة والسلام صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم فأسمعه الله من أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق في علمه أن يحج وقيل الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر بذلك في حجة الوداع ) يأتوك رجالا ( مشاة جمع راجل كقائم وقيام وقرىء بضم الراء مخفف الجيم ومثقلة ورجالي كعجالي ) وعلى كل ضامر ( أي وركبنا على كل بعير مهزول أتعب بعد السفر فهزله ) يأتين ( صفة ل ) ضامر ( محمولة على معناه وقرىء يأتون صفة للرجال والركبان أو استئناف فيكون الضمير ل ) الناس ( ) من كل فج ( طريق ) عميق ( بعيد وقرىء معيق يقال بئر بعيدة العمق والمع بمعنى الحج : ( 28 ) ليشهدوا منافع لهم . . . . . ) ليشهدوا ( ليحضروا ) منافع لهم ( دينية ودنيوية وتنكيرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة ) ويذكروا اسم الله ( عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها وقيل كنى بالذكر عن النحر لأن ذبح المسلمين لا ينفك عنه تنبيها على أنه ________________________________________ " صفحة رقم 124 " المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى ) أيام معلومات ( هي عشر ذي الحجة وقيل أيام النحر ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( علق الفعل بالمروزق وبينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر ) فكلوا منها ( من لحومها أمر بذلك إباحة وإزالة لما عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه أو ندبا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم وهذا في المتطوع به دون الواجب ) وأطعموا البائس ( الذي أصابه بؤس أي شدة ) الفقير ( المحتاج والمر فيه للوجوب وقد قيل به في الأول الحج : ( 29 ) ثم ليقضوا تفثهم . . . . . ) ثم ليقضوا تفثهم ( ثم ليزيلوا وسخهم بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والإستحداد عند الحلال ) وليوفوا نذورهم ( ما ينذرون من البر في حجهم وقيل مواجب الحج وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء ) وليطوفوا ( طواف الركن الذين به تمام التحلل فإنه قرينة قضاء التفث وقيل طواف الوداع وقرأ ابن عامر وحده بكسر اللام فيهما ) بالبيت العتيق ( القديم لأنه أول بيت وضع للناس أو المعتق من تسلط الجبابرة فكم من جبار رسا إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى وأما الحجاج فإنما قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه الحج : ( 30 ) ذلك ومن يعظم . . . . . ) ذلك ( خبر محذوف أي المر ذلك وهو وأمثاله تطلق لفصل بين كلامين ) ومن يعظم حرمات الله ( أحكامه وسائر ما لا يحل هتكه أو الحرم وما يتعلق بالحج من التكاليف وقيل الكعبة والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرم ) فهو خير له ( فالتعظيم ) خير له ( ) عند ربه ( ثوابا ) وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ( إلا المتلو عليكم تحريمه وهو ما حرم منها لعارض كالميتة وما أهل به لغير الله فلا تحرموا منها غير ما حرمه الله كالبحيرة والسائبة ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب النجاس وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها ) واجتنبوا قول الزور ( تعميم بعد تخصيص فإن عبادة الأوثان راس الزور كأنه لما حث على تعظيم الحرمات أتبعه ذلك ردا لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب وتعظيم الأوثان والإفتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك وقيل شهادة الزور لم روي أنه عليه الصلاة والسلام قال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالى ثلاثا وتلا هذه الآية و والزور من الزور وهو الإنحراف كما أن الإفك من الإفك وهو ________________________________________ " صفحة رقم 125 " الصرف فإن الذب منحرف عن الواقع الحج : ( 31 ) حنفاء لله غير . . . . . ) حنفاء لله ( مخلصين له ) غير مشركين به ( وهما حالان من الواو ) ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ( لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر ) فتخطفه الطير ( فإن الهواء الرديئة توزع أفكاره وقرأ نافع وحده ) فتخطفه ( بفتح الخاء وتشديد الطاء ) أو تهوي به الريح في مكان سحيق ( بعيد فإن الشيطان قد طرح به في الضلالة وأو للتخيير كما قوله تعالى ) أو كصيب من السماء ( أو للتنويع فإن من المشركين من لا خلاص له أصلا ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة لكن على بعد ويجوز أن يكون من التشبيهات المركبة فيكون المعنى ومن يشرك بالله فقد هلكت نفسه هلاكا يشبه أحد الهلاكين الحج : ( 32 ) ذلك ومن يعظم . . . . . ) ذلك ومن يعظم شعائر الله ( دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده وتعظيمها أن تختارها حسانا سمانا عالية الأثمان روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفة برة من ذهب وأن عمر رضي الله تعالى عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار ) فإنها من تقوى القلوب ( فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور أو الآمرة بهما ________________________________________ " صفحة رقم 126 " الحج : ( 33 ) لكم فيها منافع . . . . . ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ( أي لكم فيها منافع درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر ثم وقت نحرها منتهية إلى البيت أي ما يديه من الحرم و ) ثم ( تحتلم التراخي في الوقت والتراخي في الرتبة أي لكم فيها منافع دنيوية إلى وقت النحر وبعده منافع دينية أعظم منها وهو على الأولين إما متصل بحديث النعام والضمير فيه لها أو المراد على الأول لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى اجل مسمى هو الموت ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الذي ترفع غليه الأعمال أو يكون فيه ثوابها وهو البيت المعمور أو الجنة وعلى الثاني ) لكم فيها منافع ( التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ثم وقت الخروج منه منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة الحج : ( 34 ) ولكل أمة جعلنا . . . . . ) ولكل أمة ( ولك أهل دين ) جعلنا منسكا ( متعبدا أو قربانا يتقربون به إلى الله وقرأ حمزة والكسائي بالكسر أي موضع نسك ) ليذكروا اسم الله ( دون غيره ويجعلون نسيكتهم لوجهه علل الجعل به تنبيها على أن المقصود من المناسك تذكر المعبود ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( عند ذبحها وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما ) فإلهكم إله واحد فله أسلموا ( أخلصوا التقرب أو الذكر ولا تشوبوه بالإشراك ) وبشر المخبتين ( المتواضعين أو المخلصين فإن الإخبات صفتهم ________________________________________ " صفحة رقم 127 " الحج : ( 35 ) الذين إذا ذكر . . . . . ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( هيبة منه لإشراق أشعة جلاله عليها ) والصابرين على ما أصابهم ( من الكلف والمصائب ) والمقيمي الصلاة ( في أوقاتها وقرىء والمقيمين الصلاة على الأصل ) ومما رزقناهم ينفقون ( في وجوه الخير الحج : ( 36 ) والبدن جعلناها لكم . . . . . ) والبدن ( جمع بدنه كخشب وخشبة وأصله الضم وقد قرىء به وإنما سميت بها الإبل لعظم بدنها مأخوذة من بدن بدانة ولا يلزم من مشاركة البقرة لها في أجزائها عن سبعة بقوله عليه الصلاة السلام البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة تناول اسم البدنة لها شرعا بل الحديث يمنع ذلك وانتصابه بفعل يفسره ) جعلناها لكم ( ومن رفعه جعله مبتدأ ) من شعائر الله ( من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى ) لكم فيها خير ( منافع دينية وذنيوية ) فاذكروا اسم الله عليها ( بأن تقولوا عند ذبحها الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك ) صواف ( قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن وقرىء صوافن من صفن الفرس إذا قام على ثلاث وعلى طرف حافر الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث وقرىء صوافنا بإبدال التنوين منحرف الإطلاق عند الوقف وصوافي أي خوالص لوجه الله وصوافي بسكون الياء على لغة من يسكن الياء مطلقا كقولهم أعط القوس باريها ) فإذا وجبت جنوبها ( سقطت على الأرض وهو كناية عن الموت ) فكلوا منها وأطعموا القانع ( الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة ويؤيده ________________________________________ " صفحة رقم 128 " قراءة القنع أو السائل من قنعت غليه قنوعا إذا خضعت له في السؤال ) والمعتر ( والمعترض بالسؤال وقرىء والمعتري يقال عره وعرراه واعتراه واعتراه ) كذلك ( مثل ما وصفنا من نحرها قياما ) سخرناها لكم ( مع عظامها وقوتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها صافة قوائمها ث تطعنون في لباتها ) لعلكم تشكرون ( إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص الحج : ( 37 ) لن ينال الله . . . . . ) لن ينال الله ( لن يصيب رضاه ولني قع منه موقع القبول ) لحومها ( المتصدق بها ) ولا دماؤها ( المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء ) ولكن يناله التقوى منكم ( ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيم أمره تعالى والتقريب إليه والإخلاص له وقيل كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا القرابين لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله تعالى فهم به المسلمون فنزلت ) كذلك سخرها لكم ( كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا له بقوله ) لتكبروا الله ( أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره فتوحدوه بالكبرياء وقيل هو التكبير عند الإحلال أو الذبح ) على ما هداكم ( أرشدكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها و ) ما ( تحتمل المصدرية والخيرية و ) على ( متعلقة ب ) لتكبروا ( لتضمنه معنى الشكر ) وبشر المحسنين ( المخلصين فيما يأتونه ويذرونه الحج : ( 38 ) إن الله يدافع . . . . . ) إن الله يدافع عن الذين آمنوا ( غائلة المشركين وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون يدافع أي يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ) إن الله لا يحب كل خوان ( في أمانة الله ) كفور ( لنعمته كمن يتقرب إلى الأصنام بذبيحته فلا يرتضي علهم ولا ينصرهم الحج : ( 39 ) أذن للذين يقاتلون . . . . . ) أذن ( رخص وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي على البناء للفاعل وهو الله ) للذين يقاتلون ( المشركين والمأذون فيه محذوف لدلالته عليه وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء أي الذين يقاتلهم المشركون ) بأنهم ظلموا ( بسبب أنهم ظلموا وهم ________________________________________ " صفحة رقم 129 " أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان المشركون يؤذونهم وكانوا يأتونه من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت وهي أول آية نزلت في القتال بعدما نهي عنه في نيف وسبعين آية ) وإن الله على نصرهم لقدير ( وعد لهم بالنصر كما وعد بدفع أذى الكفار عنهم الحج : ( 40 ) الذين أخرجوا من . . . . . ) الذين أخرجوا من ديارهم ( يعن مكة ) بغير حق ( بغير موجب استحقوه به ) إلا أن يقولوا ربنا الله ( على طريقة قول النابغة " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب " وقيل منقطع ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين ) لهدمت ( لخربت باستيلاء المشركين على أهل الملل وقرأ نافع دفاع وقرأ نافع وابن كثير ) لهدمت ( بالتخفيف ) صوامع ( صوامع الرهبانية ) وبيع ( بيع النصارى ) وصلوات ( كنائس اليهود سميت بها لأنها يصلى فيها وقيل أصلها صلوتا بالعبرانية فعربت ) ومساجد ( مساجد المسلمين ) يذكر فيها اسم الله كثيرا ( صفة للأربع أو لمساجد خصت بها تفضيلا ) ولينصرن الله من ينصره ( من ينصر دينه وقد أنجز وعده بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاشرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم ) إن الله لقوي ( على نصرهم ) عزيز ( لا يمانعه شيء الحج : ( 41 ) الذين إن مكناهم . . . . . ) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ( وصف للذين أخرجوا وهو ثناء قبل بلاء وفيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين وقيل بدل ممن ينصره ) ولله عاقبة الأمور ( فإن مرجعها إلى حكمه وفيه تأكيد لما وعده الحج : ( 42 - 44 ) وإن يكذبوك فقد . . . . . ) وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين ( ________________________________________ " صفحة رقم 130 " تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن قومه إن كذبوه فهو ليس بأوحدي في التكذيب فإن هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومه ) وكذب موسى ( غير فيه النظم وبنى الفعل للمفعول لأن قومه بو إسرائيل ولم يكذبوه وإنما كذبه القبط ولأن تكذيبه كان أشنع وآياته كانت أعظم وأشنع ) فأمليت للكافرين ( فأمهلتهم حتى انصرمت آجالهم المقدرة ) ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( أي إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحياة هلاكا والعمارة خرابا الحج : ( 45 ) فكأين من قرية . . . . . ) فكأين من قرية أهلكناها ( بإهلاك أهلها وقرأ البصريان بغير لفظ التعظيم ) وهي ظالمة ( أي أهلها ) فهي خاوية على عروشها ( ساقطة حيطانها على سقوفها بأن تعطل بنيانها فخرت سقوفها ثم انهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها فيكون الجار متعلقا ب ) خاوية ( ويجوز أن يكون خبر بعد خبر أي هي خالية وهي على عروشها أي مطلة عليها بأن سقطت وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها والجملة معطوفة على ) أهلكناها ( لا على ) وهي ظالمة ( فإنها حال والإهلاك ليس حال خوائها فلا محل لها إن نصبت كأي بمقدر يفسره ) أهلكناها ( وإن رفعته بالابتداء فمحلها الرفع ) وبئر معطلة ( عطف على ) قرية ( أي وكم بئر عامرة في البوادي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها وقرئ بالتخفيف ممن أعطله بمعنى عطلة ) وقصر مشيد ( مرفوع أو مجصص أخليناه عن ساكنيه وذلك يقوي أن معنى ) خاوية على عروشها ( خالية مع بقاء عروشها وقيل المراد ب ) وبئر ( بئر في سفح جبل بحضرموت وبقصر قصر مشرف على قلته كان لقوم حنظلة بن صفوان من قوم صالح فلما قتلوه أهلكهم الله تعالى وعطلهما الحج : ( 46 ) أفلم يسيروا في . . . . . ) أفلم يسيروا في الأرض ( حث لهم على أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا وهو وإن كانوا قد سافروا فلم يسافروا لذلك ) فتكون لهم قلوب يعقلون بها ( ما ________________________________________ " صفحة رقم 131 " يجب أن يعقل من التوحيد بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال ) أو آذان يسمعون بها ( ما يجب أن يسمع من الوحي والتذكير بحال من شاهدوا آثارهم ) فإنها ( الضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار وفي ) تعمى ( راجع إليه والظاهر أقيم مقامه ) لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ( عن الاعتبار أي ليس الخلل في مشاعرهم وإنما أيفت عقولهم باتباع الهوى والانهماك في التقليد وذكر ) الصدور ( للتأكيد ونفي التجوز وفضل التنبيه على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يخص البصر قيل لما نزل ) ومن كان في هذه أعمى ( قال ابن أم مكتوم يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى فنزلت ) فإنها لا تعمى الأبصار ) الحج : ( 47 ) ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . . ) ويستعجلونك بالعذاب ( المتوعد به ) ولن يخلف الله وعده ( لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين لكنه صبور لا يعجل بالعقوبة ) وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( بيان لتناهي صبره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال أو لتمادي عذابه وطول أيامه حقيقية أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء ________________________________________ " صفحة رقم 132 " الحج : ( 48 ) وكأين من قرية . . . . . ) وكأين من قرية ( وكم من أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ورجع للضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل وإنما عطف الأولى بالفاء وهذه الواو لأن الأولى بدل من قوله ) فكيف كان نكير ( وهذه في حكم ما تقدمها من الجملتين لبيان أن المتوعد به يحيق بهم لا محالة وأن تأخيره لعادته تعالى ) أمليت لها ( كما أمهلتكم ) وهي ظالمة ( مثلكم ) ثم أخذتها ( بالعذاب ) وإلي المصير ( وإلى حكمي مرجع الجميع الحج : ( 49 ) قل يا أيها . . . . . ) قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ( أوضح لكم ما أنذركم به والاقتصار على الإنذار مع عموم الخطاب وذكر الفريقين لأن صدر الكلام ومساقه للمشركين وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم الحج : ( 50 ) فالذين آمنوا وعملوا . . . . . ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ( لما بدر منهم ) ورزق كريم ( هي الجنة وال ) كريم ( من كل نوع ما يجمع فضائله الحج : ( 51 ) والذين سعوا في . . . . . ) والذين سعوا في آياتنا ( بالرد والإبطال ) معاجزين ( مسابقين مشاقين للساعين فيها بالقبول والتحقيق عن عاجزه فأعجزه وعجزه إذا سابقه فسبقه لأ كلا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) معجزين ( على أنه حال مقدرة ) أولئك أصحاب الجحيم ( النار الموقدة وقيل اسم دركة ________________________________________ " صفحة رقم 133 " الحج : ( 52 ) وما أرسلنا من . . . . . ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ( الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها والنبي بعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام ولذلك شبه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علماء أمته بهم فالنبي أعم من الرسول ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الأنبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون الفا قيل فكم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا وقيل الرسول من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبي غير الرسول من لا كتاب له وقيل الرسول من يأتيه الملك بالوحي والنبي يقال له ولمن يوحى غليه في المنام ) إلا إذا تمنى ( زور في نفسه ما يهواه ) ألقى الشيطان في أمنيته ( في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال ________________________________________ " صفحة رقم 134 " عليه الصلاة والسلام وإنه ليغان على قلبي فاستغفر الله سبعين مرة ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون غليه والإرشاد إلى ما يزيحه ) ثم يحكم الله آياته ( ث يبت آياته الداعية إلى الإستغراق في أمر الآخرة ) والله عليم ( بأحوال الناس ) حكيم ( فيما يفعله بهم قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت وقيل تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينزل عليه ما يقربهم غليه واستمر به ذلك حتى كان في ناديهم فنزلت عليه سورة والنجم فأخذ يقرؤها فلما بلغ ) ومناة الثالثة الأخرى ( وسوس غليه الشيطان حتى سبق لسانه سهوا إلى أن قال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها بحيث لم يبق في المسجد مؤمم ولا مشرك إلا سجد ث نبهه جبريل عليه السلام فأغتم لذلك فعزاه الله بهذه الآية وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه وقيل تمنى قرأ كقوله " تمنى كتاب الله أول ليله تمني داود الزبور على رسل " ________________________________________ " صفحة رقم 135 " وأمنيته قراءته وإلقاء الشيطان فيها أن تكلم بذلك رافعا صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد رد أيضا بأنه يخل بالوثوق على القرآن ولا يندفع بقوله ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ( لأنه أيضا يحتمله والآية تدل على جواز السهو على الأنبياء وتطرق الوسوسة إليهم الحج : ( 53 ) ليجعل ما يلقي . . . . . ) ليجعل ما يلقي الشيطان ( علة لتمكين الشيطان منه وذلك يدل على أن المقى أمر ظاهر عرفه المحق والمبطل ) فتنة للذين في قلوبهم مرض ( شك ونفاق ) والقاسية قلوبهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 136 " المشركين ) إن الظالمين ( يعني الفريقين فوضع الظاهر موضع ضميرهم قضاء عليهم بالظلم ) لفي شقاق بعيد ( عن الحق أو عن الرسول والمؤمنين الحج : ( 54 ) وليعلم الذين أوتوا . . . . . ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ( أن القرآن هو الحق النازل من عند الله أو تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق الصادر من الله لأنه مما جرت به عادته في الإنس من لدن آدم ) فيؤمنوا به ( بالقرآن أو بالله ) فتخبت له قلوبهم ( بالإنقياد والخشية ) وإن الله لهاد الذين آمنوا ( فيما أشكل ) إلى صراط مستقيم ( هو نظر صحيح يوصلهم إلى ما هو الحق فيه الحج : ( 55 ) ولا يزال الذين . . . . . ) ولا يزال الذين كفروا في مرية ( في شك ) منه ( من القرآن أو الرسول أو مما ألقى الشيطان في أمنيته يقولن ما باله ذكرها بخير ثم ارتد عنها ) حتى تأتيهم الساعة ( القيامة أو أشراطها أو الموت ) بغتة ( فجأة ) أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( يقتلون فيه كيوم بدر سمي به لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كالعقم أو لأن المقاتلين أبناء الحرب فإذا قتلوا صارت عقيما فوصف ايوم بوصفها اتساعا أو لأنه لا خير لهم فيه ومنه الريح القيم لما لم تنشيء مطرا ولم لقح شجرا أو لأنه لا مثل له لقتال الملائكة فيه أويوم القيامة على أن المراد بن ) الساعة ( غيره أو على وضعه موضع ضميرها للتهويل الحج : ( 56 ) الملك يومئذ لله . . . . . ) الملك يومئذ لله ( التنوين فيه ينوب عن الجملة التي دلت عليها الغاية أي يوم تزول مريتهم ) يحكم بينهم ( بالمجازاة والضمير يعم المؤمنين والكافرين لتفصيله بقوله ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 137 " الحج : ( 57 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . . ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ( وإدخال الفاء فيخبر الثاني دون الأول تنبيه على أن إثابة الؤمنين بالجنات تفضيل من الله تعالى وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم فلذلك قال ) لهم عذاب ( ولم يقل هم عذاب الحج : ( 58 ) والذين هاجروا في . . . . . ) والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا ( في الجهاد ) أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ( الجنة ونعيمها وإنما سوى بين من قتل في الجهاد ومن مات حتف أنفه في الوعد لا ستوائهما في القصد وأصل العمل روي أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونخن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا فنزلت ) وإن الله لهو خير الرازقين ( فإنه يرزق بغير حساب الحج : ( 59 ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه . . . . . ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه ( هو الجنة فيها ما يحبونه ) وإن الله لعليم ( بأحوالهم وأحوال معادهم ) حليم ( لا يعاجل في العقوبة الحج : ( 60 ) ذلك ومن عاقب . . . . . ) ذلك ( أي المر ذلك ) ومن عاقب بمثل ما عوقب به ( ولم يزد في الإقتصاص وإنما سمي الإبتداء بالعقاب الذي هو الجزاء للإزدواج أو لأنه سببه ) ثم بغي عليه ( بالمعاودة إلى العقوبة ) لينصرنه الله ( لا محالة ) إن الله لعفو غفور ( للمنتصر حيث اتبع هواه في الإنتقام وأعرض عما ندب الله غليه بقوله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الأمور ووفيه تعريض بالحث على العفو والمغفرة فإنه تعالى مع كمال قدرته وتعالي شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك أولى وتنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده ________________________________________ " صفحة رقم 138 " الحج : ( 61 ) ذلك بأن الله . . . . . ) ذلك ( أي ذلك النصر ) بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( بسبب أن الله تعالى قادر على تغليب الأمور بعضها على بعض جار عادته على المداولة بين الأشياء المتعاندة ومن ذلك إيلاج أحد الملوين في الآخر بأن يزيد فيه ما ينقص منه أو بتحصيل ظلمة الليل في مكان النهار بتغيب الشمس وعكس ذلك باظلاعها ) وأن الله سميع ( يسمع قول المعاقب ) بصير ( يرى أفعالهما فلا يهملهما الحج : ( 62 ) ذلك بأن الله . . . . . ) ذلك ( الوصف بكمال القدرة والعلم ) بأن الله هو الحق ( الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالما بذاته وبما عداه أو الثابت الإلهية ولا يصلح لها إلا من كان قادرا عالما ) وأن ما يدعون من دونه ( إلها وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء على مخاطبة المشركين وقرأ بالبناء للمفعول فتكون الواو لما فإنه في معنى الآلهة ) هو الباطل ( المعدوم في حد ذاته أو باطل الألوهية ) وأن الله هو العلي ( عن الأشياء ) الكبير ( على أن يكون له شريك لا شيء أعلى منه شأنها وأكبر منه سلطانا الحج : ( 63 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( استفهام تقرير ولذلك رفع ) فتصبح الأرض مخضرة ( عطف على ) أنزل ( أذ لو نصب جوابا لدل على نفي الإخضرار كما في قولك ألم تر أني جئتك فتكر مني والمقصود إثباته وإنما عدل به عن صبغة الماضي للدلالة على بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان ) إن الله لطيف ( يصل علمه أو لطفه إلى كل ما جل ودق ) خبير ( بالتدابير الظاهرة والباطنة الحج : ( 64 ) له ما في . . . . . ) له ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا ) وإن الله لهو الغني ( في ذاته عن كل شيء ) الحميد ( المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله الحج : ( 65 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ( جعلها مذللة لكم معدة لمنافعكم ) والفلك ( عطف على ) ما ( أو على إسم ) إن ( وقرىء بالرفع على الإبتداء ) تجري في البحر بأمره ( ________________________________________ " صفحة رقم 139 " حال منها أو خبر ) ويمسك السماء أن تقع على الأرض ( من أن تقع أو كراهة بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك ) إلا بإذنه ( إلا بمشيته وذلك يوم القيامة وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية لسائر الأجسام في الجسيمة فتكون قابلة للميل الهابط قبول غيرها ) إن الله بالناس لرؤوف رحيم ( حيث هيأ لهم أسباب الاستدلال وفتح عليهم أبواب المنافع ودفع عنها أبواب المضار الحج : ( 66 ) وهو الذي أحياكم . . . . . ) وهو الذي أحياكم ( بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا ) ثم يميتكم ( إذا جاء أجلكم ) ثم يحييكم ( في الآخرة ) إن الإنسان لكفور ( لجحود لنعم الله مع ظهورها الحج : ( 67 ) لكل أمة جعلنا . . . . . ) لكل أمة ( أهل دن ) جعلنا منسكا ( متعبدا أو شريعة تعبدوا بها وقيل عيدا ) هم ناسكوه ( ينسكونه ) فلا ينازعنك ( سائر أرباب الملل ) في الأمر ( في أمر الدين أو النسائك لأنهم بين جهال وأهل عناد أو لأن أمر دينك أظهر من أن يقبل النزاع وقيل المراد نهي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم بين جهال وأهل عناد أو لأن أمر دينك أظهر من أن يقبل النزاع وقيل المراد نهي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عن الالتفات إلى قولهم وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى نزاعهم فإنها إنما تنفع طالب الحق وهؤلاء أهل مراء أو عن منازعتهم كقولك لا يضار بك زيد وهذا إنما يجوز في أفعال المغالبة للتلازم وقيل نزلت في كفار خزاعة قالوا للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله وقرئ / فلا ينزعنك / على تهييج الرسول والمبالغة في تثبيته على دينه على أنه من نازعته فنزعته إذا غلبته ) وادع إلى ربك ( إلى توحيده وعبادته ) إنك لعلى هدى مستقيم ( طريق إلى الحق سوي الحج : ( 68 ) وإن جادلوك فقل . . . . . ) وإن جادلوك ( وقد ظهر الحق ولزمت الحجة ) فقل الله أعلم بما تعملون ( من المجادلة الباطلة وغيرها فيجازيكم عليها وهو وعيد فيه رفق الحج : ( 69 ) الله يحكم بينكم . . . . . ) الله يحكم بينكم ( يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين بالثواب والعقاب ) يوم القيامة ( كما فصل في الدنيا بالحجج والآيات ) فيما كنتم فيه تختلفون ( من أمر الدين ________________________________________ " صفحة رقم 140 " الحج : ( 70 ) ألم تعلم أن . . . . . ) ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ( فلا يخفى عليه شيء ) إن ذلك في كتاب ( هو اللوح كتبه فيه قبل حدوثه فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له ) إن ذلك ( إن الإحاطة به وإثباته في اللوح المحفوظ أو الحكم بينكم ) على الله يسير ( لأن علمه مقتضى ذاته المتعلق بكل المعلومات على سواء الحج : ( 71 ) ويعبدون من دون . . . . . ) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ( حجة تدل على جواز عبادته ) وما ليس لهم به علم ( حصل لهم من ضرورة العقل أو استدلاله ) وما للظالمين ( وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم ) من نصير ( يقرر مذهبهم أو يدفع العذاب عنهم الحج : ( 72 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( من القرآن ) بينات ( واضحات الدلالة على العقائد الحقية والحكام الإلهية ) تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ( الإنكار لفرط نكيرهم للحق وغيظهم لأباطيل أخذوها تقليدا وهذا منتهى الجهالة وللإشعار بذلك وضع الذين كفروا موضع الضمير أو ما يقصدونه من الشر ) يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ( يثبون ويبطشون بهم ) قل أفأنبئكم بشر من ذلكم ( من غيظكم على التالين وسطوتكم عليهم أو مما أصابكم من الصخر بسبب ما تلوا عليكم ) النار ( أي هو النار كأنه جواب سائل قال ما هو ويجوز أن يكون مبتدأ خبره ) وعدها الله الذين كفروا ( وقرىء بالنصب على الإختصاص وبالجر بدلا من شر فتكون الجملة استئنافا كما إذا رفعت خبرا أو حالا منها ) وبئس المصير ( النار الحج : ( 73 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس ضرب مثل ( بين لكم حال مستغربة أو قطة رائعة ولذلك سماها مثلا أو جعل لله مثل أي مثل في أستحقاق العبادة ) فاستمعوا له ( للمثل أو لشأنه استماع تدبر ________________________________________ " صفحة رقم 141 " وتفكر ) إن الذين تدعون من دون الله ( يعني الأصنام وقرأ يعقوب بالياء وقرىء مبنيا للمفعول والراجع إلى الموصول محذوف على الأولين ) لن يخلقوا ذبابا ( لا يقدرون على خلقه مع صغره لأن ) لن ( بما فيها من تأكد النفي دالة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه و ) الذباب ( من الذب لأنه يذب وجمعه أذبة وذبان ) ولو اجتمعوا له ( أي للخلق هو بجوابه المقدر في موضع حال جيء به للمبالغة أي لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين ) وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ( جهلهم غاية التجهيل بأن أشركوا غليها قدر على المقدورات كلها وتفرد بإيجاد الموجودات بأسرها تماثيل هي أعجز الأشياء وبين ذلك بأنها لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له بل لا تقوى على مقاومته هذا الأقل الأذل وتعجز عن ذبه عن نفسها واستنفاذ ما يختطفه من عندها قيل كانوا يطلونها بالطيب والعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله ) ضعف الطالب والمطلوب ( عابد الصنم ومعبوده أو الذباب يطلب ما يسلب عن الصنم من الطيب والصنم يطلب الذباب منه السلب أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ولو حققت وجدت الصنم أضعف بدرجات الحج : ( 74 ) ما قدروا الله . . . . . ) ما قدروا الله حق قدره ( ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة ) إن الله لقوي ( على خلق الممكنات بأسرها ) عزيز ( لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها الحج : ( 75 ) الله يصطفي من . . . . . ) الله يصطفي من الملائكة رسلا ( يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي ) ومن الناس ( يدعون سائرهم إلى الحق ويبلغون إليهم ما نزل عليهم كأنه لما قرر وحدانيته في الألوهية ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها بين أن له عبادا مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم ________________________________________ " صفحة رقم 142 " والاقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن سواه من الموجودات تقريرا للنبوة وتزييفا لقولهم ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( والملائكة بنات الله تعالى ونحو ذلك ) إن الله سميع بصير ( مدرك للأشياء كلها الحج : ( 76 ) يعلم ما بين . . . . . ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( عالم بواقعها ومترقبها ) وإلى الله ترجع الأمور ( وإليه ترجع الأمور لأنه مالطها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون الحج : ( 77 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ( في صلاتكم أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونها أول الإسلام أو صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها أو أخضعوا الله وخروا سجدا ) واعبدوا ربكم ( بسائر ما تعبدكم به ) وافعلوا الخير ( وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون كنوافل الطاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق ) لعلكم تفلحون ( أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولقوله عليه الصلاة والسلام فضلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرؤها الحج : ( 78 ) وجاهدوا في الله . . . . . ) وجاهدوا في الله ( أي والله ومن أجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس وعنه عليه الصلاة والسلام أنه رجع من غزوة تبوك فقال رجعنا من الجهاد ________________________________________ " صفحة رقم 143 " الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) حق جهاده ( أي جهادا فيه أي جهادا فيه حقا خالصا لوجهه فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك هو حق عالم وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعا أو لأنه مختص بالله من حيث أنه مفعول لوجه الله تعالى ومن أجله ) هو اجتباكم ( اختاركم لدينه ولنصرته وفيه تنبيه على المقتضى للجهاد والداعي إليه في قوله ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به حيث شق عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم وقيل ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجا بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب التوبة وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد ) ملة أبيكم إبراهيم ( منتصبة على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف أي وسع دنكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم أو على الإغراء أو على الاختصاص وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو كالأب لأمته من حيث إنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه ________________________________________ " صفحة رقم 144 " المعتد به في الآخرة أو لأن أكثر العرب كانوا من ذرتيه فغلبوا على غيرهم ) هو سماكم المسلمين من قبل ( من قبل القرآن في الكتب المتقدمة ) وفي هذا ( وفي القرآن والضمير لله تعالى ويدل عليه أنه قرىء / الله سماكم / أو ل ) إبراهيم ( وتسميتهم بمسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كانت بسبب تسميته من قبل في قوله ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( وقيل وفي هذا تقديره وفي هذا بيان تسميته إياكم مسلمين ) ليكون الرسول ( يوم القيامة متعلق بسماكم ) شهيدا عليكم ( بأنه بلغكم فيدل على قبول شهادته لنفسه اعتمادا على عصمته أو بطاعة من أطاع وعصيان من عصى ) وتكونوا شهداء على الناس ( بتبليغ الرسل إليهم ) فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( فتقربوا إلى الله تعالى بأنواع ________________________________________ " صفحة رقم 145 " الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف ) واعتصموا بالله ( وثقوا به في مجامع اموركم ولا تطلبوا الإعانة والنصرة إلا منه ) هو مولاكم ( ناصركم ومتولي أموركم ) فنعم المولى ونعم النصير ( هو إذ لا مثل له سبحانه في الولاية والنصرة بل لا مولى ولا نصير سواه في الحقيقة عن النبي عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي " ________________________________________ " صفحة رقم 146 " سورة المؤمنون مكية وهي مائة وتسع عشرة آية عند البصريين وثماني عشرة عند الكوفين بسم الله الرحمن الرحيم المؤمنون : ( 1 ) قد أفلح المؤمنون ) قد أفلح المؤمنون ( قد فازوا بأمانيهم وقد ثبت المتوقع كما أن لما تنفيه وتدل على ثباته إذا دخلت على الماضي ولذلك تقربه من الحال ولما كان المؤمنون متوقعين ذلك من فضل الله صدرت بها بشارتهم وقرأ ورش عن نافع ) قد أفلح ( بإلقاء حركة الهمزة على الدال وحذفها وقرىء / أفلحوا / على لغة أكلوني البراغث أو على الإبهام والتفسير و ) أفلح ( بالضم اجتزاء بالضمة عن الواو ) أفلح ( على البناء للمفعول المؤمنون : ( 2 ) الذين هم في . . . . . ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( خائفون من الله سبحانه وتعالى متذللون له ملزمون أبصارهم مساجدهم روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي رافعا بصره إلى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته فقال " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " المؤمنون : ( 3 ) والذين هم عن . . . . . ) والذين هم عن اللغو ( عما لا يعنيهم من قول أو فعل ) معرضون ( لما بهم من ________________________________________ " صفحة رقم 147 " الجد ما شغلهم عنه وهو أبلغ من الذين لا يلهون من وجوه جعل الجملة اسمية وبناء الحكم على الضمير والتعبير عنه بالاسم وتقديم الصلة عليه وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على بعدهم عنه رأسا مباشرة وتسببا وميلا وحضورا فإنه أصله أن يكون في عرض غير عرضه المؤمنون : ( 4 ) والذين هم للزكاة . . . . . وكذلك قوله ) والذين هم للزكاة فاعلون ( وصفهم بالخشوع ليدل على أنهم بلغوا الغاية في لقيام على الطاعات البدنية والمالية والتجنب عن المحرمات وسائرما توجب المروءة اجتنابه والزكاة تقع على المعنى والعين والمراد الأول لأن الفاعل فاعل الحدث لا المحل الذي هو موقعه أو الثاني على تقدير مضاف المؤمنون : ( 5 ) والذين هم لفروجهم . . . . . ) والذين هم لفروجهم حافظون ( لا يبذلونها المؤمنون : ( 6 ) إلا على أزواجهم . . . . . ) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ( زوجاتهم أو سرياتهم و ) على ( صلة ل ) حافظون ( من قولك احفظ على عنان فرسي أو حال أي حافظوها في كافة الأحوال إلا في حال التزوج أو التسري أو بفعل دل عليه غير ملومين وإنما قال ما إجراء للماليك مجرى غير العقلاء إذ الملك أصل شائع فيه وإفراد ذلك بعد تعميم قوله ) والذين هم عن اللغو معرضون ( لأن المباشرة أشهى الملاهي إلى النفس وأعظمها خطرا ) فإنهم غير ملومين ( الضمير لحافظون أو لمن دل عليه الاستثناء أي فإن بذلوها لأزواجهم أو إمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك المؤمنون : ( 7 ) فمن ابتغى وراء . . . . . ) فمن ابتغى وراء ذلك ( المستثنى ) فأولئك هم العادون ( الكاملون في العدوان ________________________________________ " صفحة رقم 148 " المؤمنون : ( 8 ) والذين هم لأماناتهم . . . . . ) والذين هم لأماناتهم وعهدهم ( لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق ) راعون ( قائمون بحفظها وإصلاحها وقرأ ابن كثير هنا وفي المعارج / لأمانتهم / على الإفراد ولأمن الإلباس أو لأنها في الأصل مصدر المؤمنون : ( 9 ) والذين هم على . . . . . ) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها ولفظ الفعل فيه لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي وليس ذلك تكريرا لما وصفهم به أولا فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها المؤمنون : ( 10 ) أولئك هم الوارثون ) أولئك ( الجامعون لهذه الصفات ) هم الوارثون ( الأحقاء بأن يسموا وراثا دون غيرهم المؤمنون : ( 11 ) الذين يرثون الفردوس . . . . . ) الذين يرثون الفردوس ( بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيما لها وتأكيدا وهي مستعارة لاستقاقهم الفردوس من أعمالهم وإن كان بمقتضى وعده مبالغة فيه وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار ) هم فيها خالدون ( أنت الضمير لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا المؤمنون : ( 12 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . . ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة ( من خلاصة سلت من بين الكدر ) من طين ( متعلق بمحذوف لأنه صفة ل ) سلالة ( أو من بيانية أو بمعنى ) سلالة ( لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأولى والإنسان آدم عليه الصلاة والسلام خلق من صفوة سلت من الطين أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته المؤمنون : ( 13 ) ثم جعلناه نطفة . . . . . ) ثم جعلناه ( ثم جعلنا نسله فحذف المضاف ) نطفة ( بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة وتذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء ) في قرار مكين ( ________________________________________ " صفحة رقم 149 " مستقر حصين يعني الرحم وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل للمبالغة كما عبر عنه بالقرار المؤمنون : ( 14 ) ثم خلقنا النطفة . . . . . ) ثم خلقنا النطفة علقة ( بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء ) فخلقنا العلقة مضغة ( فصيرناها قطعة لحم ) فخلقنا المضغة عظاما ( بأن صلبناها ) فكسونا العظام لحما ( مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها واختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات والجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة وقرأ ابن عامر وأبو بكر على التوحيد فيهما اكتفاء باسم الجنس عن الجمع وقرئ بإفراد أحدهما وجمع الآخر ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( وهو صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخة فيه أو المجموع و ) ثم ( لما بين الخلقين من التفاوت واحتج به أبو حنيفة على أن من غضب بيضة أفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر ) فتبارك الله ( فتعالى شأنه في قدرته وحكمته ) أحسن الخالقين ( المقدرين تقديرا فحذف المميز لدلالة ) الخالقين ( عليه المؤمنون : ( 15 ) ثم إنكم بعد . . . . . ) ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( لصائرون إلى الموت لا محالة ولذلك ذكر النعت الذي للثبوت دون اسم الفاعل وقد قرئ به المؤمنون : ( 16 ) ثم إنكم يوم . . . . . ) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( للمحاسبة والمجازاة ________________________________________ " صفحة رقم 150 " المؤمنون : ( 17 ) ولقد خلقنا فوقكم . . . . . ) ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ( سموات لأنها طروق بعضها فوق بعض مطارقة النعل بالنعل وكل ما فوقه مثله فهو طريقه أو لأنها طرق الملائكة أو الكواكب فيها مسيرها ) وما كنا عن الخلق ( عن ذلك المخلوق الذي هو السموات أو عن جميع المخلوقات ) غافلين ( مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة المؤمنون : ( 18 ) وأنزلنا من السماء . . . . . ) وأنزلنا من السماء ماء بقدر ( بتقدير يكثر نفعه ويقل ضرره أو بمقدار ما علمنا من صلاحهم ) أنشأناه ( فجعلناه ) هباء منثورا ( في الأرض ) وإنا على ذهاب به ( على إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التعميق بحيث يتعذر استنباطه ) لقادرون ( كما كنا قادرين على إنزاله وفي تنكير ) ذهاب ( إيماء إلى كثرة طرقه ومبالغة في الإيعاد به ولذلك جعل أبلغ من قوله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) المؤمنون : ( 19 ) فأنشأنا لكم به . . . . . ) فأنشأنا لكم به ( بالماء ) جنات من نخيل وأعناب لكم فيها ( في الجنات ) فواكه كثيرة ( تتفكهون بها ) ومنها ( ومن الجنات ثمارها وزروعها ) تأكلون ( تغذيا أو ترزقون وتحصلون معايشكم من قوله فلان يأكل من حرفته ويجوز أن يكون الضمير أن لل ) نخيل ( وال ) أعناب ( أي لكم في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزينب والعصير والدبس وغير ذلك وطعام تأكلونه المؤمنون : ( 20 ) وشجرة تخرج من . . . . . ) وشجرة ( عطف على ) جنات ( وقرئت بالرفع على الابتداء أي ومما أنشأنا لكم ________________________________________ " صفحة رقم 151 " به شجرة ) تخرج من طور سيناء ( جبل موسى عليه الصلاة والسلام بين مصر وأيلة وقيل بفلسطين وقد يقال له طور سينين ولا يخلو من أن يكون الطور للجبل وسيناء اسم بقعة أضيف إليها أو المركب منهما علم له كامرئ القيس ومنع صرفه للتعريف والعجمة أو التأنيث على تأويل البقعة لا اللألف لأنه فيعال كديماس من السناء بالمد وهو الرفعة أو بالقصر وهو النور أو ملحق بفعلال كعلباء من السين إذ لا فعلاء بألف التأنيث بخلاف ) سيناء ( على قراءة الكوفيين والشامي ويعقوب فإنه فيعال ككيسان أو فعلاء كصحراء لا فعلال إذ ليس في كلامهم وقرئ بالكسر والقصر ) تنبت بالدهن ( أي تنبت ملتبسا بالدهن ومستصحبا له ويجوز أن تكون الباء صلة معدية ل ) تنبت ( كما في قولك ذهبت يزيد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في رواية ) تنبت ( وهو إما من أنبت بمعنى نبت كقول زهير " رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم فطينا لهم حتى إذا أنبت البقل " أو على تقدير ) تنبت ( زيتونا ملتبسا بالدهن وقرىء على البناء للمفعول هو كالأول وتثم ربالدهن وتخرج الدهن وتنبت بالدهان ) وصبغ للآكلين ( معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أ د وصفي الشيء على الآخر أي تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنيا يدهن به ويسرج منه وكونه إداما يصبغ فيه الخبز أي يغمس فيه للإئتدام وقرىء وصباغ كدباغ في دبغ المؤمنون : ( 21 ) وإن لكم في . . . . . ) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( تعتبرون بحالها وتستدلون بها ) نسقيكم مما في بطونها ( من الألبان أو من العلف فإن اللبن يتكون منه فمن للتبعيض أو للإبتداء وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب ) نسقيكم ( بفتح النون ) ولكم فيها منافع كثيرة ( في ظهورها وأصوافها وشعورها ) ومنها تأكلون ( فتنتفعون بأعيانها المؤمنون : ( 22 ) وعليها وعلى الفلك . . . . . ) وعليها ( وعلى النعام فإن منها ما يحمل عليه كالإبل والبقر وقيل المراد الإبل لأنها هي المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فإنها سفائن البر قال ذو الرمة " سفينة بر تحت خدي زمامها " ________________________________________ " صفحة رقم 152 " فيكون الضمير فيه كالضمير في ) وبعولتهن أحق بردهن ( ) وعلى الفلك تحملون ( في البر والبحر المؤمنون : ( 23 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . . ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ( إلى آخر القصص مسوق لبيان كفران الناس ما عدد عليهم من النعم المتلاحقة وما حاق بهم من زاولها ) ما لكم من إله غيره ( استئناف لتعليل المر بالعبادة وقرأ الكسائي غيره بالجر على اللفظ ) أفلا تتقون ( أفلا تخافون أن يزيل عنكم نعمه فيهلككم ويعذبكم برفضكم عبادته إلى عبادة غيره وكفرانكم نعمه التي لا تحصونها المؤمنون : ( 24 ) فقال الملأ الذين . . . . . ) فقال الملأ ( الأشراف ) الذين كفروا من قومه ( ) ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ( أن يطلب الفضل عليكم ويسودكم ) ولو شاء الله ( أن يرسل رسولا ) لأنزل ملائكة ( رسلا ) ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ( يعنون نوحا عليه السلام أي ما سمعنا به أنه نبي أو ما كلمهم به من الحث على عبادة الله سبحانه وتعالى وتفي غليه غيره أو من دعوى النبوة وذلك إما لفرط عنادهم أو لأنهم كانوا في فترة متطاولة المؤمنون : ( 25 ) إن هو إلا . . . . . ) إن هو إلا رجل به جنة ( أيحنون ولأجله يقول ذلك ) فتربصوا به ( فاحتملوه وانتظروا ) حتى حين ( لعله يفيق من جنونه المؤمنون : ( 26 ) قال رب انصرني . . . . . ) قال ( بعدما أيس من إيمانهم ) رب انصرني ( بإهلاكهم إو بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ) بما كذبون ( بدل تكذيبهم إياي أو بسببه المؤمنون : ( 27 ) فأوحينا إليه أن . . . . . ) فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ( بحفظنا نحفظه أن تخطىء فيه أو يفسده عليك مفسد ) ووحينا ( وأمرنا وتعليمنا كيف تصنع ) فإذا جاء أمرنا ( بالركوب أو نزول العذاب ) وفار التنور ( روي أنه قيل لنوح إذا فار الماء من التنور اركب أنت ومن معك فلما نبع الماء منه ________________________________________ " صفحة رقم 153 " أخبرته امرأته فركب ومحله في مسجد الكوفة عن يميمن الداخل مما يلي باب كندى وقيل عين وردة من الشام وفيه وجوه أخر ذكرتها في هود ) فاسلك فيها ( فادخل فيها يقال سلك فيه وسلك غيره قال تعالى ) ما سلككم في سقر ( ) من كل زوجين اثنين ( منكل أمتي الذكر والأنثى واحدين مزدوجين وقرأ حفص ) من كل ( بالتنوين أي من كل نوع زوجين واثنين تأكيد ) وأهلك ( وأهل بيتك أو من آمن معك ) إلا من سبق عليه القول منهم ( أي القول من الله تعالى بإهلاكه لكفره وإنما جيء بعلى لأن السابق ضار كما جيء باللام حيث كان نافعا في قوله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( بالدعاء لهم بالإنجاء ) إنهم مغرقون ( لا محالة لظلمهم بالإشراك والمعاصي ومن هذا شأنه لا يشفع له ولا يشفع فيه كيف المؤمنون : ( 28 ) فإذا استويت أنت . . . . . وقد أمره بالحمد على النجاة منهم بهلاكهم بقوله ) فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ( كقوله تعالى ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) المؤمنون : ( 29 ) وقل رب أنزلني . . . . . ) وقل رب أنزلني ( في السفينة أو في الأرض ) منزلا مباركا ( يتسبب لمزيد الخير في الدارين على قراءة أبي بكر وقرىء ) منزلا ( بمعنى إنزالا أو موضع إنزال ) وأنت خير المنزلين ( ثناء مطابق لدعائه أمره بأن يشفعه به مبالغة فيه وتوسلا به إلى الإجابة وإنما أفرده بالأمر والمعلق به أن يستوي هو ومن معه إظهار لفضله وإشعارا بأن في دعائه مندوحة عن دعائهم فإنه يحيط بهم المؤمنون : ( 30 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك ( فيما فعل بنوح وقومه ) لآيات ( يستدل بها ويعتبر أولو الإستبصار ________________________________________ " صفحة رقم 154 " والإعتبار ) وإن كنا لمبتلين ( لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم أو ممتحنين عبادنا بهذه الآيات ) وإن ( هي المخففة واللام هي الفارقة المؤمنون : ( 31 ) ثم أنشأنا من . . . . . ) ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ( هم عاد أو ثمود المؤمنون : ( 32 ) فأرسلنا فيهم رسولا . . . . . ) فأرسلنا فيهم رسولا منهم ( هو هود أو صالح وإنما جعل القول موضع الإرسال ليلد على أنه لم يأتهم من مكان غير مكانهم وإنما أوحي إليه وهو بين أظهرهم ) أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( تفسير لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله ) أفلا تتقون ( عذاب الله المؤمنون : ( 33 ) وقال الملأ من . . . . . ) وقال الملأ من قومه الذين كفروا ( لعله ذكر بالواو لأن كلامهم لم يتصل بكلام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بخلاف قول قوم نوح حيث استؤنف به فعلى تقدير سؤال ) وكذبوا بلقاء الآخرة ( بلقاء ما فيها من الثواب والعقاب أو بمعادهم إلى الحياة الثانية بالبعث ) وأترفناهم ( ونعمناهم ) في الحياة الدنيا ( بكثرة الأموال والأولاد ) ما هذا إلا بشر مثلكم ( في الصفة والحالة ) يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ( تقرير للماثلة و ) ما ( خبرية والعائد إلى الثاني منصوب محذوف أو مجرور حذف مع الجار لدلالته ما قبله عليه المؤمنون : ( 34 ) ولئن أطعتم بشرا . . . . . ) ولئن أطعتم بشرا مثلكم ( فيما يأمركم به ) إنكم إذا لخاسرون ( حيث أذللتم أنفسكم و ) إذا ( جزاء للشرط وجواب للذين قاولوهم من قومه المؤمنون : ( 35 ) أيعدكم أنكم إذا . . . . . ) أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما ( مجردة عن اللحوم والأعصاب ) أنكم مخرجون ( من الأجداث أو من العدم تارة أخرى إلى الوجود و ) إنكم ( تكرير للأول أكد به لما طال الفصل بينه وبين خبره أو أنكم لمخرجون مبتدأ خبره الظرف المقدم أو فاعل للفعل المقدر جوابا للشرط والجملة خبر الأول أي أنكم إخراجكم إذا متم أو أنكم إذا متم وقع إخراجكم ويجوز أن يكون خبر الأول محذوفا لدلالة خبر الثاني عليه لا أن يكون الظرف لأن اسمه جثة المؤمنون : ( 36 ) هيهات هيهات لما . . . . . ) هيهات هيهات ( بعد التصديق أو الصحة ) لما توعدون ( أو بعدما توعدون واللام للبيان كما في ) هيت لك ( كأنهم لما صوتوا بكلمة الإستعباد قيل فما له هذا الإستعباد قالوا ) لما توعدون ( وقيل ) هيهات ( بمعنى البعد وهو مبتدأ خبره ) لما توعدون ( وقرىء بالفتح منونا للتكبير وباللضم منونا ________________________________________ " صفحة رقم 155 " على أنه جمع هيهة وغير منون تشبيها بقبل وبالكسر على الوجهينو بالسكون على لفظ الوقف وبإبدال التاء هاء المؤمنون : ( 37 ) إن هي إلا . . . . . ) إن هي إلا حياتنا الدنيا ( أصله إن الحياة ) إلا حياتنا الدنيا ( فأقيم الضمير مقام الأولى لدلالة الثانية عليها حذرا عن التكرير وإشعارا بأن تعينها مغن عن التصريح بها كقوله " هي النفس ما حملتها تتحمل " ومعناه لا حياة إلا هذه الحياة لأن ) إن ( نافية دخلت على ) هي ( التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فكانت مثل لا التي تنفي ما بعدها نفي الجنس ) نموت ونحيا ( يموت بعضنا ويولد بعض ) وما نحن بمبعوثين ( بعد الموت المؤمنون : ( 38 ) إن هو إلا . . . . . ) إن هو ( ما هو ) إلا رجل افترى على الله كذبا ( فيما يدعيه من إرساله له وفيما يعدنا من البعث ) وما نحن له بمؤمنين ( بمصدقين المؤمنون : ( 39 ) قال رب انصرني . . . . . ) قال رب انصرني ( عليهم وانتقم لي منهم ) بما كذبون ( بسبب تكذيبهم إياي المؤمنون : ( 40 ) قال عما قليل . . . . . ) قال عما قليل ( عن زمان قليل و ) ما ( صلة لتوكيد معنى القلة أو نكرة موصوفة ) ليصبحن نادمين ( على التكذيب إذا عاينوا العذاب المؤمنون : ( 41 ) فأخذتهم الصيحة بالحق . . . . . ) فأخذتهم الصيحة ( صيحة جبريل صاح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا واستدل به على أن القوم قوم صالح ) بالحق ( بالوجه الثالث الذي لا دافع له أو بالعدل من الله كقولك فلان يقضي بالحق أو بالوعد الصدق ) فجعلناهم غثاء ( شبههم في دمارهم بغثاء السيل وهو حميله كقول العرب سال به الوادي لمن هلك وهو من المصادر التي تنصب بأفعال لا يستعمل إظهارها واللام لبيان من دعي عليه بالبعد ووضع الظاهر موضع ضميرهم للتعليل المؤمنون : ( 42 ) ثم أنشأنا من . . . . . ) ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ( هي قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم المؤمنون : ( 43 ) ما تسبق من . . . . . ) ما تسبق من أمة أجلها ( الوقت الذي حد لهلاكها و ) من ( مزدة للاستغراق ) وما يستأخرون ( الأجل المؤمنون : ( 44 ) ثم أرسلنا رسلنا . . . . . ) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( متواترين واحدا بعد واحد من الوتر وهو الفرد والتاء بدل ________________________________________ " صفحة رقم 156 " من الواو كتولج وتيقور والألف للتأنيث لأن الرسل جماعة وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالتنوين على أنه مصدر بمعنى المواترة وقع حالا وأماله حمزة وابن عامر والكسائي ) كل ما جاء أمة رسولها كذبوه ( إضافة الرسول مع الإرسال إلى المرسل ومع المجيء إلى المرسل إليهم لأن الإرسال الذي هو مبدأ الأمر منه والمجيء الذي هو منتهاه إليهم ) فأتبعنا بعضهم بعضا ( في الإهلاك ) وجعلناهم أحاديث ( لم نبق منهم إلا حكايات يسمر بها وهو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به تلهيا ) فبعدا لقوم لا يؤمنون ) المؤمنون : ( 45 ) ثم أرسلنا موسى . . . . . ) ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا ( بالآيات التسع ) وسلطان مبين ( وحجة واضحة ملزمة للخصم ويجوز أن يراد به العصا وأفرادها لأنها أول المعجزات وأمها تعلقت بها معجزات شتى كانقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها وحراستها ومصيرها شمعة وشجرة خضراء مثمرة ورشاء ودلوا وأن يراد به المعجزات وبالآيات الحجج وأن يراد بهما المعجزات فإنهما آيات للنبوة وحجة بينة على ما يدعيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المؤمنون : ( 46 ) إلى فرعون وملئه . . . . . ) إلى فرعون وملئه فاستكبروا ( على الإيمان والمتابعة ) وكانوا قوما عالين ( متكبرين المؤمنون : ( 47 ) فقالوا أنؤمن لبشرين . . . . . ) فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ( ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله ) بشرا سويا ( كما يطلق للجمع كقوله ) فإما ترين من البشر أحدا ( ولم يئن المثل لأنه في حكم المصدر وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما وكما ________________________________________ " صفحة رقم 157 " ترى في جانب النقصان أغبياء لا يعود عليهم الفك برادة يمكن أن يكون في طرف الزيادة أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم وإليه أشار بقوله تعالى ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( ) وقومهما ( يعني بني إسرائيل ) لنا عابدون ( خادمون منقادون كالعباد المؤمنون : ( 48 ) فكذبوهما فكانوا من . . . . . ) فكذبوهما فكانوا من المهلكين ( بالغرق في بحر قلزم المؤمنون : ( 49 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( التوراة ) لعلهم ( لعل بني إسرائيل ولا يجوز عود الضمير إلى ) فرعون ( وقومه لأن التوراة نزلت بعد إغراقهم ) يهتدون ( إلى المعارف والأحكام المؤمنون : ( 50 ) وجعلنا ابن مريم . . . . . ) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( بولادتها إياه من غير مسيس فالآية أمر واحد مضاف إليهما أو ) وجعلنا ابن مريم ( آية بأن تتكلم في المهد وظهرت منه معجزات أخر ) وأمه ( آية بأن ولدت من غير مسيس فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها ) وآويناهما إلى ربوة ( أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة أو دمشق أو رملة فلسطين أو مصر فإن قراها على الربى وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء وقرئ / رباوة / بالضم والكسر ) ذات قرار ( مستقر من الأرض منبسطة وقيل ذات ثمار وزروع فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها ) ومعين ( وماء طاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وأصله الابعاد في الشيء أو من الماعون وهو المنفعة لأنه نفاع أو مفعول من عانه إذا أدركه بعينه لأنه لظهوره مدرك بالعيون وصف ماءها بذلك لأنه الجامع لأسباب التنزه وطيب المكان ________________________________________ " صفحة رقم 158 " المؤمنون : ( 51 ) يا أيها الرسل . . . . . ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ( نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعه لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أ كلا منهم خوطب به في زمانه فيدخل تحته عيسى دخولا أوليا ويكون ابتداء كلام تنبيها على أن تهيئة أسباب التنعم لم تكن له خاصة وأن إباحة الطيبات للأنبياء شرع قديم واحتجاجا على الرهبانية في رفض الطيبات أو حكاية لما ذكر لعيسى وأمه عند إيوائهما إلى الربوة ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا وقيل النداء له ولفظ الجمع للتعظيم والطيبات ما يستلذ به من المباحات وقيل الحلال الصافي القوام فالحلال ما لا يعصى الله فيه والصافي ما لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل ) واعملوا صالحا ( فإنه المقصود منكم والنافع عند ربكم ) إني بما تعملون عليم ( فأجازيكم عليه المؤمنون : ( 52 ) وإن هذه أمتكم . . . . . ) وإن هذه ( أي ولأن ) هذه ( والمعللبه ) فاتقون ( أو واعلموا أن هذه وقيل إنه معطوف على ) ما تعملون ( وقرأ ابن عامر بالتخفيف والكوفيون بالكسر على الاستئناف ) أمتكم أمة واحدة ( ملتكم ملة واحدة أي متحدة في الإعتقاد وأصول الشرائع أو جماعتكم جماعة واحدة متفقة على الإيمان والتوحيد في العبادة ونصب ) أمة ( على الحال ) وأنا ربكم فاتقون ( في شق العصا ومخالفة الكلمة المؤمنون : ( 53 ) فتقطعوا أمرهم بينهم . . . . . ) فتقطعوا أمرهم بينهم ( فتقطعوا أمر دينهم جعلوه أديانا مختلفة أو فتفرقوا وتحزبوا وأمرهم منصوب بنزع الخافض أو التمييز والضمير لما دل عليه الأمة من أربابها أولها ) زبرا ( قطعا جمع زبور الذي بمعنى الفرقة ويؤيده القراءة بفتح الباء فإنه جمع زبرة وهو حال من أمرهم أو من الواو أو مفعول ثان ل ) فتقطعوا ( فإنه متضمن معنى جعل وقيل ________________________________________ " صفحة رقم 159 " كتبا من زبرت الكتاب فيكون مفعولا ثانيا أو حالا من أمرهم على تقدير مثل كتب وقرئ بتخفيف الباء كرسل في ) رسل ( ) كل حزب ( من التحزبين ) بما لديهم ( من الدين ) فرحون ( معجبون معتقدون أنهم على الحق المؤمنون : ( 54 ) فذرهم في غمرتهم . . . . . ) فذرهم في غمرتهم ( في جهالتهم شبهها بالماء الذي يغمر القامة لأنهم معمورون فها أو لاعبون بها وقرىء في / غمراتهم / ) حتى حين ( إلى أن يقتلوا أو يمتوا المؤمنون : ( 55 ) أيحسبون أنما نمدهم . . . . . ) أيحسبون أنما نمدهم به ( أن ما نعطيهم ونجعله لهم مددا ) من مال وبنين ( بيان لما وليس خبرا له فإنه غير معاتب عليه وإنما المعاتب عليه اعتقادهم أن ذلك خير لهم خبره المؤمنون : ( 56 ) نسارع لهم في . . . . . ) نسارع لهم في الخيرات ( والراجع محذوف والمعنى ايحسبون أن الذي نمدهم به نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم ) بل لا يشعرون ( بل هم كالبهائم لا فطنة لهم ولا شعور ليتأملوا فيه فيعلموا أن ذلك الإمداد استدراج لا مسارعة في الخير وقرىء / يمدهم / على الغيبة وكذلك / يسارع / و / يسرع / ويحتمل أن يكون فيهما ضمير المد به و / يسارع / مبنيا للمفعول المؤمنون : ( 57 ) إن الذين هم . . . . . ) إن الذين هم من خشية ربهم ( من خوف عذابه ) مشفقون ( حذرون المؤمنون : ( 58 ) والذين هم بآيات . . . . . ) والذين هم بآيات ربهم ( المنصوبة والمنزلة ) يؤمنون ( بتصديق مدلولها المؤمنون : ( 59 ) والذين هم بربهم . . . . . ) والذين هم بربهم لا يشركون ( شركا جليا ولا خفيا المؤمنون : ( 60 ) والذين يؤتون ما . . . . . ) والذين يؤتون ما آتوا ( يعطون ما أعطوه ما الصدقات وقرىء / يأتون ما أتوا / أي يفعلون ما فعلوا من الطاعات ) وقلوبهم وجلة ( خائفة أن لا يقبل منهم وأن لا يقع على الوجه الائق فيؤاخذ به ) أنهم إلى ربهم راجعون ( لأن مرجعهم لغيه أو من أن مرجعهم غليه وهو يعلم ما يخفى عليهم المؤمنون : ( 61 ) أولئك يسارعون في . . . . . ) أولئك يسارعون في الخيرات ( يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها أو يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة غليها كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 160 " تعالى ) فآتاهم الله ثواب الدنيا ( فيكون إثباتا لهم ما نفي عن أضدادهم ) وهم لها سابقون ( لأجلها فاعلون السبق أو سابقون الناس إلى الطاعة أو الثواب أبو الجنة أو سابقونها أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا كقوله تعالى ) هم لها عاملون ) المؤمنون : ( 62 ) ولا نكلف نفسا . . . . . ) ولا نكلف نفسا إلا وسعها ( قدر طاقتها يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين وتسهيله على النفوس ) ولدينا كتاب ( يريد به اللوح أو صحيفة العمال ) ينطق بالحق ( بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع ) وهم لا يظلمون ( بزيادة عقاب أو نقصان ثواب المؤمنون : ( 63 ) بل قلوبهم في . . . . . ) بل قلوبهم ( قلوب الكفرة ) في غمرة ( في غفلة غامرة لها ) من هذا ( من الذي ووصف به هؤلاء أو من كتاب الحفظة ) ولهم أعمال ( خبيثة ) من دون ذلك ( متجاوزة لما وصفوا به أو متخطية عما هم عليه من الشرك ) هم لها عاملون ( معتادون فعلها المؤمنون : ( 64 - 65 ) حتى إذا أخذنا . . . . . ) حتى إذا أخذنا مترفيهم ( متنعميهم ) بالعذاب ( يعني القتل يوم بدر أو الجوع حين دعا عليهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقال " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فقحطوا حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة ) إذا هم يجأرون ( فاجثوا الصراخ بالإستغاثة وهو جواب الشرط والجملة مبتدأ بعد حتى ويجوز أن يكون الجواب ) لا تجأروا اليوم ( فإنه مقدر بالقول أي قيل لهم ) لا تجأروا اليوم ( ) إنكم منا لا تنصرون ( تعليل للنهي أي لا تجأروا فإنه لا ينفعكم إذ لا تمنعون منا أو لا يلحقكم نصر ومعونة من جهتنا ________________________________________ " صفحة رقم 161 " المؤمنون : ( 66 ) قد كانت آياتي . . . . . ) قد كانت آياتي تتلى عليكم ( يعني القرآن ) فكنتم على أعقابكم تنكصون ( تعرضون مدبرين عن سماعها وتصديقها والعمل لها والنكوص الرجوع قهقرى المؤمنون : ( 67 ) مستكبرين به سامرا . . . . . ) مستكبرين به ( الضمير للبيت وشهوة استكبارهم وافتخارهم بأنه قوامه أغنت عن سبق ذكره أو لا يأتي فإنها بمعنى كتابي والباء متعلقة ب ) مستكبرين ( لأنه بمعنى مكذبين أو لأن استكبارهم على المسلمين حدث بسبب استماعه أو بقوله ) سامرا ( أي تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه وهو في الأصل مصدر جاء على لفظ الفاعل كالعاقبة وقرىء / سمرا / جمع سامر ) تهجرون ( من الهجر بالفتح إما بمعنى القطيعة أو الهذيان أي تعرضون عن القرآن أو تهذون في شأنه أو لا هجر بالضم أي الفحش ويؤيد الثاني قراءة نافع ) تهجرون ( من أهجر وقرىء ) تهجرون ( على المبالغة المؤمنون : ( 68 ) أفلم يدبروا القول . . . . . ) أفلم يدبروا القول ( أي القرآن ليعلموا أنه الحق من ربهم بإعجاز لفظه ووضوح مدلوله ) أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ( من الرسول والكتاب أو من الأمن من عذاب الله تعالى فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقدمون كإسماعيل وأعقابه فآمنوا به وبكتابه ورسله وأطاعوه المؤمنون : ( 69 ) أم لم يعرفوا . . . . . ) أم لم يعرفوا رسولهم ( بالأمانة والصدق وحسن الخلق وكمال العلم مع عدم التعلم إلى غير ذلك مما هو صفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) فهم له منكرون ( دعواه لأحد هذه الوجوه إذ لا وجه له غيرها فإن إنكار الشيء قطعا أو ظنا إنما يتجه إذا ظهر امتناعه بحسب النوع أو اشخص أبو ببحث عما يدل عليه أقصى ما يمكن فلم يوجد ________________________________________ " صفحة رقم 162 " المؤمنون : ( 70 ) أم يقولون به . . . . . ) أم يقولون به جنة ( فلا يبالون بقوله وكانوا يعلمون أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أرجحهم عقلا وأدقهم نظرا ) بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ( لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم فلذلك أنكروه وإنما قيد الحكم بالأكثر لأنه كان منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه أو لقلة فطنته وعدم فكرته لا كراهة للحق المؤمنون : ( 71 ) ولو اتبع الحق . . . . . ) ولو اتبع الحق أهواءهم ( بأن كان في الواقع آلهة شتى ) لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ( كما سبق تقريره في قوله تعالى ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وقيل لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلم يبق أو لو اتبع الحق الذي جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وأهلك العالم من فرط غضبه أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهونه من الشرك والمعاصي لخرج عن الألوهية ولم يقدر أن يمسك السموات والأرض وهو على أصل المعتزلة ) بل أتيناهم بذكرهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 163 " بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم أو الذكر الذي تمنوه بقولهم ) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( وقرئ / بذكراهم / ) فهم عن ذكرهم معرضون ( لا يلتفتون إليه المؤمنون : ( 72 ) أم تسألهم خرجا . . . . . ) أم تسألهم ( قيل أنه قسيم قوله ) أم به جنة ( ) خرجا ( أجرا على أداء الرسالة ) فخراج ربك ( رزقة في الدنيا أو ثوابه في العقبى ) خير ( لسعته ودوامه ففيه مندوحة لك عن عطائهم والخرج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك والخراج غالب في لاضريبة على الأرض ففيه إشعار بالكثرة واللزوم فيكون أبلغ ولذلك عبر به عن عطاء الله إياه وقرأ ابن عامر / خرجا فخرج / وحمزة والكسائي / خراجا فخراج / للمزاوجة ) وهو خير الرازقين ( تقرير لخيرية خراجه تعالى المؤمنون : ( 73 ) وإنك لتدعوهم إلى . . . . . ) وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ( تشهد العقول السليمة على استقامته لا عوج فيه يوجب اتهامهم له واعلم أنه سبحانه ألزمهم الحجة وأزاح العلة في هذه الآيات بأن حصر أقسام ما يؤدي إلى الإنكار والاتهام وبين انتفاءها ما عدا كراهة الحق وقلة الفطنة المؤمنون : ( 74 ) وإن الذين لا . . . . . ) وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط ( عن الصراط السوي ) لناكبون ( لعادلون عنه فإن خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحق وسلوك طريقه المؤمنون : ( 75 ) ولو رحمناهم وكشفنا . . . . . ) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ( يعني القحط ) للجوا ( لثبتوا واللجاج التمادي في الشيء ) في طغيانهم ( إفراطهم في الكفر والاستكبار عن الحق وعداوة الرسول والمؤمنين ) يعمهون ( عن الهدى روي أنهم قحطوا حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال بلى فقال قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت ________________________________________ " صفحة رقم 164 " المؤمنون : ( 76 ) ولقد أخذناهم بالعذاب . . . . . ) ولقد أخذناهم بالعذاب ( يعني القتل يوم بدر ) فما استكانوا لربهم ( بل أقاموا على عتوهم واستكبارهم واستكان استفعل من الكون لأن المفتقر انتقل من كون إلى كون أو افتعل من السكون أشبعت فتحته ) وما يتضرعون ( وليس من عادتهم التضرع وهو استشهاد على ما قبله المؤمنون : ( 77 ) حتى إذا فتحنا . . . . . ) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ( يعني الجوع فإنه أشد من القتل والأسر ) إذا هم فيه مبلسون ( متحيزون آيسون من كل خير حتى جاءك أعتاهم يستعطفك المؤمنون : ( 78 ) وهو الذي أنشأ . . . . . ) وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار ( لتحسوا بها ما نصب من الآيات ) والأفئدة ( لتتفكروا فيها وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع الدينية والدنيوية ) قليلا ما تشكرون ( تشكرونها شكرا قليلا لأن العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجله والإذعان لمانحها من غير إشراك و ) ما ( صلة للتأكيد المؤمنون : ( 79 ) وهو الذي ذرأكم . . . . . ) وهو الذي ذرأكم في الأرض ( خلقكم وبثكم فيها بالتناسل ) وإليه تحشرون ( تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم المؤمنون : ( 80 ) وهو الذي يحيي . . . . . ) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار ( ويختص به تعاقبهما لا يقدر على غيره فيكون ردا لنسبته إلى الشمس حقيقة أو لأمره وقضائه تعاقبهما أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر ) أفلا تعقلون ( بالنظر والتأمل أن الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات كلها وأن البعث من جملتها وقرئ بالياء على أن الخطاب السابق لتغليب المؤمنين المؤمنون : ( 81 ) بل قالوا مثل . . . . . ) بل قالوا ( أي كفار مكة ) مثل ما قال الأولون ( آباؤهم ومن دان بدينهم ________________________________________ " صفحة رقم 165 " المؤمنون : ( 82 ) قالوا أئذا متنا . . . . . ) قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( استبعادا ولم يتأملوا أنهم كانوا قبل ذلك أيضا ترابا فخلقوا المؤمنون : ( 83 ) لقد وعدنا نحن . . . . . ) لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ( إلا أكاذيبهم التي كتبوها جمع أسطورة لأنه يستعمل فيما يتلهى به كالأعاجيب والأضاحيك وقيل جمع أسطار جمع سطر المؤمنون : ( 84 - 85 ) قل لمن الأرض . . . . . ) قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ( إن كنتم من أهل العلم أو من العالمين بذلك ، فيكون استهانة بهم وتقريرا لفرط جهالتم حتى جهلوا مثل هذا الجلي الوضح إلزاما بما لا يمكن لمن له مسكة من العلم إنكاره . ولذلك أخبر عن جوابهم قبل أن يجيبوا فقال : ) سيقولون لله ( لأن العقل الصريح قد اضطرهم بأدنى نظر إلى الإقرار بأنه خالقها ) قل ( أي بعد ما قالوه ) أفلا تذكرون ( فتعلمون أن من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إيجادها ثانيا فإن بدء الخلق ليس أهون من إعادته وقرئ ) تتذكرون ( على الأصل المؤمنون : ( 86 ) قل من رب . . . . . ) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ( فإنهما أعظم من أعظم من ذلك المؤمنون : ( 87 ) سيقولون لله قل . . . . . ) سيقولون لله ( قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير لام فيه وفيمها بعده على ما يقتضيه لفظ السؤال ) قل أفلا تتقون ( عقابه فلا تشركوا به بعض مخلوقاته ولا تنكروا قدرته على بعض مقدوراته المؤمنون : ( 88 ) قل من بيده . . . . . ) قل من بيده ملكوت كل شيء ( ملكه غاية ما يمكن وقيل خزائنه ) وهو يجير ( يغيث من يشاء ويحرسه ) ولا يجار عليه ( ولا يغاث أ د ولا يمنع منه وتعديته بعلى لتضمين معنى النصرة ) إن كنتم تعلمون ) المؤمنون : ( 89 ) سيقولون لله قل . . . . . ) سيقولون لله قل فأنى تسحرون ( فمن أين تخدعون فتصرعون عن الرشد مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة المؤمنون : ( 90 ) بل أتيناهم بالحق . . . . . ) بل أتيناهم بالحق ( من التوحيد والوعد بالنشور ) وإنهم لكاذبون ( حيث أنكروا ذلك المؤمنون : ( 91 ) ما اتخذ الله . . . . . ) ما اتخذ الله من ولد ( لتقدسه عن مماثلة أ د ) وما كان معه من إله ( يساهمه في ________________________________________ " صفحة رقم 166 " الألوهية ) إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ( جواب محاجتهم وجزاء شرط حذف لدلالة ما قبله عليه أي لو كان معه آلهة كما تقولن للذهب كل منهم بما خلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الآخرين وظهر بينهم التحارب والتغالب كما هو حال ملوك الدنيا فلم يكن بيده وحده ملكوت كل شيء واللازم باطل بالإجماع والإستقراء وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد ) سبحان الله عما يصفون ( من الولد والشريك لما سبق من الدليل على فساده المؤمنون : ( 92 ) عالم الغيب والشهادة . . . . . ) عالم الغيب والشهادة ( خبر مبتدأ محذوف وقد جره ان ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص على اللصفة وهو دليل آخر على نفي الشريك بناء على توافقهم في أنه المنفرد بذلك ولهذا رتب عليه ) فتعالى عما يشركون ( بالفاء المؤمنون : ( 93 ) قل رب إما . . . . . ) قل رب إما تريني ( إن كان لا بد من أن تريني لأن ما والنون للتأكيد ) ما يوعدون ( من العذاب في الدنيا والآخرة المؤمنون : ( 94 ) رب فلا تجعلني . . . . . ) رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ( قرينا لهم في العذاب وهو إما لهضم النفس أو لأن شؤم الظلمة قد يحيق بم وراءهم كقوله تعالى ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( عن الحسن أنه تعالى أخبر نبيه عليه السلام أنهله في أمته نقمة ولم يطلعه على وقتها فأمره بهذا الدعاء وتكرير النداء وتصدير كل واحد من الشرط والجزاء به فضل تضرع وجؤار المؤمنون : ( 95 ) وإنا على أن . . . . . ) وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ( لكنا نؤخر علمنا بأن بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم ولعله رد لإنكارهم الموعود واستعجالهم له استهزاء به وقيل قد أراه وهو قتل بدر أو فتح مكة المؤمنون : ( 96 ) ادفع بالتي هي . . . . . ) ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها لكن بحيث لم يؤد إلى وهن في الدين وقيل هي كلمة التوحيد والسيئة الشرك وقيل هو الأمر بالمعروف والسيئة المنكر وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة لما فيه من التنصيص على ________________________________________ " صفحة رقم 167 " التفصيل ) نحن أعلم بما يصفون ( بما يصفونك به أو بوصفهم إياك على خلاف حالك وأقدر على جزائهم فوكل إلينا أمرهم المؤمنون : ( 97 ) وقل رب أعوذ . . . . . ) وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ( وساوسهم واصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض شبه حثهم الناس على المعاصي بهمز الراضة للدواب على امشي والجم للمرات أو لتنوع الوساوس أو لتعدد المضاف إليه المؤمنون : ( 98 ) وأعوذ بك رب . . . . . ) وأعوذ بك رب أن يحضرون ( يحوموا حولي في شيء من الأحوال وتخصيص حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل لأنها أحرى الأحوال بأن يخاف عليه المؤمنون : ( 99 ) حتى إذا جاء . . . . . ) حتى إذا جاء أحدهم الموت ( متعلق ب ) يصفون ( وما بينهما اعتراض لتأكيد الأعضاء بالإستعاذة بالله من الشيطان أن يزله عن الحلم ويغريه على الإنتقام أو بقوله ) إنهم لكاذبون ( قال تحسرا على ما فرط فيه من الإسمان والطاعة لما اطلع على الأمر ) رب ارجعون ( ردوني إلى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب وقيل لتكرير قوله ارجعني كما قيل في قفا وأطرقا المؤمنون : ( 100 ) لعلي أعمل صالحا . . . . . ) لعلي أعمل صالحا فيما تركت ( في الإسمان الذي تركته أي لعلي آتي الإيمان وأعمل فيه وقيل في المال أو في الدنيا وعنه عليه الصلاة والسلام " قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدوما إلى الله تعالى وأما الكافر فيقول رب ارجعون " ) كلا ( ردع من طلب الرجعة واستبعاد لها ) إنها كلمة ( معنى قوله ) رب ارجعون ( الخ والكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض ) هو قائلها ( لا محالة لتسلط الحسرة عليه ) ومن ورائهم ( أمامهم والضمير ________________________________________ " صفحة رقم 168 " للجماعة ) برزخ ( حائل بينهم وبين الرجعة ) إلى يوم يبعثون ( يوم القيامة وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وإنما الرجوع فيه غلى حياة تكون في الآخرة المؤمنون : ( 101 ) فإذا نفخ في . . . . . ) فإذا نفخ في الصور ( لقيام الساعة والقراءة بفتح الواو وبه وبكسر الصاد يؤيد أن ) الصور ( أيضا جمع الصورة ) فلا أنساب بينهم ( تنفعهم لزاول التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها ) يومئذ ( كما يفعلون اليوم ) ولا يتساءلون ( ولا يسال بعضهم بعضا لاشتغاله بنفسه وهو لا يناقض قوله ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( لأنه عند النفخة وذلك بعد المحاسبة أو دخول أهل الجنة الجنة والنار النار المؤمنون : ( 102 ) فمن ثقلت موازينه . . . . . ) فمن ثقلت موازينه ( موزونات عقائده وأعماله أي فمن كانت له عقائد وأعمال صالحة يكون لها وزن عند الله تعالى وقدر ) فأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالنجاة والدرجات . المؤمنون : ( 103 ) ومن خفت موازينه . . . . . ) ومن خفت موازينه ( ومن لم يكن له ما يكون وزن ، وهم الكفار لقوله تعلى : ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ) فأولئك الذين خسروا أنفسهم ( غبنوها حيث ضبعوا زمان استكمالها وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها ) في جهنم خالدون ( بدل من الصلة أو خير ثان ) فأولئك ) المؤمنون : ( 104 ) تلفح وجوههم النار . . . . . ) تلفح وجوههم النار ( تحرقها واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيرا ) وهم فيها كالحون ( من شدة الاحتراق والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان وقرئ / كلحون / ) ألم تكن آياتي تتلى عليكم ( على إضمار القول أي يقال لهم المؤمنون : ( 105 ) ألم تكن آياتي . . . . . ) ألم تكن ( ) فكنتم بها تكذبون ( تأنيب وتذكير لهم بما استحقوا هذا العذاب لأجله المؤمنون : ( 106 ) قالوا ربنا غلبت . . . . . ) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ( ملكتنا بحيث صارت أحوالنا مؤدبة إلى سوء العاقبة وقرأ حمزة والكسائي / شقاوتنا / بالفتح كالسعادة وقرئ بالكسر كالكتابة ) وكنا قوما ضالين ( عن الحق ________________________________________ " صفحة رقم 169 " المؤمنون : ( 107 ) ربنا أخرجنا منها . . . . . ) ربنا أخرجنا منها ( من النار ) فإن عدنا ( إلى التكذيب ) فإنا ظالمون ( لأنفسنا المؤمنون : ( 108 ) قال اخسؤوا فيها . . . . . ) قال اخسؤوا فيها ( اسكتوا سكوت هوان في النار فإنهما ليست مقام سؤال من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ ) ولا تكلمون ( في رفع العذاب أو لا تكلمون رأسا قيل إن أهل النار يقولون ألف سنة ) ربنا أبصرنا وسمعنا ( فيجابون ) حق القول مني ( فيقولون ألفا ) ربنا أمتنا اثنتين ( فيجابون ) إنكم ماكثون ( فيقولون ألفا ) ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( فيحابون ) أولم تكونوا أقسمتم من قبل ( فيقولون ألفا ) ربنا أخرجنا نعمل صالحا ( فيجابون ) أولم نعمركم ( فيقولون ألفا ) رب ارجعون ( فيجابون ) اخسؤوا فيها ( ثم لا يكون لهم فيها إلا زفير وشهيق وعواء المؤمنون : ( 109 ) إنه كان فريق . . . . . ) أنه ( إن الشأن وقرئ بالفتح أي لأنه ) كان فريق من عبادي ( يعني المؤمنين وقيل الصحابة وقيل أهل الصفة ) يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ( ________________________________________ " صفحة رقم 170 " المؤمنون : ( 110 ) فاتخذتموهم سخريا حتى . . . . . ) فاتخذتموهم سخريا ( هزؤا وقرأ نافع وحمزة والكسائي هنا وفي ) ص ( بالضم وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية ) حتى أنسوكم ذكري ( من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم فلم تخافوني في أوليائي ) وكنتم منهم تضحكون ( استهزاء بهم المؤمنون : ( 111 ) إني جزيتهم اليوم . . . . . ) إني جزيتهم اليوم بما صبروا ( على أذاكم ) أنهم هم الفائزون ( فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به وهو ثاني مفعولي ) جزيتهم ( وقرأ حمزة والكسائي بالكسر استئنافا المؤمنون : ( 112 ) قال كم لبثتم . . . . . ) قال ( أي الله أو الملك المأمور بسؤالهم وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي على الأمر للملك أو لبعض رؤساء أهل النار ) كم لبثتم في الأرض ( أحياء أو أمواتا في القبور ) عدد سنين ( تميز لكم المؤمنون : ( 113 ) قالوا لبثنا يوما . . . . . ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( استقصارا لمدة لبثهم فيها بالنسبة إلى خلودهم في النار أو لأنها كانت أيام سرورهم وأيام السرور قصار أو لأنها منقضية والمنقضي في حكم المعدوم ) فاسأل العادين ( الذين يتمكنون من عد أيامها إن أردت تحقيقها فأنا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكرها وإحصانها أو الملائكة الذين يعدون أعمار الناس ويحصون أعمالهم وقرئ ) العادين ( بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون ما تقول و ) العادين ( أي القدماء المعمرين فإنهم أيضا يستقصرون المؤمنون : ( 114 ) قال إن لبثتم . . . . . ) قال ( وفي قراءة حمزة والكسائي ) قل ( ) إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ( تصديق لهم في مقالهم المؤمنون : ( 115 ) أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . . ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( توبيخ على تغافلهم و ) عبثا ( حال بمعنى عابثين أو ________________________________________ " صفحة رقم 171 " مفعوله له أي لم نخلقكم تلهيا بكم وإنما خلقناكم لنتعبدكم ونجازيكم على أعمالكم وهو كالدليل على البعث ) وأنكم إلينا لا ترجعون ( معطوف على ) أنما خلقناكم ( أو ) عبثا ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم المؤمنون : ( 115 ) أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . . ) فتعالى الله الملك الحق ( الذي يحق له الملك مطلقا فإن من عداه مملوك بالذات مالك بالعرض من وجه دون وجه وفي حال دون حال ) لا إله إلا هو ( فإن ماعداه عبيد له ) رب العرش الكريم ( الذي يحيط بالأجرام وينزل منه محكمات الأقضية والأحكام ولذلك وصفه بالكرم أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين وقرىء بالرفع على أنه صفة الرب المؤمنون : ( 117 ) ومن يدع مع . . . . . ) ومن يدع مع الله إلها آخر ( يعبده إفرادا أو إشراكا ) لا برهان له به ( صفة أخرى لإلها لازمة له فإن الباطل لا برهان به جيء بها للتأكيد وبناء الحكم عليه تنبيها على أن التدين بما لا دليل عليه ممنوع فضلا عما دل الدليل على خلافه أو اعتراض بين الشرط والجزاء لذلك ) فإنما حسابه عند ربه ( فهو مجاز له مقدار ما يستحقه ) إنه لا يفلح الكافرون ( إن الشأن وقرئ بالفتح على التعليل أو الخبر أي حسابه عدم الفلاح بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين وختمها بنفي الفلاح عن الكافرين المؤمنون : ( 118 ) وقل رب اغفر . . . . . ثم أمر رسوله بأن يستغفره ويسترحمه فقال ( وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المؤمنين بشرته الملائكة بالروح والريحان وما تقرأ به عينيه عند نزول ملك الموت وعنه عليه لاصلاة والسلام أنه قال لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ ) قد أفلح المؤمنون ( حتى ختم العشر وروي أن أولها وآخرها من كنوز الجنة من عمل بثلاث آيات من أولها واتعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح ________________________________________ " صفحة رقم 172 " سورة النور مدنية وهي أربع وستون آية بسم الله الرحمن الرحيم النور : ( 1 ) سورة أنزلناها وفرضناها . . . . . ) سورة ( أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة ) أنزلناها ( صفتها ومن نصبها جعله مفسرا لناصبها فلا يكون له محل إلا إذا قدر اتل أو دونك نحوه ) وفرضناها ( وفرضنا ما فيها من الأحكام وشدده ابن كثير وأبو عمرو ولكثرة فرائضها أو المفروض عليهم أو للمبالغة في إيجابها ) وأنزلنا فيها آيات بينات ( واضحات الدلالة ) لعلكم تذكرون ( فتتقون المحارم وقرئ بتخفيف الذال النور : ( 2 ) الزانية والزاني فاجلدوا . . . . . ) الزانية والزاني ( أو فيما فرضنا أو أنزلنا حكمها وهو الجلد ويجوز أن يرفعا بالابتداء والخبر ) فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( والفاء لتضمنها معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من نصب سورة لأجل الأمر والزان بلا ياء وإنما قدم ) الزانية ( لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل وعرض نفسها عليه ولأن مفسدته تتحقق بالإضافة إليها والجلد ضرب الجلد وهو حكم يخص بمن ليس بمحصن لما دل على أن حد المحصن هو الرجم وزاد الشافعي عليه تغريب الحر سنة لقوله عليه الصلاة والسلام البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وليس في الآية ما يدفعه لينسخ أحدهما الآخر نسخا مقبولا أو مردودا وله في العبد ثلاثة أقوال والإحصان بالحرية والبلوغ والعقل والإصابة في نكاح صحيح واعتبرت الحنفية ________________________________________ " صفحة رقم 173 " الإسلام أيضا وهو مردود برجمه عليه الصلاة والسلام يهوديين ولا يعارضه من أشرك بالله فليس بمحصن إذ المراد بالمحصن الذي يقتنص له من المسلم ) ولا تأخذكم بهما رأفة ( رحمة ) في دين الله ( في طاعته وإقامة حده فتعطلوه أن تسامحوا فيه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة وقرئت بالمد على فعالة ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله تعالى والاجتهاد في إقامة حدوده وأحكامه وهو من باب التهييج ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر مما ينكل التعذيب وال ) طائفة ( فرقة يمكن أن تكون حافة حول شيء من الطوف وأقلها ثلاثة وقيل واحد واثنان والمراد جمع يحصل به التشهير النور : ( 3 ) الزاني لا ينكح . . . . . ) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء فإن المشاكلة علة للألفة والتضام والمخافة سبب للنفرة والإفتراق وكان حق المقابلة أن يقال والزانية لا تنكح إلا من هو زان أو مشرك لكن المراد بيان أحوال الرجال في الرغبة فيهن لأن الآية نزلت في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن لأن الآية عليهم من أكسابهن على عادة الجاهلية ولذلك قدم الزاني ) وحرم ذلك على المؤمنين ( لأنه تشبه بالفساق وتعرض للتهمة وتسبب لسوء القالة والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة وقيل النفي بمعنى النهي وقد قرىء به ________________________________________ " صفحة رقم 174 " والحرمة على ظاهرها والحكم مخصوص بالسبب الذي ورد فيه أو منسوخ بقوله تعالى ) وأنكحوا الأيامى منكم ( فإنه يتناول المسافحات ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال " أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال " وقيل المراد بالنكاح الوطء فيؤول إلى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية والزانية أن يزني بها إلا زان وهو فاسد النور : ( 4 ) والذين يرمون المحصنات . . . . . ) والذين يرمون المحصنات ( يقذفونهن بالزنا لوصف المقذوفات بالإحصان وذكرهن عقيب الزاني واعتبار أربعة شهداء بقوله ) ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ( والقذف بغيره مثل يا شارب الخمر يوجب التعزير كقذف غير المحصن والإحصان ها هنا بالحرية والبلوغ والعقل والإسلام والعفة عن الزنا ولا فرق فيه بين الذكر والأنثى وتخصيص ) المحصنات ( لخصوص الواقعة أو لأن قذف النساء أغلب وأشنع ولا يشترط اجتماع الشهود عند الآداء ولا تعتبر شهادة زوج المقذوفة خلافا لأبي حنيفة وليكن ضربه أخف من ضرب الزنا لضعف سببه واحتماله ولذلك نقص عدده ) ولا تقبلوا لهم شهادة ( أي شهادة كانت لأنه مفتر وقيل شهادتهم في القذف ولا يتوقف ذلك على استيفاء الجلد خلافا لأبي حنيفة فإن الأمر بالجلد والنهي عن القبول سيان في وقوعهما جوابا للشرط لا ترتيب بينهما فيترتبان عليه دفعة كيف وحاله قبل الجلد اسوأ مما بعده ) أبدا ( ما لم يتب بينهما فيترتبان عليه دفعة كيف وحاله قبل الجلد اسوأ مما بعده أبدا ما لم يتب وعند أبي حنيفة إلى آخر عمره ) وأولئك هم الفاسقون ( المحكوم بفسقهم النور : ( 5 ) إلا الذين تابوا . . . . . ) إلا الذين تابوا ( عن القذف ) من بعد ذلك وأصلحوا ( أعمالهم بالتدارك ومنه الإستسلام للحد أو الإستحلال من المقذوف والإستثناء راجع إلى أصل الحكم وهو اقتضاء الشرط لهذه الأمور ولا يلزمه سقوط الحد به كما قيل لأن من تمام التوبة ________________________________________ " صفحة رقم 175 " الاستسلام له أو الاستحلال ومحل المستثنى النصب على الاستثناء وقيل إلى النهي ومحله الجر على البدل من هم في لهم وقيل إلى الأخيرة ومحله النصب لأنه من موجب وقيل منقطع متصل بما بعده ) فإن الله غفور رحيم ( علة للاستثناء النور : ( 6 ) والذين يرمون أزواجهم . . . . . ) والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ( نزلت في هلال بن أمية رأى رجلا على فراشه وأنفسهم بدل من شهداء أو صفة لهم على أن إلا بمعنى غير ) فشهادة أحدهم أربع شهادات ( فالواجب شهادة أحدهم أو فعليهم شهادة أحدهم و ) أربع ( نصب على المصدر وقد رفعه حمزة والكسائي وحفص على أنه خبر ) شهادة ( ) بالله ( متعلق بشهادات لأنها أقرب وقيل بشهادة لتقدمها ) إنه لمن الصادقين ( أي فيما رماها به من الزنا وأصله على أنه فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنه باللام تأكيدا النور : ( 7 ) والخامسة أن لعنة . . . . . ) والخامسة ( والشهادة الخامسة ) أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ( في الرمي هذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف عنه وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وتفريق الحاكم فرقة طلاق عند أبي حنيفة ونفي الولد أن تعرض له فيه وثبوت حد الزنا على المرأة النور : ( 8 ) ويدرأ عنها العذاب . . . . . ) ويدرأ عنها العذاب ( أي الحد ) أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) النور : ( 9 ) والخامسة أن غضب . . . . . ) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ( في ذلك ورفع الخامسة ________________________________________ " صفحة رقم 176 " بالابتداء وما بعدها الخبر أو بالعطف على أن تشهد ونصبها حفص عطفا على ) أربع ( وقرأ نافع ويعقوب ) أن لعنة الله ( و ) أن غضب الله ( بتخفيف النون فيهما وكسر الضاد وفتح الباء من ) غضب ( ورفع الهاء من اسم ) الله ( والباقون بتشديد النون فيهما ونصب التاء وفتح الضاد وجر الهاء النور : ( 10 ) ولولا فضل الله . . . . . ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ( متروك الجواب للتعظيم أي لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة النور : ( 11 ) إن الذين جاؤوا . . . . . ) الذين جاؤوا بالإفك ( بأبلغ ما يكون من الكذب من الإفك وهو الصرف لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله تعالى عنها وذلك أنه عليه الصلاة والسلام استصحبها في بعض الغزوات فأذن ليلة في القفول بالرحيل فمشت لقضاء حاجة ثم عادت إلى الرحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت لتتلمسه فظن الذي كان يرحلها أنها دخلت الهودج فرحله على مطيتها وسار فلما عادت إلى منزلها لم تجد ثمة أحدا فجلست كي يرجع إليها منشد وكان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه قد عرس وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلها فعرفها فأناخ راحلته فركبتها فقادها حتى أتيا الجيش فاتهمت به ) عصبة منكم ( جماعة منكم وهي من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة يريد عبد اله بن أبي وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وهي خبر إن وقوله ) لا تحسبوه شرا لكم ( مستأنف والخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعائشة وصفوان رضي اله تعالى عنهم والهاء للإفك ) بل هو خير لكم ( لاكتسابكم به الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم والثناء على من ظن بكم خيرا ) لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ( لكل جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصا به ) والذي تولى كبره ( معظمه وقرأ يعقوب بالضم وهو لغة فيه ) منهم ( من الخائضين وهو ابن أب فإنه بدأ به وأذاعه عداوة ________________________________________ " صفحة رقم 177 " لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو هو وحسان ومسطح فإنهما شايعاه بالتصريح به ) والذي ( بمعنى الذين ) له عذاب عظيم ( في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا وصار ابن أبي مطرودا مشهورا بالنفاق وحسان أعمى أشل اليدين ومسطح مكفوف البصر النور : ( 12 ) لولا إذ سمعتموه . . . . . ) لولا ( هلا ) إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ( بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى ) ولا تلمزوا أنفسكم ( وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغ في التوبيخ وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذوبهم عن أنفسهم وإنما جاز الفصل بين ) لولا ( وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه مالا يتسع في غيره وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله ) وقالوا هذا إفك مبين ( كما يقول المستقين المطلع على الحال النور : ( 13 ) لولا جاؤوا عليه . . . . . ) لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ( من ملة المقول تقريرا لكونه كذبا فإن ما لا حجة عليه كذب عند الله أي في حكمه ولذلك رتب الحد عليه النور : ( 14 ) ولولا فضل الله . . . . . ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ( لولا هذه لا متناع الشيء لوجود غيره والمعنى لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة ) ورحمته ( في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدران لكم ) لمسكم ( عاجلا ) فيما أفضتم ( خضتم ) فيه عذاب عظيم ( يستحقر دونه اللوم والجلد ________________________________________ " صفحة رقم 178 " النور : ( 15 ) إذ تلقونه بألسنتكم . . . . . ) إذ ( ظرف ) لمسكم ( أو ) أفضتم ( ) تلقونه بألسنتكم ( يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه يقال تلقى القول كتلقفه وتلقنه قرىء / تتلقونه / على الأصل و ) تلقونه ( من لقيه إذا لقفه و ) تلقونه ( بكسر حرف المضارعة و ) تلقونه ( من إلقائه بعضهم على بعض و ) تلقونه ( وتألقونه من الألق والألق وهو الكذب وتثقونه من ثقفته إذا طلبته فوجدته و ) تلقونه ( أي تتبعونه ) وتقولون بأفواهكم ( أي و تقولون كلاما مختصا بالأفواه بلا مساعدة من القلوب ) ما ليس لكم به علم ( لأنه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبك كقوله تعالى ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( ) وتحسبونه هينا ( سهلا لا تبعة له ) وهو عند الله عظيم ( في الاوزر واستجرار العذاب فهذه ثلاثة آثام مترتبة علق بها مس العذاب العظيم تلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك وهو عند الله عظيم النور : ( 16 ) ولولا إذ سمعتموه . . . . . ) ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ( ما ينبغي وما يصح لنا ) أن نتكلم بهذا ( يجوز أن تكون الإشارة إلى القول المخصوص وأن تكون إلى نوعه فإن قذف آحاد الناس محرم شرعا فضلا عن تعرض الصديقة ابنة الصديق حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) سبحانك ( تعجب من ذلك الإفك أو ممن يقول ذلك وأصله أن يذكر عند كل متعجب أو تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ثم كثر فاستعمل لك متعجب أو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزاوج بخلاف كفرها فيكون تقريرا لما قبله وتمهيدا لقوله ) هذا بهتان عظيم ( لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها النور : ( 17 ) يعظكم الله أن . . . . . ) يعظكم الله أن تعودوا لمثله ( كراهة أن تعودوا أو في أن تعودوا ) أبدا ( ما دمتم أحياء مكلفين ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يمنع عنه وفيه تهييج وتقريع ________________________________________ " صفحة رقم 179 " النور : ( 18 ) ويبين الله لكم . . . . . ) ويبين الله لكم الآيات ( الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا ) والله عليم ( بالأحوال كلها ) حكيم ( في تدابيره ولا يجوز الكشخنة على نبيه ولا يقرره عليها النور : ( 19 ) إن الذين يحبون . . . . . ) إن الذين يحبون ( يريدون ) أن تشيع ( أن تنتشر ) الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ( بالحد والسعير إلى غير ذلك ) والله يعلم ( ما في الضمائر ) وأنتم لا تعلمون ( فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الإشاعة النور : ( 20 ) ولولا فضل الله . . . . . ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة ولذا عطف قوله ) وأن الله رؤوف رحيم ( على حصول فضله ورحمته عليهم وحذف الجواب وهو مستغنى عنه بذكر مرة النور : ( 21 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ( بإشاعة الفاحشة وقرئ بفتح الطاء وقرأ نافع والبزي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها ) ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ( بيان لعلة النهي عن اتباعه و ) الفحشاء ( ما أفرط قبحه و ) المنكر ( ما أنكره الشرع ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها ) زكا ( ما طهر من دنسها ) منكم من أحد أبدا ( آخر الدهر ) ولكن الله يزكي من يشاء ( بحمله على التوبة وقبولها ) والله سميع ( لمقالهم ) عليم ( بنياتهم النور : ( 22 ) ولا يأتل أولوا . . . . . ) ولا يأتل ( ولا يحلف افتعال من الألية أو ولا يقصر من الألو ويؤيد الأول أنه قرئ ولا / يتأل / وأنه نزل في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد حلف أن لا ينفق على مسطح بعد وكان ابن خالته وكان من فقراء المهاجرين ) أولوا الفضل منكم ( في الدين ) والسعة ( في المال وفيه دليل على فضل أبي بكر وشرفه رضي الله تعالى عنه ) أن يؤتوا ( على أ لا ) يؤتوا ( أو في ) أن يؤتوا ( وقرئ بالتاء على الالتفات ) أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ( صفات لموصوف واحد أي ناسا جامعين لها ________________________________________ " صفحة رقم 180 " لأن الكلام فيمن كان كذلك أو لموصفات أقيمت مقامها فيكون أبلغ في تعليل المقصود ) وليعفوا ( عما فرط منهم ) وليصفحوا ( بالإغماض عنه ) ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( على عفوكم وصفحكم وإحسانك إلى من أساء إليكم ) والله غفور رحيم ( مع كمال قدرته فتخلقوا بأخلاقه روي أنه عليه الصلاة والسلام قرأها على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال بلى أحب ورجع إلى مسطح نفقته النور : ( 23 ) إن الذين يرمون . . . . . ) إن الذين يرمون المحصنات ( العفائف ) الغافلات ( عما قذفن به ) المؤمنات ( بالله وبرسوله استباحة لعرضهن وطعنا فيهن ) ولهم عذاب عظيم ( لعظم ذنوبهم وقيل هو حكم كل قاذف ما لم يتب وقيل مخصوص بمن قذف أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا توبة له ولو فتشت وعيدات القرآن لتجد أغلظ مما نزل في إفك عائشة رضي الله تعالى عنها النور : ( 24 ) يوم تشهد عليهم . . . . . ) يوم تشهد عليهم ( ظرف لما في لهم من معنى الإستقرار لا للعذاب لأنه موصوف وقرأ حمزة والكسائي بالياء للتقدم والفصل ) ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ( يعترفون بها بإنطاق الله تعالى إياها بغير اختيارهم أبو بظهور آثاره عليها وفي ذلك مزيد تهويل للعذاب ________________________________________ " صفحة رقم 181 " النور : ( 25 ) يومئذ يوفيهم الله . . . . . ) يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ( جزاءهم المستحق ) ويعلمون ( لمعاينتهم الأمر ) أن الله هو الحق المبين ( الثابت بذاته الظاهر ألوهيته لا يشاركه في ذلك غيره ولا يقدر على الثواب والعقاب سواه أو ذو الحق البين أي العادل الظاهر عدله ومن كان هذا شأنه ينتقم من الظالم للمظلوم لا محالة النور : ( 26 ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون . . . . . ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ( أي الخبائث يتزوجن الخباث وبالعكس وكذلك أهل الطيب فيكون كالدليل على قوله ) أولئك ( يعني أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو الرسول وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم ) مبرؤون مما يقولون ( إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه السلام ولم يقرر عليها وقيل ) الخبيثات ( ) والطيبات ( من الأقوال والإشارة إلى الطيبين والضمير في ) يقولون ( للآفكين أي مبرؤون مما يقولون فيهم أو ) للخبيثين ( و ) الخبيثات ( أي مبرؤون من أن يقولوا مثل قولهم ) لهم مغفرة ورزق كريم ( يعني الجنة ولقد برأ الله أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها وموسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ومريم بإنطاق ولدها وعائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الآيات الكريمة مع هذه المبالغة وما ذلك إلا لإظهار منصب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإعلاه منزلته النور : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ( التي تسكنوها فإن الآجر والمعير أيضا لا يدخلان إلا بإذن ) حتى تستأنسوا ( تستأذنوا من الإستنئناس بمعنى الإستعلام من آنس الشيء إذا ابصره فإن المستأذن مستعلم للحال مستكشف أنه هل يراد دخوله أو يؤذن له أو من الإستئناس الذي هو خلاف الإستيحاش فإن المستأذن مستوحش خائف أن لا يؤذن له فإذا أذن له استأنس أو تتعرفوا هل ثم إنسان من الإنس ) وتسلموا على أهلها ( بأن تقولوا السلام لعيكم أأدخل وعنه عليه الصلاة والسلام التسليم أن يقول السلام عليكم ________________________________________ " صفحة رقم 182 " أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له دخل وإلا رجع ) ذلكم خير لكم ( أي الاستئذان أو التسليم خير لكم من أن تدخلوا بغتة أو من تحية الجاهلية كان الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته قال حييتم صباحا أو حييتم مساء ودخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف وروي أن رجلا قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أأستأذن على أمي قال نعم قال إنها ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها عريانة قالا لا قال فاستأذن ) لعلكم تذكرون ( متعلق بمحذوف أي أنزل عليكم أو قيل لكم هذا إرادة أن تذكروا وتعملوا بما هو أصلح لكم النور : ( 28 ) فإن لم تجدوا . . . . . ) فإن لم تجدوا فيها أحدا ( يأذن لكم ) فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ( حتى يأتي من يأذن لكم فإن المانع من الدخول ليس الاطلاع على العورات فقط بل وعلى ما يخفيه الناس عادة مع أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه محظور واستثنى ما إذا عرض فيه حرق أو غرق أو كان فيه منكر ونحوها ) وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ( ولا تلحوا ) هو أزكى لكم ( الرجوع أطهر لكم عما لا يخلو الإلحاح والوقوف على الباب عنه من الكراهة وترك المروءة أو أنفع لدينكم ودنياكم ) والله بما تعملون عليم ( فيعلم ما تأتون وما تذرون مما خوطبتم به فيجازيكم عليه النور : ( 29 ) ليس عليكم جناح . . . . . ) ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ( كالربط والحوانيت والخانات والخانقات ) فيها متاع ( استماع ) لكم ( كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الأمتعة والجلوس للمعاملة وذلك استثناء من الحكم السابق لشموله البيوت المسكونة وغيرها ) والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( وعيد لمن دخل مدخلا لفساد أو تطلع على عورات النور : ( 30 ) قل للمؤمنين يغضوا . . . . . ) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( أي ما يكون نحو محرم ) ويحفظوا فروجهم ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم ولما كان المستثنى منه كالشاذ النادر بخلاف الغض ________________________________________ " صفحة رقم 183 " أطلقه وقيد الغض بحرف التبعيض وقيل حفظ الفروج ها هنا خاصة سترها ) ذلك أزكى لهم ( أنفع لهم أو أطهر لما فيه من البعد عن الريبة ) إن الله خبير بما يصنعون ( لا يخفى عليه إجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه في كل حركة وسكون النور : ( 31 ) وقل للمؤمنات يغضضن . . . . . ) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( فلا ينظرن إلى ما لا يحل لهن النظر إليه من الرجال ) ويحفظن فروجهن ( بالتستر أو التحفظ عن الزنا وتقديم الغض لأن النظر بريد الزنا ) ولا يبدين زينتهن ( كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له ) إلا ما ظهر منها ( عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة ) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( سترا لأعناقهن وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وهشام بضم الجيم ) ولا يبدين زينتهن ( كرره لبيان من يحل الإبداء ومن لا يحل له ) إلا لبعولتهن ( فإنهم المقصودون بالزينة ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الفرج بكره ) أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن ( لكثرة مداخلتهم عليهن واحتياجهن إلى مداخلتهم وقلة توقع الفتنة من قبلهم لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب ولهم أن ينظروا منهن ما يبدو عند المهنة والخدمة وإنما لم يذكر الأعمام والأخوال لأنهم في معنى الإخوان أولان الأحوط أن يتسترن عنهم حذرا أن يصفوهن لأبنائهم ) أو نسائهن ( يعني المؤمنات فإن الكافرات لا يتحرجن عن وصفهن للرجال أو النساء كلهن وللعلماء في ذلك خلاف ________________________________________ " صفحة رقم 184 " ) أو ما ملكت أيمانهن ( يعم الإماء والعبيد لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أتى فاطمة بعبد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فقال عليه الصلاة والسلام إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك وقيل المراد بها الإماء وعبد المرأة كالأجنبي منها ) أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ( أي أولي الحاجة إلى النساء وهم الشيوخ الهم والممسوحون وفي المحبوب والخصي خلاف وقيل البله الذين يتبعون الناس لفضل طعامهم ولا يعرفون شيئا من أمور النساء وقرأ ابن عامر وأبو بكر غير بالنصب على الحال ) أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ( لعدم تمييزهم من الظهور بمعنى الاطلاع أو لعدم بلوغهم حد الشهوة من الظهور بمعنى الغلبة والطفل جنس وضع موضع الجمع اكتفاء بدلالة الوصف ) ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ( ليتقعقع خلخالخها فيعلم أنها ذات خلخال فإن ذلك يورث ميلا في الرجال وهو أبلغ من النهي عن إظهار الزينة وأدل على المنع من رفع الصوت ) وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ( إذ لا يكاد يخلو أحد منكم من تفريط سيما في الكف عن الشهوات وقيل توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية فإنه وإن جب بالإسلام لكنه يجب الندم عليه والعزم على الكف عنه كلما يتذكر وقرأ ابن عامر ) أيها المؤمنون ( وفي الثلاثة والباقون بفتحها ووقف أبو عمرو والكسائي عليهن بالألف ووقف الباقون بغير الألف ) لعلكم تفلحون ( بسعادة الدارين النور : ( 32 ) وأنكحوا الأيامى منكم . . . . . ) وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ( لما نهى عما عسى يفضي إلى السفاح المخل بالنسب المقتضي للألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة المؤدية إلى بقاء النوع بعد الزجر عنه مبالغة فيه عقبه بأمر النكاح الحافظ له والخطاب للأولياء والسادة وفيه دليل على وجوب تزويج المولية والمملوك وذلك عند طلبهما وإشعار بأن المرأة والعبد لا ________________________________________ " صفحة رقم 185 " يستبدان به إذ لو استبدا لما وجب على الولي والمولى و ) الأيامى ( مقلوب أيايم كيتامى جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا كان أو ثيبا قال " فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم " وتخصيص 0 الصالحين لأن إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهم وقيل المراد الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( رد لما عسى يمنع من النكاح والمعنى لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غاد ورائح أو وعد من الله بالإغناء لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) اطلبوا الغنى في هذه الآية لكن مشروط بالمشيئة كقوله تعالى ) وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ( ) والله واسع ( ذو سعة لا تنفذ نعمته إذ لا تنتهي قدرته ) عليم ( يبسط الرزق ويقدر على ما تقتضيه حكمته النور : ( 33 ) وليستعفف الذين لا . . . . . ) وليستعفف ( وليجتهد في العفة وقمع الشهوة ) الذين لا يجدون نكاحا ( أسبابه ويجوز أن يراد بالنكاح ما ينكح به أو بالوجدان التمكن منه ) حتى يغنيهم الله من فضله ( فيجدوا ما يتزوجون به ) والذين يبتغون الكتاب ( المكاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على كذا من الكتاب لأن السيد كتب على نفسه عتقه إذا أدى المال أو لأنه مما يكتب لتأجيله أو من الكتب بمعنى الجمع لأن العوضض فيه يكون منجما بنجوم يضم بعضها إلى بعض ) مما ملكت أيمانكم ( عبدا كان أو أمة والموصول بصلته مبتدأ خبره ) فكاتبوهم ( أو مفعول لمضمر هذا تفسيره والفاء لتضمن معنى الشرط والأمر فيه للندب عند أكثر العلماء لأن الكتابة معاوضة تتضمن الارفاق فلا تجب كغيرها واحتجاج الحنفية ________________________________________ " صفحة رقم 186 " بإطلاقه على جواز الكتابة الحالية ضعيف لأن المطلق لا يعم مع أن العجز عن الأداء في الحال يمنع صحتها كما في السلم فيما لا يوجد عند المحل ) إن علمتم فيهم خيرا ( أمانة وقدرة على أداء المال بالاحتراف وقد روي مثله مرفوعا وقيل صلاحا في الدين وقيل مالا وضعفه ظاهر لفظا ومعنى وهو شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز ) وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( أمر للموالي كما قبله بأن يبذلوا لهم شيئا من أموالهم وفي معناه حط شيء من مال الكتابة وهو للوجوب عند الأكثر ويكفي أقل ما يتمول وعن علي رضي الله تعالى عنه يحط الربع وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الثلث وقيل ندب لهم إلى الإنفاق عليهم بعد أن يؤتوا ويعتقوا وقيل أمر لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم من الزكاة ويحل للمولى وإن كان غنيا لأنه لا يأخذه صدقة كالدائن والمشتري ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث بريرة هو لها صدقة ولنا هدية ) ولا تكرهوا فتياتكم ( إماءكم ) على البغاء ( على الزنا كانت لعبد اله بن أبي ست جوار يكرههن على الزنا وضرب عليهن الضرائب فشكا بعضهن إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) إن أردن تحصنا ( تعففا شرط للإكراه فإنه لا يوجد دونه وإن جعل شرطا للنهي لم يلزم من عدمه جواز الإكراه لجواز أن يكون ارتفاع النهي بامتناع المنهي عنه وإيثار إن على إذا لأن إرادة التحصن من الإماء كالشاذ النادر ) لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 187 " أي لهن أوله إن تاب والأول أوفق للظاهر ولما في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ولا يرد عليه أن المكرمة غير آثمة فلا حاجة إلى المغفرة لأن الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات ولذلك حرم على المكره القتل وأوجب عليه القصاص النور : ( 34 ) ولقد أنزلنا إليكم . . . . . ) ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ( يعني التي بنيت في هذه السورة وأوضحت فيها الأحكام والحدود وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالكسر في هذا وفي ) الطلاق ( لأنها واضحات تصدقها الكتب المتقدمة والعقول المستقيمة من بين بمعنى تبين أو لأنها بينت الأحكام والحدود ) ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ( أو ومثلا من أمثال من قبلكم أي وقصة عجيبة مثل قصصهم وهي قصة عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها كقصة يوسف ومريم ) وموعظة للمتقين ( يعني ما وعظ به في تلك الآيات وتخصيص المتقين لأنهم المنتفعون بها وقيل المراد بالآيات القرآن والصفات المذكورة صفاته النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . . ) الله نور السماوات والأرض ( النور في الأصل كيفية تدركها الباصرة أولا وبواسطتها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى إلا بتقدير مضاف كقولك زيد كرم بمعنى ذو كرم أو على تجوز إما بمعنى منور السموات والأرض وقد قرئ به فإنه تعالى نورهما بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار أو بالملائكة والأنبياء أو مدبرهما من قولهم للرئيس الفائق في التدبير نور القوم لأنهم يهتدون به في الأمور أو موجدهما فإن النور ظاهر بذاته مظهر لغيره وأصل الظهور هو الوجود كما أن أصل الخفاء هو العدم والله سبحانه وتعالى موجود بذاته موجد لما عداه أو الذي به تدرك أو يدرك أهلها من حيث إنه يطلق على الباصرة لتعلقها به أو لمشاركتها له في توقف الإدراك عليه ثم على البصيرة لأنها أقوى إدراكا فإنها تدرك نفسها وغيرها من الكليات والجزئيات الموجودات والمعدومات وتغوص في بواطنها وتتصرف فيها بالتركيب والتحليل ثم إن هذه الإدراكات ليست لذاتها وإلا لما ________________________________________ " صفحة رقم 188 " فارقتها فهي إذن من سبب يفيضها عليها وهو الله سبحانه وتعالى ابتداء أو بتوسط من الملائكة والأنبياء ولذلك سموا أنوارا ويقرب منه قول ابن عباس رضي اله تعالى عنهما معناه هادي من فيهما فهم بنوره يهتدون وإضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقهأ ولاشتمالهما على الأنوار الحسية والعقلية وقصور الإدراكات البشرية عليهما وعلى المتلق بهما والمدلول لهما ) مثل نوره ( صفة نوره العجيبة الشأن وإضافته إلى ضميره سبحانه وتعالى دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره ) كمشكاة ( كصفة مشكاة وهي الكوة الغير النافذة وقرأ الكسائي برواية الدوري بالإمالة ) فيها مصباح ( سراج ضخم ثافب وقيل المشكاة الأنبوية في وسط القنديل والمصباح لافتيلة المشتعلة ) المصباح في زجاجة ( في قنديل من الزجاج ) الزجاجة كأنها كوكب دري ( مضيء متلألئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى الدار أو فعيل كمريق من الدرء فإنه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياء ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل وقراءة أبي عمرو والكسائي / دريء / كشريب وقد قرئ به مقلوبا ) يوقد من شجرة مباركة زيتونة ( أي ابتداء ثقوب المصباح من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت ذبالته بزيتها وفي إبهام الشجرة ووصفها بالبركة ثم إبدال الزيتونة عنها تفخيم لشأنها وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من أوقد وحمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء كذلك ________________________________________ " صفحة رقم 189 " على إسناده إلى ) الزجاجة ( بحذف المضاف وقرئ / توقد / من تتوقد ويوقد بحذف التاء لاجتماع زيادتين وهو غريب ) لا شرقية ولا غربية ( تقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث تقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج وزيتها أصفى أو لا نابتة في شرق المعمورة وغربها بل في وسطها وهو الشام فإن زيتونه أجود الزيتون أو لا في مضحى تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها أو في مقيأة تغيب عنها دائما فتتركها نيئا وفي الحديث لا خير في شجرة ولا بات في مقيأة ولا خير فيهما في مضحى ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه ( أي يكاد يضيء بنفسه من غير نار لتلألئه وفرط وبيصه ) نور على نور ( نور متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل وضبط المشكاة لأشعته وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه الأول أنه تمثيل للهدى الذي دلت عليه الآيات المبينات في جلاء مدلولها وظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوف بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح وإنما ولي الكاف المشكاة لاشتمالها عليه وتشبيهه به أوفق من ________________________________________ " صفحة رقم 190 " تشبيهه بالشمس أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المنبث فيها من مصباحها ويؤيده قراءة أبي / مثل نور المؤمن / أو تمثيل لما منح الله به عباده من القوى الداركة الخمس المترتبة التي منوط بها المعاش والمعاد وهي الحساسة التي تدرك بها المحسوسات بالحواس الخمس والخيالية التي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت والعاقلة التي تدرك الحقائق الكلية والمفكرة وهي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم ما لم تعلم والقوة القدسية التي تتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالأنبياء والأولياء المعنية بقوله تعالى ) ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ( بالأشياء الخمسة المذكورة في الآية وهي ) مشكاة ( و ) الزجاجة ( و ) المصباح ( و ) الشجرة ( و ) زيتها ( فإن الحساسة كالمشكاة لأن محلها كالكوى ووجها إلى الظاهر لا تدرك ما وراءها وإضاءتها بالمعقولات لا بالذات والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها للأنوار العقلية وإنارتها بما تشتمل عليه من المعقولات والعاقلة كالمصباح لإضاءتها بالإدراكات الكلية والمعارف الإلهية والمفكرة كالشجرة المباركة لتأديتا إلى ثمرات لا نهاية لها الزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لا تكون شرقية ولا غربية لتجردها عن اللواحق الجسمية أو لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة في القبيلين منتفعة من الجانبين والقوة القدسية كالزيت فإنها لصفاتها وشدة ذكائها تكاد تضيء بالمعارف من غير ________________________________________ " صفحة رقم 191 " تفكر ولا تعلم أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم مستعدة لقبولها كالمشكاة ثم تنتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات بحيث تتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلألئة في نفسها قابلة للأنوار وذلك التمكن إن كان بفكر واجتهاد فكالشجرة الزيتونة وإن كان بالحدس فكالزيت وإن كان بقوة قدسية فكالتي يكاد زيتها يضيء لأنها تكاد تعلم ولو لم تتصل بملك الوحي والإلهام الذي مثله النار من حيث إن العقول تشتعل عنه ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث تتمكن من استحضاره متى شاءت كانت كالمصباح فإذا استحضرتها كانت نورا على نور ) يهدي الله لنوره ( لهذا النور الثاقب ) من يشاء ( فإن الأسباب دون مشيئته لاغية إذ بها تمامها ) ويضرب الله الأمثال للناس ( إدناء للمعقول من المحسوس توضيحا وبيانا ) والله بكل شيء عليم ( معقولا كان أو محسوسا ظاهرا كان أو خفيا وفيه وعد ووعيد لمن تدبرها ولمن لم يكترث بها النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . . ) في بيوت ( متعلق بما قبله أي كمشكاة في بعض بيوت أو توقد في بيوت فيكون تقييد للمثل به بما لا يكون تحبيرا ومبالغة فيه فإن قناديل المساجد تكون أعظم أو تمثيلا لصلاة المؤمنين أو أبدانهم بالمساجد ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة ولا كثرة أو بما بعده وهو يسبح وفيها تكرير مؤكد لا يذكر لأنه من صلة أن فلا يعمل فيما قبله أو بمحذوف مثل سبحوا في بيوت والمراد بها المساجد لأن الصفة تلائمها وقيل المساجد الثلاثة والتنكير للتعظيم ) أذن الله أن ترفع ( بالبناء أو التعظيم ) ويذكر فيها اسمه ( عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله والمباحثة في أحكامه ) يسبح له فيها بالغدو والآصال ( ينزهونه أي يصلون له فيها بالغدوات والعشيات والغدو مصدر أطلق للوقت ولذلك حسن اقترانه بالآصال وهو جمع أصيل وقرئ / والايصال / وهو الدخول في الأصيل وقرأ ابن عامر وأبو بكر ) يسبح ( بالفتح ________________________________________ " صفحة رقم 192 " على إسناده إلى أحد الظروف الثلاثة ورفع رجال بما يدل عليه وقرئ تسبح بالتاء مكسورا لتأنيث الجمع ومفتوحا على إسناده إلى أوقات الغدو النور : ( 37 ) رجال لا تلهيهم . . . . . ) رجال لا تلهيهم تجارة ( لا تشغلهم معاملة رابحة ) ولا بيع عن ذكر الله ( مبالغة بالتعميم بعد التخصيص إن أريد به مطلق المعارضة أو بإفراد ما هو الأهم من قسمي التجارة فإن الربح يتحقق بالبيع ويتوقع بالشراء وقيل المراد بالتجارة الشراء فإنه أصلها ومبدؤها وقيل الجلب لأنه الغالب فيها ومنه يقال تجر في كذا إذا جلبه وفيه إيماء بأنهم تجار ) وأقام الصلاة ( عوض فيه الإضافة من التاء المعوضة عن العين الساقطة بالإعلال كقوله " وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا " ) وإيتاء الزكاة ( ما يجب إخراجه من المال للمستحقين ) يخافون يوما ( مع ما هم عليه من الذكر والطاعة ) تتقلب فيه القلوب والأبصار ( تضطرب وتتغير من الهول أو تتقلب أحوالها فتفقه القلوب ما لم تكن تفقه وتبصر الأبصار ما لم تكن تبصره أو تتقلب القلوب مع توقع النجاة وخوف الهلاك والأبصار من أي ناحية يؤخذ بهم ويؤتى كتبهم النور : ( 38 ) ليجزيهم الله أحسن . . . . . ) ليجزيهم الله ( متعلق بيسبح أو لا تلهيهم أو يخافون ) أحسن ما عملوا ( أحسن جزاء ما عملوا الموعود لهم من الجنة ) ويزيدهم من فضله ( أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم ولم تخطر ببالهم ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( تقرير للزيادة وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان النور : ( 39 ) والذين كفروا أعمالهم . . . . . ) والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ( والذين كفروا خالهم على ضد ذلك فإن أعمالهم التي يحسبونها صالحة نافعة عند الله يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كالسراب وهو ما يرى في القلاة من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة فيظن أنه ماء يسرب أي يجري والقيعة بمعنى القاع وهو الأرص الخالية عن النبات وغيره المستوية وقيل جمعه كجار وجيرة وقرئ / بقيعات / كديمات في ديمة ) يحسبه الظمآن ماء ( أي العطشان ________________________________________ " صفحة رقم 193 " وتخصيصه لتشبيه الكافر به ي شدة الخيبة عند ميس الحاجة ) حتى إذا جاءه ( جاء ما توهمه ماء أو موضعه ) لم يجده شيئا ( مما ظنه ) ووجد الله عنده ( عقابه أو زبانيته أو وجده محاسبا إياه ) فوفاه حسابه ( استعراضا أو مجازاة ) والله سريع الحساب ( لا يشغله حساب ن حساب روي أنها نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية تعبد في الجاهلية والتمس الدين فلما جاء الإسلام كفر النور : ( 40 ) أو كظلمات في . . . . . ) أو كظلمات ( عطف على ) كسراب ( و ) أو ( للتخيير فإن أ مالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب أو للتنويع فإن أعماله إن كانت حسنة فكالسراب وإن كانت قبيحة فكالظلمات أو للتقسيم باعتبار وقتين فإنها كالظلمات في الدنيا كالسراب في الآخرة ) في بحر لجي ( ذي لج أي عميق منسوب إلى اللج وهو معظم الماء ) يغشاه ( يغشى البحر ) موج من فوقه موج ( أي أمواج مترادفة متراكمة ) من فوقه ( من فوق الموج الثاني ) سحاب ( غطى النجوم ويحجب أنوارها والجملة صفة أخرى لل ) بحر ( ) ظلمات ( أي هذه ظلمات ) بعضها فوق بعض ( وقرأ ابن كثير ) ظلمات ( بالجر على إبدالها من الأولى أو بإضافة ال ) سحاب ( إليها في رواية البزي ) إذا أخرج يده ( وهي أقرب ما يرى إليه ) لم يكد يراها ( لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها كقول ذي الرمة " إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح " والضمائر للواقع في البحر وإن لم يجر ذكره لدلالة المعنى عليه ) ومن لم يجعل الله له نورا ( ومن لم يقدر له الهداية ليوقفه لأسبابها ) فما له من نور ( خلاف الموفق الذي له نور على نور النور : ( 41 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر ( ألم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو الإستدلال ) أن الله يسبح له من في السماوات والأرض ( ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهل السموات والأرض و ) من ( لتغليب العقلاء أو الملائكة والثقلان بما يدل عليه من مقال أو دلالة حال ) والطير ( على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر ولذلك ________________________________________ " صفحة رقم 194 " قيدها بقوله ) صافات ( فإن إعطاء الجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى ولطف تدبيره ) كل ( كل واحد مما ذكر أو من الطير ) قد علم صلاته وتسبيحه ( اي قد علم الله دعاءه وتنزيهه أختيارا أو طبعا لقوله ) والله عليم بما يفعلون ( أو علم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء النور : ( 42 ) ولله ملك السماوات . . . . . ) ولله ملك السماوات والأرض ( فإنه الخالق لهما وما فيهما من الذوات والصفات والأفعال من حيث إنها ممكنة واجبة الإنتهاء إلى الواجب ) وإلي المصير ( مرجع الجميع النور : ( 43 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله يزجي سحابا ( يسوقه ومنه البضاعة المزجاة فإنه يزجيها كل أحد ) ثم يؤلف بينه ( بأن يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض وبهذا الإعتبار صح بينه إذ المعنى بي أجزائه وقرأ نافع برواية ورش / يولف / غير مهموز ) ثم يجعله ركاما ( متراكما بعضه فوق بعض ) فترى الودق ( المطر ) يخرج من خلاله ( من فتوقه جمع خلل كجبال في جبل وقرىء م ن / خلله / ) وينزل من السماء ( من الغمام وكل ما علاك فهو سماء ) من جبال فيها ( من قطع عظام تشبه الجبال فيعظمها أو جمودها ) من برد ( بيان للجبال والمفعول محذوف أي ينزل مبتدأ ) من السماء من جبال فيها من برد ( بردا ويجوز أن تكون من الثانية أو الثالثة للتبغيض واقعة موقع المفعول وقيل المراد بالسماء المظلة وفيها جبال من برد كما في الأرض جبال من حجر وليس في العقل قاطع يمنعه والمشهور أن الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحللها حرارة فبلغت الطبقة الباردة من الهواء وقوي البرد هناك اجتمع وصار سحابا فإن لم يشتد البرد تقاطر مطرا وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها نزل ثلجا والإنزال بردا ووقد يبرد الهواء بردا مفرطا فيقبض وينعقد سحابا ونزل منه المطر أو الثلج وكل ذلك لا بد أن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم لقيام الدليل على أنها الموجبة لا ختصاص الحوادث بمحالها وأوقاتها وإليها أشار بقوله ________________________________________ " صفحة رقم 195 " ) فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ( والضمير لل ) برد ( ) يكاد سنا برقه ( ضوء برقه وقرىء بالمد بمعنى العلو وبإدغام الدال في السين ) برقه ( بضم الباء وفتح الراء وهو جمع برقة وهي المقدار من البرق كالغرقة وبضمها للاتباع ) يذهب بالأبصار ( بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة وذلك أقوى دليل على كمال قدرته من حيث إنه توليد للضد من الضد وقرىء ) يذهب ( على زيادة الباء النور : ( 44 ) يقلب الله الليل . . . . . ) يقلب الله الليل والنهار ( بالمعاقبة بينهما أبو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور أو بما يعم ذلك ) إن في ذلك ( فيما تتقدم ذكره ) لعبرة لأولي الأبصار ( لدلالة على وجود الصانع القديم وكمال قدرته وإحاطة علمه ونفاذ مشيئته وتنزهه عن الحاجة وما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة النور : ( 45 ) والله خلق كل . . . . . ) والله خلق كل دابة ( حيوان يدب على الأرض وقرأ حمزة والكسائي / خالق كل دابة / بالإضافة ) من ماء ( هو جزء مادته أو ماء مخصوص هو النطفة فيكون تنزيلا للغالب منزلة الكل إذ من الحيوانات ما يتولد عن النطفة وقيل ) من ماء ( متعلق ب ) دابة ( وليس بصلة ل ) خلق ( ) فمنهم من يمشي على بطنه ( كالحية وإنما سمي الزحف مشيا على الإستعارة أو المشاكلة ) ومنهم من يمشي على رجلين ( كالإنس والطير ) ومنهم من يمشي على أربع ( كالنعم والوحش ويندرج فيه ما له أكثر من أربع كالعناكب فإن اعتمادها إذا مشت على أربع وتذكير الضمير لتغليب العقلاء والتعبير عن الأصناف ليوافق التفصيل الجملة والترتيب لتقديم ما هو أعرف في القدرة ) يخلق الله ما يشاء ( مما ذكر ومما لم يذكر بسيطا ومركبا على إختلاف الصور والأعضاء والهيئات والحركات والطبائع والقوى والأفعال مع اتحاد العنصر بمقتضى مشيئته ) إن الله على كل شيء قدير ( فيفعل ما يشاء النور : ( 46 ) لقد أنزلنا آيات . . . . . ) لقد أنزلنا آيات مبينات ( للحقائق بأنواع الدلائل ) والله يهدي من يشاء ( بالتوفيق للنظر فيها والتدبر لمعانيها ) إلى صراط مستقيم ( هو دين الإسلام الموصل إلى درك الحق والفوز بالجنة ________________________________________ " صفحة رقم 196 " النور : ( 47 ) ويقولون آمنا بالله . . . . . ) ويقولون آمنا بالله وبالرسول ( نزلت في بشر المنافق خاصم يهوديا فدعاه إلى كعب بن الأشرف وهو يدعوه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل في مغيرة بن وائل خاصم عليا رضي الله عنه في أرض فأبى أن يحاكمه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأطعنا ( أي وأطعناهما ) ثم يتولى ( با إمتناع عن قبول حكمه ) فريق منهم من بعد ذلك ( بعد قولهم هذا ) وما أولئك بالمؤمنين ( إشارة إلى القائلين بأسرهم فيكون إعلاما من الله تعالى بأن جميعهم وإن آمنوا بلسانهم لم تؤمن قلوبهم أو إلى الفريق منهم وسلب الإيمان عنهم لتوليهم والتعريف فيه للدلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفتهم وهم المخلصون في الإيمان والثابتون عليه النور : ( 48 ) وإذا دعوا إلى . . . . . ) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ( أي ليحكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه الحاكم ظاهر والمدعوا إليه وذكر الله لتعظيمه والدلالة على أن حكمه ( صلى الله عليه وسلم ) في الحقيقة حكم الله تعالى ) إذا فريق منهم معرضون ( فاجأ فريق منهم الإعراض إذا كان الحق عليهم لعلمهم بأنك لا تحكم لهم وهو شرح للتولي ومبالغة فيه النور : ( 49 ) وإن يكن لهم . . . . . ) وإن يكن لهم الحق ( أي الحكم لا عليهم ) يأتوا إليه مذعنين ( منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم و ) إليه ( صلة ل ) يأتوا ( أو ل ) مذعنين ( وتقديمه للاختصاص النور : ( 50 ) أفي قلوبهم مرض . . . . . ) أفي قلوبهم مرض ( كفر أو ميل إلى الظلم ) أم ارتابوا ( بأن رأوا منك تهمه فزال يقينهم وثقتهم بك ) أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ( في الحكومة ) بل أولئك هم الظالمون ( إضراب عن القسمين الأخيرين لتحقيق القسم فتعين الأول ووجه التقسيم أن أمتناعهم إما لخلل فيهم أو في الحاكم والثاني إما أي يكون محققا عندهم أو متوقعا وكلاهما باطل لأن منصب نبوته وفرط أمانته ( صلى الله عليه وسلم ) يمنعه فتعين الأول وظلمهم يعم خلل عقيدتهم وميل نفوسهم إلى الحيف والفصل لنفي ذلك عن غيرهم سيما المدعوا إلى حكمه النور : ( 51 ) إنما كان قول . . . . . ) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ( على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي وقرىء ) قول ( بالرفع و ) ليحكم ( على البناء للمفعول وإسناده إلى ضمير مصدره على معنى ليفعل الحكم ________________________________________ " صفحة رقم 197 " النور : ( 52 ) ومن يطع الله . . . . . ) ومن يطع الله ورسوله ( فيما يأمرانه أو في الفرائض والسنن ) ويخش الله ( على ما صدر عنه من الذنوب ) ويتقه ( فيما بقي من عمره وقرأ يعقوب وقالون عن نافع بلا ياء وأبو بكر وأبو عمرو بسكون الهاء وحفص بسكون القاف فشبه تقه بكتف وخفف والهاء ساكنة في الوقف بالإتفاق ) فأولئك هم الفائزون ( بالنعيم المقيم النور : ( 53 ) وأقسموا بالله جهد . . . . . ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( إنكار للإمتناع عن حكمه ) لئن أمرتهم ( الخروج عن ديارهم وأموالهم ) ليخرجن ( جواب ل ) أقسموا ( على الحكاية ) قل لا تقسموا ( على الكذب ) طاعة معروفة ( أي المطلوب منكم طاعة معروفة لا اليمين على الطاعة النفاقية المنكرة أو ) طاعة معروفة ( أمثل منها أولتكن طاعة وقرئت بالنصب على أطيعوا طاعة ) إن الله خبير بما تعملون ( فلا يخفى عليه سرائركم النور : ( 54 ) قل أطيعوا الله . . . . . ) قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( أمر بتبليغ ما خاطبهم الله به على الحكاية مبالغة في تبكيتهم ) فإن تولوا فإنما عليه ( أي على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما حمل ( من التبليغ ) وعليكم ما حملتم ( من الإمتثال ) وإن تطيعوه ( في حكمه ) تهتدوا ( إلى الحق ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( التبليغ الموضح لما كلفتم به وقد أدى وإنما بقي ) ما حملتم ( فإن اديتم فلكم وإن توليتم فعليكم النور : ( 55 ) وعد الله الذين . . . . . ) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ( خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وللأمة أوله ولمن معه ومن للبيان ) ليستخلفنهم في الأرض ( ليجعلنهم خلفاء متصرفي في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم وهو جواب قسم مضمر تقديره وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم أو الوعد في تحقيقه منزل منزلة القسم ) كما استخلف الذين من قبلهم ( يعني بني إسرائيل استخلفهم في مصر والشام ببعد الجبابرة وقرأ أبو بكر بضم التاء وكسر اللام وإذا ابتدأ ضم الألف والباقون بفتحهما وإذا ابتدؤوا كسروا الألف ) وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 198 " وهو الإسلام بالتقوية والتثبيت ) وليبدلنهم من بعد خوفهم ( العداد وقرأ ابن كثير وأبو بكر بالتخفيف ) آمنا ( منهم وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين ثم هاجروا إلى المدينة وكان يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى أنجز الله وعده فأظهرهم على العرب كلهم وفتح لهم بلاد الشرق والغرب وفيه دليل على صحة النبوة للإخبار عن الغيب على ما هو به وخلافه الخلفاء الراشدين إذ لم يجتمع الوعود والوعود عليه لغيرهم بالإجماع وقيل الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة ) يعبدونني ( حال من الذين لتقيد الوعد بالثبات على التوحيد أو استئناف ببيان المقتضي للإستخلاف والأمن ) لا يشركون بي شيئا ( حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين ) من كفر ( ومن ارتد أو كفر هذه النعمة ) بعد ذلك ( بعد الوعد أو حصول الخلافة ) فأولئك هم الفاسقون ( الكاملون في فسقهم حيث ارتداوا بعد وضوح مصل هذه الآيات أو كفروا تلك النعمة العظيمة النور : ( 56 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . . ) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول ( في سائر ما أمركم به ولا يبعد عطف ذلك على أطيعوا الله فإن الفاصل وعد على المأمور به فيكون تكرير الأمر بطاعة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لتأكيد وتعليق الرحمة بها أو بالمندرجة هي فيه بقوله ) لعلكم ترحمون ( كما علق به الهدى النور : ( 57 ) لا تحسبن الذين . . . . . ) لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ( لا تحسبن يا محمد الكفار معجزين لله إن إدراكهم وإهلاكهم و ) في الأرض ( صلة ) معجزين ( وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء على أن الضمير فيه لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى كما هو في القراءة بالتاء أو ) الذين كفروا ( فاعل والمعنى ولا يحسبن الكفار في الأرض أحدا معجزا لله فيكون ) معجزين في الأرض ( ________________________________________ " صفحة رقم 199 " مفعولية أو لا يحسبونهم ) معجزين ( فحذف المفعول الأول لأن الفاعل والمفعولين الشيء واحد فاكتفى بذكر اثنين عن الثالث ) ومأواهم النار ( عطف عليه من حيث المعنى كأنه قيل الذين كفروا ليسوا بمعجزين ومأواهم النار لأن المقصود من النهي عن الحسبان تحقيق نفي الإعجاز ) ولبئس المصير ( المأوى الذي يصيرون إليه النور : ( 58 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( رجوع إلى تتمة الأحكام السالفة بعد الفراغ من الإلهيات الدالة على وجوب الطاعة فيما سلف ممن الحكام وغيرها والوعد عليها والوعيد عل الإعراض عنها والمراد به خطاب الرجال والنساء غلب فيه الرجال لما روي أن غلام اسماء بن تأبي مرثد دخل عليها في وقت كرهته فنزلت وقيل أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مدلج بن عمرو الأنصاري وكان غلاما وقت الظهيرة ليدعو عمر فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر رضي اله تعالى عنه لوددت أن الله عز وجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بأذن ثم انطلق معه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوجده وقد أنزلت هذه الآية ) والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( والصبيان الذين لم يبلغوا من الأحرار فعبر عن البلوغ بالإحتلام لأنه أقوى دلائله ) ثلاث مرات ( في اليوم والليلة مرة ) من قبل صلاة الفجر ( لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم ________________________________________ " صفحة رقم 200 " ولبس ثياب اليقظة ومحله النصب بلا من ثلاث مرات أو الرفع خبرا لمحذوف أي هي من قبل صلاة الفجر ) وحين تضعون ثيابكم ( أي ثيابكم لليقظة للقيلولة ) من الظهيرة ( بيان للحين ) ومن بعد صلاة العشاء ( لأنه وقت التجرد عن اللباس والإلتحاف باللحاف ) ثلاث عورات لكم ( أي هوي ثلاث أوقات يختل فيها تستركم ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده واصل العورة الخلل ومنها أعور المكان ورجل أعور وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي ) ثلاث ( بالنصب بدلا من ) ثلاث مرات ( ) ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ( بعد هذه الأوقات في ترك الإستئذان وليس فيه ما ينافي آية الإستئذان فينسخها لأنه في الصبيان ومماليك المدخول عليه وتلك في الأحرار البالغين ) طوافون عليكم ( أي هم طوافون استئناف ببيان العذر المرخص فيترك الإستئذان وهو المخالطة وكثرة المداخلة وفيه دليل على تعليل الألحكام وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاثة وغيرها بأنها عورات ) بعضكم على بعض ( بعضكم طائف على بعض أو يطوف بعضكم على بعض ) كذلك ( ممثل ذلك التبيين ) يبين الله لكم الآيات ( أي الحكام ) والله عليم ( باحوالكم ) حكيم ( فيما شرع لكم النور : ( 59 ) وإذا بلغ الأطفال . . . . . ) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ( الذين بلغوا من قبلهم في الأوقات كلها واستدل به من أوجب استئذان العبد البالغ على سيدته وجوابه أن المراد بهم المعهودين الذين جعلوا قسيما للمماليك فلا يندرجون فيهم ) كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ( كرره تاكيدا ومبالغة في الأمر بالإستئذان النور : ( 60 ) والقواعد من النساء . . . . . ) والقواعد من النساء ( العجائز اللاتي قعدن عن الحيض والحمل ) اللاتي لا يرجون نكاحا ( لا يطمعن فيه لكبرهن ) فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ( أي الثياب الظاهرة كالجلباب والفاء فيه لأن اللام في القواعد بمعنى اللاتي أو لوصفها بها ) غير متبرجات بزينة ( غير مظهرات زينة مما أمرن بإخفائه في قوله تعالى ) ولا يبدين زينتهن ( ________________________________________ " صفحة رقم 201 " واصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفى من قولهم سفينة بارجة لا طاء عليها والبرج سعة العين بحيث يرى بياضها محيطا بسوادها كله لا يغيب منه شيء إلا أنه خص بتكشف المرأة زينتها ومحاسنها للرجال ) وأن يستعففن خير لهن ( من الوضع لأنه أبعد من التهمة ) والله سميع ( لمقالتهن للرجال ) عليم ( بمقصودهن النور : ( 61 ) ليس على الأعمى . . . . . ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( نفي لما كانوا يتحرجون من مؤاكدة الأصحاء حذرا من استقذارهم أو أكلهم من بيت من يدفع لغيهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج إلى الغزو وخلفهم على المنازل مخافة أن لا يكون ذلك من طيب قلب أو من إجابة من يدعوهم إلى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلا عليهم وهذا إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة أو كان في أول الإسلام ثم نسخ بنحو قوله ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام ( وقيل نفي للحرج عنهم في القعود عن الجهاد وهو ل ايلائم ما قبله ولا ما بعده ) ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ( من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيها بيوت الولاد لأن بيت الولد كبيته لقوله عليها الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " وقوله عليه الصلاة والسلام " إن أطيب ما يأكل المؤمن من كسبه وإن ولده من كسبه " ) أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه ( ________________________________________ " صفحة رقم 202 " وهو ما يكون تحت أيديكم وتصرفكم من ضيعة أو ماشية وكالة أو حفظا وقيل بيوت المماليك والمفاتيح جمع مفتح وهو ما يفتح به وقرىء / مفتاحه / ) أو صديقكم ( أو بيوت صديقكم فإنهم أرضى بالتبسط في أموالهم وأسر به وهو يقع على الواحد والجمع كالخليط هذا كله إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ولذلك خصص هؤلاء فإنه يعتاد التبسط بينهم أو كان ذلك في أول الإسلام فنسخ فلا احتجاج للحنفية به على أن لا قطع بسرقة مال المحرم ) ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ( مجتمعين أو متفرقين نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلى معه أو في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الطبائع في القذارة والنهمة ) فإذا دخلتم بيوتا ( من هذه البيوت ) فسلموا على أنفسكم ( على أهلها الذين هم منكم دينا وقرابة ) تحية من عند الله ( ثابتة بأمره مشروعة من لدنه ويجوز أن تكون من صلة للتحية فإنه طلب الحياة وهي من عنده تعالى وانتصابها بالمصدر لأنها بمعنى التسليم ) مباركة ( لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب ) طيبة ( تطيب بها نفس المستمع وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لي " متى لقيت أحدا من أمتي فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين " ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( كرره ثلاثا لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به وفصل الأولين بما هو المقتضى لذلك وهذا بما هو بما هو المقصود منه فقال ) لعلكم تعقلون ( أي الحق والخير في الأمور ________________________________________ " صفحة رقم 203 " النور : ( 62 ) إنما المؤمنون الذين . . . . . ) إنما المؤمنون ( أي الكاملون في الإيمان ) الذين آمنوا بالله ورسوله ( من صميم قلوبهم ) وإذا كانوا معه على أمر جامع ( كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور ووصف الأمر بالجمع للمبالغة وقرئ / أمر جميع / ) لم يذهبوا حتى يستأذنوه ( يستأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيأذن لهم واعتباره في كمال الإيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق فإنه ديدنه التسلل والفرار ولتعظم الجرم في الذهاب عن مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بغير إذنه ولذلك أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ فقال ) إن الذين يستأذنونك أولئك ( ) الذين يؤمنون بالله ورسوله ( فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة وأن الذهاب بغير إذن ليس كذلك ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم ( ما يعرض لهم من المهام وفيه أيضا مبالغة وتضييق الأمر ) فأذن لمن شئت منهم ( تفويض للأمر إلى رأي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه ومن منع ذلك قيد المشيئة بأن تكون تابعة لعلمه بصدقه فكأن المعنى فائذن لمن علمت أن له عذرا ) واستغفر لهم الله ( بعد الإذن فإن الاستئذان ولو لعذر قصور لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين ) إن الله غفور ( لفرطات العباد ) رحيم ( بالتيسير عليهم النور : ( 63 ) لا تجعلوا دعاء . . . . . ) لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ( لا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا في جواز الإعراض والمساهلة في الإجابة والرجوع بغير إذن فإن المبادرة إلى إجابته عليه الصلاة والسلام واجبة والمراجعة بغير إذنه محرمة وقيل لا تجعلوا نداءه وتسميته كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت به والنداء من وراء الحجرات ولكن بلقبه المظم مثل يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير والتواضع وخفض الصوت أو لا تجعلوا دعاءه عليكم كدعاء بعضكم على بعض فلا تبالوا بسخطه فإن دعاءه موجب أو لا تجعلوا دعائه ربه كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده أخرى فإن دعاءه مستجاب ) قد يعلم الله الذين يتسللون منكم ( ينسلون قليلا قليلا من الجماعة ونظير تسلل تدرج وتدخل ) لواذا ( ملاوذة بأن يستتر بعضكم ببعض حتى يخرج أو يلوذ بمن يؤذن له ________________________________________ " صفحة رقم 204 " فينطلق معه كأنه تابعه وانتصابه على الحال وقرئ بالفتح ) فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( يخالفون أمره بترك مقتضاه ويذهبون سمتا خلاف سمته و ) عن ( لتضمنه معنى الإعراض أو يصدون عن أمره دون المؤمنين من خالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه وحذف المفعول لأن المقصود بيان المخالف والمخالف عنه والضمير لله تعالى فإن الأمر له والضمير لله تعالى فإن الأمر له في الحقيقة أو للرسول فإنه المقصود بالذكر ) أن تصيبهم فتنة ( محنة في الدنيا ) أو يصيبهم عذاب أليم ( في الآخرة واستدل به على أن لأمر للوجوب فإنه يدل على أن ترك مقتضى الأمر مقتض لأحد العذابين فإن الأمر بالحذر عنه يدل على خشية المشروط بقيام المقتضي له وذلك يستلزم الوجوب النور : ( 64 ) ألا إن لله . . . . . ) ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ( أيها المكلفون من المخالفة والموافقة والنفاق والإخلاص وإنما أكد علمه ب ) قد ( لتأكيد الوعيد ) ويوم يرجعون إليه ( يوم يرجع المنافقون إليه للجزاء ويجوز أن يكون الخطاب أيضا مخصوصا بهم على طريق الالتفات وقرأ يعقوب بفتح الياء وكسر الجيم ) فينبئهم بما عملوا ( من سوء الأعمال بالتوبيخ والمجازاة عليه ) والله بكل شيء عليم ( لايخفى عليه خافية عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقي ________________________________________ " صفحة رقم 205 " سورة الفرقان مكية وآيها سبع وسبعون آية الفرقان : ( 1 ) تبارك الذي نزل . . . . . ) بسم الله الرحمن الرحيم ( ) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير أو تزايد على كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله فإن البركة تتضمن معنى الزيادة وترتيبه عن إنزاله ) الفرقان ( لما فيه من كثرة الخير أو لدلالته على تعاليه وقيل دام من بروك الطير على الماء ومنه البكة لدوام الماء فيها وهو لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى و ) والفرقان ( مصدر فرق بين الشيءين إذا فصل بينهما سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقريره أو المحق والمبطل بإعجازه أو لكونه مفصولا بعضه عن بعض في الإنزال وقرئ ) على عباده ( وهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته كقوله تعالى ) ولقد أنزلنا إليكم آيات ( أو الأنبياء على أن ) الفرقان ( اسم جنس للكتب السماوية ) ليكون ( العبد أو الفرقان ) للعالمين ( للجن والإنس ) نذيرا ( منذرا أو إنذارا كالنكير بمعنى الإنكار هذه الجملة وإن لم تكن معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى العلوم وجعلت صلة الفرقان : ( 2 ) الذي له ملك . . . . . ) الذي له ملك السماوات والأرض ( بدل من الأول أو مدح مرفوع أو منصوب ) ولم يتخذ ولدا ( كزعم النصارى ) ولم يكن له شريك في الملك ( كقول الثنوية أثبت له الملك مطلقا ونفى ما يقوم مقامه وما يقاومه فيه ثم نبه على ما يدل عليه فقال ) وخلق كل شيء ( ________________________________________ " صفحة رقم 206 " أحدثه إحداثا مراعى فيه التقدير حسب إرادته كخلقه الإنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة ) فقدره تقديرا ( فقدره وهيأه لما أراد منه من الخصائص والأفعال كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك أو ) فقدره ( للبقاء إلى أجل مسمى وقد يطلق الخلق لمجرد الإيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده حتى لا يكون متفاوتا الفرقان : ( 3 ) واتخذوا من دونه . . . . . ) واتخذوا من دونه آلهة ( لما تضمن الكلام إثبات التوحيد والنبوة أخذ في الرد على المخالفين فيهما ) لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ( لأن عبدتهم ينحتونهم ويصورونهم ) ولا يملكون ( ولا يستطيوعون ) لأنفسهم ضرا ( دفع ضر ) ولا نفعا ( ولا جلب نفع ) ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ( ولا يملكون إماتة أحد وإحياءه أولا وبعثه ثانيا ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهية لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها وفيه تنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على البعث والجزاء الفرقان : ( 4 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك ( كذب مصروف عن وجهه ) افتراه ( اختلقه ) وأعانه عليه قوم آخرون ( أي اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم وهو يعبر عنها بعابرته وقيل جبر ويسار وعداس وقد سبق في قوله ) إنما يعلمه بشر ( ) فقد جاؤوا ظلما ( يجعل الكلام المعجز ) إفك ( مختلفا متلقفا من اليهود ) وزورا ( بنسبة ما هو بريء منه إليه وأتى وجاء يطلقان بمعنى فعل فيعديان تعديته الفرقان : ( 5 ) وقالوا أساطير الأولين . . . . . ) وقالوا أساطير الأولين ( ما سطره المتقدمون ) اكتتبها ( كتبها لنفسه أو استكتبها وقرىء على البناء للمفعول لأنه أمي وأصله اكتتبها كاتب له فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ثم حذف الفاعل وبني الفعل للضمير فاستتر فيه ) فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ليحفظها فإنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب أو لتكتب ________________________________________ " صفحة رقم 207 " الفرقان : ( 6 ) قل أنزله الذي . . . . . ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ( لأنه أعجزكم عن آخركم بفصاحته وتضمنه أخبارا عن مغيبات مستقبلة واشياء مكنونة لا يعلمها إلى عالم الأسرار فكيف تجعلونه ) أساطير الأولين ( ) إنه كان غفورا رحيما ( فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها واستحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صبا الفرقان : ( 7 ) وقالوا ما لهذا . . . . . ) وقالوا ما لهذا الرسول ( ما لهذا الذي يزعم الرسالة وفيه استهانة وتهكم ) يأكل الطعام ( كما نأكل ) ويمشي في الأسواق ( لطلب المعاش ما نمشي والمعنى إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية كما أشار غليه تعالى بقوله ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( لنعلم صدقة بتصديق الملك الفرقان : ( 8 ) أو يلقى إليه . . . . . ) أو يلقى إليه كنز ( فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش ) أو تكون له جنة يأكل منها ( هذا على سبيل التنزل أي إن لم يلق غليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان كما للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه وقرأ حمزة والكسائي بالنون والضمير للكفار ) وقال الظالمون ( وضع ) الظالمون ( موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوه ) إن تتبعون ( ما تتبعون ) إلا رجلا مسحورا ( سحر فغلب على عقله وقيل ذا سحر وهو الرئة أي بشرا لا ملكا الفرقان : ( 9 ) انظر كيف ضربوا . . . . . ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( أي قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة ) فضلوا ( عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي والمميز وبينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء ) فلا يستطيعون سبيلا ( إلى القدح في نبوتك أو إلى الرشد والهدى ________________________________________ " صفحة رقم 208 " الفرقان : ( 10 ) تبارك الذي إن . . . . . ) تبارك الذي إن شاء جعل لك ( في الدنيا ) خيرا من ذلك ( مما قالوا لكن أخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى ) جنات تجري من تحتها الأنهار ( بدل من ) خيرا ( ) ويجعل لك قصورا ( عطف على محل الجزاء وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بالرفع لأن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جزائه الجزم والرفع كقوله " وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم " ويجوز أن يكون استئنافا بوعد ما يكون له في الآخرة وقرئ بالنصب على أن جواب بالواو الفرقان : ( 11 ) بل كذبوا بالساعة . . . . . ) بل كذبوا بالساعة ( فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة أو فلا تعجب من تكذيبهم إياكفإنه أعجب منه ) وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( نارا شديدة الاستعار وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان الفرقان : ( 12 ) إذا رأتهم من . . . . . ) إذا رأتهم ( إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه السلام لا تتراءى ناراهما أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم ) من مكان بعيد ( هو أقصى ما يمكن أن يرى منه ) سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( صوت تغيظ شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف ________________________________________ " صفحة رقم 209 " الفرقان : ( 13 ) وإذا ألقوا منها . . . . . ) وإذا ألقوا منها مكانا ( في مكان ومنها بيان تقدم فصار حالا ) ضيقا ( لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق والروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها كعرض السموات والأرض ) مقرنين ( قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل ) دعوا هنالك ( في ذلك المكان ) ثبورا ( هلاكا أي يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك الفرقان : ( 14 ) لا تدعوا اليوم . . . . . ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ( أي يقال لهم ذلك ) وادعوا ثبورا كثيرا ( لأن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته أو لأنه يتجدد لقوله تعالى ) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ( أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور الفرقان : ( 15 ) قل أذلك خير . . . . . ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ( الإشارة إلى العذاب والاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع مع التهكم أو إلى ال ) كنز ( أو ال ) جنة ( والراجع إلى الموصول محذوف وإضافة ال ) جنة ( إلى الخلد للمدح أو لدلالة على خلودها أو التمييز على جنات الدنيا ) كانت لهم ( في علم الله أو اللوح أو لأن ما وعده الله تعالى في تحققه كالواقع ) جزاء ( على أعمالهم بالوعد ) ومصيرا ( ينقلبون إليه ولا يمنع كونها جزاء لهم أن يتفضل بها على غيرهم برضاهم مع جواز أن يراد بالمتقين من يتقي الكفر والتكذيب لأنهم في مقابلتهم ________________________________________ " صفحة رقم 210 " الفرقان : ( 16 ) لهم فيها ما . . . . . ) لهم فيها ما يشاؤون ( ما يشاؤونه من النعيم ولعله تقصر همم كل طائفة على ما يليق برتبته إذ الظاهر أن الناقص لا يدرك شأو الكامل بالتشهي وفيه تنبيه على أن كل المرادات لا تحصل إلا في الجنة ) خالدين ( حال من أحد ضمائرهم ) كان على ربك وعدا مسؤولا ( الضمير في ) كان ( ل ) ما يشاؤون ( والوعد الموعود أي كان ذلك موعدا حقيقيا بأن يسأل ويطلب أو مسئولا سأله الناس في دعائهم ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( أو الملائكة بقولهم ) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ( وما في ) على ( من معنى الوجوب لامتناع الخلف في وعده تعالى ولا يلزم منه الإلجاء إلى الإنجاز فإن تعلق الإرادة بالوعود مقدم على الوعد الموجب للإنجاز الفرقان : ( 17 ) ويوم يحشرهم وما . . . . . ) ويوم نحشرهم ( للجزاء وقرئ بكسر الشين وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء ) وما يعبدون من دون الله ( يعم كل معبود سواه تعالى واستعمال ) ما ( إما لأن وضعه أعم ولذلك يطلق لكل شبح يرى ولا يعرف أو لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم أو لتغليب الأصنام تحقيرا أو اعتبار لغلبة عبادها أو يخص الملائكة وعزيرا والمسيح بقرينة السؤال والجواب أو الأصنام ينطقها الله أو تتكلم بلسان الحال كما قل في كلام الأيدي والأرجل ) فيقول ( أي للمعبودين وهو على تلوين الخطاب وقرأ ابن عامر بالنون ) أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة وأصله أأضللتم أو ) ضلوا ( فغير النظم ليلي حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتوالي للفعل دونه لأنه لا شبهة فيه وإلا لما توجع التاب وحذف صلة الضل مبالغة ________________________________________ " صفحة رقم 211 " الفرقان : ( 18 ) قالوا سبحانك ما . . . . . ) قالوا سبحانك ( تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون أو جمادات لا تقدر على شيء أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف يليق بهم إضلاله عبيده أو تنزيها لله تعالى عن الأنداد ) ما كان ينبغي لنا ( ما يصح لنا ) أن نتخذ من دونك من أولياء ( للعصمة أو لعدم القدرة فكيف يصح لنا أن ندعو غيرنا أن يتولى أحدا دونك وقرئ ) نتخذ ( على البناء للمفعول من اتخذ الذي له مفعولان كقوله تعالى ) واتخذ الله إبراهيم خليلا ( ومفعوله الثاني ) من أولياء ( و ) من ( للتبعيض وعلى الأول مزيدة لتأكيد النفي ) ولكن متعتهم وآباءهم ( بأنواع النعم فاستغرقوا في الشهوات ) حتى نسوا الذكر ( حتى غفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك والتدبر في آياتك وهو نسبة للضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه وهو عين ما ذهبنا إليه فلا ينتهض حجة علينا للمعتزلة ) وكانوا ( في قضائك ) قوما بورا ( هالكين مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع أو جمع بائر كعائذ وعوذ الفرقان : ( 19 ) فقد كذبوكم بما . . . . . ) فقد كذبوكم ( التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإلزام على حذف القول والمعنى فقد كذبكم المعبودون ) بما تقولون ( في قولكم إنهم آلهة أو هؤلاء أضلونا والباء بمعنى في أو مع المجرور بدل من الضمير وعن ابن كثير بالياء أي ) كذبوكم ( بقولهم ) سبحانك ما كان ينبغي لنا ( ) فما تستطيعون ( أي المعبودون وقرأ حفص بالتاء على خطاب العابدين ) صرفا ( دفعا للعذاب عنكم وقيل حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي ________________________________________ " صفحة رقم 212 " يحتال ) ولا نصرا ( يعينكم عليه ) ومن يظلم منكم ( أيها المكلفون ) نذقه عذابا كبيرا ( هو النار والشرط وإن عم كل من كفر أو فسق لكنه في اقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقا وهو التوبة والإحباط بالطاعة إجماعا وبالعفو عندنا الفرقان : ( 20 ) وما أرسلنا قبلك . . . . . ) وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ( أي إلا رسلا إنهم فحذف الموصوف لدلالة المرسلين عليه وأقيمت الصفة مقامه كقوله تعالى ) وما منا إلا له مقام معلوم ( ويجوز أن تكون حالا اكتفى فيها بالضمير وهو جواب لقومهم ) ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( وقرىء ) يمشون ( أي لقولهم ) ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( وقرىء ) يمشون ( أي تمشيهم حوائجهم أو الناس ) وجعلنا بعضكم ( أيها الناس ) لبعض فتنة ( ابتلاء ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء والمرسلين بالمرسل لغيهم ومناصبتهم لهم العداوة وإيذائهم لهم وهو تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما قالوه بعد نقضه وفيه دليل على القضاء والقدر ) أتصبرون ( علة للجعل والمعنى ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( لنعلم أيكم يصبر ونظيره قوله تعالى ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( أو حث على الصبر على ما افتتنوا به ) وكان ربك بصيرا ( بمن يصبر أبو بالصواب فيما يبتلى به وغيره الفرقان : ( 21 ) وقال الذين لا . . . . . ) وقال الذين لا يرجون ( لا يأملون ) لقاءنا ( بالخير لكفرهم بالبعث أولا يخافون ) لقاءنا ( بالشر على لغة تهامة واصل اللقاء الوصول إلى الشيء ومنه الرؤية فإنه وصول إلى المرئي والمراد به الوصول إلى جزائه ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول ) لولا ( هلا ) أنزل علينا الملائكة ( فتخبرنا بصدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل فيكونوا رسلا إلينا ) أو نرى ربنا ( فيأمرنا بتصدقيه واتباعه ) لقد استكبروا في أنفسهم ( أي في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق لأفراد من الأنبياء الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك ) وعتوا ( وتجاوزوا الحد في الظلم ) عتوا كبيرا ( بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ماسدت دونه مطامح النفوس القدسية واللام جواب قسم محذوف وفي الإستئناف بالجملة حسن وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 213 " وجارة جساس بنابها كليبا علت ناب كليب بواؤها الفرقان : ( 22 ) يوم يرون الملائكة . . . . . ) يوم يرون الملائكة ( ملائكة الموت أو العذاب و ) يوم ( نصب باذكر أو بما دل عليه ) لا بشرى يومئذ للمجرمين ( فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها و ) يومئذ ( تكرير أو خبر و ) للمجرمين ( تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام أول ) بشرى ( إن قدرت منونة غير مبينة مع ) لا ( فإنها لا تعلم ولل ) مجرمين ( إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان ولا يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلا على جرمهم وإشعارا بما و المانع للبشرى والموجب لما يقابها و ) ويقولون حجرا محجورا ( عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ هذه الكلمة استعاذة وطلبا من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه أو تقولها الملائكة بمعنى حراما عليكم الجنة أو البشرى وقرىء ) حجرا ( باللضم واصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقعدك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه ووصفه بمحجور للتأكيد كقولهم موت مائت الفرقان : ( 23 ) وقدمنا إلى ما . . . . . ) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( أي وعمدنا إلى ما عملوا في كفرهم من المكارم كقري الضيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف فأحبطناه لفقد ما هو شرط ________________________________________ " صفحة رقم 214 " اعتباره وهو تشبيه حالهم وأعمالهم بحال قوم استعصوا على سلكانهم فقدم إلى أشيائهم فمزقها وأبطلها ولم يبق لها أثرا وال ) هباء ( غبار يرى في شعاع يطلع من الكوة من الهبوة وهي الغبار و ) منثورا ( صفته شبه عملهم المحبط بالهباء في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه أو تفرقه نحو أغراضهم التي كانوا يتوجهون به نحوها أو مفعول ثالث من حيث إنه كالخبر بعد الخبر كقوله تعالى ) كونوا قردة خاسئين ) الفرقان : ( 24 ) أصحاب الجنة يومئذ . . . . . ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( مكانا يستقر فيه أكثر الأوقات للتجانلس والتحادث ) وأحسن مقيلا ( مكانا يؤوي إليه للاسترواح بالأزواج والتمتع بهن تجوزا له من مكان القيلولة على التشبيه أو لأنه لا يخلوا من ذلك غالبا إذ لا نوم في الجنة وفي أحسن رمز إلى ما يتميز به مقيلهم من حسن الصور وغيره من التحاسين ويحتمل أن يراد بأحدهما المصدر أو الزمان إشارة إلى أن مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الأمكنة والأزمنة والتفضيل إما لإرادة الزيادة مطلقا أو بالإضافة إلى ما للمترفين في الدنيا روي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار الفرقان : ( 25 ) ويوم تشقق السماء . . . . . ) ويوم تشقق السماء ( أصله تتشقق فحذفت التاء وأدغمها ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب ) بالغمام ( بسبب طلوع الغمام منها وهو الغمام المذكور في قوله ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ( ) ونزل الملائكة تنزيلا ( في ذلك الغمام بصحائف أعمال العباد وقرأ ابن كثير ) وننزل ( وقرئ ) وأنزل ( ) ونزل الملائكة ( بحذف نون الكلمة ________________________________________ " صفحة رقم 215 " الفرقان : ( 26 ) الملك يومئذ الحق . . . . . ) الملك يومئذ الحق للرحمن ( الثابت له لأن كل ملك يبطل يومئذ ولا يبقى إلا ملكه فهو الخبر و ) للرحمن ( صلته أو تبين و ) يومئذ ( أو ) للرحمن ( ) وكان يوما على الكافرين عسيرا ( شديدا الفرقان : ( 27 ) ويوم يعض الظالم . . . . . ) ويوم يعض الظالم على يديه ( من فرط الحسرة وعض اليدين وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما والمراد ب ) الظالم ( الجنس وقيل عقبة بن أبي معيط كان يكثر مجالسة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فدعاه إلى ضيافته فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادة ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت فقال لا ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحيت منه فشهدت له فقال لا أرى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك فقال عليه الصلاة والسلام لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فأسر يوم بدر فأمر عليا فقتله وطعن أبيا بأحد في المبارزة فرجع إلى مكة ومات ) يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ( طريقا إلى النجاة أو طريقا واحدا وهو طريق الحق ولم تتشعب بي طرق الضلالة الفرقان : ( 28 ) يا ويلتى ليتني . . . . . ) يا ويلتى ( وقرئ بالياء على الأصل ) ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ( يعني من أضله وفلان كناية عن الأعلام كما أن هنا كناية عن الأجناس الفرقان : ( 29 ) لقد أضلني عن . . . . . ) لقد أضلني عن الذكر ( عن ذكر الله أو كتابه أو موعظة الرسول أو كلمة الشهادة ) بعد إذ جاءني ( وتمكنت منه ) وكان الشيطان ( يعني الخليل المضل أو إبليس لأنه حمله على مخالته ومخالفة الرسول أو كل من تشيطن من جن وإنس ) للإنسان خذولا ( يواليه حتى يؤديه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه فعول من الخذلان الفرقان : ( 30 ) وقال الرسول يا . . . . . ) وقال الرسول ( محمد يومئذ أو في الدنيا بثا إلى الله تعالى ) يا رب إن قومي ( قريشا ) اتخذوا هذا القرآن مهجورا ( بأن تركوه وصدوا عنه وعنه عليه الصلاة والسلام من تعلم القرآن وعلق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول يا ________________________________________ " صفحة رقم 216 " رب عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه أو زعموا أنه هجر وأساطير الأولين فيكون أصله ) مهجورا ( فيه فحذف الجار ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول وفيه تخويف لقومه فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب الفرقان : ( 31 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . . ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ( كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا وفيه دليل على أنه خالق الشر والعدو يحتمل الواحد والجمع ) وكفى بربك هاديا ( إلى طريق قهرهم ) ونصيرا ( لك عليهم الفرقان : ( 32 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن ( أي أنزل عليه كخبر بمعنى أخبر لئلا يناقض قوله ) جملة واحدة ( دفعة واحدة كالكتب الثلاثة وهو اعتراض لا طائل تحته لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقا مع أن للتفريق فوائد منها ما أشار إليه بقوله ) كذلك لنثبت به فؤادك ( أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوى بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه لأن حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان عليه الصلاة والسلام أميا وكانوا يكتبون فلو ألقي عليه جملة لعيل بحفظه ولعله لم يستتب له فإن التلقف لا يتأتى إلا شيئا فشيئا ولأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ولأنه إذا نزل منجما وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ولأنه إذا نزل به جبريل حالا بعد حال يثبت به فؤاده ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة وكذلك صفة مصدر محذوف والإشارة إلى إنزاله مفرقا فإنه مدلول عليه بقوله ) لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( ________________________________________ " صفحة رقم 217 " ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفرة ولذلك وقف عليه فيكون حالا والإشارة إلى الكتب السابقة واللام على الوجهين متعلق بمحذوف ) ورتلناه ترتيلا ( وقرأناه عليك شيئا بعد شيء على تؤدة وتمهل في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفليحها الفرقان : ( 33 ) ولا يأتونك بمثل . . . . . ) ولا يأتونك بمثل ( سؤال عجيب كأنه مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوتك ) إلا جئناك بالحق ( الدامغ له في جوابه ) وأحسن تفسيرا ( وبما هو أحسن بيانا أو معنى من سؤالهم أو ) ولا يأتونك ( بحال عجيبة يقولون هلا كانت هذه حاله إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وما هو أحسن كشفا لما بعثت له الفرقان : ( 34 ) الذين يحشرون على . . . . . ) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ( أي مقلوبين أو مسحوبين عليها أو متعلقة قلوبهم بالسلفيات متوجهة وجوههم غليها وعنه عليه الصلاة والسلام يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على الأقدام وصنف على الوجوه وهو ذم منصوب أو مرفوع أو مبدأ خبره ) أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ( والمفضل عليه هو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على طريقة قوله تعالى ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه ( كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانا وأضل سبيلا وقيل إنه متصل بقوله ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة الفرقان : ( 35 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ( يوازره في الدعوة وإعلاء الكلمة ولا ينافي ذلك مشاركته في النبوة لأن المتشاركين في الأمر متوازرون عليه ________________________________________ " صفحة رقم 218 " الفرقان : ( 36 ) فقلنا اذهبا إلى . . . . . ) فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا ( يعني فرعون وقومه ) بآياتنا فدمرناهم تدميرا ( أي فذهبنا إليهم فكذبوهما فدمرناهم فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء بما هو المقصود منها وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقا التدمير بتكذيبهم والتعقيب باعتبار الحكم لا الوقوع وقرىء ) فدمرناهم تدميرا ( على التأكيد بالنون الثقيلة الفرقان : ( 37 ) وقوم نوح لما . . . . . ) وقوم نوح لما كذبوا الرسل ( كذبوا نوحا ومن قبله أو نوحا وحده ولكن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الكل أو بعثة الرسل مطلقا كالبراهمة ) أغرقناهم ( بالطوفان ) وجعلناهم ( وجعلنا إغراقهم أو قصتهم ) للناس آية ( عبرة ) وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ( يحتمل التعميم والتخصيص فيكون وضعا للظاهر موضع المضر تظليما لهم الفرقان : ( 38 ) وعادا وثمود وأصحاب . . . . . ) وعادا وثمود ( عطف على خم في ) جعلناهم ( أو على ) الظالمين ( لأن المعنى ووعدنا الظالمين وقرأ حمزة وحفص ) وثمود ( على تأويل القبيلة ) وأصحاب الرس ( قوم كان يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم شعيبا فكذبوه فبينما هم حول الرس وهي البئر الغير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم وقيل ) الرس ( قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا وقيل الأخدود وقيل بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم كان فيها من كل لون وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتخ أو دمخ وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد ولذلك سميت مغربا فدعا عليها حنظلة فأصبتها الصاعقة ثم أنهم قتلوه فأهلكوا وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسه في بئر ) وقرونا ( وأهل أعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل سبعون وقيل مائة وعشرون ) بين ذلك ( إشارة إلى ما ذكر ) كثيرا ( لا يعلمها إلا الله الفرقان : ( 39 ) وكلا ضربنا له . . . . . ) وكلا ضربنا له الأمثال ( بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين إنذارا وإعذارا فلما أصروا أهلكوا كما قال ) وكلا تبرنا تتبيرا ( فتتناه تفتيتا ومنه التبر لفتات الذهب ________________________________________ " صفحة رقم 219 " والفضة ) وكلا ( الأول منصوب بما دل عليه ) ضربنا ( كأنذرنا والثاني ب ) تبرنا ( لأنه فارغ الفرقان : ( 40 ) ولقد أتوا على . . . . . ) ولقد أتوا ( يعني قريشا مروا مرارا في متاجرهم إلى الشام ) على القرية التي أمطرت مطر السوء ( يعني سدوم عظمى قرى قوم لوط أمطرت لعيها الحجارة ) أفلم يكونوا يرونها ( في مرار مرورهم فيتعظوا بما يرون فيها من آثار عذاب الله ) بل كانوا لا يرجون نشورا ( بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت ركابهم أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون طمعا في الثواب أو لا يخافونه على اللغة التهامية الفرقان : ( 41 ) وإذا رأوك إن . . . . . ) وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا ( ما يتخذونك إلا موضع هزء أو مهزوء به ) أهذا الذي بعث الله رسولا ( محكي بعد قول مضمر والإشارة للاستحقار وإخراج بعث الله رسولا في معرض التسليم يجعله صلة وهم على غاية الإنكار واستهزاء ولولاه لقالوا أهذا الذي زعم أنه بعثه الله رسولا الفرقان : ( 42 ) إن كاد ليضلنا . . . . . ) إن ( إنه ) كاد ليضلنا عن آلهتنا ( ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يوردها مما يسبق إلى الذهن بأنها حجج ومعجزات ) لولا أن صبرنا عليها ( ثبتنا عليها واستمسكنا بعبادتها و ) لولا ( في مثله تقيد الحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ ) وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ( كالجواب لقولهم ) إن كاد ليضلنا ( فإنه يفيد نفي ما يلزمه ويكون الموجب له وفيه وعيد ودلالة على أنه لا يمهلهم وإن أمهلهم الفرقان : ( 43 ) أرأيت من اتخذ . . . . . ) أرأيت من اتخذ إلهه هواه ( بأن أطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة ولا يبصر دليلا وإنما قدم المفعول الثاني للعناية به ) أفأنت تكون عليه وكيلا ( حفيظا تمنعه عن الشرك والمعاصي وحاله هذا فالاستفهام الأول للتقرير والتعجيب والثاني للإنكار ________________________________________ " صفحة رقم 220 " الفرقان : ( 44 ) أم تحسب أن . . . . . ) أم تحسب ( بل أتحسب ) أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ( فتجدي لهم الآيات أو الحجج فتهتم بشأنهم وتطمع في إيمانهم وهو أشد مذمة مما قبله حتى حق بالإضراب منه إليه وتخصيص الأكثر لأنه كان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق وكابر استكبارا وخوفا على الرئاسة ) إن هم إلا كالأنعام ( في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل والمعجزات ) بل هم أضل سبيلا ( من الأنعام لأنها تنقاد لمن يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها وتتجنب ما يضرها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار ولأنها إن لم تعتقد حقا ولم تكتسب خيرا لم تعتقد باطلا ولم تكتسب شرا بخلاف هؤلاء ولأن جهالتها لا تضر بأحد وجهالة هؤلاء تؤدي إلى هيج الفتن وصد الناس عن الحق ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال فلا تقصير منها ولا ذم وهؤلاء مقصرون ومستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم الفرقان : ( 45 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى ربك ( ألم تنظر إلى صنعه ) كيف مد الظل ( كيف بسطه أو ألم تنظر إلى الظل كيف مده ربك فغير النظم إشعارا بأنه المعقول من هذا الكلام لوضوح برهانه وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه أو ألم ينته علمك إلى أن ربك كيف مد الظل وهو فيما بين طلوع الفجر والشمس وهو أطيب الأحوال فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر وشعاع الشمس يسخن الجو ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنة فقال ) وظل ممدود ( و ) ولو شاء لجعله ساكنا ( ثابتا من السكنى أو غير متقلص من السكون ________________________________________ " صفحة رقم 221 " بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد ) ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( فإنه لا يظهر للحس حتى تطلع فيقع ضوؤها على بعض الأجرام أو لا يوجد ولا يتفاوت إلا بسبب حركتها الفرقان : ( 46 ) ثم قبضناه إلينا . . . . . ) ثم قبضناه إلينا ( أي أزلناه بإيقاع الشمس موقعه لما عبر عن أحداثه بالمد بمعنى التسيير عبر عن إزالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكف ) قبضا يسيرا ( قليلا قليلا حسبما ترتفع الشمس لينتظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق و ) ثم ( في الموضعين لتفاضل الأمور أو لتفاضل مبادئ أوقات ظهورها وقيل ) مد الظل ( لما بنى السماء بلا نير ودحا الأرض تحتها فألقت عليها ظلها ولو شاء لجعله ثابتا على تلك الحالة ثم خلق الشمس عليها دليلا أي مسلطا عليه مستتبعا إياه كما يستتبع إياه كما يستتبع الدليل المدلول أو دليل الطريق من يهديه فإنه يتفاوت بحركتها ويتحول بتحولها ) ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ( شيئا فشيئا إلى أن تنتهي غاية نقصانه أو ) قبضا ( سهلا عند قيام الساعة يقبض أسبابه من الأجرام المظلة والمظل عليها الفرقان : ( 47 ) وهو الذي جعل . . . . . ) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ( شبه ظلامه باللباس في ستره ) والنوم سباتا ( راحة للأبدان بقطع المشاغل وأصل السبت القطع أو موتا كقوله ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( لأنه قطع الحياة ومنه المسبوت للميت ) وجعل النهار نشورا ( ذا نشور أي انتشار ينتشر فيه الناس للمعاش أو بعث من النوم بعث الأموات فيكون إشارة إلى أن النوم ________________________________________ " صفحة رقم 222 " واليقظة أنموذج للموت والنشور وعن لقمان عليه السلام يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنتشر الفرقان : ( 48 ) وهو الذي أرسل . . . . . ) وهو الذي أرسل الرياح ( وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس ) نشرا ( ناشرات للحساب جمع نشور وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به وعاصم ) بشرا ( تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر ) بين يدي رحمته ( يعني قدام المطر ) وأنزلنا من السماء ماء طهورا ( مطهرا لقوله ) ليطهركم به ( وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به قال عليه الصلاة والسلام التراب طهور المؤمن طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعا إحداهن بالتراب وقيل بليغا في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب وتوصيف الماء به إشعارا بالنعمة فيه وتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهورته وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى الفرقان : ( 49 ) لنحيي به بلدة . . . . . ) لنحيي به بلدة ميتا ( بالنبات وتذكير ) ميتا ( لأن البلدة في معنى البلد ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجرى مجرى الجامد ) ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسي وتخصيصهم لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار والمنافع فيهم وبما حولهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبا مع أن مساق هذه الآيات كما هو للدلالة على عظم القدرة فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام قنية الإنسان وعامة منافعهم وعلية معايشهم منوطة بها ولذلك قدم سقيها على سقيهم كما ________________________________________ " صفحة رقم 223 " قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها وقرئ / نسقيه / بالفتح وسقى وأسقى لغتان وقيل أسقاه جعل الله له سقيا ) وأناسي ( بحذف ياء وهو جمع إنسي أو إنسان كظرابي فظربان على أن أصله أناسين فقلبت النون ياء الفرقان : ( 50 ) ولقد صرفناه بينهم . . . . . ) ولقد صرفناه بينهم ( صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن الكريم وسائر الكتب أو لامطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما وعن ابن عباس رضي الله عنه ما عام أمطر من عام ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء وتلا هذه الآية أو في الأنهار والمنافع ) ليذكروا ( ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة في ذلك ويقوموابشكره أو ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها أو جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء كان كافرا بخلاف من يرى أنها من خلق الله والأنواء وسائط وأمارات بجعله تعالى الفرقان : ( 51 ) ولو شئنا لبعثنا . . . . . ) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ( نبيا ينذر أهلها فيخف عليك أعباء النبوة لكن قصرنا الأمر عليك إجلالالك وتعظيما لشأنك وتفضيلا لك على سائر الرسل فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق ________________________________________ " صفحة رقم 224 " الفرقان : ( 52 ) فلا تطع الكافرين . . . . . ) فلا تطع الكافرين ( فيما يريدونك عليه وهو تهييج له عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين ) وجاهدهم به ( بالقرآن أو بترك طاعتهم الذي يدل عليه فلا تطع والمعنى إنهم يجتهدون في إبطال حقك فقابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم ) جهادا كبيرا ( لأن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف أو لأن مخالفتهم ومعاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوهم وظهورهم أو لأنه جهاد مع كل الكفرة لأنه مبعوث إلى كافة القرى الفرقان : ( 53 ) وهو الذي مرج . . . . . ) وهو الذي مرج البحرين ( خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج ذابته إذا خلاها ) هذا عذب فرات ( قامع للعطش من فرط عذوبته ) وهذا ملح أجاج ( بليغ الملوحة وقرىء ) ملح ( على فعل ولعل أصله مالح فخفف كبرد في بارد ) وجعل بينهما برزخا ( حاجزا من قدرته ) وحجرا محجورا ( وتنافرا بليغا كان كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المعتوذ عنه وقيل حدا محدودا وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقه فتتتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مصل النيل وبالبحر الملح البرح الككبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى ظبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية الفرقان : ( 54 ) وهو الذي خلق . . . . . ) وهو الذي خلق من الماء بشرا ( يعني الذي خمر به ظينة آدم أو جعله جزاءا من مادة البشر لتجتمع لتبشر وتسلس وتقبل الأشكال والهيئات بسهولة أو النطفة ) فجعله نسبا وصهرا ( أ ] قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن كقوله تعالى ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( ) وكان ربك قديرا ( حيث خلق من مادة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين وربما يخلق من نظفة واحدة توأمين ذكرا وأنثى الفرقان : ( 55 ) ويعبدون من دون . . . . . ) ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ( يعني الأصنام أو كل ما عبد من دون الله إذ ما من مخلوق يستقل بالنفع والضر ) وكان الكافر على ربه ظهيرا ( يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك والمراد ب ) الكافر ( الجنس أو أبو جهل وقيل هينا مهينا لا وقع له عنده ________________________________________ " صفحة رقم 225 " من قولهم ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك فيكون كقوله ) ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ) الفرقان : ( 56 ) وما أرسلناك إلا . . . . . ) وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ( للمؤمنين والكافرين الفرقان : ( 57 ) قل ما أسألكم . . . . . ) قل ما أسألكم عليه ( على تبليغ الرسالة الذي يدل عليه ) إلا مبشرا ونذيرا ( من أجر ) إلا من شاء ( إلا فعل من شاء ) أن يتخذ إلى ربه سبيلا ( أن يتقرب إليه ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة فصور ذلك بصورة الأجر من حيث إنه مقصود فعله واستثناه منه قلعا لشبهة الطمع وإظهارا لغاية الشفقة حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن العقاب أجرا وافيا مرضيا به مقصورا عليه وإشعارا بأن طاعتهم تعود عليه بالثواب من حيث إنها وافيا بدلالته وقيل الإستثناء منقطع معناه لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سيلا فليفعل الفرقان : ( 58 ) وتوكل على الحي . . . . . ) وتوكل على الحي الذي لا يموت ( في استكفاء شرورهم والإغناء عن أجورهم فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين يموتون فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم ) وسبح بحمده ( ونزهه عن صفات النقصان مثنيا عليه بأوصاف الكمال طالبا لمزيد الأنعام بالشكر على سوابغه ) وكفى به بذنوب عباده ( ما ظهر منها وما بطن ) خبيرا ( مطلعا فلا عليك أن آمنوا وكفروا الفرقان : ( 59 ) الذي خلق السماوات . . . . . ) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن ( قد سبق الكلام فيه ولعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقا بأن يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه وتحريض على الثبات والتأني في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ أمره في كل مراد خلق الأشياء على تؤدة وتدرج و ) الرحمن ( خبر للذي إن جعلته مبتدأ ولمحذوف إن جعلته صفة للحي أو بدل من المستكن في ) استوى ( وقرىء بالجر صفة للحي ) فاسأل به خبيرا ( فاسأل عما ذكر من الخلق والإستواء عالما يخبرك بحقيقته وهو الله تعالى أو جبريل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه وقيل الضمير ) للرحمن ( والمعنى إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه فيكتبهم وعلى هذا يجوز أن ________________________________________ " صفحة رقم 226 " يكون ) الرحمن ( مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالياء لتضمنه معنى الأعتناء وقيل إنه صلة ) خبيرا ) الفرقان : ( 60 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ( لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ولذلك قالوا ) أنسجد لما تأمرنا ( أي للذي تأمرناه يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير عرفان وقيل ه كان معربا لم يسمعوه وقرأ حمزة والكسائي / يأمرنا / بالياء على أنه قول بعضهم لبعض ) وزادهم ( أي المر بالسجود ) للرحمن ( ) نفورا ( عن الإيمان الفرقان : ( 61 ) تبارك الذي جعل . . . . . ) تبارك الذي جعل في السماء بروجا ( يعني البروج الإثني عشر سميت به وهي القصور العالية لأنها للكواكب السيارة كالمنازل لسكانها واشتقاقه منا لتبرج لظهوره ) وجعل فيها سراجا ( يعني الشمس لقوله ) وجعل الشمس سراجا ( وقرأ حمزة والكسائي / سرجا / وهي الشمس والكواكب الكبار ) وقمرا منيرا ( مضيئا بالليل وقرىء ) وقمرا ( أي ذا قمر وهو جمع قمراء ويحتمل أن يكون بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب و العرب الفرقان : ( 62 ) وهو الذي جعل . . . . . ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ( أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه أو بأن يعتقبا لقوله تعالى ) واختلاف الليل والنهار ( وهي للحالة من خلف كالركبة والجلسة ) لمن أراد أن يذكر ( بأن يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيعلم أن لا بد له نم صانع حكيم واجب اللذات رحيم على العباد ) أراد شكورا ( أن يشكر الله تعالى على ما فيه من النعم أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين من وفاته ورده في أحدهما تداركه في الآخرة وقرأ حمزة ) أن يذكر ( من ذكر بمعنى تذكر وكذلك ليذكروا وافقه الكسائي فيه ________________________________________ " صفحة رقم 227 " الفرقان : ( 63 ) وعباد الرحمن الذين . . . . . ) وعباد الرحمن ( مبتدأ خبره ) أولئك يجزون الغرفة ( أو ) الذين يمشون على الأرض ( وإضافتهم إلى ) الرحمن ( للتخصيص والتفضيل أو لأنهم الراسخون في عبادته على أن عباد جمع عابد كتاجر وتجار ) هونا ( هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( تسلما منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر أو سداد من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإثم ولا ينافيه آية القتال لتنسخه فإن المراد به الإغضاء عن السفهاء وترك مقابلتهم في الكلام الفرقان : ( 64 ) والذين يبيتون لربهم . . . . . ) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ( في الصلاة في الصلاة وتخصيص البيتوتة لأن العبادة بالليل أحمز وأبعد عن الرياء وتأخير القيام للروي وهو جمع قائم أو مصدر أجري مجراه الفرقان : ( 65 ) والذين يقولون ربنا . . . . . ) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ( لازما ومنه الغريم لملازمته وهو إيذان بأنهم مع حسن مخالطتهم مع الخلق واجتهادهم في عبادة الحق وجلون من العذاب مبتهلون إلى الله تعالى في صرفه عنهم لعدم اعتدادهم بأعمالهم ووثوقهم على استمرار أحوالهم الفرقان : ( 66 ) إنها ساءت مستقرا . . . . . ) إنها ساءت مستقرا ومقاما ( أي بئست مستقرا وفيها ضمير مبهم يفسره المميز والمخصوص بالذم ضمير محذوف به ترتبط الجملة باسم إن أو أحزنت وفيها ضمير أسم أن ومستقرا حال أو تمييز والجملة تعليل للعلة الأولى أو تعليل ثان وكلاهما يحتملان الحكاية والابتداء من الله الفرقان : ( 67 ) والذين إذا أنفقوا . . . . . ) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ( لم يجاوزا حد الكرم ) ولم يقتروا ( ولم يضيقوا تضييق الشحيح وقيل الإسراف هو الإنفاق في المحارم والتقتير منع الواجب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع وابن عامر والكوفيون بضم الياء وكسر التاء من ________________________________________ " صفحة رقم 228 " أقتر وقرئ بالتشديد والكل واحد ) وكان بين ذلك قواما ( وسطا عدلا سمي به لاستقامة الطرفين كما سمي سواء لاستوائهما وقرئ بالكسر وهو ما يقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص وهو خير ثان أو حال مؤكدة ويجوز أن يكون الخبر بين ذلك لغوا وقيل إنه اسم ) كان ( لكنه مبني لإضافته إلى غير متمكن وهو ضعيف لأنه بمعنى القوام فيكون كالإخبار بالشيء عن نفسه الفرقان : ( 68 ) والذين لا يدعون . . . . . ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ( أي حرمها بمعنى حرم قتلها ) إلا بالحق ( متعلق بالقتل المحذوف أو بلا يقتلون ) ولا يزنون ( وإشعارا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك وتعريضا للكفرة بأضداده ولذلك عقبه بالوعيد تهديدا لهم فقال ) ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( جزاء إثم أو إثما بإضمار الجزاء وقرئ ) أياما ( أي شدائد يقال يوم ذو أيام أي صعب الفرقان : ( 69 - 70 ) يضاعف له العذاب . . . . . ) يضاعف له العذاب يوم القيامة ( بدل من ) يلق ( لأنه في معناه كقوله " متى تأتينا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا " وقرأ أبو بكر بالرفع على الاستئناف أو الحال وكذلك ) ويخلد فيه مهانا ( وأين كثير ويعقوب يضعف بالجزم وابن عامر بالرفع فيهما مع التشديد وحذف الألف في / يضعف / وقرئ ) ويخلد ( على بناء المفعول مخففا وقرئ مثقلا وتضعيف العذاب مضاعفته لانضمام المعصية إلى الكفر ويدل عليه قوله ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة وقيل بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثوابا ) وكان الله غفورا رحيما ( فلذلك يعفو عن السيئات ويثبت على الحسنات الفرقان : ( 71 ) ومن تاب وعمل . . . . . ) ومن تاب ( عن المعاصي بتركها والندم عليها ) وعمل صالحا ( يتلافى به ما فرط أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة ) فإنه يتوب إلى الله ( يرجع إلى الله بذلك ________________________________________ " صفحة رقم 229 " ) متابا ( مرضيا عند الله ماحيا للعقاب محصلا للثواب أو يتوب متابا إلى الله الذي يحب التائبين ويصطنع بهم أو فإنه يرجع إلى الله وإلى ثوابه مرجعا حسنا وهو تعميم بعد تخصيص الفرقان : ( 72 ) والذين لا يشهدون . . . . . ) والذين لا يشهدون الزور ( لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه ) وإذا مروا باللغو ( ما يجب أن يلقى ويطرح ) مروا كراما ( معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية فيما يستهجن التصريح به الفرقان : ( 73 ) والذين إذا ذكروا . . . . . ) والذين إذا ذكروا بآيات ربهم ( بالوعظ أو القراءة ) لم يخروا عليها صما وعميانا ( لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك لا يلقاني زيد مسلما وقيل الهاء للمعاصي المدلول عليها ) باللغو ) الفرقان : ( 74 ) والذين يقولون ربنا . . . . . ) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقرت بهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة و ) من ( ابتدائية أو بيانية كقولك رأيت منك أسدا وقرأ حمزة وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر / وذريتنا / وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص ويعقوب ) وذرياتنا ( بالألف وتنكير ال ) أعين ( لإرادة تنكير ال ) قرة ( تعظيما وتقليلها لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم ) واجعلنا للمتقين إماما ( يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل وتوحيده إما للدلالة على الجنس وعدم اللبس كقوله ) ثم يخرجكم طفلا ( أو لأنه مصدر في أصله أو لأن المراد واجعل كل واحد منا أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم ________________________________________ " صفحة رقم 230 " واتفاق كلمتهم وقيل جمع آم كصائم وصيام ومعناه قاصدين لهم مقتدن بهم الفرقان : ( 75 ) أولئك يجزون الغرفة . . . . . ) أولئك يجزون الغرفة ( أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى ) وهم في الغرفات آمنون ( وللقراءة بها وقيل هي من أسماء الجنة ) بما صبروا ( وبصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات ) ويلقون فيها تحية وسلاما ( دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضا ويسلم عليه أو تبقيه دائمة وسلامة من كل آفة وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ) يلقون ( من لقي الفرقان : ( 76 ) خالدين فيها حسنت . . . . . ) خالدين فيها ( لا يموتون فيها ولا يخرجون ) حسنت مستقرا ومقاما ( مقابل ) ساءت مستقرا ( معنى ومثله إعرابا الفرقان : ( 77 ) قل ما يعبأ . . . . . ) قل ما يعبأ بكم ربي ( ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أو لا يعتد بكم ) لولا دعاؤكم ( لولا عبادتكم فإن شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء وقيل معناه ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة إن جعلت استفهامية فمحلها النصب على المصدر كأنه قيل أي عبء يعبأ بكم ) فقد كذبتم ( بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وقيل قصرتم في العبادة من قولهم كذب القتال إذا لم يبالغ فيه وقرئ / فقد كذب الكافرون / أي الكافرون منكم لأن توجه الخطاب إلى الناس عامة بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب ) فسوف يكون لزاما ( يكون جزاء التكذيب لازما يحيق بكم لا محالة أو أثره لازما بكم حتى يكبكم في النار ووإنما أضمر من غير ذكر للتهويل والتنبيه على أنه لا يكتنهه الوصف وقيل المراد قتل يوم بدر وأنه لوزم بين القتلى لزاما وقرئ ) لزاما ( بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير نصب ________________________________________ " صفحة رقم 231 " سورة الشعراء مكية إلا قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخرها وهي مائتان وست أو سبع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الشعراء : ( 1 ) طسم ) طسم ( قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالإمانة ونافع بين بين كراهة للعود إلى الياء المهروب منها وأظهر نونه حمزة لأنه في الأصل منفصل عما بعده الشعراء : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . . ) تلك آيات الكتاب المبين ( الظاهر إعجازه وصحته والإشارة إلى السورة أو القرآن على ما قرر في أول البقرة الشعراء : ( 3 ) لعلك باخع نفسك . . . . . ) لعلك باخع نفسك ( قاتل نفسك وأصل البخع أن يبلغ بالذبح النخاع وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد الذبح وقرىء ) باخع نفسك ( بالإضافة ولعل للإشفاق أي أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة ) ألا يكونوا مؤمنين ( لئلا يؤمنوا أو خيفة أن لا يؤمنوا الشعراء : ( 4 ) إن نشأ ننزل . . . . . ) إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ( دلالة ملجئة إلى الإيمان أوبلية قاسرة عليه ) فظلت أعناقهم لها خاضعين ( منقادين واصله فظلوا لها خاضعين فأقحمت العناق لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله وقيل لما وصفت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم وقيل المراد بها الرؤساء أو الجماعات من قولهم جاءنا عنق من الناس لفوج ________________________________________ " صفحة رقم 232 " منهم وقرىء / خاضعة / و ) ظلت ( عطف على ) ننزل ( عطف وأكن على فأصدق لأنه لو قيل أنزلنا بدله لصح الشعراء : ( 5 ) وما يأتيهم من . . . . . ) وما يأتيهم من ذكر ( موعظة أو طائفة من القرآن ) من الرحمن ( يوحيه إلى نبيه ) محدث ( مجدد إنزاله لتكرير التذكير وتنويع التقرير ) إلا كانوا عنه معرضين ( إلا جددوا إرضا عنه وإصرارا على ما كانوا عليه الشعراء : ( 6 ) فقد كذبوا فسيأتيهم . . . . . ) فقد كذبوا ( أي بالذكر بعد إرابضهم وأمعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى الإستهزاء به المخبر به عنهم ضمنا في قوله ) فسيأتيهم ( أي إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ) أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( من أنه كان حقا أم باطلا وكان حقيقا بأن يصدق ويعظم قدره أو يكذب فيستخف أمره الشعراء : ( 7 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا إلى الأرض ( أو لم ينظروا إلى عجائبها ) كم أنبتنا فيها من كل زوج ( صنف ) كريم ( محمود كثير المنفعة وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى وههنا يحتلم أن تكون مقيدة لما يتضمن الدلالة على القدرة وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إلا وله فائدة إما وحده أو مع غيره و ) كل ( لإحاطة الزواج ) وكم ( لكثرتها الشعراء : ( 8 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك ( إن في إنبات تلك الأصناف أو فيكل واحد ) لآية ( على أن منبتها تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( في علم الله وقضائه فلذلك لا ينفعهم أمثال هذه الآيات العظام الشعراء : ( 9 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز ( الغالب القادر على الإنتقام من الكفرة ) الرحيم ( حيث أمهلهم أو العزيز في إنتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن الشعراء : ( 10 ) وإذ نادى ربك . . . . . ) وإذ نادى ربك موسى ( مقدر باذكر أو ظرف لما بعده ) أن ائت ( أي ) ائت ( أو بأن ) ائت ( ) القوم الظالمين ( بالكفر واستعباد بني إسرائيل وذبح أولادهم الشعراء : ( 11 ) قوم فرعون ألا . . . . . ) قوم فرعون ( بدل من الأول أو عطف بيان له ولعل الإقتصار على القوم للعلم بأن ________________________________________ " صفحة رقم 233 " فرعون كان أولى بذلك ) ألا يتقون ( استئناف أتبعه إرساله إليهم للإنذار تعجيبا له من إفراطهم في الظلم واجترائهم عليه وقرئ بالتاء على الالتفات إليهم زجرا لهم وغضبا عليهم وهم وإن كان غبيا حينئذ أجروا مجرى الحاضرين في كلام المرسل إليهم من حيث أنه مبلغه إليهم وإسماعه مبدأ إسماعهم مع ما فيه من مزيد الحث على التقوى لمن تدبره وتأمل مورده وقرئ بكسر النون اكتفاء بها عن ياء الإضافة ويحتمل أن يكون بمعنى ألا يا ناس اتقون كقوله ألا يا اسجدوا الشعراء : ( 12 - 13 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ( رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لأنها إذا اجتمعت مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حبسه حتى لا تختل دعوته ولا تنبثر حجته وليس ذلك تعللا منه وتوقفا في تلقي الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه وقرأ يعقوب ) ويضيق ( ) ولا ينطلق ( بالنصب عطفا على ) يكذبون ( فيكونان من جملة من خاف منه الشعراء : ( 14 ) ولهم علي ذنب . . . . . ) ولهم علي ذنب ( أي تبعه ذنب فحذف المضاف أو سمي باسمه والمراد قتل القبطي وإنما سماه ذنبا سماه ذنبا على زعمهم وهذا اختصار قصته المبسوطة في مواضع ) فأخاف أن يقتلون ( به قبل أداء الرسالة وهو أيضا ليس تعللا وإنما هو استدفاع للبلية المتوقعة كما أن ذاك استمداد واستظهار في أمر الدعوة الشعراء : ( 15 ) قال كلا فاذهبا . . . . . وقوله ) قال كلا فاذهبا بآياتنا ( إجابة له إلى الطلبتين بوعده بدفع بلائهم اللازم ردعه عن الخوف وضم أخيه إليه في الإرسال والخطاب في ) فاذهبا ( على تغليب الحاضر لأنه معطوف على الفعل الذي يدل عليه ) كلا ( كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت والذي طلبته ) إنا معكم ( يعني موسى وهارون وفرعون ) مستمعون ( سامعون لما يجري بينكما وبينه فأظهركما عليه مثل نفسه تعالى بمن حضر مجادلة قوم استماعا لما يجري بينهم وترقبا لإمداد أوليائه منهم مبالغة في الوعد بالإعانة ولذلك تجوز بالاستماع الذي هو بمعنى الإصغاء للسمع الذي هو مطلق إدراك الحروف والأصوات وهو خبر ثان أو الخبر وحده ) معكم ( لغو الشعراء : ( 16 ) فأتيا فرعون فقولا . . . . . ) فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ( أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة قال الشاعر ________________________________________ " صفحة رقم 234 " " لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول " ولذلك ثنى تارة وأفراد أخرى أو لاتحادهما للأخوة أو لوحد المرسل والمرسل به أو لأنه أراد أن كل واحد منا الشعراء : ( 17 ) أن أرسل معنا . . . . . ) أن أرسل معنا بني إسرائيل ( أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول والمراد خلهم ليذهبوا معنا الشام الشعراء : ( 18 ) قال ألم نربك . . . . . ) قال ( أي فرعون لموسى بعد ما أتيناه فقالا له ذلك ) ألم نربك فينا ( في منازلنا ) وليدا ( طفلا سمي به لقربه من الولادة ) ولبثت فينا من عمرك سنين ( قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ثم بقي بعد الغرق خمسين الشعراء : ( 19 ) وفعلت فعلتك التي . . . . . ) وفعلت فعلتك التي فعلت ( يعني قتل القبطي وبخه به معظما إياه بعدما عدد عليه نعمته وقرئ فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز ) وأنت من الكافرين ( بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليه الصلاة والسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين ويجوز أن يكون حكما مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم الشعراء : ( 20 ) قال فعلتها إذا . . . . . ) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ( من الجاهلين وقد قرئ به والمعنى من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه أو من الخاطئين لأنه لم يتعمد قتله أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز لأنه أراد به التأديب أو الناسين من قوله تعالى ) أن تضل إحداهما ) الشعراء : ( 21 ) ففررت منكم لما . . . . . ) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما ( حكمة ) وجعلني من المرسلين ( رد أولا بذلك ما وبخه به قدحا في نبوته ثم كر على ما عد عليه من النعمة ولم يصرح برده لأنه كان صدقا غير قادح في دعواه بل نبه على أنه كان في الحقيقة نقمة لمونه مسببا عنها فقال ________________________________________ " صفحة رقم 235 " الشعراء : ( 22 ) وتلك نعمة تمنها . . . . . ) وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ( أي وتلك التربية نعمة تمنها علي ظاهرا وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك وقيل إنه مقدر بهمزة الإنكار أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي ) أن عبدت ( ومحل ) أن عبدت ( الرفع على أنه خبر محذوف أو بدل ) نعمة ( أو الجر بإضمار الباء أو النصب بحذفها وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة و ) أن عبدت ( عطف بيانها والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة ) تمنها ( علي وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده والخوف والفرار منه ومن ملئه الشعراء : ( 23 ) قال فرعون وما . . . . . ) قال فرعون وما رب العالمين ( لما سمع جواب ما طعن به فيه ورأى أنه لم يرعو بذلك شرع في الإعتراض على دعواه فبدأ بالإستفسار عن حقيقة المرسل الشعراء : ( 24 ) قال رب السماوات . . . . . ) قال رب السماوات والأرض وما بينهما ( عرفه بأظهر خواصه وآثاره لما امتنع تعريف الأفراد إلا بذكر الخواص والأفعال وإليه أشار بقوله ) إن كنتم موقنين ( أي إن كنتم موقنين الأشياء محققين لها علمتم أن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أ والها فلها مبدىء واجب لذاته وذلك المبدىء لا بد وأن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما ر يمكن وإلا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال ثم ذلك الواجب لا يمكن تعريفه غلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لا ستحالة التركيب في ذاته الشعراء : ( 25 ) قال لمن حوله . . . . . ) قال لمن حوله ألا تستمعون ( جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله أو يزعم أنه ) رب السماوات ( وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر الشعراء : ( 26 ) قال ربكم ورب . . . . . ) قال ربكم ورب آبائكم الأولين ( عدولا إلى ما لا يمكن أن يتوهم فيه مثله ويشك في افتقاره إلى مصور حكيم ويكون أقرب إلى الناظر وأوضح عند التأمل ________________________________________ " صفحة رقم 236 " الشعراء : ( 27 ) قال إن رسولكم . . . . . ) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( اسأله عن شيء ويجيبني عن آخر وسماه رسولا على السخرية الشعراء : ( 28 ) قال رب المشرق . . . . . ) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ( تشهدون كل يوم أه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنظيم به أمور الكائنات ) إن كنتم تعقلون ( إن كان لكم عقل علمتم أن لاجواب لكم فوق ذلك لا ينهم أولا ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم الشعراء : ( 29 ) قال لئن اتخذت . . . . . ) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ( عدولا إلى التهديد عن المحاجة بعد الإنقطاع وهكذا دين المعاند المحجوج واستدل به على ادعائه الألوهية وإنكاره الصانع وأنت عجبه بقوله ) ألا تستمعون ( من نسبة الربوبية إلى غيره ولعله كان دهريا اعتقد أن من ملك قطرا أو تولى أمره بقوة طالعه استحق العبادة من أهله واللام في ) المسجونين ( للعهد أي ممن عرفت حالهم في سجوني فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك جعل أبلغ من لأسجنك الشعراء : ( 30 ) قال أولو جئتك . . . . . ) قال أولو جئتك بشيء مبين ( أي أتفعل ذلك ولو جئتك بشيء يبين صدق دعواي يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته والدلالة على صدق مدعي نبوته فالواو للحال وليها الهمزة بعد حذف الفعل الشعراء : ( 31 ) قال فأت به . . . . . ) قال فأت به إن كنت من الصادقين ( في أن لك بينة أو في جعواك فإن مدعي النبوة لا بد له من حجة الشعراء : ( 32 ) فألقى عصاه فإذا . . . . . ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( ظاهر ثعبانيته واشتقاق الثعبان من ثعبت الماء فانثعب إذا فجرته فانفجر الشعراء : ( 33 ) ونزع يده فإذا . . . . . ) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ( روي أن فرعون لما رأى الآية الأولى قال فهل غيرها فأخرج يديه قال فما فيها فأدخلها في إبطة ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق ________________________________________ " صفحة رقم 237 " الشعراء : ( 34 ) قال للملإ حوله . . . . . ) قال للملإ حوله ( مستقرين حوله فهو ظرف وقع موقع الحال ) إن هذا لساحر عليم ( فائق في علم السحر الشعراء : ( 35 ) يريد أن يخرجكم . . . . . ) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ( بهره سلطان المعجزة حتى حطه عن دعوى الربوبية إلى مؤامرة القوم وائتمارهم وتنفيرهم وتنفيرهم عن موسى وإظهار الاستشعار عن ظهوره واستيلائه على ملكه الشعراء : ( 36 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . . ) قالوا أرجه وأخاه ( أي أخر أمرهما وقيل احبسهما ) وابعث في المدائن حاشرين ( شرطا يحشرون السحرة الشعراء : ( 37 ) يأتوك بكل سحار . . . . . ) يأتوك بكل سحار عليم ( يفضلون عليه في المدائن عليه في هذا الفن وأمالها ابن عامر وأبو عمرو والكسائي وقرئ ) بكل ساحر ) الشعراء : ( 38 ) فجمع السحرة لميقات . . . . . ) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ( لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة الشعراء : ( 39 ) وقيل للناس هل . . . . . ) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ( فيه استبطاء لهم في الاجتماع حثا على مبادرتهم إليه كقول تأبط شرا " هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق " الشعراء : ( 40 ) لعلنا نتبع السحرة . . . . . ) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ( لعلنا نتبعهم في دينهم إن غلبوا والترجي باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع ومقصودهم الأصل أن لا يتبعوا موسى لا أن يتبعوا موسى لا أن يتبعوا السحرة فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يتبعوا موسى عليه الصلاة والسلام الشعراء : ( 41 - 42 ) فلما جاء السحرة . . . . . ) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ( التزم لهم الأجر والقربة عنده زيادة عليه إن اغلبوا فإذا على ما يقتضيه من الجواب والجزاء وقرئ ) نعم ( بالكسر وهما لغتان الشعراء : ( 43 ) قال لهم موسى . . . . . ) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( أي بعدما قالوا له ) إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ( ________________________________________ " صفحة رقم 238 " ولم يرد به أمرهم بالسحر والتمويه بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه لا محالة توسلا به إلى إظهار الحق الشعراء : ( 44 ) فألقوا حبالهم وعصيهم . . . . . ) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ( أقسموا بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر الشعراء : ( 45 ) فألقى موسى عصاه . . . . . ) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ( تبتلع وقرأ حفص ) تلقف ( بالتخفيف ) ما يأفكون ( ما يقبلونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى أو إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة الشعراء : ( 46 ) فألقي السحرة ساجدين ) فألقي السحرة ساجدين ( لعلمهم بأن مثله لا يتأتى بالسحر وفيه دليل على أن منتهى السحر تمويه وتزويق يخيل شيئا لا حقيقة له وأن التبخر في كل فن نافع وإنما يدل الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله ويدل على أنهم لما رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أنفسهم كأنهم أخذوا فطرحوا على وجوههم وأنه تعالى ألقاهم بما خولهم من التوفيق الشعراء : ( 47 ) قالوا آمنا برب . . . . . ) قالوا آمنا برب العالمين ( بدل من ) ألقى ( بدل الاشتمال أو حال بإضمار قد الشعراء : ( 48 ) رب موسى وهارون ) رب موسى وهارون ( إبدال للتوضيح ودفع التوهم والإشعار على أن الموجب لإيمانهم على أيديهما الشعراء : ( 49 ) قال آمنتم له . . . . . ) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( فعلمكم شيئا دون شيء ولذلك غلبكم أو فواعدكم على ذلك وتواطأتم عليه وأراد به التلبيس على قومه كي لا يعتقدوا أنهم أمنوا على بصيرة وظهور حق وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وروح ) أأمنتم ( بهمزتين ) فلسوف تعلمون ( وبال ما فعلتم وقوله ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين ( بيان له الشعراء : ( 50 ) قالوا لا ضير . . . . . ) قالوا لا ضير ( لا ضرر علينا في ذلك ) إنا إلى ربنا منقلبون ( بما توعدنا به فإن الصبر عليه محاء للذنوب موجب للثواب والقرب من الله تعالى أو بسبب من أسباب الموت والقتل أنفعها وأرجاها ________________________________________ " صفحة رقم 239 " الشعراء : ( 51 ) إنا نطمع أن . . . . . ) إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا ( لأن كنا ) أول المؤمنين ( من أتباع فرعون أو من أهل المشهد والجملة في المعنى تعليل ثان لنفي الضمير أو تعليل للعلة المتقدمة وقرىء ) إن كنا ( على الشرط لهضم النفس وعدم الثقة بالخاتمة أو على طريقة المدل بأمره نحو إن أحسنت إليك فلا تنس حقي الشعراء : ( 52 ) وأوحينا إلى موسى . . . . . ) وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ( وذلك بعد سنين أقامها بين أظهرهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وفسادا وقرأ ابن كثير ونافع ) أن أسر بعبادي ( بكسر النون ووصل الألف من سرى وقرىء / أن سر / من السير ) إنكم متبعون ( يتبعكم فرعون وجنوده وهو علية الأمر بالإسراء أي أسر بهم حتى إذا اتبعوكم مصبحين كان لكم تقدم عليهم بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مدخلكم فأطبقه عليهم فأغرقهم الشعراء : ( 53 ) فأرسل فرعون في . . . . . ) فأرسل فرعون ( حين آخر بسراهم ) في المدائن حاشرين ( العساكر ليتبعوهم الشعراء : ( 54 ) إن هؤلاء لشرذمة . . . . . ) إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( على إرادة القول وإنما استقلهم وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا بالإضافة إلى جنوده إذ روي أنه خرج وكانت مقدمته سبعمائة ألف والشرذمة الطائفة القليلة ومنها ثوب شراذم لما بلي وتقطع و ) قليلون ( باعتبار أنهم أسباط كل سبط منهم قليل الشعراء : ( 55 ) وإنهم لنا لغائظون ) وإنهم لنا لغائظون ( لفاعلون ما يغيظنا الشعراء : ( 56 ) وإنا لجميع حاذرون ) وإنا لجميع حاذرون ( وإنا لجمع من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في الأمور أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظن به ما يكسر سلطانه وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان والكوفيون ) حاذرون ( والأول للثبات والثاني للتجدد وقيل الحاذر المؤدي في السلاح وهو أيضا من الحذر لأن ذلك إنما يفعل حذرا وقرىء ) حاذرون ( بالدال المهملة أي أقوياء قال ________________________________________ " صفحة رقم 240 " " أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر " الشعراء : ( 57 ) فأخرجناهم من جنات . . . . . ) فأخرجناهم ( بأن خلقنا داعية الخروج بهذا السبب فحملتهم عليه ) من جنات وعيون ) الشعراء : ( 58 ) وكنوز ومقام كريم ) وكنوز ومقام كريم ( يعني المنازل الحسنة والمجالس البهية الشعراء : ( 59 ) كذلك وأورثناها بني . . . . . ) كذلك ( مثل ذلك الإخراج أخرجنا فهو مصدر أو مثل ذلك المقام الذين كان لهم على أنه صفة مقام أو الأمر كذلك فيكون خبر المحذوف ) وأورثناها بني إسرائيل ) الشعراء : ( 60 ) فأتبعوهم مشرقين ) فأتبعوهم ( وقرىء ) فأتبعوهم ( ) مشرقين ( داخلين في وقت شروق الشمس الشعراء : ( 61 ) فلما تراءى الجمعان . . . . . ) فلما تراءى الجمعان ( تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الأخر وقرىء ) تراءت ( الفئتان ) قال أصحاب موسى إنا لمدركون ( لملحقون وقرىء ) لمدركون ( من أدرك الشيء إذا تتابع ففني أي لمتتابعون في الهلاك على أيديهم الشعراء : ( 62 ) قال كلا إن . . . . . ) قال كلا ( لن يدركوكم فإن الله وعدكم بالخلاص منهم ) إن معي ربي ( بالحفظ والنصرة ) سيهدين ( طريق النجاة منهم روي أن مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى فقال أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون فقال أمرت بالبحر ولعلي أومر بما أصنع ________________________________________ " صفحة رقم 241 " الشعراء : ( 63 ) فأوحينا إلى موسى . . . . . ) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ( بحر القلزم أو النيل ) فانفلق ( أي فضرب فانفلق وصار اثني عشر فرقا بينهما مسالك ) فكان كل فرق كالطود العظيم ( كالحبل المنيف الثابت في مقره فدخلوا في شعابها كل سبط في شعب الشعراء : ( 64 ) وأزلفنا ثم الآخرين ) وأزلفنا ( وقربنا ) ثم الآخرين ( فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم الشعراء : ( 65 ) وأنجينا موسى ومن . . . . . ) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ( بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا الشعراء : ( 66 ) ثم أغرقنا الآخرين ) ثم أغرقنا الآخرين ( بإطباقه عليهم الشعراء : ( 67 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لآية ( وأية آية ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( وما تنبه عليها أكثرهم إد لم يؤمن بها أحد ممن بقي في مصر من القبط وبنو إسرائيل بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا ) لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) الشعراء : ( 68 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز ( المنتقم من أعدائه ) الرحيم ( بأوليائه الشعراء : ( 69 ) واتل عليهم نبأ . . . . . ) واتل عليهم ( على مشركي العرب ) نبأ إبراهيم ) الشعراء : ( 70 ) إذ قال لأبيه . . . . . ) إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ( سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة الشعراء : ( 71 ) قالوا نعبد أصناما . . . . . ) قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ( فأطالوا جوابهم بشرح حالهم معه تبجحا به وافتخارا و ) فنظل ( ها هنا بمعنى ندوم وقيل كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل الشعراء : ( 72 ) قال هل يسمعونكم . . . . . ) قال هل يسمعونكم ( أيسمعون دعاءكم أو يسمعونكم تدعون فحذف ذلك لدلالة ) إذ تدعون ( عليه وقرئ ) يسمعونكم ( أي يسمعونكم الجواب عن دعائكم ومجيئه مضارعا مع ) إذ ( على حكاية الحال الماضية استحضارا لها الشعراء : ( 73 ) أو ينفعونكم أو . . . . . ) أو ينفعونكم ( على عبادتكم لها ) أو يضرون ( من أعرض عنها الشعراء : ( 74 ) قالوا بل وجدنا . . . . . ) قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ( أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو يتوقع منهم ضر أو نفع والتجأوا إلى التقليد ________________________________________ " صفحة رقم 242 " الشعراء : ( 75 ) قال أفرأيتم ما . . . . . ) قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ) الشعراء : ( 76 ) أنتم وآباؤكم الأقدمون ) أنتم وآباؤكم الأقدمون ( فإن التقدم لا يدل على الصحة ولا يتقلب به الباطل حقا الشعراء : ( 77 ) فإنهم عدو لي . . . . . ) فإنهم عدو لي ( يريد أنهم أعداء لعابديهم من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه أو أن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم وهو الشيطان لكنه صور الأمر في نفسه تعريضا لهم فإنه انفع في النصح من التصريح وإشعارا بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب ) إلا رب العالمين ( استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله الشعراء : ( 78 ) الذي خلقني فهو . . . . . ) الذي خلقني فهو يهدين ( لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش والمعاد كما قال تعالى ) والذي قدر فهدى ( هداية مدرجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم ومنهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بلذائذها والفاء للسببية إن جعل الموصول مبتدأ وللعطف إن جعل صفة رب العالمين فيكون اختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية الشعراء : ( 79 ) والذي هو يطعمني . . . . . وقوله ) والذي هو يطعمني ويسقين ( على الأول مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده وتكرير الموصول على الوجهين للدلالة على أن كل واحدة من الصلات مستقلة باقتضاء الحكم الشعراء : ( 80 ) وإذا مرضت فهو . . . . . ) وإذا مرضت فهو يشفين ( عطف على ) يطعمني ويسقين ( لأنه من روادفها من حيث إن الصحة والمرض في الأغلب يتبعان المأكول والمشروب وإنما لم ينسب المرض إليه تعالى لأن المقصود تعديد النعم ولا ينتقص بإسناد الإماتة إليه فإن الموت من حيث إنه ________________________________________ " صفحة رقم 243 " لا يحسن به لا ضرر فيه وإنما الضرر في مقدماته وهي المرض ثم إنه لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب التي تستحقر دونها الحياة الدنيوية وخلاص من أنواع المحن والبليات ولأنت المرض في غالب الأمر إنما يحدث بتفريط من الإنسان في مطامعه ومشاربه وبما اجتماعهما والاعتدال المخصوص عليها قهرا وذلك بقدرة الله العزيز العليم الشعراء : ( 81 ) والذي يميتني ثم . . . . . ) والذي يميتني ثم يحيين ( في الآخرة الشعراء : ( 82 ) والذي أطمع أن . . . . . ) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ( ذكر ذلك هضما لنفسه وتعليما للأمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر وطلب لأن يغفر لهم ما يفرط منهم واستغفارا لما عسى يندر منه من الصغائر وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث ) إني سقيم ( ) بل فعله كبيرهم هذا ( وقوله هي أختي ضعيف لأنها معاريض وليس خطايا الشعراء : ( 83 ) رب هب لي . . . . . ) رب هب لي حكما ( كما في العلم والعمل أستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق ) وألحقني بالصالحين ( ووفقني للكمال في العمل لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح الذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره الشعراء : ( 84 ) واجعل لي لسان . . . . . ) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( جاها وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه أو صادقا من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الشعراء : ( 85 ) واجعلني من ورثة . . . . . ) واجعلني من ورثة جنة النعيم ( في الآخرة وقد مر معنى الوراثة فيها الشعراء : ( 86 ) واغفر لأبي إنه . . . . . ) واغفر لأبي ( بالهداية والتوفيق للإيمان ) إنه كان من الضالين ( طريق الحق ________________________________________ " صفحة رقم 244 " وإن كان هذا الدعاء بعد موته فلعله كان يخفي الإيمان تقية من نمرود ولذلك وعده به أو لأن لم يمنع بعد من الاستغفار للكفار الشعراء : ( 87 ) ولا تخزني يوم . . . . . ) ولا تحزني ( بمعاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن رتبة بعض الوارث أو بتعذيبي لخفاء العاقبة وجواز التعذيب عقلا أو بتعذيب والدي أو ببعثه في عداد الضالين وهو من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بمعنى الحياء ) يوم يبعثون ( الضمير للعباد لأنهم معلومون أو ل ) الضالين ) الشعراء : ( 88 - 89 ) يوم لا ينفع . . . . . ) يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ( أي لا ينفعان أحدا إلا مخلصا سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر آفاته أو لاينفعان إلا مال من هذا شأنه وبنوه حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عباد الله مطيعين شفعاء له يوم القيامة وقيل الاستثناء مما دل عليه المال والبنون أي لا ينفع غنى إلا غناه وقيل منقطع والمعنى لكن سلامة ) من أتى الله بقلب سليم ( تنفعه الشعراء : ( 90 ) وأزلفت الجنة للمتقين ) وأزلفت الجنة للمتقين ( بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون بأنهم المحشورون إليها الشعراء : ( 91 ) وبرزت الجحيم للغاوين ) وبرزت الجحيم للغاوين ( فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد الشعراء : ( 92 ) وقيل لهم أين . . . . . ) وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون ( أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم الشعراء : ( 93 ) من دون الله . . . . . ) من دون الله هل ينصرونكم ( بدفع العذاب عنكم ) أو ينتصرون ( بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار كما قال الشعراء : ( 94 ) فكبكبوا فيها هم . . . . . ) فكبكبوا فيها هم والغاوون ( أي الآلهة وعبدتهم والكبكبة تكرير لاكب لتكرير معناه كأن من ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها الشعراء : ( 95 ) وجنود إبليس أجمعون ) وجنود إبليس ( متبعوه من عصاة الثقلين أو شياطينه ) أجمعون ( تأكيد لل ) جنود ( إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير و ) ما ( عطف عليه وكذا الضمير المنفصل وما يعود إليه في قوله ________________________________________ " صفحة رقم 245 " الشعراء : ( 96 - 97 ) قالوا وهم فيها . . . . . ) قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين ( على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله الشعراء : ( 98 ) إذ نسويكم برب . . . . . ) إذ نسويكم برب العالمين ( أي في استحقاق العبادة ويجوز أن تكون الضمائر للعبد كما في ) قالوا ( والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها الشعراء : ( 99 ) وما أضلنا إلا . . . . . ) وما أضلنا إلا المجرمون ) الشعراء : ( 100 ) فما لنا من . . . . . ) فما لنا من شافعين ( كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء الشعراء : ( 101 ) ولا صديق حميم ) ولا صديق حميم ( إذ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين أو فما لنا من شافعين ولا صديق ممن نعدهم شفعاء وأصدقاء أو وقعنا في مهلكة لا يخلصنا منها شافع ولا صديق وجمع الشافع ووحدة ال ) صديق ( لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق أو لأن ال ) صديق ( الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء أو لإطلاق ال ) صديق ( على الجمع كالعدو لأنه في الأصل مصدر كالحنين والصهيل الشعراء : ( 102 ) فلو أن لنا . . . . . ) فلو أن لنا كرة ( تمن للرجعة اقيم فيه ) لو ( مقام ليت لتلاقيهما في معنى التقدير أو شرط حذف جوابه ) فنكون من المؤمنين ( جواب التمني أو عطف على ) كرة ( أي لو أن لنا أن نكر فنكون من المؤمنين الشعراء : ( 103 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك ( أي فيما ذكر من قصة إبراهيم ) لآية ( لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر فإنها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال إشفاقه عليهم وتصور الأمر في نفسه وإطلاق الوعد ________________________________________ " صفحة رقم 246 " والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وإيقاظا لهم ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقول ) وما كان أكثرهم ( أكثر قومه ) مؤمنين ) الشعراء : ( 104 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز ( القادر على تعجيل الانتقام ) الرحيم ( بالإمهال لكي يؤمنوا هم أو أحد من ذريتهم الشعراء : ( 105 ) كذبت قوم نوح . . . . . ) كذبت قوم نوح المرسلين ( ال ) قوم ( مؤنثة ولذلك تصغر على قويمة وقد مر الكلام في تكذيبهم المرسلين الشعراء : ( 106 ) إذ قال لهم . . . . . ) إذ قال لهم أخوهم نوح ( لنه كان منهم ) ألا تتقون ( الله فتتركوا عبادة غيره الشعراء : ( 107 ) إني لكم رسول . . . . . ) إني لكم رسول أمين ( مشهور بالأمانة فيكم الشعراء : ( 108 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ( فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله سبحانه الشعراء : ( 109 ) وما أسألكم عليه . . . . . ) وما أسألكم عليه ( على ما أنا عليه من الدعاء والنصح ) من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) الشعراء : ( 110 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ( كرره للتأكيد والتنبيه على دلالة كل واحد من أمانته وحسم طمعه على وجوب طاعته فيما يدعوهم إليه فكيف إذا اجتمعا وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء في ) أجري ( في الكلمات الخمس الشعراء : ( 111 - 112 ) قالوا أنؤمن لك . . . . . ) قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ( الأقلون جاها ومالا جمع الأرذل على الصحة وقرأ يعقوب / وأتباعك / وهو جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على الحطام الدنيوية حتى جعلوا أتباع المقلين فيها مانعا عن أتباعهم وإيمانهم بم يدعوهم إليه ودليلا على بطلانه وأشاروا بذلك إلى أن أتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك ) قال وما علمي بما كانوا يعملون ( إنهم عملوه إخلاصا أو طمعا في طعمة وما علي إلا اعتبار الظاهر الشعراء : ( 113 ) إن حسابهم إلا . . . . . ) إن حسابهم إلا على ربي ( ما حسابهم على بواطنهم إلا على الله فإنه المطلع عليها ) لو تشعرون ( لعلمتم ذلك ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون الشعراء : ( 113 ) إن حسابهم إلا . . . . . ) وما أنا بطارد المؤمنين ( جواب لما أوهم قولهم من استدعاء طردهم وتوقيف إيمانهم عليه حيث جعلوا أتباعهم المانع عنه الشعراء : ( 115 ) إن أنا إلا . . . . . وقوله ________________________________________ " صفحة رقم 247 " ) إن أنا إلا نذير مبين ( كالعلة له أي ما أنا إلا رجل مبعوث لإنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي سواء كانوا أعزاء أو أذلاء فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء أو ما علي إلا إنذاركم إنذارا بينا بالبرهان الواضح فلا علي أن أطردهم لاسترضائكم الشعراء : ( 116 ) قالوا لئن لم . . . . . ) قالوا لئن لم تنته يا نوح ( عما تقول ) لتكونن من المرجومين ( من المشتومين أو المضروبين بالحجارة الشعراء : ( 117 ) قال رب إن . . . . . ) قال رب إن قومي كذبون ( إظهارا لما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم عليه الشعراء : ( 118 ) فافتح بيني وبينهم . . . . . ) فافتح بيني وبينهم فتحا ( فاحكم بيني وبينهم من الفتاحة ) ونجني ومن معي من المؤمنين ( من قصدهم أو شؤم عملهم الشعراء : ( 119 ) فأنجيناه ومن معه . . . . . ) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ( المملوء الشعراء : ( 120 ) ثم أغرقنا بعد . . . . . ) ثم أغرقنا بعد ( بعد إنجائه ) الباقين ( من قومه الشعراء : ( 121 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لآية ( شاعت وتواترت ) وما كان أكثرهم مؤمنين ) الشعراء : ( 122 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) الشعراء : ( 123 ) كذبت عاد المرسلين ) كذبت عاد المرسلين ( أنثه باعتبار القبيلة وهو في الأصل اسم أبيه الشعراء : ( 124 ) إذ قال لهم . . . . . ) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ) الشعراء : ( 125 ) إني لكم رسول . . . . . ) إني لكم رسول أمين ) الشعراء : ( 126 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء : ( 127 ) وما أسألكم عليه . . . . . ) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ( تصدير القصص بها دلالة على أن البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق فيما يقرب المدعو إلى ثوابه ويبعده عن عقابه وكان الأنبياء متفقين على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع مبرئين عن المطامع الدنيئة والأغراض الدنيوية الشعراء : ( 128 ) أتبنون بكل ريع . . . . . ) أتبنون بكل ريع ( بكل مكان مرتفع ومنه ريع الأرض لارتفاعها ) آية ( علما للمارة ) تعبثون ( ببنائها إذ كانوا يهتدون بالنجوم في اسفارهم فلا يحتاجون إليها أو ________________________________________ " صفحة رقم 248 " بروج الحمام أو بنيانا يجتمعون إليه للعبث بمن يمر عليهم أو قصورا يفتخرون بها الشعراء : ( 129 ) وتتخذون مصانع لعلكم . . . . . ) وتتخذون مصانع ( مآخذ الماء وقيل فصورا مشيدة وحصونا ) لعلكم تخلدون ( فتحكمون بنيانها الشعراء : ( 130 ) وإذا بطشتم بطشتم . . . . . ) وإذا بطشتم ( بسيف أو سوط ) بطشتم جبارين ( متسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ونظر في العاقبة الشعراء : ( 131 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله ( بترك هذه الأشياء ) وأطيعون ( فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم الشعراء : ( 132 ) واتقوا الذي أمدكم . . . . . ) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ( كرره مرتبا على إمداد الله تعالى إياهم بما يعرفونه من أنواع النعم تعليلا وتنبيها على الوعد عليه بدوام الإمداد والوعيد على تركه بالانقطاع الشعراء : ( 133 - 134 ) أمدكم بأنعام وبنين ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها إجمالا بالإنكار في ) ألا تتقون ( مبالغة في الإيقاظ والحث على التقوى فقال ) أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ) الشعراء : ( 135 ) إني أخاف عليكم . . . . . ثم أوعدهم فقال ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( في الدنيا والآخرة فإنه كما قدر على الانتقام الشعراء : ( 136 ) قالوا سواء علينا . . . . . ) قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ( فإنا لا نرعوي عما نحن عليه وتغيير شق النفي عما تقتضيه المقابلة للمبالغة في قلة اعتدادهم بوعظه الشعراء : ( 137 ) إن هذا إلا . . . . . ) إن هذا إلا خلق الأولين ( ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين أو ما خلقنا هذا إلا خلقهم نحيا ونموت مثلهم ولا بعث ولا حساب وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة ) خلق الأولين ( بضمتين أي ما هذا الذي جئت به إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم تزل الناس عليها الشعراء : ( 138 ) وما نحن بمعذبين ) وما نحن بمعذبين ( على نحن عليه الشعراء : ( 139 ) فكذبوه فأهلكناهم إن . . . . . ) فكذبوه فأهلكناهم ( بسبب التكذيب بريح صرصر ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( ________________________________________ " صفحة رقم 249 " الشعراء : ( 140 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) الشعراء : ( 141 ) كذبت ثمود المرسلين ) كذبت ثمود المرسلين ) الشعراء : ( 142 ) إذ قال لهم . . . . . ) إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون ) الشعراء : ( 143 ) إني لكم رسول . . . . . ) إني لكم رسول أمين ) الشعراء : ( 144 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء : ( 145 ) وما أسألكم عليه . . . . . ) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) الشعراء : ( 146 ) أتتركون في ما . . . . . ) أتتركون في ما ها هنا آمنين ( إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم ) آمنين ( إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير للنعمة في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم آمنين الشعراء : ( 147 ) في جنات وعيون ثم فسره بقوله ) في جنات وعيون ) الشعراء : ( 148 ) وزروع ونخل طلعها . . . . . ) وزروع ونخل طلعها هضيم ( لطيف لين للطف الثمر أو لأن النخل أنثى وطلع وأناث النخل ألطف وهو ما يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو أو متدل منكسر من كثرة الحمل وإفراد ال ) نخل ( لفضله على سائر أشجار الجنات أو لأن المراد بها غيرها من الأشجار الشعراء : ( 149 ) وتنحتون من الجبال . . . . . ) وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ( بطريف أو حاذفين من الفراهة وهي النشاط فإن الحاذق يعمل بنشاط وطيب قلب وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو / فرهين / وهو أبلغ من ) فارهين ) الشعراء : ( 150 - 151 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين ( استعير الطاعة التي هي انقياد الأمر لامتثال الأمر أو نسب حكم الآمر إلى أمره مجازا الشعراء : ( 152 ) الذين يفسدون في . . . . . ) الذين يفسدون في الأرض ( وصف موضع لإسرافهم ولذلك عطف ) ولا يصلحون ( على يفسدون دلالة على خلوص فسادهم الشعراء : ( 153 - 154 ) قالوا إنما أنت . . . . . ) قالوا إنما أنت من المسحرين ( الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقلهم أو من ذوي السحر وهي الرئة أي من الأناسي فيكون ) ما أنت إلا بشر مثلنا ( تأكيدا له ) فأت بآية إن كنت من الصادقين ( في دعواك الشعراء : ( 155 ) قال هذه ناقة . . . . . ) قال هذه ناقة ( أي بعدما أخرجها الله من الصخرة بدعائه كما اقترحوها ) لها شرب ( ________________________________________ " صفحة رقم 250 " نصيب من الماء كالسقي وألقيت للحظ من السقي والقوت وقرئ بالضم ) ولكم شرب يوم معلوم ( فاقتصروا على شربكم ولا تزاحموها في شربها الشعراء : ( 156 ) ولا تمسوها بسوء . . . . . ) ولا تمسوها بسوء ( كضرب وعقر ) فيأخذكم عذاب يوم عظيم ( عظم اليوم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من تعظيم العذاب الشعراء : ( 157 ) فعقروها فأصبحوا نادمين ) فعقروها ( أسند العقر إلى كلهم لأن عاقرها إنما عقرها برضاهم ولذلك أخذوا جميعا ) فأصبحوا نادمين ( على عقرها خوفا من حلول العذاب لا توبة أو عند معاينة العذاب ولذلك لا ينفعهم الشعراء : ( 158 ) فأخذهم العذاب إن . . . . . ) فأخذهم العذاب ( أي العذاب الموعود ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( في نفي الإيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم لما أخذوا بالعذاب وإن قريشا إنما عصموا من مثل ببركة من آمن منهم الشعراء : ( 159 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) الشعراء : ( 160 ) كذبت قوم لوط . . . . . ) كذبت قوم لوط المرسلين ) الشعراء : ( 160 ) كذبت قوم لوط . . . . . ) إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون ) الشعراء : ( 162 ) إني لكم رسول . . . . . ) إني لكم رسول أمين ) الشعراء : ( 163 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء : ( 164 ) وما أسألكم عليه . . . . . ) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) الشعراء : ( 165 ) أتأتون الذكران من . . . . . ) أتأتون الذكران من العالمين ( أتأتون من بين عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم أو أتأتون الذكران من أولاد آدم مع كثرتهم وغلبة الإناث فيهم كأنهن قد أعوزنكم فالمراد ب ) العالمين ( على الأول كل من ينكح وعلى الثاني الناس الشعراء : ( 166 ) وتذرون ما خلق . . . . . ) وتذرون ما خلق لكم ( لأجل استمتاعكم ) ربكم من أزواجكم ( للبيان إن أريد به جنس الإناث أو للتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن فيكون تعريضا بأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم أيضا ) بل أنتم قوم عادون ( متجاوزون عن حد الشهوة حيث زادوا على سائر الناس بل الحيوانات أو مفرطون في المعاصي وهذا من جملة ذاك أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان لارتكابكم هذه الجريمة ________________________________________ " صفحة رقم 251 " الشعراء : ( 167 ) قالوا لئن لم . . . . . ) قالوا لئن لم تنته يا لوط ( عما تدعيه أو عن نهينا وتقبيح أمرنا ) لتكونن من المخرجين ( من المنفيين من بين أظهرنا ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على عنف وسوء حال الشعراء : ( 168 ) قال إني لعملكم . . . . . ) قال إني لعملكم من القالين ( من المبغضين غاية البعض لا أقف عن الإنكار عليه بالإيعاد وهو أبلغ من أن يقول ) إني لعملكم ( قال لدلالته على أنه معدود في زمرتهم مشهور بأنه من جملتهم الشعراء : ( 169 ) رب نجني وأهلي . . . . . ) رب نجني وأهلي مما يعملون ( أي من شؤمه وعذابه الشعراء : ( 170 ) فنجيناه وأهله أجمعين ) فنجيناه وأهله ( مما يعلمون أهل بيته والمتبعين له على دينه بإخراجهم من بينهم وقت حلول العذاب بهم الشعراء : ( 171 ) إلا عجوزا في . . . . . ) إلا عجوزا ( هي أمرأة لوط ) في الغابرين ( مقدرة في الباقين في العذاب إذ أصابها حجر في الطريق فأهلكها لأنها كانت مائلة إلى القزم راضية بفعلهم وقيل كائنة فيمن بقي في القرية فإنها لم تخرج مع لوط الشعراء : ( 172 ) ثم دمرنا الآخرين ) ثم دمرنا الآخرين ( أهلكناهم الشعراء : ( 173 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . . ) وأمطرنا عليهم مطرا ( وقيل أمطر الله على شذاذ القوم حجارة فأهلكهم ) فساء مطر المنذرين ( اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم الشعراء : ( 174 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ) الشعراء : ( 175 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) الشعراء : ( 176 - 177 ) كذب أصحاب الأيكة . . . . . ) كذب أصحاب الأيكة المرسلين ( الأيكة غيظة تنبت ناعم الشجر يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة فبعث الله إليهن شعيبا كما بعثه إلى مدين وكان أجنبيا منهم فلذلك قال ) إذ قال لهم شعيب ألا تتقون ( ولم يقل أخوهم شعيب وقيل الأيكة شجرة ملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر / ليكة / بحذف الهمزة وإبقاء حركتها على اللام وقرئت كذلك مفتوحة على أنه ليكة وهي اسم بلدتهم وإنما كتبت ها هنا وفي ص بغير ألف أتباعا للفظ الشعراء : ( 178 ) إني لكم رسول . . . . . ) إني لكم رسول أمين ) الشعراء : ( 179 ) فاتقوا الله وأطيعون ) فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء : ( 180 ) وما أسألكم عليه . . . . . ) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ( ________________________________________ " صفحة رقم 252 " الشعراء : ( 181 ) أوفوا الكيل ولا . . . . . ) وأوفوا الكيل ( أتموه ) ولا تكونوا من المخسرين ( الناقصين حقوق الناس بالتطفيف الشعراء : ( 182 ) وزنوا بالقسطاس المستقيم ) وزنوا بالقسطاس المستقيم ( بالميزان السوي وهو إن كان عربيا فإن كان من القسط ففعلاس بتكرير العين وإلا ففعلال وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف الشعراء : ( 183 ) ولا تبخسوا الناس . . . . . ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( ولا تنقصوا شيئا من حقوقهم ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( بالقتل والغارة وقطع الطريق الشعراء : ( 184 ) واتقوا الذي خلقكم . . . . . ) واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ( وذوي الجبلة الأولين يعني من تقدمهم من الخلائق الشعراء : ( 185 - 186 ) قالوا إنما أنت . . . . . ) قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا ( أتوا بالواو وللدلالة على أنه جامع بي وصفين متنافين للرسالة مبالغة في تكذيبه ) وإن نظنك لمن الكاذبين ( في دعواك الشعراء : ( 187 ) فأسقط علينا كسفا . . . . . ) فأسقط علينا كسفا من السماء ( قطعة منها ولعله جواب لما اشعر به الأمر بالتقوى من التهديد وقرأ حفص بفتح السين ) إن كنت من الصادقين ( فيدعواك الشعراء : ( 188 ) قال ربي أعلم . . . . . ) قال ربي أعلم بما تعملون ( وبعذابه منزل عليكم ما أوجبه لكم عليه في وقته المقدر له لا محالة الشعراء : ( 189 ) فكذبوه فأخذهم عذاب . . . . . ) فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ( على نحو ما اقترحوا بأن سلط الله عليهم البحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم وأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا ) إنه كان عذاب يوم عظيم ) الشعراء : ( 190 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ) الشعراء : ( 191 ) وإن ربك لهو . . . . . ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( هذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الإختصار تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديدا للمكذبين به وإطراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد أنزال الرسل به واقتراحهم له استهزاء وعدم مبالاة به يدفع أن يقال إنه كان بسبب اتصالات فلكية أو كان ابتلاء لهم لا مؤاخذة على تكذيبهم الشعراء : ( 192 ) وإنه لتنزيل رب . . . . . ) وإنه لتنزيل رب العالمين ) الشعراء : ( 193 ) نزل به الروح . . . . . ) نزل به الروح الأمين ) الشعراء : ( 194 ) على قلبك لتكون . . . . . ) على قلبك ( تقرير لحقية تلك القصص وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإن الإخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من اله عز وجل والقلب إن أراد به ________________________________________ " صفحة رقم 253 " الروح فذاك وإن أرادبه العضو فتخصيصه لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولا على الروح ثم تنقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تتصعد منه إلى الدماغ فينتفش بها لوح المتخيلة و ) الروح الأمين ( جبريل عليه الصلاة والسلام فإنه أمين الله على وحيه وقرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد الزاي ونصب ) الروح الأمين ( ) لتكون من المنذرين ( عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك الشعراء : ( 195 ) بلسان عربي مبين ) بلسان عربي مبين ( واضح المعنى لئلا يقولوا ما نصنع بما لا نفهمه فهو متعلق ب ) نزل ( ويجوز أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون ممن أنذروا بلغة العرب وهم هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام الشعراء : ( 196 ) وإنه لفي زبر . . . . . ) وإنه لفي زبر الأولين ( وإن ذكره أو معناه لفي الكتب المتقدمة الشعراء : ( 197 ) أو لم يكن . . . . . ) أو لم يكن لهم آية ( على صحة القرآن أو نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن يعلمه علماء بني إسرائيل ( أن يعرفوه بنعته المذكور فيكتبهم وهو تقرير لكونه دليلا وقرأ ابن عامر تكن بالتاء و ) آية ( بالرفع على أنها الأسم والخبر ) لهم ( و ) أن يعلمه ( بدل أو الفاعل و ) أن يعلمه ( بدل و هم حال أو أن الإسم ضمير القصة و ) آية ( خبر ) أن يعلمه ( والجملة خبرتكن الشعراء : ( 198 ) ولو نزلناه على . . . . . ) ولو نزلناه على بعض الأعجمين ( كما هو زيادة في إعجازه أو بلغة العجم الشعراء : ( 199 ) فقرأه عليهم ما . . . . . ) فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ( لفرط عنادهم واستكبارهم أو لعدم فهمهم واستنكافهم من أتباع العجم و ) الأعجمين ( جمع أعجمي على التخفيف ولذلك جمع جمع السلامة الشعراء : ( 200 ) كذلك سلكناه في . . . . . ) كذلك سلكناه ( أدخلناه ) في قلوب المجرمين ( والضمير للكفر المدلول عليه بقوله ) ما كانوا به مؤمنين ( فتدل الآية على أنه بخلق الله وقيل للقرآن أي أدخلناه فيها فعرفوا معانيه وإعجازه ثم لم يؤمنوا به عنادا الشعراء : ( 201 ) لا يؤمنون به . . . . . ) لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ( الملجىء إلى الإيمان الشعراء : ( 202 ) فيأتيهم بغتة وهم . . . . . ) فيأتيهم بغتة ( في الدنيا والآخرة ) وهم لا يشعرون ( بإتيانه ________________________________________ " صفحة رقم 254 " الشعراء : ( 203 ) فيقولوا هل نحن . . . . . ) فيقولوا هل نحن منظرون ( تحسرا وتأسفا الشعراء : ( 204 ) أفبعذابنا يستعجلون ) أفبعذابنا يستعجلون ( فيقولون أمطر علينا حجارة من السماء ) فأتنا بما تعدنا ( وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة الشعراء : ( 205 ) أفرأيت إن متعناهم . . . . . ) أفرأيت إن متعناهم سنين ) الشعراء : ( 206 ) ثم جاءهم ما . . . . . ) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ) الشعراء : ( 207 ) ما أغنى عنهم . . . . . ) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ( ليغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه الشعراء : ( 208 ) وما أهلكنا من . . . . . ) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ( أنذروا أهلها إلزاما للحجة الشعراء : ( 209 ) ذكرى وما كنا . . . . . ) ذكرى ( تذكرة ومحلها النصب على العلة أو المصدر لأنها في معنى الإنذار أو الرفع على أنها صفة ) منذرون ( بإضمار ذوو أو بجعلهم ذكرى لإمعانهم في التذكرة أو خبر محذوف والجملة اعتراضية ) وما كنا ظالمين ( فنهلك غير الظالمين أو قبل الإنذار الشعراء : ( 210 ) وما تنزلت به . . . . . ) وما تنزلت به الشياطين ( كما زعم المشركون أنه من قبيل ما يلقى الشياطين على الكهنة الشعراء : ( 211 ) وما ينبغي لهم . . . . . ) وما ينبغي لهم ( وما يصح لهم أن يتنزلوا به ) وما يستطيعون ( وما يقدرون الشعراء : ( 212 ) إنهم عن السمع . . . . . ) إنهم عن السمع ( لكلام الملائكة ) لمعزولون ( لأنه مشروط بمشاركة في صفاء الذات وقبول فيضان الحق والإنتقاش بالصور المكلوتية ونفوسهم خبيثة ظلمانية ________________________________________ " صفحة رقم 255 " شريرة بالذات لا تقبل ذلك والقرآن مشتمل على حقائق ومغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة الشعراء : ( 213 ) فلا تدع مع . . . . . ) فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ( تهييج لازياد الإخلاص ولطف لسائر المكلفين الشعراء : ( 214 ) وأنذر عشيرتك الأقربين ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( الأقرب منهم فالأقرب فإن الإهتمام بشأنهم أهم روي أنه لما صعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الصفا وناداهم فخذا فخذا حتى اجتمعوا إليه فقال أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي قالوا نعم قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد الشعراء : ( 215 ) واخفض جناحك لمن . . . . . ) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ( لين جانبك لهم مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط و ) من ( للتبيين لأن من اتبع أعم ممن اتبع لدين أو غيره أو للتبغيض على أن المراد ) من المؤمنين ( المشارفون للإيمان أو المصدقون باللسان الشعراء : ( 216 ) فإن عصوك فقل . . . . . ) فإن عصوك ( ولم يتبعوك ) فقل إني بريء مما تعملون ( بما تعلمونه أو من أعمالكم الشعراء : ( 217 ) وتوكل على العزيز . . . . . ) وتوكل على العزيز الرحيم ( الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم وقرأ نافع وابن عامر ) فتوكل ( على الإبدال من جواب الشرط الشعراء : ( 218 ) الذي يراك حين . . . . . ) الذي يراك حين تقوم ( إلى التهجد الشعراء : ( 219 ) وتقلبك في الساجدين ) وتقلبك في الساجدين ( وترددك في تصفح أحوال المجتهدين كما روي أنه عليه السلام لما نسخ قيام فرض الليل طاف عليه السلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنانير لما سمع بها من دندنتهم بذكر الله وتلاوة القرآن أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أممتهم وإنما وصفه الله تعالى بعلمه بحاله التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بأن من شأنه قهر أعدائه ونصر أوليائه تحقيقا للتوكل وتطمينا لقلبه عليه الشعراء : ( 220 ) إنه هو السميع . . . . . ) إنه هو السميع ( لما تقوله ) العليم ( بما تنويه ________________________________________ " صفحة رقم 256 " الشعراء : ( 221 - 222 ) هل أنبئكم على . . . . . ) هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ( لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لا يصح ان يتنزلوا عليه من وجهين أحدهما أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الإثم فإن اتصال الإنسان بالغائبات لما بنيهما من التناسب والتواد وحال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على خلاف ذلك الشعراء : ( 223 ) يلقون السمع وأكثرهم . . . . . وثانيهما قوله ) يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ( أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم اشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث " الكلمة يخطفها الجني فيقرها فأذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبه " ولا كذلك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه أخبر ع مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها وقد فسر الأكثر بالكل لقوله تعالى ) كل أفاك أثيم ( والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وقيل الضمائر للشياطين أي يلقون السمع إلى الملاء العلى قبل أن يرجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ يشمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم الشعراء : ( 224 ) والشعراء يتبعهم الغاوون ) والشعراء يتبعهم الغاوون ( وأتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ليسو كذلك وهو استئناف أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا وقرره بقوله الشعراء : ( 224 ) والشعراء يتبعهم الغاوون ) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها وأغلب كلماتهم في النسيب بالحرم والغزل والإبتهار وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب والوعد الكاذب والإفتخار الباطل ومدح من لا يستحقه والإطراء فيه وإليه أشار بقوله الشعراء : ( 226 ) وأنهم يقولون ما . . . . . ) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( وكأنه لما كان إعجاز القرآن من جهة اللفظ ________________________________________ " صفحة رقم 257 " والمعنى وقد قدحوا في المعنى بأنه مما تنزلت به الشياطين وفي اللفظ بأنه من جنس كلام الشعراء تكلم في القسمين وبين منافاة القرآن لهما ومضادة حال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لحال أربابهما وقرأ نافع ) يتبعهم ( على التخفيف و قرىء بالتشديد وتسكين العين تشبيها لبعضه بعضا الشعراء : ( 227 ) إلا الذين آمنوا . . . . . ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ( استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ولو قالوا هجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم ومكافحة هجاة المسلمين كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبين و كان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة السلام قال لله " اهجوا فو الذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " ) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( تهديد شديد لما في سيعلم من الوعيد البليغ وفي الذين ظلموا من الإطلاق والتعميم وفي أي منقلب ينقلبون أي بعد الموت من الإيهام والتهويل وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما حين عهد إليه وقرىء / أي منفلت ينفلتون / من الإنفلات وهو النجاة والمعنى أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا عن عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام ________________________________________ " صفحة رقم 258 " سورة النمل مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية بسم الله الرحمن الرحيم النمل : ( 1 ) طس تلك آيات . . . . . ) طس ( ) تلك آيات القرآن وكتاب مبين ( الإشارة إلى آي السورة والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه وتأخيره باعتباره تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الاخرى وتنكيره للتعظيم وقرىء ) وكتاب ( بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه النمل : ( 2 ) هدى وبشرى للمؤمنين ) هدى وبشرى للمؤمنين ( حالان من ال ) آيات ( والعامل فيهما معنى الإشارة أو بدلان منها أو خبران آخران أو خبران لمحذوف النمل : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . . ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( الذين يعملون الصالحات من الصلاة والزكاة ) وهم بالآخرة هم يوقنون ( من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف وتغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم وثباته وأنهم الأوحدون فيه أو جملة اعتراضية كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة وتكرير الضمير للاختصاص النمل : ( 4 ) إن الذين لا . . . . . ) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ( زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها ) فهم يعمهون ( عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع ________________________________________ " صفحة رقم 259 " النمل : ( 5 ) أولئك الذين لهم . . . . . ) أولئك الذين لهم سوء العذاب ( كالقتل والأسر يوم بدر ) وهم في الآخرة هم الأخسرون ( أشد الناس خسرانا لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة النمل : ( 6 ) وإنك لتلقى القرآن . . . . . ) وإنك لتلقى القرآن ( لتؤتاه ) من لدن حكيم عليم ( أي حكيم وأي عليم والجمع بينهما مع أن العلم داخل في الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على اتقان الفعل والإشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمه كالعقائد والشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات النمل : ( 7 ) إذ قال موسى . . . . . ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله ) إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ( أي اذكر قصته ) إذ قال ( ويجوز أن يتعلق ب ) عليم ( ) سآتيكم منها بخبر ( أي عن حال الطريق لأنه قد ضله وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإتيان وإن أبطأ ) أو آتيكم بشهاب قبس ( شعلة نار مقبوسة نار وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبسا وغير قبس ونونه الكوفيون ويعقوب على أن ال ) قبس ( بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس و العدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في ) طه ( والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعبادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده ) لعلكم تصطلون ( رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة النمل : ( 8 ) فلما جاءها نودي . . . . . ) فلما جاءها نودي أن بورك ( أي ) بورك ( فإن النداء فيه معنى القول أو ب ) أن بورك ( على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة ) من في النار ومن حولها ( ) من ( في مكان ) النار ( وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى ) نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة ( ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتا وخصوصا تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى وقيل المراد موسى ________________________________________ " صفحة رقم 260 " والملائكة الحاضرون وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم ) وسبحان الله رب العالمين ( من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيها وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته النمل : ( 9 ) يا موسى إنه . . . . . ) يا موسى إنه أنا الله ( الهاء للشأن و ) أنا الله ( جملة مفسرة له أو للمتكلم و ) إنا ( خبره و ) الله ( بيان له ) العزيز الحكيم ( صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير النمل : ( 10 ) وألق عصاك فلما . . . . . ) وألق عصاك ( عطف على ) بورك ( أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ويدل عليه قوله ) وأن ألق عصاك ( بعد قوله ) أن يا موسى إني أنا الله ( بتكرير أن ) فلما رآها تهتز ( تتحرك باضطراب ) كأنها جان ( حية خفيفة سريعة وقرىء ) جان ( على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين ) ولى مدبرا ولم يعقب ( ولم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله ) يا موسى لا تخف ( أي من غيري ثقة بي أو مطلقا لقوله ) إني لا يخاف لدي المرسلون ( أي حين يوحى إليهم من فرط الإستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه النمل : ( 11 ) إلا من ظلم . . . . . ) إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ( استثناء منقطع استدرك به ما يختلج في الصدر من نفي الخوف عن كلهم وفيهم من فرطت منه صغيرة فإنهم وإن فعلوها أتبعوا فعلها ما يبطلها ويستحقون به من الله مغفرة ورحمة فإنه لا يخاف أيضا وقصد تعريض موسى بوكزه القبطي وقيل متصل وثم بدل مستأنف معطوف على محذوف أي عن ظلم ثم بدل ذنبه بالتوبة النمل : ( 12 ) وأدخل يدك في . . . . . ) وأدخل يدك في جيبك ( لأنه كان بمدرعة صوف لا كم لها وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أي يقطع ) تخرج بيضاء من غير سوء ( آفة كبرص ) في تسع آيات ( في جملتها أو معها على أن التسع هي الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون أو إذهب في تسع ________________________________________ " صفحة رقم 261 " آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به ) إلى فرعون وقومه ( وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثا أو مرسلا ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( تعليل للإرسال النمل : ( 13 ) فلما جاءتهم آياتنا . . . . . ) فلما جاءتهم آياتنا ( بأن جاءهم موسى بها ) مبصرة ( بينة اسم فاعل أطلق للمفعول وإشعارا بأنها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر أو ذات تبصر من حيث إنها تهدي والعمي لا تهتدي فضلا عن أن تهدي أو مبصرة كل من نظر إليها وتأمل فيها وقرىء ) مبصرة ( اي مكانا يكثركم فيه التبصر ) قالوا هذا سحر مبين ( واضح سحريته النمل : ( 14 ) وجحدوا بها واستيقنتها . . . . . ) وجحدوا بها ( وكذبوا بها ) واستيقنتها أنفسهم ( وقد استيقنتها لأن الواو للحال ) ظلما ( لأنفسهم ) وعلوا ( ترفعا عن الإيمان وانتصابهما على العلة من ) جحدوا ( ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة النمل : ( 15 ) ولقد آتينا داود . . . . . ) ولقد آتينا داود وسليمان علما ( طائفة من العلم وهو علم الحكم والشرائع أو علما أي علم ) وقالا الحمد لله ( عطفه بالواو إشعارا بأن ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النعمة كأنه قال ففعلا شكرا له ما فعلا ) وقالا الحمد لله ( ) الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ( يعني من لم يؤت علما أو مثل علمهما وفيه دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الذي لم يؤت غيرهما وتحريض للعالم على أن يحمد الله تعالى على ما أتاه من فضله وأن يتواضع ويعتقد أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير النمل : ( 16 ) وورث سليمان داود . . . . . ) وورث سليمان داود ( النبوة أو العلم أو الملك بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر ) وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ( تشهيرا لنعمة الله وتنويها بها ودعاء الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير وغير ذلك من عظائم ما أوتيه والنطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم نطقت الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه ولعل سليمان عليه الصلاة والسلام مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل الذي صوته والغرض الذي توخاه به ومن ذلك ما حكي أنه مر ببلبل ________________________________________ " صفحة رقم 262 " يصوت ويترقص فقال يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا فلعله كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلب والضمير في ) علمنا ( ) وأوتينا ( له ولأبيه عليهما الصلاة والسلام اوله وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة والمراد ) من كل شيء ( كثرة ما أوتي كقولك فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء ) إن هذا لهو الفضل المبين ( الذي لا يخفى على أحد النمل : ( 17 ) وحشر لسليمان جنوده . . . . . ) وحشر ( وجمع ) لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ( يحبسون بحبس اولهم على آخرهم ليتلاحقوا النمل : ( 18 ) حتى إذا أتوا . . . . . ) حتى إذا أتوا على وادي النمل ( واد بالشام كثير النمل وتعدية الفعل إليه ب ) على ( إما لأن اتيانهم كان من عال أو لأن المراد قطعة من قولهم أتى على الشيء إذا انفده وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا اخريات الوادي ) قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ( كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيرها فصاحت صيحة نبهت بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك اجروا مجراهم مع انه لا يمتنع أن خلق الله سبحانه وتعالى فيها العقل والنطق ) لا يحطمنكم سليمان وجنوده ( نهي لهم عن الحطم والمراد نهيها عن التوقف بحيث يحطمونها كقولهم لا أرينك ها هنا فهو استئناف أو بدل من الأمر لا جواب له فإن النون لا تدخله في السعة ) وهم لا يشعرون ( بأنهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والايذاء وقيل استئناف أي فهم سليمان والقوم لا يشعرون النمل : ( 19 ) فتبسم ضاحكا من . . . . . ) فتبسم ضاحكا من قولها ( تعجبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها وسرورا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم غرضها ولذلك سأل توفيق شكره ) وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك ( أي اجعلني ازع شكر نعمتك عندي أي اكفه وارتبطه لا ينفلت عني بحيث لا انفك عنه وقرأ البزي وورش بفتح ياء ) أوزعني ( ) التي أنعمت علي وعلى والدي ( ________________________________________ " صفحة رقم 263 " ادرج فيه ذكر والديه تكثيرا للنعمة أو تعميما لها فإن النعمة عليهما نعمة عليه والنعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدينية ) وأن أعمل صالحا ترضاه ( إتماما للشكر واستدامة للنعمة ) وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ( في عدادهم الجنة النمل : ( 20 ) وتفقد الطير فقال . . . . . ) وتفقد الطير ( وتعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد ) فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ( أم منقطعة كأنه لما لم يره ظن انه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره فقال ما لي لا أراه ثم احتاط فلاح له انه غائب فأضرب عن ذلك واخذ يقول اهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لا له النمل : ( 21 ) لأعذبنه عذابا شديدا . . . . . ) لأعذبنه عذابا شديدا ( كنتف ريشه والقائه في الشمس أو حيث النمل يأكله أو جعله مع ضده في قفص ) أو لأذبحنه ( ليعتبر به أبناء جنسه ) أو ليأتيني بسلطان مبين ( بحجة تبين عذره والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما وقرأ ابن كثير أو / ليأتينني / بنونين الأولى مفتوحة مشددة النمل : ( 22 ) فمكث غير بعيد . . . . . ) فمكث غير بعيد ( زمانا غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفا منه وقرأ عاصم بفتح الكاف ) فقال أحطت بما لم تحط به ( يعني حال سبأ وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر لديه علمه وقرئ بإدغام الطاء في التاء بإطباق وبغير اطباق ) وجئتك من سبإ ( وقرأ ابن كثير برواية البزي وأبو عمرو غير مصروف على تأويل القبيلة والبلدة والقواس بهمزة ساكنة ) بنبإ يقين ( بخبر متحقق روي انه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام بها ما شاء ثم توجه إلى اليمن فخرج من مكة صباحا فوافى صنعاء ظهيرة فأعجبته نزاهة أرضها فنزل بها ثم لم يجد الماء وكان الهدهد رائده لأنه يحسن طلب الماء فتفقده لذلك فلم يجده إذ حلق حين نزل سليمان فرأى هدهدا واقعا فانحط الهي فتواصفا وطار معه لينظر ما وصف له ثم رجع بعد العصر ________________________________________ " صفحة رقم 264 " وحكى ما حكى ولعل في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء اعظم من ذلك يستكبرها من يعرفها ويستنكرها من ينكرها النمل : ( 23 ) إني وجدت امرأة . . . . . ) إني وجدت امرأة تملكهم ( يعني بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان والضمير لسبأ أو لأهلها ) وأوتيت من كل شيء ( يحتاج إليه الملوك ) ولها عرش عظيم ( عظمه بالنسبة إليها أو إلى عروش امثالها وقيل كان ثلاثين ذراعا في ثلاثين عرضا وسمكا أو ثمانين من ذهب وفضة مكللا بالجواهر النمل : ( 24 ) وجدتها وقومها يسجدون . . . . . ) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ( كأنهم كانا يعبدونها ) وزين لهم الشيطان أعمالهم ( عبادة الشمس وغيرها من مقابح أعمالهم ) فصدهم عن السبيل ( عن سبيل الحق والصواب ) فهم لا يهتدون ( إليه النمل : ( 25 ) ألا يسجدوا لله . . . . . ) ألا يسجدوا لله ( فصدهم لئلا يسجدوا أو زين لهم أن لا يسجدوا على انه بدل من ) أعمالهم ( أو ) لا يهتدون ( إلى أن يسجدوا بزيادة ) لا ( وقرأ الكسائي ويعقوب ) إلا ( بالتخفيف على إنها للتنبيه ويا للنداء مناداه محذوف أي ألا يا قوم اسجدوا كقوله " وقالت إلا يا اسمع اعظك بخطة فقلت سميعا فانطقي واوصيبي " وعلى هذا صح أن يكون استئنافا من الله أو من سليمان والوقف على ) لا يهتدون ( فيكون امرا بالسجود وعلى الأول ذما على تركه وعلى الوجهين يقتضي وجوب السجود في ________________________________________ " صفحة رقم 265 " الجملة لا عند قراءتها وقرئ / هلا / و / هلا / بقلب الهمزة هاء و / ألا تسجدون / و / هلا تسجدون / على الخطاب ) الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ( وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود من التفرد بكمال القدرة والعلم حثا على سجوده وردا على من يسجد لغيره و ) الخبء ( ما خفي في غيره واخراجه اظهاره وهو يعم اشراق الكواكب وانزال الامطار وانبات النبات بل الانشاء فإنه إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والابداع فإنه إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود ومعلوم انه يختص بالواجب لذاته وقرأ حفص والكسائي ) ما تخفون وما تعلنون ( بالتاء النمل : ( 26 ) الله لا إله . . . . . ) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ( الذي هو أول الاجرام وأعظمها والمحيط بجملتها فبين العظيمين بون النمل : ( 27 ) قال سننظر أصدقت . . . . . ) قال سننظر ( سنعرف من النظر بمعنى التأمل ) أصدقت أم كنت من الكاذبين ( أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل النمل : ( 28 ) اذهب بكتابي هذا . . . . . ) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم ( ثم تنح عنهم إلى مكان قريب تتوى ر فيه ) فانظر ماذا يرجعون ( ما يرجع بعضهم إلى بعض من القول النمل : ( 29 ) قالت يا أيها . . . . . ) قالت ( أي بعد ما ألقى إليها ) يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ( لكرم مضمونه أو مرسله أو لأنه كان مختوما أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقه الابواب فدخل الهدهد من كوة والقاه على نحرها بحيث لم تشعر به ________________________________________ " صفحة رقم 266 " النمل : ( 30 ) إنه من سليمان . . . . . ) إنه من سليمان ( استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان ) وإنه ( أي وإن المكتوب أو المضمون وقرئ بالفتح على الابدال من ) كتاب ( أو التعليل لكرمه ) بسم الله الرحمن الرحيم ) النمل : ( 31 ) ألا تعلوا علي . . . . . ) ألا تعلوا علي ( أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلتها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلو أو بدل من ) كتاب ( ) وأتوني مسلمين ( مؤمنين أو منقادين وهذا كلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحا أو التزاما والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لامهات الفضائل وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من اعظم الدلالة النمل : ( 32 ) قالت يا أيها . . . . . ) قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ( اجيبوني في أمري الفتى واذكروا ما تستصوبون فيه ) ما كنت قاطعة أمرا ( ما أبت أمرا ) حتى تشهدون ( إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإجابة النمل : ( 33 ) قالوا نحن أولوا . . . . . ) قالوا نحن أولوا قوة ( بالاجساد والعدد ) وأولو بأس شديد ( نجدة وشجاعة ) والأمر إليك ( موكول ) فانظري ماذا تأمرين ( من المقاتلة أو الصلح نطعك ونتبع رأيك النمل : ( 34 ) قالت إن الملوك . . . . . ) قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية ( عنوة وغلبة ) أفسدوها ( تزييف لما احست منهم من الميل إلى المقاتلة بإدعائهم القوى الذاتية والعرضية واشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فسرع إلى افساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها ) وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ________________________________________ " صفحة رقم 267 " ذلك من الاهانة والاسر ) وكذلك يفعلون ( تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة أو تصديق لها من الله عز وجل النمل : ( 35 ) وإني مرسلة إليهم . . . . . ) وإني مرسلة إليهم بهدية ( بيان لما ترى تقديمه في المصالحة والمعنى إني مرسلة رسلا بهدية ادفعه بها عن ملكي ) فناظرة بم يرجع المرسلون ( من حاله حتى اعمل بحسب ذلك روي إنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وارسلت معهم غلمانا على زي الجواري وجواري على زي الغلمان وحقا في درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقبا مستويا وسلك في الخرزة خيطا فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه فأمر الارضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية النمل : ( 36 ) فلما جاء سليمان . . . . . ) فلما جاء سليمان ( أي الرسول أو ما أهدت إليه وقرئ / فلما جاؤوا / ) قال أتمدونن بمال ( خطاب للرسول ومن معه أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب وقرأ حمزة ويعقوب بالادغام وقرئ بنون واحدة وبنونين وحذف الياء / فلما آتاني الله / من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها بإمالتها الكسائي وحده ) خير مما آتاكم ( فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي ) بل أنتم بهديتكم تفرحون ( لانكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فتفرحون بما يهدى اليكم حبا لزيادة أموالكم أو بما تهدونه افتخارا على امثالكم والاضراب عن انكار الامداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها النمل : ( 37 ) ارجع إليهم فلنأتينهم . . . . . ) أرجع ( أيها الرسول ) إليهم ( إلى بلقيس وقومها ) فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ( ________________________________________ " صفحة رقم 268 " لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرئ ) بهم ( ) ولنخرجنهم منها ( من سبأ ) أذلة ( بذهاب ما كانوا فيه من العز ) وهم صاغرون ( أسراء مهانون النمل : ( 38 ) قال يا أيها . . . . . ) قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها ( أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النبوة ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر اتعرفه أم تنكره ) قبل أن يأتوني مسلمين ( فإنها إذا أتت مسلمة لم يحل اخذه إلا برضاها النمل : ( 39 ) قال عفريت من . . . . . ) قال عفريت ( خبيث مارد ) من الجن ( بيان له لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه وكان اسمه ذكوان أو صخرا ) أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ( من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار ) وإني عليه ( على حمله ) لقوي أمين ( لا أختزل منه شيئا ولا أبدله النمل : ( 40 ) قال الذي عنده . . . . . ) قال الذي عنده علم من الكتاب ( آصف بن برخيا وزيره أو الخضر أو جبريل عليهما السلام أو ملك ايده الله به أو سليمان عليه السلام نفسه فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب في ) أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( للعفريت كأنه استبطأه فقال له ذلك أو أراد اظهار معجزة في نقله فتحداهم اولا ثم اراهم انه يتأتى له ما لا يتأتى لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم والمراد ب ) الكتاب ( جنس الكتب المنزلة أو اللوح و ) آتيك ( في الموضعين صالح للفعلية والاسمية والطرف تحريك الاجفان للنظر فوضع موضعه ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف كما في قوله " وكنت إذا ارسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر " ________________________________________ " صفحة رقم 269 " وصف برد الطرف والطرف بالارتداد والمعنى انك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده احضر عرشها بين يديك وهذا غاية في الاسراع ومثل فيه ) فلما رآه ( أي العرش ) مستقرا عنده ( حاصلا بين يديه قال تلقيا للنعمة بالشكر يعلى شاكلة المخلصين من عباد الله تعالى ) هذا من فضل ربي ( تفضل به علي من غير استحقاق والاشارة إلى التمكن من احضار العرش في مدة ارتداد الطرف من سيرة شهرين بنفسه أو غيره والكلام في إمكان مثله قد مر في آية الاسراء ) ليبلوني أأشكر ( بأن أراه فضلا من الله تعالى بلا حول مني ولا قوة واقوم بحقه ) أم أكفر ( بأن أجد نفسي في البين أو اقصر في أداء مواجبه ومحلها النصب على البدل من الياء ) ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ( لأنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ويحط عنها عبء الواجب ويحفظها عن وصمة الكفران ) ومن كفر فإن ربي غني ( عن شركه ) كريم ( بالانعام عليه ثانيا النمل : ( 41 ) قال نكروا لها . . . . . ) قال نكروا لها عرشها ( بتغيير هيئته وشكله ) ننظر ( جواب الأمر وقرئ بالرفع على الاستئناف ) أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ( إلى معرفته أو الجواب الصواب وقيل إلى الإيمان بالله ورسوله إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الابواب موكلة عليها الحراس النمل : ( 42 ) فلما جاءت قيل . . . . . ) فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ( تشبيها عليها زيادة في امتحان عقلها إذ ذكرت عنده بسخافة العقل ) قالت كأنه هو ( ولم تقل هو هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها ) وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ( من تتمة كلامها كأنها ظنت انه أراد بذلك اختبار عقلها واظهار معجزة لها فقالت وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه الحالة أو المعجزة مما تقدم من الآيات وقيل انه من كلام سليمان عليه السلام وقومه وعطوفه على جوابها لما فيه من الدلالة على ايمانها بالله ورسوله حيث جوزت أن يكون ذلك عرشها تجويزا غالبا وإحذار ثمة من المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله تعالى ولا تظهر إلا على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي واوتينا العلم بالله وقدرته صحة ما جاء به عنده قبلها وكنا منقادين لحكمه ولم نزل على دينه ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم في ذلك شكر الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 270 " النمل : ( 43 ) وصدها ما كانت . . . . . ) وصدها ما كانت تعبد من دون الله ( أي وصدها عبادتها الشمس عن التقدم إلى الإسلام أو وصدها الله عن عبادتها بالتوفيق للايمان ) إنها كانت من قوم كافرين ( وقرئ بالفتح على الابدال من فاعل صدها على الأول أي صدها نشؤها بين اظهر الكفار أو التعليل له النمل : ( 44 ) قيل لها ادخلي . . . . . ) قيل لها ادخلي الصرح ( القصر وقيل عرضة الدار ) فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ( روي انه أمر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من زجاج ابيض واجرى من تحته الماء والقى فيه حيوانات البحر ووضع سريره في صدره فجلس عليه فلما أبصرته ظننته ماء راكدا فكشفت عن ساقيها وقرأ ابن كثير برواية قنبل ) ساقيها ( بالهمز حملا على جمعه سؤوق وأسؤق ) قال إنه ( إن ما تظنينه ماء ) صرح ممرد ( مملس ) من قوارير ( من الزجاج ) قالت رب إني ظلمت نفسي ( بعبادتي الشمس وقيل بظني بسليمان فإنها حسبت انه يغرقها في اللجة ) وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ( فيما أمر به عباده وقد اختلف في أنه تزوجها أو زوجها من ذي تبع ملك همدان النمل : ( 45 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . . ) ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ( بأن اعبدوا الله وقرئ بضم النون على اتباعها الباء ) فإذا هم فريقان يختصمون ( ففاجئوا التفرق والاختصام فآمن فريق وكفر فريق والواو لمجموع الفريقين النمل : ( 46 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة ( بالعقوبة فتقولون ائتنا بما تعدنا ) قبل الحسنة ( قبل التوبة فتؤخرونها إلى نزول العقاب فإنهم كانوا يقولون إن صدق ايعاده تبنا حينئذ ) لولا تستغفرون الله ( قبل نزوله ) لعلكم ترحمون ( بقبولها فإنها لا تقبل حينئذ النمل : ( 47 ) قالوا اطيرنا بك . . . . . ) قالوا اطيرنا ( تشاءمنا ) بك وبمن معك ( إذ تتابعت علينا الشدائد أو وقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم ) قال طائركم ( سببكم الذي جاء منه شركم ) عند الله ( وهو قدره أو عملكم المكتوب عنده ) بل أنتم قوم تفتنون ( تختبرون بتعاقب السراء والضراء والاضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه النمل : ( 48 ) وكان في المدينة . . . . . ) وكان في المدينة تسعة رهط ( نسعة انفس وانما وقع تمييزا للتسعة باعتبار المعنى والفرق بينه وبين النفر أنه من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة النفر من الثلاثة إلى ________________________________________ " صفحة رقم 271 " التسعة ) يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( أي شأنهم الافساد الخالص عن شوب الصلاح النمل : ( 49 ) قالوا تقاسموا بالله . . . . . ) قالوا ( أي قال بعضهم لبعض ) تقاسموا بالله ( أمر مقول أو خبر وقع بدلا أو حالا بإضمار قد ) لنبيتنه وأهله ( لنباغتن صالحا وأهله ليلا وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض وقرئ بالياء على أن تقاسموا خبر ) ثم لنقولن ( فيه القراءات الثلاث ) لوليه ( لولي دمه ) ما شهدنا مهلك أهله ( فضلا أن تولينا اهلاكهم وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا ) مهلك ( في قراءة حفص فإن مفعلا قد جاء مصدرا كمرجع وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدرا ) وإنا لصادقون ( ونحلف إنا لصادقون أو والحال ) وإنا لصادقون ( فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفا أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلا بل رجلين النمل : ( 50 ) ومكروا مكرا ومكرنا . . . . . ) ومكروا مكرا ( بهذه المواضعة ) ومكرنا مكرا ( بأن جعلناها سببا لأهلاكهم ) وهم لا يشعرون ( بذلك روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا زعم انه يغفر منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في اماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله النمل : ( 51 ) فانظر كيف كان . . . . . ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( و ) كان ( إن جعلت ناقصة فخبرها ) كيف ( و ) أنا دمرناهم ( استئناف أو خبر محذوف لا خبر ) كان ( لعدم العائد وان جعلتها تامة ف ) كيف ( حال وقرأ الكوفيون ويعقوب ) أنا دمرناهم ( بالفتح على انه خبر محذوف أو بدل من اسم ) كان ( أو خبر له و ) كيف ( حال النمل : ( 52 ) فتلك بيوتهم خاوية . . . . . ) فتلك بيوتهم خاوية ( خالية من خوى البطن إذا خلا أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط وهي حال عمل فيها معنى الاشارة وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ ________________________________________ " صفحة رقم 272 " محذوف ) بما ظلموا ( بسبب ظلمهم ) إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ( يتعظون النمل : ( 53 ) وأنجينا الذين آمنوا . . . . . ) وأنجينا الذين آمنوا ( صالحا ومن معه ) وكانوا يتقون ( الكفر والمعاصي فلذلك خصوا بالنجاة النمل : ( 54 ) ولوطا إذ قال . . . . . ) ولوطا ( واذكر لوطا أو وأرسلنا لوطا لدلالة ولقد ارسلنا عليه ) إذ قال لقومه ( بدل على الأول وظرف على الثاني ) أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ( تعلمون فحشها من بصر القلب واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون افحش النمل : ( 55 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . . ) أئنكم لتأتون الرجال شهوة ( بيان لإتيانهم الفاحشة وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لا قضاء الوطر ) من دون النساء ( اللاتي خلقن لذلك ) بل أنتم قوم تجهلون ( تفعلون فعل من يجهل قبحها أو يكون سفيها لا يميز بين الحسن والقبيح أو تجهلون العاقبة والتاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب النمل : ( 56 ) فما كان جواب . . . . . ) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( أي يتنزهن عن افعالنا أو عن الاقذار ويعدون فعلنا قذرا النمل : ( 57 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . . ) فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ( قدرنا كونها من الباقين في العذاب النمل : ( 58 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . . ) وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ( مر مثله النمل : ( 59 ) قل الحمد لله . . . . . ) قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ( أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بعدما قص عليه القصص الدالة على كمال قدرته وعظم شأنه وما خص به رسله من الآيات الكبرى والانتصار من العدا بتحميده والسلام على المصطفين من عبادة شكرا على ما أنعم عليهم أو علمه ما جهل من أحوالهم وعرفانا لفضلهم وحق تقدمهم واجتهادهم في الدين أو لوطا بأن يحمده على هلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك ________________________________________ " صفحة رقم 273 " ) آلله خير أما يشركون ( إلزام لهم وتهكم بهم وتسفيه لرأيهم إذ من المعلوم أن لا خير فيما اشركوه رأسا حتى يوازن بينه وبين من هو مبدأ كل خير وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء النمل : ( 60 ) أم من خلق . . . . . ) أمن ( بل أمن ) خلق السماوات والأرض ( التي هي اصول الكائنات ومبادئ المنافع وقرأ أمن بالتخفيف على انه بدل من الله ) وأنزل لكم ( لأجلكم ) من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ( عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته والتنبيه على أن انبات الحدائق البهية المختلفة الانواع المباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما شاار الهي بوقله ) ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ( شجر الحدائق وهي البساتين من الاحداق وهو الاحاطة ) أإله مع الله ( أغيره يقرن به ويجعل له شريكا وهو المنفرد بالخلق والتكوين وقرئ / أإلها / بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة الهمزتين واخراج الثانية بين بين ) بل هم قوم يعدلون ( عن الحق الذي هو التوحيد النمل : ( 61 ) أم من جعل . . . . . ) أم من جعل الأرض قرارا ( بدل من ) أم من خلق السماوات ( وجعلها قرارا بإبداء بعضها من الماء وتسويتها بحيث يتأتى استقرار الإنسان والدواب عليها ) وجعل خلالها ( وسطها ) أنهارا ( جارية ) وجعل لها رواسي ( جبالا تتكون فيها المعادن وتنبع من حضيضها المنابع ) وجعل بين البحرين ( العذب والمالح أو خليجي فارس والروم ) حاجزا ( برزخا وقد مر بيانه في سورة الفرقان ) أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ( الحق فيشركون به النمل : ( 62 ) أم من يجيب . . . . . ) أم من يجيب المضطر إذا دعاه ( المضطر الذي أحوجه شدة ما به إلى اللجوء إلى الله ________________________________________ " صفحة رقم 274 " تعالى من الاضطرار وهو افتعال من الضرورة واللام فيه للجنس لا للاستغراق فلا يلزم منه اجابة كل مضطر ) ويكشف السوء ( ويدفع عن الإنسان ما يسوءه ) ويجعلكم خلفاء الأرض ( خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم ) أإله مع الله ( الذي خصكم بهذه النعم العامة والخاصة ) قليلا ما تذكرون ( أي تذكرون آلاءه تذكرا قليلا وما مزيدة والمراد بالقلة العدم أو الحقارة المزيحة للفائدة وقرأ أبو عمرو وهشام وروح بالياء وحمزة والكسائي وحفص بالتاء وتخفيف الذال النمل : ( 63 ) أم من يهديكم . . . . . ) أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ( بالنجوم وعلامات الأرض وال ) ظلمات ( ظلمات الليالي واضافتها إلى ) البر والبحر ( للملابسة أو مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء وعمياء للتي لا منار بها ) ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( يعني المطر ولو صح أن السبب الأكثر في تكون الرياح معاودة الادخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها وتمويجها الهواء فلا شك أن الاسباب الفاعلية والقابلية لذلك من خلق الله تعالى والفاعل للسبب فعل للمسبب ) أإله مع الله ( يقدر على مثل ذلك ) تعالى الله عما يشركون ( تعالى الله القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق النمل : ( 64 ) أم من يبدأ . . . . . ) أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ( والكفرة وإن أنكروا الاعادة فهم محجوجون بالحجج الدالة عليها ) ومن يرزقكم من السماء والأرض ( أي بأسباب سماوية وأرضية ) أإله مع الله ( يفعل ذلك ) قل هاتوا برهانكم ( على أن غيره يقدر على شيء من ذلك ) إن كنتم صادقين ( في إشراككم فإن كمال القدرة من لوازم الألوهية النمل : ( 65 ) قل لا يعلم . . . . . ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ( لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة اتبعه ما هو كاللازم له وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على انه تعالى إن كان ممن في السماوات ________________________________________ " صفحة رقم 275 " والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم أو متصل على أن المراد ممن في السماوات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف ) وما يشعرون أيان يبعثون ( متى ينشرون مركبة من أي وآن وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة النمل : ( 66 ) بل ادارك علمهم . . . . . ) بل ادارك علمهم في الآخرة ( لما نفى عنهم علم الغيب واكد ذلك بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محالة بالغة فيه بأن أضرب عنه وبين أن ما انتهى وتكامل فيه اسباب علمهم من الحجج والايات هو أن القيامة كائنة لا محالة لا يعلمونه كما ينبغي ) بل هم في شك منها ( كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلا ) بل هم منها عمون ( لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم وهذا وإن اختص بالمشركين ممن في السماوات والأرض نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل والاضرابات الثلاث تنزيل لاحوالهم وقل الأول اضراب عن نفي الشعور بوقت القيامة عنهم إلى وصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكما بهم وقيل أدرك بمعنى انتهى واضمحل من قولهم ادركت الثمرة لأن تلك غايتها التي عندها تعدم وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص / بل ادراك / بمعنى تتابع حتى استحكم أو تتابع حى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك وأبو بكر أدرك واصلهما تفاعل وافتعل وقرئ / أأدرك / بهمزتين و / آأدرك / بألف بينهما و / بل أدرك / و / بل تدارك / و / بلى أأدرك / و / أم إدراك / أو / تدارك / وما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فإنكار وما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له بالادراك على التهكم وما بعده اضراب عن التفسير مبالغة في نفيه ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها ) بل ( إنهم ) منها عمون ( أو رد وانكار لشعورهم ________________________________________ " صفحة رقم 276 " النمل : ( 67 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون ( كالبيان لعمههم والعامل في إذا ما دل عليه ) أئنا لمخرجون ( وهو نخرج لا مخرجون لأن كلا من الهمزة وإن واللم مانعة من عمله فيما قبلها وتكرير الهمزة للمبالغة في الإنكار والمراد بالاخراج الاخراج من الاجداث أو من حال الفناء إلى الحياة وقرأ نافع إذا كنا بهمزة واحدة مكسورة وقرأ ابن عامر والكسائي / إننا لمخرجون / بنونين على الخبر النمل : ( 68 ) لقد وعدنا هذا . . . . . ) لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ( من قبل وعد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتقديم هذا على نحن لأن المقصود بالذكر هو البعث وحيث أخر فالمقصود به المبعوث ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( التي هي كالاسمار النمل : ( 69 ) قل سيروا في . . . . . ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ( تهديد لهم على التكذيب وتخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم والتعبير عنهم ب ) المجرمين ( ليكون لطفا بالمؤمنين في ترك الجرائم النمل : ( 70 ) ولا تحزن عليهم . . . . . ) ولا تحزن عليهم ( على تكذيبهم واعراضهم ) ولا تكن في ضيق ( في حرج صدر وقرأ ابن كثير بكسر الضاد وهما لغتان وقرئ ضيق أي أمر ضيق ) مما يمكرون ( من مكرهم فإن الله يعصمك من الناس النمل : ( 71 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون متى هذا الوعد ( العذاب الموعود ) إن كنتم صادقين ) النمل : ( 72 ) قل عسى أن . . . . . ) قل عسى أن يكون ردف لكم ( تبعكم ولحقكم واللام مزيدة للتأكيد أو الفعل مضمن معنى فعل يتعدى باللام مثل دنا وقرئ بالفتح وهو لغة فيه ) بعض الذي تستعجلون ( حلوله وهو عذاب يوم بدر وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها وإنما يطلقونها اظهارا لوقارهم واشعارا بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله تعالى ووعيده ________________________________________ " صفحة رقم 277 " النمل : ( 73 ) وإن ربك لذو . . . . . ) وإن ربك لذو فضل على الناس ( لتأخير عقوبتهم على المعاصي والفضل والفاضلة الافضال وجميعها فضول وفواضل ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( لا يعرفون حق النعمة فيه فلا يشكرونه بل يستعجلون بجهلهم وقوعه النمل : ( 74 ) وإن ربك ليعلم . . . . . ) وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم ( ما تخفيه وقرئ بفتح التاء من كنت أي سترت ) وما يعلنون ( من عداوتك فيجازيهم عليه النمل : ( 75 ) وما من غائبة . . . . . ) وما من غائبة في السماء والأرض ( خافية فيهما وهما من الصفات الغالبة والتاء فيهما للمبالغة كما في الرواية أو اسمان لما يغيب ويخفى كالتاء في عافية وعاقبة ) إلا في كتاب مبين ( بين أو ) مبين ( ما فيه لما يطالعه والمراد اللوح أو القضاء على الاستعارة النمل : ( 76 ) إن هذا القرآن . . . . . ) إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ( كالتشبيه والتنزيه وأحوال الجنة والنار وعزيز والمسيح النمل : ( 77 ) وإنه لهدى ورحمة . . . . . ) وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ( فإنهم المنتفعون به النمل : ( 78 ) إن ربك يقضي . . . . . ) إن ربك يقضي بينهم ( بين بني إسرائيل ) بحكمه ( بما يحكم به وهو الحق أو بحكمته ويدل عليه انه قرئ بحكمه ) وهو العزيز ( فلا يرد قضاؤه ) العليم ( بحقيقة ما يقضى فيه وحكمه النمل : ( 79 ) فتوكل على الله . . . . . ) فتوكل على الله ( ولا تبال بمعاداتهم ) إنك على الحق المبين ( وصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله ونصره النمل : ( 80 ) إنك لا تسمع . . . . . ) إنك لا تسمع الموتى ( تعليل آخر للامر بالتوكل من حيث إنه يقطع طعمه عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا وانما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله ) لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد وقرأ ابن كثير ) ولا يسمع الصم ( ________________________________________ " صفحة رقم 278 " النمل : ( 81 ) وما أنت بهادي . . . . . ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ( حيث الهداية لا تحصل إلا بالبصر وقرأ حمزة وحده ) وما أنت بهادي العمي ( ) إن تسمع ( أي ما يجدي اسماعك ) إلا من يؤمن بآياتنا ( من هو في علم الله كذلك ) فهم مسلمون ( مخلصون من أسلم وجهه لله النمل : ( 82 ) وإذا وقع القول . . . . . ) وإذا وقع القول عليهم ( إذا دنا وقوع معناه وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب ) أخرجنا لهم دابة من الأرض ( وهي الجساسة روي أن طولها ستون ذراعا ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب وروي انه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل من أين مخرجها فقال من أعظم المساجد حرمة على الله يعني المسجد الحرام ) تكلمهم ( من الكلام وقيل من الكلم إذ قرئ ) تكلمهم ( وروي إنها تخرج ومعها عصى موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه وبالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه ) أن الناس كانوا بآياتنا ( خروجها وسائر احوالها فإنها من آيات الله تعالى وقيل القرآن وقرأ الكوفيون أن الناس بالفتح ) لا يوقنون ( لا يتيقنون وهو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول الله عز وجل أو علة خروجها أو تكلمها على حذف الجار النمل : ( 83 ) ويوم نحشر من . . . . . ) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ( يعني يوم القيامة ) ممن يكذب بآياتنا ( بيان للفوج أي فوجا مكذبين و ) من ( الأولى للتبعيض لان أمة كل نبي وهل كل قرن شامل ________________________________________ " صفحة رقم 279 " للمصدقين المكذبين ) فهم يوزعون ( يحبس اولهم على آخرهم ليتلاحقوا وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد اطرافهم النمل : ( 84 ) حتى إذا جاؤوا . . . . . ) حتى إذا جاؤوا ( إلى المحشر ) قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما ( الواو للحال أي اكذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظرا يحيط علمكم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب أو للعطف أي اجمعتم بين التكذيب بها وعدم القاء الاذهان لتحققها ) أم ماذا كنتم تعملون ( أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك وهو للتبكيت إذ لم يفعوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك النمل : ( 85 ) ووقع القول عليهم . . . . . ) ووقع القول عليهم ( حل بهم العذاب الموعود وهو كبهم في النار بعد ذلك ) بما ظلموا ( بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله ) فهم لا ينطقون ( باعتذار لشغلهم بالعذاب النمل : ( 86 ) ألم يروا أنا . . . . . ) ألم يروا ( ليتحقق لهم التوحيد ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل لأن تعاقب النور والظلمة إلى وجه مخصوص غير متعين بذاته لا يكون إلا بقدرة قاهر وان من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الابدان وان من جعل النهار ليبصروا فيه سببا من اسباب معاشهم لعله لا يخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم ) أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ( بالنوم والقرار ) والنهار مبصرا ( فإن أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الابصار حالا من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( لدلاتها على الأمور الثلاثة النمل : ( 87 ) ويوم ينفخ في . . . . . ) ويوم ينفخ في الصور ( في الصور أو القرن وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق ) ففزع من في السماوات ومن في الأرض ( من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ) إلا من شاء الله ( أن لا يفزع بأن يثبت قلبه قيل هم ________________________________________ " صفحة رقم 280 " جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وقيل الحور والخزنة وحملة العرش وقيل الشهداء وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لانه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك ) وكل أتوه ( حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة وحفص ) آتوه ( على الفعل وقرئ ) آتاه ( على التوحيد للفظ الكل ) داخرين ( صاغرين وقرئ / دخرين / النمل : ( 88 ) وترى الجبال تحسبها . . . . . ) وترى الجبال تحسبها جامدة ( ثابتة في مكانها ) وهي تمر مر السحاب ( في السرعة وذلك لأن الاجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها ) صنع الله ( مصدر مؤكد لنفسه وهو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله ) وعد الله ( ) الذي أتقن كل شيء ( احكم خلقه وسواه على ما ينبغي ) إنه خبير بما تفعلون ( عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم عليها كما قال النمل : ( 89 ) من جاء بالحسنة . . . . . ) من جاء بالحسنة فله خير منها ( إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة وقيل ) خير منها ( أي خير حاصل من جهتها وهو الجنة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام / خبير بما يفعلون / بالياء والباقون بالتاء ) وهم من فزع يومئذ آمنون ( يعني به خوف عذاب يوم القيامة وبالاول ما يلحق الإنسان من التهيب لما يرى من الاهوال والعظائم لذلك يعم الكافر والمؤمن وقرأ الكوفيون بالتنوين لأن المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم وآمن يتعدى بالجار وبنفسه كقوله ) أفأمنوا مكر الله ( وقرأ الكوفيون ونافع ) يومئذ ( بفتح الميم والباقون بكسرها النمل : ( 90 ) ومن جاء بالسيئة . . . . . ) ومن جاء بالسيئة ( قيل بالشرك ) فكبت وجوههم في النار ( فكبوا فيها على ________________________________________ " صفحة رقم 281 " وجوههم ويجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما اريدت بالايدي في قوله تعالى ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( ) هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ( على الالتفات أو باضمار القول أي قيل لهم ذلك النمل : ( 91 ) إنما أمرت أن . . . . . ) إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ( أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد وشرح احوال القيامة واشعار بأنه قد أتم الدعوة وقد كملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربه وتخصيص مكة بهذه الاضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها وقرئ / التي حرمها / ) وله كل شيء ( خلقا وملكا ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( المنقادين أو الثابتين على ملة الإسلام النمل : ( 92 ) وأن أتلو القرآن . . . . . ) وأن أتلو القرآن ( وان اواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا أو اتباعه وقرئ ) واتل عليهم ( / وأن أتل / ) فمن اهتدى ( باتباعه اياي في ذلك ) فإنما يهتدي لنفسه ( فإن منافعه عائدة إليه ) ومن ضل ( بمخالفتي ) فقل إنما أنا من المنذرين ( فلا علي من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت النمل : ( 93 ) وقل الحمد لله . . . . . ) وقل الحمد لله ( على نعمة النبوة أو على ما علمني ووفقني للعمل به ) سيريكم آياته ( القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض أو في الآخرة ) فتعرفونها ( أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة ) وما ربك بغافل عما تعملون ( فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلته عن أعمالكم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة طس كان له من الاجر عشر حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهودا وصالحا وإبراهيم وشعيبا ويخرج من قبره وهو ينادي لا اله إلا الله ________________________________________ " صفحة رقم 282 " سورة القصص مكية وقيل إلا قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله لا نبتغي الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم القصص : ( 1 ) طسم ) طسم ) القصص : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . . ) تلك آيات الكتاب المبين ) القصص : ( 3 ) نتلوا عليك من . . . . . ) نتلوا عليك ( نقرؤه بقراءة جبريل ويجوز أن يكون بمعنى ننزله مجازا ) من نبإ موسى وفرعون ( بعض نبئهما مفعول ) نتلوا ( ) بالحق ( محقين ) لقوم يؤمنون ( لأنهم المنتفعون به القصص : ( 4 ) إن فرعون علا . . . . . ) إن فرعون علا في الأرض ( استئناف ) مبين ( لذلك البعض والأرض ارض مصر ) وجعل أهلها شيعا ( فرقا يشيعونه فيما يريد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو اصنافا في استخدامه استعمل كل صنف في عمل أو احزابا بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه ) يستضعف طائفة منهم ( وهم بنو إسرائيل والجمة حال من فاعل ) جعل ( أو صفة ل ) شيعا ( أو استئناف وقوله ) يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ( بدل منها وكان ذلك لأن كاهنا قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده وذلك كان من ________________________________________ " صفحة رقم 283 " غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه ) إنه كان من المفسدين ( فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد القصص : ( 5 ) ونريد أن نمن . . . . . ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ( أن نتفضل عليهم بإنقاذهم من بأسه ) ونريد ( حكاية حال ماضية معطوفة على ) إن فرعون علا في الأرض ( من حيث انهما واقعان تفسير لل ) نبأ ( أو حال من ) يستضعف ( ولا يلزم من مقارنة الارادة للاستضعاف مقارنة المراد له لجواز أن يكون تعلق الارادة به حينئذ تعلقا استقباليا مع أن منة الله بخلاصهم لما كانت قريبة الوقوع منه جاز أن تجري مجرى المقارن ) ونجعلهم أئمة ( مقدمين في أمر الدين ) ونجعلهم الوارثين ( لما كان في ملك فرعون وقومه القصص : ( 6 ) ونمكن لهم في . . . . . ) ونمكن لهم في الأرض ( ارض مصر والشام واصل التمكين أن تجعل للشيء مكانا يتمكن فيه ثم استعير للتسليط واطلاق الأمر ) ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ( من بني إسرائيل ) ما كانوا يحذرون ( من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم وقرأ حمزة والكسائي ) ويرى ( بالياء و ) فرعون وهامان وجنودهما ( بالرفع القصص : ( 7 ) وأوحينا إلى أم . . . . . ) وأوحينا إلى أم موسى ( بالهام أو رؤيا ) أن أرضعيه ( ما أمكنك اخفاؤه ) فإذا خفت عليه ( بأن يحس به ) فألقيه في اليم ( في البحر يريد النيل ) ولا تخافي ( عليه ضيعة ولا شدة ) ولا تحزني ( لفراقه ) إنا رادوه إليك ( عن قريب بحيث تأمنين عليه ) وجاعلوه من المرسلين ( روي إنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية فأرضعته ثلاثة اشهر ثم الح فرعون في طلب الماليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتا فقذفته في النيل القصص : ( 8 ) فالتقطه آل فرعون . . . . . ) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ( تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيها له بالغرض الحامل عليه وقرأ حمزة والكسائي ) وحزنا ( ) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفا لأجله ثم اخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به ________________________________________ " صفحة رقم 284 " وقرئ / خاطين / تخفيف ) خاطئين ( أو / خاطين / الصواب إلى الخطأ القصص : ( 9 ) وقالت امرأة فرعون . . . . . ) وقالت امرأة فرعون ( أي لفرعون حين أخرجته من التابوت ) قرة عين لي ولك ( هو قرة عين لنا لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه أو لأنه كانت له ابنة برصاء وعالجها الاطباء بريق حيوان بحري يشبه الإنسان فلطخت برصها بريقه فبرئت وفي الحديث انه قال لك لا لي ولو قال هو لي كما هو لك لهداه الله كما هداها ) لا تقتلوه ( خطاب بلفظ الجمع للتعظيم ) عسى أن ينفعنا ( فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رأت من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبنا وبرئ البرصاء بريقه ) أو نتخذه ولدا ( أو نتبناه فإنه أهل له ) وهم لا يشعرون ( حال من الملتقطين أو من القائلة والمقول له أي وهم لا يشعرون انهم على الخطأ في التقاطه أو في طمع النفع منه والتبني له أو من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس أي ) وهم لا يشعرون ( انه لغيرنا وقد تبنيناه القصص : ( 10 ) وأصبح فؤاد أم . . . . . ) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى ) وأفئدتهم هواء ( أي خلاء لا عقول فيها ________________________________________ " صفحة رقم 285 " ويؤيده انه قرئ / فرغا / من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر أو من الهم لفرط وثوقها بوعد الله تعالى أو سماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه ) إن كادت لتبدي به ( إنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الضجر أو الفرح لتبنيه ) لولا أن ربطنا على قلبها ( بالصبر والثبات ) لتكون من المؤمنين ( من المصدقين بوعد الله أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وعطفه وقرئ موسى اجراء للضمة في جوار الواو مجرى ضمتها في استدعاء همزها همز واو وجوه وهو علة الربط وجواب ) لولا ( محذوف دل عليه ما قبله القصص : ( 11 ) وقالت لأخته قصيه . . . . . ) وقالت لأخته ( مريم ) قصيه ( ابتعي أثره وتتبعي خبره ) فبصرت به عن جنب ( عن بعد وقرئ / عن جانب / و ) عن جنب ( وهو بمعناه ) وهم لا يشعرون ( إنها تقص أو إنها اخته القصص : ( 12 ) وحرمنا عليه المراضع . . . . . ) وحرمنا عليه المراضع ( ومنعناه أن يرتضع من المرضعات جمع مرضع أو مرضع وهو الرضاع أو موضع يعني الثدي ) من قبل ( من قبل قصها اثره ) فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ( لاجلكم ) وهم له ناصحون ( لا يقصرون في ارضاعه وتربيته روي أن هامان لما سمعه قال إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما اردت وهم للملك ناصحون فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله فأتت بأمها وموسى على يد فرعون يبدي وهو يعلله فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها من أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت أني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها واجرى عليها فرجعت به إلى بيتها من يومها وهو قوله تعالى القصص : ( 13 ) فرددناه إلى أمه . . . . . ) فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ( بولدها ) ولا تحزن ( بفراقه ) ولتعلم أن وعد الله حق ( علم مشاهدة ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن وعده حق فيرتابون فيه أو أن ________________________________________ " صفحة رقم 286 " الغرض الاصلي من الرد علمها بذلك وما سواه تبع وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون القصص : ( 14 ) ولما بلغ أشده . . . . . ) ولما بلغ أشده ( مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ وروي انه لم يبعث نبي إلا على رأس الأربعين سنة ) واستوى ( قده أو عقله ) آتيناه حكما ( أي نبوة ) وعلما ( بالدين أو علم الحكماء والعلماء سمتهم قبل استنبائه فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه وهو اوفق لنظم القصة لان الاستنباء بعد الهجرة في المراجعة ) وكذلك ( ومثل الذي فعلنا بموسى وأمه ) نجزي المحسنين ( على احسانهم القصص : ( 15 ) ودخل المدينة على . . . . . ) ودخل المدينة ( ودخل مصر آتيا من قصر فرعون وقيل منف أو حائين أو عين شمس من نوماحيها ) على حين غفلة من أهلها ( في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين ) فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ( أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفين وهم القبط والاشارة على الحكاية ) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي ( هو ) من عدوه ( فسأله أن يغيثه بالاعانة ولذلك عدي ب ) على ( وقرئ / استعانه / ) فوكزه موسى ( فضرب القبطي بجمع كفه وقرئ فلكزه أي فضرب به صدره ) فقضى عليه ( فقتله واصله فأنهى حياته من قوله ) وقضينا إليه ذلك الأمر ( ) قال هذا من عمل الشيطان ( لانه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه على عادتهم ________________________________________ " صفحة رقم 287 " في استعظام محقرات فرطت منهم ) إنه عدو مضل مبين ( ظاهر العداوة القصص : ( 16 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني ظلمت نفسي ( بقتله ) فاغفر لي ( ذنبي ) فغفر له ( لاستغفاره ) إنه هو الغفور ( لذنوب عباده ) الرحيم ( بهم القصص : ( 17 ) قال رب بما . . . . . ) قال رب بما أنعمت علي ( قسم محذوف الجواب أي اقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن ) فلن أكون ظهيرا للمجرمين ( أو استعطاف أي بحق انعامك على عصمني فلن أكون معينا لمن ادت معاونته إلى جم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى وقيل معناه بما انعمت علي من القوة اعين اولياءك فلن استعملها في مظاهرة اعدائك القصص : ( 18 ) فأصبح في المدينة . . . . . ) فأصبح في المدينة خائفا يترقب ( يترقب الاستفادة ) فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ( يستغيثه مشتق من الصراخ ) قال له موسى إنك لغوي مبين ( بين الغواية لانك تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر القصص : ( 19 - 20 ) فلما أن أراد . . . . . ) فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ( لموسى والاسرائيلي لانه لم يكن على دينهما ولان القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل ) قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ( قاله الاسرائيلي لأنه لما سماه غويا ظن أنه يبطش عليه أو القبطي وكأنه توهم من قوله أنه الذي قتل القبطي بالامس لهذا الاسرائيلي ) إن تريد ( ما تريد ) إلا أن تكون جبارا في الأرض ( تطاول على الناس ولا تنظر في العواقب ) وما تريد أن تكون من المصلحين ( بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي احسن ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى إلى فرعون وملئه وهموا بقتله فخرج مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه ليخبره كما قال تعالى ) وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ( يسرع صفة رجل أو حال منه إذا جعل من ________________________________________ " صفحة رقم 288 " أقصى المدينة صفة له لا صلة لجاء لأن تخصيصه بها يلحقه بالمعارف ) قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ( يتشاورون بسببك وانما سمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر ) فاخرج إني لك من الناصحين ( اللام للبيان وليس صلة ل ) الناصحين ( لأن معمول الصلة لا يتقدم الموصول القصص : ( 21 ) فخرج منها خائفا . . . . . ) فخرج منها ( من المدينة ) خائفا يترقب ( لحوق طالب ) قال رب نجني من القوم الظالمين ( خلصني منهم واحفظني من لحوقهم القصص : ( 22 ) ولما توجه تلقاء . . . . . ) ولما توجه تلقاء مدين ( قبالة مدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم تكن في سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان ) قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( توكلا على الله وحسن ظن به وكان لا يعرف الطريق فعن له ثلاث طرق فأخذ في اوسطها وجاء الطلاب عقيبه فأخذوا في الآخرين القصص : ( 23 ) ولما ورد ماء . . . . . ) ولما ورد ماء مدين ( وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منها ) وجد عليه ( وجد فوق شفيرها ) أمة من الناس ( جماعة كثيرة مختلفين ) يسقون ( مواشيهم ) ووجد من دونهم ( في مكان اسفل من مكانهم ) امرأتين تذودان ( تمنعان اغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم ) قال ما خطبكما ( ما شأنكما تذودان ) قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ( تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذرا عن مزاحمة الرجال وحذف المفعول لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما ويدعوه إلى السقي لهما ثم دونه وقرأ أبو عمرو وابن ________________________________________ " صفحة رقم 289 " عامر ) يصدر ( أي ينصرف وقرئ ) الرعاء ( بالضم وهو اسم جمع كالرخال ) وأبونا شيخ كبير ( كبير السن لا يستطيع أن يخرج للسقي فيرسلنا اضطرارا القصص : ( 24 ) فسقى لهما ثم . . . . . ) فسقى لهما ( مواشيهما رحمة عليهما قيل كانت الرعاة يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال أو اكثر فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم وقيل كانت بئرا أخرى عليها صخرة فرفعها واستقى منها ) ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي ( لأي شيء انزلت الي ) من خير ( قليل أو كثير وحمله الاكثرون على الطعام ) فقير ( محتاج سائل ولذلك عدي باللام وقيل معناه أني لما انزلت إلى من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا لانه كان في سعة عند فرعون والغرض منه اظهار التبجح والشكر على ذلك القصص : ( 25 ) فجاءته إحداهما تمشي . . . . . ) فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ( أي مستحيية متخفرة قيل كانت الصغرة منهما وقيل الكبرى واسمها صفوراء أو صفراء وهي التي تزوجها موسى عليه السلام ) قالت إن أبي يدعوك ليجزيك ( ليكافئك ) أجر ما سقيت لنا ( جزاء سقيك لنا ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما اجابها ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر بمعرفته لا طمعا في الاجر بل روي انه لما جاءه قدم إليه طعاما فامتنع عنه وقال إنا هل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا حتى قال له شعيب عليه الصلاة والسلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا هذا وأن كل من فعل معروفا فأهدي بشيء لم يحرم أخذه ) فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ( يريد فرعون وقومه القصص : ( 26 ) قالت إحداهما يا . . . . . ) قالت إحداهما ( يعني التي استدعته ) يا أبت استأجره ( لرعي الغنم ) إن خير من استأجرت القوي الأمين ( تعليل شائع يجري مجرى الدليل على انه حقيق بالاستئجار ________________________________________ " صفحة رقم 290 " وللمبالغة فيه جعل ) خير ( اسما وذكر الفعل بلفظ الماضي لدلالة على أنه امرؤ مجرب معروف روي أن شعيبا قال لها وما أعلمك بقوته فذكرت إقلال الحجر وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه القصص : ( 27 ) قال إني أريد . . . . . ) قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ( أي تأجر نفسك مني أو تكون لي أجيرا أو تثيبني من أجرك الله ) ثماني حجج ( ظرف على الأولين ومفعول به على الثالث بإضمار مضاف أي رعية ثماني حجج ) فإن أتممت عشرا ( علمت عشر حجج ) فمن عندك ( فإتمامه من عندك تفضلا لا من عندي إلزاما عليك وهذا استدعاء العقد لا نفسه فلعله جرى على أجره معينة وبمهر آخر أو برعية الأجل الأول ووعد له أن يوفي الأخير إن تيسر له قبل العقد وكانت الأغنام للمزوجة مع أنه يمكن اختلاف الشرائع في ذلك ) وما أريد أن أشق عليك ( بإلزام إتمام العشر أو المناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال واشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك في إطاقته ورأيك في مزاولته ) ستجدني إن شاء الله من الصالحين ( في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالمعاهدة القصص : ( 28 ) قال ذلك بيني . . . . . ) قال ذلك بيني وبينك ( أي ذلك الذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه ) أيما الأجلين ( أطولهما أو أقصرهما ) قضيت ( وفيتك إياه ) فلا عدوان علي ( لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي وقرئ ) أيما ( كقوله " تنظرت نصرا والسماكين أيما علي من الغيث استهلت مواطره " وأي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي أي الأجلين جردت عزمي لقضائه وعدوان بالكسر ) والله على ما نقول ( من المشارطة ) وكيل ( شاهد حفيظ ________________________________________ " صفحة رقم 291 " القصص : ( 29 ) فلما قضى موسى . . . . . ) فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ( بامرأته روي أنه قضى أقصى الأجلين ومكث بعد ذلك عنده عشرا أخرى ثم عزم على الرجوع ) آنس من جانب الطور نارا ( أبصر من الجهة التي تلي الطور ) قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر ( بخبر الطريق ) أو جذوة ( عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن قال " باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزال الجذى غير خوار ولا دعر " وقال آخر " وألقى على قبس من النار جذوة شديدا عليه حرها والتهابها " ولذلك بينه بقوله ) من النار ( وقرأ عاصم بالفتح وحمزة بالضم وكلها لغات ) لعلكم تصطلون ( تستدفئون بها القصص : ( 30 ) فلما أتاها نودي . . . . . ) فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن ( أتاه النداء من الشاطئ الأيمن لموسى ) في البقعة المباركة ( متصل بالشاطئ أو صلة ل ) نودي ( ) من الشجرة ( بدل من شاطئ بدل الاشتمال لأنها كانت ثابتة على الشاطئ ) أن يا موسى ( أي يا موسى ) إني أنا الله رب العالمين ( هذا وإن خالف ما في طه والنمل لفظا فهو طبقة في المقصود القصص : ( 31 ) وأن ألق عصاك . . . . . ) وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز ( أي فألقاها فصارت ثعبانا واهتزت ) فلما رآها تهتز ( ) كأنها جان ( في الهيئة والجثة أو في السرعة ) ولى مدبرا ( منهزما من الخوف ) ولم يعقب ( ولم يرجع ) يا موسى ( نودي يا موسى ) أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ( من المخاوف فإنه لا ) يخاف لدي المرسلون ( ________________________________________ " صفحة رقم 292 " القصص : ( 32 ) اسلك يدك في . . . . . ) اسلك يدك في جيبك ( أدخلها ) تخرج بيضاء من غير سوء ( عيب ) واضمم إليك جناحك ( يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه ) من الرهب ( من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بضم الراء وسكون الهاء وقرئ بضمهما وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات ) فذانك ( إشارة إلى العصا واليد وشدده ابن كثير وأبو عمرو ورويس ) برهانان ( حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن ) من ربك ( مرسلا بهما ) إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين ( فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم القصص : ( 33 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ( بها القصص : ( 34 ) وأخي هارون هو . . . . . ) وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا ( معينا وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء وقرأ نافع / ردا / بالتخفيف ) يصدقني ( بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة ) إني أخاف أن يكذبون ( ولساني لا يطاوعني عند المحاجة وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب وقرأ عاصم وحمزة ) يصدقني ( بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف القصص : ( 35 ) قال سنشد عضدك . . . . . ) قال سنشد عضدك بأخيك ( سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد ) ونجعل لكما سلطانا ( غلبة أو حجة ) فلا يصلون إليكما ( باستيلاء أو حجاج ) بآياتنا ( متعلق بمحذوف أي اذهبا ________________________________________ " صفحة رقم 293 " بآياتنا أو ب ) نجعل ( نسلطكما بها أو بمعنى لا يصلون أي تمتنعون منهم أو قسم جوابه لا يصلون أو بيان ل ) الغالبون ( في قوله ) أنتما ومن اتبعكما الغالبون ( بمعنى أنه صلة لما بينه أو صلة له على أن اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي القصص : ( 36 ) فلما جاءهم موسى . . . . . ) فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى ( سحر تختلقه لم يفعل قبل مثله أو سحر تعمله ثم تفتريه على الله أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر ) وما سمعنا بهذا ( يعنون السحر أو ادعاء النبوة ) في آبائنا الأولين ( كائنا في أيامهم القصص : ( 37 ) وقال موسى ربي . . . . . ) وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ( فيعلم أني محق وأنتم مبطلون وقرأ ابن كثير / قال / بغير واو لأنه قال ما قاله جوابا لمقالهم ووجه العطف أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد ) ومن تكون له عاقبة الدار ( العاقبة المحمودة فإن المراد بالدار الدنيا وعاقبتها الأصلية هي الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة والمقصود منها بالذات هو الثواب والعقاب إنما قصد بالعرض وقرأ حمزة والكسائي ) يكون ( بالياء ) إنه لا يفلح الظالمون ( لا يفوزون بالهدى في الدنيا وحسن العاقبة في العقبى القصص : ( 38 ) وقال فرعون يا . . . . . ) وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ( نفى علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه ولذلك أمر ببناء الصرح ليصعد إليه ويتطلع على الحال بقوله ) فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ( ________________________________________ " صفحة رقم 294 " كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه ثم قال ) وإني لأظنه من الكاذبين ( أو أراد أن يبني له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثه رسول وتبدل دولة وقيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم كقوله تعالى ) أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ( فإن معناه بما ليس فيهن وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها لك انتفائها ولا كذلك العلوم الانفعالية قيل أول من اتخذ الآجر فرعون ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم ولذلك نادى هامان باسمه ب ) يا ( في وسط الكلام القصص : ( 39 ) واستكبر هو وجنوده . . . . . ) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ( بغير استحقاق ) وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ( بالنشور وقرأ نافع وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم القصص : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . . ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ( كما مر بيانه وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ واستحقار للمأخوذين كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم ونظيره قوله تعالى ) وما قدروا الله حق قدره ( ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( ) فانظر ( يا محمد ) كيف كان عاقبة الظالمين ( وحذر قومك عن مثلها القصص : ( 41 ) وجعلناهم أئمة يدعون . . . . . ) وجعلناهم أئمة ( قدوة للضلال بالحمل على الإضلال وقيل بالتسمية كقوله تعالى ) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( أو بمنع الألطاف الصارفة عنه ) يدعون إلى النار ( إلى موجباتها من الكفر والمعاصي ) ويوم القيامة لا ينصرون ( بدفع العذاب عنهم ________________________________________ " صفحة رقم 295 " القصص : ( 42 ) وأتبعناهم في هذه . . . . . ) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ( طردا عن الرحمة أو لعن اللاعنين يلعنهم الملائكة والمؤمنين ) ويوم القيامة هم من المقبوحين ( من المطرودين أو ممن قبح وجوههم القصص : ( 43 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( التوراة ) من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ( أقوام نوح وهود وصالح ولوط ) بصائر للناس ( أنوارا لقلوبهم تتبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل ) وهدى ( إلى الشرائع التي هي سبل الله تعالى ) ورحمة ( لأنهم لو عملوا بها نالوا رحمة الله سبحانه تعالى ) لعلهم يتذكرون ( ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر وقد فسر بالأرادة وفيه ما عرفت القصص : ( 44 - 45 ) وما كنت بجانب . . . . . ) وما كنت بجانب الغربي ( يريد الوادي أو الطور فانه كان في شق الغرب من مقام موسى أو الجانب الغربي منه والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي ما كنت حاضرا ) إذ قضينا إلى موسى الأمر ( إذا اوحينا إليه الأمر الذي أردنا تعريفه ) وما كنت من الشاهدين ( للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم السبعون المختارون الميقات والمراد الدلالة على أن اخباره عن ذلك من قبيل الأخبار عن المغيبات التي لا تعرف إلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله ) ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر ( أي ولكنا اوحينا إليك لانا انشأنا قرونا مختلفة عبد موسى فتطاولت عليهم المدد فحرفت الأخبار وتغيرت الشرائع واندرست العلوم فحذفت المستدرك واقام سببه مقامه ) وما كنت ثاويا ( مقيما ) في أهل مدين ( شعيب والمؤمنين به ) تتلو عليهم ( تقرأ عليهم تعلما منهم ) آياتنا ( التي فيها قصتهم ) ولكنا كنا مرسلين ( اياك ومخبرين لك بها القصص : ( 46 ) وما كنت بجانب . . . . . ) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ( لعل المراد به وقت ما اعطاه التوراة وبالأول حين ما استنبأه لانهما المذكوران في القصد ) ولكن ( علمناك ) رحمة من ربك ( وقرئت بالرفع على هذه ) رحمة من ربك ( ) لتنذر قوما ( متعلق بالفعل المحذوف ) ما أتاهم من نذير من قبلك ( لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة أو ________________________________________ " صفحة رقم 296 " بينك وبين اسماعلي على أن دعوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم ) لعلهم يتذكرون ( يتعظون القصص : ( 47 ) ولولا أن تصيبهم . . . . . ) ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ( ) لولا ( الأولى امتناعية والثانية تخضيضية واقعة في سياقها لأنها إنما اجيبت بالفاء تشبيها لها بالأمر مفعول يقولوا المعطوف على تصيبهم بالفاء المعطية معنى السببية المنهبهة على أن القول هو المقصود بان يكون سببا لانتفاء ما يجاب به وانه لا يصدر عنهم حتى تلجئهم العقوبة والجواب محذوف والمعنى لولا قولهم إذا اصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ربنا هلا ارسلت إلينا رسولا يبلغنا اياتك فتتبعها ونكون من المصدقين ما ارسلناك أي إنما ارسلناك قطعا لعذرهم والزاما للحجة عليهم ) فنتبع آياتك ( يعني الرسول المصدق بنوع من المعجزات ) ونكون من المؤمنين ) القصص : ( 48 ) فلما جاءهم الحق . . . . . ) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ( من الكتاب جملة واليد والعصا وغيرها اقتراحا وتعنتا ) أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ( يعني أبناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم كفرة زمان موسى أو كان فرعون عربيا من أولاد عاد ) قالوا سحران ( يعني موسى وهارون أو موسى ومحمدا عليهما السلام ) تظاهرا ( تعاونا بأظهار تلك الخوارق أو بتوافق الكتابين وقرأ الكوفيون ) سحران ( بتقدير مضاف أو جعلهما سحرين مبالغة أو اسناد تظاهرهما إلى فعلهما دلالة على سبب الاعجاز وقرئ ظاهرا على الادغام ) وقالوا إنا بكل كافرون ( أي بكل منهما أو بكل الأنبياء القصص : ( 49 ) قل فأتوا بكتاب . . . . . ) قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ( مما انزل على موسى وعلى محمد ص واضمارهما لدلالة المعنى وهو يؤيد أن المراد بالساحرين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ) أتبعه إن كنتم صادقين ( أنا ساحران مختلفان وهذا من الشروط التي يراد بها الالزام والتبكيت ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم ________________________________________ " صفحة رقم 297 " القصص : ( 50 ) فإن لم يستجيبوا . . . . . ) فإن لم يستجيبوا لك ( دعاءك إلى الاتيان بالكتاب الاهدى فحذف المفعول للعلم به ولان فعل الاستجابة يعدى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعا غالبا كقوله " وداع يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب " ) فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ( إذ لو اتبعوا حجة لاتوا بها ) ومن أضل ممن اتبع هواه ( استفهام بمعنى النفي ) بغير هدى من الله ( في موضع الحال للتأكيدا أو التقييد فان هوى النفس قد يوافق الحق ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى القصص : ( 51 ) ولقد وصلنا لهم . . . . . ) ولقد وصلنا لهم القول ( اتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير أو في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر ) لعلهم يتذكرون ( فيؤمنون ويطيعون القصص : ( 52 - 53 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . . ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( نزلت في مؤمني أهل الكتاب وقيل في أربعين من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام والضمير في ) من قبله ( للقران كالمستكين في ) وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ( أي بأنه كلام الله تعالى ) إنه الحق من ربنا ( استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به ) إنا كنا من قبله مسلمين ( استئناف آخر الدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ وانما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة وكونهم على دين الإسلام قبل نزول القران أو تلاوته عليهم باعتقادهم صحته في الجملة القصص : ( 54 ) أولئك يؤتون أجرهم . . . . . ) أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقران ________________________________________ " صفحة رقم 298 " ) بما صبروا ( بصبرهم وثباتهم على الإيمانين أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده أو على أذى المشركين ومن هاجرهم من أهل دينهم ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( ويدفعون بالطاعة المعصية لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) أتبع السيئة الحسنة تمحها ) ومما رزقناهم ينفقون ( في سبيل الخير القصص : ( 55 ) وإذا سمعوا اللغو . . . . . ) وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ( تكرما ) وقالوا ( اللاغين ) لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم ( متاركة لهم وتوديعا أو دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه ) لا نبتغي الجاهلين ( لا نطلب صحبتهم ولا نريدها القصص : ( 56 ) إنك لا تهدي . . . . . ) إنك لا تهدي من أحببت ( لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام ) ولكن الله يهدي من يشاء ( فيدخله في الإسلام ) وهو أعلم بالمهتدين ( بالمستعدين لذلك والجمهور على أنها نزلت في أبي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله قال يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ولكن أكره أن يقال خدع عند الموت القصص : ( 57 ) وقالوا إن نتبع . . . . . ) وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ( نخرج منها نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله ) أو لم نمكن لهم حرما آمنا ( أو لم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه ) يجبى إليه ( يحمل إليه ويجمع فيه وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء ) ثمرات كل شيء ( من كل أوب ) رزقا من لدنا ( فإذا كان ________________________________________ " صفحة رقم 299 " هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه وقيل إنه متعلق بقوله ) من لدنا ( أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب ) رزقا ( على المصدر من معنى ) يجبى ( أو حال من ال ) ثمرات ( لتخصصها بالإضافة القصص : ( 58 ) وكم أهلكنا من . . . . . ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله ) وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ( أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارهم ) فتلك مساكنهم ( خاوية ) لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ( من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم ) وكنا نحن الوارثين ( منهم بنزع الخافض أو بجعلها ظرفا بنفسها كقولك زيد ظني مقيم أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولا على تضمين بطرت معنى كفرت القصص : ( 59 ) وما كان ربك . . . . . ) وما كان ربك ( وما كانت عادته ) مهلك القرى حتى يبعث في أمها ( في أصلها التي هي أعمالها لأن أهلها تكون أفطن وأنبل ) رسولا يتلو عليهم آياتنا ( لإلزام الحجة وقطع المعذرة ) وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ( بتكذيب الرسل والعتو في الكفر القصص : ( 60 ) وما أوتيتم من . . . . . ) وما أوتيتم من شيء ( من أسباب الدنيا ) فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ( تتمتعون وتتزينون به مدة حياتكم المنقضية ) وما عند الله ( وهو ثوابه ) خير ( في نفسه من ذلك لأنه لذة خاصة وبهجة كاملة ) وأبقى ( لأنه أبدى ) أفلا تعقلون ( فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة القصص : ( 61 ) أفمن وعدناه وعدا . . . . . ) أفمن وعدناه وعدا حسنا ( وعدا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود ) فهو لاقيه ( مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية ) كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ( الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب ________________________________________ " صفحة رقم 300 " مستعقب بالتحسر على الانقطاع ) ثم هو يوم القيامة من المحضرين ( للحساب أو العذاب و ) ثم ( للتراخي في الزمان أو الرتبة وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي ثم هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء القصص : ( 62 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . . ) ويوم يناديهم ( عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر ) فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما القصص : ( 63 ) قال الذين حق . . . . . ) قال الذين حق عليهم القول ( بثبوت مقتضاه وحصول مؤداه وهو قوله تعالى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( وغيره من آيات الوعيد ) ربنا هؤلاء الذين أغوينا ( أي هؤلاء الذين أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول ) أغويناهم كما غوينا ( أي أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم وأنهم لم يفعلوا بهم إلا وسوسة وتسويلا ويجوز أن يكون ) الذين ( صفة و ) أغويناهم ( الخبر لأجل ما اتصل به فإفادة زيادة على الصفة وهو إن كان فضله لكنه صار من اللوازم ) تبرأنا إليك ( منهم ومما اختاره من الكفر هوى منهم وهو تقرير للجملة المتقدمة ولذلك خلت عن العاطف وكذا ) ما كانوا إيانا يعبدون ( أي ما كانوا يعبدوننا وإنما كانوا يعبدون أهواءهم وقيل ) ما ( مصدرية متصلة ب ) تبرأنا ( أي تبرأنا من عبادتهم إيانا القصص : ( 64 ) وقيل ادعوا شركاءكم . . . . . ) وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم ( من فرط الحيرة ) فلم يستجيبوا لهم ( لعجزهم عن الإجابة والنصرة ) ورأوا العذاب ( لازما بهم ) لو أنهم كانوا يهتدون ( لوجه من الحيل يدفعون به العذاب أو إلى الحق لما رأوا العذاب ) لو ( للتمني أي تمنوا أنهم كانوا مهتدين ________________________________________ " صفحة رقم 301 " القصص : ( 65 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . . ) ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ( عطف على الأول فإنه تعالى يسأل أولا عن إشراكهم به ثم عن تكذيبهم الأنبياء القصص : ( 66 ) فعميت عليهم الأنباء . . . . . ) فعميت عليهم الأنباء يومئذ ( فصارت الأنباء كالعمي عليهم لا تهتدي إليهم وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يقبض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره والمراد بالأنباء ما أجابوا به الرسل أو ما يعمها وغيرها فإذا كانت الرسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال من أممهم وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء ) فهم لا يتساءلون ( لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة والعلم بأنه مثله في العجز القصص : ( 67 ) فأما من تاب . . . . . ) فأما من تاب ( من الشرك ) وآمن وعمل صالحا ( وجمع بين الإيمان والعمل الصالح ) فعسى أن يكون من المفلحين ( عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام أو ترج من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح القصص : ( 68 ) وربك يخلق ما . . . . . ) وربك يخلق ما يشاء ويختار ( لا موجب عليه ولا مانع له ) ما كان لهم الخيرة ( أي التخير كالطيرة بمعنى التطير وظاهره نفي الاختيار عنهم رأسا والأمر كذلك عند التحقيق فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله منوط بدواع لا اختيار لهم فيها وقيل المراد أنه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف ويؤيده ما روي أنه نزل في قولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( وقيل ) ما ( موصولة مفعول ل يختار والراجع إليه محذوف والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي الخير والصلاح ) سبحان الله ( تنزيه له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار ) وتعالى عما يشركون ( عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه ________________________________________ " صفحة رقم 302 " القصص : ( 69 ) وربك يعلم ما . . . . . ) وربك يعلم ما تكن صدورهم ( كعداوة الرسول وحقده ) وما يعلنون ( كالطعن فيه القصص : ( 70 ) وهو الله لا . . . . . ) وهو الله ( المستحق للعبادة ) لا إله إلا هو ( لا أحد يستحقها إلا هو ) له الحمد في الأولى والآخرة ( لأنه المتولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم ) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( ) الحمد لله الذي صدقنا وعده ( ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده ) وله الحكم ( القضاء النافذ في كل شيء ) وإليه ترجعون ( بالنشور القصص : ( 71 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ( دائما من السرد وهو المتابعة والميم مزيدة كميم دلامص ) إلى يوم القيامة ( بإسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها حول الأفق الغائر ) من إله غير الله يأتيكم بضياء ( كان حقه هل إله فذكر ب ) من ( على زعمهم أن غيره آلهة وعن ابن كثير / بضئاء / بهمزتين ) أفلا تسمعون ( سماع تدبر واستبصار القصص : ( 72 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة ( بإسكانها في وسط السماء أو تحريكها على مدار فوق الأفق ) من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ( استراحة عن متاعب الأشغال ولعله لم يصف الضياء بما يقابله لأن الضوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك الليل ولأن منافع الضوء أكثر مما يقابله ولذلك قرن ) أفلا تسمعون ( و ) بالليل ( ) أفلا تبصرون ( لأن استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر القصص : ( 73 ) ومن رحمته جعل . . . . . ) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ( في الليل ) ولتبتغوا من فضله ( في النهار بأنواع المكاسب ) ولعلكم تشكرون ( ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها القصص : ( 74 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . . ) ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به أو الأول لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان أنه لم يكن عن سند وإنما كان محض تشه وهوى ________________________________________ " صفحة رقم 303 " القصص : ( 75 ) ونزعنا من كل . . . . . ) ونزعنا ( وأخرجنا ) من كل أمة شهيدا ( وهو نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه ) فقلنا ( للأمم ) هاتوا برهانكم ( على صحة ما كنتم تدينون به ) فعلموا ( حينئذ ) أن الحق لله ( في الألوهية لا يشاركه فيها أحد ) وضل عنهم ( وغاب عنهم غيبة الضائع ) ما كانوا يفترون ( من الباطل القصص : ( 76 ) إن قارون كان . . . . . ) إن قارون كان من قوم موسى ( كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوي وكان ممن آمن به ) فبغى عليهم ( فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره أو تكبر عليهم أو ظلمهم قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى ( صلى الله عليه وسلم ) لك الرسالة ولهارون الحبورة وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله ) وآتيناه من الكنوز ( من الأموال المدخرة ) ما إن مفاتحه ( مفاتيح صناديقه جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح ) لتنوء بالعصبة أولي القوة ( خبر إن والجملة صلة وهو ثاني مفعولي آتى ونائبه الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة واعصوصبوا اجتمعوا وقرئ / لينوء / بالياء على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه ) إذ قال له قومه ( منصوب ب تنوء ) لا تفرح ( لا تبطر والفرح بالدنيا مذموم مطلقا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح كما قيل " أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا " ولذلك قال تعالى ) ولا تفرحوا بما آتاكم ( وعلل النهي ها هنا بكونه مانعا من محبة الله تعالى فقال ) إن الله لا يحب الفرحين ( أي بزخارف الدنيا القصص : ( 77 ) وابتغ فيما آتاك . . . . . ) وابتغ فيما آتاك الله ( من الغنى ) الدار الآخرة ( بصرفه فيما يوجبها لك فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها ) ولا تنس ( ولا تترك ترك المنسي ) نصيبك من الدنيا ( وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك ) وأحسن ( إلى عباد الله ) كما أحسن الله إليك ( فيما أنعم الله عليك وقيل ) أحسن ( بالشكر والطاعة ) كما أحسن ( إليك ________________________________________ " صفحة رقم 304 " بالإنعام ) ولا تبغ الفساد في الأرض ( بأمر يكون علة للظلم والبغي نهي له عما كان عليه من الظلم والبغي ) إن الله لا يحب المفسدين ( لسوء أفعالهم القصص : ( 78 ) قال إنما أوتيته . . . . . ) قال إنما أوتيته على علم عندي ( فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال و ) على علم ( في موضع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها وقيل هو الكيمياء وقيل علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب وقيل العلم بكنوز يوسف و ) عندي ( صفة له أو متعلق ب ) أوتيته ( كقولك جاز هذا عندي أي في ظني واعتقادي ) أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ( تعجب وتوبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأه في التوراة وسمعه من حفاظ التواريخ أو رد لادعائه للعلم وتعظمه به بنفي هذا العلم عنه أي أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين ) ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة كأنه لما هدد قارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى أكد ذلك بأن بين أنه لم يكن مطلعا على ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم معاقبهم عليها لا محالة القصص : ( 79 ) فخرج على قومه . . . . . ) فخرج على قومه في زينته ( كما قيل إنه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه ) قال الذين يريدون الحياة الدنيا ( على ما هو عادة الناس من الرغبة ) يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ( تمنوا مثله لا عينه حذرا عن الحسد ) إنه لذو حظ عظيم ( من الدنيا القصص : ( 80 ) وقال الذين أوتوا . . . . . ) وقال الذين أوتوا العلم ( بأحوال الآخرة للمتمنين ) ويلكم ( دعاء بالهلاك استعمل للزجر عما لا يرتضى ) ثواب الله ( في الآخرة ) خير لمن آمن وعمل صالحا ( مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها ) ولا يلقاها ( الضمير فيه للكلمة التي تكلم بها العلماء أو لل ) ثواب ( فإنه معنى المثوبة أو الجنة أو للإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة ) إلا الصابرون ( على الطاعات وعن المعاصي القصص : ( 81 ) فخسفنا به وبداره . . . . . ) فخسفنا به وبداره الأرض ( روي أنه كان يؤذي موسى ( صلى الله عليه وسلم ) كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه فبرطل بغية لترميه بنفسها فلما كان يوم ________________________________________ " صفحة رقم 305 " العيد قام موسى خطيبا فقال من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه فقال قارون ولو كنت قال ولو كنت قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها موسى ( صلى الله عليه وسلم ) أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي فخر موسى شاكيا منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال يا أرض خذيه إلى ركبتيه ثم قال خذيه إلى وسطه ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه ثم قال خذيه فخسفت به وكان قارون يتضرع إليه في هذه الأحوال فلم يرحمه فأوحى الله إليه ما أفظك استرحمك مرارا فلم ترحمه وعزتي وجلالي لو دعاني مرة لأجبته ثم قال بنو إسرائيل إنما فعله ليرثه فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله ) فما كان له من فئة ( أعوان مشتقة من فأوت رأسه إذا ميلته ) ينصرونه من دون الله ( فيدفعون عنه عذابه ) وما كان من المنتصرين ( الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع القصص : ( 82 ) وأصبح الذين تمنوا . . . . . ) وأصبح الذين تمنوا مكانه ( منزلته ) بالأمس ( منذ زمان قريب ) يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ( ) يبسط ( ) ويقدر ( بمقتضى مشيئته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض وويكأن عند البصريين مركب من وي للتعجب وكأن للتشبه والمعنى ما أشبه الأمر أن يبسط الرزق وقيل من ويك بمعنى ويلك وأن تقديره ويك اعلم أن الله ) لولا أن من الله علينا ( فلم يعطنا ما تمنينا ) لخسف بنا ( لتوليده فينا ما ولده فيه فخسف بنا لأجله وقرأ حفص بفتح الخاء والسين ) ويكأنه لا يفلح الكافرون ( لنعمة الله أو المكذبون برسله وبما وعدوا لهم ثواب الآخرة القصص : ( 83 ) تلك الدار الآخرة . . . . . ) تلك الدار الآخرة ( إشارة تعظيم كأنه قال تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها و ) الدار ( صفة والخبر ) نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ( غلبة وقهرا ) ولا فسادا ( ظلما على الناس كما أراد فرعون وقارون ) والعاقبة ( المحمودة ) للمتقين ( ما لا يرضاه الله ________________________________________ " صفحة رقم 306 " القصص : ( 84 ) من جاء بالحسنة . . . . . ) من جاء بالحسنة فله خير منها ( ذاتا وقدرا ووصفا ) ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات ( وضع فيه الظاهر موضع الضمير تهجينا لحالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم ) إلا ما كانوا يعملون ( أي إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل وأقيم ) ما كانوا يعملون ( مقامه مبالغة في المماثلة القصص : ( 85 - 86 ) إن الذي فرض . . . . . ) إن الذي فرض عليك القرآن ( أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه ) لرادك إلى معاد ( أي معاد وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه أو مكة التي اعتدت بها أنه من العادة رده إليها يوم الفتح كأنه لما حكم بأن ) العاقبة للمتقين ( وأكد ذلك بوعد المحسنين ووعيد المسيئين وعده بالعاقبة الحسنى في الدارين روي أنه لما بلغ جحفة في مهاجره اشتاق إلى مولده ومولده آبائه فنزلت ) قل ربي أعلم من جاء بالهدى ( وما يستحقه من الثواب والنصر ومن منتصب بفعل يفسره أعلم ) ومن هو في ضلال مبين ( وما استحقه من العذاب والإذلال يعني به نفسه والمشركين وهو تقرير للوعد السابق وكذا قوله ) وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب ( أي سيردك إلى معادك كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه ) إلا رحمة من ربك ( ولكن ألقاه رحمة منه ويجوز أن يكون استثناء محمولا على المعنى كأنه قال وما ألقى إليك الكتاب إلا رحمة ) فلا تكونن ظهيرا للكافرين ( بمدارتهم والتحمل عنهم والإجابة إلى طلبتهم القصص : ( 87 ) ولا يصدنك عن . . . . . ) ولا يصدنك عن آيات الله ( عن قراءتها والعمل بها ) بعد إذ أنزلت إليك ( وقرئ ) يصدنك ( من أصد ) وادع إلى ربك ( إلى عبادته وتوحيده ) ولا تكونن من المشركين ( بمساعدتهم القصص : ( 88 ) ولا تدع مع . . . . . ) ولا تدع مع الله إلها آخر ( هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم ) لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه ( إلا ذاته فإن ما عداه ممكن هالك في حد ذاته معدوم ) له الحكم ( القضاء النافذ في الخلق ) وإليه ترجعون ( للجزاء بالحق عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدق موسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه صادقا ________________________________________ " صفحة رقم 307 " سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم العنكبوت : ( 1 ) الم ) الم ( سبق القول فيه ووقوع الاستفهام بعده دليل استقلاله بنفسه أو بما يضمر معه العنكبوت : ( 1 ) الم ) أحسب الناس ( الحسبان مما يتعلق بمضامين الجمل للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك اقتضى مفعولين متلازمين أو ما يسد مسدهما كقوله ) أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( فإن معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم ) آمنا ( فالترك أول مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم ) آمنا ( هو الثاني كقولك حسبت ضربه للتأديب أو أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم ) آمنا ( بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والثابت في الدين من المضطرب فيه ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات فإن مجرد الإيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين وقيل في عمار وقد عذب في الله تعالى وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته ________________________________________ " صفحة رقم 308 " العنكبوت : ( 3 ) ولقد فتنا الذين . . . . . ) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( متصل ب ) أحسب ( أو ب ) لا يفتنون ( والمعنى أن ذلك سنة قديمة جارية في الأمم كلها فلا ينبغي أن يتوقع خلافه ) فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ( فليتعلقن علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا في الإيمان والذين كانوا فيه وينوط به ثوابهم وعقابهم ولذلك قيل المعنى وليميزن أو ليجازين وقرئ ) وليعلمن ( من الإعلام أي وليعرفنهم الله الناس أو ليسمنهم بسمة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها العنكبوت : ( 4 ) أم حسب الذين . . . . . ) أم حسب الذين يعملون السيئات ( الكفر والمعاصي فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح ) أن يسبقونا ( أن يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم وهو ساد مسد مفعولي ) حسب ( لاشتماله على مسند ومسند إليه ويجوز أن يضمن ) حسب ( معنى قدر أو أم منقطعة والإضراب فيها لأن هذا الحسبان أبطل من الأول ولهذا عقبه بقوله ) ساء ما يحكمون ( أي بئس الذي يحكمونه أو حكما يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص بالذم العنكبوت : ( 5 ) من كان يرجو . . . . . ) من كان يرجو لقاء الله ( في الجنة وقيل المراد بلقاء الله الوصول إلى ثوابه أو إلى العاقبة من الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله فأما أن يلقاه ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخط منها ) فإن أجل الله ( فإن الوقت المضروب للقائه ) لآت ( لجاء وإذا كان وقت اللقاء آتيا كان اللقاء كائنا لا محالة فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يستوجب به القربة والرضا ) وهو السميع ( لأقوال العباد ) العليم ( بعقائدهم وأفعالهم العنكبوت : ( 6 ) ومن جاهد فإنما . . . . . ) ومن جاهد ( نفسه بالصبر على مضض الطاعة والكف عن الشهوات ) فإنما يجاهد لنفسه ( لأن منفعته لها ) إن الله لغني عن العالمين ( فلا حاجة به إلى طاعتهم وإنما كلف عباده رحمة عليهم ومراعاة لصلاحهم العنكبوت : ( 7 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ( الكفر بالإيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات ) ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ( أي أحسن جزاء أعمالهم العنكبوت : ( 8 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . . ) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ( بإيتائهما فعلا ذا حسن أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفا وقيل هو بمعنى قال أي وقلنا له أحسن ________________________________________ " صفحة رقم 309 " بوالديك ) حسنا ( وقيل ) حسنا ( منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما ) حسنا ( وهو أفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على ) بوالديه ( وقرئ ) حسنا ( و ) إحسانا ( ) وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم ( بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعارا بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بطلانه ) فلا تطعهما ( في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل ) إلي مرجعكم ( مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق ) فأنبئكم بما كنتم تعملون ( بالجزاء عليه والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في لقمان والأحقاف العنكبوت : ( 9 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ( في جملتهم والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين أو في مدخلهم وهو الجنة العنكبوت : ( 10 ) ومن الناس من . . . . . ) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله ( بأن عذبهم الكفرة على الإيمان ) جعل فتنة الناس ( ما يصيبه من أذيتهم في الصرف عن الإيمان ) كعذاب الله ( في الصرف عن الكفر ولئن جاء نصر من ربك فتح وغنيمة ) ليقولن إنا كنا معكم ( في الدين فأشركونا فيه والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين ويؤيد الأول ) أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ( من الإخلاص والنفاق ________________________________________ " صفحة رقم 310 " العنكبوت : ( 11 ) وليعلمن الله الذين . . . . . ) وليعلمن الله الذين آمنوا ( بقلوبهم ) وليعلمن المنافقين ( فيجازي الفريقين العنكبوت : ( 12 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ( الذي نسلكه في ديننا ) ولنحمل خطاياكم ( إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كانت تشجيعا لهم عليه وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله ) وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ( من الأولى للتبيين والثانية مزيدة والتقدير وما هم بحاملين شيئا من خطاياهم العنكبوت : ( 13 ) وليحملن أثقالهم وأثقالا . . . . . ) وليحملن أثقالهم ( أثقال ما اقترفته أنفسهم ) وأثقالا مع أثقالهم ( وأثقالا أخر معها لما تسببوا له بالإضلال والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شيء ) وليسألن يوم القيامة ( سؤال تقريع وتبكيت ) عما كانوا يفترون ( من الأباطيل التي أضلوا بها العنكبوت : ( 14 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . . ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ( بعد المبعث إذ روي أنه بعث على رأس الأربعين ودعا قوما تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين ولعل اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة إلى السامع فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتثبيته على ما يكابده من الكفرة واختلاف المميزين لما في التكرير من البشاعة ) فأخذهم الطوفان ( طوفان الماء وهو لما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو نحوهما ) وهم ظالمون ( بالكفر العنكبوت : ( 15 ) فأنجيناه وأصحاب السفينة . . . . . ) فأنجيناه ( أي نوحا ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأصحاب السفينة ( ومن أركب معه من أولاده وأتباعه وكانوا ثمانين وقيل ثمانية وسبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث ) وجعلناها ( أي السفينة أو الحادثة ) آية للعالمين ( يتعظون ويستدلون بها ________________________________________ " صفحة رقم 311 " العنكبوت : ( 16 ) وإبراهيم إذ قال . . . . . ) وإبراهيم ( عطف على ) نوحا ( أو نصب بإضمار اذكر وقرئ بالرفع على تقدير ومن المرسلين إبراهيم ) إذ قال لقومه اعبدوا الله ( ظرف لأرسلنا أي أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره بحيث عرف الحق وأمر الناس به أو بدل منه بدل اشتمال إن قدر باذكر ) واتقوه ذلكم خير لكم ( مما أنتم عليه ) إن كنتم تعلمون ( الخير والشر وتميزون ما هو خير مما هو شر أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر العلم دون نظر الجهل العنكبوت : ( 17 ) إنما تعبدون من . . . . . ) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ( وتكذبون كذبا في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى أو تعملونها وتنحتونها للإفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل وقرئ / تخلقون / من خلق للتكثير ) وتخلقون ( من تخلق للتكلف و ) إفكا ( على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقا ذا إفك ) إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ( دليل ثان على شرارة ذلك من حيث إنه لا يجدي بطائل و ) رزقا ( يحتمل المصدر بمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم وأن يراد المرزوق وتنكيره للتعميم ) فابتغوا عند الله الرزق ( كله فإنه المالك له ) واعبدوه واشكروا له ( متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره أو مستعدين للقائه بهما فإنه ) إليه ترجعون ( وقرئ بفتح التاء العنكبوت : ( 18 ) وإن تكذبوا فقد . . . . . ) وإن تكذبوا ( وإن تكذبوني ) فقد كذب أمم من قبلكم ( من قبلي من الرسل فلم يضرهم تكذيبهم وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبهم ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( الذي يزال معه الشك وما عليه أن يصدق ولا يكذب فالآية وما بعدها من جملة قصة ) إبراهيم ( إلى قوله ) فما كان جواب قومه ( ويحتمل أن تكون اعتراضا بذكر شأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقريش وهدم مذهبهم والوعيد على سوء صنيعهم توسط بين طرفي قصته من حيث إن مساقها لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتنفيس عنه بأن أباه خليل الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ممنوا بنحو ما مني به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم في قومه العنكبوت : ( 19 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ( من مادة ومن غيرها وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء على تقدير القول وقرئ ) يبدأ ( ) ثم يعيده ( إخبار بالإعادة بعد الموت معطوف ________________________________________ " صفحة رقم 312 " على ) أو لم يروا ( لا على ) يبدئ ( فإن الرؤية غير واقعة عليه ويجوز أن تؤول الإعادة بأن ينشئ في كل سنة مثل ما كان في السنة السابقة من النبات والثمار ونحوهما وتعطف على ) يبدئ ( ) إن ذلك ( الإشارة إلى الإعادة أو إلى ما ذكر من الأمرين ) على الله يسير ( إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء العنكبوت : ( 20 ) قل سيروا في . . . . . ) قل سيروا في الأرض ( حكاية كلام الله لإبراهيم أو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فانظروا كيف بدأ الخلق ( على اختلاف الأجناس والأحوال ) ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ( بعد النشأة الأولى التي هي الإداء فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلا اختراع وإخراج من العدم والإفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإعادة وأن من عرف بالقدرة على الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر وقرئ / النشاءة / كالرآفة ) إن الله على كل شيء قدير ( لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى العنكبوت : ( 21 ) يعذب من يشاء . . . . . ) يعذب من يشاء ( تعذيبه ) ويرحم من يشاء ( رحمته ) وإليه تقلبون ( تردون العنكبوت : ( 22 ) وما أنتم بمعجزين . . . . . ) وما أنتم بمعجزين ( ربكم عن إدراككم ) في الأرض ولا في السماء ( إن فررتم من قضائه بالتواري في الأرض أو الهبوط في مهاويها والتحصن ) في السماء ( أو اقلاع الذاهبة فيها وقيل ولا من في السماء كقول حسان " أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء " ) وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( يحرسكم عن بلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ويدفعه عنكم ________________________________________ " صفحة رقم 313 " العنكبوت : ( 23 ) والذين كفروا بآيات . . . . . ) والذين كفروا بآيات الله ( بدلائل وحدانيته أو بكتبه ) ولقائه ( بالبعث ) أولئك يئسوا من رحمتي ( أي ييأسون منها يوم القيامة فعبر عنه بالماضي للتحقق والمبالغة أو أيسوا في الدنيا لإنكار البعث والجزاء ) أولئك لهم عذاب أليم ( بكفرهم العنكبوت : ( 24 ) فما كان جواب . . . . . ) فما كان جواب قومه ( قوم إبراهيم له وقرئ بالرفع على أنه الاسم والخبر ) إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ( وكان ذلك قول بعضهم لكن لما قيل فيهم ورضي به الباقون أسند إلى كلهم ) فأنجاه الله من النار ( أي فقذفوه في النار فأنجاه الله منها بأن جعلها عليه بردا وسلاما ) إن في ذلك ( في إنجائه منها ) لآيات ( هي حفظه من أذى النار وإخمادها مع عظمها في زمان يسر وإنشاء روض مكانها ) لقوم يؤمنون ( لأنهم المنتفعون بالتفحص عنها والتأمل فيها العنكبوت : ( 25 ) وقال إنما اتخذتم . . . . . ) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ( أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها وثاني مفعولي ) اتخذتم ( محذوف ويجوز أن تكون مودة المفعول الثاني بتقدير مضاف أي اتخذتم أوثان سبب المودة بينكم أو بتأويلها بالمودودة وقرأها نافع وابن عامر وأبو بكر منونة ناصبة بينكم والوجه ما سبق وابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس مرفوعة مضافة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو سبب مودة بينكم والجملة صفة ) أوثانا ( أو خبر إن عاة ) إنما ( مصدرية أو موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الأول وقرئت مرفوعه منونة ومضافة بفتح ) بينكم ( كما قرئ ) لقد تقطع بينكم ( وقرئ / إنما مودة بينكم / ) ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ( أي يقوم التناكر والتلاعن بينكم أو بينكم وبين الأوثان على تغليب المخاطبين كقوله تعالى ) ويكونون عليهم ضدا ( ) ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( يخلصونكم منها العنكبوت : ( 26 ) فآمن له لوط . . . . . ) فآمن له لوط ( هو ابن أخيه وأول من آمن به وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه ) وقال إني مهاجر ( من قومي ) إلى ربي ( إلى حيث أمرني ) إنه هو العزيز ( الذي يمنعني من أعدائي ) الحكيم ( الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي روي أنه ________________________________________ " صفحة رقم 314 " هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم العنكبوت : ( 27 ) ووهبنا له إسحاق . . . . . ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب ( ولدا ونافلة حين أيس من الولادة من عجوز عاقر ولذلك لم يذكر إسماعيل ) وجعلنا في ذريته النبوة ( فكثر منهم الأنبياء ) والكتاب ( يريد به الجنس ليتناول الكتب الأربعة ) وآتيناه أجره ( على هجرته إلينا ) في الدنيا ( بإعطاء الولد في غير أوانه والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وإنماء أهل الملل إليه والثناء والصلاة عليه إلى آخر الدهر ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( لفي عداد الكاملين في الصلاح العنكبوت : ( 28 ) ولوطا إذ قال . . . . . ) ولوطا ( عطف على إبراهيم أو على ما عطف عليه ) إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ( الفعلة البالغة في القبح وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص بهمزة مكسورة على الخبر والباقون على الاستفهام وأجمعوا على الاستفهام في الثاني ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( استئناف مقرر لفاحشتها من حيث إنها مما اشمأزت منه الطباع وتحاشت عنه النفوس حتى أقدموا عليه لخبث طينتهم العنكبوت : ( 29 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . . ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ( وتتعرضون للسابلة بالتقل وأخذ المال أو بالفاحشة حتى انقطعت الطرق أو تقطعون سبيل النسل بالاعراض عن الحرث واتيان ما ليس بحرث ) وتأتون في ناديكم ( في مجالسكم الغاصة بأهلها ولا يقال النادي إلا لما فيه أهله ) المنكر ( كالجماع والضراط وحل الازار وغيرها من القبائح عدم مبالاة بها وقيل الخذف ورمي البنادق ) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ( في استقباح ذلك أو في دعوى النبوة المفهومة من التوبيخ العنكبوت : ( 30 ) قال رب انصرني . . . . . ) قال رب انصرني ( بإنزال العذاب ) على القوم المفسدين ( باتباع الفاحشة وسنها فيمن بعدهم وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب واشعارا بأنهم احقاء بأن يعجل لهم العذاب العنكبوت : ( 31 ) ولما جاءت رسلنا . . . . . ) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ( بالبشارة بالولد والنافلة ) قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية ( قرية سدوم والاضافة لفظية لأن المعنى على الاستقبال ) إن أهلها كانوا ظالمين ( ________________________________________ " صفحة رقم 315 " تعليل لإهلاكهم لهم بإصرارهم وتماديهم في ظلمهم الذي هو الكفر وأنواع المعاصي العنكبوت : ( 32 ) قال إن فيها . . . . . ) قال إن فيها لوطا ( اعتراض عليهم بأن فيها من لم يظلم أو معارضة للموجب بالمانع وهو كون النبي بين أظهرهم ) قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ( تسليم لقوله مع ادعاء مزيد العلم به وأنهم ما كانوا غافلين عنه وجواب عنه بتخصيص الاهل بمن عداه وأهله أو تأقيت الاهلاك بإخراجهم منها وفيه تأخير للبيان عن الخطاب ) إلا امرأته كانت من الغابرين ( الباقين في العذاب أو القرية العنكبوت : ( 33 ) ولما أن جاءت . . . . . ) ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ( جاءته المساءة والغم بسببهم مخافة أن يقصدهم قومه بسوء و ) إن ( صلة لتأكيد الفعلين واتصالهما ) وضاق بهم ذرعا ( وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم ضاقت يده وبإزائه رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقا له وذلك لأن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع ) وقالوا ( لما رأوا فيه أثر الضجرة ) لا تخف ولا تحزن ( على تمكنهم منا ) إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ) لننجينه ( / ومنجوك / بالتخفيف ووافقهم أبو بكر وابن كثير في الثاني وموضع الكاف الجر على المختار ونصب ) أهلك ( بإضمار فعل أو بالعطف على محلها باعتبار الأصل العنكبوت : ( 34 ) إنا منزلون على . . . . . ) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء ( عذابا منها سمي بذلك لأنه يقلق المعذب من قولهم ارتجز إذا ارتجس أي اضطرب وقرأ ابن عامر ) منزلون ( بالتشديد ) بما كانوا يفسقون ( بسبب فسقهم العنكبوت : ( 35 ) ولقد تركنا منها . . . . . ) ولقد تركنا منها آية بينة ( هي حكايتها الشائعة أو آثار الديار الخربة وقيل الحجارة الممطرة فإنها كانت باقية بعد وقيل بقية انهارها المسودة ) لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم في الاستبثار والاعتبار وهو متعلق ب ) تركنا ( أو ) آية ( ________________________________________ " صفحة رقم 316 " العنكبوت : ( 36 ) وإلى مدين أخاهم . . . . . ) وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ( وافعلوا ما ترجون به ثومابه فأقيم المسبب مقام السبب وقيل إنه من الرجاء بمعنى الخوف ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) العنكبوت : ( 37 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة . . . . . ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة ( الزلزلة الشديدة وقيل صيحة جبريل عليه السلام لأن القلوب ترجف لها ) فأصبحوا في دارهم ( في بلدهم أو دورهم ولم يجمع لأمن اللبس ) جاثمين ( باركين على الركب ميتين العنكبوت : ( 38 ) وعادا وثمود وقد . . . . . ) وعادا وثمود ( منصوبان بإضمار اذكر أو فعل دل عليه ما قبله مثل اهلكنا وقرأ حمزة وحفص ويعقوب / وثمودا / غير منصرف على تأويل القبيلة وقد تبين لكم من مساكنهم أي تبين لهم بعض مساكنهم أو اهلاكهم من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها ) وزين لهم الشيطان أعمالهم ( من الكفر والمعاصي ) فصدهم عن السبيل ( السوي الذي بينه الرسل لهم ) وكانوا مستبصرين ( متمكنين من النظر والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا أو متبينين أو العذاب لاحق بهم بأخبار الرسل لهم ولكنهم لجوا حتى هلكوا العنكبوت : ( 39 ) وقارون وفرعون وهامان . . . . . ) وقارون وفرعون وهامان ( معطوف على عادا وتقديم ) قارون ( لشرف نسبه ) ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ( فائتين بل أدركهم أمر الله من سبق طالبه إذا فاته العنكبوت : ( 40 ) فكلا أخذنا بذنبه . . . . . ) فكلا ( من المذكورين ) أخذنا بذنبه ( عاقبناه بذنبه ) فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ( ريحا عاصفا فيها حصباء أو ملكا رماهم بها كقوم لوط ) ومنهم من أخذته الصيحة ( كمدين وثمود ) ومنهم من خسفنا به الأرض ( كقارون ) ومنهم من أغرقنا ( كقوم نوح وفرعون وقومه ) وما كان الله ليظلمهم ( ليعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من عادته عز وجل ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بالتعرض للعذاب العنكبوت : ( 41 ) مثل الذين اتخذوا . . . . . ) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ( فما اتخذوه معتمدا ومتكلا ) كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ( فيما نيسجته في الوهن والخور بل ذاك اوهن فإن لهذا حقيقة ________________________________________ " صفحة رقم 317 " وانتفاعا ما أو مثلهم بالاضافة إلى رجل بنى بيتا من حجر وجص والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والتاء فيه كتاء طاغوت ويجمع على عناكيب وعناكب وعكاب وعكبة وأعكب ) وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ( لا بيت اوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه ) لو كانوا يعلمون ( يرجعون إلى علم لعلموا أن هذا مثلهم وان دينهم اوهن من ذلك ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم سماه به تحقيقا للتمثيل فيكون المعنى وان اوهن ما يعتمد به في الدين دينهم العنكبوت : ( 42 ) إن الله يعلم . . . . . ) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ( على اضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم وقرأ البصريان بالياء حملا على ما قبله و / ما استفهامية / منصوبة ب ) تدعون ( و ) يعلم ( معلقة عنها و ) من ( للتبيين أو نافية و ) من ( مزيدة و ) شيء ( مفعول ) تدعون ( أو مصدرية و ) شيء ( مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول ) تدعون ( عائدها المحذوف والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيل للمثل وعلى الاخيرين وعيد لهم ) وهو العزيز الحكيم ( تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة اشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه وان الجماد بالاضافة إلى القاهر على كل شيء البالغ في العلم واتقان الفعل الغاية كالمعدوم وان من هذا وصفه قادر على مجازاتهم العنكبوت : ( 43 ) وتلك الأمثال نضربها . . . . . ) وتلك الأمثال ( يعني هذا المثل ونظائره ) نضربها للناس ( تقيبا لما بعد من افهامهم ) وما يعقلها ( ولا يعقل حسنها وفائدتها ) إلا العالمون ( الذين يتدبرون الاشياء على ما ينبغي وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه تلا هذه الآية فقال العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ________________________________________ " صفحة رقم 318 " العنكبوت : ( 44 ) خلق الله السماوات . . . . . ) خلق الله السماوات والأرض بالحق ( محقا غير قاصد به باطلا فإن المقصود بالذات من خلقها إفادة الخير والدلالة على ذاته وصفاته كما أشار إليه بقوله ) إن في ذلك لآية للمؤمنين ( لأنهم المنتفعون به العنكبوت : ( 45 ) اتل ما أوحي . . . . . ) اتل ما أوحي إليك من الكتاب ( تقربا إلى الله تعالى بقراءته وتحفظا لألفاظه واستكشافا لمعانيه فإن القارئ المتأمل قد ينكشف به بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه ) وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( بأن تكون سببا للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله وتورث النفس خشية منه روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الصلوات ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ارتكبه فوصف له عليه السلام فقال أن صلاته ستنهاه فلم يلبث أن تاب ) ولذكر الله أكبر ( وللصلاة اكبر من سائر الطاعات وانما عبر عنها به للتعليل بأن اشتمالها على ذكره هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات أو لذكر الله اياكم برحمته اكبر من ذكركم إياه بطاعته ) والله يعلم ما تصنعون ( منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم به أحسن المجازاة العنكبوت : ( 46 ) ولا تجادلوا أهل . . . . . ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ( إلا بالخصلة التي هي احسن كمعارضة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح وقيل هو منسوخ بآية السيف إذ لا مجادلة اشد منه وجوابه انه آخر الدواء وقيل المراد به ذو العهد منهم ) إلا الذين ظلموا منهم ( بالافراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد قولهم ) يد الله مغلولة ( أو بنبيذ العهد ومنه الجزية ) وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ( هو من المجادلة بالتي هي احسن وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم وان قالوا حقا لم تكذبوهم ) وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ( ________________________________________ " صفحة رقم 319 " مطيعون له خاصة وفيه تعريض باتخاذهم احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله العنكبوت : ( 47 - 48 ) وكذلك أنزلنا إليك . . . . . ) وكذلك ( ومثل ذلك الانزال ) أنزلنا إليك الكتاب ( وحيا مصدقا لسائر الكتب الإلهية وهو تحقيق لقوله ) فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ( هم عبد الله بن سلام واضرابه أو من تقدم عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب ) ومن هؤلاء ( ومن العرب أو أهل مكة أو ممن في عهد الرسول من أهل الكتابين ) من يؤمن به ( بالقرآن ) وما يجحد بآياتنا ( مع ظهورها وقيام الحجة عليها ) إلا الكافرون ( إلا المتوغلون في الكفر فإن جزمهم به يمنعهم عن التأمل فيما يقيد لهم صدقها لكونها معزة بالاضافة إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كما أشار إليه بقوله ) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ( فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوز في الإسناد ) إذا لارتاب المبطلون ( أي لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب الأولين الاقدمين وانما سماهم مبطلين لكفرهم أو لاتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الاعجاز المكاثرة وقيل لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم فيكون ابطالهم باعتبار الواقع دون المقدر ) بل هو ( بل القرآن ________________________________________ " صفحة رقم 320 " العنكبوت : ( 49 ) بل هو آيات . . . . . ) آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ( يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه ) وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ( المتوغلون في الظلم بالمكابرة بعد وضوح دلائل اعجازها حتى لم يعتدوا بها ) وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه ( مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى وقرأ نافع وابن عامر والبصريان وحفص ) آيات ( ) قل إنما الآيات عند الله ( ينزلها كما يشاء لست املكها فآتيكم بما تقترحونه ) أنما أنا نذير مبين ( ليس من شأني إلا الانذار وابانته بما عطيت من الآيات العنكبوت : ( 51 ) أو لم يكفهم . . . . . ) أو لم يكفهم ( آية مغنية عما اقترحوه ) أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ( تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم آية ثابتة لا تضمحل بخلاف سائر الآيات أو يتلى عليهم يعني اليهود بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك ) إن في ذلك ( الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة مبينة ) لرحمة ( لنعمة عظيمة ) وذكرى لقوم يؤمنون ( وتذكرة لمن همه الإيمان دون التعنت وقيل أن اناسا من المسلمين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكتب كتب فيها بعض ما يقول اليهود فقال كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت العنكبوت : ( 52 ) قل كفى بالله . . . . . ) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ( بصدقي وقد صدقني بالمعجزات أو بتبليغي ما ارسلت به اليكم ونصحي ومقابلتكم اياي بالتكذيب والتعنت ) يعلم ما في السماوات والأرض ( فلا يخفى عليه حالي وحالكم ) والذين آمنوا بالباطل ( وهو ما يعبد من دون ________________________________________ " صفحة رقم 321 " الله ) وكفروا بالله ( منكم ) أولئك هم الخاسرون ( في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالأيمان العنكبوت : ( 53 ) ويستعجلونك بالعذاب ولولا . . . . . ) ويستعجلونك بالعذاب ( بقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء ( ) ولولا أجل مسمى ( لكل عذاب أو قوم ) لجاءهم العذاب ( عاجلا ) وليأتينهم بغتة ( فجأة الدنيا كوقعة بدر أو الآخرة عند نزول الموت بهم ) وهم لا يشعرون ( بإتيانه العنكبوت : ( 54 ) يستعجلونك بالعذاب وإن . . . . . ) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب أو هي كالمحيطة بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها بهم واللام للعهد على وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على موجب الاحاطة أو للجنس فيكون استدلالا بحكم الجنس على حكمهم العنكبوت : ( 55 ) يوم يغشاهم العذاب . . . . . ) يوم يغشاهم العذاب ( ظرف ) لمحيطة ( أو مقدرة مثل كان كيت وكيت ) من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( من جميع جوانبهم ) ويقول ( الله أو بعض ملائكته بأمره لقراءة ابن كثير وابن عامر والبصريين بالنون ) ذوقوا ما كنتم تعملون ( أي جزاءه العنكبوت : ( 56 ) يا عبادي الذين . . . . . ) يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم اظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك وعنه عليه الصلاة والسلام من فر بدينه من ارض إلى ارض ولو كان شرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم محمد عليهما السلام والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن ارضي واسعة أن لم تخلصوا العبادة لي في ارض فأخلصوها في غيرها العنكبوت : ( 57 ) كل نفس ذائقة . . . . . ) كل نفس ذائقة الموت ( تناله لا محالة ) ثم إلينا ترجعون ( للجزاء ومن هذا عاقبته ينبغي أن يجتهد في الاستعداد له وقرأ أبو بكر بالياء ________________________________________ " صفحة رقم 322 " العنكبوت : ( 58 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم ( لننزلنهم ) من الجنة غرفا ( علالي وقرأ حمزة الكسائي / لنثوينهم / أي لنقيمنهم من الثواء فيكون انتصاب غرفا لاجرائه مجرى لننزلهم أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف المؤقت بالمبهم ) تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ( وقرئ ) فنعم ( والمخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله العنكبوت : ( 59 ) الذين صبروا وعلى . . . . . ) الذين صبروا ( على اذية المشركين والهجرة للدين إلى غير ذلك من المحن والمشاق ) وعلى ربهم يتوكلون ( ولا يتوكلون إلا على الله العنكبوت : ( 60 ) وكأين من دابة . . . . . ) وكأين من دابة لا تحمل رزقها ( لا تطيق حمله لضعفها أو لا تدخره وانما تصبح ولا معيشة عندها ) الله يرزقها وإياكم ( ثم إنها مع ضعفها وتوكلها واياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء في انه لا يرزقها واياكم إلا الله لان رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة فإنهم لما امروا بالهجرة قال بعضهم كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت ) وهو السميع ( لقولكم هذا ) العليم ( بضميركم العنكبوت : ( 61 ) ولئن سألتهم من . . . . . ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ( المسؤول عنهم أهل مكة ) ليقولن الله ( لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود ) فأنى يؤفكون ( يصرفون عن توحيده بعد اقرارهم بذلك العنكبوت : ( 62 ) الله يبسط الرزق . . . . . ) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( يحتمل أن يكون الموسع له والمضيق عليه واحدا على أن البسط والقبض على التعاقب وألا يكون على وضع الضمير موضع من يشاء وابهامه لأن من يشاء مبهم ) أن الله بكل شيء عليم ( يعلم مصالحهم ومفاسدهم العنكبوت : ( 63 ) ولئن سألتهم من . . . . . ) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ( ________________________________________ " صفحة رقم 323 " معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها اصولها وفروعها ثم انهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شيء من ذلك ) قل الحمد لله ( على ما عصمك من مثل هذه الضلالة أو على تصديقك واظهار حجتك ) بل أكثرهم لا يعقلون ( فيتناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم انهم يشركون به الصنم وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عن مقالهم العنكبوت : ( 64 ) وما هذه الحياة . . . . . ) وما هذه الحياة الدنيا ( إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة ) إلا لهو ولعب ( إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين ) وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ( لهي دار الحياة الحقيقة لامتناع طريان الموت عليها أو هي في ذاتها حياة للمبالغة و ) الحيوان ( مصدر حي سمي به ذو الحياة واصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا وهو ابلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا ) لو كانوا يعلمون ( لم يؤثروا عليها الدنيا التي اصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال العنكبوت : ( 65 ) فإذا ركبوا في . . . . . ) فإذا ركبوا في الفلك ( متصل بما دل عليه شرح حالهم أي هم على ما وصفوا به من الشرك فإذا ركبوا البحر ) دعوا الله مخلصين له الدين ( كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( فاجؤوا المعاودة إلى الشرك العنكبوت : ( 66 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . . ) ليكفروا بما آتيناهم ( اللام فيه لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة ) وليتمتعوا ( باجتماعهم على عبادة الاصنام وتوادهم عليها أو لام الأمر على التهديد ويؤيده قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وقالون عن نافع ) وليتمتعوا ( بالسكون ) فسوف يعلمون ( عاقبة ذلك حين يعاقبون ________________________________________ " صفحة رقم 324 " العنكبوت : ( 67 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا ( يعني أهل مكة ) أنا جعلنا حرما آمنا ( أي جعلنا بدلهم مصونا عن النهب والتعدي آمنا أهله عن القتل والسبي ) ويتخطف الناس من حولهم ( يختلسون قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب ) أفبالباطل يؤمنون ( ابعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله يؤمنون بالصنم أو الشيطان ) وبنعمة الله يكفرون ( حيث اشركوا به غيره وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة العنكبوت : ( 68 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( بأن زعم أن له شريكا ) أو كذب بالحق لما جاءه ( يعني الرسول أو الكتاب وفي ) لما ( تسفيه لهم بأن لم يتواقفوا ولم يتأملوا قط حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه ) أليس في جهنم مثوى للكافرين ( تقرير لثوائهم كقوله " الستم خير من ركب المطايا " أي إلا يستوجبون الثواء فيها وقد افتروا مثل هذه الكذب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو لاجترائهم أي ألم يعلموا أن ) في جهنم مثوى للكافرين ( حتى اجترؤوا مثل هذه الجراءة العنكبوت : ( 69 ) والذين جاهدوا فينا . . . . . ) والذين جاهدوا فينا ( في حقنا واطلاق المجاهدة ليعم جهاد الاعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه ) لنهدينهم سبلنا ( سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير وتوفيقا لسلوكها كقوله تعالى ) والذين اهتدوا زادهم هدى ( وفي ________________________________________ " صفحة رقم 325 " الحديث من عمل بما عمل ورثه الله علم ما لم يعلم ) وإن الله لمع المحسنين ( بالنصر والاعانة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة العنكبوت كان له من الاجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين المنافقين ________________________________________ " صفحة رقم 326 " سورة الروم مكية إلا قوله فسبحان الله الآية وآيها ستون أو تسع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم الروم : ( 1 ) الم ) الم ) الروم : ( 2 - 3 ) غلبت الروم ) غلبت الروم في أدنى الأرض ( ارض العرب منهم لأنها الأرض المعهودة عندهم أو في ادنى ارضهم من العرب واللام بدل من الاضافة ) وهم من بعد غلبهم ( من إضافة المصدر إلى المفعول وقرئ ) غلبهم ( وهو لغة كالجلب والجلب ) سيغلبون ) الروم : ( 4 ) في بضع سنين . . . . . ) في بضع سنين ( روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى وقيل بالجزيرة وهي ادنى ارض الروم من الفرس فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس اميون وقد ظهر اخواننا على اخوانكم ولنظهرن عليكم فنزلت فقال لهم أبو بكر لا يقرن الله اعينكم فوالله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبي بن خلف كذبت اجعل بيننا اجلا أنا حبك عليه فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الاجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الاجل فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبي من جرح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد قفوله من أحد وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر ________________________________________ " صفحة رقم 327 " الخطر من ورثة أبي وجاء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال تصدق به واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب واجيب بأنه كان قبل تحريم القمار والاية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغخيب وقرئ ) غلبت ( بالفتح و ) سيغلبون ( بالضم ومعناه أن الروم غلبوا على الروم على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم وعلى هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل ) لله الأمر من قبل ومن بعد ( من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كوهم غالبين أي له الأمر حين غلوا وحين يغلبون ليس شيء منهما إلا بقضائه وقرئ ) من قبل ومن بعد ( من غير تقدير مضاف إليه كأنه قيل قبلا وبعدا أي أولا وآخرا ) ويومئذ ( ويوم تغلب الروم ) يفرح المؤمنون ) الروم : ( 5 ) بنصر الله ينصر . . . . . ) بنصر الله ( من له كتاب على من لا كتاب له لما فيه من انقلاب التفاؤل وظهور صدقهم فيما اخبرا به المشركين وغلبتهم في رهانهم وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم وقيل بنصر الله المؤمنين باظهار صدقهم أو بان ولي بعض أعدائهم بعضا حتى تفانوا ) ينصر من يشاء ( فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى ) وهو العزيز الرحيم ( ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة ويتفضل عليهم بنصرهم أخرى الروم : ( 6 ) وعد الله لا . . . . . ) وعد الله ( مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله في معنى الوعد ) لا يخلف الله وعده ( لامتناع الكذب عليه تعالى ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم الروم : ( 7 ) يعلمون ظاهرا من . . . . . ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ( ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها ) وهم عن الآخرة ( التي هي غايتها والمقصود منها ) هم غافلون ( لا تخطر ببالهم و ) هم ( الثانية تكرير للاولى أو مبتدأ و ) غافلون ( خبره والجملة خبر الأولى وهو على الوجهين مناد على تمكين غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله ) لا يعلمون ( تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور ادراكها من الدنيا ببعضها ________________________________________ " صفحة رقم 328 " ظاهرها فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها واسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا واما باطنها فإنها خاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وانموذج لاحوالها واشعارا بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا الروم : ( 8 ) أو لم يتفكروا . . . . . ) أو لم يتفكروا في أنفسهم ( أو لم يحدثوا التفكر فيها أو أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها اقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على ابدائها ) ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام ) وأجل مسمى ( تنتهي عنده ولا تبقى بعده ) وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم ( بلقاء جزائه عند انقضاء الاجل المسمى أو قيام لاساعة ) لكافرون ( جاحدون يحسبون أن الدنيا ابدية وان الآخرة لا تكون الروم : ( 9 ) أو لم يسيروا . . . . . ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( تقرير لسيرهم في اقطار الأرض ونظرهم في آثار المدمرين قبلهم ) كانوا أشد منهم قوة ( كعاد وثمود ) وأثاروا الأرض ( وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها ) وعمروها ( وعمروا الأرض ) أكثر مما عمروها ( من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم اضعف حالا فيها إذ مدار أمرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتصرف في اقطار الأرض بأنواع العمارة وهم ضعفاء ملجئون إلى دار لا نفع لها ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات أو الآيات الواضحات ) فما كان الله ليظلمهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 329 " ليفعل بهم ما تفعل الظلمة فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث عملوا ما أدى إلى تدميرهم ) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى ( أي ثم كان عاقبتهم العاقبة ) السوأى ( أو الخصلة ) السوأى ( فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم وانهم جاءوا بمثل افعالهم و ) السوأى ( تأنيث الاسوأ كالحسنى أو مصدر كالبشرى نعت به ) أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ( علة أو بدل أو عطف بيان ل ) السوأى ( أو خبر كان و ) السوأى ( مصدر اساؤوا أو مفعوله بمعنى الروم : ( 10 ) ثم كان عاقبة . . . . . ) ثم كان عاقبة ( الذين اقترفوا الخطيئة أن طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها ويجوز أن تكون ) السوأى ( صلة الفعل و ) أن كذبوا ( تابعها والخبر محذوف للابهام والتهويل وان تكون ) إن ( مفسرة لان الاساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب والاستهزاء كانت متضمنة معنى القول وقرأ ابن عامر والكوفيون ) عاقبة ( بالنصب على أن الاسم ) السوأى ( و ) أن كذبوا ( على الوجوه المذكورة الروم : ( 11 ) الله يبدأ الخلق . . . . . ) الله يبدأ الخلق ( ينشئهم ) ثم يعيده ( يبعثهم ) ثم إليه ترجعون ( للجزاء والعدول إلى الخطاب للمبالغة في المقصود وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وروح بالياء على الأصل الروم : ( 12 ) ويوم تقوم الساعة . . . . . ) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( يسكتون متحرين آيسين يقال ناظرته فأبلس إذا سكت وآيس من أن يحتج ومنه الناقة المبلاس التي لا ترغو وقرئ بفتح اللام من ابلسه إذا اسكته الروم : ( 13 ) ولم يكن لهم . . . . . ) ولم يكن لهم من شركائهم ( ممن اشركوهم بالله ) شفعاء ( يجيرونهم من عذاب الله مجيئه بلفظ الماضي لتحققه ) وكانوا بشركائهم كافرين ( يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم وقيل كانوا في الدنيا كافرين بسببهم وكتب في المصحف شفعواء / علموا بني إسرائيل / بالواو وكذا ) السوأى ( بالألف اثباتا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها الروم : ( 14 ) ويوم تقوم الساعة . . . . . ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( أي المؤمنون والكافرون لقوله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 330 " الروم : ( 15 ) فأما الذين آمنوا . . . . . ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة ( ارض ذات ازهار وانهار ) يحبرون ( يسرون سرورا تهلك له وجوههم الروم : ( 16 ) وأما الذين كفروا . . . . . ) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ( مدخلون لا يغيبون عنه الروم : ( 17 - 18 ) فسبحان الله حين . . . . . ) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ( إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الاوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لان آثاره القدرة والعظمة فيهما اظهر وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما اكثر ويجوز أن يكون ) وعشيا ( معطوفا على ) حين تمسون ( وقوله ) وله الحمد في السماوات والأرض ( ________________________________________ " صفحة رقم 331 " اعتراضا وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس ) تمسون ( صلاتا المغرب والعشاء و ) تصبحون ( صلاة الفجر و ) وعشيا ( صلاة العصر و ) تظهرون ( صلاة الظهر ولذلك زعم الحسن إنها مدينة لانه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وانما فرضه الخمس بالمدينة والاكثر على إنها فرضت بمكة وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من سره أن يكال له بالفقيز الاوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ومن قال حين يسمي أدرك ما فاته في يومه وقرئ حينا تمسون وحينا تصبحون أي تمسون فيه وتصبحون فيه الروم : ( 19 ) يخرج الحي من . . . . . ) يخرج الحي من الميت ( كالانسان من النطفة والطائر من البيضة ) ويخرج الميت من الحي ( كالنطفة والبيضة أو يعقب الحياة الموت وبالعكس ) ويحيي الأرض ( بالنبات ) بعد موتها ( يبسها ) وكذلك ( ومثل ذلك الاخراج ) تخرجون ( من قبوركم فإنه أيضا تعقيب الحياة الموت وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء الروم : ( 20 ) ومن آياته أن . . . . . ) ومن آياته أن خلقكم من تراب ( أي في أصل الانشاء لانه خلق اصلهم منه ) ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ( ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض الروم : ( 21 ) ومن آياته أن . . . . . ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ( لان حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء خلقن من نطف الرجال أو لأنهن من جنسه لا من جنس آخر ) لتسكنوا إليها ( لتميلوا إليها وتألفوا بها فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر ) وجعل بينكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 332 " أي بين الرجال والنساء أو بين افراد الجنس ) مودة ورحمة ( بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظما لأمر المعاش أو بأن تعيش الإنسان متوقف على التعارف والتعاون المحوج إلى التواد والتراحم وقيل المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كقوله تعالى ) ورحمة منا ( ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( فيعلمون ما في ذلك من الحكم الروم : ( 22 ) ومن آياته خلق . . . . . ) ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم ( لغاتكم بأن علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها وأقدره عليها أو اجناس نطفكم واشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية ) وألوانكم ( بياض الجلد وسواده أو تخطيطات الاعضاء وهيئاتها والوانها وحلاها بحيث وقع التمايز والتعارف حتى أن التوأمين مع توافق موادهما واسبابهما والامور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة ) إن في ذلك لآيات للعالمين ( لا تكاد تخفى على عاقل من ملك أو انس أو جن وقرأ حفص بكسر اللام ويؤيد قوله ) وما يعقلها إلا العالمون ( ________________________________________ " صفحة رقم 333 " الروم : ( 23 ) ومن آياته منامكم . . . . . ) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ( منامكم في الزمنين لاستراحة القوى النفسانية وتقوي القوى الطبيعية وطلب معاشكم فيها أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين اشعارا بأن كلا من الزمانين وإن اختص بإحداهما فهو صالح للاخر عند الحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه ) إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( سماع نفهم واستبصار فإن الحكمة فيه ظاهرة الروم : ( 24 ) ومن آياته يريكم . . . . . ) ومن آياته يريكم البرق ( مقدر بأن المصدرية كقوله " إلا ايهذا الزاجري احضر الوغى وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي " أو الفعل فيه منزلة المصدر كقولهم تسمع بالمعيدي خير م أن تراه أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق كقوله " فما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى ابتغي العيش اكدح " ) خوفا ( من الصاعقة للمسافر ) وطمعا ( في الغيث للمقيم ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فإن اراءتهم تستلزم رؤيتهم أو له على تقدير مضاف نحو إرادة خوف وطمع أو تأويل الخوف والطمع بالاخافة والاطماع كقولك فعلته رغما للشيطان أو على الحال مثل كلمته شفاها ) وينزل من السماء ماء ( وقرئ بالتشديد ) فيحيي به الأرض ( بالنبات ) بعد موتها ( يبسها ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم في استنباط اسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته الروم : ( 25 ) ومن آياته أن . . . . . ) ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ( قيامهما بإقامته لهما وارادته لقيامهما في حيزيها المعينين من غير مقيم محسوس والتعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة ) ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ( عطف على ) أن تقوم ( على تأويل مفرد كأنه قيل ومن آياته قيام السماوات والأرض بأمره ثم خروجكم من القبور ) إذا دعاكم دعوة ( واحد فيقول أيها الموتى اخرجوا والمراد تشبيه سرعة ترتب حصول ذلك على تعلق ارادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب اجابة الداعي المطاع ________________________________________ " صفحة رقم 334 " على دعائه وثم أما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه ومن الأرض متعلق بدعا كقولك دعوته من اسفل الوادي فطلع الي لا بتخرجون لان ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها و ) إذا ( الثانية للمفاجأة ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى الروم : ( 26 ) وله من في . . . . . ) وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ( منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عنه الروم : ( 27 ) وهو الذي يبدأ . . . . . ) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ( بعد هلاكهم ) وهو أهون عليه ( والاعادة اسهل عليه من الأصل بالااضافة إلى قدركم والقياس على اصولكم وألا فهما عليه وسواء وللك قيل الهاء ل ) الخلق ( وقيل ) أهون ( بمعنى هين وتذكير هو لاهون أو لان الاعادة بمعنى أن يعيد ) وله المثل ( الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامة والحكمة التامة ومن فسره بقول لا اله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية ) الأعلى ( الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه ) في السماوات والأرض ( يصفه به ما فيها دلالة ونطقا ) وهو العزيز ( القادر الذي لا يعجز عن ابداء ممكن واعادته ) الحكيم ( الذي يجري الأفعال على مقتضى حكمته الروم : ( 28 ) ضرب لكم مثلا . . . . . ) ضرب لكم مثلا من أنفسكم ( منتزعا من احوالها التي هي اقرب الأمور اليكم ) هل لكم من ما ملكت أيمانكم ( من مماليككم ) من شركاء في ما رزقناكم ( من الأموال وغيرها ) فأنتم فيه سواء ( فتكونوا أنتم وهم فيه شرعا يتصرفون فيه كتصرفكم مع انهم لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ) تخافونهم ( أن يستبدوا بتصرف فيه ) كخيفتكم أنفسكم ( كما يخاف الاحرار بعضهم من بعض ) كذلك ( مثل ذلك التفضيل ) نفصل الآيات ( نبينها فإن التفصيل مما يكشف المعاني ويوضحها ) لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال ________________________________________ " صفحة رقم 335 " الروم : ( 29 ) بل اتبع الذين . . . . . ) بل اتبع الذين ظلموا ( بالاشراك ) أهواءهم بغير علم ( جاهلين لا يكفهم شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه ) فمن يهدي من أضل الله ( فمن يقدر على هدايته ) وما لهم من ناصرين ( يخلصونهم من الضلالة ويحفظوهم عن آفاتها الروم : ( 30 ) فأقم وجهك للدين . . . . . ) فأقم وجهك للدين حنيفا ( فقومه له غير ملتفت أو ملتفت عنه وهو تمثيل للاقبال والاستقامة عليه والاهتمام به ) فطرة الله ( خلقته نصب على الاغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها ) التي فطر الناس عليها ( خلقهم عليها وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوما عليه أدى بهم إليها وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته ) لا تبديل لخلق الله ( لا يقدر أحد أن يغيره أو ما ينبغي أن يغير ) ذلك ( إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة أن فسرت بالملة ) الدين القيم ( المستقيم الذي لا عوج فيه ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( استقامته لعدم تدبرهم الروم : ( 31 ) منيبين إليه واتقوه . . . . . ) منيبين إليه ( راجعين إليه من اناب إذا رجع مرة بعد أخرى وقيل منقطعين إليه من الناب وهو حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أم لان الآية خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والامة لقوله ) واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ( غير إنها صدرت بخطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تعظيما له الروم : ( 32 ) من الذين فرقوا . . . . . ) من الذين فرقوا دينهم ( بدل من المشركين وتفريقهم اختلافهم فيها يعبدونه على اختلاف اهوائهم وقرأ حمزة والكسائي / فارقوا / بمعنى تركوا دينهم الذي امروا به ) وكانوا شيعا ( فرقا تشايع كل امامها الذي اضل دينها ) كل حزب بما لديهم فرحون ( ________________________________________ " صفحة رقم 336 " مسرورون ظنا بأنه الحق ويجوز أن يجعل فرحون صفة كل على أن الخبر ) من الذين فرقوا ) الروم : ( 33 ) وإذا مس الناس . . . . . ) وإذا مس الناس ضر ( شدة ) دعوا ربهم منيبين إليه ( راجعين من دعاء غيره ) ثم إذا أذاقهم منه رحمة ( خلاصا من تلك الشدة ) إذا فريق منهم بربهم يشركون ( فاجأ فريق منهم بالاشراك بربهم الذي عافاهم الروم : ( 34 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . . ) ليكفروا بما آتيناهم ( اللام فيه للعاقبة وقيل للامر بمعنى التهديد لقوله ) فتمتعوا ( غير انه التفت فيه مبالغة وقرئ ) وليتمتعوا ( ) فسوف تعلمون ( عاقبة تمتعكم وقرئ بالياء التحتية على أن تمتعوا ماض الروم : ( 35 ) أم أنزلنا عليهم . . . . . ) أم أنزلنا عليهم سلطانا ( حجة وقيل ذا سلطان أي ملكا مع برهان ) فهو يتكلم ( تكلم دلالة كقوله ) كتابنا ينطق عليكم بالحق ( أو نطق ) بما كانوا به يشركون ( بإشراكهم وصحته أو بالأمر الذي يسببه يشركون به في الوهيته الروم : ( 36 ) وإذا أذقنا الناس . . . . . ) وإذا أذقنا الناس رحمة ( نعمة من صحة وسعة ) فرحوا بها ( بطروا بسببها ) وإن تصبهم سيئة ( شدة ) بما قدمت أيديهم ( بشؤم معاصيهم ) إذا هم يقنطون ( فاجؤوا القنوط من رحمته وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر النون الروم : ( 37 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( فلما لهم يشركوا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة الروم : ( 38 ) فآت ذا القربى . . . . . ) فآت ذا القربى حقه ( كصلة الرحم واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم وهو غير مشعر به ) والمسكين وابن السبيل ( ما وظف لهما من الزكاة والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لمن بسط له ولذلك رتب على ما قبله بالفاء ) ذلك خير للذين يريدون وجه الله ( ذاته أو جهته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا أو جهة التقرب إليه لا جهة ________________________________________ " صفحة رقم 337 " أخرى ) وأولئك هم المفلحون ( حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم الروم : ( 39 ) وما آتيتم من . . . . . ) وما آتيتم من ربا ( زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يتوقع بها مزيد مكافأة وقرأ ابن كثير بالقصر بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا ) ليربو في أموال الناس ( ليزيد ويزكو في أموالهم ) فلا يربو عند الله ( فلا يزكو عنده ولا يبارك فيه وقرأ نافع ويعقوب / لتربوا / أي لتزيدوا أو لتصيروا ذوي ربا ) وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ( تبتغون به وجهه خالصا ) فأولئك هم المضعفون ( ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة وقرئ بفتح العين وتغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظما للمبالغة والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفا لحالهم أو للتعميم كأنه قال فمن فعل ذلك ) فأولئك هم المضعفون ( والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة تقديره المضعفون به أو فمؤتوه أولئك هم المضغفون الروم : ( 40 ) الله الذي خلقكم . . . . . ) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ( أثبت له لوازم الألوهية ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق ثم استنتج من ذلك تقسه عن أن يكون له شركاء فقال ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة صفة والخبر ) هل من شركائكم ( والرابط ) من ذلكم ( لأنه بمعنى من أفعاله و ) من ( الأولى والثانية تفيد أن شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيدة لتعميم المنفي وكل منها مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ________________________________________ " صفحة رقم 338 " الروم : ( 41 ) ظهر الفساد في . . . . . ) ظهر الفساد في البر والبحر ( كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الغاصة ومحق البركات وكثرة المضار أو الضلالة والظلم وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرئ و / البحور / ) بما كسبت أيدي الناس ( بشؤم معاصيهم أو بكسبهم إياه وقيل ظهر الفساد في البر بقتل قابيل أخاه وفي البحر بأن جلندا ملك عمان كان يأخذ كل سفينة غصبا ) ليذيقهم بعض الذي عملوا ( بعض أجزائه فإن تمامه في الآخرة واللام للعلة أو العاقبة وعن ابن كثير ويعقوب ) لنذيقهم ( بالنون ) لعلهم يرجعون ( عما هم عليه الروم : ( 42 ) قل سيروا في . . . . . ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ( لتشاهدوا مصداق ذلك وتحققوا صدقه ) كان أكثرهم مشركين ( استئناف للدلالة على أن سوء عاقبتهم كان لفشو الشرك وغلبته فيهم أو كان الشرك في أكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم الروم : ( 43 ) فأقم وجهك للدين . . . . . ) فأقم وجهك للدين القيم ( البليغ الاستقامة ) من قبل أن يأتي يوم لا مرد له ( لا يقدر أن يرده أحد وقوله ) من الله ( متعلق ب ) يأتي ( ويجوز أن يتعلق ب ) مرد ( لأنه مصدر على معنى لا يرده الله لتعلق إرادته القديمة بمجيئه ) يومئذ يصدعون ( يتصدعون أي يتفرقون ) فريق في الجنة وفريق في السعير ( كما قال ________________________________________ " صفحة رقم 339 " الروم : ( 44 ) من كفر فعليه . . . . . ) من كفر فعليه كفره ( أي وباله وهو النار المؤبدة ) ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ( يسوون منزلا في الجنة وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص الروم : ( 45 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . . ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله ( علة ل ) يمهدون ( أو ل ) يصدعون ( والاقتصار على جزاء المؤمنين للإشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء على فحوى قوله ) إنه لا يحب الكافرين ( فإن فيه إثبات البعض لهم والمحبة للمؤمنين وتأكيد اختصاص الصلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التصريح بهم تعليل له ومن فضله دال على أن الإثابة تفضل محض وتأويله بالعطاء أو الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر الروم : ( 46 ) ومن آياته أن . . . . . ) ومن آياته أن يرسل الرياح ( الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ) الريح ( على إرادة الجنس ) مبشرات ( بالمطر ) وليذيقكم من رحمته ( يعني المنافع التابعة لها وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مه هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها ) مبشرات ( أو عليها باعتبار المعنى أو على ) يرسل ( بإضمار فعل معلل دل عليه ) ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ( يعني تجارة البحر ) ولعلكم تشكرون ( ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها الروم : ( 47 ) ولقد أرسلنا من . . . . . ) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا ( بالتدمير ) وكان حقا علينا نصر المؤمنين ( إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم ________________________________________ " صفحة رقم 340 " حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا ذلك وقد يوقف على ) حقا ( على أنه متعلق بالانتقام الروم : ( 48 ) الله الذي يرسل . . . . . ) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه ( متصلا تارة ) في السماء ( في سمتها ) كيف يشاء ( سائرا أو واقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك ) ويجعله كسفا ( قطعا تارة أخرى وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به ) فترى الودق ( المطر ) يخرج من خلاله ( في التارتين ) فإذا أصاب به من يشاء من عباده ( يعني بلادهم وأراضيهم ) إذا هم يستبشرون ( لمجيء الخصب الروم : ( 49 ) وإن كانوا من . . . . . ) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم ( المطر ) من قبله ( تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال ) لمبلسين ( لآيسين الروم : ( 50 ) فانظر إلى آثار . . . . . ) فانظر إلى آثار رحمة الله ( أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ) كيف يحيي الأرض بعد موتها ( وقرئ بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة ) إن ذلك ( يعني إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها ) لمحيي الموتى ( لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة ) وهو على كل شيء قدير ( لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء الروم : ( 51 ) ولئن أرسلنا ريحا . . . . . ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ( فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم ________________________________________ " صفحة رقم 341 " وقيل السحاب لأنه إذا كان ) مصفرا ( لم يمطر والام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله ) لظلوا من بعده يكفرون ( جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم فإن النظر السري يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه الروم : ( 52 ) فإنك لا تسمع . . . . . ) فإنك لا تسمع الموتى ( وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم ) ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( قيد الحكم به ليكون أشد استحالة فإن الأصم المقبل وإن لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئا وقرأ ابن كثير بالياء مفتوحة ورفع ) الصم ) الروم : ( 53 ) وما أنت بهادي . . . . . ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ( سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمى قلوبهم وقرأ حمزة وحده ) تهدي العمي ( ) إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ( فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ وتدبر المعنى ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإيمان ) فهم مسلمون ( لما تأمرهم به الروم : ( 54 ) الله الذي خلقكم . . . . . ) الله الذي خلقكم من ضعف ( أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله ) وخلق الإنسان ضعيفا ( أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة ) ثم جعل من بعد ضعف قوة ( وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح ) ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ( إذا أخذ منكم السن وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما قرأتها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ضعف فأقرأني من ضعف وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم ________________________________________ " صفحة رقم 342 " ) يخلق ما يشاء ( من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة ) وهو العليم القدير ( فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة الروم : ( 55 ) ويوم تقوم الساعة . . . . . ) ويوم تقوم الساعة ( القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وصارت علما بها بالغلبة كالكوكب للزهرة ) يقسم المجرمون ما لبثوا ( في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم وفي الحديث ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون وهو محتمل الساعات والأيام والأعوام ) غير ساعة ( استقلوا مدة ليثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسيانا ) كذلك ( مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق ) كانوا يؤفكون ( يصرفون في الدنيا الروم : ( 56 ) وقال الذين أوتوا . . . . . ) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان ( من الملائكة والإنس ) لقد لبثتم في كتاب الله ( في علمه أو قضائه أو ما كتبه لكم أي أوجبه أو اللوح أو القرآن وهو قوله ) ومن ورائهم برزخ ( ) إلى يوم البعث ( ردوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه ) فهذا يوم البعث ( الذي أنكرتموه ) ولكنكم كنتم لا تعلمون ( أنه حق لتفريطكم في النظر والفاء لجواب شرط محذوف تقديره إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه أي فقد تبين بطلان إنكاركم الروم : ( 57 ) فيومئذ لا ينفع . . . . . ) فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ( وقرأ الكوفيون بالياء لأن المعذرة بمعنى ________________________________________ " صفحة رقم 343 " العذر أو لأن تأنيثها غير حقيقي وقد فصل بينهما ) ولا هم يستعتبون ( لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته الروم : ( 58 ) ولقد ضربنا للناس . . . . . ) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( ولقد وصفناهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال مثل صفة المبعوثين يوم القيامة فيما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب أو بينا لهم من كل مثل ينبههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول ) ولئن جئتهم بآية ( من آيات القرآن ) ليقولن الذين كفروا ( من فرط عنادهم وقساوة قلوبهم ) إن أنتم ( يعنون الرسول والمؤمنين ) إلا مبطلون ( مزورون الروم : ( 59 ) كذلك يطبع الله . . . . . ) كذلك ( مثل ذلك الطبع ) يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ( لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق الروم : ( 60 ) فاصبر إن وعد . . . . . ) فاصبر ( على أذاهم ) إن وعد الله ( بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله ) حق ( لا بد من إنجازه ) ولا يستخفنك ( ولا يحملنك على الخفة والقلق ) الذين لا يوقنون ( بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك وعن يعقوب بتخفيف النون وقرئ / ولا يستحقنك / أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته ________________________________________ " صفحة رقم 344 " سورة لقمان مقدمة مكية إلا آية وهي ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( فإن وجوبهما بالمدينة وهو ضعيف لأنه لا ينافي شرعيتهما بمكة وقيل إلا ثلاثا من قوله ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( وهي أربع وثلاثون آية وقيل ثلاث وثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم لقمان : ( 1 - 2 ) الم ) الم تلك آيات الكتاب الحكيم ( سبق بيانه في يونس لقمان : ( 3 ) هدى ورحمة للمحسنين ) هدى ورحمة للمحسنين ( حالان من الآيات والعامل فيهما معنى الإشارة ورفعهما حمزة على الخبر بعد الخبر أو الخبر لمحذوف لقمان : ( 4 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . . ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ( بيان لإحسانهم أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها وتكرير الضمير للتوكيد ولما حيل بينه وبين خبره لقمان : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . . ) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح لقمان : ( 6 ) ومن الناس من . . . . . ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار بها والمضاحك وفضول الكلام والإضافة بمعنى من وهي ________________________________________ " صفحة رقم 345 " تبيينية إن أراد بالحديث المنكر وتبعيضية إن أراد به الأعم منه وقيل نزلت في النضر بن الحارث اشترى كتب الأعاجم وكان يحدث بها قريشا ويقول إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار والأكاسرة وقيل كان يشتري القيان ويحملهن على معاشرة من أراد الإسلام ومنعه عنه ) ليضل عن سبيل الله ( دينه أو قراءة كتابه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء بمعنى ليثبت على ضلاله ويزيد فيه ) بغير علم ( بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن ) ويتخذها هزوا ( ويتخذ السبيل سخرية وقد نصبه حمزة والكسائي ويعقوب وحفص عطفا على ) ليضل ( ) أولئك لهم عذاب مهين ( لإهانتهم الحق باستئثار الباطل عليه لقمان : ( 7 ) وإذا تتلى عليه . . . . . ) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا ( متكبرا لا يعبأ بها ) كأن لم يسمعها ( مشابها حاله حال من لم يسمعها ) كأن في أذنيه وقرا ( مشابها من في أذنيه ثقل لا يقدر أن يسمع والأولى حال من المستكن في ) ولي ( أو في ) مستكبرا ( والثانية بدل منها أو حال من المستكن في ) لم يسمعها ( ويجوز أن يكونا استئنافين وقرأ نافع ) في أذنيه ( ) فبشره بعذاب أليم ( أعلمه بأن العذاب يحيق به لا محالة وذكر البشارة على التهكم لقمان : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ( أي لهم نعيم الجنات فعكس للمبالغة لقمان : ( 9 ) خالدين فيها وعد . . . . . ) خالدين فيها ( حال من الضمير في ) لهم ( أو من ) جنات النعيم ( والعامل ما تعلق به اللام ) وعد الله حقا ( مصدران مؤكدان الأول لنفسه والثاني لغيره لأن قوله ) لهم جنات ( وعد وليس كل وعد حقا ) وهو العزيز ( الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده ) الحكيم ( الذي لا يفعل إلا ما تستدعيه حكمته لقمان : ( 10 - 11 ) خلق السماوات بغير . . . . . ) خلق السماوات بغير عمد ترونها ( قد سبق في الرعد ) وألقى في الأرض رواسي ( جبالا شوامخ ) أن تميد بكم ( كراهة أن تميد بكم فإن تشابه أجزائها يقتضي ________________________________________ " صفحة رقم 346 " تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيز ووضع معينين ) وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ( من كل صنف كثير المنفعة وكأنه استدل بذلك على عزته التي هي كمال القدرة وحكمته التي هي كمال العلم ومهد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله ) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ( هذا الذي ذكر مخلوقه فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته و ) ماذا ( نصب ب ) خلق ( أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته ) فأروني ( معلق عنه ) بل الظالمون في ضلال مبين ( إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على ناظر ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم لقمان : ( 12 ) ولقد آتينا لقمان . . . . . ) ولقد آتينا لقمان الحكمة ( يعني لقمان بن باعوراء من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته وعاش حتى أدرك داود ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه والجمهور على أنه كان حكيما ولك يكن نبيا والحكمة في عرف العلماء استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها ومن حكمته أنه صحب داود شهورا وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمت حكم وقليل فاعله وأن داود ( صلى الله عليه وسلم ) قال له يوما كيف أصبحت فقال أصبحت في يدي غيري فتفكر داود فيه فصعق صعقة وأنه أمره بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام أمره بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتى بهما أيضا فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شيء إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا ) أن اشكر لله ( لأن أشكر أو أي أشكر فإن إيتاء الحكمة في معنى القول ) ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ( لأن نفعه عائد إليهما وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها ) ومن كفر فإن الله غني ( لا يحتاج إلى الشكر ) حميد ( حقيق بالحمد وإن لم يحمد أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقات بلسان الحال ________________________________________ " صفحة رقم 347 " لقمان : ( 13 ) وإذ قال لقمان . . . . . ) وإذ قال لقمان لابنه ( أنعم أو أشكم أو ماثان ) وهو يعظه يا بني ( تصغير إشفاق وقرأ ابن كثير هنا وفي ) يا بني أقم الصلاة ( بإسكان الياء وحفص فيهما وفي ) يا بني إنها إن تك ( بفتح الياء ومثله البزي في الأخير وقرأ الباقون في الثلاثة بكسر الياء ) لا تشرك بالله ( قيل كان كافرا فلم يزل به حتى أسلم ومن وقف على ) لا تشرك ( جعل بالله قسما ) إن الشرك لظلم عظيم ( لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه لقمان : ( 14 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . . ) ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا ( ذات وهن أو تهن وهنا ) على وهن ( أي تضعف ضعفا فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال وقرئ بالتحريك ويقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا ) وفصاله في عامين ( وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة وقرئ / وفصله في عامين / وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاع حولان ) أن اشكر لي ولوالديك ( تفسير ل ) وصينا ( أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصا ومن ثم قال ( صلى الله عليه وسلم ) لمن قال من أبر أمك ثم أمك ثم أمك ثم قال بعد ذلك أباك ) إلي المصير ( فأحاسبك على شكرك وكفرك لقمان : ( 15 ) وإن جاهداك على . . . . . ) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ( باستحقاقه الإشراك تقليدا لهما وقيل أراد بنفي العلم به نفيه ) فلا تطعهما ( في ذلك ) وصاحبهما في الدنيا معروفا ( صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم ) واتبع ( في الدين ) سبيل من أناب إلي ( بالتوحيد والإخلاص في الطاعة ) ثم إلي مرجعكم ( مرجعك ومرجعهما ) فأنبئكم بما كنتم تعملون ( بأن أجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما والآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال وقد وصينا بمثل ما وصى به وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقاه في الإشراك فما ظنك بغيرهما نزولهما في سعد بن أبي ________________________________________ " صفحة رقم 348 " وقاص وأمه مكثت لإسلامه ثلاثا لم تطعم فيها شيئا ولذلك قيل من أناب إليه أبو بكر رضي الله عنه فإنه أسلم بدعوته لقمان : ( 16 ) يا بني إنها . . . . . ) يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ( أي أن الخصلة من الإحسان أو الإساءة إن تك مثلا في الصغر كحبة الخردل ورفع نافع ) مثقال ( على أن الهاء ضمير القصة وكان تامة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبة كقول الشاعر " كما شرقت صدر القناة من الدم " أو لأن المراد به الحسنة أو السيئة ) فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض ( في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض وقرئ بكسر الكاف من وكن الطائر إذا استقر في وكنته ) يأت بها الله ( يحضرها فيحاسب عليها ) إن الله لطيف ( يصل علمه إلى كل خفي ) خبير ( عالم بكنهه لقمان : ( 17 ) يا بني أقم . . . . . ) يا بني أقم الصلاة ( تكميلا لنفسك ) وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ( تكميلا لغيرك ) واصبر على ما أصابك ( من الشدائد سيما في ذلك ) إن ذلك ( إشارة إلى الصبر أو إلى كل ما أمر به ) من عزم الأمور ( مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب مصدر أطلق للمفعول ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل من قوله ) فإذا عزم الأمر ( أي جد لقمان : ( 18 ) ولا تصعر خدك . . . . . ) ولا تصعر خدك للناس ( لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي / ولا تصاعر / وقرئ ) ولا تصعر ( والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه ) ولا تمش في الأرض مرحا ( أي فرحا مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحا أو لأجل المرح وهو البطر ) إن الله لا يحب كل مختال فخور ( علة للنهي وتأخير ال ) فخور ( ________________________________________ " صفحة رقم 349 " وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحا لتوافق رؤوس الآي لقمان : ( 19 ) واقصد في مشيك . . . . . ) واقصد في مشيك ( توسط فيه بين الدبيب والإسراع وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت وقرئ بقطع الهمزة من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية ) واغضض من صوتك ( وانقص منه واقصر ) إن أنكر الأصوات ( أوحشها ) لصوت الحمير ( والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الأذنين وفي تمثيل الصوت الرمتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الاستعارة مبالغة شديدة وتوحيد الصوت لأن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الآحاد أو لأنه مصدر في الأصل لقمان : ( 20 ) ألم تروا أن . . . . . ) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات ( بأن جعله أسبابا محصلة لمنافعكم ) وما في الأرض ( بأن مكنكم من الانتفاع به بوسط أو غير وسط ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ( محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقد مر شرح النعمة وتفصيلها في الفاتحة وقرئ / وأصبغ / بالإبدال وهو جار في كل سين اجتمع من الغين أو الخاء أو القاف كصلخ وصقر وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص ) نعمة ( بالجمع والإضافة ) ومن الناس من يجادل في الله ( فو توحيده وصفاته ) بغير علم ( مستفاد من دليل ) ولا هدى ( راجع إلى رسول ) ولا كتاب منير ( أنزله الله بل بالتقليد كما قال لقمان : ( 21 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ( وهو منع صريح من التقليد في الأصول ) أولو كان الشيطان يدعوهم ( يحتمل أن يكون الضمير ) لهم ( ولآبائهم ) إلى عذاب السعير ( إلى ما يؤول إليه من التقليد أو الإشراك وجواب محذوف مثل لاتبعوه والاستفهام للإنكار والتعجب لقمان : ( 22 ) ومن يسلم وجهه . . . . . ) ومن يسلم وجهه إلى الله ( بأن فوض أمره إليه وأقبل بشراشره عليه من أسلمت المتاع إلى الزبون ويؤيده القراءة بالتشديد وحيث عدي باللام فلتضمن معنى الإخلاص ) وهو محسن ( في عمله ) فقد استمسك بالعروة الوثقى ( تعلق بأوثق ما يتعلق به وهو تمثيل لمتوكل المشتغل بالطاعة بمن أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه ) وإلى الله عاقبة الأمور ( إذ الكل صائر إليه ________________________________________ " صفحة رقم 350 " لقمان : ( 23 ) ومن كفر فلا . . . . . ) ومن كفر فلا يحزنك كفره ( فإنه لا يضرك في الدنيا والآخرة وقرئ ) فلا يحزنك ( من أحزن وليس بمستفيض ) إلينا مرجعهم ( في الدارين ) فننبئهم بما عملوا ( بالإهلاك والتعذيب ) إن الله عليم بذات الصدور ( فمجاز عليه فضلا عما في الظاهر لقمان : ( 24 ) نمتعهم قليلا ثم . . . . . ) نمتعهم قليلا ( تمتيعا أو زمانا قليلا فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل ) ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ( يثقل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ أو يضم إلى الإحراق الضغط لقمان : ( 25 ) ولئن سألتهم من . . . . . ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذاعته ) قل الحمد لله ( على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم ) بل أكثرهم لا يعلمون ( أن ذلك يلزمهم لقمان : ( 26 ) لله ما في . . . . . ) لله ما في السماوات والأرض ( لا يستحق العبادة فيهما غيره ) إن الله هو الغني ( عن حمد الحامدين ) الحميد ( المستحق للحمد وإن لم يحمد لقمان : ( 27 ) ولو أنما في . . . . . ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( ولو ثبت كون الأشجار أقلاما وتوحيد ) شجرة ( لأن المراد تفصيل الآحاد ) والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ( والبحر المحيط بسعته مدادا ممدودا بسبعة أبحر فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مد الدواة وأمدها ورفعه للعطف على محل أن ومعموليها وبمده حال أو للابتداء على أنه مستأنف أو الواو للحال ونصبه البصريان بالعطف على اسم ) إن ( أو إضمار فعل يفسره ) يمده ( وقرئ ________________________________________ " صفحة رقم 351 " / تمده / ويمده بالياء والتاء ) ما نفدت كلمات الله ( بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد وإيثار جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير ) أن الله عزيز ( لا يعجزه شيء ) حكيم ( لا يخرج عن علمه وحكمته أمر والآية جواب لليهود سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله تعالى ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( وقد أنزل التوراة وفيها علم كل شيء لقمان : ( 28 ) ما خلقكم ولا . . . . . ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ( إلا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن لأنه يكفي لوجود الكل تعلق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتية كما قال ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( ) إن الله سميع ( يسمع كل مسموع ) بصير ( يبصر كل مبصر لا يشغله إدراك بعضها عن بعض فكذلك الحق لقمان : ( 29 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري ( كل من النيرين يجري في فلكه ) إلى أجل مسمى ( إلى منتهى معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر وقيل إلى يوم القيامة والفرق بينه وبين قوله ) لأجل مسمى ( أن ال ) أجل ( ها هنا منتهى الجري وثمة غرضه حقيقة أو مجازا وكلا المعنيين حاصل في الغايات ) وأن الله بما تعملون خبير ( عالم بكنهه لقمان : ( 30 ) ذلك بأن الله . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع ________________________________________ " صفحة رقم 352 " واختصاص الباري بها ) بأن الله هو الحق ( بسبب أنه الثابت في ذاته الواجب من جميع جهاته أو الثابت إلهيته ) وأن ما يدعون من دونه الباطل ( المعدوم في حد ذاته لأنه لا يوجد ولا يتصف إلا بجعله أو الباطل إلهيته وقرأ البصريان والكوفيون غير أبي بكر بالياء ) وأن الله هو العلي الكبير ( مترفع على كل شيء ومتسلط عليه لقمان : ( 31 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ( بإحسانه في تهيئة أسبابه وهو استشهاد آخر على باهر قدرته وكمال حكمه وشمول إنعامه والباء للصلة أو الحال وقرئ ) الفلك ( بالتثقيل و / بنعمات الله / بسكون العين وقد جوز في مثله الكسر والفتح والسكون ) ليريكم من آياته ( دلائل ) إن في ذلك لآيات لكل صبار ( على المشاق فيتعب نفسه بالتفكير في الآفاق والأنفس ) شكور ( يعرف النعم ويتعرف مانحها أو للمؤمنين فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر لقمان : ( 32 ) وإذا غشيهم موج . . . . . ) وإذا غشيهم ( علاهم وغطاهم ) موج كالظلل ( كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما وقرئ كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال ) دعوا الله مخلصين له الدين ( لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد ) فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ( مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد أو متوسط في الكفر لإنجازه بعض لانزجاره بعض الانزجار ) وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار ( غدار فإنه نقض للعهد الفطري أو لما كان في البحر والختر أشد الغدر ) كفور ( للنعم لقمان : ( 33 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ( لا يقضي عنه وقرئ / لا يجزئ / من أجزأ إذا أغنى والراجع إلى الموصوف محذوف أي لا يجزى فيه ) ولا مولود ( عطف على ) والد ( أو مبيتدأ خبره ) هو جاز عن والده شيئا ( وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة ) إن وعد الله ( بالثواب والعقاب ) حق ( لا يمكن خلفه ) فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ( الشيطان بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجسركم على المعاصي ________________________________________ " صفحة رقم 353 " لقمان : ( 34 ) إن الله عنده . . . . . ) إن الله عنده علم الساعة ( علم وقت قيامها لما روي أن الحرث بن عمرو أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال متى قيام الساعة وإني قد ألقيت حباتي في الأرض فمتى السماء تمطر وحمل امرأتي أذكر أو أنثى وما أعمل غدا وأين أموت فنزلت وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) مفاتح الغيب خمس وتلا هذه الآية ) وينزل الغيث ( في إبانه المقدر له والمحل المعين له في علمه وقرأ نافع زابن عامر وعاصم بالتشديد ) ويعلم ما في الأرحام ( أذكر أم أنثى أتام أم ناقص ) وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ( من خير أو شر وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه ) وما تدري نفس بأي أرض تموت ( كما لا تدري في أي وقت تموت روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظم إليه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك وإنما جعل العلم لله تعالى والدراية للعبد لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين ويدل على أنه إن أعمل حيلة وأنفذ فيها وسعه لم يعرف ما هو الحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره مما لم ينصب له دليل عليه وقرئ / بأية أرض / وشبه سيبويه تأنيثها بتأنيث كل في ) كلهن ( ) إن الله عليم ( يعلم الأشياء كلها ) خبير ( يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة وأعطي من الحسنات عشرا عشرا بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر ________________________________________ " صفحة رقم 354 " سورة السجدة مكية وآيها ثلاثون آية وقي تسع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم السجدة : ( 1 - 2 ) الم ) الم ( إن جعل اسما للسورة أو القرآن فمبتدأ خبره ) تنزيل الكتاب ( على أن التنزيل بمعنى المنزل وإن جعل تعديدا للحروف كان ) تنزيل ( خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره ) لا ريب فيه ( فيكون ) من رب العالمين ( حالا من الضمير في ) فيه ( لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ولا ) ريب فيه ( حال من ) الكتاب ( أو اعتراض والضمير فيه لمضمون الجملة ويؤيده قوله السجدة : ( 3 ) أم يقولون افتراه . . . . . ) أم يقولون افتراه ( فإنه إنكار لكونه من رب العالمين وقوله ) بل هو الحق من ربك ( فإنه تقرير له ونظم الكلام على هذا أنه أشار أولا إلى إعجازه ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين وقرر ذلك بنفي الريب عنه ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له وتعجيبا منه فإن ) أم ( منقطعة ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من الله وبين المقصود من تنزيله فقال ) لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ( إذا كانوا أهل الفترة ) لعلهم يهتدون ( بإنذارك إياهم السجدة : ( 4 ) الله الذي خلق . . . . . ) الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ( مر بيانه في الأعراف ) ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ( ) ما لكم ( إذا جاوزتم رضا الله ________________________________________ " صفحة رقم 355 " أحد ينصركم ويشفع لكم أو ) ما لكم ( سواه ولي ولا شفيع بل هو الذي يتولى مصالحكم وينصركم في مواطن نصركم على أن الشفيع متجوز به للناصر فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي ولا ناصر ) أفلا تتذكرون ( بمواعظ الله تعالى السجدة : ( 5 ) يدبر الأمر من . . . . . ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ( يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض ) ثم يعرج إليه ( ثم يصعد إليه ويثبت في عمله موجودا ) في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بين التدبير والوقوع وقيل يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة لأن مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي ثم لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص وقرئ ) يعرج ( و ) يعدون ) السجدة : ( 6 ) ذلك عالم الغيب . . . . . ) ذلك عالم الغيب والشهادة ( فيدبر أمرهما على وفق الحكمة ) العزيز ( الغالب على أمره ) الرحيم ( على العباد في تدبيره وفيه إيماء بأنه سبحانه يراعي المصالح تفضلا وإحسانا السجدة : ( 7 ) الذي أحسن كل . . . . . ) الذي أحسن كل شيء خلقه ( خلقة موفرا عليه ما يستعد له ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة وخلقه بدل من كل بدل الاشتمال وقل علم كيف يخلقه من قولهم قيمة المرء ما يحسنه أي يحسن معرفته و ) خلقه ( مفعول ثان وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على الوصف فالشيء على الأول مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل ) وبدأ خلق الإنسان ( يعني آدم ) من طين ( ________________________________________ " صفحة رقم 356 " السجدة : ( 8 ) ثم جعل نسله . . . . . ) ثم جعل نسله ( ذريته سميت بذلك لأنها تنسل منه أي تنفصل ) من سلالة من ماء مهين ( ممتهن السجدة : ( 9 ) ثم سواه ونفخ . . . . . ) ثم سواه ( قومه بتصوير أعضائه على ما ينبغي ) ونفخ فيه من روحه ( إضافة إلى نفسه تشريفا له وإشعارا بأنه خلق عجيب وأن له شأنا له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية ولأجله قيل من عرف نفسه فقد عرف ربه ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعلقوا ) قليلا ما تشكرون ( تشكرون شكرا قليلا السجدة : ( 10 ) وقالوا أئذا ضللنا . . . . . ) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ( أي صرنا ترابا مخلوط بتراب الأرض لا نتميز منه أو غبنا فيها وقرأ ) ضللنا ( بالكسر من ضل يضل و ) ضللنا ( من صل اللحم إذا أنتن وقرأ ابن عامر ) إذا ( على الخبر والعامل فيه ما دل عليه ) أئنا لفي خلق جديد ( وهو نبعث أو يجدد خلقنا وقرأ نافع والكسائي ويعقوب ) إنا ( على الخبر والقائل أبي بن خلف وإسناده إلى جميعهم لرضاهم به ) بل هم بلقاء ربهم ( بالبعث أو بتلقي ملك الموت وما بعده ) كافرون ( جاحدون السجدة : ( 11 ) قل يتوفاكم ملك . . . . . ) قل يتوفاكم ( يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا ولا يبقى منكم أحدا والتفعل والاستفعال يلتقيان كثيرا كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته ) ملك الموت الذي وكل بكم ( بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم ) ثم إلى ربكم ترجعون ( للحساب والجزاء السجدة : ( 12 ) ولو ترى إذ . . . . . ) ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ( من الحياء والخزي ) ربنا ( قائلين ربنا ) أبصرنا ( ما وعدتنا ) وسمعنا ( منك تصديق رسلك ) فارجعنا ( إلى الدنيا ) نعمل صالحا إنا موقنون ( إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا وجواب ) لو ( محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا ويجوز أن تكون للتمني والمضي فيها وفي ) إذا ( لأن الثابت في علم الله بمنزلة الواقع ولا يقدر ل ) ترى ( مفعول لأن المعنى لو يكون منك رؤية في هذا الوقت أو يقدر ما دل عليه صلة إذا والخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد ________________________________________ " صفحة رقم 357 " السجدة : ( 13 - 14 ) ولو شئنا لآتينا . . . . . ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له ) ولكن حق القول مني ( ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( وذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسببا عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ( فإنه من الوسائط والأسباب المقتضية له ) إنا نسيناكم ( تركناكم من الرحمة أو في العذاب ترك المنسي وفي استئنافه وبناء الفعل على أن واسمها تشديد في الانتقام منهم ) وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ( كرر الأمر للتأكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب والمعاصي كما علله بتركهم تدبر أمر العاقبة والتفكير فيها دلالة على أن كلا منهما يقتضي ذلك السجدة : ( 15 ) إنما يؤمن بآياتنا . . . . . ) إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها ( وعظوا بها ) خروا سجدا ( خوفا من عذاب الله ) وسبحوا ( نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث ) بحمد ربهم ( حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى ) وهم لا يستكبرون ( عن الإيمان والطاعة كم يفعل من يصر متكبرا السجدة : ( 16 ) تتجافى جنوبهم عن . . . . . ) تتجافى جنوبهم ( ترتفع وتتنحى ) عن المضاجع ( الفرش ومواضع النوم ) يدعون ربهم ( داعين إياه ) خوفا ( من سخطه ) وطمعا ( في رحمته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في تفسيرها قيام العبد من الليل وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا جمع الله الأولين ________________________________________ " صفحة رقم 358 " والآخرين في صعيد واحد جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانت تتجافي جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقيل كان أناس من الصحابة يصلون من المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم ) ومما رزقناهم ينفقون ( في وجوه الخير السجدة : ( 17 ) فلا تعلم نفس . . . . . ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ( لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ) من قرة أعين ( مما تقربه عيونهم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتهم عليه أقرؤوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم وقرأ حمزة ويعقوب ) أخفي لهم ( على أنه مضارع أخفيت وقروء نخفي وأخفي الفاعل للكل هو الله وقرأت ) أعين ( لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة و ) ما ( موصولة أو استفهامية معلق عنها الفعل ) جزاء بما كانوا يعملون ( أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه وقيل هذا القوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم السجدة : ( 18 ) أفمن كان مؤمنا . . . . . ) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ( خارجا عن الإيمان ) لا يستوون ( في الشرف والمثوبة تأكيد وتصريح والجمع للحمل على المعنى السجدة : ( 19 ) أما الذين آمنوا . . . . . ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ( فإنها المأوى الحقيقي ________________________________________ " صفحة رقم 359 " والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة وقيل المأوى جنة من الجنان ) نزلا ( سبق تفسيره في سورة آل عمران ) بما كانوا يعملون ( بسبب أعمالهم أو على أعمالهم السجدة : ( 20 ) وأما الذين فسقوا . . . . . ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار ( مكان جنة المأوى للمؤمنين ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ( عبارة عن خلودهم فيها ) وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( إهانة لهم وزيادة في غيظهم السجدة : ( 21 ) ولنذيقنهم من العذاب . . . . . ) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ( عذاب الدنيا يريد ما محنوا به من السنة سبع سنين والقتل والأسر ) دون العذاب الأكبر ( عذاب الآخرة ) لعلهم ( لعل من بقي منهم ) يرجعون ( يتوبون عن الكفر روي أن الوليد بن عقبة فاخر عليا رضي الله عنه يوم بدر فنزلت هذه الآيات السجدة : ( 22 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ( فلم يتفكر فيها و ) ثم ( لاستبعاد الإعراض عنها مع فرض وضوحها وإرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير بها عقلا كما في بيت الحماسة " ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها " ) إنا من المجرمين منتقمون ( فكيف ممن كان أظلم من كل ظالم السجدة : ( 23 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( كما آتيناك ) فلا تكن في مرية ( في شك ) من لقائه ( من لقائك الكتاب كقوله ) وإنك لتلقى القرآن ( فإنا آتيناك من الكتاب مثل ما آتيناه منه فليس ذلك ببدع لم يكن قط حتى ترتاب فيه أو من لقاء موسى للكتاب أو من لقائك ________________________________________ " صفحة رقم 360 " موسى وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) رأيت ليلة أسري بي موسى ( صلى الله عليه وسلم ) رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ) وجعلناه ( أي المنزل على موسى ) هدى لبني إسرائيل ) السجدة : ( 24 ) وجعلنا منهم أئمة . . . . . ) وجعلنا منهم أئمة يهدون ( الناس إلى ما فيه من الحكم والأحكام ) بأمرنا ( إياهم به أو بتوفيقنا له ) لما صبروا ( وقرأ حمزة والكسائي ورويس ) لما صبروا ( أي لصبرهم على الطاعة أو عن الدنيا ) وكانوا بآياتنا يوقنون ( لإمعانهم فيها النظر السجدة : ( 25 ) إن ربك هو . . . . . ) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة ( يقضي فيميز الحق من الباطل بتمييز المحق من المبطل ) فيما كانوا فيه يختلفون ( من أمر الدين السجدة : ( 26 ) أولم يهد لهم . . . . . ) أولم يهد لهم ( الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف والفاعل ضمير ما دل عليه ) كم أهلكنا من قبلهم من القرون ( أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية أو ضمير الله بدليل القراءة بالنون ) يمشون في مساكنهم ( يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم وقرئ ) يمشون ( بالتشديد ) إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( سماع تدبر واتعاظ السجدة : ( 27 ) أولم يروا أنا . . . . . ) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ( التي جرز نباتها أي قطع وأزيل لا التي لا تنبت لقوله ) فنخرج به زرعا ( وقيل اسم موضع باليمن ) تأكل منه ( من الزرع ) أنعامهم ( كالتين والورق ) وأنفسهم ( كالحب والثمر ) أفلا يبصرون ( فيستدلون به على كمال قدرته وفضله السجدة : ( 28 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون متى هذا الفتح ( النصر أو الفصل بالحكومة من قوله ) ربنا افتح بيننا ( ) إن كنتم صادقين ( في الوعد به السجدة : ( 29 ) قل يوم الفتح . . . . . ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( وهو يوم القيامة فإنه يوم نصر المؤمنين على الكفرة والفصل بينهم وقيل يوم بدر أو يوم فتح مكة والمراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنهم لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ولا يمهلون وانطباقه ________________________________________ " صفحة رقم 361 " جوابا على سؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا واستهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال السجدة : ( 30 ) فأعرض عنهم وانتظر . . . . . ) فأعرض عنهم ( ولا تبال بتكذيبهم وقيل هو منسوخ بآية السيف ) وانتظر ( النصرة عليهم ) إنهم منتظرون ( الغلبة عليك وقرئ بالفتح على معنى أنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة ينتظرونه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ ألم تنزيل تبارك الذي بيده الملك أعطي من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر وعنه من قرأ ألم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام ________________________________________ " صفحة رقم 362 " سورة الأحزاب مدنية وآيها ثلاث وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الأحزاب : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي اتق الله ( ناداه بالنبي وأمره بالتقوى تعظيما له وتفخيما لشأن التقوى والمراد به الأمر بالثبات عليه ليكون مانعا له عما نهى عنه بقوله ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ( فيما يعود بوهن في الدين روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا له ارفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة وندعك وربك فنزلت ) إن الله كان عليما ( بالمصالح والمفاسد ) حكيما ( لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة الأحزاب : ( 2 ) واتبع ما يوحى . . . . . ) واتبع ما يوحى إليك من ربك ( كالنهي عن طاعتهم ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ( فموح إليك ما تصلح به أعمالك ويغني عن الاستماع إلى الكفرة وقرأ أبو عمرو بالياء على أن الواو ضمير الكفرة والمنافقين أي أن الله خبير بمكايدهم فيدفعها عنك الأحزاب : ( 3 ) وتوكل على الله . . . . . ) وتوكل على الله ( وكل أمرك إلى تدبيره ) وكفى بالله وكيلا ( موكولا إليه الأمور كلها ) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( أي ما جمع قلبين في جوف لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس الإنساني أولا ومنع القوى بأسرها وذلك يمنع التعدد الأحزاب : ( 4 ) ما جعل الله . . . . . ) وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 363 " وما جمع الزوجية والأمومة في امرأة ولا الدعوة والبنوة في رجل والمراد بذلك رد ما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان ولذلك قيل لأبي معمر أو جميل بن أسد الفهري ذو القلبين والزوجة المظاهر عنها كالأم ودعي الرجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ابن محمد أو المراد نفي الأمومة والبنوة عن المظاهر عنها والمتنبى ونفي القلبين لتمهيد أصل يحملان عليه والمعنى كما لم يجعل الله قلبين في جوف لأدائه إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلا لكل القوى وغير أصل لم يجعل الزوجة والدعي اللذين لا ولادة بينهما وبينه أمه وابنه اللذين بينهما وبينه ولادة وقرأ أبو عمرو / اللاي / بالياء وحده على أن أصله اللاء بهمزة فخففت وعن الحجازيين مثله وعنهما وعن يعقوب بالهمز وحده وأصل ) تظاهرون ( تتظاهرون فأدغمت التاء الثانية في الظاء وقرأ ابن عامر ) تظاهرون ( بالإدغام وحمزة والكسائي بالحذف وعاصم ) تظاهرون ( من ظاهر وقرئ ) تظهرون ( من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد وتظهرون من الظهور ومعنى الظهار أن يقول للزوجة أنت علي كظهر أمي مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا في الجاهلية وهو في الإسلام يقتضي الطلاق أو الحرمة إلى أداء الكفارة كما عدي آلى بها وهو بمعنى حلف وذكر الظهر للكناية عن البطن الذي هو عموده فإن ذكره يقارب ذكر الفرج أو للتغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها إلى السماء وأدعياء جمع دعي على الشذوذ وكأنه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه ) ذلكم ( إشارة إلى ما ذكر أو إلى الأخير ) قولكم بأفواهكم ( لا حقيقة له في الأعيان كقول الهاذي ) والله يقول الحق ( ما له حقيقة عينية مطابقة له ) وهو يهدي السبيل ( سبيل الحق ________________________________________ " صفحة رقم 364 " الأحزاب : ( 5 ) ادعوهم لآبائهم هو . . . . . ) ادعوهم لآبائهم ( انسبوهم إليهم وهو افراد للمقصود من اقواله الحقه وقوله ) هو أقسط عند الله ( تعليل له والضمير لمصدر ) ادعوهم ( و ) أقسط ( افعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل ومعناه البالغ في الصدق ) فإن لم تعلموا آباءهم ( فتنسبوهم إليهم ) فإخوانكم في الدين ( أي فهم اخوانكم في الدين ) ومواليكم ( واولياؤكم فيه فقولوا هذا أخي ومولاي بهذا التأويل ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ( ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللسان ) ولكن ما تعمدت قلوبكم ( ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم أو ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح ) وكان الله غفورا رحيما ( لعفوه عن المخطئ واعلم أن التبني لا عبرة به عندنا وعند أبي حنيفة يوجب عتق مملوكه ويثبت النسب لمجهوله الذي يمكن الحاقه به الأحزاب : ( 6 ) النبي أولى بالمؤمنين . . . . . ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك اطلق فيجب عليهم أن يكون احب إليهم من أنفسهم وأمره انفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت وقرئ / وهو اب لهم / أي في الدين فإن كل نبي اب لأمته من حيث انه اصل فيما به الحياة الابدية ولذلك صار المؤمنون اخوة ) وأزواجه أمهاتهم ( منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك فكما الاجنبيات ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لسنا امهات النساء ) وأولو الأرحام ( وذوو القرابات ) بعضهم أولى ببعض ( في التوارث وهو نسخ لما كان في صدر الإسلام في التوارث بالهجرة والموالاة في الدين ) في كتاب الله ( في اللوح أو فيما انزل وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيم فرض الله ) من المؤمنين والمهاجرين ( بيان لاولي الأرحام أو صلة ________________________________________ " صفحة رقم 365 " لاولي أي اولوا الأرحام بحق القرابة اولى بالميراث من المؤنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة ) إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( استثناء من اعم ما يقدر الاولية فيه من النفع والمراد يفعل المعروف التوصية أو منقطع ) كان ذلك في الكتاب مسطورا ( كان ما ذكر في الايتين ثابتا في اللوح أو القرآن وقيل في التوراة الأحزاب : ( 7 ) وإذ أخذنا من . . . . . ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( مقدر باذكر وميثاقهم عهدوهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم ) ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ( خصهم بالذكر لانهم مشاهير ارباب الشرائع وقد نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) تعظيما له وتكريما لشأنه ) وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( عظيم الشأن أو مؤدا باليمين والتكرير لبيان هذا الوصف تعظيما له الأحزاب : ( 8 ) ليسأل الصادقين عن . . . . . ) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( أي فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقوهم أو تصديقهم اياهم تبكيتا لهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق أو المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم ) وأعد للكافرين عذابا أليما ( عطف على ) أخذنا ( من جهة أن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لاثابة المؤمنين أو على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين واعدللكافرين الأحزاب : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ( يعني الأحزاب وهم قريش غطفان ويهود والنضير وكانوا زهاء اثني عشر الفا ) فأرسلنا عليهم ريحا ( ريح الصبا ) وجنودا لم تروها ( الملائكة روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) لما سمع بإقبالهعم ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم ________________________________________ " صفحة رقم 366 " ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى بعث الله عليهم ريحا بادرة في ليلة شاتية فأخصرتهم وسفت التراب في وجوهم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وماجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر فقل طليحة بن خويلد الاسدي أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال ) وكان الله بما تعملون ( من حفر الخندق وقرأ البصريان بالياء أي بما يعمل المشركون من التحزب والمحاربة ) بصيرا ( رائيا الأحزاب : ( 10 ) إذ جاؤوكم من . . . . . (‍ إذ جاؤوكم ( بدل من إذا جاءتكم ) من فوقكم ( من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان ) ومن أسفل منكم ( من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش ) وإذ زاغت الأبصار ( مات عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا ) وبلغت القلوب الحناجر ( رعبا لإإن الرئة تنتفخ من شدة الروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب ) وتظنون بالله الظنونا ( لأنواعمن الظن فظن المخلصون الثبت القلوب أن الله منجز وعده في اعلاء دينه أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكي عنهم والالف مزيدة في امثاله تشبيها للفواصل بالقوافي وقد أجرى نافع وابن عامر وأبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف ولم يزدها أبو عمرو وحمزة ويعقوب مطلقا وهو القياس الأحزاب : ( 11 ) هنالك ابتلي المؤمنون . . . . . ) هنالك ابتلي المؤمنون ( اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل ) وزلزلوا زلزالا شديدا ( من شدة الفزع وقرئ ) زلزالا ( بالفتح الأحزاب : ( 12 ) وإذ يقول المنافقون . . . . . ) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( ضعف اعتقاد ) ما وعدنا الله ورسوله ( من الظفر واعلاء الدين ) إلا غرورا ( وعدا باطلا قيل قائله معتب بن قشير قال يعدنا محمد بتفح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا ما هذا إلا وعد غرور ________________________________________ " صفحة رقم 367 " الأحزاب : ( 13 ) وإذ قالت طائفة . . . . . ) وإذ قالت طائفة منهم ( يعني اوس بن قيظي واتباعه ) يا أهل يثرب ( أهل المدينة وقيل هو اسم ارض وقعت المدينة في ناحية منها ) لا مقام ( لا موضع قيام ) لكم ( ها هنا وقرأ حفص بالضم على انه مكان أو مصدر من اقام ) فارجعوا ( إلى منازلكم هاربين وقيل المعنى لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى الشرك واسلموه لتسلمموا أو لا مقام لكم بيثرب فارجعوا كفارا ليمكنكم المقام بها ) ويستأذن فريق منهم النبي ( للرجوع ) يقولون إن بيوتنا عورة ( غير حصينة واصلها الخلل ويجوز أن يكون تخفيف العورة من عورت الدار إذا اختلت وقد قرئ بها ) وما هي بعورة ( بل هي حصينة ) إن يريدون إلا فرارا ( أي وما يريدون بذلك إلا الفرار من القتال الأحزاب : ( 14 ) ولو دخلت عليهم . . . . . ) ولو دخلت عليهم ( دخلت المدينة أو بيوتهم ) من أقطارها ( من جوانبها وحذف الفاعل للايماء بان دخول هؤلاء المتحزبين عليهم ودخول غيرهم من العساكر سيان في اقتضاء الحكم المرتب عليه ) ثم سئلوا الفتنة ( الردة ومقاتلة المسلمين ) لآتوها ( لاعطوها وقرأ الحجازيان بالقصر بمعنى لجاءوها وفعلوها ) وما تلبثوا بها ( بالفتنة أو بإعطائها ) إلا يسيرا ( ريثما يكون السؤال والجواب وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد تمام الارتداد إلا يسيرا الأحزاب : ( 15 ) ولقد كانوا عاهدوا . . . . . ) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ( يعني بني حارثة عاهدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد حين فشلوا ثم تابوا أن لا يعودوا لمثله ) وكان عهد الله مسؤولا ( عن الوفاء به مجازى عليه الأحزاب : ( 16 ) قل لن ينفعكم . . . . . ) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ( فإنه لا بد لكل شخص من حتف أنف أو قتل في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم ) وإذا لا تمتعون إلا قليلا ( أي وإن نفعكم الفرار مثلا فمنعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعا أو زمانا قليلا الأحزاب : ( 17 ) قل من ذا . . . . . ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ( أي أو يصيبكم بسوء أن أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله " متقلدا سيفا ورمحا " أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع ) ولا يجدون لهم من دون الله وليا ( ينفعهم ) ولا نصيرا ( يدفع الضر عنهم ________________________________________ " صفحة رقم 368 " الأحزاب : ( 18 ) قد يعلم الله . . . . . ) قد يعلم الله المعوقين منكم ( المثبطين عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم المنافقون ) والقائلين لإخوانهم ( من ساكني المدينة ) هلم إلينا ( قربوا انفسكم إلينا وقد ذكر اصله في الأنعام ) ولا يأتون البأس إلا قليلا ( إلا اتيانا أو زمانا أو بأسا قليلا فإنهم يعتذرون ويتثبطون ما أمكن لهم أو يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون إلا قليلا كقوله ) ما قاتلوا إلا قليلا ( وقيل انه من تتم كلامهم ومعناه لا يأتي أصحاب محمد حرب الأحزاب ولا يقاوموهم إلا قليلا الأحزاب : ( 19 ) أشحة عليكم فإذا . . . . . ) أشحة عليكم ( بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر أو الغنيمة جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل ) المعوقين ( أو على الذم ) فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم ( في احداقهم ) كالذي يغشى عليه ( كنظر المغشي عليه أو كدوران عينيه أو مشبهين به أو مشبهة بعينه ) من الموت ( من معالجة سكرات الموت خوفا ولواذا بك ) فإذا ذهب الخوف ( وحيزت الغنائم ) سلقوكم ( ضربوكم ) بألسنة حداد ( ذرية يطلبون الغنيمة والسلق البسط بقهر باليد أو اللسان ) أشحة على الخير ( نصب على الحال أو الذم ويؤيده قراءة الرفع وليس بتكرير لان كلا منهما مقيد من وجه ) أولئك لم يؤمنوا ( اخلاصا ) فأحبط الله أعمالهم ( فأظهر بطلانها إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل أو ابطل تصنعهم ونفاقهم ) وكان ذلك ( الاحباط ) على الله يسيرا ( هينا لتعلق الارادة به وعدم ما يمنعه عنه الأحزاب : ( 20 ) يحسبون الأحزاب لم . . . . . ) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ( أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا ففروا إلى داخل المدينة ) وإن يأت الأحزاب ( كره ثانية ) يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ( تمنوا انهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الاعراب ) يسألون ( كل قادم من جانب المدينة ) عن أنبائكم ( عما جرى عليكم ) ولو كانوا فيكم ( هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال ) ما قاتلوا إلا قليلا ( رياء وخوفا من التعبير الأحزاب : ( 21 ) لقد كان لكم . . . . . ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها ________________________________________ " صفحة رقم 369 " كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد أو هو في نفسه قدوة يحس التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة أو أيام الله واليوم الآخر خصوصا وقيل هو كقولك أرجو زيدا وفضله فإن ) اليوم الآخر ( داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و ) لمن ( كان صلة لحسنة أو صفة لها وقيل بدل من ) لكم ( والاكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه ) وذكر الله كثيرا ( وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك ________________________________________ " صفحة رقم 370 " الأحزاب : ( 22 ) ولما رأى المؤمنون . . . . . ) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ( بقوله تعالى ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ( الآية وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) انهم سائرون اليكم بعد تسع أو عشر وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الراء وفتح الهمزة ) وصدق الله ورسوله ( ظهر صدق خبر الله ورسوله أو صدقا في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء واظهار الاسم للتعظيم ) وما زادهم ( فيه ضمير ) لما رأوا ( أو الخطب أو البلاء ) إلا إيمانا ( بالله ومواعيده ) وتسليما ( لأوامره ومقاديره الأحزاب : ( 23 ) من المؤمنين رجال . . . . . ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( من الثبات مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمقاتلة لاعلاء الدين من صدني إذا قال لك الصدق فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه ) فمنهم من قضى نحبه ( نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وانس بن النضر والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان ) ومنهم من ينتظر ( الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما ) وما بدلوا ( العهد ولا غيروه ) تبديلا ( شيئا من التبديل روي أن طلحة ثبت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد حتى اصيبت يده فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اوجب طلحة وفيه تعريض أهل النفاق ومرض القلب بالتبديل الأحزاب : ( 24 ) ليجزي الله الصادقين . . . . . وقوله ) ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ( تعليل ________________________________________ " صفحة رقم 371 " للمنطوق والمعرض به فكأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى والتوبة عليهم مشروطة بتوبتهم أو المراد بها التوفيق للتوبة ) إن الله كان غفورا رحيما ( لمن تاب الأحزاب : ( 25 ) ورد الله الذين . . . . . ) ورد الله الذين كفروا ( يعني الأحزاب ) بغيظهم ( متغيظين ) لم ينالوا خيرا ( غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب ) وكفى الله المؤمنين القتال ( بالريح والملائكة ) وكان الله قويا ( على احداث ما يريده ) عزيزا ( غالبا على كل شيء الأحزاب : ( 26 ) وأنزل الذين ظاهروهم . . . . . ) وأنزل الذين ظاهروهم ( ظاهروا الأحزاب ) من أهل الكتاب ( يعني قريظة ) من صياصيهم ( من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبي وشوكة الديك ) وقذف في قلوبهم الرعب ( الخوف وقرئ بالضم ) فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( وقرئ بضم السين روي أن جبريل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال انتزع لامتك والملائكة لم يضعوا السلاح أن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم تنزلون على حكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم فكبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة ارقعة فقتل منهم ستمائة أو اكثر واسر منهم سبعمائة الأحزاب : ( 27 ) وأورثكم أرضهم وديارهم . . . . . ) وأورثكم أرضهم ( مزارعهم ) وديارهم ( حصونهم ) وأموالهم ( نقودهم ومواشيهم واثاثهم روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال انكم في منازلكم وقال عمر رضي الله عنه أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال لا إنما جعلت هذه لي طعمة ) وأرضا لم تطؤوها ( كفارس والروم وقيل خيبر ________________________________________ " صفحة رقم 372 " وقيل كل ارض تفتح إلى يوم القيامة ) وكان الله على كل شيء قديرا ( فيقدر على ذلك الأحزاب : ( 28 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا ( السعة والتنعم فيها ) وزينتها ( زخارفها ) فتعالين أمتعكن ( اعطن المتعة ) وأسرحكن سراحا جميلا ( طلاقا من غير ضرار وبدعة روي انهم سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة رضي الله عنها فخيرها فاختارت الله ورسوله ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فانزل ) لا يحل لك النساء من بعد ( وتعليق التسريح بإرادتهن الدنيا وجعلها قسيما لإرادتهن الرسول يدل على المخيرة إذا اختارت زوجها لم تطلق خلافا لزيد والحسن ومالك واحدى الروايتين عن علي ويؤيده قوله عائشة رضي الله عنها خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخترناه ولم يعده طلاقا وتقديم للتمتع على التسريح المسبب عنه من الكرم وحسن الخلق قيل لأن الفرقة كانت بإرادتهن كاختيار المخيرة نفسها فإنه طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية واختلف في وجوبه للمدخول بها وليس فيه ما يدل عليه وقرئ ) أمتعكن وأسرحكن ( بالرفع على الاستئناف الأحزاب : ( 29 ) وإن كنتن تردن . . . . . ) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ( يستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للتبيين لانهن كلهن كن محسنات الأحزاب : ( 30 ) يا نساء النبي . . . . . ) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة ( بكبيرة ) مبينة ( ظاهر قبحها على قراءة ابن كثير وأبي بكر والباقون بكسر الياء ) يضاعف لها العذاب ضعفين ( ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لان الذنب منهن اقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان / يضعف / على البناء للمفعول ورفع ) العذاب ( وابن كثير وابن عامر / نضعف / بالنون وبناء الفاعل ونصب ) العذاب ( ) وكان ذلك على الله يسيرا ( لا منعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه ________________________________________ " صفحة رقم 373 " الأحزاب : ( 31 ) ومن يقنت منكن . . . . . ) ومن يقنت منكن ( ومن يدم على الطاعة ) لله ورسوله ( ولعل ذكر الله للتعظيم أو لقوله ) وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين ( مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالقناعة وحسن المعاشرة وقرأ حمزة والكسائي ) ويعمل ( بالياء حملا على لفظ / من ويؤتها / على أن فيه ضمير اسم الله ) وأعتدنا لها رزقا كريما ( في الجنة زيادة على اجرها الأحزاب : ( 32 ) يا نساء النبي . . . . . ) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ( اصل أحد وحد بمعنى الواحد ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل ) إن اتقيتن ( مخالفة حكم الله ورضا رسوله ) فلا تخضعن بالقول ( فلا تجثن بقولكن خاضعا لينا مثل قول المريبات ) فيطمع الذي في قلبه مرض ( فجور وقرئ بالجزم عطفا على محل فعل النهي على انه نهى مريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول ) وقلن قولا معروفا ( حسنا بعيدا عن الريبة الأحزاب : ( 33 ) وقرن في بيوتكن . . . . . ) وقرن في بيوتكن ( ومن وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من راءي اقررن ونقلت كسرتها إلى القاف فاستغني عن همزة الوصل ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح من قررت اقر وهو لغة فيه ويحتمل أن يكون من قار يقار إذا اجتمع ) ولا تبرجن ( ولا تتبخترن في مشيكن ) تبرج الجاهلية الأولى ( تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة وقل هي ما بين آدم ونوح وقيل الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ويعضده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي الدرداء رضي الله عنه إن فيك جاهلية قال جاهلية كفر أو إسلام ________________________________________ " صفحة رقم 374 " قال بل جاهلية كفر ) وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ( في سائر ما امركن به ونهاكن عنه ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ( الذنب المدنس لعرضكم وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ولذلك عمم الحكم ) أهل البيت ( نصب على النداء أو المدح ) ويطهركم ( عن المعاصي ) تطهيرا ( واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير للتنقير عنها وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجلس فأتت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فأدخلهما فيه ثم قال ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف لان التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها والحديث يقتضي انهم من أهل البيت لا أنه ليس غيرهم الأحزاب : ( 34 ) واذكرن ما يتلى . . . . . ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ( من الكتاب الجامع بين الأمرين وهو تذكير بما أنعم الله عليهم من حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الإيمان والحرص على الطاعة حثا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن به ) إن الله كان لطيفا خبيرا ( يعلم ويدير ما يصلح في الدين ولذلك خيركن ووعظكن أو يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح أن يكون أهل بيته ________________________________________ " صفحة رقم 375 " الأحزاب : ( 35 ) إن المسلمين والمسلمات . . . . . ) إن المسلمين والمسلمات ( الداخلين في السلم المنقادين لحكم الله ) والمؤمنين والمؤمنات ( المصدقين بما يجب أن يصدق به ) والقانتين والقانتات ( المداومين على الطاعة ) والصادقين والصادقات ( في القول والعمل ) والصابرين والصابرات ( على الطاعات وعن المعاصي ) والخاشعين والخاشعات ( المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم ) والمتصدقين والمتصدقات ( بما وجب في مالهم ) والصائمين والصائمات ( الصوم المفروض ) والحافظين فروجهم والحافظات ( عن الحرام ) والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ( بقلوبهم وألسنتهم ) أعد الله لهم مغفرة ( لما اقترفوا من الصغائر لأنهم مكفرات ) وأجرا عظيما ( على طاعتهم والاية وعد لهن ولأمثالهم على الطاعة والتدرع بهذه الخصال روي أن أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به فنزلت وقيل لما نزل فيهن ما نزل قال نساء المسلمين فما نزل فينا شيء فنزلت وعطف الاناث على الذكور لاختلاف الجنسين وهو ضروري وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين فليس بضروري ولذلك ترك في قوله ) مسلمات مؤمنات ( وفائدته الدلالة على أن اعداد المعد لهم للجمع بين هذه الصفات الأحزاب : ( 36 ) وما كان لمؤمن . . . . . ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ( ما صح له ) إذا قضى الله ورسوله أمرا ( أي قضى رسول الله وذكر الله لتعظيم أمره والاشعار بأن قضاءه قضاء الله لأنه نزل في زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لزيد بن حارثة فأبت هي واخوها عبد الله وقيل في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فزوجها من زيد ) أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( أن يختاروا من أمرهم شيئا بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله والخيرة ما يتخير وجمع الضمير الأول لعموم مؤمن ________________________________________ " صفحة رقم 376 " ومؤمنة من حيث انهما في سياق النفي وجمع الثاني للتعظيم وقرأ الكوفيون وهشام ) يكون ( بالياء ) ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( بين الانحراف عن الصواب الأحزاب : ( 37 ) وإذ تقول للذي . . . . . ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ( بتوفيقك لعتقه واختصاصه ) وأنعمت عليه ( بما وفقك الله فيه وهو زيد بن حارثة ) أمسك عليك زوجك ( زينب وذلك انه ( صلى الله عليه وسلم ) ابصرها بعد ما انكحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أريد أن افارق صاحبتي فقال ما لك ارابك منها شيء فقال لا والله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها لشرفها تتعظم علي فقال له امسك عليك زوجك ) واتق الله ( في أمرها فلا تطلقها ضرارا وتعللا بتكبرها ) وتخفي في نفسك ما الله مبديه ( وهو نكاحها أن طلقها أو إرادة طلاقها ) وتخشى الناس ( تعييرهم اياك به ) والله أحق أن تخشاه ( أن كان في ما يخشى والواو للحال وليست المعاتبة على الاخفاء وحده فإنه حسن بل على الاخفاء مخافة قالة الناس واظهار ما ينافي اضماره فإن الأولى في امثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه ) فلما قضى زيد منها وطرا ( حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها ________________________________________ " صفحة رقم 377 " ) زوجناكها ( وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك وقرئ / زوجتكها / والمعنى انه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده إنها كانت تقول لسائر نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى تولى انكاحي وأنتن زوجكن اولياؤكن وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة ايمانه ) لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ( علة للتزويج وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحدة إلا ما خصه الدليل ) وكان أمر الله ( أمره الذي يريده ) مفعولا ( مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب الأحزاب : ( 38 ) ما كان على . . . . . ) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ( قسم وقدر من قولهم فرض له في الديوان ومنه فروض العكس لارزاقهم ) سنة الله ( سن ذلك سنة ) في الذين خلوا من قبل ( من الأنبياء وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم ) وكان أمر الله قدرا مقدورا ( قضاء مقضيا وحكما مبتوتا الأحزاب : ( 39 ) الذين يبلغون رسالات . . . . . ) الذين يبلغون رسالات الله ( صفة للذين خلوا أو مدح لهم منصوب أو مرفوع وقرئ / رسالة الله / ) ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ( تعريض بعد تصريح ) وكفى بالله حسيبا ( كافيا للمخاوف أو محاسبا فينبغي أن لا يخشى إلا منه الأحزاب : ( 40 ) ما كان محمد . . . . . ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ولا ينتقضن عمومه بكونه أبا للطاهر والقاسم وإبراهيم لانهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم ) ولكن رسول الله ( وكل رسول أبو امته لا مطلقا بل من حيث انه شفيق ناصح لهم واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة وقرئ ) رسول الله ( من عرفتم انه يعش له ولد ذكر ) وخاتم النبيين ( وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح ولو ________________________________________ " صفحة رقم 378 " كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبيا كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) في إبراهيم حين توفى لو عاش لكان نبيا ولا يقدح في نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دنيه مع أن المراد منه انه آخر من نبئ ) وكان الله بكل شيء عليما ( فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه الأحزاب : ( 41 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( يغلب الاوقات ويعم الانواع بما هو أهله من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد الأحزاب : ( 42 ) وسبحوه بكرة وأصيلا ) وسبحوه بكرة وأصيلا ( أول النهار وآخره خصوصا وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الاوقات لكونهما مشهودين كأفراد التسبيح من جملة الاذكار لانه العمدة فيها وقيل الفعلان موجهان أليهما وقيل المراد بالتسبيح الصلاة الأحزاب : ( 43 ) هو الذي يصلي . . . . . ) هو الذي يصلي عليكم ( بالرحمة ) وملائكته ( بالاستغفار لكم والاهتمام بما يصلحكم والمراد بالصلاة المشترك وهو العناية بصلاح أمركم وظهور شرفكم مستعار من الصلو وقيل الترحم والانعطاف المعنوي مأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليه سيما وهو السبب للرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة ) ليخرجكم من الظلمات إلى النور ( من ظلمات الكفر والمعصية إلى انوري الإيمان والطاعة ) وكان بالمؤمنين رحيما ( حيث اعتنى بصلاح أمرهم وانافة قدرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين الأحزاب : ( 44 ) تحيتهم يوم يلقونه . . . . . ) تحيتهم ( من إضافة المصدر إلى المفعول أو يحيون ) يوم يلقونه ( يوم لقائه عند الموت أو الخروج من القبور أو دخول الجنة ) سلام ( إخبار بالسلامة عن كل مكروه ________________________________________ " صفحة رقم 379 " وآفة ) وأعد لهم أجرا كريما ( هي الجنة ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو اهم الأحزاب : ( 45 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ( على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم وهو حال مقدرة ) ومبشرا ونذيرا ) الأحزاب : ( 46 ) وداعيا إلى الله . . . . . ) وداعيا إلى الله ( إلى الإقرار به وبتوحيده وما يجب الإيمان به من صفاته ) بإذنه ( بتيسيره واطلق له من حيث انه من اسبابه وقيد به الدعوة ايذانا بأنه أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة من جناب قدسه ) وسراجا منيرا ( يستضاء به عن ظلمات الجهالات ويقتبس من نوره انوار البصائر الأحزاب : ( 47 ) وبشر المؤمنين بأن . . . . . ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( على سائر الأمم أو على جزاء أعمالهم ولعله معطوف على محذوف مثل فراقب احوال امتك الأحزاب : ( 48 ) ولا تطع الكافرين . . . . . ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ( تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم ) ودع أذاهم ( ايذاءهم اياك ولا تحتفل به أو ايذاءك اياهم مجازاة أو مؤاخذة على كفرهم ولذلك قيل إنه منسوخ ) وتوكل على الله ( فإنه يكفيكهم ) وكفى بالله وكيلا ( موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها ولعله سبحانه وتعالى لما وصفه بخمس صفات قابل كلا منها بخاطب يناسبه فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لان ما بعده كالتفصيل له وقابل المبشر بالأمر والسراج المنير بالاكتفاء به فإن من اناره الله برهانا على جميع خلقه كان حقيقا بأن يكتفى به عن غيره ________________________________________ " صفحة رقم 380 " الأحزاب : ( 49 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ( نجامعوهن وقرأ حمزة الكسائي بألف وضم التاء ) فما لكم عليهن من عدة ( أيام يتربصن فيها بأنفسهن ) تعتدونها ( تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك كلته فاكتاله أو تعدونها والاسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما اشعر به فما لكم وعن ابن كثير ) تعتدونها ( مخففا على إبدال إحدى الدالية بالياء أو على انه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المومنات والحكم عام للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييرا لنطفته وفائدة ثم ازاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الاصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة ) فمتعوهن ( أي إن لم يكن مفروضا لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها ) وسرحوهن ( اخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة ) سراحا جميلا ( من غير ضرار ولا منع حق ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لانه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن الأحزاب : ( 50 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ( مهورهن لان المهر اجر على البضع وتقييد الاحلال بإعطائها معجلة لا لتوقف الحل عليه بل لايثار الأفضل له كتقييد احلال المملوكة بكونها مسببة بقوله ) وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ( فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها وتقييد القرائب بكونها مهاجرات معه في قوله ) وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ( ويحتمل تقييد الحل بذلك ف يحقه خاصة ويعضده قول أم هانئ بنت أبي طالب خطبني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاعتذرت إليه فعذرني ثم انزل الله هذ الآية فلم احل له لاني لم اهاجر معه كنت من الطلقاء ) وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ( نصب بفعل يفسره ما قبله ________________________________________ " صفحة رقم 381 " أو عطف على ما سبق ولا يدفعه التقييد بأن التي للاستقبال فإن المعنى بالاحلال والاعلام بالحل أي اعلمناك حل امرأة مؤمنة تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا إن اتفق ولذلك نكرها واختلف في اتفاق ذلك والقائل به ذكر اربعا ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم وقرئ ) إن ( بالفتح أي لان وهب أو مدة أن وهبت كقولك اجلس ما دام زيد جالسا ) إن أراد النبي أن يستنكحها ( شرك للشرط الأول في استيجاب الحل فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكررا ثم الرجوع إليه في قوله ) خالصة لك من دون المؤمنين ( ايذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاق الكرامة لاجله واحتج به اصحابنا على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لان اللفظ تابع للمعنى وقد خص ( صلى الله عليه وسلم ) بالمعنى فيختص باللفظ والاستنكاح طلب النكاح والرغبة فيه ) خالصة ( مصدر مؤكد أي خلص احلالها أو احلال ما احللنا لك على القيود المذكورة خلصوا لك أو حال نم الضمير في ) وهبت ( أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم من شرائط العقد ووجوب القسم والمهر بالوطء حيث لم يسم ) وما ملكت أيمانهم ( من توسيع الأمر فيها انه كيف ينبغي أن يفرض عليهم والجملة اعتراض بين قوله ) لكيلا يكون عليك حرج ( ومتعلقه وهو ) خالصة ( للدلالة على أن الفرق بينه وبين ) المؤمنين ( في نحو ذلك لا لمجرد قصد التوسيع عليه بل لمعان تقتضي التوسيع عليه والتضييق عليهم تارة وبالعكس أخرى ) وكان الله غفورا ( لما يعسر التحرز عنه ) رحيما ( بالتوسعة في مظان الحرج الأحزاب : ( 51 ) ترجي من تشاء . . . . . ) ترجي من تشاء منهن ( تؤخرها وتترك مضاجعتها ) وتؤوي إليك من تشاء ( ________________________________________ " صفحة رقم 382 " وتضم إليك من تشاء وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ) ترجي ( بالياء والمعنى واحد ) ومن ابتغيت ( طلبت ) ممن عزلت ( طلقت بالرجعة ) فلا جناح عليك ( في شيء من ذلك ) ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ( ذلك التفويض إلى مشيئتك اقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لأن حكم كلهن فيه سواء ثم أن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وان رجحت بعضهن علمن انه بحكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهم وقرئ ) تقر ( بضم التاء و ) أعينهن ( بالنصب و ) تقر ( بالبناء للمفعول و ) كلهن ( تأكيد نون / يرضين / وقرئ بالنصب تأكيدا لهن ) والله يعلم ما في قلوبكم ( فاجتهدوا في احسانه ) وكان الله عليما ( بذات الصدور ) حليما ( لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى الأحزاب : ( 52 ) لا يحل لك . . . . . ) لا يحل لك النساء ( بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي وقرأ البصريان بالتاء ) من بعد ( من بعد التسع وهو في حقه كالاربع في حقنا أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى ) ولا أن تبدل بهن من أزواج ( فتطلق وماحدة وتنكح مكانها أخرى و ) من ( مزيدة لتأكيد الاستغراق ) ولو أعجبك حسنهن ( حسن الأزواج المستبدلة وهو حال من فاعل ) تبدل ( دون مفعوله وهو ) من أزواج ( لتوغله في التنكير وتقديره مفروضا اعجابك بهن واختلف في أن الآية محكمة أو منسوخة بقوله ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ( على المعنى الثاني فإنه وإن تقدمها قراءة فهو ________________________________________ " صفحة رقم 383 " مسبوق بها نزولا وقيل المعنى لا يحل لك النساء من بعد الاجناس الأربعة اللاتي نص على احلالهن لك ولا أن تبدل بهن ازواجا من اجناس آخر ) إلا ما ملكت يمينك ( استثناء من النساء لانه يتناول الأزواج والاماء وقيل منقطع ) وكان الله على كل شيء رقيبا ( فتحفظوا امركم ولا تتخطوا ما حد لكم الأحزاب : ( 53 - 54 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( إلا وقت أن يؤذن لكم أو إلا مأذونا لكم ) إلى طعام ( متعلق ب ) يؤذن ( لانه متضمن معنى يدعى للاشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وان أذن كما اشعر به قوله ) غير ناظرين إناه ( غير منتظرين وقته أو إدراكه حال من فاعل ) لا تدخلوا ( أو المجرور في ) لكم ( وقرئ بالجر صفة لطعام فيكون جاريا على غير من هو له بلا ابراز الضمير وهو غير جائز عند البصريين وقد امال حمزة والكسائي اناه لانه مصدر انى الطعام إذا أدرك ) ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ( تفرقوا ولا تمكثوا ولأنه خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيدخلون ويقعدون منتظرين لادراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم وإلا لما جاز أحد أن يدخل بيوته بالاذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لهم ) ولا مستأنسين لحديث ( لحديث بعضكم بعضا أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على ) ناظرين ( أو مقدر بفعل أي ولا تدخلوا أو ولا تمكثوا مستأنسين ) إن ذلكم ( اللبث ) كان يؤذي النبي ( لتضييق المنزل عليه وعلى أهله واشغاله بما لا يعنيه ) فيستحيي منكم ( من اخراجكم بقوله ) والله لا يستحيي من الحق ( يعني أن اخراجكم حق فينبغي أن لا يترك ________________________________________ " صفحة رقم 384 " حياء كما لم يتركه الله ترك الحيي فأمركم بالخروج وقرئ / لا يستحي / بحذف الياء الأولى والقاء حركتها على الحاء ) وإذا سألتموهن متاعا ( شيئا ينتفع به ) فاسألوهن ( المتاع ) من وراء حجاب ( ستر روي أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو امرت امهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وقيل انه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطعم ومعه بعض اصحابه فاصابت يد رجل عائشة رضي الله عنها فكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك فنزلت ) ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ( من الخواطر النفسانية الشيطانية ) وما كان لكم ( وما صح لكم ) أن تؤذوا رسول الله ( أن تفعلوا ما يكرهه ) ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ( من بعد وفاته أو فراقه وخص التي لم يدخل بها لما روي أن اشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر رضي الله عنه فهم برجمها فأخبر بأنه ( صلى الله عليه وسلم ) فارقها قبل أن يمسها فتركها من غير نكير ) إن ذلكم ( يعني ايذاءه ونكاح نسائه ) كان عند الله عظيما ( ذنبا عظيما وفيه تعظيم من الله لرسوله وايجاب لحرمته حيا وميتا ولذلك بالغ في الوعيد عليه فقال ) إن تبدوا شيئا ( كنكاحهن على السنتكم ) أو تخفوه ( في صدوركم ) فإن الله كان بكل شيء عليما ( فيعلم ذلك فيجازيكم به وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد الأحزاب : ( 55 ) لا جناح عليهن . . . . . ) لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ( استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم روي انه لما نزلت آية الحجاب قال الاباء والابناء والاقارب يا رسول الله أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت وانما لم يذكر العم والخال لانهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمى العم أبا في قوله ) إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( أو لانه كره ترك الاحتجاب عنهما مخافة أن يصفا لابنائهما ) ولا نسائهن ( يعني نساء المؤمنات ) ولا ما ملكت أيمانهن ( من العبيد والاماء وقيل من ________________________________________ " صفحة رقم 385 " الاماء خاصة وقد مر في سورة النور ) واتقين الله ( فيما امرتن به ) إن الله كان على كل شيء شهيدا ( لا يخفى عليه خافية الأحزاب : ( 56 ) إن الله وملائكته . . . . . ) إن الله وملائكته يصلون على النبي ( يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ( اعتنوا أنتم أيضا فإنكم اولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد ) وسلموا تسليما ( وقولوا السلام عليك آيها النبي وقيل وانقادوا لاوامره والاية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي وقوله من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله وتجوز الصلاة على غيره تبعا وتكره استقلالا لانه في العرف صار شعارا لذكر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل وان كان عزيزا وجليلا الأحزاب : ( 57 ) إن الذين يؤذون . . . . . ) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمعاصي أو يؤذون رسول الله بكسر رباعيته وقولهم شاعر مجنون ونحو ذلك وذكر الله للتعظيم له من جوز إطلاق اللفظ على معنيين فسره بالمعنيين باعتبار المعمولين ) لعنهم الله ( ابعدهم من رحمته ) في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ( يهينهم مع الايلام الأحزاب : ( 58 ) والذين يؤذون المؤمنين . . . . . ) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ( بغير جناية استحقوا بها ________________________________________ " صفحة رقم 386 " الايذاء ) فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( ظاهرا قيل إنها نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا رضي الله عنه وقل في أهل الإفك وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات الأحزاب : ( 59 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ( يغطين وجوههن وابدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة و ) من ( للتبعيض فإن المرأة ترخي بعضه جلبابها وتتلفع ببعض و ) ذلك أدنى أن يعرفن ( يميزن من الاماء والقينات ) فلا يؤذين ( فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن ) وكان الله غفورا ( لما سلف ) رحيما ( بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها الأحزاب : ( 60 ) لئن لم ينته . . . . . ) لئن لم ينته المنافقون ( عن نفاقهم ) والذين في قلوبهم مرض ( ضعف إيمان وقلة ثبات عليه أو فجور عن تزلزلهم في الدين أو فجورهم ) والمرجفون في المدينة ( يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها من ارجافهم واصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمي بها الأخبار الكاذاب لكونه متنزلزلا غير ثابت ) لنغرينك بهم ( لنأمرنك بقتالهم واجلائهم أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء ) ثم لا يجاورونك ( عطف على ) لنغرينك ( و ) ثم ( للدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول اعظم ما يصيبهم ) فيها ( في المدينة ) إلا قليلا ( زما نا أو جوارا قليلا الأحزاب : ( 61 ) ملعونين أينما ثقفوا . . . . . ) ملعونين ( نصب على الشتم أو الحال والاستثناء شامل له أيضا أي ) لا يجاورونك ( إلا معلونين ولا يجوز أن ينصب عن قوله ) أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( لان ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها الأحزاب : ( 62 ) سنة الله في . . . . . ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( مصدر مؤكد أي سن الله ذلك في الأمم الماضية وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالأرجاف ونحوه ) أينما ثقفوا ( ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ( لانه لا يبدلها ولا يقدر أحد أن يبدلها ________________________________________ " صفحة رقم 387 " الأحزاب : ( 63 ) يسألك الناس عن . . . . . ) يسألك الناس عن الساعة ( عن وقت قيامها استهزاء وتعنتا أو امتحانا ) قل إنما علمها عند الله ( لم يطلع عليه ملكا ولا نبيا ) وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( شيئا قريبا أو تكون الساعة عن قريب وانتصابه على الظرف ويجوز أن بكون التذكير لان ) الساعة ( في معنى اليوم وفيه تهديد للمستعجلين واسكات للمتعنتين الأحزاب : ( 64 ) إن الله لعن . . . . . ) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ( نارا شديدة الاتقاد الأحزاب : ( 65 ) خالدين فيها أبدا . . . . . ) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ( يحفظهم ) ولا نصيرا ( يدفع العذاب عنهم الأحزاب : ( 66 ) يوم تقلب وجوههم . . . . . ) يوم تقلب وجوههم في النار ( تصرف من جهة إلى جهة كاللحم يشوى بالنار أو من حال إلى حال وقرئ ) تقلب ( بمعنى تتقلب و ) تقلب ( ومتعلق الظرف ) يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ( فلن نبتلي بهذا العذاب الأحزاب : ( 67 ) وقالوا ربنا إنا . . . . . ) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ( يعنون قادتهم الذي لقنوهم الكفر وقرأ ابن عامر ويعقوب / ساداتنا / على جمع الجمع للدلالة على الكثرة ) فأضلونا السبيلا ( بما زينوا لنا الأحزاب : ( 68 ) ربنا آتهم ضعفين . . . . . ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب ( مثلي ما آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلوا ) والعنهم لعنا كبيرا ( كثير العدد وقرأ عاصم بالباء أي لعنا هو اشد اللعن وأعظمه الأحزاب : ( 69 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ( فأظهر براءته من مقولهن يعني مؤداه ومضمونه وذلك أن قارون حرض امرأة على قذفه بنفسها فعصمه الله كما مر في القصص أو اتهمه ناس بقتل هارون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك فحملته الملائكة ومروا به حتى رؤوه غير مقتول وقيل احياه الله فأخبرهم ببراءته أو قذفوه بعيب ف بدنه من برص أو ادرة لفرط تستره حياء فأطلعهم الله على انه بريء منه ________________________________________ " صفحة رقم 388 " الأحزاب : ( 70 ) يا أيها الذين . . . . . ) وكان عند الله وجيها ( ذا قربة ووجاهة وقرئ وكان عبد الله وجيها ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( في ارتكاب ما يكرهه فضلا عما يؤذي رسوله ) وقولوا قولا سديدا ( قاصدا إلى الحق من سد يسد سدادا والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد الأحزاب : ( 71 ) يصلح لكم أعمالكم . . . . . ) يصلح لكم أعمالكم ( يوفقكم للاعمال الصالحة أو يصلحها بالقبول والاثابة عليها ) ويغفر لكم ذنوبكم ( ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل ) ومن يطع الله ورسوله ( في الاوامر والنواهي ) فقد فاز فوزا عظيما ( يعيش في الدنيا حميدا في الآخرة سعيدا الأحزاب : ( 72 ) إنا عرضنا الأمانة . . . . . ) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ( تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها امانة من حيث إنها واجبة الاداء والمعنى إنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الاجرام العظام وكانت ذات شعور وادراك لابين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان مع ضعيف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخر الدارين ) إنه كان ظلوما ( حيث لم يف بها ولم يراع حقها ) جهولا ( بكنه عاقبتها وهذا وصف للجنس باعتبار الاغلب ويقل المراد ب ) الأمانة ( الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وارادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته فيكون الاباء عنه اتيانا بما ________________________________________ " صفحة رقم 389 " يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة الخيانة والتقصير وقيل انه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها أني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن اطاعني فيها ونارا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولا بوخامة عاقبته ولعل المراد ب ) الأمانة ( العقل أو التكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالاضافة إلى استعدادهن وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما الأحزاب : ( 73 ) ليعذب الله المنافقين . . . . . ) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ( تعليل للحمل من حيث انه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديبا وذكر التوبة في الوعد أشعار بأنهم كونهم ظلوما جهولا ي جبلتهم لا يخليهم عن فرطات ) وكان الله غفورا رحيما ( حيث تاب عن فرطاتهم واثاب بالفوز على طاعاتهم قال ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه اعطي الامان من عذاب القبر ________________________________________ " صفحة رقم 390 " سورة سبأ مكية وقيل إلا قوله ويرى الذين أتوا العلم الآية وآيها أربع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم سبأ : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . . ) الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا ونعمة فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته ) وله الحمد في الآخرة ( لان ما في الآخرة أيضا كذلك وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على انه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة ) وهو الحكيم ( الذي احكم أمور الدارين ) الخبير ( ببواطن الاشياء سبأ : ( 2 ) يعلم ما يلج . . . . . ) يعلم ما يلج في الأرض ( كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر وكالكنوز والدفائن والاموات ) وما يخرج منها ( كالحيوان والنبات والفلزات وماء العيون ) وما ينزل من السماء ( كالملائكة والكتب والمقادير والارزاق والانداء والصواعق ) وما يعرج فيها ( كالملائكة واعمال العباد والابخرة والادخنة ) وهو الرحيم الغفور ( للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر سبأ : ( 3 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ( انكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به ________________________________________ " صفحة رقم 391 " ) قل بلى ( رد لكلامهم واثبات لما نفوه ) وربي لتأتينكم عالم الغيب ( تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم مقررا لوصف القسم به بصفات تقرر امكانه وتنفي استبعاده على ما مر غير مرة وقرأ حمزة والكسائي / علام الغيب / للمبالغة ونافع وابن عمر ورويس ) عالم الغيب ( بالرفع على انه خبر محذوف أو مبتدأ خبره ) لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ( وقرأ الكسائي ) لا يعزب ( بالكسر ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( جملة مؤكدة لنفي العزوب ورفعهما بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على نفي الجنس ولا يجوز عطف المرفوع على ) مثقال ( والمفتوح على ) ذرة ( بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف لان الاستثناء يمنعه اللهم إلا إذا جعل الضمير في ) عنه ( للغيب وجعل المثبت في اللوح خارجا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطورا في اللوح سبأ : ( 4 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . . ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( علة لقوله ) لتأتينكم ( وبيان لما يقتضي اتيانها ) أولئك لهم مغفرة ورزق كريم ( لا تعب فيه ولا من عليه سبأ : ( 5 ) والذين سعوا في . . . . . ) والذين سعوا في آياتنا ( بإبطال وتزهيد فيها ) معاجزين ( مسابقين كي يفوتونا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) معجزين ( أي مثبطين عن الإيمان من اراده ) أولئك لهم عذاب من رجز ( من سيء العذاب ) أليم ( مؤلم ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص سبأ : ( 6 ) ويرى الذين أوتوا . . . . . ) ويرى الذين أوتوا العلم ( ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة أو من مسلمي أهل الكتاب ) الذي أنزل إليك من ربك ( القرآن ) هو الحق ( ومن رفع ) الحق ( جعل هو مبتدأ و ) الحق ( خبره والجملة ثاني مفعولي ) يرى ( وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات وقيل منصوب معطوف على ) ليجزي ( أي وليعلم اولو العلم عند مجيء الساعة انه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا ) ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ( الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى سبأ : ( 7 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا ( ى قال بعضهم لبعض ) هل ندلكم على رجل ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ) ينبئكم ( يحدثكم بأعجب الاعاجيب ) إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ( ________________________________________ " صفحة رقم 392 " انكم تنشؤون خلقا جديدا بعد أن تمزق اجساكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه وعامله محذوف دل عليه ما بعده فإن ما قبله لم يقارنه وما بعده مضاف إليه أو محجوب بينه وبينه بأن و ) ممزق ( يحتمل أن يكون مكانا بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحتم كل مطرح وجديد بمعنى فاعل من حد وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه سبأ : ( 8 ) أفترى على الله . . . . . ) أفترى على الله كذبا أم به جنة ( جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه واستدل بجعلهم إياه قسيم الافتراء غير معتقدين صقده على أن بين الصدق والكذب واسطة وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بين لان الافتراء أخص من الكذب ) بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( رد من الله تعالى عليهم ترديدهم واثبات لهم ما هو افظع من القسمين وهو الضلال البعيد عن الصواب بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مؤداه من العذاب وجعله رسيلا له في الوقوع ومقدما عليه في اللفظ للمبالغة في استحقاقهم له والبعد في الأصل صفة الضال ووصف الضلال به على الإسناد المجازي سبأ : ( 9 ) أفلم يروا إلى . . . . . ) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ( تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة الله وما يحتمل فيه ازاحة لاستحالتهم الإحياء حتى جعلوه افتراء وهزؤا وتهديدا عليها والمعنى ________________________________________ " صفحة رقم 393 " اعموا فلم ينظروا إلى ما احاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا اهم اشد خلقا أم السماء وإنا ) إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ( ولتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات وقرأ حمزة والكسائي ) يشأ ( و ) يخسف ( و / يسقط / بالياء لقوله ) افترى على الله ( والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص ) كسفا ( بالتحريك ) إن في ذلك ( النظر والتفكر فيهما وما يدلان عليه ) لآية ( لدلالة ) لكل عبد منيب ( راجع إلى ربه فإنه يكون كثيرا التأمل في آمره سبأ : ( 10 ) ولقد آتينا داود . . . . . ) ولقد آتينا داود منا فضلا ( أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد أو علا سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن ) يا جبال أوبي معه ( رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب وذلك أما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمر ما فيها أو سيري معه حيث سار وقرئ ) أوبي ( من الاوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه وهو بدل من ) فضلا ( أو من ) آتينا ( بإضمار قولنا أو قلنا ) والطير ( عطف على محل الجبال ويؤيده القراءة بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الاعرابية أو على ) فضلا ( أو مفعول معه ل ) أوبي ( وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل ولقد آتينا داود منا فضلا تأويب الجبال والطير فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لامره في نفاذ مشيئته فيها ) وألنا له الحديد ( جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير احماء وطرق بالانته أو بقوته ________________________________________ " صفحة رقم 394 " سبأ : ( 11 ) أن اعمل سابغات . . . . . ) أن اعمل ( امرناه أن اعمل ف ) إن ( مفسرة أو مصدرية ) سابغات ( دروعا واسعات وقرئ / صابغات / وهو أول من اتخذها ) وقدر في السرد ( وقد في نسجها بحيث يتناسب حلقها أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقا فتقلق ولا غلاظا فتنخرق ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله ) وألنا له الحديد ( ) واعملوا صالحا ( الضمير فيه لداود وأهله ) إني بما تعملون بصير ( فأجازيكم عليه سبأ : ( 12 ) ولسليمان الريح غدوها . . . . . ) ولسليمان الريح ( أي وسخرنا له الريح وقرئ ) الريح ( بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرئ ) الرياح ( ) غدوها شهر ورواحها شهر ( جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك وقرئ / غدوتها / و / وروحتها / ) وأسلنا له عين القطر ( النحاس المذاب أساله من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن ) ومن الجن من يعمل بين يديه ( عطف على ) الريح ( ) ومن الجن ( حال مقدمة أو جملة ) من ( مبتدأ وخبر ) بإذن ربه ( بأمره ) ومن يزغ منهم ( ومن يعدل منهم ) عن أمرنا ( عما أمرناه من طاعة سليمان وقرئ / بزغ / من أزاغه ) نذقه من عذاب السعير ( عذاب الآخرة سبأ : ( 13 ) يعملون له ما . . . . . ) يعملون له ما يشاء من محاريب ( قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها ) وتماثيل ( وصورا هي تماثيل للملائكة والانبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد روي انهم عملوا له اسدين في اسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الاسدان له ذراعيهما وإذا قعد اظله النسران باجنحتهما ) وجفان ( وصحاف ) كالجواب ( كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة ) وقدور راسيات ( ثابتات على الاثافي لا تنزل عنها لعظمها ) اعملوا آل داود شكرا ( حكاية عما قيل لهم ) شكرا ( نصب على العلة أي اعلموا له واعبدوه شكرا أو المصدر لأن العمل ________________________________________ " صفحة رقم 395 " له شكرا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به ) وقليل من عبادي الشكور ( المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اكثر اوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لان توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهايته ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر سبأ : ( 14 ) فلما قضينا عليه . . . . . ) فلما قضينا عليه الموت ( أي على سليمان ) ما دلهم على موته ( ما دل الجن وقيل آله ) إلا دابة الأرض ( أي الارضة اضيفت إلى فعلها وقرئ بفتح الراء وهو تأثر الخشية من فعلها يقال ارضت الارضة الخشبة ارضا فأرضت ارضا مثل أكلت القوادح الأسنان اكلا فأكلت اكلا ) تأكل منسأته ( عصاه من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها وقرئ بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا على غير قياس إذ القياس اخراجها بين و ) منسأته ( على مفعالة كميضاءة في ميضاة و ) منسأته ( أي طرف عصاه مستعار من سأة القوس وفيه لغتان كما في قحة وقحة وقرأ نافع وأبو عمرو ) منسأته ( بألف بدلا من الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة وحمزة إذا وقف جعلها بين بين ) فلما خر تبينت الجن ( علمت الجن بعد التباس الأمر عليهم ) أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( انهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته حينما وقع فلم يلبثوا حولا في تسخيره إلى أن خر أو ظهرت الجن وان بما في حيزه بدل منه أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب وذلك أن داود اسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليهما الصلاة والسلام فمات قبل تمامه فوصى به إلى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم بعد إذ دنا اجله واعلم به أراد أن يعمي عليهم موته ________________________________________ " صفحة رقم 396 " ليتموه فدعاهم فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقي كذلك حتى اكلتها الارضة فخر ثم فتحوا عنه أرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك فوجوده قد مات منذ سنة وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاثة عشرة سنة وابتدأ عمارة بيت المقدس لاربع مضين من ملكه سبأ : ( 15 ) لقد كان لسبإ . . . . . ) لقد كان لسبإ ( لاولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو لانه صار اسم القبيلة وعن ابن كثير قلب همزته الفا ولعله أخرجه بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب ) في مساكنهم ( في مواضع سكناهم وهي باليمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث أيام وقرأ حمزة وحفص بالافراد والفتح والكسائي بالكسر حملا على ما شذ من القياس كالمسجد والمطلع ) آية ( علامة دالة على وجود الصانع المختار وانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء معاضدة للبرهان السابق كما في قصتي داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام ) جنتان ( بدل من ) آية ( أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان وقرئ بالنصب على المدح والمراد جماعتان من البساتين ) عن يمين وشمال ( جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضامنها كأنها جنة واحدة أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ) كلوا من رزق ربكم واشكروا له ( حكاية لما قال لهم نبيهم أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا احقاء بأن يقال لهم ذلك ) بلدة طيبة ورب غفور ( استئناف للدلالة على موجب الشكر أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شركركم رب غفور فرطات من يشكره وقرئ الكل بالنصب على المدح قيل كانت اخصب البلاد واطيبها لم يكن فيها عاهة ولا هامة ________________________________________ " صفحة رقم 397 " سبأ : ( 16 ) فأعرضوا فأرسلنا عليهم . . . . . ) فأعرضوا ( عن الشكر ) فأرسلنا عليهم سيل العرم ( سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل هو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب أو المطر الشديد أو الجرذ اضاف إليه ال ) سيل ( لأنه نقب عليهم سكرا ضربته لهم بلقيس فحقنت به ماء الشجر وتركت فيه ثقبا على ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سكرا على انه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وقيل اسم واد جاء السيل من قبله وكان ذلك بين عسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ( ثمر بشع فإن الخمط كل نبت اخذ طعما من مرارة وقيل الاراك أو كل شجر لا شوك له والتقدير كل آكل خمط فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامة في كونه بدلا أو عطف بيان ) وأثل وشيء من سدر قليل ( معطوفان على ) أكل ( لا على ) خمط ( فإن الاثل هو الطرفاء ولا ثمر له وقرئا بالنصب عطفا على ) جنتين ( ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين وتسمية البدل ) جنتين ( للمشاكلة والتهكم وقرأ أبو عمرو / ذاتي / آكل بغير تنوين اللام وقرأ الحرميان بتخفيف ) أكل ) سبأ : ( 17 ) ذلك جزيناهم بما . . . . . ) ذلك جزيناهم بما كفروا ( بكفرانهم النعمة أو بكفرهم بالرسل إذ روي انه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص ) وهل نجازي إلا الكفور ( وهل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص ) نجازي ( بالنون و ) الكفور ( بالنصب سبأ : ( 18 ) وجعلنا بينهم وبين . . . . . ) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ( بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشأم ) قرى ظاهرة ( متواصلة يظهر بعضها لبعض أو راكبة متن الطريق ظاهرة لابناء السبيل ) وقدرنا فيها السير ( بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام ) سيروا فيها ( على إرادة القول بلسان الحال أو المقال ) ليالي وأياما ( متى شئتم من ليل ________________________________________ " صفحة رقم 398 " أو نهار ) آمنين ( لا يختلف الامن فيها باختلاف الاوقات أو سيروا آمنين وان طالت مدة سفركم فيها أو سيروا فيها ليالي اعماركم وايامها لا تلقون فيها إلا الامن سبأ : ( 19 ) فقالوا ربنا باعد . . . . . ) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ( اشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الازواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام ) بعد ( ويعقوب ) ربنا باعد ( بلفظ الخبر على انه شكوى منهم لبعد سفرهم افراطا في الترفه وعدم الاعتداد بما انعم الله عليهم فيه ومثله قراءة من قرأ / ربنا بعد / أو ) بعد ( على النداء واسناد الفعل إلى ) بين ( ) وظلموا أنفسهم ( حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها ) فجعلناهم أحاديث ( يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبأ ) ومزقناهم كل ممزق ( ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشأم وانمار بيثرب وجذام بتهامة والازد بعمان ) إن في ذلك ( فيما ذكر ) لآيات لكل صبار ( عن المعاصي ) شكور ( على النعم سبأ : ( 20 ) ولقد صدق عليهم . . . . . ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( أي صدق في ظنه أو صدق بظن ظنه مثل فعلته جهدك ويجوز أن يعدى الفعل إليه بنفسه كما في ) صدق عليهم ( لانه نوع من القول وشدده الكوفيون بمعنى حق ظنه أو وجده صادقا وقرئ بنصب ) إبليس ( ورفع الظن مع التشديد بمعنى وجد ظنه صادقا والتخفيف بمعنى قال له ظنه الصدق حين خيله اغواءهم وبرفعهما والتخفيف على الابدان وذلك أما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببني آدم حين رأى اباهم النبي ضعيف العزم أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب أو سمع من الملائكة قولهم ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( فقال ) ولأضلنهم ( ) ولأغوينهم ( ) فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ( إلا فريقا هم المؤمنون لم يبتعوه ________________________________________ " صفحة رقم 399 " وتقليلهم بالاضافة إلى الكفار أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون سبأ : ( 21 ) وما كان له . . . . . ) وما كان له عليهم من سلطان ( تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء ) إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ( إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء أو ليتميز المؤمن من الشاك أو ليؤمن من قدر ايمانه ويشك من قدر ضلاله والمراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة في نظم الصلتين نكتة لا تخفى ) وربك على كل شيء حفيظ ( محافظ والزنتان متآخيتان سبأ : ( 22 ) قل ادعوا الذين . . . . . ) قل ( للمشركين ) ادعوا الذين زعمتم ( أي زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم حذف الأول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه ولا يجوز أن يكون هو مفعوله الثاني لأنه لا يلتئم مع الضمير كلاما ولا ) لا يملكون ( لانهم لا يزعمونه ) من دون الله ( والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صحدعواكم ثم اجاب عنهم اشعارا بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال ) لا يملكون مثقال ذرة ( من خير أو شر ) في السماوات ولا في الأرض ( في أمر ما وذكرهما للعموم العرفي أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها ارضية كالاصنام أو لان الاسباب القريبة للشر والخير سماوية وارضية والجملة استئناف لبيان حالهم ) وما لهم فيهما من شرك ( من شركة لا خلقا ولا ملكا ) وما له منهم من ظهير ( يعينه على تدبير امرهما سبأ : ( 23 ) ولا تنفع الشفاعة . . . . . ) ولا تنفع الشفاعة عنده ( فلا ينفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة ________________________________________ " صفحة رقم 400 " عند الله ) إلا لمن أذن له ( أذن له أن يشفع أو أذن أن يشفع له لعلو شأنه ولم يثبت ذلك واللام على الأول كاللام في قولك الكرم لزيد وعلى الثاني كاللام في قولك جئتك لزيد وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة ) حتى إذا فزع عن قلوبهم ( غاية لمفهوم الكلام من أن ثم توقفا وانتظارا للإذن أي يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالاذن وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم ذكرهم ضمنا وقرأ ابن عامر ويعقوب ) فزع ( على البناء للفاعل وقرئ / فرغ / أي نفي الوجل من فرغ الزاد إذا فني ) قالوا ( قال بعضهم لبعض ) ماذا قال ربكم ( في الشفاعة ) قالوا الحق ( قالوا قال القول الحق وهو الأذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون وقرئ بالرفع أي مقوله الحق ) وهو العلي الكبير ( ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي من الأنبياء أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه سبأ : ( 24 ) قل من يرزقكم . . . . . ) قل من يرزقكم من السماوات والأرض ( يريد به تقرير قوله ) لا يملكون ( ) قل الله ( إذ لا جواب سواه وفي أشعار ب أنهم سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الالزام فهم مقرون به بقلوبهم ) وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( أي وان أحد الفريقين من المومحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية بالعبادة والمشركين به الجماد النازل في ادنى المراتب الامكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبينين وهو بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ومن هو في الضلال ابلغ من التصريح لأنه في صورة الأنصاف المسكت للخصم المشاغب ونظيره قول حسان ________________________________________ " صفحة رقم 401 " " أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء " وقيل انه على اللف والنشر وفيه نظر واختلاف الحرفين لان الهادي كمن صعد منارا ينظر الاشياء ويتطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى شيئا أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها سبأ : ( 25 ) قل لا تسألون . . . . . ) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ( هذا ادخل في الأنصاف وابلغ في الاخباث حيث اسند الاجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين سبأ : ( 26 ) قل يجمع بيننا . . . . . ) قل يجمع بيننا ربنا ( يوم القيامة ) ثم يفتح بيننا بالحق ( يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار ) وهو الفتاح ( الحاكم الفاصل في القضايا المتغلقة ) العليم ( بما ينبغي أن يقضى به سبأ : ( 27 ) قل أروني الذين . . . . . ) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء ( لأرى بأي صفة الحقتموهم بالله في استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم ) كلا ( ردع لهم عن المشاركة بعد ابطال المقايسة ) بل هو الله العزيز الحكيم ( الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون به متسمون بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا والضمير لله أو للشأن سبأ : ( 28 ) وما أرسلناك إلا . . . . . ) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( إلا ارسالة عامة لهم من الكف إنها إذا عمتهم قد كفتهم أن يخرج منها أحد مهم أو إلا جامعا لهم في الابلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار ) بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( فيحملهم جهلهم على مخالفتك سبأ : ( 29 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون ( من فرط جهلهم ) متى هذا الوعد ( يعنون المبشر به والمنذر عنه أو ________________________________________ " صفحة رقم 402 " الموعود بقوله تعالى ) يجمع بيننا ربنا ( ) إن كنتم صادقين ( يخاطبون رسوله الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين سبأ : ( 30 ) قل لكم ميعاد . . . . . ) قل لكم ميعاد يوم ( وعد يوم أو زمان وعد واضافته إلى يوم للتبيين ويؤيده انه قرئ ) يوم ( على البدل وقرئ ) يوم ( بإضمار اعني ) لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ( إذا فاجأكم وهو جواب تهددي جاء مطابقا لما قصدون بسؤالهم من التعنت والانكار سبأ : ( 31 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ( ولا بما تقدمه من الكتب الدالة على النعت قيل أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبروهم انهم يجدون نعته في كتبهم فغضبوا وقالوا ذلك وقيل الذين بين يديه يوم القيامة ) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ( أي في موضع المحاسبة ) يرجع بعضهم إلى بعض القول ( يتحاورون ويتراجعون القول ) يقول الذين استضعفوا ( يقول الاتباع ) للذين استكبروا ( للرؤساء ) لولا أنتم ( لولا اضلالكم وصدكم ايانا عن الإيمان ) لكنا مؤمنين ( باتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) سبأ : ( 32 ) قال الذين استكبروا . . . . . ) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ( أنكروا انهم كانوا صادين لهم عن الإيمان واثبتوا انهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث اعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه ولذلك بنوا الإنكار على الاسم سبأ : ( 33 ) وقال الذين استضعفوا . . . . . ) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ( اضراب عن اضرابهم أي لم يكن اجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى اعورتم علينا رأينا ) إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ( والعاطف يعطفه على كلامهم الأول واضافة ال ) مكر ( إلى الظرف على الاتساع وقرئ ) مكر الليل ( بالنصب على المصدر و ) مكر الليل ( بالتنوين ونصب الظرف و ) مكر الليل ( من الكرور ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ( ________________________________________ " صفحة رقم 403 " واضمر الفريقان الندامة على الضلال والاضلال واخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير أو أظهروها فانه من الأضداد إذ الهمزة للإثبات والسلب كما في أكشيته ) وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ( أي في أعناقهم فجاء بالظاهر تنويها بذمهم واشعارا بموجب اغلالهم ) هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على أعمالهم وتعدية يجزي أما لتضمن معنى يقضي أو بنزع الخافض سبأ : ( 34 ) وما أرسلنا في . . . . . ) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما مني به من قومه وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة إلى التكذيب فقالوا ) إنا بما أرسلتم به كافرون ( على مقابلة الجمع بالجمع سبأ : ( 35 ) وقالوا نحن أكثر . . . . . ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ( فنحن اولى بما تدعونه إن أمكن ) وما نحن بمعذبين ( إما لأن العذاب لا يكون أو لأنه اكرمنا بذلك فلا يهيننا بالعذاب سبأ : ( 36 - 37 ) قل إن ربي . . . . . ) قل ( ردا لحسبانهم ) إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( ولذلك يختلف فيه الاشخاص المتماثلة في الخصائص والصفات ولو كان ذلك لكرامة وهو أن يوجبانه لم يكن بمشيئته ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( فيظنون أن كثرة الأموال والاولاد للشرف والكرامة وكثيرا ما يكون للاستدراج كما قال ) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ( قربة والتي أما لان المراد وما جماعة أموالكم وأولادكم أو لأنها صفة محذوف كالتقوى والخصلة وقرئ ) بالذي ( أي بالشي الذي يقربكم ) إلا من آمن وعمل صالحا ( استثناء من مفعول ) تقربكم ( أي الأموال والاولاد لا تقرب احدا إلا المؤمن الصلاح الذي ينفق ماله في سبيل الله ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح أو من ) أموالكم ( و ) أولادكم ( على حذف المضاف ________________________________________ " صفحة رقم 404 " ) فأولئك لهم جزاء الضعف ( أن يجازوا الضعف إلى عشر فما فوقه والاضافة إضافة المصدر إلى المفعول وقرئ بالأعمال على الأصل وعن يعقوب رفعهما على إبدال الضعف ونصب الجزاء على التمييز أو المصدر لفعله الذي دل عليه لهم ) بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ( من المكاره وقرئ بفتح الراء وسكونها وقرأ حمزة / في الغرفة / على إرادة الجنس سبأ : ( 38 ) والذين يسعون في . . . . . ) والذين يسعون في آياتنا ( بالرد والطعن فيها ) معاجزين ( مسابقين لانبيائنا أو ظانين انهم يفوتوننا ) أولئك في العذاب محضرون ( ) والذين يسعون في آياتنا ( بالرد والطعن فيها ) معاجزين ( مسابقين لانبيائنا أو ظانين انهم يفوتوننا ) أولئك في العذاب محضرون ) سبأ : ( 39 ) قل إن ربي . . . . . ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( يوسع عليه تارة ويضيع عليه أخرى فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرير ) وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( عوضا أما عاجلا أو آجلا ) وهو خير الرازقين ( فإن غيره وسط في ايصال رزقه لا حقيقة لرازقيته سبأ : ( 40 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . . ) ويوم نحشرهم جميعا ( المستكبرين والمستضعفين ) ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( تقريعا للمشركين وتبكيتا لهم واقناطا لهم عما يتوقعون من شفاعتهم وتخصيص الملائكة لانهم اشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم ولأن عبادتهم مبدأ الشرك وأصله وقرأ حفص ويعقوب بالياء فيهما سبأ : ( 41 ) قالوا سبحانك أنت . . . . . ) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم ( أنت الذي نواليه من دونهم لا موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك براءتهم من الرضا بعبادتهم ثم اضربوا عن ذلك ونفوا انهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم ) بل كانوا يعبدون الجن ( أي الشياطين حيث اطاعوهم في عبادة غير الله وقيل كانوا يتمثلون لهم ويخيلون إليهم انهم الملائكة فيعبدونهم ) أكثرهم بهم مؤمنون ( ________________________________________ " صفحة رقم 405 " الضمير الأول للإنس أو للمشركين والاكثر بمعنى الكل والثاني ل ) الجن ) سبأ : ( 42 ) فاليوم لا يملك . . . . . ) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ( إذ الأمر فيه كله له لان الدار دار جزاء وهو المجازي وحده ) ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ( عطف على ) لا يملك ( مبين للمقصود من تمهيده سبأ : ( 43 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ( فيستتبعكم بما يستبدعه ) وقالوا ما هذا ( يعنون القرآن ) إلا إفك ( لعدم مطابقة ما فيه الواقع ) مفترى ( باضافته إلى الله سبحانه وتعالى ) وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ( لأمر النبوة أو للإسلام أو للقرآن والاول باعتبار معناه وهذا باعتبار لفظه واعجازه ) إن هذا إلا سحر مبين ( ظاهر سحريته وفي تكرير الفعل والتصريح بذكر الكفرة وما في اللامين من الاشارة إلى القائلين والمقول فيه وما في ) لما ( من المبادهة إلى البت بهذا القول انكار عظيم له وتعجيب بليغ منه سبأ : ( 44 ) وما آتيناهم من . . . . . ) وما آتيناهم من كتب يدرسونها ( فيها دليل على صحة الاشراك ) وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ( يدعوهم إليه وينذرهم على تركه وقد بان من قبل أن لا وجه له فمن أين وقع لهم هذه الشبهة وهذا في غاية التجهيل لهم والتسفيه لرأيهم سبأ : ( 45 ) وكذب الذين من . . . . . ثم هددهم فقال ) وكذب الذين من قبلهم ( كما كذبوا ) وما بلغوا معشار ما آتيناهم ( وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى ) فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ( فحين كذبوا رسلي جاءهم انكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم فليحذر هؤلاء من مثله ولا تكرير في كذب لان الأول للتكثير والثاني للتكذيب أو الأول مطلق والثاني مقيد ولذلك عطف عليه بالفاء سبأ : ( 46 ) قل إنما أعظكم . . . . . ) قل إنما أعظكم بواحدة ( أرشدكم وانصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه ) أن تقوموا لله ( ________________________________________ " صفحة رقم 406 " وهو القيام من مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو الانتصاب في الأمر خالصا لوجه الله معرضا عن المراء والتقليد ) مثنى وفرادى ( متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن الازدحام يشوش الخاطر وبخلط القول ) ثم تتفكروا ( في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به لتعلموا حقيقته ومحله الجر على البدل أو البيان أو الرفع أو النصب بإضمار هو اعني ) ما بصاحبكم من جنة ( فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك أو استئناف منبه لهم على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير وخطب عظيم من غير تحقق ووثوق ببرهان فيفتضح على رؤوس الاشهاد ويلقي نفسه إلى الهلاك فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة وقيل ) ما ( استفهامية والمعنى ثم تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون ) إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( قدامه لانه مبعوث في نسيم الساعة سبأ : ( 47 ) قل ما سألتكم . . . . . ) قل ما سألتكم من أجر ( أي شيء سألتكم من اجر على الرسالة ) فهو لكم ( والمراد نفي السؤال عنه كأن جعل التنبي مستلزما أحد الأمرين أما الجنون واما توقع نفع دنيوي عليه لانه أما أن يكون لغرض أو لغيره وايا ما كان يلزم أحدهما ثم نفى كلا منهما وقيل ) ما ( موصولة مراد بها ما سألهم بقوله ) ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ( وقوله ) لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( واتخاذ السبيل ينفعهم وقرباه قرباهم ) إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ( مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء سبأ : ( 48 ) قل إن ربي . . . . . ) قل إن ربي يقذف بالحق ( يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده أو يرمي به الباطل فيدمغه أو يرمي به إلى اقطار الأفاق فيكون وعدا بإظهار الإسلام وافشائه وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء ) علام الغيوب ( صفة محمولة على محل ) إن ( واسمها أو بدل نم المستكن في ) يقذف ( أو خبر ثان أو خبر محذوف وقرئ بالنصب صفة ل ) ربي ( أو مقدرا بأعني وقرأ حمزة أبو بكر ) الغيوب ( بالكسر كالبيوت وبالضم كالعشور وقرئ بالفتح كالصبور على انه مبالغة غائب ________________________________________ " صفحة رقم 407 " سبأ : ( 49 ) قل جاء الحق . . . . . ) قل جاء الحق ( أي الإسلام ) وما يبدئ الباطل وما يعيد ( وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له اثر مأخوذ من هلاك الحي فإنه إذا هلك لم يبق له ابداء ولا اعادة قال " اقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد " وقيل الباطل إبليس أو الصنم والمعنى لا ينشئ خلقا ولا يعيده أو لا يبدئ خيرا لأهله ولا يعيده وقيل ) ما ( استفهامية منتصبة بما بعدها سبأ : ( 50 ) قل إن ضللت . . . . . ) قل إن ضللت ( عن الحق ) فإنما أضل على نفسي ( فإن وبال ضلالي عليها لأنه بسببها إذ هي الجاهلة بالذات والامارة بالسوء وبهذا الاعتبار قابل الشرطية بقوله ) وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ( فإن الاهتداء بهدايته وتوفيقه ) إنه سميع قريب ( يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وان اخفاه سبأ : ( 51 ) ولو ترى إذ . . . . . ) ولو ترى إذ فزعوا ( عند الموت أو البعث أو يوم بدر وجواب ) لو ( محذوف تقديره لرأيت امرا فظيعا ) فلا فوت ( فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن ) وأخذوا من مكان قريب ( من ظهر الأرض إلى باطنها أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب والعطف على ) فزعوا ( أو لا فوت ويؤيده انه قرئ ) وأخذ ( عطفا على محله أي فلا فوت هناك وهناك اخذ سبأ : ( 52 ) وقالوا آمنا به . . . . . ) وقالوا آمنا به ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقد مر ذكره في قوله ) ما بصاحبكم ( ) وأنى لهم التناوش ( ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولا سهلا ) من مكان بعيد ( فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالأيمان بعدما فات عنهم اوانه وبعد عنهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها ________________________________________ " صفحة رقم 408 " أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة " أقحمني جار أبي الجاموش إليك نأش القدر التؤوش " أو من نشأت إذا تأخرت ومنه قوله " تمنى نشيشا أن يكون اطاعني وقد حدثت بعد الأمور أمور " فيكون بمعنى التناول من بعد سبأ : ( 53 ) وقد كفروا به . . . . . ) وقد كفروا به ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو بالعذاب ) من قبل ( من قبل ذلك اوان التكليف ) ويقذفون بالغيب ( ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من المطاعن أو في العذاب من البث على نفيه ) من مكان بعيد ( من جانب بعيد من أمره وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو حال الآخرة كما حكاه من قبل ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه وقرئ ) ويقذفون ( على أن الشيطان يلقي إليهم ويلقنهم ذلك والعطف على ) وقد كفروا ( على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإيمان في الدنيا سبأ : ( 54 ) وحيل بينهم وبين . . . . . ) وحيل بينهم وبين ما يشتهون ( من نفع الإيمان والنجاة به من النار وقرأ ابن عمر والكسائي بإشمام الضم للحاء ) كما فعل بأشياعهم من قبل ( بأشباههم من كفرة الأمم الدارجة ) إنهم كانوا في شك مريب ( موقف في الريبة أو ذي ريبة منقول من المشكك أو الشك نعت به الشك للمبالغة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا ________________________________________ " صفحة رقم 409 " سورة فاطر مكية وآيها خمس واربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم فاطر : ( 1 ) الحمد لله فاطر . . . . . ) الحمد لله فاطر السماوات والأرض ( مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه والاضافة محضة لانه بمعنى الماضي ) جاعل الملائكة رسلا ( وسائط بين الله وبين انبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والالهام والرؤيا الصادقة أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه ) أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ( ذوي اجنحة متعددة متفاوة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به ولعله لم يرد به خصوصية الأعداد ونفي ما زال عليها لما وري انه ( صلى الله عليه وسلم ) رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح ) يزيد في الخلق ما يشاء ( استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدة حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم لأن اختلاف الاصناف والانواع بالخواص ________________________________________ " صفحة رقم 410 " والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال والاية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس ) إن الله على كل شيء قدير ( وتخصيص بعض الاشياء بالتحصيل دون بعض إنما هو من جهة الارادة فاطر : ( 2 ) ما يفتح الله . . . . . ) ما يفتح الله للناس ( ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب ) من رحمة ( كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة ) فلا ممسك لها ( يحبسها ) وما يمسك فلا مرسل له ( يطلقه واختلاف الضميرين لان الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب وفي ذلك إشعار بأن رحمه سبقت غضبه ) من بعده ( من بعد امساكه ) وهو العزيز ( الغالب على ما يشاء ليس أحد أن ينازعه فيه ) الحكيم ( لا يفعل إلا بعلم واتقان فاطر : ( 3 ) يا أيها الناس . . . . . ثم لما بين انه الموجد للملك والملوك والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس بشكر انعامه فقال ) يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ( احفظوا بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاقة موليها ثم انكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله ) هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ( فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى اشراك غيره به ورفع ) غير ( للحمل على محل ) من خالق ( بأنه وصف أو بدل فإن الاستفهام بمعنى النفي أو لانه فاعل ) خالق ( وجره حمزة والكسائي حملا على ________________________________________ " صفحة رقم 411 " لفظه وقد نصب على الاستثناء و ) يرزقكم ( صفة ل ) خالق ( أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ وعلى الأخير يكون إطلاق ) هل من خالق ( مانعا من اطلاقه على غير الله فاطر : ( 4 ) وإن يكذبوك فقد . . . . . ) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ( أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم فوضع ) فقد كذبت ( موضعه استغناء بالسبب عن المسبب وتنكير رسل للتعظيم المقتضي زيادة التسلية والحث على المصابرة ) وإلى الله ترجع الأمور ( فيجازيك واياهم على الصبر والتكذيب فاطر : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس إن وعد الله ( بالحشر والجزاء ) حق ( لا خلف فيه ) فلا تغرنكم الحياة الدنيا ( فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها ) ولا يغرنكم بالله الغرور ( الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية فإنها وان امكنت لكن الذبن بهذا التوقع كتناول السم اعتمادا على دفع الطبيعة وقرئ بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود فاطر : ( 6 ) إن الشيطان لكم . . . . . ) إن الشيطان لكم عدو ( عداوة عامة قديمة ) فاتخذوه عدوا ( في عقائدكم وافعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع احوالكم ) إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ( تقرير لعداوته وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى الدنيا فاطر : ( 7 ) الذين كفروا لهم . . . . . ) الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ( وعيد لمن اجاب دعاءه ووعد لنم خالفه وقطع للاماني الفارغة وبناء للامر كله على الإيمان والعمل الصالح فاطر : ( 8 ) أفمن زين له . . . . . وقوله ) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ( تقرير له أي افمن زين له سوء عمله بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقا والقبيح حسنا كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه فحذف الجواب لدلالة ) فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( وقيل تقديره افمن زين له سوء عمله ________________________________________ " صفحة رقم 412 " ذهبت نفسك عليهم حسرة فحذف الجواب لدلالة ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( عليه ومعناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيرهم واصرارهم على التذيب والفاءات الثلاث للسببية غير أن الاوليين دخلتا على السبب والثالثة دخلت على المسبب وجمع احلسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو كثرة مساوي افعالهم المقتضية للتأسف وعليهم ليس صلة لها لان صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه ) إن الله عليم بما يصنعون ( فيجازيهم عليه فاطر : ( 9 ) والله الذي أرسل . . . . . ) والله الذي أرسل الرياح ( وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح ) فتثير سحابا ( على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة ولان المراد بيان احداثها بهذه الخاصية ولذلك اسنده إليها ويجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر ) فسقناه إلى بلد ميت ( وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتشديد ) فأحيينا به الأرض ( بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطرا ) بعد موتها ( بعد يبسها والعدول فيهما من الغيبة إلى ما هو ادخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصنع ) كذلك النشور ( أي مثل أحياء الموات نشور الاموات في صحة المقدورية إذ ليس بينهما إلا احتمال اختلاف ________________________________________ " صفحة رقم 413 " المادة في المقيس عليه وذلك لا مدخل له فيها وقيل في كيفية الأحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش تنبت منه اجساد الخلق فاطر : ( 10 - 11 ) من كان يريد . . . . . ) من كان يريد العزة ( الشرف والمنعة ) فلله العزة جميعا ( أي فليطلبها من عنده فإن له كلها فاستغنى بالدليل عن المدلول ) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ( بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح وصعودهما إليه مجاز عن قبوله اياهما أو صعود الكتبة بصحيفتهما والمستكن في ) يرفعه ( ل ) والعمل ( فإنه يحقق الإيمان ويقويه أو له وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة وقرئ ) يصعد ( على البناءين والمعصد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك وقيل ) الكلم الطيب ( يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) هو سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل ) والذين يمكرون السيئات ( المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله واجلائه ) لهم عذاب شديد ( لا يؤبه دونه بما يمكرون به ) ومكر أولئك هو يبور ( يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله ) والله خلقكم من تراب ( بخلق آدم عليه السلام منه ) ثم من نطفة ( بخلق ذريته منها ) ثم جعلكم أزواجا ( ذكرانا واناثا ) وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ( إلا ________________________________________ " صفحة رقم 414 " معلومة له ) وما يعمر من معمر ( وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر ) ولا ينقص من عمره ( من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا والضمير له وان لم يذكر لدلالة مقابلة عليه أو للعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه إلا بحق وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار اسباب مختلفة اثبتت في اللوح مثل أن يكون فيه أن حج عمرو فعمره ستون سنة وألا فأربعون وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقضي فإنه يكتب في صحيفة عمره يوما فيوما وعن يعقوب ) ولا ينقص ( على البناء للفاعل ) إلا في كتاب ( هو علم الله تعالى أو اللوح المحفوظ أو الصحيفة ) إن ذلك على الله يسير ( إشارة إلى الحفظ أو الزيادة أو النقص فاطر : ( 12 ) وما يستوي البحران . . . . . ) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ( ضرب مثل للمؤمن والكافر والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره والاجاج الذي يحرق بملوحته وقرئ / سيغ / بالتخفيف و ) ملح ( على فعل ) ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ( استطراد في صفة الحرين وما فيهما من النعم أو تمام التمثيل والمعنى كما أنهما وان اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء فإنه خالط أحدهما ما افسده وغيره عن كمال فطرته لا يستاوى المؤمن والكافر وان اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما فيما هو الخاصية العظمى وهي بقاء أحدهما على الفطرة الاصلية دون الآخر أو تفضل للاجاج على الكافر بما يشارك فيه العذب من المنافع والمراد ب ) الحلية ( اللآلئ واليواقيت ) وترى الفلك فيه ( في كل ) مواخر ( ________________________________________ " صفحة رقم 415 " تشق الماء بجريها ) لتبتغوا من فضله ( من فضل الله بالنقلة فيها واللام متعلقة ب ) مواخر ( ويجوز أن تتعلق بما دل عليه الأفعال المذكورة ) ولعلكم تشكرون ( على ذلك وحرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال فاطر : ( 13 ) يولج الليل في . . . . . ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى ( هي مدة دوره أو منتهاه أو يوم القيامة ) ذلكم الله ربكم له الملك ( الاشارة إلى الفاعل لهذه الاشياء وفيها أشعار بأن فاعليته لها موجبة لثبوت الأخبار المترادفة ويحتمل أن يكون ) له الملك ( كلاما مبتدأ في قرآن ) والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ( للدلالة على تفرده بالالوهية والربوبية والقطمير لفافة النواة فاطر : ( 14 ) إن تدعوهم لا . . . . . ) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ( لانهم جماد ) ولو سمعوا ( على سبيل الفرض ) ما استجابوا لكم ( لعدم قدرتهم على الانفاع أو لتبرئهم منكم مما تدعون لهم ) ويوم القيامة يكفرون بشرككم ( بإشراككم لهم يقرون ببطلانه أو يقولون ) ما كنتم إيانا تعبدون ( ) ولا ينبئك مثل خبير ( ولا يخبرك بالأمر مخبر ) مثل خبير ( به أخبرك وهو الله سبحانه وتعالى فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما اخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم فاطر : ( 15 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ( في انفسكم وما يعن لكم وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء وان افتقار سائر الخلائق بالاضافة إلى فقرهم غير معتد به ولذلك قال ) وخلق الإنسان ضعيفا ( ) والله هو الغني الحميد ( ________________________________________ " صفحة رقم 416 " المستغني على الإطلاق المنعم على سائر الموجودات حتى استحق عليهم الحمد فاطر : ( 16 ) إن يشأ يذهبكم . . . . . ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( بوقم آخرين اطوع منكم أو بعالم آخر غير ما تعرفونه فاطر : ( 17 ) وما ذلك على . . . . . ) وما ذلك على الله بعزيز ( بمتعذر أو متعسر فاطر : ( 18 ) ولا تزر وازرة . . . . . ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى واما قوله ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون اثقال اضلالهم مع اثقال ضلالهم وكل ذلك اوزارهم وليس فيها شيء من اوزار غيره ) وإن تدع مثقلة ( نفس اثقلها الاوزار ) إلى حملها ( تحمل بعض اوزارها ) لا يحمل منه شيء ( لم تجب لحمل شيء منه نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها ) ولو كان ذا قربى ( ولو كان المدعو ذا قرابتها فأضمر المدعو لدلالة أن تدع عليه وقرئ / ذو قربى / على حذف الخبر وهو اولى من جعل كان التامة فإنها لا تلائم نظم الكلام ) إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ( غائبين عن عذابه أو عن الناس في خلواتهم أو غائبا عنهم عذابه ) وأقاموا الصلاة ( فإنهم المتفعون بالانذار لا غير واختلاف الفعلين لما مر من الاستمرار ) ومن تزكى ( ومن تطهر من دنس المعاصي ) فإنما يتزكى لنفسه ( إذ نفعه لها وقرئ / ومن ازكى فإنما يزكي / وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم واقامتهم الصلاة لانهما من جملة التزكي ) وإلى الله المصير ( فيجازيهم على تزكيهم فاطر : ( 19 ) وما يستوي الأعمى . . . . . ) وما يستوي الأعمى والبصير ( الكافر والمؤمن وقيل هما مثلان للصنم ولله عز وجل ________________________________________ " صفحة رقم 417 " فاطر : ( 20 ) ولا الظلمات ولا . . . . . ) ولا الظلمات ولا النور ( ولا الباطل ولا الحق فاطر : ( 21 ) ولا الظل ولا . . . . . ) ولا الظل ولا الحرور ( ولا الثواب ولا العقاب ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد و ) الحرور ( فعول من الحر غلب على السموم وقيل السموم ما يهب نهارا والحرور ما تهب ليلا فاطر : ( 22 ) وما يستوي الأحياء . . . . . ) وما يستوي الأحياء ولا الأموات ( تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين ابلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل للعلماء والجهلاء ) إن الله يسمع من يشاء ( هدايته فيوفقه لفهم اياته والاتعاظ بعظاته ) وما أنت بمسمع من في القبور ( ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالاموات ومبالغة في اقناطه عنهم فاطر : ( 23 ) إن أنت إلا . . . . . ) إن أنت إلا نذير ( فما عليك إلا الانذار واما الاسماع فلا إليك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم فاطر : ( 24 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . . ) إنا أرسلناك بالحق ( محقين أو محقا أو ارسالا مصحوبا بالحق ويجوز أن يكون صلة لقوله ) بشيرا ونذيرا ( أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق ) وإن من أمة ( أهل عصر ) إلا خلا ( مضى ) فيها نذير ( من نبي أو عالم ينذر عنه والاكتفاء بذكره للعلم بان النذارة قرينة البشارة سيما وقد قرن به من قبل أو لان الانذار هو الاههم المقصود من البعثة فاطر : ( 25 ) وإن يكذبوك فقد . . . . . ) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم ) وبالزبر ( كصحف إبراهيم عليه السلام ) وبالكتاب المنير ( كالتوراة والانجيل على إرادة التفصيل دون الجمع ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير الوصفين فاطر : ( 26 ) ثم أخذت الذين . . . . . ) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ( أي انكار بالعقوبة فاطر : ( 27 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ( اجناسها واصنافها على أن كلا منها ذو أصناف مختلفة أو هيئاتها من الصفرة والخضرة ونحوهما ________________________________________ " صفحة رقم 418 " ) ومن الجبال جدد ( أي ذو جدد أي خطط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره وقرئ ) جدد ( بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة و ) جدد ( بفتحتين وهوالطريق الواضح ) بيض وحمر مختلف ألوانها ( بالشدة والضعف ) وغرابيب سود ( عطف على ) بيض ( أو على ) جدد ( كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ومنها ) وغرابيب ( متحدة اللون وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للاسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظير ذلك في الصفة قول النابغة " والمؤمن العائذات الطير يمسحها " وفي مثله مزيد تاكيد لما فيه من التكرير باعتبار الاضمار والاظهار فاطر : ( 28 ) ومن الناس والدواب . . . . . ) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ( كاختلاف الثمار والجبال ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وافعاله فمن كان اعلم به كان أخشى منه ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) أني اخشاكم لله واتقاكم له ولذلك اتبعه بذكر افعاله الدالة على كمال قدرته وتقديم المفعول لان المقصود حصر الفاعلية ولو آخر انعكس الأمر وقرئ برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيبا ) إن الله عزيز غفور ( تعليل لوجب الخشية لدلالته على انه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه فاطر : ( 29 ) إن الذين يتلون . . . . . ) إن الذين يتلون كتاب الله ( يداومون على قارئته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة لهم وعنوانا والمراد بكتاب الله القرآن أو جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من ________________________________________ " صفحة رقم 419 " الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين ) وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية ( كيف اتفق من غير قصد أليهما وقيل السر في المسنونة والعلانية في المفروضة ) يرجون تجارة ( تحصيل ثوتب الطاعة وهو خبر م ) لن تبور ( لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة فاطر : ( 30 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم . . . . . وقوله ) ليوفيهم أجورهم ( علة لمدلوله أي ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها أجور أعمالهم أو لمدلول ما عد من امثالهم نحو فعلوا ذلك ) ليوفيهم ( أو عاقبة ل ) يرجون ( ) ويزيدهم من فضله ( على ما يقابل أعمالهم ) إنه غفور ( لفرطاتهم ) شكور ( لطاعاتهم أي مجازيه عليها وهو علة للتوفية والزيادة أو خبر أن ويرجون حال من واو وانفقوا فاطر : ( 31 ) والذي أوحينا إليك . . . . . ) والذي أوحينا إليك من الكتاب ( يعني القرآن و ) من ( للتبين أو الجنس و ) من ( للتبعيض ) هو الحق مصدقا لما بين يديه ( أحقه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لان حقيته تستلزم موافقته إياه في العقائد واصول الأحكام ) إن الله بعباده لخبير بصير ( عالم بالبواطن والظواهر فلو كان في احوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية فاطر : ( 32 ) ثم أورثنا الكتاب . . . . . ) ثم أورثنا الكتاب ( حكنا بتوريثه منك أو نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه أو اورثناه من الأمم السالفة والعطف على ) إن الذين يتلون ( ) والذي أوحينا إليك ( اعتراض لبيان كيفية التوريث ) الذين اصطفينا من عبادنا ( يعني علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم أو الأمة باسرهم فإن الله اصطفاهم على سائر الأمم ) فمنهم ظالم لنفسه ( بالتقصير في العمل به ) فمنهم مقتصد ( يعمل به في غالب الاوقات ) ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ( بضم التعليم والارشاد إلى العمل وقيل الظالم الجاهل والمقتصد ________________________________________ " صفحة رقم 420 " المتعلم والسابق العالم وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء ولسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة وهو معى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب واما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا واما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته وقيل الظالم الكافر على أن الضمير للعباد وتقديمه لكثرة الظالمين ولأن الظلم بمعنى الجهل و الركون إلى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان ) ذلك هو الفضل الكبير ( إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق فاطر : ( 33 ) جنات عدن يدخلونها . . . . . ) جنات عدن يدخلونها ( مبتدأ وخبر والضمير للثلاثة أو ل ) الذين ( أو لل ) مقتصد ( وال ) سابق ( فإن المراد بهما الجنس وقرئ / جنة عدن / و ) جنات عدن ( منصوب بفعل يفسره الظاهر وقرأ أبو عمرو ) يدخلونها ( على البناء للمفعول ) يحلون فيها ( خبر ثان أو حال مقدرة وقرئ ) يحلون ( من حليت المرأة فهي حالية ) من أساور من ذهب ( ) من ( الأولى للتبعيض والثانية للتبيين ) ولؤلؤا ( عطف على ) ذهب ( أي ________________________________________ " صفحة رقم 421 " ) من ذهب ( مرصع باللؤلؤ أو ) من ذهب ( في صفا اللؤلؤ ونصبه نافع وعاصم رحمهما الله تعالى عطفا على محل ) من أساور ( ) ولباسهم فيها حرير ) فاطر : ( 34 ) وقالوا الحمد لله . . . . . ) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( همهم من خوف العاقبة أو همهم من اجل المعاش وآفاته أو من وسوسة إبليس وغيرها وقرئ ) الحزن ( ) إن ربنا لغفور ( للمذنبين ) شكور ( للمطيعين فاطر : ( 35 ) الذي أحلنا دار . . . . . ) الذي أحلنا دار المقامة ( دار الاقامة ) من فضله ( من انعامه وتفضله إذ لا واجب عليه ) لا يمسنا فيها نصب ( تعب ) ولا يمسنا فيها لغوب ( كلا إذ لا تكليف فيها ولا كذ اتبع نفي النصب نفي ما يتبعه مبالغة فاطر : ( 36 ) والذين كفروا لهم . . . . . ) والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم ( لا يحكم عليهم بموت ثان ) فيموتوا ( فيتسريحوا ونصبه بإضمار أن وقرئ / فيموتون / عطفا على ) يقضي ( فقوله تعالى ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( ) ولا يخفف عنهم من عذابها ( بل كلما خبت زيد اسعارها كذلك مثل ذلك الجزاء ) نجزي كل كفور ( مبالغ في الكفر أو الكفران وقرأ أبو عمرو ) يجزى ( على بناء المفعول واسناده إلى ) كل ( وقرى / يجازي / فاطر : ( 37 ) وهم يصطرخون فيها . . . . . ) وهم يصطرخون فيها ( يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته ) ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ( بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به والاشعار بأن استخراجهم لتلافيه وانهم كانوا يحسبون انه صالح والان تحقق لهم خلافه ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ( جواب من الله وتوبيخ لهم و ) ما يتذكر ( فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر وقيل ما بين العشرين إلى الستين وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) العمر الذي اعذر الله فيه إلى ابن ________________________________________ " صفحة رقم 422 " آدم ستون سنة والعطف على معنى ) أولم نعمركم ( فإنه للتقرير كأنه قال عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو الكتاب وقيل العقل أو الشيب أو موت الاقارب ) فذوقوا فما للظالمين من نصير ( يدفع العذاب عنهم فاطر : ( 38 ) إن الله عالم . . . . . ) إن الله عالم غيب السماوات والأرض ( لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه أحوالهم ) إنه عليم بذات الصدور ( تعليل له لأنه إذا علم مضمرات اصدور وهي اخفى ما يكون كان اعلم بغيرها فاطر : ( 39 ) هو الذي جعلكم . . . . . ) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ( ملقى اليكم مقاليد التصرف فيها وقيل خلفا بعد خلف جمع خليفة والخلفاء جمع خليف ) فمن كفر فعليه كفره ( جزاء كفره ) ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ( بيان له والتكرير للدلالة على عن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه والمراد بالمقت وهو اشد البغض مقت الله وبالخسار خسار الآخرة فاطر : ( 40 ) قل أرأيتم شركاءكم . . . . . ) قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ( يعني آلهتهم والاضافة إليهم لانهم جعلوهم شركاء الله أو لانفسهم فيما يملكونه ) أروني ماذا خلقوا من الأرض ( بدل من ) أرأيتم ( بدل الاشتمال لانه بمعنى اخبروني كفأنه قال اخبروني عن هؤلاء الشركاء اروني أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه ) أم لهم شرك في السماوات ( أم لهم شركة مع الله في خلق السماوات فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية ) أم آتيناهم كتابا ( ينطق على أنا اتخذناهم شركاء ) فهم على بينة منه ( على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ويجوز أن يكون هم للمشركين كقوله ) أم أنزلنا عليهم سلطانا ( وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والكسائي / على بينات / فيكون ايماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل ) بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ( لما نفى أنواع الحجج في ________________________________________ " صفحة رقم 423 " ذلك اضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الاسلاف الاخلاف أو الرساء الاتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقرب إليهم فاطر : ( 41 ) إن الله يمسك . . . . . ) إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ( كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ أو يمنعهما أن تزولا لان الامساك منع ) ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد ( ما مسكهما ) من بعده ( من بعد الله أو من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى زائدة والثانية للابتداء ) إنه كان حليما غفورا ( حيث امسكهما وكانتا جيدرتي بأن تهدا هدا كما قال تعالى ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض ) فاطر : ( 42 ) وأقسموا بالله جهد . . . . . ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ( وذلك أن قريشا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى لو أتانا رسول لنكونن ) أهدى من إحدى الأمم ( أي من واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم أو من الأمة التي يقال فيها هي ) إحدى الأمم ( تفضلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة ) فلما جاءهم نذير ( يعني محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما زادهم ( أي النذير أو مجئيه على التسبب ) إلا نفورا ( تباعدا عن الحق فاطر : ( 43 ) استكبارا في الأرض . . . . . ) استكبارا في الأرض ( بدل من نفورا أو مفعول له ) ومكر السيء ( اصله وإن مكروا المكر السيء فحذف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر ثم اضيف وقرأ حمزة وحده بسكون الهمزة في الوصل ) ولا يحيق ( ولا يحيط ) المكر السيء إلا بأهله ( وهو الماكر وقد حاق بهم يوم بدر وقرئ ) ولا يحيق المكر ( أي ولا يحيق الله ) فهل ينظرون ( ينتظرون ) إلا سنة الأولين ( سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم ) فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( إ يبدلها بجعله غير التعذيب تعذيبا ولا يحولها بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم فاطر : ( 44 ) أو لم يسيروا . . . . . وقوله ________________________________________ " صفحة رقم 424 " ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( اتشهاد علم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين ) وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء ( ليسبقه ويقوته ) في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما ( بالاشياء كلها ) قديرا ( عليها فاطر : ( 45 ) ولو يؤاخذ الله . . . . . ) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ( من المعاصي ) ما ترك على ظهرها ( ظهر الأرض ) من دابة ( من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم وقيل المراد بالدابة الأنس وحده لقوله ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( هو يم القيامة ) فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ( فيجازيهم على أعمالهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة أن ادخل من أي باب ________________________________________ " صفحة رقم 425 " سورة يس مكية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة وآيها ثلاث وثمانون بسم الله الرحمن الرحيم يس : ( 1 - 2 ) يس ) يس ( في المعنى والاعراب وقيل معناه يا إنسان بلغة طيئ على انه اصله يا انيسين فاتقصر على شطره لكثرة النداء به كماقيل من الله في ايمن وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين أو الاعراب على تل يس أو باضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث أو اعرابا على هذه ) يس ( وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر وادغم النون في واو ) والقرآن الحكيم ( ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش ويعقوب وهي واو القسم أو العطف إن جعل ) يس ( مقسما به يس : ( 3 ) إنك لمن المرسلين ) إنك لمن المرسلين ( لمن الذين ارسلوا يس : ( 4 ) على صراط مستقيم ) على صراط مستقيم ( وهو التوحيد والاستقامة في الأمور ويجوز أن يكون ) على صراط ( خبرا ثانيا أو حالا من المستكن في الجار والمجرور وفائدته وصف الشرع صريحا بالاستقامة وإن دل عليه ) لمن المرسلين ( التزاما ________________________________________ " صفحة رقم 426 " يس : ( 5 ) تنزيل العزيز الرحيم ) تنزيل العزيز الرحيم ( خبر محذوف والمصدر بمعنى المفعول وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنصب بإضمار اعني أو فعله على انه على اصله وقرئ بالجر على البدل من القرآن يس : ( 6 ) لتنذر قوما ما . . . . . ) لتنذر قوما ( متعلق ب ) تنزيل ( أو بمعنى ) لمن المرسلين ( ) ما أنذر آباؤهم ( قوما غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الاقربين لتطاول مدة الفترة فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى ارساله أو الذي انذر به أو شيئا أنذر به آباؤهم الابعدون فيكون مفعولا ثانيا ) لتنذر ( أو انذار آبائهم على المصدر ) فهم غافلون ( متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين أو بقوله ) إنك لمن المرسلين ( على الوجوه الأخرى أي ارسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافون يس : ( 7 ) لقد حق القول . . . . . ) لقد حق القول على أكثرهم ( يعني قوله تعالى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( ) فهم لا يؤمنون ( لأنهم ممن علم الله انهم لا يؤمنون يس : ( 8 ) إنا جعلنا في . . . . . ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ( تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم ) فهي إلى الأذقان ( فالاغلال واصلة إلى اذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له ) فهم مقمحون ( رافعون رؤوسهم غاضون ابصارهم في انهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له يس : ( 9 ) وجعلنا من بين . . . . . ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ( وبمن احاط بهم سدان فغطى ابصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في انهم محبوسون في ________________________________________ " صفحة رقم 427 " مطموة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل وقرأ حمزة والكسائي وحفص سدا بالفتح وهو لغة فيه وقيل ما كان بعف الناس فبالفتح وما كان بخلق الله فبالضم وقرئ / فأعشيناهم / من العشاء وقيل الايتان في بني مخزوم حلف أبو جعل أن يرضخ رأس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومي آخر أنا اقله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره يس : ( 10 ) وسواء عليهم أأنذرتهم . . . . . ) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( سبق في سورة البقرة تفسيره يس : ( 11 ) إنما تنذر من . . . . . ) إنما تنذر ( انذارا يترتب عليه البغية المرومة ) من اتبع الذكر ( أي القرآن بالتأمل فيه والعمل به ) وخشي الرحمن بالغيب ( وخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة اهواله أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن منتقم قهار ) فبشره بمغفرة وأجر كريم ) يس : ( 12 ) إنا نحن نحيي . . . . . ) إنا نحن نحيي الموتى ( الاموات بالبعث أو الجهال بالهداية ) ونكتب ما قدموا ( ما اسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة ) وآثارهم ( الحسنة كعلم علموه وحبيس وقفوه والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم ) وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ( يعني اللوح المحفوظ يس : ( 13 - 14 ) واضرب لهم مثلا . . . . . ) واضرب لهم ( ومثل لهم من قولهم هذه الاشياء على ضرب واحد أي مثال واحد وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما ) مثلا أصحاب القرية ( على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلا ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر ________________________________________ " صفحة رقم 428 " بدلا من الملفوظ أو بيانا له والقرية إنطاكية ) إذ جاءها المرسلون ( بدل م أصحاب القرية و ) المرسلون ( رسل عيسى عليه الصلاة والسام إلى اهلاه واضافته إلى نفسه في قوله ) إذ أرسلنا إليهم اثنين ( لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى ويونس عليهم الصلاة والسلام وقيل غيرهما ) فكذبوهما فعززنا ( فقوينا وقرأ أبو بكر مخففا من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به ) بثالث ( وهو شمعون ) فقالوا إنا إليكم مرسلون ( وذلك انهم كانوا عبدة اصنام أرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال امعكما آية فقالا نشفي المريض ونبرئ الاكمة والابرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على ايديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما النا إله سوى آلهتنا قالا نعم من اوجدك وآلهتك قال حتى انظر في امركما فحبسهما ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا وعاش أصحاب الملك حتى استأنسوا به واوصلوه إلى الملك فأنس به فقال له يوما سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه قال فدعاهما فقال شمعون من ارسلكما قال الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال صفاه واوجزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعا بغلام مطموس العينين فدعواالله حتى انشق له بصره وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما فقال شمعو ارأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ثم قال أن قدر اهلكما على حياء ميت آمنا به فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا الله فقام وقال أني ادخلت في سبعة اودية من النار وأنا احذركم ما أنتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسنا يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع ومن ل يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسالم فهلكوا ________________________________________ " صفحة رقم 429 " يس : ( 15 ) قالوا ما أنتم . . . . . ) قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ( لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون ورفع بشر لانتقاض النفي المتقضي أعمال ما بإلا ) وما أنزل الرحمن من شيء ( وحي ورسالة ) إن أنتم إلا تكذبون ( في دعوى الرسالة يس : ( 16 ) قالوا ربنا يعلم . . . . . ) قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ( استشدهوا بعلم الله وهو يجري مجرى القسم وزادوا اللام المؤكدة لانه جواب عن إنكارهم يس : ( 17 ) وما علينا إلا . . . . . ) وما علينا إلا البلاغ المبين ( الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته وهو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة يس : ( 18 ) قالوا إنا تطيرنا . . . . . ) قالوا إنا تطيرنا بكم ( وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه ) لئن لم تنتهوا ( عن مقالتكم هذه ) لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ) يس : ( 19 ) قالوا طائركم معكم . . . . . ) قالوا طائركم معكم ( سبب شؤمكم وهو سوء عقيدتكم واعمالكم وقرئ / طيركم معكم / ) أئن ذكرتم ( وعظتم وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى اتطيرتم لأن ذكرتم وان بغير الاستفهام ) أئن ذكرتم ( بمعى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو ابلغ ) بل أنتم قوم مسرفون ( قوم عادتكم الاسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به يس : ( 20 ) وجاء من أقصى . . . . . ) وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ( هو حبيب النجار وكان ينحت اصنامهم وهو ممن آمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبينهم ستمائة سنة وقيل كان في غار يعبد الله ________________________________________ " صفحة رقم 430 " فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه ) قال يا قوم اتبعوا المرسلين ) يس : ( 21 ) اتبعوا من لا . . . . . ) اتبعوا من لا يسألكم أجرا ( على النصح وبليغ الرسالة ) وهم مهتدون ( إلى خير الدارين يس : ( 22 ) وما لي لا . . . . . ) وما لي لا أعبد الذي فطرني ( على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل تطلف في الارشاد بإ ] راده في معرض المناصحة لنفسه وامحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال ) وإليه ترجعون ( مبالغة في التهديد يس : ( 23 ) أأتخذ من دونه . . . . . ثم عاد إلى المساق الأول فقال ) أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ( لا تنفعني شفاعتهم ) ولا ينقذون ( بالنصرة والمظاهرة يس : ( 24 ) إني إذا لفي . . . . . ) إذا لفي ضلال مبين ( فإن ايثار ما لا ينفع ولا يدفع ضرا بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر واشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء يس : ( 25 ) إني آمنت بربكم . . . . . ) إني آمنت بربكم ( الذي خلقكم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء ) فاسمعون ( فاسمعوا إيماني وقيل الخطاب للرسل إنه لما نصح قومه اخذوا يرجمونه فأسرع نوحهم قبل أن يقتلو يس : ( 26 ) قيل ادخل الجنة . . . . . ) قيل ادخل الجنة ( قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة أو اكراما واذنا في دخولها كسائر الشهداء أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وانما لم يقل له لان الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصليه في نصر دينه وكذلك ) قال يا ليت قومي يعلمون ) يس : ( 27 ) بما غفر لي . . . . . ) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ( فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القوم وانما تمنى علم قومه بحاله ليجملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر ________________________________________ " صفحة رقم 431 " والدخول في الإيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم والترحم على الأعداء أو ليعلموا انهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وانه كان على حق وقرئ ) المكرمين ( و ) ما ( خبرية أو مصدرية والباء صلة ) يعلمون ( أو استفهامية جاء على الأصل والباء صلة غفر أي بأي شيء ) غفر ( لي يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابر على اذيتهم يس : ( 28 ) وما أنزلنا على . . . . . ) وما أنزلنا على قومه من بعده ( من بعد هلاكه أو رفعه ) من جند من السماء ( اهلاكهم كما ارسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لاهلاكهم وايماء بتعظيم الرسول عليه السام ) وما كنا منزلين ( وما صح في حكمتنا أن ننزل جندا لأهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سببا وجعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك وقيل ) ما ( موصولة معطوفة على ) جند ( أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وامطار شديدة يس : ( 29 ) إن كانت إلا . . . . . ) إن كانت ( ما كانت الاخذة أو العقوبة ) إلا صيحة واحدة ( صاح بها جبريل عليه السلام وقرئت بالرفع على كان التامة ) فإذا هم خامدون ( ميتون شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطعة ولميت كرمادها كما قال لبيد " وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع " يس : ( 30 ) يا حسرة على . . . . . ) يا حسرة على العباد ( تعالي فهذه كن الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها ) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( فإن المستهزين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين احقاء أن يتحسروا ويتحسر عليهم وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين ويجوز أن يكون حسرا من الله ________________________________________ " صفحة رقم 432 " عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة / يا حسرتا / ى ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها وقيل بإذمار فعلها والمنادى محذوف وقرئ / ياحسرة العباد / بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول و ) يا حسرة ( بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف يس : ( 31 ) ألم يروا كم . . . . . ) ألم يروا ( ألم يعلموا وهو معلق عن قوله ) كم أهلكنا قبلهم من القرون ( لأن ) كم ( لا يعمل فيها ما قبلها وإن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام ) أنهم إليهم لا يرجعون ( بدل من ) كم ( على المعنى أي آلم يروا كثرة اهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم وقرئ بالكسر على الاستئناف يس : ( 32 ) وإن كل لما . . . . . ) وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( يوم القيامة للجزاء و ) إن ( مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة و ) ما ( للتأكيد وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) لما ( بالتشديد بمعنى إلا فتكون إن نافية وجميع فعيل بمعنى مفعول و ) لدينا ( ظرف له أو ل ) محضرون ) يس : ( 33 ) وآية لهم الأرض . . . . . ) وآية لهم الأرض الميتة ( وقرأ نافع بالتشديد ) أحييناها ( خبر ل ) الأرض ( والجملة خبر ) آية ( أو صفة لها إذ لم يرد بها معينة وهي أو المبتدأ والاية خبرها أو ________________________________________ " صفحة رقم 433 " استئناف لبيان كونها ) آية ( ) وأخرجنا منها حبا ( جنس الحب ) فمنه يأكلون ( قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به يس : ( 34 ) وجعلنا فيها جنات . . . . . ) وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ( من أنواع النخل والعنب ولذلك جمعهما دون الحب فإن الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الانواع وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحب والاعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع ) وفجرنا فيها ( وقرئ بالتخفيف والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى ) من العيون ( أي شيئا من العيون فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه أو ) العيون ( و ) من ( مزيدة عند الاخفش يس : ( 35 ) ليأكلوا من ثمره . . . . . ) ليأكلوا من ثمره ( ثمر ما ذكر وه الجنات وقيل الضمير لله تعالى على طريقة الالتفات والاضافة إليه الثمر بخلقه وقرأ حمزة والكسائي بضمتين وهو لغة فيه أو جمع ثمار وقرئ بضمة وسكون ) وما عملته أيديهم ( عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما وقيل ) ما ( نافية والمراد أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم ويؤيد الأول قراءة الكوفيين غير حفص بلا هاء فإن حذفه من الصلة أحسن من غيرها ) أفلا يشكرون ( أمر بالشكر من حيث انه انكار لتركه يس : ( 36 ) سبحان الذي خلق . . . . . ) سبحان الذي خلق الأزواج كلها ( الانواع والاصناف ) مما تنبت الأرض ( من النبات والشجر ) ومن أنفسهم ( الذكر والانثى ) ومما لا يعلمون ( ازواجا مما لم يطلعهم الله تعالى عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته يس : ( 37 ) وآية لهم الليل . . . . . ) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ( نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من سلخ الجلد والكلام في إرابه ما سبق ) فإذا هم مظلمون ( داخلون في الظلام يس : ( 38 ) والشمس تجري لمستقر . . . . . ) والشمس تجري لمستقر لها ( لحد معين ينتهي إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال ) والشمس تجري لمستقر لها ( بالجو تدويم ________________________________________ " صفحة رقم 434 " لو لاستقرار لها على نهج مخصوص أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليها إلى العام القابل أو لمنقطع جريها عند خراب العالم وقرئ / لا مستقر لها / أي لا سكون فإنها متحركة دائما و / لا مستقر / على أن ) لا ( بمعنى ليس ) ذلك ( الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن احصائها ) تقدير العزيز ( الغالب بقدرته على كل مقدور ) العليم ( المحيط علمه بكل معلوم يس : ( 39 ) والقمر قدرناه منازل . . . . . ) والقمر قدرناه ( قدرنا مسيرة ) منازل ( أو سره في منازل وهي مانية وعشرو السرطان البطين الثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرف الجبهة الزبرة الصرفة العواء السماك الغفر الزبانا الاكليل القلب الشولة النعائم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الأخبية فرغ الدلو الممقدم فرغ الدلو المؤخر الرشا هوهو بطن لحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه فإذا كان في آخر منازله وهوالذي يكون فيه قبيل الاجتماع دق واستقوس وقرأ الكوفيون وابن عامر ) والقمر ( بنصب الراء ) حتى عاد كالعرجون ( كالشمراخ المعوج فعلون من الانعراج وهو العوجاج وقرئ ) كالعرجون ( وهما لغتان كالبزيون والبزيون ) القديم ( العتيق وقيل ما مر عليه حل فصاعدا يس : ( 40 ) لا الشمس ينبغي . . . . . ) لا الشمس ينبغي لها ( يصح لها ويتسهل ) أن تدرك القمر ( في سرعة سيهر فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش احليوان أو في آثاره ومنافعه أو مكانه بالنزول إلى محله أو سلطانه فتطمس نوره وايلاء حرف النفي ) الشمس ( للدلالة على إنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها ) ولا الليل سابق النهار ( يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكسا للأول وتبديل الادراك بالسبق لانه الملائم لسرعة سيره ) وكل ( وكلهم والتنوين عوض عن المضاف إليه والضمير للشموس والاقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما في الذات أو ________________________________________ " صفحة رقم 435 " للكواكب فإنت ذكرهما مشعر بهما ) في فلك يسبحون ( يسيرون فيه بانبساط يس : ( 41 ) وآية لهم أنا . . . . . ) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ( أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجارتهم أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها وتخصيصهم لان استقرارهم في السفن اشق وتماسكهم فيها اعجب وقرأ نافع وابن عامر / ذرياتهم / ) في الفلك المشحون ( المملوء وقيل المراد فلك نوح عليه الصلاة والسلام وحمل الله ذرياتهم فيها انه حمل فيها آباءهم الاقدمين وفي اصلابهم هم وذرياتهم وتخصيص الذرية لأنه ابلغ في الامتنان وادخل في التعجب مع الايجاز يس : ( 42 ) وخلقنا لهم من . . . . . ) وخلقنا لهم من مثله ( من مثل الفلك ) ما يركبون ( من الإبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق يس : ( 43 ) وإن نشأ نغرقهم . . . . . ) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ( فلا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق أو فلا اغاثة كقولهم أتاهم الصريخ ) ولا هم ينقذون ( يندون من الموت به يس : ( 44 ) إلا رحمة منا . . . . . ) إلا رحمة منا ومتاعا ( إلا لرحمة ولتمتيع بالحياة ) إلى حين ( زمان قدر لآجالهم يس : ( 45 - 46 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ( الوقائع التي خلت أو العذاب المعد في الآخرة أو نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله ) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ( أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة اوعكسه أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر ) لعلكم ترحمون ( لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا محذوف دل عليه قوله ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( كأنه قال وإذ قيل لهم اتقوا العذاب اعرضوا لانهم اعتادوه وتمرنواعليه يس : ( 47 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم أنفقوا من ما رزقكم ( على محاويجكم ) قال الذين كفروا ( ________________________________________ " صفحة رقم 436 " بالصانع يعني معطلة كانوا بمكة ) للذين آمنوا ( تهكما بهم من اقرارهم به وتعليقهم الأمور بمشيئته ) أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ( على زعمكم وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء ايهاما بأن الله تعالى لما كان قادرا أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن احق بذلك وهذا من فرط جهالتهم فإن الله يطعم باسباب منها حث الاعنياء على اطعام الفقراء وتوفيقهم له ) إن أنتم إلا في ضلال مبين ( حيث امرتمونا ما يخالف مشيئة الله ويجوز أن يكون جوابا من الله لهم أو حكاية لجواب المؤمنين لهم يس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( يعنون وعد البعث يس : ( 49 ) ما ينظرون إلا . . . . . ) ما ينظرون ( ما ينتظرون ) إلا صيحة واحدة ( هي النفخة الأولى ) تأخذهم وهم يخصمون ( يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله ) أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ( وأصله يختصمون فسكنت التاء ادغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ أبو بكر بكسر الياء للاتباع وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء على القاء حركة التاء إليه وأبو عمرو وقالون به مع الاختلاس وعن نافع الفتح فيه والاسكان والتشديد وكأنه جوز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغما وقرأ حمزة ) يخصمون ( من خصمه إذا جادله يس : ( 50 ) فلا يستطيعون توصية . . . . . ) فلا يستطيعون توصية ( في شئ من أمورهم .) ولا إلى أهلهم يرجعون ( فيروا حالهم بل يموتون حيث تبغتهم يس : ( 51 ) ونفخ في الصور . . . . . ) ونفخ في الصور ( أي مرة ثانية وقد سبق تفسيره في سورة المؤمنين ) فإذا هم من الأجداث ( من القبور جمع جدث وقرئ بالفاء ) إلى ربهم ينسلون ( يسرعون وقرئ بالضم يس : ( 52 ) قالوا يا ويلنا . . . . . ) قالوا يا ويلنا ( وقرئ ) يا ويلتنا ( ) من بعثنا من مرقدنا ( وقرئ / من أهبنا / من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما و ) من بعثنا ( و / من هبنا / على الجارة والمصدر وسكت حفص وحده عليها سكته لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( مبتدأ وخبر و ) ما ( مصدرية أو موصولة محذوفة الراجع ________________________________________ " صفحة رقم 437 " أو ) هذا ( صفة ل ) مرقدنا ( و ) ما وعدنا ( خبر محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( أو ) ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( حق وهو من كلامهم وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم معدول عن سننه تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال يس : ( 53 ) إن كانت إلا . . . . . ) إن كانت ( ما كانت الفعلة ) إلا صيحة واحدة ( هي النفخة الأخيرة وقرئت بالرفع على كان التامة ) فإذا هم جميع لدينا محضرون ( بمجرد تلك الصيحة وفي كل ذلك تهويم أمر البعث والحشر واستغناؤهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه يس : ( 54 ) فاليوم لا تظلم . . . . . ) فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ( حكاية لما يقال لهم حينئذ تصويرا للموعود وتمكينا له في النفوس وكذا قوله يس : ( 55 ) إن أصحاب الجنة . . . . . ) إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ( متلذذون في النعمة من الفكاهة وفي تنكير ) شغل ( وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ وتنبيه على أنه أعلى ما يحيط به الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ) في شغل ( بالسكون ويعقوب في رواية / فكهون / للمبالغة وهما خبران ل ) إن ( ويجوز أن يكون ) في شغل ( صلة ) فاكهون ( وقرىء فكهون بالضم وهو لغة كنطس ونطس ) فاكهين ( و ) فكهين ( على الحال من المستكهن في الظرف و ) شغل ( بفتحتين وفتحة وسكون والكل لغات يس : ( 56 ) هم وأزواجهم في . . . . . ) هم وأزواجهم في ظلال ( جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي في ) ظلل ( ) على الأرائك ( على السرر المزينة ) متكئون ( و ) هم ( مبدأ خبره ) في ظلال ( و ) على الأرائك ( جملة مستأنفة أو خبر ثان أو ) متكئون ( والجاران ________________________________________ " صفحة رقم 438 " صلتان له أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون وعلى الارائك متكون خبر آخر لأن وأزواجهم عطف على ) هم ( للمشاركة في الأحكام الثلاثة و ) ظلال ( حال من المعطوف والمعطوف عليه يس : ( 57 - 58 ) لهم فيها فاكهة . . . . . ) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ( ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه أو ما يتداعون كقولك ارتموه بمعنى تراموه أو يتمنون من قولهم ادع عي ما شئت بمعنى تمنه علي أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها و ) ما ( موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء و ) لهم ( خبرها وقوله ) سلام ( بدل منها أو صفة أخرى ويجوز أن يكون خبرا أو خبر محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام وقرئ بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصا ) قولا من رب رحيم ( أي قول الله أو يقال لهم قولا كائنا من جته والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيما لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم ويحتمل نصبه على الاختصاص يس : ( 59 ) وامتازوا اليوم أيها . . . . . ) وامتازوا اليوم أيها المجرمون ( وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بهم إلى الجنة كقوله ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( وقيل اعتزلوا من كل خير أو تفرقوا في النار فإن لكل كافر بيتا ينفرد به لا يرى ولا يرى يس : ( 60 ) ألم أعهد إليكم . . . . . ) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ( من جملة ما يقال لهم تقريعا والزاما للحجة وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الامرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره وجعلها عبادة الشيطان لانه الأمر بها والمزين لها وقرئ ) أعهد ( بكسر حرف المضارعة و / احهد / و ) أحد ( على لغة بني تميم ) إنه لكم عدو مبين ( تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيها يحملهم عليه ________________________________________ " صفحة رقم 439 " يس : ( 61 ) وأن اعبدوني هذا . . . . . ) وأن اعبدوني ( عطف على ) أن لا تعبدوا ( ) هذا صراط مستقيم ( إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادته فالجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد بشقيه أو بالشق الآخر والتنكير للمبالغة والتعظيم أو للتبعيض فإن التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم يس : ( 62 ) ولقد أضل منكم . . . . . ) ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ( رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح اضلاله لمن له ادنى عقل ورأي والجبل الخلق وقرأ يعقوب بضمتين وابن كثير وحمزة والكسائي بهما مع تخفيف اللام وابن عامر وأبو عمرو بضمة وسكون مع التخفيف والكل لغات وقرئ ) جبلا ( جمع جبلة كخلقة وخلق و / جيلا / واحد الاجيال يس : ( 63 ) هذه جهنم التي . . . . . ) هذه جهنم التي كنتم توعدون ) يس : ( 64 ) اصلوها اليوم بما . . . . . ) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ( ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا يس : ( 65 ) اليوم نختم على . . . . . ) اليوم نختم على أفواههم ( نمنعها عن الكلام ) وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ( بظهور آثار المعاصي علهيا ودلالتها على افعالها أو انطاق الله إياها وفي الحديث " إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على افواههم وتتكلم أيديهم وارجلهم " يس : ( 66 ) ولو نشاء لطمسنا . . . . . ) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ( لمسحنا اعينهم حتى تصير مسموحة ) فاستبقوا الصراط ( فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو جعل المسبوق إليه مسبوقا على الاتساع أو بالظرف ) فأنى يبصرون ( الطريق وجهة السلوك فضلا عن غيره ________________________________________ " صفحة رقم 440 " يس : ( 67 ) ولو نشاء لمسخناهم . . . . . ) ولو نشاء لمسخناهم ( بتغيير صورهم وابطال قواهم ) على مكانتهم ( مكانهم بحيث يجمدون فيه وقرأ أبو بكر / مكاناتهم / ) فما استطاعوا مضيا ( ذهابا ) ولا يرجعون ( ولا رجوعا فوضع الفعل موضعه للفواصل وقيل ) لا يرجعون ( عن تكذيبهم وقرئ ) مضيا ( باتباع الميم الضاد المكسورة لقلب الواو ياء كالمعتى والمعتي ومضيا كصبي والمعنى انهم بكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم احقاء بأن يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم واقتضاء الحكمة امهالهم يس : ( 68 ) ومن نعمره ننكسه . . . . . ) ومن نعمره ( ومن نطل عمره ) ننكسه في الخلق ( نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء آمره وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على اصله وقرأ عاصم وحمزة ) ننكسه ( من التنكيس وهو ابلغ والنكس اشهر ) أفلا يعقلون ( أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير انه على تدرج وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله يس : ( 69 ) وما علمناه الشعر . . . . . ) وما علمناه الشعر ( رد لقولهم أن محمدا شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن فإنه لا يماثله لفظا ولا معنى لانه غير مقفى ولا موزون وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والنمفرة ونحوها ) وما ينبغي له ( وما يصح له الشعر ولا يتأتى له أن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله " هل أنت إلا اصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت " اتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك وقد يقع مثله كثيرا في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرا هذا وقد روي انه حرك الباءين ________________________________________ " صفحة رقم 441 " وكسر التاء الأولى بلا اشباع وسكن الثانية وقيل الضمير لل ) قرآن ( أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا ) إن هو إلا ذكر ( عظة وارشاد من الله تعالى ) وقرآن مبين ( وكتاب سماوي يتلى في المعابد ظاهر انه ليس من كلام البشر لما فيه من الاعجاز يس : ( 70 ) لينذر من كان . . . . . ) لينذر ( القرآن أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء ) من كان حيا ( عاقلا فهما فإن الغافل كالميت أو مؤمنا في علم الله تعالى فإن الحياة الابدية بالأيمان وتخصيص الانذار به لانه المنتفع به ) ويحق القول ( وتجب كلمة العذاب ) على الكافرين ( المصرين على الكفر وجعلهم في مقابلة من كان حيا اشعارا بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم اموات في الحقيقة يس : ( 71 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا ( مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا وذكر الأيدي واسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص والتفرد بالاحداث ) أنعاما ( خصها بالذكر لما فيها بدائع الفطرة وكثرة المنافع ) فهم لها مالكون ( متملكون لها بتمليكنا إياها أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال " أصبحت لا احمل السلاح ولا املك راس البعير إن نفرا " يس : ( 72 ) وذللناها لهم فمنها . . . . . ) وذللناها لهم ( وصيرناها منقادة لهم ) فمنها ركوبهم ( مركوبهم وقرئ / ركوبتهم / وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها ) ركوبهم ( ) ومنها يأكلون ( أي ما يأكلون لحمه يس : ( 73 ) ولهم فيها منافع . . . . . ) ولهم فيها منافع ( من الجلود والاصواف والاوبار ) ومشارب ( من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع أو المصدر وامال الشين ابن عامر وحمده برواية هشام ) أفلا يشكرون ( ________________________________________ " صفحة رقم 442 " نعم الله في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف امكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة يس : ( 74 - 75 ) واتخذوا من دون . . . . . ) واتخذوا من دون الله آلهة ( اشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا انه المتفرد بها ) لعلهم ينصرون ( رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم ) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم ( لآلهتهم ) جند محضرون ( معدون لحفظهم والذب عنهم أو ) محضرون ( اثرهم في النار يس : ( 76 ) فلا يحزنك قولهم . . . . . ) فلا يحزنك ( فلا يهمنك وقرئ بضم الياء من احزن ) قولهم ( في الله بالالحاد والشرك أو فيك بالتكذيب والتهجين ) إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ( فنجازيهم عليه وكفى ذلك أن تتسلى به وهو تعليل للنهي على الاستئناف ولذلك لو قرئ ) إنا ( بالفتح على حذف لام التعليل جاز يس : ( 77 ) أو لم ير . . . . . ) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ( تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ لانكاره حيث عجب منه وجعله افراطا في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو اهون مما عمله في بدء خلقه ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من اخس شيء وامهنه شريفا مكرما بالعقوق والتكذيب روي أن أبي بن خلف أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعظم بال يفتته بيده وقل اترى الله يحيى هذا بعد ما رم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت وقيل معنى ) فإذا هو خصيم مبين ( فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه يس : ( 78 ) وضرب لنا مثلا . . . . . ) وضرب لنا مثلا ( امرا عجيبا وهو نفي القدرة على أحياء الموتى أو تشبيهه بخلقه ________________________________________ " صفحة رقم 443 " بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه ) ونسي خلقه ( خلقنا إياه ) قال من يحيي العظام وهي رميم ( منكرا إياه مستبعدا له والرميم ما بلي من العظام ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسما بالغلبة ولذلك لم يؤنث أو بمعنى مفعول من رممته وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الاعضاء يس : ( 79 ) قل يحييها الذي . . . . . ) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها ) وهو بكل خلق عليم ( يعلم تفاصل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها فيعلم أجزاء الاشخاص المتفتتة المتبددة اصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق واعادة الاعراض والقوى التي كانت فيها أو احداث مثلها يس : ( 80 ) الذي جعل لكم . . . . . ) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ( كالمرخ والعفار ) نارا ( بأن يسحق المرخ على العقال وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار ) فإذا أنتم منه توقدون ( لا تشكون فإنها نار تخرج منه ومن قدر على احداث النار من الشجر الاخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان اقدر على اعادة الغضاضة فيما كان غضا فيبس وبلي وقرئ من / الشجر الخضراء / على المعنى كقوله ) فمالئون منها البطون ) يس : ( 81 ) أو ليس الذي . . . . . ) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض ( مع كبر جرمهما وعظم شأنهما ) بقادر على أن يخلق مثلهم ( في الصغر والحقارة بالاضافة الهيما أو مثلهم في اصول الذات وصفاتها وهو المعاد وعن يعقوب ) يقدر ( ) بلى ( جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه ) وهو الخلاق العليم ( كثير المخلوقات والمعلومات يس : ( 82 ) إنما أمره إذا . . . . . ) إنما أمره ( إنما شأنه ) إذا أراد شيئا أن يقول له كن ( أي تكون ) فيكون ( فهو يكون أي يحدث وهوتمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعا لمادة الشبهة وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق ونصبه ابن عامر والكسائي عطفا على يقول يس : ( 83 ) فسبحان الذي بيده . . . . . ) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ( تنزيه عما ضربوا له وتعجيب عما قالوا فيه معللا بكونه مالكا للأمر كله قادرا على كل شيء ) وإليه ترجعون ( وعد ووعيد للمقرين ________________________________________ " صفحة رقم 444 " والمنكرين وقرأ يعقوب بفتح التاء وعن ابن عباس رضي الله عنه كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا انه بهذه الآية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس وايما مسلم قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له واعطي من الاجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وايما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة املاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويشيعو ن جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه وايما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان ويمكن في قبره وهو ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان ________________________________________