تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت) الكتاب : تفسير البيضاوى ـ موافق للمطبوع المؤلف : البيضاوي دار النشر : دار الفكر - بيروت عدد الأجزاء / 5 [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ] " صفحة رقم 3 " سورة الصافات مكية وآيها مائة واثنتان وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم الصافات : ( 1 - 3 ) والصافات صفا ) والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ( أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإلهية منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه أو نفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله " يا لهف زيابة للحارث الص ابح فالغانم فالآيب " فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر أو الإشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام رحم الله المحلقين فالمقصرين غير أنه ________________________________________ " صفحة رقم 4 " لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا الصافات : ( 4 - 5 ) إن إلهكم لواحد ) إن إلهكم لواحد ( جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم وأما تحقيقه فبقوله تعالى ) رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ( فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة ) ورب ( بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه و ) المشارق ( مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقا تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال الصافات : ( 6 ) إنا زينا السماء . . . . . ) إنا زينا السماء الدنيا ( القربى منكم ) بزينة الكواكب ( بزينة هي ) الكواكب ( والإضافة للبيان ويعضده قراءة حمزة ويعقوب وحفص بتنوين زينة وجر ) الكواكب ( ________________________________________ " صفحة رقم 5 " على إبدالها منه أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها أو بأن زينا ) الكواكب ( فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسما كالليقة جاءت مصدرا كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين والنصب على الأصل أو بأن زينتها ) الكواكب ( على إضافته إلى الفاعل وركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا إن تحقق لم يقدح في ذلك فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة الصافات : ( 7 ) وحفظا من كل . . . . . ) وحفظا ( منصوب بإضمار فعله أو العطف على زينة باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء الدنيا وحفظا ) من كل شيطان مارد ( خارج من الطاعة برمي الشهب الصافات : ( 8 ) لا يسمعون إلى . . . . . ) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( كلام مبتدأ لبيان حالهم بعدما حفظ السماء عنهم ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن واهدارها كقوله " ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى " فإن اجتماع ذلك منكر والضمير ل ) كل ( باعتبار المعنى وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم عنه ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و ) الملإ الأعلى ( الملائكة وأشرافهم ) ويقذفون ( ويرمون ) من كل جانب ( من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده ________________________________________ " صفحة رقم 6 " الصافات : ( 9 ) دحورا ولهم عذاب . . . . . ) دحورا ( علة أي للدحور وهو الطرد أو مصدر لأنه والقذف متقاربان أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضا أن يكون مصدرا كالقبول أو صفة له أي قذفا دحورا ) ولهم عذاب ( أي عذاب آخر ) واصب ( دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة الصافات : ( 10 ) إلا من خطف . . . . . ) إلا من خطف الخطفة ( استثناء من واو ) يسمعون ( ومن بدل منه والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة وقرئ خطف بالتشديد مفتوح الخاء ومكسورها وأصلهما اختطف ) فأتبعه شهاب ( أتبع بمعنى تبع والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله ) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ( فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه ولا يبعد أن يصير الحادث كما ذكر في بعض الأوقات رجما لشياطين تتصعد إلى قرب الفلك للتسمع وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه أو مصيره ) دحورا ( واختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأسا ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق لأنه ليس من النار الصرف كما ان الإنسان ليس من التراب ________________________________________ " صفحة رقم 7 " الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها ) ثاقب ( مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه الصافات : ( 11 ) فاستفتهم أهم أشد . . . . . ) فاستفتهم ( فاستخبرهم والضمير لمشركي مكة أو لبني آدم ) أهم أشد خلقا أم من خلقنا ( يعني ما ذكر من الملائكة والسماء والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب و ) من ( لتغليب العقلاء ويدل عليه إطلاقه ومجيئه بعد ذلك وقراءة من قرأ أم من عددنا وقوله ) إنا خلقناهم من طين لازب ( فإنه الفارق بينهم وبينها لا بينهم وبين من قبلهم كعاد وثمود وإن المراد إثبات المعاد ورد استحالته والأمر فيه بالإضافة إليهم وإلى من قبلهم سواء وتقريره أن استحالة ذلك إما لعدم قابلية المادة ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام بعد وقد علموا أن الإنسان الأول إنما تولد منه إما لاعترافهم بحدوث العالم أو بقصة آدم وشاهدوا تولد كثير من الحيوانات منه بلا توسط مواقعة فلزمهم أن يجوزوا إعادتهم كذلك وإما لعدم قدرة الفاعل ومن قدر على خلق هذه الأشياء قدر على ما لا يعتد به بالإضافة إليها سيما ومن ذلك بدؤهم أولا وقدرته ذاتية لا تتغير الصافات : ( 12 ) بل عجبت ويسخرون ) بل عجبت ( من قدرة الله تعالى وإنكارهم للبعث ) ويسخرون ( من تعجبك وتقريرك للبعث وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أن تعجبت منها وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها أو عجبت من أن ينكر البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه والعجب من الله تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم له فإنه روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء وقيل إنه مقدر بالقول أي قال يا محمد بل عجبت ________________________________________ " صفحة رقم 8 " الصافات : ( 13 ) وإذا ذكروا لا . . . . . ) وإذا ذكروا لا يذكرون ( وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به أو إذا ذكر لهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم الصافات : ( 14 ) وإذا رأوا آية . . . . . ) وإذا رأوا آية ( معجزة تدل على صدق القائل به ) يستسخرون ( يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها الصافات : ( 15 ) وقالوا إن هذا . . . . . ) وقالوا إن هذا ( يعنون ما يرونه ) إلا سحر مبين ( ظاهر سحريته الصافات : ( 16 ) أئذا متنا وكنا . . . . . ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( أصله أنبعث إذا متنا فبدلوا الفعلية بالاسمية وقدموا الظرف وكرروا الهمزة مبالغة في الإنكار وإشعارا بأن البعث مستنكر في نفسه وفي هذه الحالة أشد استنكارا فهو أبلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الأولى وقراءة نافع والكسائي ويعقوب بطرح الثانية الصافات : ( 17 ) أو آباؤنا الأولون ) أو آباؤنا الأولون ( عطف على محل ) إن ( واسمها أو على الضمير في مبعوثون فإنه مفصول منه بهمزة الاستفهام لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم وسكن نافع برواية قالون بن عامر والواو على معنى الترديد الصافات : ( 18 ) قل نعم وأنتم . . . . . ) قل نعم وأنتم داخرون ( صاغرون وإنما اكتفى به في الجواب لسبق ما يدل على جوازه وقيام المعجز على صدق المخبر عن وقوعه وقرئ قال أي الله أو الرسول وقرأ الكسائي وحده نعم بالكسر وهو لغة فيه الصافات : ( 19 ) فإنما هي زجرة . . . . . ) فإنما هي زجرة واحدة ( جواب شرط مقدر أي إذا كان ذلك فإنما البعثة ) زجرة ( أي صيحة واحدة وهي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وأمرها في الإعادة كأمر ) كن ( في الإبداء ولذلك رتب عليها ) فإذا هم ينظرون ( فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم ________________________________________ " صفحة رقم 9 " الصافات : ( 20 ) وقالوا يا ويلنا . . . . . ) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ( اليوم الذي تجازى بأعمالنا وقد تم به كلامهم الصافات : ( 21 ) هذا يوم الفصل . . . . . وقوله ) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ( جواب الملائكة وقيل هو أيضا من كلام بعضهم لبعض والفصل القضاء أو الفرق بين المحسن والمسيء الصافات : ( 22 - 23 ) احشروا الذين ظلموا . . . . . ) احشروا الذين ظلموا ( أمر الله للملائكة أو أمر بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف وقيل منه إلى الجحيم ) وأزواجهم ( وأشباههم عابد الصنم مع عبدة الصنم وعابد الكوكب مع عبدته كقوله تعالى ) وكنتم أزواجا ثلاثة ( أو نساءهم اللاتي على دينهم أو قرناءهم من الشياطين ) وما كانوا يعبدون من دون الله ( من الأصنام وغيرها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم وهو عام مخصوص بقوله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( الآية وفيه دليل على أن ) الذين ظلموا ( هم المشركون ) فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( فعرفوهم طريقا ليسلكوها الصافات : ( 24 ) وقفوهم إنهم مسؤولون ) وقفوهم ( احبسوه في الموقف ) إنهم مسؤولون ( عن عقائدهم وأعمالهم والواو لا توجب الترتيب مع جواز أن يكون موقفهم متعددا الصافات : ( 25 ) ما لكم لا . . . . . ) ما لكم لا تناصرون ( لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص وهو توبيخ وتقريع ________________________________________ " صفحة رقم 10 " الصافات : ( 26 ) بل هم اليوم . . . . . ) بل هم اليوم مستسلمون ( منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم وأصل الاستسلام طلب السلامة أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضا ويخذله الصافات : ( 27 ) وأقبل بعضهم على . . . . . ) وأقبل بعضهم على بعض ( يعني الرؤوساء والأتباع أو الكفرة والقرناء ) يتساءلون ( يسأل بعضهم بعضا للتوبيخ ولذلك فسر ب يتخاصمون الصافات : ( 28 ) قالوا إنكم كنتم . . . . . ) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ( عن أقوى الوجوه وأيمنها أو عن الدين أو عن الخير كأنكم تنفعوننا نفع السانح فتبعناكم وهلكنا مستعار من يمين الإنسان الذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ولذلك سمي يمينا وتيمن بالسانح أو عن القوة والقهر فتقسروننا على الضلال أو على الحلف فإنهم كانوا يحلفون لهم إنهم على الحق الصافات : ( 29 ) قالوا بل لم . . . . . ) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ) الصافات : ( 30 ) وما كان لنا . . . . . ) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ( أجابهم الرؤساء أولا بمنع إضلالهم بأنهم كانوا ضالين في أنفسهم وثانيا بأنهم ما أجبروهم على الكفر إذ لم يكن لهم عليهم تسلط وإنما جنحوا إليه لأنهم كانوا قوما مختارين الطغيان الصافات : ( 31 ) فحق علينا قول . . . . . ) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون ) الصافات : ( 32 ) فأغويناكم إنا كنا . . . . . ) فأغويناكم إنا كنا غاوين ( ثم بينوا أن ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمرا مقضيا لا محيص لهم عنه وإن غاية ما فعلوا بهم أنهم دعوهم إلى الغي لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن يكونوا مثلهم وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية لإغواء غاو فمن أغواهم الصافات : ( 33 ) فإنهم يومئذ في . . . . . ) فإنهم ( فإن الأتباع والمتبوعين ) يومئذ في العذاب مشتركون ( كما كانوا مشتركين في الغواية الصافات : ( 34 - 35 ) إنا كذلك نفعل . . . . . ) إنا كذلك ( مثل ذلك الفعل ) نفعل بالمجرمين ( بالمشركين لقوله تعالى ) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( أي عن كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليه الصافات : ( 36 ) ويقولون أئنا لتاركوا . . . . . ) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 11 " الصافات : ( 37 ) بل جاء بالحق . . . . . ) بل جاء بالحق وصدق المرسلين ( رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون الصافات : ( 38 ) إنكم لذائقوا العذاب . . . . . ) إنكم لذائقوا العذاب الأليم ( بالإشراك وتكذيب الرسل وقرئ بنصب العذاب على تقرير النون كقوله ) ولا يذكرون الله إلا قليلا ( وهو ضعيف في غير المحلى باللام وعلى الأصل الصافات : ( 39 ) وما تجزون إلا . . . . . ) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ( إلا مثل ما عملتم الصافات : ( 40 ) إلا عباد الله . . . . . ) إلا عباد الله المخلصين ( استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في ) تجزون ( لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عنه باعتبار المماثلة فإن ثوابهم مضاعف والمنقطع أيضا بهذا الاعتبار الصافات : ( 41 - 42 ) أولئك لهم رزق . . . . . ) أولئك لهم رزق معلوم ( خصائصه من الدوام أو تمحض اللذة ولذلك فسره بقوله ) فواكه ( فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي والقوت بالعكس وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة ) وهم مكرمون ( في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال كما عليه رزق الدنيا الصافات : ( 43 - 44 ) في جنات النعيم ) في جنات النعيم ( في جنات ليس فيها إلا النعيم وهو ظرف أو حال من المستكن في ) مكرمون ( أو خبر ثان لأولئك وكذلك ________________________________________ " صفحة رقم 12 " ) على سرر ( يحتمل الحال أو الخبر فيكون ) متقابلين ( حالا من المستكن فيه أو في ) مكرمون ( وأن يتعلق ب ) متقابلين ( فيكون حالا من ضمير ) مكرمون ) الصافات : ( 45 - 46 ) يطاف عليهم بكأس . . . . . ) يطاف عليهم بكأس ( بإناء فيه خمر أو خمر كقوله " وكأس شربت على لذة " ) من معين ( من شراب معين أو نهر معين أي ظاهر للعيون أو خارج من العيون وهو صفة للماء من عان الماء إذا نبع وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة وكذلك قوله ) بيضاء لذة للشاربين ( وهما أيضا صفتان لكأس ووصفها ب ) لذة ( إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل قال ولذ كطعم الصرخدي تركته بأرض العدا من خشية الحدثان الصافات : ( 47 ) لا فيها غول . . . . . ) لا فيها غول ( غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول ) ولا هم عنها ينزفون ( يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله أفرده بالنفي وعطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي وتابعهما عاصم في الواقعة من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه وأصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه كله ونزحت الركية حتى نزفتها الصافات : ( 48 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . . ) وعندهم قاصرات الطرف ( قصرن أبصارهن على أزواجهن ) عين ( نجل العيون جمع عيناء الصافات : ( 49 ) كأنهن بيض مكنون ) كأنهن بيض مكنون ( شبههن ببيض النعام المصون عن الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان ________________________________________ " صفحة رقم 13 " الصافات : ( 50 ) فأقبل بعضهم على . . . . . ) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( معطوف على ) يطاف عليهم ( أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال " وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام " والتعبير عنه بالماضي للتأكيد فيه فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا الصافات : ( 51 ) قال قائل منهم . . . . . ) قال قائل منهم ( في مكالمتهم ) إني كان لي قرين ( جليس في الدنيا الصافات : ( 52 ) يقول أئنك لمن . . . . . ) يقول أئنك لمن المصدقين ( يوبخني على التصديق بالبعث وقرئ بتشديد الصاد من التصديق الصافات : ( 53 ) أئذا متنا وكنا . . . . . ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ( لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء الصافات : ( 54 ) قال هل أنتم . . . . . ) قال ( أي ذلك القائل ) هل أنتم مطلعون ( إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين وقيل القائل هو الله سبحانه وتعالى أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم وعن أبي عمرو مطلعون فاطلع بالتخفيف وكسر النون وضم الألف على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه من حيث إن أدب المجالسة يمنع الاستبداد به أو خاطب الملائكة على وضع المتصل موضع المنفصل كقوله هم الآمرون الخير والفاعلونه أو شبه اسم الفاعل بالمضارع الصافات : ( 55 ) فاطلع فرآه في . . . . . ) فاطلع ( عليهم ) فرآه ( أي قرينه ) في سواء الجحيم ( وسطه الصافات : ( 56 ) قال تالله إن . . . . . ) قال تالله إن كدت لتردين ( لتهلكني بالإغواء وقرئ لتغوين و ) إن ( هي المخففة واللام هي الفارقة الصافات : ( 57 ) ولولا نعمة ربي . . . . . ) ولولا نعمة ربي ( بالهداية والعصمة ) لكنت من المحضرين ( معك فيها الصافات : ( 58 ) أفما نحن بميتين ) أفما نحن بميتين ( عطف على محذوف أي أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي بمن شأنه الموت وقرئ بمائتين ________________________________________ " صفحة رقم 14 " الصافات : ( 59 ) إلا موتتنا الأولى . . . . . ) إلا موتتنا الأولى ( التي كانت في الدنيا وهي متناولة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال ونصبها على المصدر من اسم الفاعل وقيل على الاستثناء المنقطع ) وما نحن بمعذبين ( كالكفار وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له أو معاودة إلى مكالمة جلسائه تحدثا بنعمة الله أو تبجحا بها وتعجبا منها وتعريضا للقرين بالتوبيخ الصافات : ( 60 ) إن هذا لهو . . . . . ) إن هذا لهو الفوز العظيم ( يحتمل أن يكون من كلامهم وأن يكون كلام الله سبحانه وتعالى لتقرير قوله والإشارة إلى ما هم عليه من النعمة والخلود والأمن من العذاب الصافات : ( 61 ) لمثل هذا فليعمل . . . . . ) لمثل هذا فليعمل العاملون ( أي لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام وهو أيضا يحتمل الأمرين الصافات : ( 62 ) أذلك خير نزلا . . . . . ) أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ( شجرة ثمرها نزل أهل النار وانتصاب ) نزلا ( على التمييز أو الحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقال للنازل ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام وكذلك الزقوم لأهل النار وهو اسم شجرة صغيرة الورق ذفر مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة الصافات : ( 63 ) إنا جعلناها فتنة . . . . . ) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( محنة وعذابا لهم في الآخرة أو ابتلاء في الدنيا فإنهم لما سمعوا أنها في النار قالوا كيف ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويلتذ بها فهو أقدر على خلق الشجرة في النار وحفظه من الإحراق ________________________________________ " صفحة رقم 15 " الصافات : ( 64 ) إنها شجرة تخرج . . . . . ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها الصافات : ( 65 ) طلعها كأنه رؤوس . . . . . ) طلعها ( حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل أو الطلوع من الشجر ) كأنه رؤوس الشياطين ( في تناهي القبح والهول وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك وقيل ) الشياطين ( حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف ولعلها سميت بها لذلك الصافات : ( 66 ) فإنهم لآكلون منها . . . . . ) فإنهم لآكلون منها ( من الشجرة أو من طلعها ) فمالئون منها البطون ( لغلبة الجوع أو الجبر على أكلها الصافات : ( 67 ) ثم إن لهم . . . . . ) ثم إن لهم عليها ( أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ويجوز أن يكون ثم لما في شرابهم من مزيد الكراهة والبشاعة ) لشوبا من حميم ( لشرابا من غساق أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعاءهم وقرئ بالضم وهو اسم ما يشاب به والأول مصدر سمي به الصافات : ( 68 ) ثم إن مرجعهم . . . . . ) ثم إن مرجعهم ( مصيرهم ) لإلى الجحيم ( إلى دركاتها أو إلى نفسها فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى ) هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن ( يوردون إليه كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم ويؤيده أنه قرئ ثم إن منقلبهم الصافات : ( 69 - 70 ) إنهم ألفوا آباءهم . . . . . ) إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ( تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال والإهراع الإسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإسراع على ) آثارهم ( وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث الصافات : ( 71 ) ولقد ضل قبلهم . . . . . ) ولقد ضل قبلهم ( قبل قومك ) أكثر الأولين ) الصافات : ( 72 ) ولقد أرسلنا فيهم . . . . . ) ولقد أرسلنا فيهم منذرين ( أنبياء أنذروهم من العواقب الصافات : ( 73 ) فانظر كيف كان . . . . . ) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( من الشدة والفظاعة ________________________________________ " صفحة رقم 16 " الصافات : ( 74 ) إلا عباد الله . . . . . ) إلا عباد الله المخلصين ( إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم الصافات : ( 75 ) ولقد نادانا نوح . . . . . ) ولقد نادانا نوح ( شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها أي ولقد دعانا حين أيس من قومه ) فلنعم المجيبون ( أي فأجبناه أحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن فحذف منها ما حذف لقيام ما يدل عليه الصافات : ( 76 ) ونجيناه وأهله من . . . . . ) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ( من الغرق أو أذى قومه الصافات : ( 77 ) وجعلنا ذريته هم . . . . . ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( إذ هلك من عداهم وبقوا متناسلين إلى يوم القيامة إذ روي أنه مات كل من كان معه في السفينة غير بنيه وأزواجهم الصافات : ( 78 ) وتركنا عليه في . . . . . ) وتركنا عليه في الآخرين ( من الأمم الصافات : ( 79 ) سلام على نوح . . . . . ) سلام على نوح ( هذا الكلام جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليما وقيل هو سلام من الله عليه ومفعول ) تركنا ( محذوف مثل الثناء ) في العالمين ( متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعا الصافات : ( 80 ) إنا كذلك نجزي . . . . . ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( تعليل لما فعل بنوح من التكرمة بأنه مجازاة له على إحسانه الصافات : ( 81 ) إنه من عبادنا . . . . . ) إنه من عبادنا المؤمنين ( تعليل لإحسانه بالإيمان إظهارا لجلالة قدره وأصالة أمره ________________________________________ " صفحة رقم 17 " الصافات : ( 82 ) ثم أغرقنا الآخرين ) ثم أغرقنا الآخرين ( يعني كفار قومه الصافات : ( 83 ) وإن من شيعته . . . . . ) وإن من شيعته ( ممن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة ) لإبراهيم ( ولا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالبا وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة وكان بينهما نبيان هود وصالح عليهما الصلاة والسلام الصافات : ( 84 ) إذ جاء ربه . . . . . ) إذ جاء ربه ( متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة أو بمحذوف هو اذكر ) بقلب سليم ( من آفات القلوب أو من العلائق خالص لله أو مخلص له وقيل حزين من السليم بمعنى اللديغ ومعنى المجيء به ربه إخلاصه له كأنه جاء به متحفا إياه الصافات : ( 85 ) إذ قال لأبيه . . . . . ) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ( بدل من الأولى أو ظرف ل ) جاء ( أو ) سليم ) الصافات : ( 86 ) أئفكا آلهة دون . . . . . ) أئفكا آلهة دون الله تريدون ( أي تريدون آلهة دون الله إفكا مقدم المفعول للعناية ثم المفعول له لأن الأهم أن يقرر أنهم على الباطل ومبنى أمرهم على الافك ويجوز أن يكون ) إفكا ( مفعولا به و ) آلهة ( بدل منه على أنها إفك في نفسها للمبالغة أو المراد بها عبادتها بحذف المضاف أو حالا بمعنى إفكين الصافات : ( 87 ) فما ظنكم برب . . . . . ) فما ظنكم برب العالمين ( بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته أو أشركتم به غيره أو أمنتم من عذابه والمعنى إنكار ما يوجب ظنا فضلا عن قطع يصد عن عبادته أو يجوز الإشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام وهو كالحجة على ما قبله الصافات : ( 88 ) فنظر نظرة في . . . . . ) فنظر نظرة في النجوم ( فرأى مواقعها واتصالاتها أو في علمها أو في كتابها ولا منع منه مع أن قصده إيهامهم وذلك حين سألوه أن يعبد معهم الصافات : ( 89 ) فقال إني سقيم ) فقال إني سقيم ( أراهم أنه استدل بها لأنهم كانوا منجمين على أنه مشارف للسقم ________________________________________ " صفحة رقم 18 " لئلا يخرجوه إلى معبدهم فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى أو أراد إني سقيم القلب لكفركم أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو منه أو بصدد الموت ومنه المثل كفى بالسلامة داء وقول لبيد " فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ليصحني فإذا السلامة داء " الصافات : ( 90 ) فتولوا عنه مدبرين ) فتولوا عنه مدبرين ( هاربين مخافة العدوى الصافات : ( 91 ) فراغ إلى آلهتهم . . . . . ) فراغ إلى آلهتهم ( فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة ) فقال ( أي للأصنام استهزاء ) ألا تأكلون ( يعني الطعام الذي كان عندهم الصافات : ( 92 ) ما لكم لا . . . . . ) ما لكم لا تنطقون ( بجوابي الصافات : ( 93 ) فراغ عليهم ضربا . . . . . ) فراغ عليهم ( فمال عليهم مستخفيا والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه ) ضربا باليمين ( مصدر لراغ عليهم لأنه في معنى ضربهم أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل وقيل ) باليمين ( بسبب الحلف وهو قوله ) وتالله لأكيدن أصنامكم ) الصافات : ( 94 ) فأقبلوا إليه يزفون ) فأقبلوا إليه ( إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله ) من فعل هذا بآلهتنا ( الآية ) يزفون ( يسرعون من زفيف النعام وقرأ حمزة على بناء المفعول من أزفة أي يحملون على الزفيف وقرئ ) يزفون ( أي يزف بعضهم بعضا ويزفون من ________________________________________ " صفحة رقم 19 " وزف يزف إذا أسرع ويزفون من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم إليه الصافات : ( 95 ) قال أتعبدون ما . . . . . ) قال أتعبدون ما تنحتون ( ما تنحتونه من الأصنام الصافات : ( 96 ) والله خلقكم وما . . . . . ) والله خلقكم وما تعملون ( أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيها من حذف أو مجاز الصافات : ( 97 ) قالوا ابنوا له . . . . . ) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( في النار الشديدة من الجحمة وهي شدة التأجج واللام بدل الإضافة أي جحيم ذلك البنيان الصافات : ( 98 ) فأرادوا به كيدا . . . . . ) فأرادوا به كيدا ( فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم ) فجعلناهم الأسفلين ( الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه حيث جعل النار عليه بردا وسلاما الصافات : ( 99 ) وقال إني ذاهب . . . . . ) وقال إني ذاهب إلى ربي ( إلى حيث أمرني ربي وهو الشام أو حيث أتجرد فيه لعبادته ) سيهدين ( إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين ) قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( فلذلك ذكر بصيغة التوقع ________________________________________ " صفحة رقم 20 " الصافات : ( 100 - 101 ) رب هب لي . . . . . ) رب هب لي من الصالحين ( بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة يعني الولد لأن لفظ الهبة غالبة فيه ولقوله ) فبشرناه بغلام حليم ( بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أوان الحلم فإن الصبي لا يوصف بالحلم ويكون حليما وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( وقيل ما نعت الله نبيا بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما الصلاة والسلام وحالهما المذكورة بعد تشهد عليه الصافات : ( 102 ) فلما بلغ معه . . . . . ) فلما بلغ معه السعي ( أي فلما جد وبلغ ان يسعى معه في أعماله و ) معه ( متعلق بمحذوف دل عليه ) السعي ( لا به لأن صلة المصدر لا تتقدمه ولا يبلغ فإن بلوغهما لم يكن معا كأنه لما قال ) فلما بلغ معه السعي ( فقيل مع من فقيل ) معه ( وتخصيصه لأن الأب أكمل في الرفق والاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أوانه أو لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة ) قال يا بني ( وقرأ حفص بفتح الياء ) إني أرى في المنام أني أذبحك ( يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره وقيل إنه رأى ليلة التروية أن قائلا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك فلما أصبح روى أنه من الله أو من الشيطان فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره وقال له ذلك ولهذا سميت الأيام الثلاثة بالتروية وعرفة والنحر والأظهر أن المخاطب إسماعيل عليه السلام لأنه الذي وهب له أثره الهجرة ولأن البشارة بإسحاق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام ولقوله عليه الصلاة والسلام أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله فإن جده عبد المطلب نذر أن يذبح ولدا إن سهل الله له حفر زمزم أو بلغ بنوه عشرة فلما سهل أقرع فخرج السهم على عبد الله ففداه بمائة من الإبل ولذلك سنت الدية ________________________________________ " صفحة رقم 21 " مائة ولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير ولم يكن إسحاق ثمة ولأن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقا وما روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل أي النسب أشرف فقال يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن خليل الله فالصحيح أنه قال فقال يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والزوائد من الراوي وما روي أن يعقوب كتب إلى يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياء فيهما ) فانظر ماذا ترى ( من الرأي وإنما شاوره فيه وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله وقرأ حمزة والكسائي ماذا ترى بضم التاء وكسر الراء خالصة والباقون بفتحها وأبو عمرو يميل فتحة الراء وورش بين بين والباقون بإخلاص فتحها ) قال يا أبت ( وقرأ ابن عامر بفتح التاء ) افعل ما تؤمر ( أي ما تؤمر به فحذفا دفعة أو على الترتيب كما عرفت أو أمرك على إرادة المأمور به والإضافة إلى المأمور أو لعله فهم من كلامه أنه رأى أنه يذبحه مأمورا به أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر ولعل الأمر في المنام دون اليقظة لتكون مبادرتهما إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( على الذبح أو على قضاء الله وقرأ نافع بفتح الياء الصافات : ( 103 ) فلما أسلما وتله . . . . . ) فلما أسلما ( استسلما لأمر الله أو سلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه وقد قرئ بهما وأصلها سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه ) وتله للجبين ( صرعه ________________________________________ " صفحة رقم 22 " على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة وقيل كبه على وجهه بإشارته لئلا يرى فيه تغيرا يرق له فلا يذبحه وكان ذلك عند الصخرة بمنى أو في الموضع المشرف على مسجده أو المنحر الذي ينحر فيه اليوم الصافات : ( 104 - 105 ) وناديناه أن يا . . . . . ) وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ( بالعزم والإتيان بالمقدمات وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم تقطع وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطلق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( تعليل لإفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بالذبح لقوله ) يا أبت افعل ما تؤمر ( ولم يحصل الصافات : ( 106 ) إن هذا لهو . . . . . ) إن هذا لهو البلاء المبين ( الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها الصافات : ( 107 ) وفديناه بذبح عظيم ) وفديناه بذبح ( بما يذبح بدله فيتم به الفعل ) عظيم ( عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبيا ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين قيل كان كبشا من الجنة وقيل وعلا أهبط عليه من ثبير وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ________________________________________ " صفحة رقم 23 " وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه الصافات : ( 108 - 109 ) وتركنا عليه في . . . . . ) وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم ( سبق بيانه في قصة نوح عليه السلام الصافات : ( 110 ) كذلك نجزي المحسنين ) كذلك نجزي المحسنين ( لعله طرح عنه أنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة الصافات : ( 111 - 112 ) إنه من عبادنا . . . . . ) إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( مقضيا نبوته مقدرا كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملا فيهما مثلا ) وبشرناه ( بوجود إسحاق أي بأن يوجد إسحق نبيا من الصالحين ومع ذلك لا يصير نظير قوله ) فادخلوها خالدين ( ________________________________________ " صفحة رقم 24 " فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدرا نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد ومن فسر الذبيح بإسحق جعل المقصود من البشارة نبوته وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق الصافات : ( 113 ) وباركنا عليه وعلى . . . . . ) وباركنا عليه ( على إبراهيم في أولاده ) وعلى إسحاق ( بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب أو أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا وقرئ وبركنا ) ومن ذريتهما محسن ( في عمله أو إلى نفسه بالإيمان والطاعة ) وظالم لنفسه ( بالكفر والمعاصي ) مبين ( ظاهر ظلمه وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابها لا يعود عليهما بنقيصة وعيب الصافات : ( 114 ) ولقد مننا على . . . . . ) ولقد مننا على موسى وهارون ( أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية الصافات : ( 115 ) ونجيناهما وقومهما من . . . . . ) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ( من تغلب فرعون أو الغرق الصافات : ( 116 ) ونصرناهم فكانوا هم . . . . . ) ونصرناهم ( ثم الضمير لهما مع القوم ) فكانوا هم الغالبين ( على فرعون وقومه الصافات : ( 117 ) وآتيناهما الكتاب المستبين ) وآتيناهما الكتاب المستبين ( البليغ في بيانه وهو التوراة الصافات : ( 118 ) وهديناهما الصراط المستقيم ) وهديناهما الصراط المستقيم ( الطريق الموصل إلى الحق والصواب ________________________________________ " صفحة رقم 25 " الصافات : ( 119 ) وتركنا عليهما في . . . . . ) وتركنا عليهما في الآخرين ) الصافات : ( 120 ) سلام على موسى . . . . . ) سلام على موسى وهارون ) الصافات : ( 121 ) إنا كذلك نجزي . . . . . ) إنا كذلك نجزي المحسنين ) الصافات : ( 122 ) إنهما من عبادنا . . . . . ) إنهما من عبادنا المؤمنين ( سبق مثل ذلك الصافات : ( 123 ) وإن إلياس لمن . . . . . ) وإن إلياس لمن المرسلين ( هو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده وقيل إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكانه وفي حرف أبي رضي الله عنه وقيل إبليس وقرأ ابن ذكوان مع خلاف عنه بحذف همزة إلياس الصافات : ( 124 ) إذ قال لقومه . . . . . ) إذ قال لقومه ألا تتقون ( عذاب الله الصافات : ( 125 ) أتدعون بعلا وتذرون . . . . . ) أتدعون بعلا ( أتعبدونه أو أتطلبون الخير منه وهو اسم صنم كان لأهل بك من الشام وهو البلد الذي يقال له الآن بعلبك وقيل البعل الرب بلغة اليمن والمعنى أتدعون بعض البعول ) وتذرون أحسن الخالقين ( وتتركون عبادته وقد أشار فيه إلى المقتضي للإنكار المعني بالهمزة الصافات : ( 126 ) الله ربكم ورب . . . . . ثم صرح به بقوله ) الله ربكم ورب آبائكم الأولين ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب على البدل الصافات : ( 127 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون ) فكذبوه فإنهم لمحضرون ( أي في العذاب وإنما أطلقه اكتفاء منه بالقرينة أو لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفا الصافات : ( 128 ) إلا عباد الله . . . . . ) إلا عباد الله المخلصين ( مستثنى من الواو لا من المحضرين لفساد المعنى الصافات : ( 129 ) وتركنا عليه في . . . . . ) وتركنا عليه في الآخرين ( ________________________________________ " صفحة رقم 26 " الصافات : ( 130 - 132 ) سلام على إل . . . . . ) سلام على إل ياسين ( لغة في الياس كسيناه وسينين وقيل جمع له مراد به هو وأتباعه كالمهلبين لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام أو للمنسوب إليه بحذف ياء النسب كالأعجمين وهو قليل ملبس وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب على إضافة ) آل ( إلى ) ياسين ( لأنهما في المصحف مفصولان فيكون ) ياسين ( أبا ) إلياس ( وقيل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن أو غيره من كتب الله والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله ) إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ( إذ الظاهر أن الضمير لإلياس الصافات : ( 133 - 136 ) وإن لوطا لمن . . . . . ) وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين ( سبق بيانه الصافات : ( 137 ) وإنكم لتمرون عليهم . . . . . ) وإنكم ( يا أهل مكة ) لتمرون عليهم ( على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه ) مصبحين ( داخلين في الصباح الصافات : ( 138 ) وبالليل أفلا تعقلون ) وبالليل ( أي ومساء أو نهارا وليلا ولعلها وقعت قريب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحا والقاصد لها مساء ) أفلا تعقلون ( أفليس فيكم عقل تعتبرون به الصافات : ( 139 ) وإن يونس لمن . . . . . ) وإن يونس لمن المرسلين ( وقرئ بكسر النون الصافات : ( 140 ) إذ أبق إلى . . . . . ) إذ أبق ( هرب وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه ) إلى الفلك المشحون ( المملوء ________________________________________ " صفحة رقم 27 " الصافات : ( 141 ) فساهم فكان من . . . . . ) فساهم ( فقارع أهله ) فكان من المدحضين ( فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر روي أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله فركب السفينة فوقفت فقالوا ها هنا عبد آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فقال أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء الصافات : ( 142 ) فالتقمه الحوت وهو . . . . . ) فالتقمه الحوت ( فابتلعه من اللقمة ) وهو مليم ( داخل في الملامة أو آت بما يلام عليها أو مليم نفسه وقرئ بالفتح مبنيا من ليم كمشيب في مشوب الصافات : ( 143 ) فلولا أنه كان . . . . . ) فلولا أنه كان من المسبحين ( الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح مدة عمره أو في بطن الحوت وهو قوله ) لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ( وقيل من المصلين الصافات : ( 144 ) للبث في بطنه . . . . . ) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( حيا وقيل ميتا وفيه حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء الصافات : ( 145 ) فنبذناه بالعراء وهو . . . . . ) فنبذناه ( بأن حملنا الحوت على لفظه ) بالعراء ( بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت روي أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه واختلف في مدة لبثه فقيل بعض يوم وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل عشرون وقيل أربعون ) وهو سقيم ( مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد الصافات : ( 146 ) وأنبتنا عليه شجرة . . . . . ) وأنبتنا عليه ( أي فوقه مظلة عليه ) شجرة من يقطين ( من شجر ينبسط على وجه الأرض ولا يقوم على ساقه يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به والأكثر على أنها كانت الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه ويدل عليه أنه قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنك لتحب القرع قال أجل هي شجرة أخي يونس وقيل التين وقيل الموز تغطى بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره ________________________________________ " صفحة رقم 28 " الصافات : ( 147 ) وأرسلناه إلى مائة . . . . . ) وأرسلناه إلى مائة ألف ( هم قومه الذين هرب عنهم وهم أهل نينوى والمراد به ما سبق من إرساله أو إرسال ثان إليهم أو إلى غيرهم ) أو يزيدون ( في مرأى الناظر أي إذا نظر إليهم قال هم مائة ألف أو يزيدون والمراد الوصف بالكثرة وقرئ بالواو الصافات : ( 148 ) فآمنوا فمتعناهم إلى . . . . . ) فآمنوا ( فصدقوه أو فجددوا الإيمان به بمحضره ) فمتعناهم إلى حين ( إلى أجلهم المسمى ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع الكبر وأولي العزم من الرسل أو اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة الصافات : ( 149 ) فاستفتهم ألربك البنات . . . . . ) فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ( معطوف على مثله في أول السورة أمر رسوله أولا باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث وساق الكلام في تقريره جارا لما يلائمه من القصص موصولا بعضها ببعض ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر التجسيم وتجويز الفناء على الله تعالى فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة وتفضيل أنفسهم عليه حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا وجعله مما ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ( والإنكار ها هنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما أو لأن فسادهما مما تدركه ________________________________________ " صفحة رقم 29 " العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل للاستفهام عن التقسيم الصافات : ( 150 ) أم خلقنا الملائكة . . . . . ) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ( وإنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا بها فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يبتون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم الصافات : ( 151 - 152 ) ألا إنهم من . . . . . ) ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله ( لعدم ما يقتضيه وقيام ما ينفيه ) وإنهم لكاذبون ( فيما يتدينون به وقرئ ولد الله أي الملائكة ولده فعل بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث الصافات : ( 153 ) أصطفى البنات على . . . . . ) أصطفى البنات على البنين ( استفهام إنكار واستبعاد والاصطفاء أخذ صفوة الشيء وعن نافع كسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام لدلالة أم بعدها عليها أو على الإثبات بإضمار القول أي لكاذبون في قولهم اصطفى أو إبداله من ) ولد الله ) الصافات : ( 154 ) ما لكم كيف . . . . . ) ما لكم كيف تحكمون ( بما لا يرتضيه عقل الصافات : ( 155 ) أفلا تذكرون ) أفلا تذكرون ( أنه منزه عن ذلك الصافات : ( 156 ) أم لكم سلطان . . . . . ) أم لكم سلطان مبين ( حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته الصافات : ( 157 ) فأتوا بكتابكم إن . . . . . ) فأتوا بكتابكم ( الذي أنزل عليكم ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم الصافات : ( 158 ) وجعلوا بينه وبين . . . . . ) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( يعني الملائكة ذكرهم باسم جنسهم وضعا منهم أن يبلغوا هذه المرتبة وقيل قالوا إن الله تعالى صاهر الجن فخرجت الملائكة وقيل قالوا الله ________________________________________ " صفحة رقم 30 " والشياطين إخوان ) ولقد علمت الجنة إنهم ( إن الكفرة أو الأنس والجن إن فسرت بغير الملائكة ) لمحضرون ( في العذاب الصافات : ( 159 ) سبحان الله عما . . . . . ) سبحان الله عما يصفون ( من الولد والنسب الصافات : ( 160 ) إلا عباد الله . . . . . ) إلا عباد الله المخلصين ( استثناء من المحضرين منقطع أو متصل إن فسر الضمير بما يعمهم وما بينهما اعتراض أو من ) يصفون ) الصافات : ( 161 ) فإنكم وما تعبدون ) فإنكم وما تعبدون ( عود إلى خطابهم الصافات : ( 162 ) ما أنتم عليه . . . . . ) ما أنتم عليه ( على الله ) بفاتنين ( مفسدين الناس بالإغواء الصافات : ( 163 ) إلا من هو . . . . . ) إلا من هو صال الجحيم ( إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة ) وأنتم ( ضمير لهم ولآلهتهم غلب فيه المخاطب على الغائب ويجوز أن يكون ) وما تعبدون ( لما فيه من معنى المقارنة سادا مسد الخبر أي إنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالا مستوجبا للنار مثلكم وقرئ ) صال ( بالضم على أنه جمع محمول على معنى من ساقط واوه لالتقاء الساكنين أو تخفيف صائل على القلب كشاك في شائك أو المحذوف منه كالمنسي كما في قولهم ما باليت به بالة فإن أصلها بالية كعافية الصافات : ( 164 ) وما منا إلا . . . . . ) وما منا إلا له مقام معلوم ( حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم والمعنى وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم ويحتمل أن يكون هذا وما قبله من قوله ) سبحان الله ( من كلامهم ليتصل بقوله ) ولقد علمت الجنة ( كأنه قال ولقد علمت الملائكة أن المشركين معذبون بذلك وقالوا ________________________________________ " صفحة رقم 31 " ) سبحان الله ( تنزيها له عنه ثم استثنوا ) المخلصين ( تبرئة لهم منه ثم خاطبوا المشركين بأن الافتتان بذلك للشقاوة المقدرة ثم اعترفوا بالعبودية وتفاوت مراتبهم فيه لا يتجاوزونها فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه الصافات : ( 165 ) وإنا لنحن الصافون ) وإنا لنحن الصافون ( في أداء الطاعة ومنازل الخدمة الصافات : ( 166 ) وإنا لنحن المسبحون ) وإنا لنحن المسبحون ( المنزهون الله عما لا يليق به ولعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف وما في إن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائما من غير فترة دون غيرهم وقيل هو من كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين والمعنى وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله يوم القيامة ) وإنا لنحن الصافون ( له في الصلاة والمنزهون له عن السوء الصافات : ( 167 ) وإن كانوا ليقولون ) وإن كانوا ليقولون ( أي مشركو قريش الصافات : ( 168 ) لو أن عندنا . . . . . ) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( كتابا من الكتب التي نزلت عليهم الصافات : ( 169 ) لكنا عباد الله . . . . . ) لكنا عباد الله المخلصين ( لأخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم الصافات : ( 170 ) فكفروا به فسوف . . . . . ) فكفروا به ( أي لما جاءهم الذكر الذي هو أشرف الأذكار والمهيمن عليها ) فسوف يعلمون ( عاقبة كفرهم الصافات : ( 171 - 172 ) ولقد سبقت كلمتنا . . . . . ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( أي وعدنا لهم النصر والغلبة وهو قوله ) إنهم لهم المنصورون ) الصافات : ( 173 ) وإن جندنا لهم . . . . . ) وإن جندنا لهم الغالبون ( وهو باعتبار الغالب والمقضي بالذات وإنما سماه كلمة وهي كلمات لانتظامهم في معنى واحد الصافات : ( 174 ) فتول عنهم حتى . . . . . ) فتول عنهم ( فأعرض عنهم ) حتى حين ( هو الموعد لنصرك عليهم وهو يوم بدر وقيل يوم الفتح الصافات : ( 175 ) وأبصرهم فسوف يبصرون ) وأبصرهم ( على ما ينالهم حينئذ والمراد بالأمر الدلالة على أن ذلك كائن قريب كأنه قدامه ) فسوف يبصرون ( ما قضينا لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة وسوف للوعيد لا للتبعيد ________________________________________ " صفحة رقم 32 " الصافات : ( 176 ) أفبعذابنا يستعجلون ) أفبعذابنا يستعجلون ( روي أنه لما نزل ) فسوف يبصرون ( قالوا متى هذا فنزلت الصافات : ( 177 ) فإذا نزل بساحتهم . . . . . ) فإذا نزل بساحتهم ( فإذا نزل العذاب بفنائهم شبهه بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة وقيل الرسول وقرئ نزل على إسناده إلى الجار والمجرور ونزل أي العذاب ) فساء صباح المنذرين ( فبئس صباح المنذرين صباحهم واللام للجنس وال ) صباح ( مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر الصافات : ( 178 - 179 ) وتول عنهم حتى . . . . . ) وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون ( تأكيد إلى تأكيد وإطلاق بعد تقييد للإشعار بأنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة الصافات : ( 180 ) سبحان ربك رب . . . . . ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( عما قاله المشركون فهي على ما حكي في السورة وإضافة الرب إلى العزة لاختصاصها به إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه وقد أدرج فيه جملة صفاته السلبية والثبوتية مع الإشعار بالتوحيد الصافات : ( 181 ) وسلام على المرسلين ) وسلام على المرسلين ( تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم ________________________________________ " صفحة رقم 33 " الصافات : ( 181 ) وسلام على المرسلين ) والحمد لله رب العالمين ( على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من النعم وحسن العاقبة ولذلك أخره عن التسليم والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله وعن علي رضي الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك إلى آخر السورة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان وتباعدت عنه مردة الجن والشياطين وبرئ من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين ________________________________________ " صفحة رقم 34 " سورة ص مكية وآيها ست أو ثمان وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم ص : ( 1 - 2 ) ص والقرآن ذي . . . . . ) ص ( وقرئ بالكسر لالتقاء الساكنين وقيل إنه أمر من المصاداة بمعنى المعارضة ومنه الصدى فإنه يعارض الصوت الأول أي عارض القرآن بعملك وبالفتح لذلك أو لحذف حرف القسم وإيصال فعله إليه أو إضماره والفتح في موضع الجر فإنها غير مصروفة لأنها علم السورة وبالجر والتنوين على تأويل الكتاب ) والقرآن ذي الذكر ( الواو للقسم إن جعل ) ص ( اسما للحرف أو مذكور للتحدي أو للرمز بكلام مثل صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو للسورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر وللعطف إن جعل مقسما به كقولهم الله لأفعلن بالجر والجواب محذوف دل عليه ما في ) ص ( من الدلالة على التحدي أو الأمر بالمعادلة أي إنه لمعجز أو لواجب العمل به أو إن محمدا صادق أو قوله ________________________________________ " صفحة رقم 35 " ) بل الذين كفروا ( أي ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه ) بل الذين كفروا ( به ) في عزة ( أي استكبار عن الحق ) وشقاق ( خلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به وعلى الأولين الإضراب أيضا من الجواب المقدر ولكن من حيث إشعاره بذلك والمراد بالذكر العظة أو الشرف والشهرة أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من العقائد والشرائع والمواعيد والتنكير في ) عزة وشقاق ( للدلالة على شدتهما وقرئ في غرة أي غفلة عما يجب عليهم النظر فيه ص : ( 3 ) كم أهلكنا من . . . . . ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( وعيد لهم على كفرهم به استكبارا وشقاقا ) فنادوا ( استغاثة أو توبة أو استغفار ) ولات حين مناص ( أي ليس الحين حين مناص ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم خصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص وقرئ بالرفع على أنه اسم لا أو مبتدأ محذوف الخبر أي ليس حين مناص حاصلا لهم أو لا حين مناص كائن لهم وبالكسر كقوله " طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن لات حين بقاء " إما لأن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر في قوله " لولاك هذا العام لم أحجج " أو لأن أوان شبه بإذ لأنه مقطوع عن الإضافة إذ أصله أوان صلح ثم حمل عليه ) مناص ( تنزيلا لما أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد إذ أصله يحن ________________________________________ " صفحة رقم 36 " مناصهم ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن ) ولات ( بالكسر كجير وتقف الكوفية عليها بالهاء كالأسماء والبصرية بالتاء كالأفعال وقيل إن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الإمام ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس إذ مثله لم يعهد فيه والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل ولقوله " العاطفون تحين لا من عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم " والمناص المنجا من ناصه ينوصه إذا فاته ص : ( 4 ) وعجبوا أن جاءهم . . . . . ) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ( بشر مثلهم أو أمي من عدادهم ) وقال الكافرون ( وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وذما لهم وإشعارا بأن كفرهم جسرهم على هذا القول ) هذا ساحر ( فيما يظهره معجزة ) كذاب ( فيما يقوله على الله تعالى ص : ( 5 ) أجعل الآلهة إلها . . . . . ) أجعل الآلهة إلها واحدا ( بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد ) إن هذا لشيء عجاب ( بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة وقرئ مشددا وهو أبلغ ككرام وكرام وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ماذا يسألونني فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقالوا نعم وعشرا فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا وقالوا ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 37 " ص : ( 6 ) وانطلق الملأ منهم . . . . . ) وانطلق الملأ منهم ( وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن امشوا ( قائلين بعضهم لبعض ) امشوا ( ) اصبروا ( واثبتوا ) على آلهتكم ( على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته و ) إن ( هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول ) امشوا ( من مشت المرأة إذا كثرت أولادها ومنه الماشية أي اجتمعوا وقرئ بغير ) إن ( وقرئ يمشون أن اصبروا ) إن هذا لشيء يراد ( إن هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده أو يقصده من الرئاسة والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد أو أن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم ص : ( 7 ) ما سمعنا بهذا . . . . . ) ما سمعنا بهذا ( بالذي يقوله ) في الملة الآخرة ( في الملة التي أدركنا عليها آباءنا أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل فإن النصارى يثلثون ويجوز أن يكون حالا من هذا أي سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائنا في الملة المترقبة ) إن هذا إلا اختلاق ( كذب اختلقه ص : ( 8 ) أأنزل عليه الذكر . . . . . ) أأنزل عليه الذكر من بيننا ( إنكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرئاسة كقولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي ________________________________________ " صفحة رقم 38 " ) بل هم في شك من ذكري ( من القرآن أو الوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل وليس في عقيدتهم ما يبتون به من قولهم ) هذا ساحر كذاب ( ) إن هذا إلا اختلاق ( ) بل لما يذوقوا عذاب ( بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه ص : ( 9 ) أم عندهم خزائن . . . . . ) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ( بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخير للنبوة بعض صناديدهم والمعنى أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغلب الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء ص : ( 10 ) أم لهم ملك . . . . . ثم رشح ذلك فقال ) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ( كأنه لما أنكر عليهم التصرف في نبوته بأن ليس عندهم خزائن رحمته التي لا نهاية لها أردف ذلك بأنه ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه فمن أين لهم أن يتصرفوا فيها ) فليرتقوا في الأسباب ( جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون وهو غاية التهكم بهم والسبب في الأصل هو الوصلة وقيل المراد بالأسباب السموات لأنها أسباب الحوادث السفلية ص : ( 11 ) جند ما هنالك . . . . . ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( أي هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل ) مهزوم ( مكسور عما قريب فمن أين لهم التدابير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية أو فلا تكترث بما يقولون و ) ما ( مزيدة للتقليل كقولك أكلت شيئا ما وقيل للتعظيم على الهزء وهو لا يلائم ما بعده وهنالك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول ص : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . . ) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ( ذو الملك الثابت بالأوتاد كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 39 " " ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد " مأخوذ من ثبات البيت المطنب بأوتاده أو ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضا كالوتد يشد البناء وقيل نصب أربع سوار وكان يمد يدي المعذب ورجليه إليها ويضرب عليها أوتادا ويتركه حتى يموت ص : ( 13 ) وثمود وقوم لوط . . . . . ) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ( وأصحاب الغيضة وهم قوم شعيب وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ليكة ) أولئك الأحزاب ( يعني المتحزبين على الرسل الذين جعل الجند المهزوم منهم ص : ( 14 ) إن كل إلا . . . . . ) إن كل إلا كذب الرسل ( بيان لما أسند إليهم من التكذيب على الإبهام مشتمل على أنواع من التأكيد ليكون تسجيلا على استحقاقهم للعذاب ولذلك رتب عليه ) فحق عقاب ( وهو إما مقابلة الجمع بالجمع أو جعل تكذيب الواحد منهم تكذيب جميعهم ص : ( 15 ) وما ينظر هؤلاء . . . . . ) وما ينظر هؤلاء ( وما ينتظر قومك أو الأحزاب فإنهم كالحضور لاستحضارهم بالذكر أو حضورهم في علم الله تعالى ) إلا صيحة واحدة ( هي النفخة الأولى ) ما لها من فواق ( من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين أو رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع وقرأ حمزة والكسائي بالضم وهما لغتان ص : ( 16 ) وقالوا ربنا عجل . . . . . ) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ( قسطنا من العذاب الذي توعدنا به أو الجنة التي تعدها للمؤمنين وهو من قطه إذا قطعه وقيل لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس وقد فسر بها أي عجل لنا صحيفة أعمالنا للنظر فيها ) قبل يوم الحساب ( استعجلوا ذلك استهزاء ص : ( 17 ) اصبر على ما . . . . . ) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ( واذكر لهم قصته تعظيما للمعصية في ________________________________________ " صفحة رقم 40 " أعينهم فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال ) ذا الأيد ( ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد وأياد بمعنى ) إنه أواب ( رجاع إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل ل ) الأيد ( ودليل على أن المراد به القوة في الدين وكان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل ص : ( 18 ) إنا سخرنا الجبال . . . . . ) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن ( قد مر تفسيره و ) يسبحن ( حال وضع موضع مسبحات لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال ) بالعشي والإشراق ( ووقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق وعن أم هانئ رضي الله عنها أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صلى صلاة الضحى وقال هذه صلاة الإشراق وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية ص : ( 19 ) والطير محشورة كل . . . . . ) والطير محشورة ( إليه من كل جانب وإنما لم يراع المطابقة بين الحالين لأن ________________________________________ " صفحة رقم 41 " الحشر جملة أدل على القدرة منه مدرجا وقرئ والطير محشورة بالمبتدأ والخبر ) كل له أواب ( كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح والفرق بينه وبين ما قبله أنه يدل على الموافقة في التسبيح وهذا على المداومة عليها أو كل منهما ومن داود عليه الصلاة والسلام مرجع لله التسبيح ص : ( 20 ) وشددنا ملكه وآتيناه . . . . . ) وشددنا ملكه ( وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود وقرئ بالتشديد للمبالغة قيل إن رجلا ادعى بقرة على آخر وعجز عن البيان فأوحى إليه أن اقتل المدعى عليه فأعلمه فقال صدقت إني قتلت أباه وأخذت البقرة فعظمت بذلك هيبته ) وآتيناه الحكمة ( النبوة أو كمال العلم واتقان العمل ) وفصل الخطاب ( وفصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل أو الكلام المخلص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإضمار والحذف والتكرار ونحوها وإنما سمي به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة وقيل هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف كلام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فصل لا نزر ولا هذر ص : ( 21 ) وهل أتاك نبأ . . . . . ) وهل أتاك نبأ الخصم ( استفهام معناه التعجيب والتشويق إلى استماعه والخصم في الأصل مصدر ولذلك أطلق على الجمع ) إذ تسوروا المحراب ( إذ تصعدوا سور الغرفة تفعل من السور كتسنم من السنام وإذ متعلق بمحذوف أي نبأ تحاكم الخصم ) إذ تسوروا ( أو بالنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داود عليه الصلاة والسلام وأن إسناد ________________________________________ " صفحة رقم 42 " أتى إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم لما فيه من معنى الفعل لا بأتى لأن إتيانه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن حينئذ ص : ( 22 ) إذ دخلوا على . . . . . ) وإذ ( الثانية في ) إذ دخلوا على داود ( بدل من الأولى أو ظرف ل ) تسوروا ( ) ففزع منهم ( نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه فإنه عليه الصلاة والسلام كان جزأ زمانه يوما للعبادة ويوما للقضاء ويوما للوعظ ويوما للاشتغال بخاصته فتسور عليه ملائكة على صورة الإنسان في يوم الخلوة ) قالوا لا تخف خصمان ( نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصما ) بغى بعضنا على بعض ( وهو على الفرض وقصد التعريض إن كانوا ملائكة وهو المشهور ) فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ( ولا تجر في الحكومة وقرئ ولا تشطط أي ولا تبعد عن الحق ولا تشطط ولا تشاط والكل من معنى الشطط وهو من مجاوزة الحد ) واهدنا إلى سواء الصراط ( أي إلى وسطه وهو العدل ص : ( 23 ) إن هذا أخي . . . . . ) إن هذا أخي ( بالدين أو بالصحبة ) له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ( هي الأنثى من الضان وقد يكنى بها عن المرأة والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ في المقصود وقرئ تسع وتسعون بفتح التاء ونعجة بكسر النون وقرأ حفص بفتح ياء ) ولي نعجة ( ) فقال أكفلنيها ( ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي وقيل اجعلها كفلي أي نصيبي ) وعزني في الخطاب ( وغلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده أو في مغالبته إياي في الخطبة يقال خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا حيث زوجها دوني وقرئ وعازني أي غالبني وعزني على تخفيف غريب ص : ( 24 ) قال لقد ظلمك . . . . . ) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ( جواب قسم محذوف قصد به المبالغة ________________________________________ " صفحة رقم 43 " في إنكار فعل خليطه وتهجين طمعه ولعله قال ذلك بعد اعترافه أو على تقدير صدق المدعي والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة ) وإن كثيرا من الخلطاء ( الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط ) ليبغي ( ليتعدى ) بعضهم على بعض ( وقرئ بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها كقوله " اضرب عنك الهموم طارقها " وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ( أي وهم قليل و ) ما ( مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم ) وظن داود أنما فتناه ( ابتليناه بالذنب أو امتحناه بتلك الحكومة هل يتنبه بها ) فاستغفر ربه ( لذنبه ) وخر راكعا ( ساجدا على تسمية السجود ركوعا لأنه مبدؤه أو خر للسجود راكعا أي مصليا كأنه أحرم بركعتي الاستغفار و ) وأناب ( ورجع إلى الله بالتوبة وأقصى ما في هذه القضية الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ود أن يكون له ما لغيره وكان له أمثاله فنبهه الله بهذه القصة فاستغفر وأناب عنه وما روي أن بصره وقع على امرأة فعشقها وسعى حتى تزوجها وولدت منه سليمان إن صح فلعله خطب مخطوبته أو استنزله عن زوجته وكان ذلك معتادا فيما بينهم وقد واسى الأنصار المهاجرين بهذا المعنى وما قيل إنه أرسل أوريا إلى الجهاد مرارا وأمر أن يقدم حتى قتل فتزوجها هزء وافتراء ولذلك قال علي رضي الله عنه من حدث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وقيل إن قوما قصدوا أن يقتلوه فتسوروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده أقواما فتصنعوا بهذا التحاكم فعلم غرضهم وأراد أن ينتقم منهم فظن أن ذلك ابتلاء من الله له ) فاستغفر ربه ( مما هم به ) وأناب ( ________________________________________ " صفحة رقم 44 " ص : ( 25 ) فغفرنا له ذلك . . . . . ) فغفرنا له ذلك ( أي ما استغفر عنه ) وإن له عندنا لزلفى ( لقربة بعد المغفرة ) وحسن مآب ( مرجع في الجنة ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . . ) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ( استخلفناك على الملك فيها أو جعلناك خليفة ممن قبلك من الأنبياء القائمين بالحق ) فاحكم بين الناس بالحق ( بحكم الله ) ولا تتبع الهوى ( ما تهوى النفس وهو يؤيد ما قيل إن ذنبه المبادرة إلى تصديق المدعي وتظليم الآخر قبل مسألته ) فيضلك عن سبيل الله ( دلائله التي نصبها على الحق ) إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ( بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن السبيل فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق ومخالفة الهوى ص : ( 27 ) وما خلقنا السماء . . . . . ) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ( لا حكمة فيه أو ذوي باطل بمعنى مبطلين عابثين كقوله ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ( أو للباطل الذي هو متابعة الهوى بل للحق الذي هو مقتضى الدليل من التوحيد والتدرع بالشرع كقوله تعالى ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( على وضعه موضع المصدر مثل هنيئا ) ذلك ظن الذين كفروا ( الإشارة إلى خلقها باطلا والظن بمعنى المظنون ) فويل للذين كفروا من النار ( بسبب هذا الظن ص : ( 28 ) أم نجعل الذين . . . . . ) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ( ) أم ( منقطعة والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلا ليدل على نفيه وكذا التي في قوله ) أم نجعل المتقين كالفجار ( كأنه أنكر التسوية أولا بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم والآية تدل على صحة القول بالحشر فإن التفاضل بينهما إما أن يكون في الدنيا والغالب فيها عكس ما يقتضي الحكمة فيه أو في غيرها وذلك يستدعي أن يكون لهم حالة أخرى يجازون بها ________________________________________ " صفحة رقم 45 " ص : ( 29 ) كتاب أنزلناه إليك . . . . . ) كتاب أنزلناه إليك مبارك ( نفاع وقرئ بالنصب على الحال ) ليدبروا آياته ( ليتفكروا فيها فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني المستنبطة وقرئ ليتدبروا على الأصل ولتدبروا أي أنت وعلماء أمتك ) وليتذكر أولوا الألباب ( وليتعظ به ذوو العقول السليمة أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته بما نصب عليه من الدلائل فإن الكتب الإلهية بيان لما لا يعرف إلا من الشرع وإرشاد إلى ما يستقل به العقل ولعل التدبر للمعلوم الأول والتذكر الثاني ص : ( 30 ) ووهبنا لداود سليمان . . . . . ) ووهبنا لداود سليمان نعم العبد ( أي نعم العبد سليمان إذ ما بعده تعليل للمدح وهو في حاله ) إنه أواب ( رجاع إلى الله بالتوبة أو إلى التسبيح مرجع له ص : ( 31 ) إذ عرض عليه . . . . . ) إذ عرض عليه ( ظرف ل ) أواب ( أو ل ) نعم ( والضمير ل ) سليمان ( عند الجمهور ) بالعشي ( بعد الظهر ) الصافنات ( الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذي لا يكاد يكون إلا في العراب الخلص ) الجياد ( جمع جواد أو جود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود في الركض وقيل جمع جيد روي أنه عليه الصلاة والسلام غزا دمشق ونصيبين وأصاب ألف فرس وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقربا لله ص : ( 32 ) فقال إني أحببت . . . . . ) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ( أصل ) أحببت ( أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت مناب عدي تعديته وقيل هو بمعنى تقاعدت من قوله " مثل بعير السوء إذا أحبا " ________________________________________ " صفحة رقم 46 " أي برك و ) حب الخير ( مفعول له والخير المال الكثير والمراد به الخيل التي شغلته ويحتمل أنه سماها خيرا لتعلق الخير بها قال ( صلى الله عليه وسلم ) الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وقرأ ابن كثير ونافع أبو عمرو بفتح الياء / حتى توارث بالحجاب / أي غربت الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها ص : ( 33 ) ردوها علي فطفق . . . . . ) ردوها علي ( الضمير ل ) الصافنات ( ) فطفق مسحا ( فأخذ بمسح السيف مسحا ) بالسوق والأعناق ( أي بسوقها وأعناقها يقطعها من قولهم مسح علاوته إذا ضرب عنقه وقيل جعل يمسح بيده أعناقها وسوقها حبالها وعن ابن كثير بالسؤق على همز الواو لضمة ما قبلها كمؤقن وعن أبي عمرو بالسؤوق وقرئ بالساق اكتفاء بالواحد عن الجمع لأمن الالباس ص : ( 34 ) ولقد فتنا سليمان . . . . . ) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ( وأظهر ما قيل فيه ما روي مرفوعا أنه قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة جاءت بشق رجل فوالذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا وقيل ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله فعلم ذلك فكان يغدوه في السحاب فما شعر به إلا أن ألقي على كرسيه ميتا فتنبه ________________________________________ " صفحة رقم 47 " على خطئه بأن لم يتوكل على الله وقيل إنه غزا صيدون من الجزائر فقتل ملكها وأصاب ابنته جرادة فأحبها وكان لا يرقأ دمعها جزعا على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته فكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه فأخبره آصف فكسر الصورة وضرب المرأة وخرج إلى الفلاة باكيا متضرعا وكانت له أم ولد اسمها أمينة إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه وكان ملكه فيه فأعطاها يوما فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صخر وأخذ الخاتم وتختم به وجلس على كرسيه فاجتمع عليه الخلق ونفذ حكمه في كل شيء إلا في نسائه وغير سليمان عن هيئته فأتاها لطلب الخاتم فطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت يتكفف حتى مضى أربعون يوما عدد ما عبدت الصورة في بيته فطار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يده فبقر بطنها فوجد الخاتم فتختم به وخر ساجدا وعاد إليه الملك فعلى هذا الجسد صخر سمي به وهو جسم لا روح فيه لأنه كان متمثلا بما لم يكن كذلك والخطيئة تغافله عن حال أهله لأن اتخاذ التماثيل كان جائزا حينئذ وسجود الصورة بغير علمه لا يضره ص : ( 35 ) قال رب اغفر . . . . . ) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ( لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لي مناسبة لحالي أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته كقولك لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال على إرادة وصف الملك بالعظمة لا أن لا يعطى أحد مثله فيكون منافسة وتقديم الاستغفار على الاستيهاب لمزيد اهتمامه بأمر الدين ووجوب تقديم ما يجعل للدعاء بصدد الإجابة وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء ) إنك أنت الوهاب ( المعطي ما تشاء لمن تشاء ص : ( 36 ) فسخرنا له الريح . . . . . ) فسخرنا له الريح ( فذللناها لطاعته إجابة لدعوته وقرئ الرياح ) تجري بأمره رخاء ( ________________________________________ " صفحة رقم 48 " لينة من الرخاوة لا تزعزع أو لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد ) حيث أصاب ( أراد من قولهم أصاب الصواب فأخطأ الجواب ص : ( 37 ) والشياطين كل بناء . . . . . ) والشياطين ( عطف على ) الريح ( ) كل بناء وغواص ( بدل منه ص : ( 38 ) وآخرين مقرنين في . . . . . ) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( عطف على كل كأنه فصل الشيطان إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ويمكن تقييدها هذا والأقرب أن المراد تميل كفهم عن الشرور بالإقران في الصفد وهو القيد وسمي به العطاء لأنه يرتبط به المنعم عليه وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد وفي ذلك نكتة ص : ( 39 ) هذا عطاؤنا فامنن . . . . . ) هذا عطاؤنا ( أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطائنا ) فامنن أو أمسك ( فاعط من شئت وامنع من شئت ) بغير حساب ( حال من المستكن في الأمر أي غير محاسب على منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك أو من العطاء أو صلة له وما بينهما اعتراض والمعنى أنه عطاء جم لا يكاد يمكن حصره وقيل الإشارة إلى تسخير الشياطين والمراد بالمن والإمساك إطلاقهم وإبقاءهم في القيد ص : ( 40 ) وإن له عندنا . . . . . ) وإن له عندنا لزلفى ( في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا ) وحسن مآب ( هو الجنة ص : ( 41 ) واذكر عبدنا أيوب . . . . . ) واذكر عبدنا أيوب ( هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه ) إذ نادى ربه ( بدل من ) عبدنا ( و ) أيوب ( عطف بيان له ) أني مسني ( بأن مسني وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل ) الشيطان بنصب ( بتعب ) وعذاب ( ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي لقال إنه مسه والإسناد إلى ) الشيطان ( إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه أو لسؤاله ________________________________________ " صفحة رقم 49 " امتحانا لصبره فيكون اعترافا بالذنب أو مراعاة للأدب أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع وقرأ يعقوب بفتح النون على المصدر وقرىء بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل ص : ( 42 ) اركض برجلك هذا . . . . . ) اركض برجلك ( حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك الأرض ) هذا مغتسل بارد وشراب ( أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك وقيل نبعث عينان حارة وباردة فاغتسل من الحارة واشرب من الأخرى ص : ( 43 ) ووهبنا له أهله . . . . . ) ووهبنا له أهله ( بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم أو أحييناهم بعد موتهم وقيل وهبنا له مثلهم ) ومثلهم معهم ( حتى كان له ضعف ما كان ) رحمة منا ( لرحمتنا عليه ) وذكرى لأولي الألباب ( وتذكيرا لهم لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم ص : ( 44 ) وخذ بيدك ضغثا . . . . . ) وخذ بيدك ضغثا ( عطف على اركض والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه ) فاضرب به ولا تحنث ( روي أن زوجته ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت افراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برىء ضربها مائة ضربة فحلل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود ) إنا وجدناه صابرا ( فيما أصابه في النفس والأهل والمال ولا يخل به شكواه إلى الله من الشيطان فإنه لا يسمى جزعا كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك خيفة أن يفتنه أو قومه في الدين ) نعم العبد ( أيوب ) إنه أواب ( مقبل بشراشره على الله تعالى ص : ( 45 ) واذكر عبادنا إبراهيم . . . . . ) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( وقرأ ابن كثير عبدنا وضع الجنس موضع الجمع أو على أن ) إبراهيم ( وحده لمزيد شرفه عطف بيان له ) وإسحاق ويعقوب ( عطف عليه ) أولي الأيدي والأبصار ( أولي القوة في الطاعة والبصيرة في ________________________________________ " صفحة رقم 50 " الدين أو أولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة فعبر بالأيدي عن الأعمال لأن أكثرها بمباشرتها وبالأبصار عن المعارف لأنها أقوى مباديها وفيه تعريض بالبطلة الجهال أنهم كالزمنى والعماة ص : ( 46 ) إنا أخلصناهم بخالصة . . . . . ) إنا أخلصناهم بخالصة ( جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي ) ذكرى الدار ( تذكرهم الدار الآخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسببها وذلك لأن مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك في الآخرة وإطلاق ) الدار ( للبيان أو لأنه بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله ص : ( 47 ) وإنهم عندنا لمن . . . . . ) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ( لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير جمع خير كشر وأشرار وقيل جمع خير أو خير على تخفيفه كأموات في جمع ميت أو ميت ص : ( 48 ) واذكر إسماعيل واليسع . . . . . ) واذكر إسماعيل واليسع ( هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبىء واللام فيه كما في قوله " رأيت الوليد بن اليزيد مباركا " وقرأ حمزة والكسائي ولليسع تشبيها بالمنقول من ليسع من اللسع ) وذا الكفل ( ابن عم يسع أو بشر بن أيوب واختلف في نبوته ولقبه فقيل فر إليه مائة نبي من بني إسرائيل من القتل فآواهم وكفلهم وقيل كفل بعمل رجل صالح كان يصلي كل يوم مائة صلاة ) وكل ( أي وكلهم من الأخبار ________________________________________ " صفحة رقم 51 " ص : ( 49 ) هذا ذكر وإن . . . . . ) هذا ( إشارة إلى ما تقدم من أمورهم ) ذكر ( شرف لهم أو نوع من الذكر وهو القرآن ثم شرع في بيان ما أعد لهم ولأمثالهم فقال ) وإن للمتقين لحسن مآب ( مرجع ص : ( 50 ) جنات عدن مفتحة . . . . . ) جنات عدن ( عطف بيان ) لحسن مآب ( وهو من الأعلام الغالبة لقوله ) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ( وانتصب عنها ) مفتحة لهم الأبواب ( على الحال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وقرئتا مرفوعتين على الابتداء والخبر أو أنهما خبران لمحذوف ص : ( 51 ) متكئين فيها يدعون . . . . . ) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ( حالان متعاقبان أو متداخلان من الضمير في لهم لا من المتقين للفصل والأظهر أن يدعون استئناف لبيان حالهم فيها ومتكئين حال من ضميره والاقتصار على الفاكهة للإشعار بان مطاعمهم لمحض التلذذ فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة ص : ( 52 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . . ) وعندهم قاصرات الطرف ( لا ينظرون إلى غير أزواجهن ) أتراب ( لذات لهم فإن التحاب بين الأقرن ثبت أو بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية واشتقاقه من التراب فإنه يمسهن في وقت واحد ص : ( 53 ) هذا ما توعدون . . . . . ) هذا ما توعدون ليوم الحساب ( لآجاله فإن الحساب علة الوصول إلى الجزاء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء ليوافق ما قبله ص : ( 54 ) إن هذا لرزقنا . . . . . ) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ( انقطاع ص : ( 55 ) هذا وإن للطاغين . . . . . ) هذا ( أي لأمر هذا أو هذا كما ذكر أو خذ هذا ) وإن للطاغين لشر مآب ) ص : ( 56 ) جهنم يصلونها فبئس . . . . . ) جهنم ( إعرابه ما سبق ) يصلونها ( حال من جهنم ) فبئس المهاد ( المهد ________________________________________ " صفحة رقم 52 " والمفترش مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم محذوف وهو ) جهنم ( لقوله ) لهم من جهنم مهاد ) ص : ( 57 ) هذا فليذوقوه حميم . . . . . ) هذا فليذوقوه ( أي ليذوقوا هذا فليذوقوه أو العذاب هذا فليذوقوه ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ) حميم وغساق ( وهو على الأولين خبر محذوف أي هو ) حميم ( والغساق ما يغسق من صديد أهل النار من غسقت العين إذا سال دمعها وقرأ حفص وحمزة والكسائي غساق بتشديد السين ص : ( 58 ) وآخر من شكله . . . . . ) وأخر ( أي مذوق أو عذاب آخر وقرأ البصريان وأخرى أي ومذوقات أو أنواع عذاب أخر ) من شكله ( من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة وتوحيد الضمير على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق وقرئ بالكسر وهو لغة ) أزواج ( أجناس خبر ل ) أخر ( أو صفة له أو للثلاثة أو مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم ص : ( 59 ) هذا فوج مقتحم . . . . . ) هذا فوج مقتحم معكم ( حكاية ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها ) لا مرحبا بهم ( دعاء من المتبوعين على أتباعهم أو صفة ل ) فوج ( أو حال أي مقولا فيهم لا مرحبا أي ما أتوا بهم رحبا وسعة ) إنهم صالوا النار ( داخلون النار بأعمالهم مثلنا ص : ( 60 ) قالوا بل أنتم . . . . . ) قالوا ( أي الأتباع للرؤساء ) بل أنتم لا مرحبا بكم ( بل أنتم أحق بما قلتم أو قيل لنا لضلالكم وإضلالكم كما قالوا ) أنتم قدمتموه لنا ( قدمتم العذاب أو الصلي لنا بإغوائنا وإغرائنا على ما قدمتموه من العقائد الزائغة والأعمال القبيحة ) فبئس القرار ( فبئس المقر جهنم ص : ( 61 ) قالوا ربنا من . . . . . ) قالوا ( أي الاتباع أيضا ) ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ( مضاعفا أي ذا ضعف وذلك أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين كقوله ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) ص : ( 62 ) وقالوا ما لنا . . . . . ) وقالوا ( أي الطاغوت ) ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ( يعنون ________________________________________ " صفحة رقم 53 " فقراء المسلمين الذين يسترذلون ويسخرون بهم ص : ( 63 ) أتخذناهم سخريا أم . . . . . ) أتخذناهم سخريا ( صفة أخرى ل ) رجالا ( وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم وقرأ نافع وحمزة والكسائي ) سخريا ( بالضم وقد سبق مثله في المؤمنين ) أم زاغت ( مالت ) عنهم الأبصار ( فلا نراهم ) أم ( معادلة ل ) ما لنا لا نرى ( على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنهم قالوا أليسوا ها هنا أم زاغت عنهم أبصارنا أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم فإن زيغ الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة والمراد الدلالة على أن استرذالهم والاستسخار منهم كان لزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم ص : ( 64 ) إن ذلك لحق . . . . . ) إن ذلك ( الذي حكيناه عنهم ) لحق ( لا بد أن يتكلموا به ثم بين ما هو فقال ) تخاصم أهل النار ( وهو بدل من لحق أو خبر محذوف وقرئ بالنصب على البدل من ذلك ص : ( 65 ) قل إنما أنا . . . . . ) قل ( يا محمد للمشركين ) إنما أنا منذر ( أنذركم عذاب الله ) وما من إله إلا الله الواحد ( الذي لا يقبل الشركة والكثرة في ذاته ) القهار ( لكل شيء يريد قهره ص : ( 66 ) رب السماوات والأرض . . . . . ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( منه خلقها وإليه أمرها ) العزيز ( الذي لا يغلب إذا عاقب ) الغفار ( الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء وفي هذه الأوصاف تقرير للتوحيد ووعد ووعيد للموحدين والمشركين وتثنية ما يشعر بالوعيد وتقديمه لأن المدعو به هو الإنذار ________________________________________ " صفحة رقم 54 " ص : ( 67 ) قل هو نبأ . . . . . ) قل هو ( أي ما أنبأتكم به من أني نذير من عقوبة من هذه صفته وأنه واحد في ألوهيته وقيل ما بعده من نبأ آدم ) نبأ عظيم ) ص : ( 68 - 69 ) أنتم عنه معرضون ) أنتم عنه معرضون ( لتمادي غفلتكم فإن العاقل لا يعرض عن مثله كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة أما على التوحيد فما مر وأما على النبوة فقوله ) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون ( فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما ورد في الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور إلا بالوحي و ) إذ ( متعلق ب ) علم ( أو بمحذوف إذ التقرير من علم بكلام الملأ الأعلى ص : ( 70 ) إن يوحى إلي . . . . . ) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ( أي لأنما كأنه لما جوز أن الوحي يأتيه بين بذلك ما هو المقصود به تحقيقا لقوله ) إنما أنا منذر ( ويجوز أن يرتفع بإسناد يوحى إليه وقرئ إنما بالكسر على الحكاية ص : ( 71 ) إذ قال ربك . . . . . ) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ( بدل من ) إذ يختصمون ( مبين له فإن القصة التي دخلت إذ عليها مشتملة على تقاول الملائكة وإبليس في خلق آدم عليه السلام واستحقاقه للخلافة والسجود على ما مر في البقرة غير أنها اختصرت اكتفاء بذلك واقتصارا على ما هو المقصود منها وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم عليه السلام هذا ومن الجائز أن يكون مقاولة الله تعالى إياهم بواسطة ملك وأن يفسر الملأ الأعلى بما يعم الله تعالى والملائكة ص : ( 72 ) فإذا سويته ونفخت . . . . . ) فإذا سويته ( عدلت خلقته ) ونفخت فيه من روحي ( وأحييته بنفخ الروح فيه ________________________________________ " صفحة رقم 55 " وإضافته إلى نفسه وطهارته ) فقعوا له ( فخروا له ) ساجدين ( تكرمة وتبجيلا له وقد مر من الكلام فيه في البقرة ص : ( 73 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . . ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) ص : ( 74 ) إلا إبليس استكبر . . . . . ) إلا إبليس استكبر ( تعظم ) وكان ( وصار ) من الكافرين ( باستنكاره أمر الله تعالى واستكباره عن المطاوعة أو كان منهم في علم الله تعالى ص : ( 75 ) قال يا إبليس . . . . . ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم والتثنية لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل وقرئ على التوحيد وترتيب الإنكار عليه للإشعار بأنه المستدعي للتعظيم أو بأنه الذي تشبث به في تركه وهو لا يصلح مانعا إذ للسيد أن يستخدم بعض عبيده لبعض سيما وله مزيد اختصاص ) أستكبرت أم كنت من العالين ( تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا واستحق التفوق وقيل استكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين وقرئ ) أستكبرت ( بحذف الهمزة لدلالة ) أم ( عليها أو بمعنى الإخبار ص : ( 76 ) قال أنا خير . . . . . ) قال أنا خير منه ( إبداء للمانع وقوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( دليل عليه وقد سبق الكلام فيه ص : ( 77 ) قال فاخرج منها . . . . . ) قال فاخرج منها ( من الجنة أو من السماء أو من الصورة الملكية ) فإنك رجيم ( مطرود من الرحمة ومحل الكرامة ص : ( 78 - 81 ) وإن عليك لعنتي . . . . . ) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ( مر بيانه في الحجر ص : ( 82 - 83 ) قال فبعزتك لأغوينهم . . . . . ) قال فبعزتك ( فبسلطانك وقهرك ) لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ( الذين أخلصهم الله لطاعته وعصمهم من الضلالة أو أخلصوا قلوبهم لله على اختلاف القراءتين ص : ( 84 - 85 ) قال فالحق والحق . . . . . ) قال فالحق والحق أقول ( أي فأحق الحق وأقوله وقيل الحق الأول اسم الله نصبه بحذف حرف القسم كقوله " إن عليك الله أن تبايعا " ________________________________________ " صفحة رقم 56 " وجوابه ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( وما بينهما اعتراض وهو على الأول جواب محذوف والجملة تفسير ل ) الحق ( المقول وقرأ عاصم وحمزة برفع الأول على الابتداء أي الحق يميني أو قسمي أو الخبر أي أنا ) الحق ( وقرئا مرفوعين على حذف الضمير من أقول كقوله كله لم أصنع ومجرورين على إضمار حرف القسم في الأول وحكاية لفظ المقسم به في الثاني للتأكيد وهو سائغ فيه إذا شارك الأول وبرفع الأول وجره ونصب الثاني وتخريجه على ما ذكرناه والضمير في منهم للناس إذ الكلام فيهم والمراد بمنك من جنسك ليتناول الشياطين وقيل للثقلين وأجمعين تأكيد له أو للضميرين ص : ( 86 ) قل ما أسألكم . . . . . ) قل ما أسألكم عليه من أجر ( أي على القرآن أو تبليغ الوحي ) وما أنا من المتكلفين ( المتصفين بما ليسوا من أهله على ما عرفتم من حالي فأنتحل النبوة وأتقول القرآن ص : ( 87 ) إن هو إلا . . . . . ) إن هو إلا ذكر ( عظة ) للعالمين ( للثقلين ) ولتعلمن نبأه ( وهو ما فيه من الوعد والوعيد أو صدقه بإتيان ذلك ) بعد حين ( بعد الموت أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وفيه تهديد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات وعصمه الله أن يصر على ذنب صغير أو كبير ________________________________________ " صفحة رقم 57 " سورة الزمر مكية إلا قوله قل يا عبادي الآية وآيها خمس وسبعون أو اثنتان وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الزمر : ( 1 ) تنزيل الكتاب من . . . . . ) تنزيل الكتاب ( خبر محذوف مثل هذا أو مبتدأ خبره ) من الله العزيز الحكيم ( وهو على الأول صلة ل ) تنزيل ( أو خبر ثان أو حال عمل فيها الإشارة أو ال ) تنزيل ( والظاهر أن ) الكتاب ( على الأول السورة وعلى الثاني القرآن وقرئ تنزيل بالنصب على إضمار فعل نحو اقرأ أو الزم الزمر : ( 2 - 3 ) إنا أنزلنا إليك . . . . . ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ( ملتبسا بالحق أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله ) فاعبد الله مخلصا له الدين ( ممحصا له الدين من الشرك والرياء وقرئ برفع الدين عن الاستئناف لتعليل الأمر وتقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكدا وإجراؤه مجرى المعلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال ) ألا لله الدين الخالص ( أي ألا هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة فإنه المتفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( يحتمل المتخذين من الكفرة والمتخذين من الملائكة وعيسى والأصنام على حذف ________________________________________ " صفحة رقم 58 " الراجع وإضمار المشركين من غير ذكر لدلالة المساق عليهم وهو مبتدأ خبره على الأول ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( بإضمار القول ) إن الله يحكم بينهم ( وهو متعين على الثاني وعلى هذا يكون القول المضمر بما في حيزه حالا أو بدلا من الصلة و ) زلفى ( مصدر أو حال وقرئ قالوا ما نعبدهم وما نعبدكم إلا ليقربونا إلى الله حكاية لما خاطبوا به آلهتهم و ) نعبدهم ( بضم النون اتباعا ) فيما هم فيه يختلفون ( من الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم وقيل لهم ولمعبوديهم فإنهم لا يرجون شفاعتهم وهم يلعنونها ) إن الله لا يهدي ( لا يوفق للاهتداء إلى الحق ) من هو كاذب كفار ( فإنهما فاقدا البصيرة الزمر : ( 4 ) لو أراد الله . . . . . ) لو أراد الله أن يتخذ ولدا ( كما زعموا ) لاصطفى مما يخلق ما يشاء ( إذ لا موجود سواه إلا هو مخلوقه لقيام الدلالة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب إليه ومن البين ان المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الوالد ثم له قرر ذلك بقوله ) سبحانه هو الله الواحد القهار ( فإن الألوهية الحقيقية تتبع الوجوب المستلزم للواحدة الذاتية وهي تنافي المماثلة فضلا عن التوالد لأن كل واحد من المثلين مركب من الحقيقة المشتركة والتعين المخصوص والقهارية المطلقة تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد ثم استدل على ذلك بقوله الزمر : ( 5 ) خلق السماوات والأرض . . . . . ) خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ( يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة ) وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ( هو منتهى دوره أو منقطع حركته ) إلا هو العزيز ( القادر على كل ممكن الغالب على كل شيء ) الغفار ( حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع من الرحمة وعموم المنفعة الزمر : ( 6 ) خلقكم من نفس . . . . . ) خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ( استدلال آخر بما أوجده في العالم السفلي مبدوء به من خلق الإنسان لأنه أقرب وأكثر دلالة وأعجب وفيه على ما ذكره ثلاث ________________________________________ " صفحة رقم 59 " دلالات خلق آدم أولا من غير أب وأم ثم خلق حواء من قصيراه ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما و ) ثم ( للعطف على محذوف هو صفة ) نفس ( مثل خلقها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها أو على ) خلقكم ( لتفاوت ما بين الآيتين فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية وقيل أخرج من ظهره ذريته كالذر ثم خلق منها حواء ) وأنزل لكم ( وقضى أو قسم لكم فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتبت في اللوح المحفوظ أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار ) من الأنعام ثمانية أزواج ( ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز ) يخلقكم في بطون أمهاتكم ( بيان لكيفية ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهارا لما فيها من عجائب القدرة غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون ) خلقا من بعد خلق ( حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف ) في ظلمات ثلاث ( ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو الصلب والرحم والبطن ) ذلكم ( الذي هذه أفعاله ) الله ربكم ( هو المستحق لعبادتكم والمالك ) له الملك لا إله إلا هو ( إذ لا يشاركه في الخلق غيره ) فأنى تصرفون ( يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك الزمر : ( 7 ) إن تكفروا فإن . . . . . ) إن تكفروا فإن الله غني عنكم ( عن إيمانكم ) ولا يرضى لعباده الكفر ( لاستضرارهم به رحمة عليهم ) وإن تشكروا يرضه لكم ( لأنه سبب فلا حكم وقرأ ابن كثير ونافع في رواية وأبو عمرو والكسائي بإشباع ضمة الهاء لأنها صارت بحذف الألف موصولة بمتحرك وعن أبي عمرو ويعقوب إسكانها وهو لغة فيها ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ( بالمحاسبة والمجازاة ) إنه عليم بذات الصدور ( فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم الزمر : ( 8 ) وإذا مس الإنسان . . . . . ) وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ( لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أن مبدأ الكل منه ) ثم إذا خوله ( أعطاه من الخول وهو التعهد أو الخول وهو الافتخار ) نعمة منه ( من الله ) نسي ما كان يدعو إليه ( أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه أو ربه الذي كان يتضرع إليه و ) ما ( مثل الذي في قوله ) وما خلق الذكر والأنثى ( ) من قبل ( من نعمة ) وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ________________________________________ " صفحة رقم 60 " ورويس بفتح الياء والضلال والإضلال لما كانا نتيجة جعله صح تعليله بهما وإن لم يكونا غرضين ) قل تمتع بكفرك قليلا ( أمر تهديد فيه إشعار بأن الكفر نوع تشه لا سند له وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله ) إنك من أصحاب النار ( على سبيل الاستئناف للمبالغة الزمر : ( 9 ) أم من هو . . . . . ) أم من هو قانت ( قائم بوظائف الطاعات ) آناء الليل ( ساعاته وأم متصلة بمحذوف تقديره الكافر خير أم من هو قانت أو منقطعة والمعنى بل ) أم من هو قانت ( كمن هو بضده وقرأ الحجازيان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت لله كمن جعل له أندادا ) ساجدا وقائما ( حالان من ضمير ) قانت ( وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر والواو للجمع بين الصفتين ) يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ( في موضع الحال أو الاستئناف للتعليل ) قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( بأمثال هذه البيانات وقرئ يذكر بالإدغام الزمر : ( 10 ) قل يا عباد . . . . . ) قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ( بلزوم طاعته ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية وفي هذه بيان لمكان ) حسنة ( ) وأرض الله واسعة ( ________________________________________ " صفحة رقم 61 " فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه ) إنما يوفى الصابرون ( على المشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها ) أجرهم بغير حساب ( أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب وفي الحديث إنه ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب يوم القيامة عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل الزمر : ( 11 ) قل إني أمرت . . . . . ) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ( موحدا له الزمر : ( 12 ) وأمرت لأن أكون . . . . . ) وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة لأن قصب السبق في الدين بالإخلاص أو لأنه أول من أسلم وجهه لله من قريش ومن دان بدينهم والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة والإشعار بأن العبادة المقرونة بالإخلاص وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها فهي أيضا تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين ويجوز أن تجعل اللام مزيدة كما في أردت لأن أفعل فيكون أمر بالتقدم في الإخلاص والبدء بنفسه في الدعاء إليه بعد الأمر به الزمر : ( 13 ) قل إني أخاف . . . . . ) قل إني أخاف إن عصيت ربي ( بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك والرياء ) عذاب يوم عظيم ( لعظمة ما فيه الزمر : ( 14 - 15 ) قل الله أعبد . . . . . ) قل الله أعبد مخلصا له ديني ( أمر بالإخبار عن إخلاصه وأن يكون مخلصا له دينه بعد الأمر بالإخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص خائفا عن المخالفة من العقاب قطعا لأطماعهم ولذلك رتب عليه قوله ________________________________________ " صفحة رقم 62 " ) فاعبدوا ما شئتم من دونه ( تهديدا وخذلانا لهم ) قل إن الخاسرين ( الكاملين في الخسران ) الذين خسروا أنفسهم ( بالضلال ) وأهليهم ( بالإضلال ) يوم القيامة ( حين يدخلون النار بدل الجنة لأنهم جمعوا وجوه الخسران وقيل خسروا أهليهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده ) ألا ذلك هو الخسران المبين ( مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير ب ) إلا ( وتوسيط الفصل وتعريف الخسران ووصفه ب ) المبين ) الزمر : ( 16 ) لهم من فوقهم . . . . . ) لهم من فوقهم ظلل من النار ( شرح لخسرانهم ) ومن تحتهم ظلل ( أطباق من النار هي ظلل للآخرين ) ذلك يخوف الله به عباده ( ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليتجنبوا ما يوقعهم فيه ) يا عباد فاتقون ( ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي الزمر : ( 17 ) والذين اجتنبوا الطاغوت . . . . . ) والذين اجتنبوا الطاغوت ( البالغ غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بني للمبالغة في المصدر كالرحموت ثم وصف به للمبالغة في النعت ولذلك اختص بالشيطان ) أن يعبدوها ( بدل اشتمال منه ) وأنابوا إلى الله ( وأقبلوا إليه بشراشرهم عم سواه ) لهم البشرى ( بالثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت ) فبشر عباد ) الزمر : ( 18 ) الذين يستمعون القول . . . . . ) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( وضع فيه الظاهر موضع ضمير ) والذين اجتنبوا ( للدلالة على مبدأ اجتنابهم وأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحق والباطل ويؤثرون الأفضل فالأفضل ) أولئك الذين هداهم الله ( لدينه ) وأولئك هم أولوا الألباب ( العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها الزمر : ( 19 ) أفمن حق عليه . . . . . ) أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ووضع ) من في النار ( موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار ويجوز أن يكون ) أفأنت ( ينقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإشعار بالجزاء المحذوف ________________________________________ " صفحة رقم 63 " الزمر : ( 20 ) لكن الذين اتقوا . . . . . ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف ( علالي بعضها فوق بعض ) مبنية ( بنيت بناء النازل على الأرض ) تجري من تحتها الأنهار ( أي من تحت تلك الغرف و ) وعد الله ( مصدر مؤكد لأن قوله ) لهم غرف ( في معنى الوعد ) لا يخلف الله الميعاد ( ولأن الخلف نقص وهو على الله محال الزمر : ( 21 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( هو المطر ) فسلكه ( فأدخله ) ينابيع في الأرض ( هي عيون ومجاري كائنة فيها أو مياه نابعات فيها إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع فنصبها على الظرف أو الحال ) ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ( أصنافه من بر وشعير وغيرهما أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما ) ثم يهيج ( يتم جفافه لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منبته ) فتراه مصفرا ( من يبسه ) ثم يجعله حطاما ( فتاتا ) إن في ذلك لذكرى ( لتذكيرا بأنه لا بد من صانع حكيم دبره وسواه أو بأنه مثل الحياة الدنيا فلا تغتر بها ) لأولي الألباب ( إذ لا يتذكر به غيرهم الزمر : ( 22 ) أفمن شرح الله . . . . . ) أفمن شرح الله صدره للإسلام ( حتى تمكن فيه بيسر عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث إن الصدر محل القلب المنيع للروح المتعلق للنفس القابلة للإسلام ) فهو على نور من ربه ( يعني المعرفة والاهتداء إلى الحق وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل النور قلب انشرح وانفسح فقيل فما علامة ذلك قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله وخبر ) من ( محذوف دل عليه ) فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( من أجل ذكره وهو أبلغ من أن يكون عن مكان من لأن القاسي من أجل الشيء أشد تأبيا عن قبوله من القاسي عنه لسبب آخر وللمبالغة في وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بامتناع ذكر شرح الصدر وأسنده إلى الله وقابله بقساوة القلب وأسنده إليه ) أولئك في ضلال مبين ( يظهر للناظر بأدنى نظر ________________________________________ " صفحة رقم 64 " والآية نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده الزمر : ( 23 ) الله نزل أحسن . . . . . ) الله نزل أحسن الحديث ( يعني القرآن روي أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ملوا ملة فقالوا له حدثنا فنزلت وفي الابتداء باسم الله وبناء نزل عليه تأكيد للإسناد إليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه ) كتابا متشابها ( بدل من ) أحسن ( أو حال منه وتشابهه تشابه أبعاضه في الإعجاز وتجاوب النظم وصحة المعنى والدلالة على المنافع العامة ) مثاني ( جمع مثنى أو مثنى أو مثن على ما مر في الحجر وصف به كتابا باعتبار تفاصيله كقولك القرآن سور وآيات والإنسان عظام وعروق وأعصاب أو جعل تمييزا من ) متشابها ( كقولك رأيت رجلا حسنا شمائله ) تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ( تشمئز خوفا مما فيه من الوعيد وهو مثل في شدة الخوف واقشعرار الجلد تقبضه وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس بزيادة الراء ليصير رباعيا كتركيب اقمطر من القمط وهو الشد ) ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ( بالرحمة وعموم المغفرة والإطلاق للإشعار بأن أصل أمره الرحمة وأن رحمته سبقت غضبه والتعدية ب ) إلى ( لتضمن معنى السكون والاطمئنان وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هي من عوارضها ) ذلك ( أي الكتاب أو الكائن من الخشية والرجاء ) هدى الله يهدي به من يشاء ( هدايته ) ومن يضلل الله ( ومن يخذله ) فما له من هاد ( يخرجهم من الضلال الزمر : ( 24 ) أفمن يتقي بوجهه . . . . . ) أفمن يتقي بوجهه ( يجعله درقة يقي به نفسه لأنه يكون يداه مغلولة إلى عنقه فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه ) سوء العذاب يوم القيامة ( كمن هو آمن منه فحذف الخبر كما حذف في نظائره ________________________________________ " صفحة رقم 65 " ) وقيل للظالمين ( أي لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بالموجب لما يقال لهم وهو ) ذوقوا ما كنتم تكسبون ( أي وباله والواو للحال وقد مقدرة الزمر : ( 25 ) كذب الذين من . . . . . ) كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( من الجهة التي لا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها الزمر : ( 26 ) فأذاقهم الله الخزي . . . . . ) فأذاقهم الله الخزي ( الذل ) في الحياة الدنيا ( كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء ) ولعذاب الآخرة ( المعد لهم ) أكبر ( لشدته ودوامه ) لو كانوا يعلمون ( لو كانوا من أهل العلم والنظر لعلموا ذلك واعتبروا به الزمر : ( 27 ) ولقد ضربنا للناس . . . . . ) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( يحتاج إليه الناظر في أمر دينه ) لعلهم يتذكرون ( يتعظون به الزمر : ( 28 ) قرآنا عربيا غير . . . . . ) قرآنا عربيا ( حال من هذا والاعتماد فيها على الصفة كقولك جاءني زيد رجلا صالحا أو مدح له ) غير ذي عوج ( لا اختلال فيه بوجه ما وهو أبلغ من المستقيم وأخص بالمعاني وقيل بالشك استشهادا بقوله " وقد أتاك يقين غير ذي عوج من الإله وقول غير مكذوب " وهو تخصيص له ببعض مدلوله ) لعلهم يتقون ( علة أخرى مرتبة على الأولى الزمر : ( 29 ) ضرب الله مثلا . . . . . ) ضرب الله مثلا ( للمشرك والموحد ) رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل ( مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته ويتنازعوا فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة في تحيره وتوزع قلبه والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل و ) رجلا ( بدل من مثل وفيه صلة ) شركاء ( والتشاكس والتشاخص والاختلاف وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون ________________________________________ " صفحة رقم 66 " سلما بفتحتين وقرئ بفتح السين وكسرها مع سكون اللام وثلاثتها مصادر سلم نعت بها أو حذف منها ذا ورجل سالم أي وهناك رجل سالم وتخصيص الرجل لأنه أفطن للضر والنفع ) هل يستويان مثلا ( صفة وحالا ونصبه على التمييز ولذلك وحده وقرئ مثلين للإشعار باختلاف النوع أو لأن المراد على ) يستويان ( في الوصفين على أن الضمير للمثلين فإن التقدير مثل رجل ومثل رجل ) الحمد لله ( كل الحمد له لا يشاركه فيه على الحقيقة سواه لأنه المنعم بالذات والمالك على الإطلاق ) بل أكثرهم لا يعلمون ( فيشركون به غيره من فرط جهلهم الزمر : ( 30 ) إنك ميت وإنهم . . . . . ) إنك ميت وإنهم ميتون ( فإن الكل بصدد الموت وفي عداد الموتى وقرئ مائت ومائتون لأنه مما سيحدث الزمر : ( 31 ) ثم إنكم يوم . . . . . ) ثم إنكم ( على تغليب المخاطب على الغيب ) يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( فتحتج عليهم بأنك كنت على الحق في التوحيد وكانوا على الباطل في التشريك واجتهدت في الإرشاد والتبليغ ولجوا في التكذيب والعناد ويعتذرون بالأباطيل مثل ) أطعنا سادتنا ( و ) وجدنا آباءنا ( وقيل المراد به الاختصام العام يخاصم الناس بعضهم بعضا فيما دار بينهم في الدنيا الزمر : ( 32 ) فمن أظلم ممن . . . . . ) فمن أظلم ممن كذب على الله ( بإضافة الولد والشريك إليه ) وكذب بالصدق ( وهو ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إذ جاءه ( من غير توقف وتفكر في أمره ) أليس في جهنم مثوى للكافرين ( وذلك يكفيهم مجازاة لأعمالهم واللام تحتمل العهد والجنس ________________________________________ " صفحة رقم 67 " واستدل به على تكفير المبتدعة فإنهم يكذبون بما علم صدقه وهو ضعيف لأنه مخصوص بمن فاجأ ما علم مجيء الرسول به بالتكذيب الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . . ) والذي جاء بالصدق وصدق به ( اللام للجنس ليتناول الرسل والمؤمنين لقوله ) أولئك هم المتقون ( وقيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد هو ومن تبعه كما في قوله تعالى ) ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون ( وقيل الجائي هو الرسول والمصدق أبو بكر رضي الله عنه وذلك يقتضي إضمار الذي هو غير جائز وقرئ وصدق به بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل من غير تحريف أو صار صادقا بسببه لأنه معجز يدل على صدقه وصدق به على البناء للمفعول الزمر : ( 34 ) لهم ما يشاؤون . . . . . ) لهم ما يشاؤون عند ربهم ( في الجنة ) ذلك جزاء المحسنين ( على إحسانهم الزمر : ( 35 ) ليكفر الله عنهم . . . . . ) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ( خص الأسوأ للمبالغة فإنه إذا كفر كان غيره أولى بذلك أو للإشعار بأنهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون أنهم مقصرون مذنبون وأن ما يفرط منهم من الصغائر أسوأ ذنوبهم ويجوز أن يكون بمعنى السيئ كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان وقرئ أسوأ جمع سوء ) ويجزيهم أجرهم ( ويعطيهم ثوابهم ) بأحسن الذي كانوا يعملون ( فتعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه لفرط إخلاصهم فيها الزمر : ( 36 ) أليس الله بكاف . . . . . ) أليس الله بكاف عبده ( استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات والعبد ________________________________________ " صفحة رقم 68 " رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويحتمل الجنس ويؤيده قراءة حمزة والكسائي عباده وفسر بالأنبياء صلوات الله عليهم ) ويخوفونك بالذين من دونه ( يعني قريشا فإنهم قالوا له إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا بعيبك إياها وقيل إنه بعث خالدا ليكسر العزى فقال له سادنها أحذركها فإن لها شدة فعمد إليها خالد فهشم أنفها فنزل تخويف خالد منزلة تخويفه لأنه الآمر له بما خوف عليه ) ومن يضلل الله ( حتى غفل عن كفاية الله له وخوفه بما لا ينفع ولا يضر ) فما له من هاد ( يهديه إلى الرشاد الزمر : ( 37 ) ومن يهد الله . . . . . ) ومن يهد الله فما له من مضل ( إذ لا راد لفعله كما قال ) أليس الله بعزيز ( غالب منيع ) ذي انتقام ( ينتقم من أعدائه الزمر : ( 38 ) ولئن سألتهم من . . . . . ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية ) قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ( أي أرأيتم بعد ما تحققتم أن خالق العالم هو الله تعالى وأن آلهتكم إن أراد الله أن يصيبني بضر هل يكشفنه ) أو أرادني برحمة ( بنفع ) هل هن ممسكات رحمته ( فيمسكنها عني وقرأ أبو عمرو كاشفات ضره ممسكات رحمته بالتنوين فيهما ونصب ضره ورحمته ) قل حسبي الله ( كافيا في إصابة الخير ودفع الضر إذ تقرر بهذا التقرير أنه القادر الذي لا مانع لما يريده من خير أو شر روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سألهم فسكتوا فنزل ذلك وإنما قال ) كاشفات ( و ) ممسكات ( على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيها على كمال ضعفها ) عليه يتوكل المتوكلون ( لعلمهم بأن الكل منه تعالى الزمر : ( 39 ) قل يا قوم . . . . . ) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ( على حالكم اسم للمكان استعير للحال كما استعير هنا وحيث من المكان للزمان وقرئ مكاناتكم ) إني عامل ( أي على مكانتي فحذف للاختصار والمبالغة في الوعيد والإشعار بأن حاله لا يقف فإنه تعالى يزيده على مر الأيام قوة ونصرة ولذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم في الدارين فقال ) فسوف تعلمون ( ________________________________________ " صفحة رقم 69 " الزمر : ( 40 ) من يأتيه عذاب . . . . . ) من يأتيه عذاب يخزيه ( فإن خزي أعدائه دليل غلبته وقد أخزاهم الله يوم بدر ) ويحل عليه عذاب مقيم ( دائم وهو عذاب النار الزمر : ( 41 ) إنا أنزلنا عليك . . . . . ) إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس ( لأجلهم فإنه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم ) بالحق ( متلبسا به ) فمن اهتدى فلنفسه ( إذ نفع به نفسه ) ومن ضل فإنما يضل عليها ( فإن وباله لا يتخطاها ) وما أنت عليهم بوكيل ( وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وإنما أمرت بالبلاغ وقد بلغت الزمر : ( 42 ) الله يتوفى الأنفس . . . . . ) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( أي يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها إما ظاهرا وباطنا وذلك عند الموت أو ظاهرا لا باطنا وهو في النوم ) فيمسك التي قضى عليها الموت ( ولا يردها إلى البدن وقرأ حمزة والكسائي قضي بضم القاف وكسر الضاد والموت بالرفع ) ويرسل الأخرى ( أي النائمة إلى بدنها عند اليقظة ) إلى أجل مسمى ( هو الوقت المضروب لموته وهو غاية جنس الإرسال وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن في ابن آدم نفسا وروحا بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والحياة فيتوفيان عند الموت وتتوفى النفس وحدها عند النوم قريب مما ذكرناه ) إن في ذلك ( من التوفي والإمساك والإرسال ) لآيات ( دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته ) لقوم يتفكرون ( في كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها بالكلية حين الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة والحكمة في توفيها عن ظواهرها وإرسالها حينا بعد حين إلى توفي آجالها الزمر : ( 43 ) أم اتخذوا من . . . . . ) أم اتخذوا ( بل اتخذت قريش ) من دون الله شفعاء ( تشفع لهم عند الله ) قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ( ولو كانوا على هذه الصفة كما تشاهدونهم جمادات لا تقدر ولا تعلم ________________________________________ " صفحة رقم 70 " الزمر : ( 44 ) قل لله الشفاعة . . . . . ) قل لله الشفاعة جميعا ( لعله رد لما عسى يجيبون به وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون هي تماثيلهم والمعنى أنه مالك الشفاعة كلها لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه ورضاه ولا يستقل بها ثم قرر ذلك فقال ) له ملك السماوات والأرض ( فإنه مالك الملك كله لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه ) ثم إليه ترجعون ( يوم القيامة فيكون الملك له أيضا حينئذ الزمر : ( 45 ) وإذا ذكر الله . . . . . ) وإذا ذكر الله وحده ( دون آلهتهم ) اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ( انقبضت ونفرت ) وإذا ذكر الذين من دونه ( يعني الأوثان ) إذا هم يستبشرون ( لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله ولقد بالغ في الأمرين حتى بلغ الغاية فيهما فإن الاستبشار أن يمتلىء قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه والاشمئزاز أن يمتلىء غما حتى ينقبض أديم وجهه والعامل في ) إذا ذكر ( العامل في إذ المفاجأة الزمر : ( 46 ) قل اللهم فاطر . . . . . ) قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ( التجىء إلى الله بالدعاء لما تحيرت في أمرهم وضجرت من عنادهم وشدة شكيمتهم فإنه القادر على الأشياء والعالم بالأحوال كلها ) أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ( فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم الزمر : ( 47 ) ولو أن للذين . . . . . ) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة ( وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص الزمر : ( 48 ) وبدا لهم سيئات . . . . . ) وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( زيادة مبالغة فيه وهو نظير قوله تعالى ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ( في الوعد ) وبدا لهم سيئات ما كسبوا ( سيئات أعمالهم أو كسبهم حين تعرض صحائفهم ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وأحاط بهم جزاؤه الزمر : ( 49 ) فإذا مس الإنسان . . . . . ) وإذا مس الإنسان الضر دعانا ( إخبار عن الجنس بما يغلب فيه والعطف على قوله ________________________________________ " صفحة رقم 71 " ) وإذا ذكر الله وحده ( بالفاء لبيان مناقضتهم وتعكيسهم في التسبب بمعنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره وما بينهما اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم ) ثم إذا خولناه نعمة منا ( أعطيناه إياه تفضلا فإن التخويل مختص به ) قال إنما أوتيته على علم ( مني بوجوه كسبه أو يأتي سأعطاه لما لي من استحققه أو من الله بي واستحقاقي وألهاه فيه لما إن جعلت موصولة وإلا فللنعمة والتذكير لأن المراد شيء منها ) بل هي فتنة ( امتحان له أيشكر أم يكفر وهو رد لما قاله وتأنيث الضمير باعتبار الخير أو لفظ ال ) نعمة ( وقرىء بالتذكير ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ذلك وهو دليل على أن الإنسان للجنس الزمر : ( 50 ) قد قالها الذين . . . . . ) قد قالها الذين من قبلهم ( الهاء لقوله ) إنما أوتيته على علم ( لأنها كلمة أو جملة وقرىء بالتذكير ) والذين من قبلهم ( قارون وقومه فإنه قاله ورضي به قومه ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( من متاع الدنيا الزمر : ( 51 ) فأصابهم سيئات ما . . . . . ) فأصابهم سيئات ما كسبوا ( جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم وسماه سيئة لأنه في مقابلة أعمالهم السيئة رمزا إلى أن جميع أعمالهم كذلك ) والذين ظلموا ( بالعتو ) من هؤلاء ( المشركين و ) من ( للبيان أو للتبغيض ) سيصيبهم سيئات ما كسبوا ( كما أصاب أولئك وقد أصابهم فإنهم قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم ) وما هم بمعجزين ( بفائتين الزمر : ( 52 ) أولم يعلموا أن . . . . . ) أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( حيث حبس عنهم الرزق سبعا ثم بسط لهم سبعا ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( بأن الحوادث كلها من الله بوسط أو غيره الزمر : ( 53 - 54 ) قل يا عبادي . . . . . ) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن ) لا تقنطوا من رحمة الله ( لا تيأسوا من مغفرته أولا وتفضله ثانيا ) إن الله يغفر الذنوب جميعا ( عفوا ولو بعد بعد تقييده بالتوبة خلاف الظاهر ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( ________________________________________ " صفحة رقم 72 " الآية والتعليل بقوله ) إنه هو الغفور الرحيم ( على المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في ) عبادي ( من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضيين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم والنهي عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب جميعا ووضع ) اسم ( موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجميع وما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما أحب أن تكون لي الدنيا وما فيها بها فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال ألا ومن أشرك ثلاث مرات وما روي أن أهل مكة قالوا يزعم محمد أن من عبد الوثن وقتل النفس بغير حق لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس فنزلت وقيل في عياش والوليد بن الوليد في جماعة افتتنوا أو في الوحشي لا ينفي عمومها وكذا قوله ________________________________________ " صفحة رقم 73 " ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( فإنها لا تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن التوبة والإخلاص في العمل وتنافي الوعيد بالعذاب الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . . ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( القرآن أو المأمور به دون المنهي عنه أو العزائم دون الرخص أو الناسخ دون المنسوخ ولعله ما هو أنجى وأسلم كالإنابة والمواظبة على الطاعة ) من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( بمجيئه فتتداركوا الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . . ) أن تقول نفس ( كراهة أن تقول وتنكير ) نفس ( لأن القائل بعض الأنفس أو للتكثير كقول الأعشى " ورب بقيع لو هتفت بجوه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا " ________________________________________ " صفحة رقم 74 " ) يا حسرتى ( وقرىء بالياء على الأصل ) على ما فرطت ( بما قصرت ) في جنب الله ( في جانبه أي في حقه وهو طاعته قال سابق البريري " أما تتقين الله في جنب وامق له كبد حرى عليك تقطع " وهو كناية فيها مبالغة كقوله " إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج " وقيل في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة وقيل في قربه من قوله تعالى ) والصاحب بالجنب ( وقرىء في ذكر الله ) وإن كنت لمن الساخرين ( المستهزئين بأهله ومحل ) إن كنت ( نصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر الزمر : ( 57 ) أو تقول لو . . . . . ) أو تقول لو أن الله هداني ( بالإرشاد إلى الحق ) لكنت من المتقين ( الشرك والمعاصي الزمر : ( 58 ) أو تقول حين . . . . . ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( في العقيدة والعمل و أو للدلالة على أنها لا تخلو من هذه الأقوال تحيرا وتعللا بما لا طائل تحته الزمر : ( 59 ) بلى قد جاءتك . . . . . ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( رد من الله عليه لما تضمنه قوله ) لو أن الله هداني ( من معنى النفي وفصله عنه لأن تقديمه يفرق القرائن وتأخير المودود يخل بالنظم المطابق للوجود لأنه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم ________________________________________ " صفحة رقم 75 " يتمنى الرجعة وهو لا يمنع تأثير قدرة الله في فعل العبد ولا ما فيه من إسناد الفعل إليه كما عرفت وتذكير الخطاب على المعنى وقرئ بالتأنيث للنفس الزمر : ( 60 ) ويوم القيامة ترى . . . . . ) ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ( بأن وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد ) وجوههم مسودة ( بما ينالهم من الشدة أو بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل والجملة حال إذ الظاهر أن ترى من رؤية البصر واكتفى فيها بالضمير عن الواو ) أليس في جهنم مثوى ( مقام ) للمتكبرين ( عن الإيمان والطاعة وهو تقرير لأنهم يرون كذلك الزمر : ( 61 ) وينجي الله الذين . . . . . ) وينجي الله الذين اتقوا ( وقرئ وينجي ) بمفازتهم ( بفلاحهم مفعلة من الفوز وتفسيرها بالنجاة تخصيصها بأهم أقسامه وبالسعادة والعمل الصالح إطلاق لها على السبب وقرأ الكوفيون غير حفص بالجمع تطبيقا لهم بالمضاف إليه والباء فيها للسببية صلة لينجي أو لقوله ) لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( وهو حال أو استئناف لبيان المفازة الزمر : ( 62 ) الله خالق كل . . . . . ) الله خالق كل شيء ( من خير وشر وإيمان وكفر ) وهو على كل شيء وكيل ( يتولى التصرف الزمر : ( 63 ) له مقاليد السماوات . . . . . ) له مقاليد السماوات والأرض ( لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره وهو كنايه عن قدرته وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاختصاص لأن الجزئن لا يدخلها ولا يتصرف فيها إلا من بيده مفاتيحها وهو جمع مقليد أو مقلاد من قلدته إذا ألزمته وقيل جمع إقليد معرب إكليد على الشذوذ كمذاكير وعن عثمان رضي الله عنه أنه سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن المقاليد فقال تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير والمعنى على هذا إن لله هذه الكلمات يوحد بها ________________________________________ " صفحة رقم 76 " ويمجد وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها أصابه ) والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( متصل بقوله ) وينجي الله الذين اتقوا ( وما بينهما اعتراض للدلالة على أنه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها وتغيير النظم للإشعار بأن العمدة في فلاح المؤمنين فضل الله وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم وللتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية للكرم أو بما يليه والمراد بآيات الله دلائل قدرته واستبداده بأمر السموات والأرض أو كلمات توحيده وتمجيده وتخصيص الخسار بهم لأن غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب الزمر : ( 64 ) قل أفغير الله . . . . . ) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( أي أفغير الله أعبد بعد هذه الدلائل والمواعيد و ) تأمروني ( اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ويجوز أن ينتصب غير بما دل عليه ) تأمروني أعبد ( لأنه بمعنى تعبدونني على أن أصله تأمرونني أن أعبد فحذف إن ورفع كقوله " ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى " ويؤيده قراءة ) أعبد ( وقرأ ابن عامر تأمرونني بإظهار النونين على الأصل ونافع بحذف الثانية فإنها تحذف كثيرا الزمر : ( 65 ) ولقد أوحي إليك . . . . . ) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ( أي من الرسل ) لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( كلام على سبيل الفرض والمراد به تهييج الرسل وإقناط الكفرة والإشعار على حكم الأمة وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد واللام الأولى موطئة ________________________________________ " صفحة رقم 77 " للقسم والأخريان للجواب وإطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لأن شركهم أقبح وأن يكون على التقييد بالموت كما صرح به في قوله ) ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ( وعطف الخسران عليه من عطف المسبب على السبب الزمر : ( 66 ) بل الله فاعبد . . . . . ) بل الله فاعبد ( رد لما امروه به ولولا دلالة التقديم على الاختصاص لم يكن كذلك ) وكن من الشاكرين ( إنعامه عليك وفيه إشارة إلى موجب الاختصاص الزمر : ( 67 ) وما قدروا الله . . . . . ) وما قدروا الله حق قدره ( ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به وقرئ بالتشديد ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته ودلالة على ان تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم شابت لمة الليل والقبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة وقرئ بالنصب على الظرف تشبيها للمؤقت بالمبهم وتأكيد ) الأرض ( بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة وقرئ ) مطويات ( على أنها حال و ) السماوات ( معطوفة على ) الأرض ( منظومة في حكمها ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم أو ما يضاف إليه من الشركاء ________________________________________ " صفحة رقم 78 " الزمر : ( 68 ) ونفخ في الصور . . . . . ) ونفخ في الصور ( يعني المرة الأولى ) فصعق من في السماوات ومن في الأرض ( خر ميتا أو مغشيا عليه ) إلا من شاء الله ( قيل جبريل ومكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد وقيل وقيل حملة العرش ) ثم نفخ فيه أخرى ( نفخة أخرى وهي تدل على أن المراد بالأولى ونفخ في الصور نفخة واحدة كما صرح به في مواضع وأخرى تحتمل النصب والرفع ) فإذا هم قيام ( قائمون من قبورهم أو متوقفون وقرىء بالنصب على أن الخبر ) ينظرون ( وهو حال من ضميره والمعنى يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ما يفعل بهم الزمر : ( 69 ) وأشرقت الأرض بنور . . . . . ) وأشرقت الأرض بنور ربها ( بما أقام فيها من العدل سماه نور لأنه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة وفي الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ولذلك أضاف اسمه إلى ) الأرض ( أو بنور خلق فيها بلا واسطة أجسام مضيئة ولذلك أضافه إلى نفسه ) ووضع الكتاب ( للحساب والجزاء من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه أو صحائف الأعمال في أيدي العمال واكتفى باسم الجنس عن الجمع وقيل اللوح المحفوظ يقابل الصحائف ) وجيء بالنبيين والشهداء ( الذين يشهدون للأمم وعليهم من الملائكة والمؤمنين وقيل المستشهدون ) وقضي بينهم ( بين العباد ) بالحق وهم لا يظلمون ( بنقص ثواب أو زيادة عقاب على ما جرى به الوعد الزمر : ( 70 ) ووفيت كل نفس . . . . . ) ووفيت كل نفس ما عملت ( جزاءه ) وهو أعلم بما يفعلون ( فلا يفوته شيء من أفعالهم الزمر : ( 71 ) وسيق الذين كفروا . . . . . ثم فصل التوفية فقال ) وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ( أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض على تفاوت ________________________________________ " صفحة رقم 79 " أقدامهم في الضلالة والشرارة جمع زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه أو من قولهم شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة وهي الجمع القليل ) حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها ( ليدخلوها و ) حتى ( وهي التي تحكي بعدها الجملة وقرأ الكوفيون فتحت بتخفيف التاء ) وقال لهم خزنتها ( تقريعا وتوبيخا ) ألم يأتكم رسل منكم ( من جنسكم ) يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع من حيث إنهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب ) قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ( كلمة الله بالعذاب علينا وهو الحكم عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل النار ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بالكفرة وقيل هو قوله ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) الزمر : ( 72 ) قيل ادخلوا أبواب . . . . . ) قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ( أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم ) فبئس مثوى ( مكان ) المتكبرين ( اللام فيه للجنس والمخصوص بالذم سبق ذكره ولا ينافي إشعاره بأن مثواهم في النار لتكبرهم عن الحق أن يكون دخولهم فيها لأن كلمة العذاب حقت عليهم فإن تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار ________________________________________ " صفحة رقم 80 " الزمر : ( 73 ) وسيق الذين اتقوا . . . . . ) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة ( إسراعا بهم إلى دار الكرامة وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم إلا راكبين ) زمرا ( على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو الطبقة ) حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ( حذف جواب إذا للدلالة على أن لهم حينئذ من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف وأن أبواب الجنة تفتح لهم قبل مجيئهم غير منتظرين وقرأ الكوفيون فتحت بالتخفيف ) وقال لهم خزنتها سلام عليكم ( لا يعتريكم بعد مكروه ) طبتم ( طهرتم من دنس المعاصي ) فادخلوها خالدين ( مقدرين الخلود فيها والفاء للدلالة على أن طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه لأنه مطهره الزمر : ( 74 ) وقالوا الحمد لله . . . . . ) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ( بالبعث والثواب ) وأورثنا الأرض ( يريدون المكان الذي استقروا فيه على الاستعارة وإيراثها تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم أو تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه ) نتبوأ من الجنة حيث نشاء ( أي يتبوأ كل من في أي مقام أراده من جنته الواسعة مع أن في الجنة مقامات معنوية لا يتمانع واردوها ) فنعم أجر العاملين ( الجنة الزمر : ( 75 ) وترى الملائكة حافين . . . . . ) وترى الملائكة حافين ( محدقين ) من حول العرش ( أي حوله و ) من ( مزيدة أو لابتداء الحفوف ) يسبحون بحمد ربهم ( ملتبسين بحمده والجملة حال ثانية أو مقيدة للأولى والمعنى ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذذا به وفيه إشعار بأن منتهى درجات ________________________________________ " صفحة رقم 81 " العليين وأعلى لذائذهم هو الاستغراق في صفات الحق ) وقضي بينهم بالحق ( أي بين الخلق بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم ) وقيل الحمد لله رب العالمين ( أي على ما قضي بيننا بالحق والقائلون هم المؤمنون من المقضي بينهم أو الملائكة وطي ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الزمر لم يقطع رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين عن عائشة رضي الله عنها أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر والله أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 82 " سورة غافر مكية وآيها خمس وثمانون بسم الله الرحمن الرحيم غافر : ( 1 ) حم ) حم ( أماله ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر صريحا ونافع برواية ورش وأبو عمرو بين بين وقرئ بفتح الميم على التحريك لالتقاء الساكنين أو النصب بإضمار اقرأ ومنع صرفه للتعريف والتأنيث أو لأنها على زنة أعجمة كقابيل وهابيل غافر : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . . ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( لعل تخصيص الوصفين لما في القرآن من الإعجاز والحكم الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة غافر : ( 3 ) غافر الذنب وقابل . . . . . ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ( صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه والإضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص وأريد ب ) شديد العقاب ( مشدده أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس أو إبدال وجعله وحده بدلا مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن ________________________________________ " صفحة رقم 83 " التائب من الذنب كمن لا ذنب له والتوب مصدر كالتوبة وقيل جمعا والطول الفضل بترك العقاب المستحق وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها ) لا إله إلا هو ( فيجب الإقبال الكلي على عبادته ) إليه المصير ( فيجازي المطيع والعاصي غافر : ( 4 - 5 ) ما يجادل في . . . . . ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ( لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله ) وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ( وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن جدالا في القرآن كفر بالتنكير مع أنه ليس جدالا فيه على الحقيقة ) فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ( والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود ) وهمت كل أمة ( من هؤلاء ) برسولهم ( وقرىء برسولها ) ليأخذوه ( ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل من الأخذ بمعنى ________________________________________ " صفحة رقم 84 " الأسر ) وجادلوا بالباطل ( بما لا حقيقة له ) ليدحضوا به الحق ( ليزيلوه به ) فأخذتهم ( بالإهلاك جزاء لهم ) فكيف كان عقاب ( فإنكم تمرون على دياهم وترون أثره وهو تقرير فيه تعجيب غافر : ( 6 ) وكذلك حقت كلمة . . . . . ) وكذلك حقت كلمة ربك ( وعيده أو قضاؤه بالعذاب ) على الذين كفروا ( بكفرهم ) أنهم أصحاب النار ( بدل من كلمة ) ربك ( بدل الكل أو الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى غافر : ( 7 ) الذين يحملون العرش . . . . . ) الذين يحملون العرش ومن حوله ( الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجودا وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسطهم في نفاذ أمره ) يسبحون بحمد ربهم ( يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام وجعل التسبيح أصلا والحمد حالا لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح أصلا ) ويؤمنون به ( أخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله ) ويستغفرون للذين آمنوا ( وإشعارا بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء ردا على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال تعالى ) إنما المؤمنون إخوة ( ) ربنا ( أي يقولون ) ربنا ( وهو بيان ل ) يستغفرون ( أو حال ________________________________________ " صفحة رقم 85 " ) وسعت كل شيء رحمة وعلما ( أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا ) فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ( للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق ) وقهم عذاب الجحيم ( واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد والدلالة على شدة العذاب غافر : ( 8 ) ربنا وأدخلهم جنات . . . . . ) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ( وعدتهم إياها ) ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ( عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد وقرئ جنة عدن وصلح بالضم وذريتهم بالتوحيد ) إنك أنت العزيز ( الذي لا يمتنع عليه مقدور ) الحكيم ( الذيلا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد غافر : ( 9 ) وقهم السيئات ومن . . . . . ) وقهم السيئات ( العقوبات أو جزاء السيئات وهو تعميم بعد تخصيص أو تخصيص بمن ) صلح ( أو المعاصي في الدنيا لقوله ) ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ( أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب ) وذلك هو الفوز العظيم ( يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما غافر : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا ينادون ( يوم القيامة فيقال لهم ) لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم ( أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء ) إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ( ظرف لفعل دل عليه المقت الأول لا له لأنه أخبر عنه ولا للثاني لأن ________________________________________ " صفحة رقم 86 " مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة إلا أن يؤول بنحو بالصيف ضيعت اللبن أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد غافر : ( 11 - 12 ) قالوا ربنا أمتنا . . . . . ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين ( إماتتين بأن خلقتنا أمواتا ثم صيرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر ) وأحييتنا اثنتين ( الإحياءة الأولى وإحياءة البعث وقيل الإماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال والإحياءان ما في القبر والبعث إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله ) فاعترفنا بذنوبنا ( فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث ) فهل إلى خروج ( نوع خروج من النار ) من سبيل ( طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا ولذلك أجيبوا بقوله ) ذلكم ( الذي أنتم فيه ) بأنه ( بسبب أنه ) إذا دعي الله وحده ( متحدا أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحالية ) كفرتم ( بالتوحيد ) وإن يشرك به تؤمنوا ( ________________________________________ " صفحة رقم 87 " بالإشراك ) فالحكم لله ( المستحق للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم ) العلي ( عن أن يشرك به ويسوى بغيره ) الكبير ( حيث حكم على من أشرك وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب السرمد غافر : ( 13 ) هو الذي يريكم . . . . . ) وهو الذي يريكم آياته ( الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم تكميلا لنفوسكم ) وينزل لكم من السماء رزقا ( أسباب رزق كالمطر مراعاة لمعاشكم ) وما يتذكر ( بالآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى ) إلا من ينيب ( يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكير فيها فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه غافر : ( 14 ) فادعوا الله مخلصين . . . . . ) فادعوا الله مخلصين له الدين ( من الشرك ) ولو كره الكافرون ( إخلاصكم وشق عليهم غافر : ( 15 ) رفيع الدرجات ذو . . . . . ) رفيع الدرجات ذو العرش ( خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس الدال على تفرده في الألوهية فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته لا يصح أن يشرك به وقيل الدرجات مراتب المخلوقات أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السموات أو درجات الثواب وقرىء رفيع بالنصب على المدح ) يلقي الروح من أمره ( خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضا مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد والروح الوحي ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه والآمرهو الملك المبلغ ) على من يشاء من عباده ( يختاره للنبوة وفيه دليل على أنها عطائية ) لينذر ( غاية الإلقاء والمستكن فيه لله أو لمن أو للروح واللام مع القرب تؤيد الثاني ) يوم التلاق ( يوم القيامة فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض أو المعبودون والعباد أو الأعمال والعمال غافر : ( 16 ) يوم هم بارزون . . . . . ) يوم هم بارزون ( خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان أو أعمالهم وسرائرهم ) لا يخفى على الله منهم شيء ( ________________________________________ " صفحة رقم 88 " من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم وهو تقرير لقوله ) هم بارزون ( وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما غافر : ( 17 ) اليوم تجزى كل . . . . . ) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ( كأنه نتيجة لما سبق وتحقيقه أن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذتها وأملها لكنها لا تشعر بها في الدنيا لعوائق تشغلها فإذا قامت قيامتها زالت العوائق وأدركت لذاتها وألمها ) لا ظلم اليوم ( ينقص الثواب وزيادة العقاب ) إن الله سريع الحساب ( إذ لا يشغله شأن عن شأن فيصل إليهم ما يستحقونه سريعا غافر : ( 18 ) وأنذرهم يوم الآزفة . . . . . ) وأنذرهم يوم الآزفة ( أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها أو الخطة الآزفة وهي مشارفتهم النار وقيل الموت ) إذ القلوب لدى الحناجر ( فإنها ترتفع عن أماكنها فتلصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا ) كاظمين ( على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى لأنه على الإضافة أو منها أو من ضميرها في لدى وجمعه كذلك لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله ) فظلت أعناقهم لها خاضعين ( أو من مفعول ) أنذرهم ( على أنه حال مقدرة ) ما للظالمين من حميم ( قريب مشفق ) ولا شفيع يطاع ( ولا شفيع مشفع والضمائر إن كانت للكفار وهو الظاهر كان وضع الظالمين موضع ضميرهم للدلالة على اختصاص ذلك بهم وأنه لظلمهم غافر : ( 19 ) يعلم خائنة الأعين . . . . . ) يعلم خائنة الأعين ( النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر ________________________________________ " صفحة رقم 89 " إليه أو خيانة الأعين ) وما تخفي الصدور ( من الضمائر والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفي إلا وهو متعلق العلم والجزاء غافر : ( 20 ) والله يقضي بالحق . . . . . ) والله يقضي بالحق ( لأنه المالك الحاكم على الإطلاق فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه ) والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ( تهكم بهم لأن الجماد لا يقال فيه إنه يقضي أو لا يقضي وقرأ نافع وهشام بالتاء على الالتفات أو إضمار قل ) إن الله هو السميع البصير ( تقرير لعلمه ب ) خائنة الأعين ( وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما ) يدعون من دونه ) غافر : ( 21 ) أولم يسيروا في . . . . . ) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود ) كانوا هم أشد منهم قوة ( قدرة وتمكنا وإنما جيء بالفصل وحقه أن يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه وقرأ ابن عامر أشد منكم بالكاف ) وآثارا في الأرض ( مثل القلاع والمدائن الحصينة وقيل المعنى وأكثر آثارا كقوله متقلدا سيفا ورمحا ) فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ( يمنع العذاب عنهم غافر : ( 22 ) ذلك بأنهم كانت . . . . . ) ذلك ( الأخذ ) بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات أو الأحكام الواضحة ) فكفروا فأخذهم الله إنه قوي ( متمكن مما يريده غاية التمكن ) شديد العقاب ( لا يؤبه بعقاب دون عقابه غافر : ( 23 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . . ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( يعني المعجزات ) وسلطان مبين ( وحجة قاهرة ظاهرة والعطف لتغاير الوصفين أو لإفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيما لشأنه غافر : ( 24 ) إلى فرعون وهامان . . . . . ) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ( يعنون موسى عليه الصلاة والسلام وفيه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبلهم بطشا وأقربهم زمانا غافر : ( 25 ) فلما جاءهم بالحق . . . . . ) فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ( أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولا كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام ) وما كيد الكافرين إلا في ضلال ( في ضياع ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة ________________________________________ " صفحة رقم 90 " غافر : ( 26 ) وقال فرعون ذروني . . . . . ) وقال فرعون ذروني أقتل موسى ( كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله ) وليدع ربه ( فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه ) إني أخاف ( إن لم أقتله ) أن يبدل دينكم ( أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى ) ويذرك وآلهتك ( ) أو أن يظهر في الأرض الفساد ( ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد غافر : ( 27 ) وقال موسى إني . . . . . ) وقال موسى ( أي لقومه لما سمع بكلامه ) إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ( صدر الكلام بأن تأكيدا وإشعارا على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية وإضافته إليه وإليهم حثا لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة ولم يسم فرعون وذكر وصفا يعمه وغيره لتعميم الاستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على القول وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ) عذت ( فيه وفي سورة الدخان بالإدغام وعن نافع مثله غافر : ( 28 ) وقال رجل مؤمن . . . . . ) وقال رجل مؤمن من آل فرعون ( من أقاربه وقيل ) من ( متعلق بقوله ) يكتم إيمانه ( والرجل إسرائيلي أو غريب موحد كان ينافقهم ) أتقتلون رجلا ( أتقصدون قتله ) أن يقول ( لأن يقول أو وقت أن يقول من غير روية وتأمل في أمره ) ربي الله ( وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد ) وقد جاءكم بالبينات ( المتكثرة الدالة على صدقه من المعجزات والاستدلالات ) من ربكم ( أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا ________________________________________ " صفحة رقم 91 " عليهم واستدراجا لهم إلى الاعتراف به ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال ) وإن يك كاذبا فعليه كذبه ( لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله ) وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( فلا أقل من أن يصيبكم بعضه وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإنصاف وعدم التعصب ولذلك قدم كونه كاذبا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالا عندهم وتفسير ال ) بعض ( بالكل كقول لبيد " تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها " مردود لأنه أراد بال ) بعض ( نفسه ) إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( احتجاج ثالث ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات وثانيهما أن من خذله الله أهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم وعرض به لفرعون بأنه ) مسرف كذاب ( لا يهديه الله سبيل الصواب وطريق النجاة غافر : ( 29 ) يا قوم لكم . . . . . ) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين ( غالبين عالين ) في الأرض ( أرض مصر ) فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ( أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد و إنما أدرج نفسه في الضميرين لأنه كان منهم في القرابة وليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم ) قال فرعون ما أريكم ( ما أشير عليكم ) إلا ما أرى ( وأستصوبه من قتله وما أعلمكم إلا ما علمت من الصواب وقلبي ولساني متواطئان عليه ) وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( طريق الصواب وقرئ بالتشديد على انه فعال للمبالغة من رشد كعلام أو من رشد كعباد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصور على السماع أو بالنسبة إلى الرشد كعواج وبتات ________________________________________ " صفحة رقم 92 " غافر : ( 30 ) وقال الذي آمن . . . . . ) وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم ( في تكذيبه والتعرض له ) مثل يوم الأحزاب ( مثل أيام الأمم الماضية يعني وقائعهم وجمع ) الأحزاب ( مع التفسير أغنى عن جمع ) اليوم ) غافر : ( 31 ) مثل دأب قوم . . . . . ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود ( مثل جزاء ما كانوا عليه دائبا من الكفر وإيذاء الرسل ) والذين من بعدهم ( كقوم لوط ) وما الله يريد ظلما للعباد ( فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام وهو أبلغ من قوله تعالى ) وما ربك بظلام للعبيد ( من حيث أن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم غافر : ( 32 ) ويا قوم إني . . . . . ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ( يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة أو يتصايحون بالويل والثبور أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار كما حكي في الأعراف وقرئ بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى ) يوم يفر المرء من أخيه ) غافر : ( 33 ) يوم تولون مدبرين . . . . . ) يوم تولون ( عن الموقف ) مدبرين ( منصرفين عنه إلى النار وقيل فارين عنها ) ما لكم من الله من عاصم ( يعصمكم من عذابه ) ومن يضلل الله فما له من هاد ) غافر : ( 34 ) ولقد جاءكم يوسف . . . . . ) ولقد جاءكم يوسف ( يوسف بن يعقوب على أن فرعونه فرعون موسى أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد أو سبطه يوسف بن إبراهيم بن يوسف ) من قبل ( من قبل موسى ) بالبينات ( بالمعجزات ) فما زلتم في شك مما جاءكم به ( من الدين ) حتى إذا هلك ( مات ) قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ( ضما إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده أو جزما بأن لا يبعث من بعده رسول مع الشك في رسالته وقرئ ألن يبعث الله على أن بعضهم يقرر بعضا بنفي البعث ) كذلك ( مثل ذلك الضلال ) يضل الله ( في العصيان ) من هو مسرف مرتاب ( شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد غافر : ( 35 ) الذين يجادلون في . . . . . ) والذين يجادلون في آيات الله ( بدل من الموصول الأول لأنه بمعنى الجمع ) بغير سلطان أتاهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 93 " بغير حجة بل إما بتقليد أو بشبهة داحضة ) كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ( فيه ضمير من وإفراده للفظ ويجوز أن يكون الذين آمنوا مبتدأ وخبره ) كبر ( على حذف مضاف أي وجدال الذين يجادلون كبر مقتا أو بغير سلطان وفاعل ) كبر ( ) كذلك ( أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله ) يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ( استئنافا للدلالة على الموجب لجدالهم وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم رأت عيني وسمعت أذني أو على حذف مضاف أي على كل ذي قلب متكبر غافر : ( 36 ) وقال فرعون يا . . . . . ) وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا ( بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء إذا ظهر ) لعلي أبلغ الأسباب ( الطرق غافر : ( 37 ) أسباب السماوات فأطلع . . . . . ) أسباب السماوات ( بيان لها أو في إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها ) فأطلع إلى إله موسى ( عطف على ) أبلغ ( وقرأ حفص بالنصب على جواب الترجي ولعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله إياه أو إن يرى فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء يتوقف على اطلاعه ووصوله إليه وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه ) وإني لأظنه كاذبا ( في دعوى الرسالة ) وكذلك ( ومثل التزيين ) زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل ( سبيل الرشاد والفاعل على الحقيقة هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرئ زين بالفتح وبالتوسط الشيطان وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو ) وصد ( على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده ) وما كيد فرعون إلا في تباب ( أي خسار غافر : ( 38 ) وقال الذي آمن . . . . . ) وقال الذي آمن ( يعني مؤمن آل فرعون وقيل موسى عليه الصلاة والسلام ) يا قوم اتبعون أهدكم ( ________________________________________ " صفحة رقم 94 " بالدلالة ) سبيل الرشاد ( سبيلا يصل سالكه إلى المقصود وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي غافر : ( 39 ) يا قوم إنما . . . . . ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع ( تمتع يسير لسرعة زوالها ) وإن الآخرة هي دار القرار ( لخلودها غافر : ( 40 ) من عمل سيئة . . . . . ) من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ( عدلا من الله وفيه دليل على أن الجنايات تغرم بمثلها ) ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ( بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا منه ورحمة ولعل تقسيم العمال وجعل الجزاء جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة وتفضيل الثواب لتغليب الرحمة وجعل عمدة والإيمان حالا للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل وأن ثوابه أعلى من ذلك غافر : ( 41 ) ويا قوم ما . . . . . ) ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( كرر ندائهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة واهتماما بالمنادى له ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه وعطفه على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأول فإن ما بعده أيضا تفسير لما أجمل فيه تصريحا أو تعريضا أو على الأول غافر : ( 42 ) تدعونني لأكفر بالله . . . . . ) تدعونني لأكفر بالله ( بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام ) وأشرك به ما ليس لي به ( بربوبيته ) علم ( والمراد نفي المعلوم والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان فاعتقادها لا يصح إلا عن إيقان ) وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ( المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والغلبة وما يتوقف عليه من العلم والإرادة والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران غافر : ( 43 ) لا جرم أنما . . . . . ) لا جرم ( لا رد لما دعوه إليه و ) جرم ( فعل بمعنى حق وفاعله ) أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ( ________________________________________ " صفحة رقم 95 " أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا لأنها جمادات ليس لها ما يقتضي ألوهيتها أو عدم دعوة مستجابة أو عدم استجابة دعوة لها وقيل ) جرم ( بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه أي كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته وقيل فعل من الجرم بمعنى القطع كما إن بدا من لا بد فعل من التبديد وهو التفريق والمعنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فتنقلب حقا ويؤيده قولهم لا جرم إنه لغة فيه كالرشد والرشد ) وأن مردنا إلى الله ( بالموت ) وأن المسرفين ( في الضلالة والطغيان كالإشراك وسفك الدماء ) هم أصحاب النار ( ملازموها غافر : ( 44 - 45 ) فستذكرون ما أقول . . . . . ) فستذكرون ( وقرئ ) فستذكرون ( أي فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب ) ما أقول لكم ( من النصيحة ) وأفوض أمري إلى الله ( ليعصمني من كل سوء ) إن الله بصير بالعباد ( فيحرسهم وكأنه جواب توعدهم المفهوم من قوله ) فوقاه الله سيئات ما مكروا ( شدائد مكرهم وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام ) وحاق بآل فرعون ( بفرعون وقومه فاستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك وقيل بطلبة المؤمن من قومه فإنه فر إلى جبل فاتبعه طائفة فوجدوه يصلي والوحوش حوله صفوفا فرجعوا رعبا فقتلهم ) سوء العذاب ( الغرق أو القتل أو النار غافر : ( 46 ) النار يعرضون عليها . . . . . ) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( جملة مستأنفة أو ) النار ( خبر محذوف و ) يعرضون ( استئناف للبيان أو بدل و ) يعرضون ( حال منها أو من الآل وقرئت منصوبة على الاختصاص أو بإضمار فعل يفسره ) يعرضون ( مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم عرض الأسارى على السيف إذا قتلوا به وذلك لأرواحهم كما روى ابن مسعود أن أرواحهم في أجواف طيور سود تعرض على النار بكرة وعشيا إلى يوم القيامة وذكر الوقتين تحتمل التخصيص والتأييد وفيه دليل على بقاء النفس وعذاب ________________________________________ " صفحة رقم 96 " القبر ) ويوم تقوم الساعة ( أي هذا ما دامت الدنيا فإذا قامت الساعة قيل لهم ) أدخلوا آل فرعون ( يا آل فرعون ) أشد العذاب ( عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم وقرأ حمزة والكسائي ونافع ويعقوب وحفص ) ادخلوا ( على أمر الملائكة بإدخالهم النار غافر : ( 47 ) وإذ يتحاجون في . . . . . ) وإذ يتحاجون في النار ( واذكر وقت تخاصمهم فيها ويحتمل العطف على غدوا ) فيقول الضعفاء للذين استكبروا ( تفصيل له ) إنا كنا لكم تبعا ( تباعا كخدم في جمع خادم أو ذوي تبع بمعنى أتباع على الإضمار أو التجوز ) فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ( بالدفع أو الحمل و ) نصيبا ( مفعول به لما دل عليه ) مغنون ( أوله بالتضمين أو مصدر كشيئا في قوله تعالى ) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ( فيكون من صلة ل ) مغنون ) غافر : ( 48 ) قال الذين استكبروا . . . . . ) قال الذين استكبروا إنا كل فيها ( نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا وقرئ كلا على التأكيد لأنه بمعنى كلنا وتنوينه عوض عن المضاف إليه ولا يجوز جعله حالا من المستكن في الظرف فإنه لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم كقولك كل يوم لك ثوب ) إن الله قد حكم بين العباد ( بأن أدخل اهل الجنة الجنة وأهل النار النار و ) لا معقب لحكمه ) غافر : ( 49 ) وقال الذين في . . . . . ) وقال الذين في النار لخزنة جهنم ( أي لخزنتها ووضع ) جهنم ( موضع الضمير للتهويل أو لبيان محلهم فيها إذ يحتمل أن تكون ) جهنم ( أبعد دركاتها من قولهم بئر ________________________________________ " صفحة رقم 97 " جهنام بعيدة القعر ) ادعوا ربكم يخفف عنا يوما ( قدر يوم ) من العذاب ( شيئا من العذاب ويجوز أن يكون المفعول يوم بحذف المضاف و ) من العذاب ( بيانه غافر : ( 50 ) قالوا أولم تك . . . . . ) وقالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ( أرادوا به إلزامهم للحجة وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة ) قالوا بلى قالوا فادعوا ( فإنا لا نجترئ فيه إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم وفيه إقناط لهم عن الإجابة ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( ضياع لا يجاب وفيه اقناط لهم عن الإجابة غافر : ( 51 ) إنا لننصر رسلنا . . . . . ) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ( بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة ) في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ( أي في الدارين ولا ينتقض ذلك بما كان لأعدائهم عليهم من الغلبة أحيانا إذ العبرة بالعواقب وغالب الأمر و ) الأشهاد ( جمع شاهد كصاحب وأصحاب والمراد بهم من يقوم يوم القيامة الشهادة على الناس من الملائكة والأنبياء والمؤمنين غافر : ( 52 ) يوم لا ينفع . . . . . ) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ( بدل من الأول وعدم نفع المعذرة لأنها باطلة أو لأنه لم يؤذن لهم فيعتذروا وقرأ غير الكوفيين ونافع بالتاء ) ولهم اللعنة ( البعد عن الرحمة ) ولهم سوء الدار ( جهنم غافر : ( 53 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الهدى ( ما يهتدي به في الدين من المعجزات والصحف والشرائع ) وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ( وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة غافر : ( 54 ) هدى وذكرى لأولي . . . . . ) هدى وذكرى ( هداية وتذكرة أو هاديا ومذكرا ) لأولي الألباب ( لذوي العقول السليمة غافر : ( 55 ) فاصبر إن وعد . . . . . ) فاصبر ( على أذى المشركين ) إن وعد الله حق ( بالنصر لا يخلفه واستشهد بحال موسى وفرعون ) واستغفر لذنبك ( وأقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك بترك ________________________________________ " صفحة رقم 98 " الأولى والاهتمام بأمر العدا بالاستغفار فإنه تعالى كافيك في النصر إظهار الأمر ) وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ( ودم على التسبيح والتحميد لربك وقيل صل لهذين الوقتين إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وركعتين عشيا غافر : ( 56 ) إن الذين يجادلون . . . . . ) إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ( عام في كل مجادل مبطل وإن نزل في مشركي مكة واليهود حين قالوا لست صاحبنا بل هو المسيح بن داود يبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار ) إن في صدورهم إلا كبر ( إلا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم أو إرادة الرياسة أو إن النبوة والملك لا يكونان إلا لهم ) ما هم ببالغيه ( ببالغي دفع الآيات أو المراد ) فاستعذ بالله ( فالتجئ إليه ) إنه هو السميع البصير ( لأقوالكم وأفعالكم غافر : ( 57 ) لخلق السماوات والأرض . . . . . ) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ( فمن قدر على خلقها مع عظمها أولا من غير أصل قدر على خلق الإنسان ثانيا من أصل وهو بيان لا شكل ما يجادلون فيه من أمر التوحيد ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لفرط غفلتهم واتباعهم أهواءهم غافر : ( 58 ) وما يستوي الأعمى . . . . . ) وما يستوي الأعمى والبصير ( الغافل والمستبصر ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ( والمحسن والمسيء فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التفاوت وهي فيما بعد البعث وزيادة لا في المسيء لأن المقصود نفي مساواته للمحسن فيما له من الفضل والكرامة والعاطف الثاني عطف الموصول بما عطف عليه على ) الأعمى والبصير ( لتغاير الوصفين في المقصود أو الدلالة بالصراحة والتمثيل ) قليلا ما تتذكرون ( أي تذكرا ما قليلا يتذكرون والضمير للناس أو الكفار وقرأ الكوفيون بالتاء على تغليب المخاطب أو الالتفات أو أمر الرسول بالمخاطبة ________________________________________ " صفحة رقم 99 " غافر : ( 59 ) إن الساعة لآتية . . . . . ) إن الساعة لآتية لا ريب فيها ( في مجيئها لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسون به غافر : ( 60 ) وقال ربكم ادعوني . . . . . ) وقال ربكم ادعوني ( اعبدوني ) أستجب لكم ( أثبكم لقوله ) إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ( صاغرين وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلته للمبالغة أو المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها وقرأ ابن كثير وأبو بكر سيدخلون بضم الياء وفتح الخاء غافر : ( 61 ) الله الذي جعل . . . . . ) الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ( لتستريحوا فيه بأن خلقه باردا مظلما ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس ) والنهار مبصرا ( يبصر فيه أو به وإسناد الإبصار إليه مجاز فيه مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال ) إن الله لذو فضل على الناس ( لا يوازيه فضل وللإشعار به لم يقل لمفضل ) ولكن أكثر الناس لا يشكرون ( لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم غافر : ( 62 ) ذلكم الله ربكم . . . . . ) ذلكم ( المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية ) الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو ( أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقررها وقرئ خالق بالنصب على الاختصاص فيكون ) لا إله إلا هو ( استئنافا بما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة ) فأنى تؤفكون ( فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره ________________________________________ " صفحة رقم 100 " غافر : ( 63 ) كذلك يؤفك الذين . . . . . ) كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ( أي كما أفكوا أفك عن الحق كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها غافر : ( 64 ) الله الذي جعل . . . . . ) الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ( استدلال ثان بأفعال أخر مخصوصة ) وصوركم فأحسن صوركم ( بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات ) ورزقكم من الطيبات ( اللذائذ ) ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ( فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال غافر : ( 65 ) هو الحي لا . . . . . ) هو الحي ( المتفرد بالحياة الذاتية ) لا إله إلا هو ( إذ لا موجد سواه ولا موجد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته ) فادعوه ( فاعبدوه ) مخلصين له الدين ( أي الطاعة من الشرك والرياء ) الحمد لله رب العالمين ( قائلين له غافر : ( 66 ) قل إني نهيت . . . . . ) قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي ( من الحجج والآيات أو من الآيات فإنها مقوية لأدلة العقل منبهة عليها ) وأمرت أن أسلم لرب العالمين ( بأن أنقاد له أو أخلص له ديني غافر : ( 67 ) هو الذي خلقكم . . . . . ) هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ( أطفالا والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم ) ثم لتبلغوا أشدكم ( اللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا في قوله ) ثم لتكونوا شيوخا ( ويجوز عطفه على ) لتبلغوا ( وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام شيوخا بضم الشين وقرئ شيخا كقوله طفلا ) ومنكم من يتوفى من قبل ( من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد ) ولتبلغوا ( ويفعل ذلك لتبلغوا ) أجلا مسمى ( هو وقت الموت أو يوم القيامة ) ولعلكم تعقلون ( ما في ذلك من الحجج والعبر غافر : ( 68 ) هو الذي يحيي . . . . . ) هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا ( فإذا أراده ) فإنما يقول له كن فيكون ( فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة والفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد ________________________________________ " صفحة رقم 101 " غافر : ( 69 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( عن التصديق به وتكريم ذم المجادلة لتعدد المجادل أو المجادل فيه أو للتأكيد غافر : ( 70 ) الذين كذبوا بالكتاب . . . . . ) الذين كذبوا بالكتاب ( بالقرآن أو بجنس الكتب السماوية ) وبما أرسلنا به رسلنا ( من سائر الكتب أو الوحي والشرائع ) فسوف يعلمون ( جزاء تكذيبهم غافر : ( 71 ) إذ الأغلال في . . . . . ) إذ الأغلال في أعناقهم ( ظرف ل ) يعلمون ( إذ المعنى على الاستقبال والتعبير بلفظ المضي لتيقنه ) والسلاسل ( عطف على ) الأغلال ( أو مبتدأ خبره ) يسحبون ) غافر : ( 72 ) في الحميم ثم . . . . . ) في الحميم ( والعائد محذوف أي يسحبون بها وهو على الأول حال وقرئ ) والسلاسل يسحبون ( بالنصب وفتح الياء على تقديم المفعول وعطف الفعلية على الاسمية ) والسلاسل ( بالجر حملا على المعنى ) إذ الأغلال في أعناقهم ( بمعنى أعناقهم في الأغلال أو إضمار للباء ويدل عليه القراءة به ) ثم في النار يسجرون ( يحرقون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومنه السجير للصديق كأنه سجر بالحب أي ملئ والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب وينقلون من بعضها إلى بعض غافر : ( 73 - 74 ) ثم قيل لهم . . . . . ) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا ( غابوا عنا وذلك قبل أن تقرن بهم آلهتهم أو ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم ) بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ( أي بل تبين لنا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم فإنهم ليسوا شيئا يعتد به كقولك حسبته شيئا فلم يكن ) كذلك ( مثل ذلك الضلال ) يضل الله الكافرين ( حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة أو يضلهم عن آلهتهم حتى لو تطالبوا لم يتصادقوا غافر : ( 75 ) ذلكم بما كنتم . . . . . ) ذلكم ( الإضلال ) بما كنتم تفرحون في الأرض ( تبطرون وتتكبرون ) بغير الحق ( وهو الشرك والطغيان ) وبما كنتم تمرحون ( تتوسعون في الفرح والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ غافر : ( 76 ) ادخلوا أبواب جهنم . . . . . ) ادخلوا أبواب جهنم ( الأبواب السبعة المقسومة لكم ) خالدين فيها ( مقدرين الخلود ) فبئس مثوى المتكبرين ( عن الحق جهنم وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولكن لما كان الدخول المقيد بالخلود بسبب الثواء عبر بالمثوى ________________________________________ " صفحة رقم 102 " غافر : ( 77 ) فاصبر إن وعد . . . . . ) فاصبر إن وعد الله ( بهلاك الكافرين ) حق ( كائن لا محالة ) فإما نرينك ( فإن نرك وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع أن وحدها ) بعض الذي نعدهم ( وهو القتل والأسر ) أو نتوفينك ( قبل أن تراه ) فإلينا يرجعون ( يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم وهو جواب ) نتوفينك ( وجواب ) نرينك ( محذوف مثل فذاك ويجوز أن يكون جوابا لهما بمعنى إن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض غافر : ( 78 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . . ) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ( إذ قيل عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والمذكور قصصهم أشخاص معدودة ) وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها ) فإذا جاء أمر الله ( بالعذاب في الدنيا أو الآخرة ) قضي بالحق ( بإنجاء المحق وتعذيب المبطل ) وخسر هنالك المبطلون ( المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها غافر : ( 79 ) الله الذي جعل . . . . . ) الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ( فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإبل والبقر غافر : ( 80 ) ولكم فيها منافع . . . . . ) ولكم فيها منافع ( كالألبان والجلود والأوبار ) ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( بالمسافرة عليها ) وعليها ( في البر ) وعلى الفلك ( في البحر ) تحملون ( وإنما قال ) وعلى الفلك ( ولم يقل في الفلك للمزاوجة وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة أو للفرق بين العين والمنفعة ________________________________________ " صفحة رقم 103 " غافر : ( 81 ) ويريكم آياته فأي . . . . . ) ويريكم آياته ( دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته ) فأي آيات الله ( أي فأي آية من تلك الآيات ) تنكرون ( فإنها لظهورها لا تقبل الإنكار وهو ناصب أي إذا لو قدرته متعلقا بضميره كان الأولى رفعة والتفرقة بالتاء في أي أغرب منها في الأسماء غير الصفات لإبهامه غافر : ( 82 ) أفلم يسيروا في . . . . . ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض ( ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( ما الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به غافر : ( 83 ) فلما جاءتهم رسلهم . . . . . ) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات أو الآيات الواضحات ) فرحوا بما عندهم من العلم ( واستحقروا علم الرسل والمراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة كقوله ) بل ادارك علمهم في الآخرة ( وهو قولهم لا نبعث ولا نعذب وما أظن الساعة قائمة ونحوها وسماها علما على زعمهم تهكما بهم أو علم الطبائع والتنجيم والصنائع ونحو ذلك أو علم الأنبياء وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وقيل الفرح أيضا للرسل فإنهم لما رأوا تمادي جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم غافر : ( 84 ) فلما رأوا بأسنا . . . . . ) فلما رأوا بأسنا ( شدة عذابنا ) قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( يعنون الأصنام غافر : ( 85 ) فلم يك ينفعهم . . . . . ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال ) لم يك ( بمعنى لم يصح ولم يستقم والفاء الأولى لأن قوله ) فما أغنى ( كالنتيجة لقوله ) كانوا أكثر منهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 104 " والثانية لأن قوله ) فلما جاءتهم رسلهم ( كالتفسير لقوله ) فما أغنى ( والباقيتان لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل وامتناع نفي الإيمان مسبب عن الرؤية ) سنة الله التي قد خلت في عباده ( أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وهي من المصادر المؤكدة ) وخسر هنالك الكافرون ( أي وقت رؤيتهم البأس اسم مكان استعير للزمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له ________________________________________ " صفحة رقم 105 " سورة فصلت مكية وآيها ثلاث أو أربع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم فصلت : ( 1 - 3 ) حم ) حم ( إن جعلته مبتدأ فخبره ) تنزيل من الرحمن الرحيم ( وإن جعلته تعديدا للحروف ف ) تنزيل ( خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره ) كتاب ( وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف ولعل افتتاح هذه السور السبع ب ) حم ( وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى وإضافة ال ) تنزيل ( إلى ) الرحمن الرحيم ( للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية ) فصلت آياته ( ميزت باعتبار اللفظ والمعنى وقرئ ) فصلت ( أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني أو فصلت بين الحق والباطل ) قرآنا عربيا ( نصب على المدح أو الحال من ) فصلت ( وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه ) لقوم يعلمون ( أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر وهو صفة أخرى ل ) قرآنا ( أو صلة ل ) تنزيل ( أو ل ) فصلت ( والأول أولى لوقوعه بين الصفات فصلت : ( 4 ) بشيرا ونذيرا فأعرض . . . . . ) بشيرا ونذيرا ( للعاملين به والمخالفين له وقرئا بالرفع على الصفة لل ) كتاب ( أو الخبر لمحذوف ) فأعرض أكثرهم ( عن تدبره وقبوله ) فهم لا يسمعون ( سماع تأمل وطاعة فصلت : ( 5 ) وقالوا قلوبنا في . . . . . ) وقالوا قلوبنا في أكنة ( أغطية جمع كنان ) مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ( صمم ________________________________________ " صفحة رقم 106 " وأصله الثقل وقرئ بالكسر ) ومن بيننا وبينك حجاب ( يمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) فاعمل ( على دينك أو في إبطال أمرنا ) إننا عاملون ( على ديننا أو في إبطال أمرك فصلت : ( 6 ) قل إنما أنا . . . . . ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل ) فاستقيموا إليه ( فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص في العمل ) واستغفروه ( مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ثم هددهم على ذلك فقال ) وويل للمشركين ( من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله فصلت : ( 7 ) الذين لا يؤتون . . . . . ) الذين لا يؤتون الزكاة ( لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة ) وهم بالآخرة هم كافرون ( حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة فصلت : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر ( عظيم ) غير ممنون ( لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون ________________________________________ " صفحة رقم 107 " فصلت : ( 9 ) قل أئنكم لتكفرون . . . . . ) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( في مقدار يومين أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ولعل المراد من ) الأرض ( ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها ) في يومين ( أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته ) وتجعلون له أندادا ( ولا يصح أن يكون له ند ) ذلك ( الذي ) خلق الأرض في يومين ( ) رب العالمين ( خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها فصلت : ( 10 ) وجعل فيها رواسي . . . . . ) وجعل فيها رواسي ( استئناف غير معطوف على ) خلق ( للفصل بما هو خارج عن الصلة ) من فوقها ( مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب ) وبارك فيها ( وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان ) وقدر فيها أقواتها ( أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها وقرىء وقسم فيها أقواتها ) في أربعة أيام ( في تتمة أربعة أيام كقولك سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى ________________________________________ " صفحة رقم 108 " الكوفة في خمسة عشر يوما ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين والتصريح على الفذلكة ) سواء ( أي استوت سواء بمعنى استواء والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها وقرىء بالرفع على هي سواء ) للسائلين ( متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها فصلت : ( 11 ) ثم استوى إلى . . . . . ) ثم استوى إلى السماء ( قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها ) وهي دخان ( أمر ظلماني ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها ) فقال لها وللأرض ائتيا ( بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة أو ) ائتيا ( في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة أو الإخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما ويؤيده قراءة آتيا في المؤاتاة أي لتوافق كل واحدة أختها فيما أردت منكما ) طوعا أو كرها ( ________________________________________ " صفحة رقم 109 " شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما وهما مصدران وقعا موقع الحال ) قالتا أتينا طائعين ( منقادين بالذات والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله ) كن فيكون ( وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله ) ساجدين ) فصلت : ( 12 ) فقضاهن سبع سماوات . . . . . ) فقضاهن سبع سماوات ( فخلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن والضمير ل ) السماء ( على المعنى أو مبهم و ) سبع سماوات ( حال على الأول وتمييز على الثاني ) في يومين ( قيل خلق السموات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة ) وأوحى في كل سماء أمرها ( شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختيارا أو طبعا وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره ونواهيه ) وزينا السماء الدنيا بمصابيح ( فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها ) وحفظا ( أي وحفظناها من الآفات أو من المسترقة حفظا وقيل مفعول له على المعنى كأنه قال وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظا ) ذلك تقدير العزيز العليم ( البالغ في القدرة والعلم فصلت : ( 13 ) فإن أعرضوا فقل . . . . . ) فإن أعرضوا ( عن الإيمان بعد هذا البيان ) فقل أنذرتكم صاعقة ( فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة ) مثل صاعقة عاد وثمود ( وقرىء صعقة مثل ________________________________________ " صفحة رقم 110 " صعقة عاد وثمود وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقته الصاعقة صعقا فصعق صعقا فصلت : ( 14 ) إذ جاءتهم الرسل . . . . . ) إذ جاءتهم الرسل ( حال من ) صاعقة عاد ( ولا يجوز جعله صفة ل ) صاعقة ( أو ظرفا ل ) أنذرتكم ( لفساد المعنى ) من بين أيديهم ومن خلفهم ( أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة وكل من اللفظين يحتملهما أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإيمان بهم أجمعين ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى ) يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ( ) ألا تعبدوا إلا الله ( بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا ) قالوا لو شاء ربنا ( إرسال الرسل ) لأنزل ملائكة ( برسالته ) فإنا بما أرسلتم به ( على زعمكم ) كافرون ( إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا فصلت : ( 15 ) فأما عاد فاستكبروا . . . . . ) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ( فتعظموا فيها على أهلها من غير ________________________________________ " صفحة رقم 111 " استحقاق ) وقالوا من أشد منا قوة ( اغترارا بقوتهم وشوكتهم قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده ) أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ( قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره ) وكانوا بآياتنا يجحدون ( يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على ) فاستكبروا ) فصلت : ( 16 ) فأرسلنا عليهم ريحا . . . . . ) فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ( باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير ) في أيام نحسات ( جمع نحسة من نحس نحسا نقيص سعد سعدا وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل أو الوصف بالمصدر قيل كان آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء ) لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ( أضاف ال ) عذاب ( إلى ) الخزي ( وهو الذل على قصد وصفة به لقوله ) ولعذاب الآخرة أخزى ( وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ) وهم لا ينصرون ( بدفع العذاب عنهم فصلت : ( 17 ) وأما ثمود فهديناهم . . . . . ) وأما ثمود فهديناهم ( فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل وقرىء ) ثمود ( بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنونا في الحالين وبضم الثاء ) فاستحبوا العمى على الهدى ( فاختاروا الضلالة على الهدى ) فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ( صاعقة من السماء فأهلكتهم وإضافتها إلى ) العذاب ( ووصفه ب ) الهون ( للمبالغة ) بما كانوا يكسبون ( من اختيار الضلالة ________________________________________ " صفحة رقم 112 " فصلت : ( 18 ) ونجينا الذين آمنوا . . . . . ) ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ( من تلك الصاعقة فصلت : ( 19 ) ويوم يحشر أعداء . . . . . ) ويوم يحشر أعداء الله إلى النار ( وقرىء يحشر على البناء للفاعل وهو الله عز وجل وقرأ نافع نحشر بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب ) أعداء ( ) فهم يوزعون ( يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار فصلت : ( 20 ) حتى إذا ما . . . . . ) حتى إذا ما جاؤوها ( إذا حضروها و ) ما ( مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور ) شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ( بأن ينطقها الله تعالى أو يظهر عليها آثارا تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال فصلت : ( 21 ) وقالوا لجلودهم لم . . . . . ) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ( سؤال توبيخ أو تعجب ولعل المراد به نفس التعجب ) قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ( أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي ولو أول الجواب والنطق بدلالة الحال بقي الشيء عاما في الموجودات الممكنة ) وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ( يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافا فصلت : ( 22 ) وما كنتم تستترون . . . . . ) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ( أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب ) ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ( فلذلك اجترأتم على ما فعلتم فصلت : ( 23 ) وذلكم ظنكم الذي . . . . . ) وذلكم ( إشارة إلى ظنهم هذا وهو مبتدأ وقوله ) ظنكم الذي ظننتم ( بدلا و ) أرداكم ( خبران له ويجوز أن يكون ) ظنكم ( بدلا و ) أرداكم ( خبرا ) فأصبحتم من الخاسرين ( إذ صار ما منحوا للاستسعاد في الدارين سببا لشقاء المنزلين ________________________________________ " صفحة رقم 113 " فصلت : ( 24 ) فإن يصبروا فالنار . . . . . ) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ( لا خلاص لهم عنها ) وإن يستعتبوا ( يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون ) فما هم من المعتبين ( المجابين إليها ونظيره قوله تعالى حكاية ) أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ( وقرىء ) وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ( أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة فصلت : ( 25 ) وقيضنا لهم قرناء . . . . . ) وقيضنا ( وقدرنا ) لهم ( للكفرة ) قرناء ( أخذانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعاوضة ) فزينوا لهم ما بين أيديهم ( من أمر الدنيا واتباع الشهوات ) وما خلفهم ( من أمر الآخرة وإنكاره ) وحق عليهم القول ( أي كلمة العذاب ) في أمم ( في جملة أمم كقول الشاعر " إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا " وهو حال من الضمير المجرور ) قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ( وقد عملوا مثل أعمالهم ) إنهم كانوا خاسرين ( تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير ) لهم ( ولل ) أمم ) فصلت : ( 26 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ( وعارضوه بالخرافات أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارىء وقرىء بضم الغين والمعنى واحد يقال لغى يلغي ولغا يلغو إذا هذى ) لعلكم تغلبون ( أي تغلبونه على قراءته فصلت : ( 27 ) فلنذيقن الذين كفروا . . . . . ) فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ( المراد بهم هؤلاء القائلون أو عامة الكفار ) ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ( سيئات أعمالهم وقد سبق مثله ________________________________________ " صفحة رقم 114 " فصلت : ( 28 ) ذلك جزاء أعداء . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى الأسوأ ) جزاء أعداء الله ( خبره ) النار ( عطف بيان لل ) جزاء ( أو خبر محذوف ) لهم فيها ( في النار ) دار الخلد ( فإنها دار إقامتهم وهو كقولك في هذه الدار دار سرور وتعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة ) جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ( ينكرون الحق أو يلغون وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو فصلت : ( 29 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ( يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسوسي ) أرنا ( بالتخفيف كفخذ في فخذ وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء ) نجعلهما تحت أقدامنا ( ندوسهما انتقاما منهما وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل ) ليكونا من الأسفلين ( مكانا أو ذلا فصلت : ( 30 ) إن الذين قالوا . . . . . ) إن الذين قالوا ربنا الله ( اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ) ثم استقاموا ( في العمل ) ثم ( لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها ) تتنزل عليهم الملائكة ( فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن أو الخروج من القبر ) ألا تخافوا ( ما تقدمون عليه ) ولا تحزنوا ( على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة ________________________________________ " صفحة رقم 115 " بالباء أو مفسرة ) وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( في الدنيا على لسان الرسل فصلت : ( 31 ) نحن أولياؤكم في . . . . . ) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا ( نلهمكم الحق ونحملكم على الخير بدل ما كانت الشياطين تفعل بالكفرة ) وفي الآخرة ( بالشفاعة والكرامة حيثما يتعادى الكفرة وقرناؤهم ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الأول فصلت : ( 32 ) نزلا من غفور . . . . . ) نزلا من غفور رحيم ( حال من ما تدعون للإشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف فصلت : ( 33 ) ومن أحسن قولا . . . . . ) ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ( إلى عبادته ) وعمل صالحا ( فيما بينه وبين ربه ) وقال إنني من المسلمين ( تفاخرا به واتخاذا للإسلام دينا ومذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات وقيل نزلت في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل في المؤذنين فصلت : ( 34 ) ولا تستوي الحسنة . . . . . ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ( في الجزاء وحسن العاقبة و ) لا ( الثانية مزيدة لتأكيد النفي ) ادفع بالتي هي أحسن ( ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات وإنما أخرجه مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال كيف أصنع للمبالغة ولذلك وضع ) أحسن ( موضع الحسنة ) فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق فصلت : ( 35 ) وما يلقاها إلا . . . . . ) وما يلقاها ( وما يلقى هذه السجية وهي مقابلته الإساءة بالإحسان ) إلا الذين صبروا ( ________________________________________ " صفحة رقم 116 " فإنها تحبس النفس عن الانتقام ) وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ( من الخير وكمال النفس وقيل الحظ الجنة فصلت : ( 36 ) وإما ينزغنك من . . . . . ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ وجعل النزاغ نازغا على طريقة جديدة أو أريد به نازغ وصفا للشيطان بالمصدر ) فاستعذ بالله ( من شره ولا تطعه ) إنه هو السميع ( لاستعاذتك ) العليم ( بنيتك أو بصلاحك فصلت : ( 37 ) ومن آياته الليل . . . . . ) ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ( لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم ) واسجدوا لله الذي خلقهن ( الضمير للأربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما إشعارا بأنهما من عدادما لا يعلم ولا يختار ) إن كنتم إياه تعبدون ( فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به وعند أبي حنيفة آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى فصلت : ( 38 ) فإن استكبروا فالذين . . . . . ) فإن استكبروا ( عن الامتثال ) فالذين عند ربك ( من الملائكة ) يسبحون له بالليل والنهار ( أي دائما لقوله ) وهم لا يسأمون ( أي لا يملون فصلت : ( 39 ) ومن آياته أنك . . . . . ) ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ( يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل ) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ( تزخرفت وانتفخت بالنبات وقرىء ربأت أي زادت ) إن الذي أحياها ( بعد موتها ) لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ( من الإحياء والإماتة فصلت : ( 40 ) إن الذين يلحدون . . . . . ) إن الذين يلحدون ( يميلون عن الاستقامة ) في آياتنا ( بالطعن والتحريف والتأويل الباطل والإلغاء فيها ) لا يخفون علينا ( فنجازيهم على إلحادهم ) أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ( قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمنا مبالغة في إحماد حال المؤمنين ) اعملوا ما شئتم ( تهديد شديد ) إنه بما تعملون بصير ( وعيد بالمجازاة فصلت : ( 41 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ( بدل من قوله ) إن الذين يلحدون في آياتنا ( ________________________________________ " صفحة رقم 117 " أو مستأنف وخبر ) إن ( محذوف مثل معاندون أو هالكون أو ) أولئك ينادون ( والذكر القرآن ) وإنه لكتاب عزيز ( كثير النفع عديم النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله وتحريفه فصلت : ( 42 ) لا يأتيه الباطل . . . . . ) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات أو مما فيه من الأخبار الماضية والأمور الآتية ) تنزيل من حكيم ( أي حكيم ) حميد ( يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه فصلت : ( 43 ) ما يقال لك . . . . . ) ما يقال لك ( أي ما يقول لك كفار قومك ) إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ( إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم ويجوز أن يكون المعنى ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم ) إن ربك لذو مغفرة ( لأنبيائه ) وذو عقاب أليم ( لأعدائهم وهو على الثاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى أن حاصل ما أوحي إليك وإليهم وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة فصلت : ( 44 ) ولو جعلناه قرآنا . . . . . ) ولو جعلناه قرآنا أعجميا ( جواب لقولهم هلا أنزل القرآن بلغة العجم والضمير للذكر ) لقالوا لولا فصلت آياته ( بينت بلسان نفقهه ) أأعجمي وعربي ( أكلام أعجمي ومخاطب عربي إنكار مقرر للتخصيص والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه وهذا قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي وقرأ قالون وأبو عمرو بالمد والتسهيل وورش بالمد وإبدال الثانية ألفا وابن كثير وابن ذكوان وحفص بغير المد بتسهيل الثانية وقرئ أعجمي وهو منسوب إلى العجم وقرأ هشام أعجمي على الإخبار وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب والمقصود إبطال مقترحهم باستلزامه المحذور أو للدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت في الآيات كيف جاءت ) قل هو للذين آمنوا هدى ( إلى الحق ) وشفاء ( لما في الصدور في الشك والشبه ) والذين لا يؤمنون ( مبتدأ خبره ) في آذانهم وقر ( على تقدير هو في ) آذانهم وقر ( لقوله ) وهو عليهم عمى ( وذلك لتصامهم عن سماعه وتعاميهم عما يريهم ________________________________________ " صفحة رقم 118 " من الآيات ومن جوز العطف على عاملين مختلفين عطف ذلك على ) للذين آمنوا هدى ( ) أولئك ينادون من مكان بعيد ( أي صم وهو تمثيل لهم في عدم قبولهم الحق واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة فصلت : ( 45 ) ولقد آتينا موسى . . . . . ) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ( بالتصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ أو تقدير الآجال ) لقضي بينهم ( باستئصال المكذبين ) وأنهم ( وإن اليهود أو ) الذين لا يؤمنون ( ) لفي شك منه ( من التوراة أو القرآن ) مريب ( موجب للاضطراب فصلت : ( 46 ) من عمل صالحا . . . . . ) من عمل صالحا فلنفسه ( نفعه ) ومن أساء فعليها ( ضره ) وما ربك بظلام للعبيد ( فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله فصلت : ( 47 ) إليه يرد علم . . . . . ) إليه يرد علم الساعة ( أي إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو ) وما تخرج من ثمرات من أكمامها ( من أوعيتها جمع كم بالكسر وقرأ نافع وابن عامر وحفص من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع وقرئ بجمع الضمير أيضا و ) ما ( نافية و ) من ( الأولى مزيدة للاستغراق ويحتمل أن تكون موصولة معطوفة على ) الساعة ( و ) من ( مبينة بخلاف قوله ) وما تحمل من أنثى ولا تضع ( بمكان ) إلا بعلمه ( إلا مقرونا بعلمه واقعا حسب تعلقه به ) ويوم يناديهم أين شركائي ( بزعمكم ) قالوا آذناك ( أعلمناك ) ما منا من شهيد ( من أحد يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا عنهم لما عاينا الحال فيكون السؤال عنهم للتوبيخ أو من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا وقيل هو قول الشركاء أي ما منا من يشهد لهم بأنهم كانوا محقين ________________________________________ " صفحة رقم 119 " فصلت : ( 48 ) وضل عنهم ما . . . . . ) وضل عنهم ما كانوا يدعون ( يعبدون ) من قبل ( لا ينفعهم أو لا يرونه ) وظنوا ( وأيقنوا ) ما لهم من محيص ( مهرب والظن معلق عنه بحرف النفي فصلت : ( 49 ) لا يسأم الإنسان . . . . . ) لا يسأم الإنسان ( لا يمل ) من دعاء الخير ( من طلب السعة في النعمة وقرئ من دعاء بالخير ) وإن مسه الشر ( الضيقة ) فيؤوس قنوط ( من فضل الله ورحمته وهذا صفة الكافر لقوله ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( وقد يولغ في يأسه من جهة البنية والتكرير وما في القنوط من ظهور أثر اليأس فصلت : ( 50 ) ولئن أذقناه رحمة . . . . . ) ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ( بتفريجها عنه ) ليقولن هذا لي ( حقي أستحقه لمالي من الفضل والعمل أولي دائما لا يزول ) وما أظن الساعة قائمة ( تقوم ) ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه ) فلننبئن الذين كفروا ( فلنخبرنهم ) بما عملوا ( بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم عكس ما اعتقدوا فيها ) ولنذيقنهم من عذاب غليظ ( لا يمكنهم التقصي عنه فصلت : ( 51 ) وإذا أنعمنا على . . . . . ) وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ( عن الشكر ) ونأى بجانبه ( وانحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله ) في جنب الله ( ) وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ( كثير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله فصلت : ( 52 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم ( أخبروني ) إن كان ( أي القرآن ) من عند الله ثم كفرتم به ( من غير نظر واتباع دليل ) من أضل ممن هو في شقاق بعيد ( أي من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم ________________________________________ " صفحة رقم 120 " فصلت : ( 53 ) سنريهم آياتنا في . . . . . ) سنريهم آياتنا في الآفاق ( يعني ما أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة ) وفي أنفسهم ( ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة ) حتى يتبين لهم أنه الحق ( الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو الله ) أولم يكف بربك ( أي أو لم يكف ربك والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى ) أنه على كل شيء شهيد ( بدل منه والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة أو مطلع فيعلم حالك وحالهم أو لم يكف الإنسان رادعا عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية فصلت : ( 54 ) ألا إنهم في . . . . . ) ألا إنهم في مرية ( شك وقرىء بالضم وهو لغة كخفية وخفية ) من لقاء ربهم ( بالبعث والجزاء ) ألا إنه بكل شيء محيط ( عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها مقتدر عليها لا يفوته شيء منها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات ________________________________________ " صفحة رقم 121 " سورة الشورى مكية وهي ثلاث وخمسون آية وتسمى سورة الشورى بسم الله الرحمن الرحيم الشورى : ( 1 - 2 ) حم ) حم ( ) عسق ( لعله اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين وإن كانا اسما واحدا فالفصل ليطابق سائر الحواميم وقرىء حم سق الشورى : ( 3 ) كذلك يوحي إليك . . . . . ) كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( أي مثل ما في هذه السورة من المعاني أو إيحاء مثل إيحائها أوحى الله إليك وإلى الرسل من قبلك وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته وقرأ ابن كثير يوحى بالفتح على أن كذلك مبتدأ ويوحى خبره المسند إلى ضميره أو مصدر و يوحى مسند إلى إليك و ) الله ( مرتفع بما دل عليه يوحى و ) العزيز الحكيم ( صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة أو بالابتداء كما في قراءة نوحي بالنون و ) العزيز ( وما بعده أخبار أو ) العزيز الحكيم ( صفتان الشورى : ( 4 ) له ما في . . . . . وقوله ) له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ( خبران له وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرر لعزته وحكمته الشورى : ( 5 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . . ) تكاد السماوات ( وقرأ نافع والكسائي بالياء ) يتفطرن ( يتشققن من عظمة الله وقيل من ادعاء الولد له وقرأ البصريان وأبو بكر ينفطرن بالنون والأول أبلغ لأنه مطاوع ________________________________________ " صفحة رقم 122 " فطر وهذا مطاوع فطر وقرىء تتفطرن بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر ) من فوقهن ( أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية وتخصيصها على الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على علو شأنه من تلك الجهة وعلى الثاني ليدل على الانفطار من تحتهن بالطريق الأولى وقيل الضمير للأرض فإن المراد بها الجنس ) والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ( بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة وذلك في الجملة يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد وحيث خص بالمؤمنين فالمراد به الشفاعة ) ألا إن الله هو الغفور الرحيم ( إذ ما من مخلوق إلا وهو ذو حظ من رحمته والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته وعلى الثاني دلالة على تقدسه عما نسب إليه وإن عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفران الله ورحمته الشورى : ( 6 ) والذين اتخذوا من . . . . . ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( شركاء وأندادا ) الله حفيظ عليهم ( رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها ) وما أنت ( يا محمد ) عليهم بوكيل ( بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم الشورى : ( 7 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . . ) وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ( الإشارة إلى مصدر ) يوحى ( أو إلى معنى الآية المتقدمة فإنه مكرر في القرآن في مواضع جمة فتكون الكاف مفعولا به و ) قرآنا عربيا ( حال منه ) لتنذر أم القرى ( أهل أم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى ) ومن حولها ( من العرب ) وتنذر يوم الجمع ( يوم القيامة يجمع فيه الخلائق أو الأرواح أو الأشباح أو العمال والأعمال وحذف ثاني مفعول الأول وأول مفعولي الثاني للتهويل وإبهام التعميم وقرىء لينذر بالياء والفعل للقرآن ) لا ريب فيه ( اعتراض لا محل له من الإعراب ) فريق في الجنة وفريق في السعير ( أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أولا ثم يفرقون والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه وقرئا منصوبين ________________________________________ " صفحة رقم 123 " على الحال منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين بمعنى مشارفين للتفرق أو متفرقين في داري الثواب والعقاب الشورى : ( 8 ) ولو شاء الله . . . . . ) ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ( مهتدين أو ضالين ) ولكن يدخل من يشاء في رحمته ( بالهداية والحمل على الطاعة ) والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ( أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإنذار الشورى : ( 9 ) أم اتخذوا من . . . . . ) أم اتخذوا ( بل اتخذوا ) من دونه أولياء ( كالأصنام ) فالله هو الولي ( جواب لشرط محذوف مثل إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق ) وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ( كالتقرير لكونه حقيقا بالولاية الشورى : ( 10 ) وما اختلفتم فيه . . . . . ) وما اختلفتم ( أنتم والكفار ) فيه من شيء ( من أمر من أمور الدنيا أو الدين ) فحكمه إلى الله ( مفوض إليه يميزالمحق من المبطل بالنصر أو بالإثابة والمعاقبة وقيل ) وما اختلفتم فيه ( من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله ) ذلكم الله ربي عليه توكلت ( في مجامع الأمور ) وإليه أنيب ( إليه أرجع في المعضلات الشورى : ( 11 ) فاطر السماوات والأرض . . . . . ) فاطر السماوات والأرض ( خبر آخر ل ) ذلكم ( أو مبتدأ خبره ) جعل لكم ( وقرىء بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله ) من أنفسكم ( من جنسكم ) أزواجا ( نساء ) ومن الأنعام أزواجا ( أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجا أو خلق لكم من الأنعام أصنافا أو ذكورا وأناثا ) يذرؤكم ( يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس و ) الأنعام ( على تغليب المخاطبين العقلاء ) فيه ( في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد فإنه كالمنبع للبث والتكثير ) ليس كمثله شيء ( أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه والمراد من مثله ذاته ________________________________________ " صفحة رقم 124 " كما في قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاتهومن قال الكاف فيه زائدة لعله عني أنه يعطى معنى ) ليس كمثله ( غير أنه آكد لما ذكرناهوقيل مثله صفته أي ليس كصفته صفة ) وهو السميع البصير ( لكل ما يسمع و يبصر الشورى : ( 12 ) له مقاليد السماوات . . . . . ) له مقاليد السماوات والأرض ( خزائنها ) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( يوسع ويضيق على وقف مشيئته ) إنه بكل شيء عليم ( فيفعله على ما ينبغي الشورى : ( 13 ) شرع لكم من . . . . . ) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ( أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله ) أن أقيموا الدين ( وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول ) شرع ( أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به ) ولا تتفرقوا فيه ( ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة ________________________________________ " صفحة رقم 125 " كما قال ) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( ) كبر على المشركين ( عظم عليهم ) ما تدعوهم إليه ( من التوحيد ) الله يجتبي إليه من يشاء ( يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين ) ويهدي إليه ( بالإشارة والتوفيق من ينسب يقبل إليه الشورى : ( 14 ) وما تفرقوا إلا . . . . . ) وما تفرقوا ( يعني الأمم السالفة وقيل أهل الكتاب لقوله ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ( ) إلا من بعد ما جاءهم العلم ( العلم أن التفرق ضلال متوعد عليه أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها ) بغيا بينهم ( عداوة أو طلبا للدنيا ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( بالإمهال ) إلى أجل مسمى ( هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة ) لقضي بينهم ( باستئصال المبطلين حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا ) وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم ( يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب وقرىء ورثوا و ورثوا ) لفي شك منه ( من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان أو من القرآن ) مريب ( مقلق أو مدخل في الريبة الشورى : ( 15 ) فلذلك فادع واستقم . . . . . ) فلذلك ( فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب أو العلم الذي أوتيته ) فادع ( إلى الاتفاق على الملة الحنفية أو الاتباع لما أوتيت وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإفادة الصلة والتعليل ) واستقم كما أمرت ( واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى ) ولا تتبع أهواءهم ( الباطلة ) وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ( يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ) وأمرت لأعدل بينكم ( في تبليغ الشرائع والحكومات والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية ) الله ربنا وربكم ( خالق الكل ومتولي إمره ) لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ( وكل مجازى بعمله ) لا حجة بيننا وبينكم ( لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ________________________________________ " صفحة رقم 126 " ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد ) الله يجمع بيننا ( يوم القيامة ) وإليه المصير ( مرجع الكل لفصل القضاء وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسا حتى تكون منسوخة بآية القتال الشورى : ( 16 ) والذين يحاجون في . . . . . ) والذين يحاجون في الله ( في دينه ) من بعد ما استجيب له ( من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه أو من بعد ما استجاب الله لرسوله فأظهر دينه بنصرة يوم بدر أو من بعد ما استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته واستفتحوا به ) حجتهم داحضة عند ربهم ( زائلة باطلة ) وعليهم غضب ( لمعاندتهم ) ولهم عذاب شديد ( على كفرهم الشورى : ( 17 ) الله الذي أنزل . . . . . ) الله الذي أنزل الكتاب ( جنس الكتاب ) بالحق ( ملتبسا بعيدا من الباطل أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام ) والميزان ( والشرع الذي توزن به الحقوق ويسوي بين الناس أو العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن بأن أوحى بإعدادها ) وما يدريك لعل الساعة قريب ( إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاءك وقيل تذكير القريب لأنه بمعنى ذات قرب أو لأن الساعة بمعنى البعث الشورى : ( 18 ) يستعجل بها الذين . . . . . ) يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ( استهزاء ) والذين آمنوا مشفقون منها ( خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب ) ويعلمون أنها الحق ( أي الكائن لا محالة ) ألا إن الذين يمارون في الساعة ( يجادلون فيها من المرية أو من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة ) لفي ضلال بعيد ( عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات فمن لم يهتد لتجويزه فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه الشورى : ( 19 ) الله لطيف بعباده . . . . . ) الله لطيف بعباده ( بر بهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام ) يرزق من يشاء ( أي يرزقه كما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته ) وهو القوي ( الباهر القدرة ) العزيز ( المنيع الذي لا يغلب ________________________________________ " صفحة رقم 127 " الشورى : ( 20 ) من كان يريد . . . . . ) من كان يريد حرث الآخرة ( ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة والحرث في الأصل إلقاء البذرفي الأرض ويقال للزرع الحاصل منه ) نزد له في حرثه ( فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها ) ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( شيئا منها على ما قسمنا له ) وما له في الآخرة من نصيب ( إذ الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى الشورى : ( 21 ) أم لهم شركاء . . . . . ) أم لهم شركاء ( بل ألهم شركاء والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم ) شرعوا لهم ( بالتزيين ) من الدين ما لم يأذن به الله ( كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به أو صور من سنة لهم ) ولولا كلمة الفصل ( أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة ) لقضي بينهم ( بين الكافرين والمؤمنين أو المشركين وشركائهم ) وإن الظالمين لهم عذاب أليم ( وقرىء أن بالفتح عطفا على كلمة ) الفصل ( أي ) ولولا كلمة الفصل ( وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة الشورى : ( 22 ) ترى الظالمين مشفقين . . . . . ) ترى الظالمين ( في القيامة ) مشفقين ( خائفين ) مما كسبوا ( من السيئات ) وهو واقع بهم ( أي وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ( في أطيب بقاعها وأنزهها ) لهم ما يشاؤون عند ربهم ( أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم ) ذلك ( إشارة إلى المؤمنين ) هو الفضل الكبير ( الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا الشورى : ( 23 ) ذلك الذي يبشر . . . . . ) ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( ذلك الثواب الذي ________________________________________ " صفحة رقم 128 " يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي يبشر من بشره وقرىء يبشر من أبشره ) قل لا أسألكم عليه ( على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة ) أجرا ( نفعا منكم ) إلا المودة في القربى ( أي تودوني لقرابتي منكم أو تودوا قرابتي وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لا أسألكم أجرا قط ولكني أسالكم المودة و ) في القربى ( حال منها أي ) إلا المودة ( ثابتة في ذوي ) القربى ( متمكنة في أهلها أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء في الحديث الحب في الله والبغض في الله روي أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال علي وفاطمة وابناهما وقيل ) القربى ( التقرب إلى الله أي إلا تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح وقرىء إلا مودة في القربى ) ومن يقترف حسنة ( ومن يكتسب طاعة سيما حب آل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 129 " وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومودته لهم ) نزد له فيها حسنا ( في الحسنة بمضاعفة الثواب وقرىء يزد أي يزد الله وحسنى ) إن الله غفور ( لمن أذنب ) شكور ( لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة الشورى : ( 24 ) أم يقولون افترى . . . . . ) أم يقولون ( بل أيقولون ) افترى على الله كذبا ( افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن ) فإن يشأ الله يختم على قلبك ( استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترىء عليه من كان مختوما على قلبه جاهلا بربه فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا وكأنه قال إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترىء بالافتراء عليه وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم ) ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور ( استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن أو بقضائه الذي لا مرد له وسقوط الواو من ) يمحو ( في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله تعالى ) ويدع الإنسان بالشر ) الشورى : ( 25 ) وهو الذي يقبل . . . . . ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( بالتجاوز عما تابوا عنه والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإبانة وقد عرفت حقيقة التوبة وعن علي رضي الله تعالى عنه هي اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته ________________________________________ " صفحة رقم 130 " ) ويعفو عن السيئات ( صغيرها وكبيرها لمن يشاء ) ويعلم ما تفعلون ( فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة وقرأ الكوفيون غير أبي بكر ما تفعلون بالتاء الشورى : ( 26 ) ويستجيب الذين آمنوا . . . . . ) ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في ) وإذا كالوهم ( والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل الدعاء الحمد لله أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها ) ويزيدهم من فضله ( على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة ) والكافرون لهم عذاب شديد ( بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل الشورى : ( 27 ) ولو بسط الله . . . . . ) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ( لتكبروا وأفسدوا فيها بطرا أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية ) ولكن ينزل بقدر ( بتقدير ) ما يشاء ( كما اقتضته مشيئته ) إنه بعباده خبير بصير ( يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا ________________________________________ " صفحة رقم 131 " الشورى : ( 28 ) وهو الذي ينزل . . . . . ) وهو الذي ينزل الغيث ( المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ينزل بالتشديد ) من بعد ما قنطوا ( أيسوا منه وقرئ بكسر النون ) وينشر رحمته ( في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان ) وهو الولي ( الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته ) الحميد ( المستحق للحمد على ذلك الشورى : ( 29 ) ومن آياته خلق . . . . . ) ومن آياته خلق السماوات والأرض ( فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم ) وما بث فيهما ( عطف على ) السماوات ( أو ال ) خلق ( ) من دابة ( من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيها في الجملة ) وهو على جمعهم إذا يشاء ( أي في أي وقت يشاء ) قدير ( متمكن منه و ) إذا ( كما ادخل على الماضي تدخل على المضارع الشورى : ( 30 ) وما أصابكم من . . . . . ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( فبسبب معاصيكم والفاء لأن ) ما ( شرطية أو متضمنة معناه ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية ) ويعف عن كثير ( من الذنوب فلا يعاقب عليها والآية مخصوصة بالمجرمين فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعرضه للأجر العظيم بالصبر عليه الشورى : ( 31 ) وما أنتم بمعجزين . . . . . ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ( فائتين ما قضى عليكم من المصائب ) وما لكم من دون الله من ولي ( يحرصكم عنها ) ولا نصير ( يدفعها عنكم الشورى : ( 32 ) ومن آياته الجوار . . . . . ) ومن آياته الجوار ( السفن الجارية ) في البحر كالأعلام ( كالجبال قالت الخنساء " وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار " الشورى : ( 33 ) إن يشأ يسكن . . . . . ) إن يشأ يسكن الريح ( وقرئ الرياح ) فيظللن رواكد على ظهره ( فيبقين ثوابت على ظهر البحر ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( لكل من كل همته وحبس نفسه ________________________________________ " صفحة رقم 132 " على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل الإيمان فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر الشورى : ( 34 ) أو يوبقهن بما . . . . . ) أو يوبقهن ( أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة والمراد إهلاك أهلها لقوله تعالى ) بما كسبوا ( وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله تعالى ) ويعف عن كثير ( إذ المعنى أو يرسلها فيوبق ناسا بذنوبهم وينج ناسا على العفو منهم وقرئ ويعفو على الاستئناف الشورى : ( 35 ) ويعلم الذين يجادلون . . . . . ) ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ( عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم ) ويعلم ( أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستة لأنه أيضا غير واجب وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف وقرئ بالجزم عطفا على ) ويعف ( فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم وتحذير آخرين ) ما لهم من محيص ( محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل الشورى : ( 36 ) فما أوتيتم من . . . . . ) فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ( تمتعون به مدة حياتكم ) وما عند الله ( من ثواب الآخرة ) خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( لخلوص نفعه ودوامه و ) ما ( الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية وعن علي رضي الله تعالى عنه تصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه بماله كله فلامه جمع فنزلت الشورى : ( 37 ) والذين يجتنبون كبائر . . . . . ) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( ) والذين ( بما بعده عطف على ) للذين آمنوا ( أو مدح منصوب أو مرفوع وبناء ) يغفرون ( على ________________________________________ " صفحة رقم 133 " ضميرهم خبرا للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب وقرأ حمزة والكسائي كبير الإثم الشورى : ( 38 ) والذين استجابوا لربهم . . . . . ) والذين استجابوا لربهم ( نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان فاستجابوا له ) وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ( ذو شورى بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم في الأمور وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور ) ومما رزقناهم ينفقون ( في سبيل الله الخير الشورى : ( 39 ) والذين إذا أصابهم . . . . . ) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( على ما جعله الله لهم كراهة التذلل وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران فإنه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي ثم عقب وصفهم بالانتصار للمنع عن التعدي الشورى : ( 40 ) وجزاء سيئة سيئة . . . . . ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( وسمي الثانية ) سيئة ( للازدواج أو لأنها تسوء من تنزل به ) فمن عفا وأصلح ( بينه وبين عدوه ) فأجره على الله ( عدة مبهمة تدل على عظم الموعود ) إنه لا يحب الظالمين ( المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام الشورى : ( 41 ) ولمن انتصر بعد . . . . . ) ولمن انتصر بعد ظلمه ( بعد ما ظلم وقد قرىء به ) فأولئك ما عليهم من سبيل ( بالمعاتبة والمعاقبة الشورى : ( 42 ) إنما السبيل على . . . . . ) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ( يبتدئونهم بالإضرار ويطلبون ما لا ________________________________________ " صفحة رقم 134 " يستحقونه تجبرا عليهم ) ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ( على ظلمهم وبغيهم الشورى : ( 43 ) ولمن صبر وغفر . . . . . ) ولمن صبر ( على الأذى ) وغفر ( ولم ينتصر ) إن ذلك لمن عزم الأمور ( أي إن ذلك منه فحذف كما حذف في قولهم السمن منوان بدرهم للعلم به الشورى : ( 44 ) ومن يضلل الله . . . . . ) ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ( من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله إياه ) وترى الظالمين لما رأوا العذاب ( حين يرونه فذكر بلفظ الماضي تحقيقا ) يقولون هل إلى مرد من سبيل ( هل إلى رجعة إلى الدنيا الشورى : ( 45 ) وتراهم يعرضون عليها . . . . . ) وتراهم يعرضون عليها ( على النار ويدل عليه ) العذاب ( ) خاشعين من الذل ( متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل ) ينظرون من طرف خفي ( أيبتدىء نظرهم إلى النار مع تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف ) وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ( بالتعريض للعذاب المخلد ) يوم القيامة ( ظرف ل ) خسروا ( والقول في الدنيا أو لقال أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال ) ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ( تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم الشورى : ( 46 ) وما كان لهم . . . . . ) وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ( إلى الهدى أو النجاة الشورى : ( 47 ) استجيبوا لربكم من . . . . . ) استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ( لا يرده الله بعدما حكم به و ) من ( صلة ل ) مرد ( وقيل صلة ) يأتي ( أي من قبل أن ياتي يوم من الله لا يمكن رده ) ما لكم من ملجأ ( مفر ) يومئذ وما لكم من نكير ( إنكار لما اقترفتموه لأنه مدون في صحائف أعمالكم تشهد عليه ألسنتكم وجوارحكم الشورى : ( 48 ) فإن أعرضوا فما . . . . . ) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ( رقيبا أو محاسبا ) إن عليك إلا البلاغ ( وقد بلغت ) وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ( أراد بالإنسان الجنس لقوله ) وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ( بليغ الكفران ينسى النعمة رأسا ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها وهذا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه وتصدير الشرطية الأولى ب ) إذا ( والثانية ب ) إن ( لأن إذاقة النعمة محققة من حيث أنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية وإقامة علة الجزاء ________________________________________ " صفحة رقم 135 " مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس مرسوم بكفران النعمة الشورى : ( 49 ) لله ملك السماوات . . . . . ) لله ملك السماوات والأرض ( فله أن يقسم النعمة والبلية كيف يشاء ) يخلق ما يشاء ( من غير لزوم ومجال اعتراض ) يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) الشورى : ( 50 ) أو يزوجهم ذكرانا . . . . . ) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ( بدل من ) يخلق ( بدل البعض والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ولعل تقديم الإناث أكثر لتكثير النسل أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في الثلث لأنه قسيم المشترك بين القسمين ولم يحتج إليه الرابع لا فصاحة بأنه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدمة ) إنه عليم قدير ( فيفعل ما يفعل بحكمه واختيار الشورى : ( 51 ) وما كان لبشر . . . . . ) وما كان لبشر ( وما صح له ) أن يكلمه الله إلا وحيا ( كلاما خفيا يدرك لأنه بسرعة تمثيل ليس في ذاته مركبا من حروف مقطعة تتوقف على تموجات متعاقبة وهو ما يعم ________________________________________ " صفحة رقم 136 " المشافه به كما روي في حديث المعراج وما وعد به في حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى في طوى والطور ولكن عطف قوله ) أو من وراء حجاب ( عليه يخصه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع أو الوحي المنزل به الملك إلى الرسل فيكون المراد بقوله ) أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ( أو يرسل إليه نبيا فيبلغ وحيه كما أمره وعلى الأول المراد بالرسول الملك الموحي إلى الرسل ووحيا بما عطف عليه منتصب بالمصدر لأن ) من وراء حجاب ( ظرفا وقعت أحوالا وقرأ نافع ) أو يرسل ( برفع اللام ) إنه على ( عن صفات المخلوقين ) حكيم ( يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بوسط وتارة بغير وسط إما عيانا وإما من وراء حجاب ________________________________________ " صفحة رقم 137 " الشورى : ( 52 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . . ) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ( يعني ما أوحي إليه وسماه روحا لأن القلوب تحيا به وقيل جبريل والمعنى أرسلناه إليك بالوحي ) ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ( أي قبل الوحي وهو دليل على أنه لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع ) ولكن جعلناه ( أي الروح أو الكتاب أو الإيمان ) نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ( بالتوفيق للقبول والنظر فيه ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( هو الإسلام وقرىء لتهدي أي ليهديك الله الشورى : ( 53 ) صراط الله الذي . . . . . ) صراط الله ( بدل من الأول ) الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا ) ألا إلى الله تصير الأمور ( بارتفاع الوسائط والتعلقات وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له ________________________________________ " صفحة رقم 138 " سورة الزخرف مكية وقيل إلا قوله واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا وآيها تسع وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم الزخرف : ( 1 - 3 ) حم ) حم ( ) والكتاب المبين ( ) إنا جعلناه قرآنا عربيا ( أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآنا عربيا وهو من البدائع لتناسب القسم والمقسم عليه كقول أبي تمام " وثناياك أنها إغريض " ولعل إقسام الله بالأشياء استشهاد بما فيها من الدلالة على المقسم عليه وبالقرآن من حيث أنه معجز مبين لطرق الهدى وما يحتاج إليه في الديانة أو بين للعرب ما يدل على أنه تعالى صيره كذلك ) لعلكم تعقلون ( لكي تفهموا معانيه الزخرف : ( 4 ) وإنه في أم . . . . . ) وإنه ( عطف على انا وقرأ حمزة والكسائي بالكسر على الاستئناف ) في أم الكتاب ( في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية وقرىء أو الكتاب بالكسر ) لدينا ( محفوظا عندنا عن التغيير ) لعلي ( رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها ) حكيم ( ذو حكمة بالغة أو محكم لا ينسخه غيره وهما خبران لأن ) في أم الكتاب ( ________________________________________ " صفحة رقم 139 " متعلق ب ) لعلي ( واللام لا تمنعه أو حال منه و ) لدينا ( بدل منه أو حال من ) أم الكتاب ) الزخرف : ( 5 ) أفنضرب عنكم الذكر . . . . . ) أفنضرب عنكم الذكر صفحا ( أفنذوده ونبعده عنكم مجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض قال طرفة " اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس " والفاء للعطف على محذوف أي انهملكم فنضرب ) عنكم الذكر ( و ) صفحا ( مصدر من غير لفظه فإن تنحية الذكر عنهم إعراض أومفعول له أو حال بمعنى صافحين وأصله أن تولي الشيء صفحة عنقك وقيل إنه بمعنى الجانب فيكون ظرفا ويؤيده أنه قرىء صفحا بالضم وحينئذ يحتمل أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح بمعنى صافحين والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه ) أن كنتم قوما مسرفين ( أي لأن كنتم وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض عنهم وقرأ نافع وحمزة والكسائي ) إن ( بالكسر على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق مخرج المشكوك استجهالا لهم وما قبلها دليل الجزاء الزخرف : ( 6 ) وكم أرسلنا من . . . . . ) وكم أرسلنا من نبي في الأولين ) الزخرف : ( 7 ) وما يأتيهم من . . . . . ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن استهزاء قومه الزخرف : ( 8 ) فأهلكنا أشد منهم . . . . . ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ( أي من القوم المسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى ________________________________________ " صفحة رقم 140 " الرسول مخبرا عنهم ) ومضى مثل الأولين ( وسلف في القرآن قصتهم العجيبة وفيه وعد للرسول ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين الزخرف : ( 9 ) ولئن سألتهم من . . . . . ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( لعله لازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالا أقيم مقامه تقريرا لإلزام الحجة عليهم فكأنهم قالوا الله كما حكي عنهم في مواضع أخر وهو الذي من صفته ما سرد من الصفات ويجوز أن يكون مقولهم وما بعده استئناف ) الذي جعل لكم الأرض مهدا ( فتستقرون فيها وقرئ غير الكوفيون مهادا بالإلف الزخرف : ( 10 ) الذي جعل لكم . . . . . ) وجعل لكم فيها سبلا ( تسلكونها ) لعلكم تهتدون ( لكي تهتدوا إلى مقاصدكم أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك الزخرف : ( 11 ) والذي نزل من . . . . . ) والذي نزل من السماء ماء بقدر ( بمقدار ينفع ولا يضر ) فأنشرنا به بلدة ميتا ( مال عنه الماء وتذكيره لأن البلدة بمعنى البلد والمكان ) كذلك ( مثل ذلك الإنشار ) تخرجون ( تنشرون من قبوركم وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ) تخرجون ( بفتح التاء وضم الراء الزخرف : ( 12 - 14 ) والذي خلق الأزواج . . . . . ) والذي خلق الأزواج كلها ( أصناف المخلوقات ) وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ( ما تركبونه على تغليب المتعدي بنفسه على المتعدي بغيره إذ يقال ركبت الدابة وركبت في السفينة أو المخلوق للركوب على المصنوع له أو الغالب على النادر ولذلك قال ) لتستووا على ظهوره ( أي ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى ) ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ( تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها ) وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ( مطيقين من أقرن الشيء إذا أطاقه وأصله وجد قرينته إذ الصعب لا يكون قرينته الضعيف وقرئ بالتشديد والمعنى واحد وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 141 " أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال بسم الله فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال ) سبحان الذي سخر لنا هذا ( إلى قوله ) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( أي راجعون واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى الزخرف : ( 15 ) وجعلوا له من . . . . . ) وجعلوا له من عباده جزءا ( متصل بقوله ) ولئن سألتهم ( أي وقد جعلوا له بعد ذلك الاعتراف من عباده ولدا فقالوا الملائكة بنات الله ولعله سماه جزءا كما سمي بعضا لأنه بضعة من الوالد دلالة على استحالته على الواحد الحق في ذاته وقرأ أبو بكر جزأ بضمتين ) إن الإنسان لكفور مبين ( ظاهر الكفران ومن ذلك نسبة الولد إلى الله لأنها من فرط الجهل به والتحقير لشأنه الزخرف : ( 16 - 17 ) أم اتخذ مما . . . . . ) أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ( معنى الهمزة في ) أم ( للإنكار والتعجب من شأنهم حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءا حتى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخس مما اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر أحدهم بها اشتد غمه به كما قال ) وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ( بالجنس الذي جعله له مثلا إذ الولد لا بد وأن يماثل الوالد ) ظل وجهه مسودا ( صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة ) وهو كظيم ( مملوء قلبه من الكرب وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه وتعريف البنين بما مر في الذكور وقرئ مسود ومسواد على أن في ظل ضمير المبشر ووجهه مسود وقعت خبرا ________________________________________ " صفحة رقم 142 " الزخرف : ( 18 ) أو من ينشأ . . . . . ) أو من ينشأ في الحلية ( أي أو جعلوا له أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات ) وهو في الخصام ( في المجادلة ) غير مبين ( مقرر لما يدعيه من نقصان العقل وضعف الرأي ويجوز أن يكون من مبتدأ محذوف الخبر أي أو من هذا حالة ولده و ) في الخصام ( متعلق ب ) مبين ( وإضافة ) غير ( إليه لا يمنعه لما عرفت وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) ينشأ ( أي يربي وقرئ ) ينشأ ( ويناشأ بمعناه ونظير ذلك أعلاه وعلاه وعالاه بمعنى الزخرف : ( 19 ) وجعلوا الملائكة الذين . . . . . ) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا وقرئ عبيد وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب عند على تمثيل زلفاهم وقرئ أنثا وهو جمع الجمع ) أشهدوا خلقهم ( أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم به وقرأ نافع أشهدوا بهمزة الاستفهام وهمزة مضمومة بين بين وآأشهدوا بمدة بينهما ) ستكتب شهادتهم ( التي شهدوا بها على الملائكة ) ويسألون ( أي عنها يوم القيامة وهو وعيد شديد وقرئ سيكتب وسنكتب بالياء والنون وشهاداتهم وهي أن الله جزء أو أن له بنات وهن الملائكة ويساءلون من المساءلة الزخرف : ( 20 ) وقالوا لو شاء . . . . . ) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( أي لو شاء عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم فاستدلوا بنفي مشيئته عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها وذلك باطل لأن المشيئة ترجح بعض الممكنات على بعض مأمورا كان أو منهيا حسنا كان أو غيره ________________________________________ " صفحة رقم 143 " ولذلك جهلهم فقال ) ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ( يتمحلون تمحلا باطلا ويجوز أن تكون الإشارة إلى أصل الدعوى كأنه لما أبدى وجوه فسادها وحكى شبهتهم المزيفة نفى أن يكون لهم بها علم من طريق العقل الزخرف : ( 21 ) أم آتيناهم كتابا . . . . . ثم أضرب عنه إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل فقال ) أم آتيناهم كتابا من قبله ( من قبل القرآن أو ادعائهم ينطق على صحة ما قالوه ) فهم به مستمسكون ( بذلك الكتاب متمسكون الزخرف : ( 22 ) بل قالوا إنا . . . . . ) بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( أي لا حجة لهم على عقلية ولا نقلية وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة وال ) أمة ( الطريقة التي تؤم كالراحلة للمرحول إليه وقرئت بالكسر وهي الحالة التي يكون عليها الأم أي القاصد ومنها الدين الزخرف : ( 23 ) وكذلك ما أرسلنا . . . . . ) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم وأن مقدميهم أيضا لم يكن لهم سند منظور إليه وتخصيص المترفين إشعار بأن التنعم وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد الزخرف : ( 24 ) قال أولو جئتكم . . . . . ) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ( أي أتتبعون آبائكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم وهي حكاية أمر ماض أوحي إلى النذر أو خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيد الأول أنه قرأ ابن عامر وحفص قال وقوله ) قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( أي وإن كان اهدى إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه الزخرف : ( 25 ) فانتقمنا منهم فانظر . . . . . ) فانتقمنا منهم ( بالاستئصال ) فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ( ولا تكترث بتكذيبهم الزخرف : ( 26 ) وإذ قال إبراهيم . . . . . ) وإذ قال إبراهيم ( واذكر وقت قوله هذا ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالدليل أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد فإنه أشرف آبائهم ) لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ( برئ من عبادتكم أو معبودكم مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث وقرئ برئ وبراء ككريم وكرام الزخرف : ( 27 ) إلا الذي فطرني . . . . . ) إلا الذي فطرني ( استثناء منقطع أو متصل على أن ما يعم أولي العلم وغيرهم وأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام والأوثان أو صفة على أن ما موصوفة أي إنني برئ من ________________________________________ " صفحة رقم 144 " آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ) فإنه سيهدين ( سيثبتني على الهداية أو سيهديني إلى ما وراء ما هداني إليه الزخرف : ( 28 ) وجعلها كلمة باقية . . . . . ) وجعلها ( وجعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو الله كلمة التوحيد ) كلمة باقية في عقبه ( في ذريته فيكون فيهم أبدا من يوحد الله ويدعو إلى توحيده وقرىء ) كلمة ( و ) في عقبه ( على التخفيف و في عاقبه أي فيمن عقبه ) لعلهم يرجعون ( يرجع من أشرك بدعاء من وحد الزخرف : ( 29 ) بل متعت هؤلاء . . . . . ) بل متعت هؤلاء وآباءهم ( هؤلاء المعاصرين للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من قريش وآباءهم بالمد في العمر والنعمة فاغتلاوا لذلك وانهمكوا في الشهوات وقرىء منعت بالفتح على أنه تعالى اعترض به على ذاته في قوله ) وجعلها كلمة باقية ( مبالغة في تعييرهم ) حتى جاءهم الحق ( أو ) مبين ( للتوحيد بالحجج والآيات الزخرف : ( 30 ) ولما جاءهم الحق . . . . . ) ولما جاءهم الحق ( لينبههم عن غفلتهم ) قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ( زادوا شرارة فضموا إلى شركهم معاندة الحق والاستخفاف به فسموا القرآن سحرا وكفروا به واستحقروا الرسول الزخرف : ( 31 ) وقالوا لولا نزل . . . . . ) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين ( من إحدى القريتين مكة والطائف ) عظيم ( بالجاه والمال كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم ولم يعلموا أنها رتبة روحانية تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية الزخرف : ( 32 ) أهم يقسمون رحمة . . . . . ) أهم يقسمون رحمة ربك ( إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم والمراد بالرحمة النبوة ) نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ( وهو عاجزون عن تدبيرها وهي خويصة أمرهم في دنياهم فمن أين لهم أن يدبروا أمر النبوة التي هي أعلى المراتب الإنسية وإطلاق المعيشة يقتضي أن يكون حلالها وحرامها من الله ) ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ( ________________________________________ " صفحة رقم 145 " وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره ) ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ( ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل بينهم تآلف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى منه ) ورحمة ربك ( يعني هذه النبوة وما يتبعها ) خير مما يجمعون ( من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه الزخرف : ( 33 ) ولولا أن يكون . . . . . ) ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ( لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه ) لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج ( ومصاعد جمع معراج وقرىء معاريج جمع معراج ) عليها يظهرون ( يعلون السطوح لحقارة الدنيا الزخرف : ( 34 ) ولبيوتهم أبوابا وسررا . . . . . و ) لبيوتهم ( بدل من ) لمن ( بدل الاشتمال أو على كقولك وهبت له ثوبا لقميصه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسقفا اكتفاء بجميع البيوت وقرىء سقفا بالتخفيف وسقوفا وسقفا وهي لغة في سقف ) ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون ( أي أبوابا وسررا من فضة الزخرف : ( 35 - 36 ) وزخرفا وإن كل . . . . . ) وزخرفا ( وزينة عطف على ) سقفا ( أو ذهبا عطف على محل من فضة ) وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( إن هي المخففة واللام هي الفارقة وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه لما بالتشديد بمعنى إلا وأن نافية وقرىء به مع أن وما ) والآخرة عند ربك للمتقين ( عن الكفر والمعاصي وفيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا وإشعار بما لأجله لم يجعل ذلك للمؤمنين حتى يجتمع الناس على الإيمان وهو أنه تمتع قليل بالإضافة إلى ما لهم في الآخرة مخل به في الأغلب لما فيه من الآفات قل من يتخلص عنها كما أشار إليه بقوله ________________________________________ " صفحة رقم 146 " ) ومن يعش عن ذكر الرحمن ( يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات وقرىء يعش بالفتح أي يعم يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشى إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج وقرئ يعشو على أن ) من ( موصولة ) نقيض له شيطانا فهو له قرين ( يوسوسه ويغويه دائما وقرأ يعقوب بالياء على إسناده إلى ضمير ) الرحمن ( ومن رفع يعشو ينبغي أن يرفع ) نقيض ) الزخرف : ( 37 ) وإنهم ليصدونهم عن . . . . . ) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ( عن الطريق الذي من حقه أن يسبل وجمع الضميرين للمعنى إذ المراد جنس العاشي والشيطان المقيض له ) ويحسبون أنهم مهتدون ( الضمائر الثلاثة الأول له والباقيان للشيطان الزخرف : ( 38 ) حتى إذا جاءنا . . . . . ) حتى إذا جاءنا ( أي العاشي وقرأ الحجازيان وابن عامر وأبو بكر جاءانا أي العاشي والشيطان قال أي العاشي للشيطان ) يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ( بعد المشرق من المغرب فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما ) فبئس القرين ( أنت الزخرف : ( 39 ) ولن ينفعكم اليوم . . . . . ) ولن ينفعكم اليوم ( أي ما أنتم عليه من التمني ) إذ ظلمتم ( إذ صح إنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا بدل من ) اليوم ( ) أنكم في العذاب مشتركون ( لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه ويجوز أن يسند الفعل إليه بمعنى ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في أمر صعب معاونتهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لمكابدة عنائه إذ لكل منكم ما لا تسعه طاقته وقرىء ) إنكم ( بالكسر وهو يقوي الأول الزخرف : ( 40 ) أفأنت تسمع الصم . . . . . ) أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ( إنكار وتعجب من أن تحمل هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقرونا بالصمم كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتعب نفسه في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا غيا فنزلت ) ومن كان في ضلال مبين ( عطف على ) العمي ( باعتبار تغاير الوصفين وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تكنهم في ظلال لا يخفى الزخرف : ( 41 ) فإما نذهبن بك . . . . . ) فإما نذهبن بك ( أي فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم و ما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة ) فإنا منهم منتقمون ( بعذاب في الدنيا والآخرة الزخرف : ( 42 ) أو نرينك الذي . . . . . ) أو نرينك الذي وعدناهم ( أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب وقرأ ________________________________________ " صفحة رقم 147 " يعقوب برواية رويس أو ) نرينك ( بإسكان النون وكذا ) نذهبن ( ) فإنا عليهم مقتدرون ( لا يفوتوننا الزخرف : ( 43 ) فاستمسك بالذي أوحي . . . . . ) فاستمسك بالذي أوحي إليك ( من الآيات والشرائع وقرىء أوحي على البناء للفاعل وهو الله تعالى ) إنك على صراط مستقيم ( لا عوج له الزخرف : ( 44 ) وإنه لذكر لك . . . . . ) وإنه لذكر لك ( لشرف لك ) ولقومك وسوف تسألون ( أي عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه الزخرف : ( 45 ) واسأل من أرسلنا . . . . . ) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( أي واسأل أممهم وعلماء دينهم وقرأ ابن كثير والكسائي بتخفيف الهمزة ) أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ( هل حكمنا بعبادة الأوثان وهل جاءت في ملة من مللهم والمراد به الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد والدلالة على أنه ليس بدع ابتدعه فيكذب ويعادي له فإنه كان أقوى ما حملهم على التكذيب والمخالفة الزخرف : ( 46 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . . ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين ( يريد باقتصاصه تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومناقضة قولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( والاستشهاد بدعوة موسى عليه السلام إلى التوحيد ليتأملوا فيها الزخرف : ( 47 ) فلما جاءهم بآياتنا . . . . . ) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ( فاجئوا وقت ضحكهم منها أو استهزؤوا بها أول ما رأوها ولم يتأملوا فيها الزخرف : ( 48 ) وما نريهم من . . . . . ) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ( إلا هي بالغة أقصى درجات الإعجاز بحيث يحسب الناظر فيها أنها أكبر مما يقاس إليها من الآيات والمراد وصف الكل بالكبر كقولك رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض وكقوله ________________________________________ " صفحة رقم 148 " " من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري " أو ) إلا ( وهي مختصة بنوع من الإعجاز مفضلة على غيرها بذلك الاعتبار ) وأخذناهم بالعذاب ( كالسنين والطوفان والجراد ) لعلهم يرجعون ( على وجه يرجى رجوعهم الزخرف : ( 49 ) وقالوا يا أيها . . . . . ) وقالوا يا أيها الساحر ( نادوه بذلك في تلك الحال لشدة شكيمتهم وفرط حماقتهم أو لأنهم كانوا يسمون العالم الماهر ساحرا وقرأ ابن عامر بضم الهاء ) ادع لنا ربك ( فيكشف عنا العذاب ) بما عهد عندك ( بعهده عندك من النبوة أو من أن يستجيب دعوتك أو أن يكشف العذاب عمن اهتدى أو ) بما عهد عندك ( فوفيت به وهو الإيمان والطاعة ) إننا لمهتدون ) الزخرف : ( 50 ) فلما كشفنا عنهم . . . . . ) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ( فاجئوا نكث عهدعم بالاهتداء الزخرف : ( 51 ) ونادى فرعون في . . . . . ) ونادى فرعون ( بنفسه أو بمناديه ) في قومه ( في مجمعهم أو فيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة أن يؤمن بعضهم ) قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار ( أنهار النيل ومعظمها أربعة أنهر نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس ) تجري من تحتي ( تحت قصري أو أمري أو بين يدي في جناني والواو إما عاطفة لهذه ) الأنهار ( على الملك و ) تجري ( حال منها أو واو حال وهذه مبتدأ و ) الأنهار ( صفتها و ) تجري ( خبرها ) أفلا تبصرون ( ذلك الزخرف : ( 52 ) أم أنا خير . . . . . ) أم أنا خير ( مع هذه المملكة والبسطة ) من هذا الذي هو مهين ( ضعيف حقير لا يستعد للرئاسة من المهانة وهي القلة ) ولا يكاد يبين ( الكلام لما به من الرتة فكيف يصلح للرسالة و ) أم ( إما منقطعة والهمزة فيها للتقرير إذ قدم من أسباب فضله أو متصلة على إقامة المسبب مقام السبب والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون أني خير منه الزخرف : ( 53 ) فلولا ألقي عليه . . . . . ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ( أي فهلا ألقي عليه مقاليد الملك إن كان صادقا إذ كانوا سودوا رجلا سوروه وطوقوه بسوار وطوق من ذهب وأساورة جمع أسوار بمعنى السوار على تعويض التاء من ياء أساوير وقد قرىء به وقرأ يعقوب وحفص ________________________________________ " صفحة رقم 149 " أسورة وهي جمع سوار وقرىء أساور جمع أسورة و ألقي عليه أسورة وأساور على البناء للفاعل وهو الله تعالى ) أو جاء معه الملائكة مقترنين ( مقرونين يعينونه أو يصدقونه من قرنته به فاقترن أو متقارنين من اقترن بمعنى تقارن الزخرف : ( 54 ) فاستخف قومه فأطاعوه . . . . . ) فاستخف قومه ( فطلب منهم الخفة في مطاوعته أو فاستخف أحلامهم ) فأطاعوه ( فيما أمرهم به ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق الزخرف : ( 55 ) فلما آسفونا انتقمنا . . . . . ) فلما آسفونا ( أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان منقول من أسف إذا اشتد غضبه ) انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ( في اليم الزخرف : ( 56 ) فجعلناهم سلفا ومثلا . . . . . ) فجعلناهم سلفا ( قدوة لمن بعدهم من الكفار يقتدون به في استحقاق مثل عقابهم مصدر نعت به أو جمع سالف كخدم وخادم وقرأ حمزة والكسائي بضم السين واللام جمع سليف كرغف ورغيف أو سالف كصبر جمع صابر أو سلف كخشب وقرىء سلفا بإبدال ضمة اللام فتحة أو على أنه جمع سلفة أي ثلة قد سلفت ) ومثلا للآخرين ( وعظة لهم أو قصة عجيبة تسير مسير الأمثال لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون الزخرف : ( 57 ) ولما ضرب ابن . . . . . ) ولما ضرب ابن مريم مثلا ( أي ضربه ابن الزبعرى لما جادل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله تعالى ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( أو غيره بأن قال النصارى أهل كتاب وهم يعبدون عيسى عليه السلام ويزعمون أنه ابن الله والملائكة أولى بذلك أو على قوله تعالى ) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح ) إذا قومك ( في قريش ) منه ( من هذا المثل ) يصدون ( يضجون فرحا لظنهم أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) صار ملزما به وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضم من الصدود أي ________________________________________ " صفحة رقم 150 " يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل هما لغتان نحو يعكف ويعكف الزخرف : ( 58 ) وقالوا أآلهتنا خير . . . . . ) وقالوا أآلهتنا خير أم هو ( أي آلهتنا خير عندك أم عيسى عليه السلام فإن يكن في النار فلتكن آلهتنا أولى بذلك أو آلهتنا خير أم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فنعبده وندع آلهتنا وقرأ الكوفيون أآلهتنا بتحقيق الهمزتين وألف بعدهما ) ما ضربوه لك إلا جدلا ( ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل ) بل هم قوم خصمون ( شداد الخصومة حراص على اللجاج الزخرف : ( 59 ) إن هو إلا . . . . . ) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ( بالنبوة ) وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ( أمرا عجيبا كالمثل السائر لبني إسرائيل وهو كالجواب المزيح لتلك الشبهة الزخرف : ( 60 ) ولو نشاء لجعلنا . . . . . ) ولو نشاء لجعلنا منكم ( لولدنا منكم يا رجال كما ولدناعيسى من غير أب أو لجعلنا بدلكم ) ملائكة في الأرض يخلفون ( ملائكة يخلفونكم في الأرض والمعنى أن حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك وأن الملائكة مثلكم من حيث أنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله سبحانه وتعالى الزخرف : ( 61 ) وإنه لعلم للساعة . . . . . ) وإنه ( وإن عيسى عليه السلام ) لعلم للساعة ( لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دنوها أو لأن أحياء الموتى يدل على قدرة الله تعالى عليه وقرئ ) لعلم ( أي لعلامة ولذكر على تسمية ما يذكر به ذكرا وفي الحديث ينزل عيسى عليه السلام على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس ________________________________________ " صفحة رقم 151 " والناس في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه على شريعة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به وقيل الضمير للقرآن فإن فيه الإعلام بالساعة والدلالة عليها ) فلا تمترن بها ( فلا تشكن فيها ) واتبعون ( واتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي وقيل هو قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أمر أن يقوله ) هذا ( الذي أدعوكم إليه ) صراط مستقيم ( لا يضل سالكه الزخرف : ( 62 ) ولا يصدنكم الشيطان . . . . . ) ولا يصدنكم الشيطان ( عن المتابعة ) إنه لكم عدو مبين ( ثابت عداوته بأن أخرجكم عن الجنة وعرضكم للبلية الزخرف : ( 63 ) ولما جاء عيسى . . . . . ) ولما جاء عيسى بالبينات ( بالمعجزات أو بآيات الإنجيل أو بالشرائع الواضحات ) قال قد جئتكم بالحكمة ( بالإنجيل أو بالشريعة ) ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ( وهو ما يكون من أمر الدين لا ما يتعلق بأمر الدنيا فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا لبيانه ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) أنتم أعلم بأمر دنياكم ) فاتقوا الله وأطيعون ( فيما أبلغه عنه الزخرف : ( 64 ) إن الله هو . . . . . ) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ( بيان لما أمرهم بالطاعة فيه وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع ) هذا صراط مستقيم ( الإشارة إلى مجموع الأمرين وهو تتمة كلام عيسى عليه الصلاة والسلام أو استئناف من الله تعالى يدل على ما هو المقتضي للطاعة في ذلك الزخرف : ( 65 ) فاختلف الأحزاب من . . . . . ) فاختلف الأحزاب ( الفرق المتحزبة ) من بينهم ( من بين النصارى أو اليهود ________________________________________ " صفحة رقم 152 " والنصارى من بين قومه المبعوث إليهم ) فويل للذين ظلموا ( من المتحزبين ) من عذاب يوم أليم ( هو القيامة الزخرف : ( 66 ) هل ينظرون إلا . . . . . ) هل ينظرون إلا الساعة ( الضمير لقريش أو ) للذين ظلموا ( ) أن تأتيهم ( بدل من ) الساعة ( والمعنى هل ينظرون إلا إتيان الساعة ) بغتة ( فجأة ) وهم لا يشعرون ( غافلون عنها لاشتغالهم بأمور الدنيا وإنكارهم لها الزخرف : ( 67 ) الأخلاء يومئذ بعضهم . . . . . ) الأخلاء ( الأحياء ) يومئذ بعضهم لبعض عدو ( أي يتعادون يومئذ لانقطاع العلق لظهور ما كانوا يتخالون له سببا للعذاب ) إلا المتقين ( فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الآباد الزخرف : ( 68 ) يا عباد لا . . . . . ) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( حكاية لما ينادي به المتقون المتحابون في الله يومئذ وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بغير الياء الزخرف : ( 69 ) الذين آمنوا بآياتنا . . . . . ) الذين آمنوا بآياتنا ( صفة المنادي ) وكانوا مسلمين ( حال من الواو أي الذين آمنوا مخلصين غير أن هذه العبارة آكد وأبلغ الزخرف : ( 70 ) ادخلوا الجنة أنتم . . . . . ) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم ( نساؤكم المؤمنات ) تحبرون ( تسرون سرورا يظهر حباره أي أثره على وجوهكم أو تزينون من الحبر وهو حسن الهيئة أو تكرمون إكراما يبالغ فيه والحبرة المبالغة فيما وصف بجميل الزخرف : ( 71 ) يطاف عليهم بصحاف . . . . . ) يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ( الصحاف جمع صحفة والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له ) وفيها ( وفي الجنة ) ما تشتهي أنفسكم ( وقرأ نافع وابن عامر وحفص ) تشتهيه الأنفس ( على الأصل ) وتلذ الأعين ( بمشاهدته وذلك تعميم بعد ________________________________________ " صفحة رقم 153 " تخصيص ما يعد من الزوائد في التنعم والتلذذ ) وأنتم فيها خالدون ( فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الحال الزخرف : ( 72 ) وتلك الجنة التي . . . . . ) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ( وقرأ ورثتموها شبه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل وتلك إشارة إلى الجنة المذكورة وقعت مبتدأ والجنة خبرها و ) التي أورثتموها ( صفتها أو ) الجنة ( صفة ) تلك ( و ) التي ( خبرها أو صفة ) الجنة ( والخبر ) بما كنتم تعملون ( وعليه يتعلق الباء بمحذوف لا ب ) أورثتموها ) الزخرف : ( 73 ) لكم فيها فاكهة . . . . . ) لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ( بعضها تأكلون لكثرتها ودوام نوعها ولعل تفصيل التنعم بالمطاعم والملابس وتكريره في القرآن وهو حقير بالإضافة إلى سائر نعائم الجنة لما كان بهم من الشدة والفاقة الزخرف : ( 74 ) إن المجرمين في . . . . . ) إن المجرمين ( الكاملين في الإجرام وهم الكفار لأنه جعل قسيم المؤمنين بالآيات وحكى عنهم ما يخص بالكفار ) في عذاب جهنم خالدون ( خبر إن أو خالدون خبر والظرف متعلق به الزخرف : ( 75 ) لا يفتر عنهم . . . . . ) لا يفتر عنهم ( لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلا والتركيب للضعف ) وهم فيه ( في العذاب ) مبلسون ( آيسون من النجاة الزخرف : ( 76 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . . ) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ( مر مثله غير مرة وهم فصل الزخرف : ( 77 ) ونادوا يا مالك . . . . . ) ونادوا يا مالك ( وقرئ يا مال على الترخيم مكسورا ومضموما ولعله إشعار ________________________________________ " صفحة رقم 154 " بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا ) ليقض علينا ربك ( والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة ) قال إنكم ماكثون ( لا خلاص لكم بموت ولا بغيره الزخرف : ( 78 ) لقد جئناكم بالحق . . . . . ) لقد جئناكم بالحق ( بالإرسال والإنزال وهو تتمة الجواب إن كان في قال ضمير الله وإلا فجواب منه فكأنه تعالى تولى جوابهم بعد جواب مالك ) ولكن أكثركم للحق كارهون ( لما في اتباعه من إتعاب النفس وآداب الجوارح الزخرف : ( 79 - 80 ) أم أبرموا أمرا . . . . . ) أم أبرموا أمرا ( في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته ) فإنا مبرمون ( أمرا في مجازاتهم والعدول عن الخطاب للإشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم أو أم أحكم المشركون أمرا من كيدهم بالرسول ) فإنا مبرمون ( كيدنا بهم ويؤيده قوله ) أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ( حديث أنفسهم بذلك ) ونجواهم ( وتناجيهم ) بلى ( نسمعها ) ورسلنا ( والحفظة مع ذلك ) لديهم ( ملازمة لهم ) يكتبون ( ذلك الزخرف : ( 81 ) قل إن كان . . . . . ) قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( منكم فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ومن تعظيم الوالد تعظيم ولده ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه كقوله تعالى ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( غير أن ) لو ( ثم مشعرة بانتفاء الطرفين و ) إن ( ههنا لا تشعر به ولا بنقيضه فإنها لمجرد الشريطة بل الانتفاء معلوم لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه والدلالة على أن إنكاره الولد ليس لعناد ومراء بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به وقيل معناه إن كان له ولد في زعمكم ________________________________________ " صفحة رقم 155 " فأنا أول العابدين لله الموحدين له أو الآنفين منه أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه أو ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة وقرأ حمزة والكسائي ) ولد ( بالضم وسكون اللام الزخرف : ( 82 ) سبحان رب السماوات . . . . . ) سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون ( عن كونه ذا ولد فإن هذه الأجسام لكونها أصولا ذات استمرار تبرأت عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل فما ظنك بمبدعها وخالقها الزخرف : ( 83 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . . ) فذرهم يخوضوا ( في باطلهم ) ويلعبوا ( في دنياهم ) حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( أي يوم القيامة أي يوم القيامة وهو دلالة على أن قولهم هذا جهل واتباع هوى وإنهم مطبوع على قلوبهم معذبون في الآخرة الزخرف : ( 84 ) وهو الذي في . . . . . ) وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( مستحق لأن يعبد فيهما والظرف متعلق به لأنه بمعنى المعبود أو متضمن معناه كقولك هو حاتم في البلد وكذا فيمن قرأ الله والراجع مبتدأ محذوف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه ولا يجوز جعله خبرا له لأنه لا يبقى له عائد لكن لو جعل صلة وقدر الإله مبتدأ محذوف يكون به جملة مبنية للصلة دالة على أن كونه في السماء بمعنى الألوهية دون الاستقرار وفيه نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاصه باستحقاق الألوهية ) وهو الحكيم العليم ( كالدليل عليه الزخرف : ( 85 ) وتبارك الذي له . . . . . ) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ( كالهواء ) وعنده علم الساعة ( العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها ) وإليه ترجعون ( للجزاء وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم وروح بالتاء على الالتفات للتهديد الزخرف : ( 86 ) ولا يملك الذين . . . . . ) ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ( كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله ) إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ( ________________________________________ " صفحة رقم 156 " بالتوحيد والاستثناء متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله لاندراج الملائكة والمسيح فيه ومنفصل إن خص بالأصنام الزخرف : ( 87 ) ولئن سألتهم من . . . . . ) ولئن سألتهم من خلقهم ( سألت العابدين أو المعبودين ) ليقولن الله ( لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره ) فأنى يؤفكون ( يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره الزخرف : ( 88 ) وقيله يا رب . . . . . ) وقيله ( وقول الرسول ونصبه للعطف على سرهم أو على محل الساعة أو إضمار فعله أي وقال ) وقيله ( وجره عاصم وحمزة عطفا على ) الساعة ( وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ خبره ) يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ( أو معطوف على ) علم الساعة ( بتقدير مضاف وقيل هو قسم منصوب بحذف الجار أو المجرور بإضماره أو مرفوع بتقدير ) وقيله يا رب ( قسمي و ) إن هؤلاء ( جوابه الزخرف : ( 89 ) فاصفح عنهم وقل . . . . . ) فاصفح عنهم ( فأعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم ) وقل سلام ( تسلم منكم ومتاركة ) فسوف يعلمون ( تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لهم وقرأ نلفع وابن عامر بالتاء على أنه من المأمور بقوله عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة ) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( ________________________________________ " صفحة رقم 157 " سورة الدخان مكية إلا قوله تعالى ) إنا كاشفو العذاب ( الآية وهي سبع أو تسع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم الدخان : ( 1 - 3 ) حم ) حم والكتاب المبين ( القرآن والواو للعطف إن كان ) حم ( مقسما به وإلا فللقسم والجواب قوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( ليلة القدر أو البراءة ابتدىء فيها إنزاله أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ ثم أنزل على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) نجوما وبركتها لذلك فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية ) إنا كنا منذرين ( استئناف يبين المقتضى للإنزال وكذلك قوله الدخان : ( 4 ) فيها يفرق كل . . . . . ) فيها يفرق كل أمر حكيم ( فإن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو من عظائمها ويجوز أن يكون صفة ) ليلة مباركة ( وما بينهما اعتراض وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( وقرىء يفرق بالتشديد و ) يفرق ( في كل أمر يفرقه الله ونفرق بالنون الدخان : ( 5 ) أمرا من عندنا . . . . . ) أمرا من عندنا ( أي أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالا من كل أوامر أو ضميره المستكن في ________________________________________ " صفحة رقم 158 " ) حكيم ( لأنه موصوف وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدرا ل ) يفرق ( أو لفعله مضمرا من حيث أن الفرق به أو حالا من أحد ضميري ) أنزلناه ( بمعنى آمرين أو مأمورا ) إنا كنا مرسلين ) الدخان : ( 6 ) رحمة من ربك . . . . . ) رحمة من ربك ( بدل من ) إنا كنا منذرين ( أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم وضع الرب موضع الضمير للإشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك فإنه أعظم أنواع التربية أو علة ب ) يفرق ( أو ) أمرا ( و ) رحمة ( مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر ) من عندنا ( لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإلهية من باب الرحمة وقرئ ) رحمة ( على تلك رحمة ) إنه هو السميع العليم ( يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته الدخان : ( 7 ) رب السماوات والأرض . . . . . ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( خبر آخر أو استئناف وقرأ الكوفيون بالجر بدلا ) من ربك ( ) إن كنتم موقنين ( أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها فقلتم الله علمتم أن الأمر كما قلنا أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك الدخان : ( 8 ) لا إله إلا . . . . . ) لا إله إلا هو ( إذ لا خالق سواه ) يحيي ويميت ( كما تشاهدون ) ربكم ورب آبائكم الأولين ( وقرئا بالجر بدلا ) من ربك ) الدخان : ( 9 ) بل هم في . . . . . ) بل هم في شك يلعبون ( رد لكونهم موقنين الدخان : ( 10 ) فارتقب يوم تأتي . . . . . ) فارتقب ( فانتظر لهم ) يوم تأتي السماء بدخان مبين ( يوم شدة ومجاعة فإن ________________________________________ " صفحة رقم 159 " الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخانا وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما قال أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر قيل وما الدخان فتلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الآية وقال يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين الدخان : ( 11 ) يغشى الناس هذا . . . . . ) يغشى الناس ( يحيط بهم صفة للدخان وقوله ) هذا عذاب أليم ) الدخان : ( 12 ) ربنا اكشف عنا . . . . . ) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ( مقدر بقول وقع حالا و ) إنا مؤمنون ( وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم الدخان : ( 13 ) أنى لهم الذكرى . . . . . ) أنى لهم الذكرى ( من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة ) وقد جاءهم رسول مبين ( بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الادكار من الآيات والمعجزات الدخان : ( 14 ) ثم تولوا عنه . . . . . ) ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ( أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه ) مجنون ) الدخان : ( 15 ) إنا كاشفو العذاب . . . . . ) إنا كاشفو العذاب ( بدعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه لما دعا رفع القحط ) قليلا ( كشفا قليلا أو زمانا قليلا وهو ما بقي من أعمارهم ) إنكم عائدون ( إلى الكفر غب الكشف ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوث الكفار ________________________________________ " صفحة رقم 160 " بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأربعين فريثما يكشفه عنهم يرتدون ومن فسره بما في القيامة أوله بالشرط والتقدير الدخان : ( 16 ) يوم نبطش البطشة . . . . . ) يوم نبطش البطشة الكبرى ( يوم القيامة أو يومبدر ظرف لفعل دل عليه ) إنا منتقمون ( لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه أو بدل من ) يوم تأتي ( وقرئ ) نبطش ( أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم أو نحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصوله الدخان : ( 17 ) ولقد فتنا قبلهم . . . . . ) ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ( امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم أو أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الرزق عليهم وقرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم ) وجاءهم رسول كريم ( على الله أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه الدخان : ( 18 ) أن أدوا إلي . . . . . ) أن أدوا إلي عباد الله ( بأن أدوهم إلي وأرسلوا معي أو بأن أدوا إلي حق الله من الإيمان وقبول الدعوة يا عباد الله ويجوز أن تكون ) إن ( مخففة ومفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة ) إني لكم رسول أمين ( غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه أو لائتمان الله إياه على وحيه وهو علة الأمر الدخان : ( 19 ) وأن لا تعلوا . . . . . ) وأن لا تعلوا على الله ( ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله و ) إن ( كالأولى في وجهيها ) إني آتيكم بسلطان مبين ( علة للنهي ولذكر ال ) آمين ( مع الأداء والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى الدخان : ( 20 ) وإني عذت بربي . . . . . ) وإني عذت بربي وربكم ( التجأت إليه وتوكلت عليه ) أن ترجمون ( أن تؤذوني ضربا أو شتما أو أن تقتلوني وقرئ عت بالإدغام فيه الدخان : ( 21 ) وإن لم تؤمنوا . . . . . ) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي ولا تتعرضوا إلي بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم ________________________________________ " صفحة رقم 161 " الدخان : ( 22 ) فدعا ربه أن . . . . . ) فدعا ربه ( بعدما كذبوه ) إن هؤلاء ( بان هؤلاء ) قوم مجرمون ( وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء وقرئ بالكسر على إضمار القول الدخان : ( 23 ) فأسر بعبادي ليلا . . . . . ) فأسر بعبادي ليلا ( أي فقال أسر أو قال إن كان الأمر كذلك ) فأسر ( وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بوصل الهمزة من سرى ) إنكم متبعون ( يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم الدخان : ( 24 ) واترك البحر رهوا . . . . . ) واترك البحر رهوا ( مفتوحا ذا فجوة واسعة أو ساكنا على هيئته بعد ما جاوزته ولا تضربه بعصاك ولا تغير منه شيئا ليدخله القبط ) إنهم جند مغرقون ( وقرئ بالفتح بمعنى لأنهم الدخان : ( 25 ) كم تركوا من . . . . . ) كم تركوا ( كثيرا تركوا ) من جنات وعيون ) الدخان : ( 26 ) وزروع ومقام كريم ) وزروع ومقام كريم ( محافل مزينة ومنازل حسنة الدخان : ( 27 ) ونعمة كانوا فيها . . . . . ) ونعمة ( تنعم ) كانوا فيها فاكهين ( متنعمين وقرئ فكهين الدخان : ( 28 ) كذلك وأورثناها قوما . . . . . ) كذلك ( مثل ذلك الإخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك ) وأورثناها ( عطف على المقدر أو على ) تركوا ( ) قوما آخرين ( ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل وقيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر الدخان : ( 29 ) فما بكت عليهم . . . . . ) فما بكت عليهم السماء والأرض ( مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك ومنه ما روي في الأخبار إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه و محل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض ) وما كانوا منظرين ( ممهلين إلى وقت آخر الدخان : ( 30 ) ولقد نجينا بني . . . . . ) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ( من استعباد فرعون وقتله أبناءهم ________________________________________ " صفحة رقم 162 " الدخان : ( 31 ) من فرعون إنه . . . . . ) من فرعون ( بدل من ) العذاب ( على حذف المضاف أو جعله عذابا لإفراطه في التعذيب أو حال من المهين بمعنى واقعا من جهته وقرئ ) من فرعون ( على الاستفهام تنكير له لنكر ما كان عليه من الشيطنة ) إنه كان عاليا ( متكبرا ) من المسرفين ( في العتو والشرارة وهو خبر ثان أي كان متكبرا مسرفا أو حال من الضمير في ) عاليا ( أي كان رفيع الطبقة من بينهم الدخان : ( 32 ) ولقد اخترناهم على . . . . . ) ولقد اخترناهم ( اخترنا بني إسرائيل ) على علم ( عالمين بأنهم أحقاء بذلك أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بعض الأحوال ) على العالمين ( لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم الدخان : ( 33 ) وآتيناهم من الآيات . . . . . ) وآتيناهم من الآيات ( كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى ) ما فيه بلاء مبين ( نعمة جلية أو اختبار ظاهر الدخان : ( 34 ) إن هؤلاء ليقولون ) إن هؤلاء ( يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار عن مثل ما حل بهم ) ليقولون ) الدخان : ( 35 ) إن هي إلا . . . . . ) إن هي إلا موتتنا الأولى ( ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك حج زيد الحجة الأولى ومات وقيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم مودة كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى ) وما نحن بمنشرين ( بمبعوثين الدخان : ( 36 ) فأتوا بآبائنا إن . . . . . ) فأتوا بآبائنا ( خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين ) إن كنتم صادقين ( في وعدكم ليدل عليه ________________________________________ " صفحة رقم 163 " الدخان : ( 37 ) أهم خير أم . . . . . ) أهم خير ( في القوة والمنعة ) أم قوم تبع ( تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبني سمرقند وقيل هدمها وكان مؤمنا وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما أدري أكان تبع نبيا أم غير نبي وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون ) والذين من قبلهم ( كعاد وثمود ) أهلكناهم ( استئناف بمال قوم تبع ) والذين من قبلهم ( هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به ) إنهم كانوا مجرمين ( بيان للجامع المقتضي للإهلاك الدخان : ( 38 ) وما خلقنا السماوات . . . . . ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما ( وما بين الجنسين وقرىء وما بينهن لاعبين لا هين وهو دليل على صحة الحشر كما مر في الأنبياء وغيرها الدخان : ( 39 ) ما خلقناهما إلا . . . . . ) ما خلقناهما إلا بالحق ( إلا بسبب الحق الذي اقتضاه الدليل من الإيمان والطاعة أو البعث والجزاء ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( لقلة نظرهم الدخان : ( 40 ) إن يوم الفصل . . . . . ) إن يوم الفصل ( فصل الحق عن الباطل أو المحق عن المبطل بالجزاء أو فصل الرجل عن أقاربه وأحبائه ) ميقاتهم ( وقت موعدهم ) أجمعين ( وقرىء ) ميقاتهم ( بالنصب على أنه الاسم أي أن ميعاد جزائهم في ) يوم الفصل ) الدخان : ( 41 ) يوم لا يغني . . . . . ) يوم لا يغني ( بدل من ) يوم الفصل ( أو صفة ل ) ميقاتهم ( أو ظرف لما دل عليه ________________________________________ " صفحة رقم 164 " الفصل لاله للفصل ) مولى ( من قرابة أو غيرها ) عن مولى ( أي مولى كان ) شيئا ( من الاغناء ) ولا هم ينصرون ( الضمير ل ) مولى ( الأول باعتبار المعنى لأنه عام الدخان : ( 42 ) إلا من رحم . . . . . ) إلا من رحم الله ( بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه ومحله الرفع على البدل من الواو والنصب على الاستثناء ) إنه هو العزيز ( لا ينصر منه من أراد تعذيبه ) الرحيم ( لمن أراد أن يرحمه الدخان : ( 43 ) إن شجرة الزقوم ) إن شجرة الزقوم ( وقرىء بكسر الشين ومعنى ) الزقوم ( سبق في الصافات الدخان : ( 44 ) طعام الأثيم ) طعام الأثيم ( الكثير الآثام والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه الدخان : ( 45 ) كالمهل يغلي في . . . . . ) كالمهل ( وهو ما يمهل في النار حتى يذوب وقيل دردي الزيت تغلي في البطون وقرأ ابن كثير وحفص ورويس بالياء على أن الضمير لل ) طعام ( أو ) الزقوم ( لا للمهل إذ الأظهر أن الجملة حال من أحدهما الدخان : ( 46 ) كغلي الحميم ) كغلي الحميم ( غليانا مثل غليه الدخان : ( 47 ) خذوه فاعتلوه إلى . . . . . ) خذوه ( على إرادة القول والمقول له الزبانية ) فاعتلوه ( فجروه والعتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب بالضم وهما لغتان ) إلى سواء الجحيم ( وسطه الدخان : ( 48 ) ثم صبوا فوق . . . . . ) ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ( كان أصله يصب من فوق رؤوسهم الحميم فقيل يصب من ) فوق ( رؤوسهم ) عذاب ( هو ) الحميم ( للمبالغة ثم أضيف ال ) عذاب ( إلى ) الحميم ( للتخفيف وزيد من الدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع الدخان : ( 49 ) ذق إنك أنت . . . . . ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( أي وقولوا له ذلك استهزاء به وتفريعا على ما كان ________________________________________ " صفحة رقم 165 " يزعمه وقرأ الكسائي أنك بالفتح أي ذق لأنك أو ) عذاب ( ) إنك ) الدخان : ( 50 ) إن هذا ما . . . . . ) إن هذا ( أن هذا ال ) عذاب ( ) ما كنتم به تمترون ( تشكون وتمارون فيه الدخان : ( 51 ) إن المتقين في . . . . . ) إن المتقين في مقام ( في موضع إقامة وقرأ وابن نافع وابن عامر بضم الميم ) آمين ( يأمن صاحبه عن الآفة والانتقال الدخان : ( 52 ) في جنات وعيون ) في جنات وعيون ( بدل من مقام جيء به للدلالة على نزاهته واشتماله على ما يستلذ به من المآكل والمشارب الدخان : ( 53 ) يلبسون من سندس . . . . . ) يلبسون من سندس وإستبرق ( خبر ثان أو حال من الضمير في الجار أو استئناف والسندس ما رق من الحرير والاستبرق ما غلظ منه معرب استبره أو مشتق من البراقة ) متقابلين ( في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض الدخان : ( 54 ) كذلك وزوجناهم بحور . . . . . ) كذلك ( الأمر كذلك أو آتيناهم مثل ذلك ) وزوجناهم بحور عين ( قرناهم بهن ولذلك عدي بالباء والحوراء البيضاء والعيناء عظيمة العينين واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرها الدخان : ( 55 ) يدعون فيها بكل . . . . . ) يدعون فيها بكل فاكهة ( يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه لا يتخصص شيء منها بمكان ولا بزمان ) آمنين ( من الضرر الدخان : ( 56 ) لا يذوقون فيها . . . . . ) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( بل يحيون فيها دائما والاستثناء منقطع أو متصل والضمير للآخرة و ) الموت ( أول أحوالها أو الجنة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنه فيها أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النفي وامتناع ) الموت ( فكأنه قال ) لا يذوقون فيها الموت ( إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل ) ووقاهم عذاب الجحيم ( وقرئ ووقاهم على المبالغة ________________________________________ " صفحة رقم 166 " الدخان : ( 57 ) فضلا من ربك . . . . . ) فضلا من ربك ( أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا منه وقرئ بالرفع أي ذلك فضل ) ذلك هو الفوز العظيم ( لأنه خلاص عن المكارة وفوز بالمطالب الدخان : ( 58 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . . ) فإنما يسرناه بلسانك ( سهلناه حيث أنزلناه بلغتك وهو فذلكة السورة ) لعلهم يتذكرون ( لعلهم يفهمونه فيتذكرون به ما لم يتذكروا الدخان : ( 59 ) فارتقب إنهم مرتقبون ) فارتقب ( فانتظر ما يحل بهم ) إنهم مرتقبون ( منتظرون ما يحل بك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفورا له ________________________________________ " صفحة رقم 167 " سورة الجاثية بسم الله الرحمن الرحيم الجاثية : ( 1 - 4 ) حم ) حم تنزيل الكتاب ( إن جعلت ) حم ( مبتدأ خبره ) تنزيل الكتاب ( احتجت إلى إضمار مثل ) تنزيل ( ) حم ( وإن جعلتها تعديدا للحروف كان ) تنزيل ( مبتدأ خبره ) من الله العزيز الحكيم ( وقيل ) حم ( مقسم به و ) تنزيل الكتاب ( صفته وجواب القسم ) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ( وهو يحتمل أن يكون على ظاهرة وأن يكون المعنى إن في خلق السموات لقوله ) وفي خلقكم وما يبث من دابة ( ولا يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين فإن بثه وتنوعه واستجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار ) آيات لقوم يوقنون ( محمول على محل إن واسمها وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب حملا على الاسم الجاثية : ( 5 ) واختلاف الليل والنهار . . . . . ) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق ( من مطر وسماه رزقا لأنه سببه ) فأحيا به الأرض بعد موتها ( يبسها ) وتصريف الرياح ( باختلاف جهاتها وأحوالها وقرأ حمزة والكسائي وتصريف الريح ) آيات لقوم يعقلون ( فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب ) آيات ( على ________________________________________ " صفحة رقم 168 " الاختصاص أو يرفع بإضمار هي ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور الجاثية : ( 6 ) تلك آيات الله . . . . . ) تلك آيات الله ( أي تلك الآيات دلائله ) نتلوها عليك ( حال عاملها معنى الإشارة ) بالحق ( ملتبسين به أو ملتبسة به ) فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ( أي بعد ) آيات الله ( وتقديم اسم ) الله ( للمبالغة والتعظيم كما في قولك أعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث ) الله ( وهو في القرآن كقوله تعالى ) الله نزل أحسن الحديث ( و ) آياته ( دلائله المتلوة أو القرآن والعطف لتغاير الوصفين وقرأ الحجازيان وحفص وأبو عمرو وروح ) يؤمنون ( بالياء ليوافق ما قبله الجاثية : ( 7 ) ويل لكل أفاك . . . . . ) ويل لكل أفاك ( كذاب ) أثيم ( كثير الآثام الجاثية : ( 8 ) يسمع آيات الله . . . . . ) يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر ( يقيم على كفره ) مستكبرا ( عن الإيمان بالآيات و ) ثم ( لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات كقوله " يرى غمرات ثم يزورها " ) كأن لم يسمعها ( أي كأنه فخففت وحذف ضمير الشأن والجملة في موضع الحال أي يصر مثل غير السامع ) فبشره بعذاب أليم ( على إصراره والبشارة على الأصل أو التهكم ________________________________________ " صفحة رقم 169 " الجاثية : ( 9 ) وإذا علم من . . . . . ) وإذا علم من آياتنا شيئا ( وإذا بلغه شيء من ) آياتنا ( وعلم أنه منها ) اتخذها هزوا ( لذلك من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء والضمير ل ) آياتنا ( وفائدته الإشعار بأنه إذا سمع كلاما وعلم أنه من الآيات بادر إلى استهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على ما سمعه أو لشيء لأنه بمعنى الآية ) أولئك لهم عذاب مهين ) الجاثية : ( 10 ) من ورائهم جهنم . . . . . ) من ورائهم جهنم ( من قدامهم لأنهم متوجهون إليها أو من خلفهم لأنها بعد آجالهم ) ولا يغني عنهم ( ولا يدفع عنهم ) ما كسبوا ( من الأموال والأولاد ) شيئا ( من عذاب الله ) ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ( أي الأصنام ) ولهم عذاب عظيم ( لا يتحملونه الجاثية : ( 11 ) هذا هدى والذين . . . . . ) هذا هدى ( الإشارة إلى القرآن ويدل عليه قوله ) والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ( وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص برفع ) أليم ( وال ) رجز ( أشد العذاب الجاثية : ( 12 ) الله الذي سخر . . . . . ) الله الذي سخر لكم البحر ( بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه ) لتجري الفلك فيه بأمره ( بتسخيره وأنتم راكبوها ) ولتبتغوا من فضله ( التجارة والغوص والصيد وغيرها ) ولعلكم تشكرون ( هذه النعم الجاثية : ( 13 ) وسخر لكم ما . . . . . ) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا ( بأن خلقها نافعة لكم ) منه ( حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه أو ل ) ما في السماوات ( ) وسخر لكم ( تكرير للتأكيد أو ل ) ما في الأرض ( وقرئ منه على المفعول له ومنه على أنه فاعل ) سخر ( على الإسناد المجازي أو خبر محذوف ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( في صنائعه الجاثية : ( 14 ) قل للذين آمنوا . . . . . ) قل للذين آمنوا يغفروا ( حذف المقول لدلالة الجواب عليه والمعنى قل لهم ________________________________________ " صفحة رقم 170 " اغفروا يغفروا أي يعفوا ويصفحوا ) للذين لا يرجون أيام الله ( لا يتوقعون وقائعه بأعدائه من قولهم أيام العرب لوقائعهم أو لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لنصر المؤم نين وثوابهم ووعدهم بها والآية نزلت في عمر رضي الله عنه شتمه غفاري فهم أن يبطش به وقيل إنها منسوخة بآية القتال ) ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ( علة للأمر والقوم هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما فيكون التنكير للتعظيم أو التحقير أو الشيوع والكسب المغفرة أو الإساءة أو ما يعمهما وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي لنجزي بالنون وقريء ليجزي قوم وليجزي قوما أي ليجزي الخير أو الشر أو الجزاء أعني ما يجزى به لا المصدر فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف الجاثية : ( 15 ) من عمل صالحا . . . . . ) من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ( أي لها ثواب العمل وعليها عقابه ) ثم إلى ربكم ترجعون ( فيجازيكم على أعمالكم الجاثية : ( 16 ) ولقد آتينا بني . . . . . ) ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب ( التوراة ) والحكم ( والحكمة النظرية والعملية أو فصل الخصومات ) والنبوة ( إذ كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثروا في غيرهم ) ورزقناهم من الطيبات ( مما أحل الله من اللذائذ ) وفضلناهم على العالمين ( حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم الجاثية : ( 17 ) وآتيناهم بينات من . . . . . ) وآتيناهم بينات من الأمر ( أدلة في أمر الدين ويندرج فيها المعجزات وقيل آيات من أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مبينة لصدقة ) فما اختلفوا ( في ذلك الأمر ) إلا من بعد ما جاءهم العلم ( بحقيقة الحال ) بغيا بينهم ( عداوة وحسدا ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( بالمؤاخذة والمجازاة ________________________________________ " صفحة رقم 171 " الجاثية : ( 18 ) ثم جعلناك على . . . . . ) ثم جعلناك على شريعة ( طريقة ) من الأمر ( من أمر الدين ) فاتبعها ( فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج ) ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ( آراء الجهال التابعة للشهوات وهم رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك الجاثية : ( 19 ) إنهم لن يغنوا . . . . . ) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ( مما أراد بك ) وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ( إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالهم باتباع أهوائهم ) والله ولي المتقين ( فواله بالتقى واتباع الشريعة الجاثية : ( 20 ) هذا بصائر للناس . . . . . ) هذا ( أي القرآن أو اتباع الشريعة ) بصائر للناس ( بينات تبصرهم وجه الفلاح ) وهدى ( من الضلالة ) ورحمة ( ونعمة من الله ) لقوم يوقنون ( يطلبون اليقين الجاثية : ( 21 ) أم حسب الذين . . . . . ) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة ) أن نجعلهم ( أن نصيرهم ) كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ( مثلهم وهو ثاني مفعولي نجعل وقوله ) سواء محياهم ومماتهم ( بدل منه إن كان الضمير للموصول الأول لأن المماثلة فيه إذ المعنى إنكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيين في البهجة والكرامة كما هو للمؤمنين ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص ) سواء ( بالنصب على البدل أو الحال من الضمير في الكاف أو المفعولية والكاف حال وإن كان للثاني فحال منه أو استئناف يبين المقتضى للإنكار وإن كان لهما فبدل أو حال من الثاني وضمير الأول والمعنى إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة أو استئناف مقرر لتساوي محيا كل صنف ومماته في الهدى والضلال وقرىء مماتهم بالنصب على أن ) محياهم ومماتهم ( ظرفان ________________________________________ " صفحة رقم 172 " كمقدم الحاج ) ساء ما يحكمون ( ساء حكمهم هذا أو بئس شيئا حكموا به ذلك الجاثية : ( 22 ) وخلق الله السماوات . . . . . ) وخلق الله السماوات والأرض بالحق ( كأنه دليل على الحكم السابق من حيث أن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل يستدعي انتصار المظلوم من الظالم والتفاوت بين المسيء والمحسن وإذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات ) ولتجزى كل نفس بما كسبت ( عطف على بالحق لأنه في معنى العلة أو على علة محذوفة مثل ليدل بها على قدرته أو ليعدل ) ولتجزى ( ) وهم لا يظلمون ( بنقص ثواب وتضعيف عقاب وتسمية ذلك ظلما ولو فعله الله لم يكن منه ظلما لأنه لو فعله غيره لكان ظلما كالابتلاء والاختبار الجاثية : ( 23 ) أفرأيت من اتخذ . . . . . ) أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ( ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى فكأنه يعبده وقرىء آلهة هواه لأنه كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه ) وأضله الله ( وخذله ) على علم ( عالما بضلاله وفساد جوهر روحه ) وختم على سمعه وقلبه ( فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات ) وجعل على بصره غشاوة ( فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار وقرأ حمزة والكسائي غشوة ) فمن يهديه من بعد الله ( من بعد إضلاله ) أفلا تذكرون ( وقرىء تتذكرون الجاثية : ( 24 ) وقالوا ما هي . . . . . ) وقالوا ما هي ( ما الحياة أو الحال ) إلا حياتنا الدنيا ( التي نحن فيها ) نموت ونحيا ( أي نكون أمواتا نطفا وما قبلها ونحيا بعد ذلك أو نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا أو يصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة ويحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان ) وما يهلكنا إلا الدهر ( إلا مرور الزمان وهو في الأصل مدة بقاء العالم من دهره إذا غلبه ) وما لهم بذلك من علم ( يعني نسبة الحوادث إلى حركات الأفلاك وما يتعلق بها على الاستقلال أو إنكار ________________________________________ " صفحة رقم 173 " البعث أو كليهما ) إن هم إلا يظنون ( إذ لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناء على التقليد والإنكار لما لم يحسوا به الجاثية : ( 25 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم أو مبينات له ) ما كان حجتهم ( ما كان لهم متشبث يعارضونها به ) إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ( وإنما سماه حجة على حسبانهم ومساقهم أو على أسلوب قولهم تحية بينهم ضرب وجيع فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء حالا امتناعه مطلقا الجاثية : ( 26 ) قل الله يحييكم . . . . . ) قل الله يحييكم ثم يميتكم ( على ما دلت عليه الحجج ) ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ( فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على ما قرر مرارا والوعد المصدق بالآيات دل على وقوعها وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوه يوم الجمع للجزاء ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على ما يحسونه الجاثية : ( 27 ) ولله ملك السماوات . . . . . ) ولله ملك السماوات والأرض ( تعميم للقدرة بعد تخصيصها ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ( أي ويخسر يوم تقوم و ) يومئذ ( بدل منه الجاثية : ( 28 ) وترى كل أمة . . . . . ) وترى كل أمة جاثية ( مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة أو باركة مستوفزة على الركب وقرئ جاذيه أي جالسة على أطراف الأصابع لاستيفازهم ) كل أمة تدعى إلى كتابها ( صحيفة أعمالها وقرأ يعقوب ) كل ( على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان ) اليوم تجزون ما كنتم تعملون ( محمول على القول الجاثية : ( 29 ) هذا كتابنا ينطق . . . . . ) هذا كتابنا ( أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم ) ينطق عليكم بالحق ( يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان ) إنا كنا نستنسخ ( نستكتب الملائكة ) ما كنتم تعملون ( أعمالكم الجاثية : ( 30 ) فأما الذين آمنوا . . . . . ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ( التي من جملتها ________________________________________ " صفحة رقم 174 " الجنة ) ذلك هو الفوز المبين ( الظاهر لخلوصه عن الشوائب الجاثية : ( 31 ) وأما الذين كفروا . . . . . ) وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ( أي فيقال لهم ألم يكن يأتكم رسلي ) أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ( فحذف القول والمعطوف عليه اكتفاء بالمقصود واستغناء بالقرينة ) فاستكبرتم ( عن الإيمان بها ) وكنتم قوما مجرمين ( عادتكم الإجرام الجاثية : ( 32 ) وإذا قيل إن . . . . . ) وإذا قيل إن وعد الله ( يحتمل الموعود به والمصدر ) حق ( كائن هو أو متعلقة لا محالة ) والساعة لا ريب فيها ( إفراد للمقصود وقرأ حمزة بالنصب عطفا على اسم إن ) قلتم ما ندري ما الساعة ( أي شيء الساعة استغرابا لها ) إن نظن إلا ظنا ( أصله نظن ظنا فأدخل حرفا النفي والاستثناء لإثبات الظن ونفي ما عداه كأنه قال ما نحن نظن ظنا أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة ثم أكده بقوله ) وما نحن بمستيقنين ( إي لإمكانه ولعل ذلك قول بعضهم تحيروا بين ما سمعوا من آبائهم وما تليت عليهم من الآيات في أمر الساعة الجاثية : ( 33 ) وبدا لهم سيئات . . . . . ) وبدا لهم ( ظهر لهم ) سيئات ما عملوا ( على ما كانت عليه بأن عرفوا قبحها وعاينوا وخامة عاقبتها أو جزاءها ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وهو الجزاء الجاثية : ( 34 ) وقيل اليوم ننساكم . . . . . ) وقيل اليوم ننساكم ( نترككم في العذاب ترك ما ينسى ) كما نسيتم لقاء يومكم هذا ( كما تركتم عدته ولم تبالوا به وإضافة لقاء إلى يوم إضافة المصدر إلى ظرفه ) ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( يخلصونكم منها الجاثية : ( 35 ) ذلكم بأنكم اتخذتم . . . . . ) ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا ( استهزأتم بها ولم تتفكروا فيها ) وغرتكم الحياة الدنيا ( فحسبتم أن لا حياة سواها ) فاليوم لا يخرجون منها ( وقرأ حمزة والكسائي ________________________________________ " صفحة رقم 175 " بفتح الياء وضم الراء ) ولا هم يستعتبون ( لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه لفوات أوانه الجاثية : ( 36 ) فلله الحمد رب . . . . . ) فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ( إذ الكل نعمة منه ودال على كمال قدرته ) وله الكبرياء في السماوات والأرض ( إذ ظهر فيها آثارها ) وهو العزيز ( الذي لا يغلب ) الحكيم ( فيما قدر وقضى فاحمدوه وكبروه وأطيعوا له عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم الجاثية ستر الله عورته وسكن روعته يوم الحساب ________________________________________ " صفحة رقم 176 " سورة الأحقاف مكية وآيها خمس وثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم الأحقاف : ( 1 - 3 ) حم ) حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( إلا خلقا متلبسا بالحق وهو ما تقتضيه الحكمة والمعدلة وفيه دلالة على وجود الصانع الحكيم والبعث للمجازاة على ما قررناه مرارا ) وأجل مسمى ( وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه الكل وهو يوم القيامة أو كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدرة له ) والذين كفروا عما أنذروا ( من هول ذلك الوقت ويجوز أن تكون ما مصدرية ) معرضون ( لا يتفكرون فيه ولا يستعدون لحلوله الأحقاف : ( 4 ) قل أرأيتم ما . . . . . ) قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ( أي أخبروني عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل في خلق شيء من أجزاء العالم فتستحق به العبادة وتخصيص الشرك بالسموات احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية ) ائتوني بكتاب من قبل هذا ( ________________________________________ " صفحة رقم 177 " من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد ) أو أثارة من علم ( أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم وهو إلزام بعدم ما يدل على إلوهيتهم بوجه ما نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا وقرىء إثارة بالكسر أي مناظرة فإن المناظرة تثير المعاني وأثرة أي شيء أوثرتم به وأثرة بالحركات الثلاث في الهمزة والسكون الثاء فالمفتوحة للمرة من مصدر أثر الحديث إذا رواه والمكسورة بمعنى الأثره والمضمومة إسم ما يؤثر الأحقاف : ( 5 ) ومن أضل ممن . . . . . ) ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له ( إنكار أن يكون أحد أضل من المشركين حيث تركوا عبادة السميع البصير المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم لو سمع دعاءهم فضلا أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم ) إلى يوم القيامة ( ما دامت الدنيا ) وهم عن دعائهم غافلون ( لأنهم إما جمادات وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم الأحقاف : ( 6 ) وإذا حشر الناس . . . . . ) وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ( يضربونهم ولا ينف الأحقاف : ( 7 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( واضحات أو مبينات ) قال الذين كفروا للحق ( لأجله وفي شأنه والمراد به الآيات ووضعه موضع ضميرها ووضع ) الذين كفروا ( موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق وعليهم بالكفر والانهماك في الضلالة ) لما جاءهم ( حينما جاءهم من غير نظر وتأمل ) هذا سحر مبين ( ظاهر بطلانه الأحقاف : ( 8 ) أم يقولون افتراه . . . . . ) أم يقولون افتراه ( إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع منه ________________________________________ " صفحة رقم 178 " وإنكار له وتعجيب ) قل إن افتريته ( على الفرض ) فلا تملكون لي من الله شيئا ( أي إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف أجترىء عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم ) هو أعلم بما تفيضون فيه ( تندفعون فيه من القدح في آياته ) كفى به شهيدا بيني وبينكم ( يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ) وهو الغفور الرحيم ( وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرمهم الأحقاف : ( 9 ) قل ما كنت . . . . . ) قل ما كنت بدعا من الرسل ( بديعا منهم أدعوكم إلى ما لا يدعون إليه أو أقدر على ما لم يقدروا عليه وهو الإتيان بالمقترحات كلها ونظيره الخف بمعنى الخفيف وقرئ بفتح الدال على أنه كقيم أو مقدر بمضاف أي ذا بدع ) وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ( في الدارين على التفضيل إذ لا علم لي بالغيب و ) لا ( لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي ) وما ( إما موصولة منصوبة أو استفهامية مرفوعة وقرئ ) يفعل ( أي يفعل الله ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( لا أتجاوزه وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه من الغيوب أو استعجال المسلمين أن يتخلصوا من أذى المشركين ) وما أنا إلا نذير ( من عقاب الله ) مبين ( بين الإنذار بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة الأحقاف : ( 10 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن كان من عند الله ( أي القرآن ) وكفرتم به ( وقد كفرتم به ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله ) وشهد شاهد من بني إسرائيل ( إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله والشاهد هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) على مثله ( مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله ) فآمن ( أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقا للحق ) واستكبرتم ( عن الإيمان ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( استئناف مشعر بأن كفرهم ________________________________________ " صفحة رقم 179 " به لضلالهم المسبب عن ظلمهم ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين الأحقاف : ( 11 ) وقال الذين كفروا . . . . . ) وقال الذين كفروا للذين آمنوا ( لأجلهم ) لو كان ( الإيمان أو ما أتى به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) خيرا ما سبقونا إليه ( وهم سقاط إذ عامتهم فقراء وموال ورعاة وإنما قاله قريش وقيل بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار أو اليهود حين أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ) وإذ لم يهتدوا به ( ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم وقوله ) فسيقولون هذا إفك قديم ( مسبب عنه وهو كقولهم أساطير الأولين الأحقاف : ( 12 ) ومن قبله كتاب . . . . . ) ومن قبله ( ومن قبل القرآن وهو خبر لقوله ) كتاب موسى ( ناصب لقوله ) إماما ورحمة ( على الحال ) وهذا كتاب مصدق ( لكتاب موسى أو لما بين يديه وقد قرئ به ) لسانا عربيا ( حال من ضمير ) كتاب ( في ) مصدق ( أو منه لتخصصه بالصفة وعاملها معنى الإشارة وفائدتها الإشعار بالدلالة على أن كونه مصدقا للتوراة كما دل على أنه حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله سبحانه وتعالى وقيل مفعول ) مصدق ( أي يصدق ذا لسان عربي بإعجازه ) لينذر الذين ظلموا ( علة ) مصدق ( وفيه ضمير الكتاب أو الله أو الرسول ويؤيد الأخير قراءة نافع وابن عامر والبزي بخلاف عنه ويعقوب بالتاء ) وبشرى للمحسنين ( عطف على محله الأحقاف : ( 13 ) إن الذين قالوا . . . . . ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والإستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل وثم للدلالة على تأخر رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد ) فلا خوف عليهم ( من لحوق مكروه ) ولا هم يحزنون ( على فوات محبوب والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط الأحقاف : ( 14 ) أولئك أصحاب الجنة . . . . . ) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ( من اكتساب الفضائل العلمية والعملية وخالدين حال من المستكن في أصحاب وجزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء ) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ( وقرأ الكوفيون إحسانا وقرئ ) حسنا ( أي إيصاء ) حسنا ( ) حملته أمه كرها ووضعته كرها ( ذات كره أو حملا ذا كره وهو المشقة ________________________________________ " صفحة رقم 180 " وقرأ الحجازيان وأبو عمرو وهشام بالفتح وهما لغتان كالفقر والفقر وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر ) وحمله وفصاله ( ومدة ) وحمله وفصاله ( والفصال الفطام ويدل عليه قراءة يعقوب وفصله أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهى به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة قال " كل حي مستكمل عدة العم ر ومود إذا انتهى أمده " ) ثلاثون شهرا ( كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل سنة أشهر لأنه إذا حط منه الفصال حولان لقوله تعالى ) حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ( بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما ) حتى إذا بلغ أشده ( إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله ) وبلغ أربعين سنة ( قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين ) قال رب أوزعني ( ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا ) أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ( يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه ) وأن أعمل صالحا ترضاه ( نكره للتعظيم أو لأنه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا الله عز وجل ) وأصلح لي في ذريتي ( واجعل لي الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم ونحوه قوله " وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي " ________________________________________ " صفحة رقم 181 " ) إني تبت إليك ( عما لا ترضاه أو يشغل عنك ) وإني من المسلمين ( المخلصين لك الأحقاف : ( 16 ) أولئك الذين نتقبل . . . . . ) أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ( يعني فإن المباح حسن ولا يثاب عليه ) ونتجاوز عن سيئاتهم ( لتوبتهم وقرأ حمزة الكسائي وحفص بالنون فيهما ) في أصحاب الجنة ( كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم ) وعد الصدق ( مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز وعد ) الذي كانوا يوعدون ( أي في الدنيا الأحقاف : ( 17 ) والذي قال لوالديه . . . . . ) والذي قال لوالديه أف لكما ( مبتدأ خبره ) أولئك ( والمراد به الجنس وإن صح نزولها في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص وفي ) أف ( قراءات ذكرت في سورة بني إسرائيل ) أتعدانني أن أخرج ( أبعث وقرأ هشام أتعداني بنون واحدة مشددة ) وقد خلت القرون من قبلي ( فلم يرجع أحد منهم ) وهما يستغيثان الله ( يقولان الغياث بالله منك أو يسألانه أن يغيثه بالتوفيق للإيمان ) ويلك آمن ( أي يقولان له ) ويلك ( وهو الدعاء بالثبور بالحث على ما يخاف على تركه ) إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ( أباطيلهم التي كتبوها الأحقاف : ( 18 ) أولئك الذين حق . . . . . ) أولئك الذين حق عليهم القول ( بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه ) في أمم قد خلت من قبلهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 182 " كقوله في أصحاب الجنة ) من الجن والإنس ( بيان للأمم ) إنهم كانوا خاسرين ( تعليل للحكم على الاستئناف الأحقاف : ( 19 ) ولكل درجات مما . . . . . ) ولكل ( من الفريقين ) درجات مما عملوا ( مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من أجل ما عملوا وال ) درجات ( غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب ) وليوفيهم أعمالهم ( جزاءها وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن ذكوان بالنون ) وهم لا يظلمون ( بنقص ثواب وزيادة عقاب الأحقاف : ( 20 ) ويوم يعرض الذين . . . . . ) ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( يعذبون بها وقيل تعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت الناقة على الحوض ) أذهبتم ( أي يقال لهم أذهبتم وهو ناصب اليوم وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالاستفهام غير أن ابن كثير يقرؤه بهمزة ممدودة وهما يقرآن بها وبهمزتين محققتين ) طيباتكم ( لذاتكم ) في حياتكم الدنيا ( باستيفائها ) واستمتعتم بها ( فما بقي لكم منها شيء ) فاليوم تجزون عذاب الهون ( الهوان وقد قرئ به ) بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ( بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله وقرئ ) تفسقون ( بالكسر الأحقاف : ( 21 ) واذكر أخا عاد . . . . . ) واذكر أخا عاد ( يعني هودا ) إذ أنذر قومه بالأحقاف ( جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن ) وقد خلت النذر ( الرسل ) من بين يديه ومن خلفه ( قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض ) ألا تعبدوا إلا الله ( أي لا تعبدوا أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( هائل بسبب شرككم الأحقاف : ( 22 ) قالوا أجئتنا لتأفكنا . . . . . ) قالوا أجئتنا لتأفكنا ( لتصرفنا ) عن آلهتنا ( عن عبادتها ) فأتنا بما تعدنا ( من ________________________________________ " صفحة رقم 183 " العذاب على الشرك ) إن كنت من الصادقين ( في وعدك الأحقاف : ( 23 ) قال إنما العلم . . . . . ) قال إنما العلم عند الله ( لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له ) وأبلغكم ما أرسلت به ( إليكم وما على الرسول إلا البلاغ ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين الأحقاف : ( 24 ) فلما رأوه عارضا . . . . . ) فلما رأوه عارضا ( سحابا عرض في أفق السماء ) مستقبل أوديتهم ( متوجه أوديتهم والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله ) قالوا هذا عارض ممطرنا ( أي يأتينا بالمطر ) بل هو ( أي قال هود عليه الصلاة والسلام ) بل هو ما استعجلتم به ( من العذاب وقرىء قل بل ) ريح ( هي ريح ويجوز أن يكون بدل ما ) فيها عذاب أليم ( صفتها وكذا قوله الأحقاف : ( 25 ) تدمر كل شيء . . . . . ) تدمر ( تهلك ) كل شيء ( من نفوسهم وأحوالهم ) بأمر ربها ( إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مرارا وقرىء يدمر كل شيء من دمر دمارا إذا هلك فيكون العائد محذوفا أو الهاء في ) ربها ( ويحتمل أن يكون استئنافا للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضيا لا يتقدم ولا يتأخر وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء ) فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ( أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم وقرأ عاصم وحمزة والكسائي لا يرى إلا مساكنهم بالياء المضمومة ورفع المساكن ) كذلك نجزي القوم المجرمين ( روي أن هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر ________________________________________ " صفحة رقم 184 " الأحقاف : ( 26 ) ولقد مكناهم فيما . . . . . ) ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ( ) إن ( نافية وهي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظا ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما أو شرطية محذوفة الجواب والتقدير ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر أو صلة كما في قوله " يرجي المرء ما إن لا يراه ويعرض دون أدناه الخطوب " والأول أظهر وأوفق لقوله ) هم أحسن أثاثا ( ) كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا ( ) وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ( ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها ) فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ( من الإغناء وهو القليل ) إذ كانوا يجحدون بآيات الله ( صلة ) فما أغنى ( وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( من العذاب الأحقاف : ( 27 ) ولقد أهلكنا ما . . . . . ) ولقد أهلكنا ما حولكم ( يا أهل مكة ) من القرى ( كحجر ثمود وقرى قوم لوط ) وصرفنا الآيات ( بتكريرها ) لعلهم يرجعون ( عن كفرهم الأحقاف : ( 28 ) فلولا نصرهم الذين . . . . . ) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ( فهلا منعتهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله تعالى حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله وأول مفعولي ) اتخذوا ( الراجع إلى الموصول محذوف وثانيهما ) قربانا ( و ) آلهة ( بدل أو عطف بيان أو ) آلهة ( و ) قربانا ( حال أو مفعول له على أنه بمعنى التقرب وقرىء قربانا ________________________________________ " صفحة رقم 185 " بضم الراء ) بل ضلوا عنهم ( غابوا عن نصرهم وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال ) وذلك إفكهم ( وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق وقرىء إفكهم بالتشديد للمبالغة وآفكهم أي جعلهم آفكين وآفكهم أي قولهم الآفك أي ذو الإفك ) وما كانوا يفترون ) الأحقاف : ( 29 ) وإذ صرفنا إليك . . . . . ) وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ( أملناهم إليك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار ) يستمعون القرآن ( حال محمولة على المعنى ) فلما حضروه ( أي القرآن أو الرسول ) قالوا أنصتوا ( قالوا بعضهم لبعض اسكتوا لنسمعه ) فلما قضى ( أتم وفرغ من قراءته وقرىء على بناء الفاعل وهو ضمير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولوا إلى قومهم منذرين ( أي منذرين إياهم بما سمعوا روي أنهم وافوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده الأحقاف : ( 30 ) قالوا يا قومنا . . . . . ) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ( قيل إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهودا أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه الصلاة والسلام ) مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق ( من العقائد ) وإلى طريق مستقيم ( من الشرائع الأحقاف : ( 31 ) يا قومنا أجيبوا . . . . . ) يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ( بعض ذنوبكم وهو ما يكون في خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإيمان ) ويجركم من عذاب أليم ( هو ________________________________________ " صفحة رقم 186 " معد للكفار واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإجارة على أن لا ثواب لهم والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم الأحقاف : ( 32 ) ومن لا يجب . . . . . ) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ( إذ لا ينجي منه مهرب ) وليس له من دونه أولياء ( يمنعونه منه ) أولئك في ضلال مبين ( حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه الأحقاف : ( 33 ) أو لم يروا . . . . . ) أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ( ولم يتعب ولم يعجز والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإيجاد أبدا الآباء ) بقادر على أن يحيي الموتى ( أي قادر ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على ) إن ( وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله ) بلى إنه على كل شيء قدير ( تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود كأنه صدرالسورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد الأحقاف : ( 34 ) ويوم يعرض الذين . . . . . ) ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( منصوب بقول مضمر مقوله ) أليس هذا بالحق ( والإشارة إلى العذاب ) قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( بكفركم في الدنيا ومعنى الأمر هو الإهانة بهم والتوبيخ لهم الأحقاف : ( 35 ) فاصبر كما صبر . . . . . ) فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ( أولو الثبات و الجد منهم فإنك من جملتهم و ) من ( للتبيين وقيل للتبعيض و ) أولوا العزم ( منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ومشاهيرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه وإبراهيم على النار وذبح ولده و الذبيح على الذبح و يعقوب على فقد الولد والبصر ويوسف على الجب والسجن ________________________________________ " صفحة رقم 187 " وأيوب على الضر وموسى قال له قومه ) إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ( وداود بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى لم يضع لبنة على لبنة ) ولا تستعجل لهم ( لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة ) كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ( استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة ) بلاغ ( هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية أو تبليغ من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيده أنه قرىء بلغ وقيل ) بلاغ ( مبتدأ خبره ) لهم ( و ) ما ( بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم وقرىء بالنصب أي بلغوا بلاغا ) فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ( الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة وقرىء يهلك بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك ونهلك بالنون ونصب القوم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا ________________________________________ " صفحة رقم 188 " سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتسمى سورة القتال وهي مدنية وقيل مكية وآيها سبع أو ثمان وثلاثون أو أربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم محمد : ( 1 ) الذين كفروا وصدوا . . . . . ) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ( امتنعوا عن الدخول في الإسلام وسلوك طريقه أو منعوا الناس عنه كالمطعمين يوم بدر أو شياطين قريش أو المصريين من أهل الكتاب أو عام في جميع من كفر وصد ) أضل أعمالهم ( جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن أو ضلال حيث لم يقصدوا به وجه الله أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله محمد : ( 2 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات ( يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم ) وآمنوا بما نزل على محمد ( تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيما له وإشعارا بأن الإيمان لا يتم دونه وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله ) وهو الحق من ربهم ( اعتراضا على طريقة الحصر وقيل حقيقته بكونه ناسخا لا ينسخ وقرئ نزل على البناء للفاعل وأنزل على البناءين ونزل بالتخفيف ) كفر عنهم سيئاتهم ( سترها بالإيمان وعملهم الصالح ) وأصلح بالهم ( في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد محمد : ( 3 ) ذلك بأن الذين . . . . . ) ذلك ( إشار إلى مرة من الإضلال والتكفير والإصلاح وهو مبتدا خبره ) بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ( ________________________________________ " صفحة رقم 189 " بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيرا ) كذلك ( مثل ذلك الضرب ) يضرب الله للناس ( يبين لهم ) أمثالهم ( أحوال الفريقين أو أحوال الناس أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والإضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلا للمؤمنين وتكفير السيئات مثلا لفوزهم محمد : ( 4 ) فإذا لقيتم الذين . . . . . ) فإذا لقيتم الذين كفروا ( في المحاربة ) فضرب الرقاب ( أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر وأنيب منابه مضافا إلى المفعول ضما إلى التأكيد والإختصار والتعبير به عن القتل إشعارا بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن وتصوير له بأشنع صورة ) حتى إذا أثخنتموهم ( أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ ) فشدوا الوثاق ( فأسروهم واحفظوهم والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به ) فإما منا بعد وإما فداء ( أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإطلاق وبين أخذ الفداء وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإمام بين القتل والمن والفداء والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق وقرىء فدا كعصا ) حتى تضع الحرب أوزارها ( آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم وقيل آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيها حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام ) ذلك ( أي الأمر ذلك أو افعلوا بهم ذلك ) ولو يشاء الله لانتصر منهم ( لانتقم منهم بالاستئصال ) ولكن ليبلو بعضكم ببعض ( ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ________________________________________ " صفحة رقم 190 " ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر ) والذين قتلوا في سبيل الله ( أي جاهدوا وقرأ البصريان وحفص أي استشهدوا ) فلن يضل أعمالهم ( فلن يضيعها وقرىء يضل من ضل ويضل على البناء للمفعول محمد : ( 5 ) سيهديهم ويصلح بالهم ) سيهديهم ( إلى الثواب أو سيثبت هدايتهم ) ويصلح بالهم ) محمد : ( 6 ) ويدخلهم الجنة عرفها . . . . . ) ويدخلهم الجنة عرفها لهم ( وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به أو بينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة أو حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة محمد : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ( إن تنصروا دينه ورسوله ) ينصركم ( على عدوكم ) ويثبت أقدامكم ( في القيام بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار محمد : ( 8 ) والذين كفروا فتعسا . . . . . ) والذين كفروا فتعسا لهم ( فعثورا لهم وانحطاطا ونقضه لعا قال الأعشى " فالتعس أولى بها من أن أقول لعا " وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعا والجملة خبر ) الذين كفروا ( أو مفسرة لناصبه ) وأضل أعمالهم ( عطف عليه محمد : ( 9 ) ذلك بأنهم كرهوا . . . . . ) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ( القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم وهو تخصيص وتصريح بسببه الكفر بالقرآن للتعس والإضلال ) فأحبط أعمالهم ( كرره إشعارا بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال محمد : ( 10 ) أفلم يسيروا في . . . . . ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم ( استأصل عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ) وللكافرين ( من وضع الظاهر موضع المضمر ) أمثالها ( أمثال تلك العاقبة أو العقوبة أو الهلكة لأن التدمير يدل عليها أو السنة لقوله ) سنة الله التي قد خلت ( ________________________________________ " صفحة رقم 191 " محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . . ) ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ( ناصرهم على أعدائهم ) وأن الكافرين لا مولى لهم ( فيدفع العذاب عنهم وهو لا يخالف قوله ) وردوا إلى الله مولاهم الحق ( فإن المولى فيه بمعنى المالك محمد : ( 12 ) إن الله يدخل . . . . . ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ( ينتفعون بمتاع الدنيا ) ويأكلون كما تأكل الأنعام ( حريصين غافلين عن العاقبة ) والنار مثوى لهم ( منزل ومقام محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . . ) وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ( على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه والإخراج باعتبار التسبب ) أهلكناهم ( بأنواع العذاب ) فلا ناصر لهم ( يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . . ) أفمن كان على بينة من ربه ( حجة من عنده وهو القرآن أو ما يعمه والحجج العقلية كالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) كمن زين له سوء عمله ( كالشرك والمعاصي ) واتبعوا أهواءهم ( في ذلك لا شبهة لهم عليه فضلا عن حجة محمد : ( 15 ) مثل الجنة التي . . . . . ) مثل الجنة التي وعد المتقون ( أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة وقيل مبتدأ خبره ) كمن هو خالد في النار ( وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويرا لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار وهو على الأول خبر محذوف تقديره أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو ________________________________________ " صفحة رقم 192 " خالد في النار أو بدل من قوله ) كمن زين ( وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريرا لإنكار المساواة ) فيها أنهار من ماء غير آسن ( استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف أو خبر لمثل و ) آسن ( من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه أو بالكسر على معنى الحدوث وقرأ ابن كثير أسن ) وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ( لم يصر قارصا و لا حازرا ) وأنهار من خمر لذة للشاربين ( لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة ) وأنهار من عسل مصفى ( لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها ) ولهم فيها من كل الثمرات ( صنف على هذا القياس ) ومغفرة من ربهم ( عطف على الصنف المحذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة ) كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما ( مكان تلك الأشربة ) فقطع أمعاءهم ( من فرط الحرارة محمد : ( 16 ) ومنهم من يستمع . . . . . ) ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك ( يعني المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وسمعون كلامه فإذا خرجوا ) قالوا للذين أوتوا العلم ( أي لعلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ) ماذا قال آنفا ( ما الذي قال الساعة استهزاء أو استعلاما إذا لم يلقوا له آذانهم تهاونا به و ) آنفا ( من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتا مؤتنفا أو حال من الضمير في قال وقرأ ابن كثير ) آنفا ( ________________________________________ " صفحة رقم 193 " ) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ( فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه محمد : ( 17 ) والذين اهتدوا زادهم . . . . . ) والذين اهتدوا زادهم هدى ( أي زادهم الله بالتوفيق والإلهام أو قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وآتاهم تقواهم ( بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها محمد : ( 18 ) فهل ينظرون إلا . . . . . ) فهل ينظرون إلا الساعة ( فهل ينتظرون غيرها ) أن تأتيهم بغتة ( بدل اشتمال من ) الساعة ( وقوله ) فقد جاء أشراطها ( كالعلة له وقرىء أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه ) فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وانشقاق القمر فكيف لهم ) ذكراهم ( أي تذكرهم ) إذا جاءتهم ( الساعة بغتة وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع محمد : ( 19 ) فاعلم أنه لا . . . . . ) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ( أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار ) لذنبك ( ) وللمؤمنين والمؤمنات ( ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعي غفرانهم وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى ) والله يعلم متقلبكم ( في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها ) ومثواكم ( في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم محمد : ( 20 ) ويقول الذين آمنوا . . . . . ) ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ( أي هلا ) نزلت سورة ( في أمر الجهاد ) فإذا أنزلت سورة محكمة ( مبينة لا تشابه فيها ) وذكر فيها القتال ( أي الأمر به ) رأيت الذين في قلوبهم مرض ( ضعف في الدين وقيل نفاق ) ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ( ________________________________________ " صفحة رقم 194 " جبنا ومخافة ) فأولى لهم ( فويل ) لهم ( أفعل من الولى وهو القرب أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم محمد : ( 21 - 22 ) طاعة وقول معروف . . . . . ) طاعة وقول معروف ( استئناف أي أمرهم ) طاعة ( أو ) طاعة وقول معروف ( خير لهم أو حكاية قولهم لقراءة أبي يقولون طاعة ) فإذا عزم الأمر ( أي جد وهو لأصحاب الأمر وإسناده إليه مجاز وعامل الظرف محذوف وقيل ) فلو صدقوا الله ( أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإيمان ) لكان ( الصدق ) خيرا لهم فهل عسيتم ( فهل يتوقع منكم ) إن توليتم ( أمور الناس وتأمرتم عليهم أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام ) أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( تناحرا على الولاية وتجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم هل عسيتم وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لا يلحقون الضمير به وخبره ) أن تفسدوا ( و ) إن توليتم ( اعتراض وعن يعقوب ) توليتم ( أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم ) وتقطعوا ( من القطع وقرىء / تقطعوا / من التقطع محمد : ( 23 ) أولئك الذين لعنهم . . . . . ) أولئك ( إشارة إلى المذكورين ) الذين لعنهم الله ( لإفسادهم وقطعهم الأرحام ) فأصمهم ( عن استماع الحق ) وأعمى أبصارهم ( فلا يهتدون سبيله محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . . ) أفلا يتدبرون القرآن ( يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي ) أم على قلوب أقفالها ( لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر وقيل ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير وتنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو ________________________________________ " صفحة رقم 195 " لإشعار بأنهم لإبهام أمرها في القساوة أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة وقرىء أقفالها على المصدر محمد : ( 25 ) إن الذين ارتدوا . . . . . ) إن الذين ارتدوا على أدبارهم ( أي ما كانوا عليه من الكفر ) من بعد ما تبين لهم الهدى ( بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة ) الشيطان سول لهم ( سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واوا لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرىء سول على تقدير مضاف أي كيد الشيطان ) سول لهم ( ) وأملي لهم ( ومد لهم في الامال والأماني أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب وأملي لهم أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف وقرأ أبو عمرو وأملي لهم على البناء للمفعول وهو ضمير ) الشيطان ( أو ) لهم ) محمد : ( 26 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . . ) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله ( أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعدما تبين لهم نعته للمنافقين أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين ) سنطيعكم في بعض الأمر ( في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا والتظافر على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) والله يعلم إسرارهم ( ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص إسرارهم على المصدر محمد : ( 27 ) فكيف إذا توفتهم . . . . . ) فكيف إذا توفتهم الملائكة ( فكيف يعملون ويحتالون حينئذ وقرىء توفاهم وهو يحتمل الماضي والمضارع المحذوف تاءيه ) يضربون وجوههم وأدبارهم ( تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له محمد : ( 28 ) ذلك بأنهم اتبعوا . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى التوفي الموصوف ) بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ( من الكفر ككتمان نعت الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعصيان الأمر ) وكرهوا رضوانه ( ما يرضاه من الإيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات ) فأحبط أعمالهم ( لذلك محمد : ( 29 ) أم حسب الذين . . . . . ) أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله ( أن لن يبرز الله لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) أضغانهم ( أحقادهم ________________________________________ " صفحة رقم 196 " محمد : ( 30 ) ولو نشاء لأريناكهم . . . . . ) ولو نشاء لأريناكهم ( لعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم ) فلعرفتهم بسيماهم ( بعلاماتهم التي نسمهم بها واللام لام الجواب كررت في المعطوف ) ولتعرفنهم في لحن القول ( جواب قسم محذوف و ) لحن القول ( أسلوبه أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية ومنه قيل للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب ) والله يعلم أعمالكم ( فيجازيكم على حساب قصدكم إذ الأعمال بالنيات محمد : ( 31 ) ولنبلونكم حتى نعلم . . . . . ) ولنبلونكم ( بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة ) حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ( على مشاقه ) ونبلو أخباركم ( ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها وقبحها أو أخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة بالياء لتوافق ما قبلها وعن يعقوب ونبلو بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو محمد : ( 32 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ( هم قريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر ) لن يضروا الله شيئا ( بكفرهم وصدهم أو لن يضروا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته ) وسيحبط أعمالهم ( ثواب حسنات أعمالهم بذلك أو مكايدهم التي نصبوها في مشاقته فلا يصلون بها إلى مقاصدهم ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم محمد : ( 33 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ( بما أبطل به هؤلاء كالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر محمد : ( 34 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ( عام في كل من مات على كفره وإن صح نزوله في أصحاب القليب ويدل بمفهومه على أنه قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه محمد : ( 35 ) فلا تهنوا وتدعوا . . . . . ) فلا تهنوا ( فلا تضعفوا ) وتدعوا إلى السلم ( ولا تدعوا إلى الصلح خورا وتذللا ________________________________________ " صفحة رقم 197 " ويجوز نصبه بإضمار إن وقرىء ولا تدعوا من ادعى بمعنى دعا وقرىء أبو بكر و حمزة بكسر السين ) وأنتم الأعلون ( الأغلبون ) والله معكم ( ناصركم ) ولن يتركم أعمالكم ( ولن يضيع أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت متعلقا به من قريب أو حميم فأفردته منه من الوتر شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه محمد : ( 36 ) إنما الحياة الدنيا . . . . . ) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ( لا ثبات لها ) وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ( ثواب إيمانكم وتقواكم ) ولا يسألكم أموالكم ( جميع أموالكم بل يقتصر على جزء يسير كربع العشر والعشر محمد : ( 37 ) إن يسألكموها فيحفكم . . . . . ) إن يسألكموها فيحفكم ( فيجهدكم بطلب الكل والإحفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية يقال أحفى شاربه إذ أستأصله ) تبخلوا ( فلا تعطوا ) ويخرج أضغانكم ( ويضغنكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والضمير في يخرج لله تعالى ويؤيده القراءة بالنون أو البخل لأنه سبب الإضغان وقرىء وتخرج بالتاء والياء ورفع ) أضغانكم ) محمد : ( 38 ) ها أنتم هؤلاء . . . . . ) ها أنتم هؤلاء ( أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون وقوله ) تدعون لتنفقوا في سبيل الله ( استئناف مقرر لذلك أو صلة ل ) هؤلاء ( على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما ) فمنكم من يبخل ( ناس يبخلون وهو كالدليل على الآية المتقدمة ) ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ( فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدي فإنه إمساك عن مستحق ) والله الغني وأنتم الفقراء ( فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إليه فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم ) وإن تتولوا ( عطف على إن تومنوا ) يستبدل قوما غيركم ( يقم مقامكم قوما آخرين ) ثم لا يكونوا أمثالكم ( في التولي والزهد في الإيمان وهم الفرس لأنه ________________________________________ " صفحة رقم 198 " سئل ( صلى الله عليه وسلم ) عنه وكان سلمان إلى جنبه فضرب فخذه وقال هذا وقومه أو الأنصار أو اليمن أو الملائكة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة محمد كان حقا على الله أن يسقيه من أنهار الجنة ________________________________________ " صفحة رقم 199 " سورة الفتح مدنية نزلت في مرجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية وآيها تسع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الفتح : ( 1 ) إنا فتحنا لك . . . . . ) إنا فتحنا لك فتحا مبينا ( وعد بفتح مكة والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة وفرغ به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع وأدخل في الإسلام خلقا عظيما وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة وقد عرفت كونه فتحا للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في سورة الروم وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل الفتح : ( 2 ) ليغفر لك الله . . . . . ) ليغفر لك الله ( علة للفتح من حيث أنه مسبب عن جهاد الكفار والسعي في إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيارا وتخليص ________________________________________ " صفحة رقم 200 " الضعفة عن أيدي الظلمة ) ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه ) ويتم نعمته عليك ( بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة ) ويهديك صراطا مستقيما ( في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرئاسة الفتح : ( 3 ) وينصرك الله نصرا . . . . . ) وينصرك الله نصرا عزيزا ( نصرا فيه عز ومنعة أو يعز به المنصور فوصف بوصفه مبالغة الفتح : ( 4 ) هو الذي أنزل . . . . . ) هو الذي أنزل السكينة ( الثبات والطمأنينة ) في قلوب المؤمنين ( حتى ثبتوا حيث تقلق النفوس وتدحض الأقدام ) ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ( يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها أو نزل فيها السكون إلى ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ليزدادوا إيمانا بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر ) ولله جنود السماوات والأرض ( يدبر أمرها فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينهم السلم أخرى كما تقتضيه حكمته ) وكان الله عليما ( بالمصالح ) حكيما ( فيما يقدر ويدبر الفتح : ( 5 ) ليدخل المؤمنين والمؤمنات . . . . . ) ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( علة بما بعده لما دل عليه قوله تعالى ) ولله جنود السماوات والأرض ( من معنى التدبير أي دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله فيه ويشكروها فيدخلهم الجنة ويعذب الكفار والمنافقين لما غاظهم من ذلك أو ) فتحنا ( أو ) أنزل ( أو جميع ما ذكر أو ) ليزدادوا ( وقيل أنه بدل منه بدل الاشتمال ) ويكفر عنهم سيئاتهم ( يغطيها ولا يظهرها ) وكان ذلك ( أي الإدخال والتكفير ) عند الله فوزا عظيما ( لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضر وعند حال من الفوز ________________________________________ " صفحة رقم 201 " الفتح : ( 6 ) ويعذب المنافقين والمنافقات . . . . . ) ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ( عطف على ) يدخل ( إلا إذا جعلته بدلا فيكون عطفا على المبدل منه ) الظانين بالله ظن السوء ( دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين لا يتخطاهم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) دائرة السوء ( بالضم وهما لغتان غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما في الأصل مصدر ) وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم ( عطف على لما استحقوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدنيا والواو في الأخيرين والموضع موضع الفاء إذ اللعن سبب للأعداد والغضب سبب له لاستقلال الكل في الوعيد بلا اعتبار النسبية ) وساءت مصيرا ( جهنم الفتح : ( 7 ) ولله جنود السماوات . . . . . ) ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما ) الفتح : ( 8 ) إنا أرسلناك شاهدا . . . . . ) إنا أرسلناك شاهدا ( على أمتك ) ومبشرا ونذيرا ( على الطاعة والمعصية الفتح : ( 9 ) لتؤمنوا بالله ورسوله . . . . . ) لتؤمنوا بالله ورسوله ( الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأمة أو لهم على أن خطابه منزل منزلة خطابهم ) وتعزروه ( وتقووه بتقوية دينه ورسوله ) وتوقروه ( وتعظموه ) وتسبحوه ( وتنزهوه أو تصلوا له ) بكرة وأصيلا ( غدوة وعشيا أو دائما وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة بالياء وقرىء تعزروه بسكون العين وتعزروه بفتح التاء وضم الزاي وكسرها وتعزروه بالزاءين وتوقروه من أوقره بمعنى وقره الفتح : ( 10 ) إن الذين يبايعونك . . . . . ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( لأنه المقصود ببيعته ) يد الله فوق أيديهم ( حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل ) فمن نكث ( نقض العهد ) فإنما ينكث على نفسه ( فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه ) ومن أوفى بما عاهد عليه الله ( في مبايعته ) فسيؤتيه أجرا عظيما ( هو الجنة وقرئ عهد وقرأ حفص ) عليه ( بضم الهاء وابن كثير ونافع وابن عامر وروح / فسنؤتيه / بالنون نزلت في بيعة الرضوان ________________________________________ " صفحة رقم 202 " الفتح : ( 11 ) سيقول لك المخلفون . . . . . ) سيقول لك المخلفون من الأعراب ( هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علم الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم ) شغلتنا أموالنا وأهلونا ( إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم وقرئ بالتشديد للتكثير ) فاستغفر لنا ( من الله على التخلف ) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار ) قل فمن يملك لكم من الله شيئا ( فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه ) إن أراد بكم ضرا ( ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف وقرأ حمزة والكسائي بالضم ) أو أراد بكم نفعا ( ما يضاد ذلك وهو تعريض بالرد ) بل كان الله بما تعملون خبيرا ( فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه الفتح : ( 12 ) بل ظننتم أن . . . . . ) بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ( لظنكم أن المشركين يستأصلونهم وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهله وأما أهال فاسم جمع كليال ) وزين ذلك في قلوبكم ( فتمكن فيها وقرئ على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان ) وظننتم ظن السوء ( الظن المذكور والمراد التسجيل عليه ب ) السوء ( أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة ) وكنتم قوما بورا ( هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم الفتح : ( 13 ) ومن لم يؤمن . . . . . ) ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ( وضع الكافرين موضع الضمير إيذانا بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعيرا للتهويل أو لأنها نار مخصوصة ________________________________________ " صفحة رقم 203 " الفتح : ( 14 ) ولله ملك السماوات . . . . . ) ولله ملك السماوات والأرض ( يدبره كيف يشاء ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( إذ لا وجوب عليه ) وكان الله غفورا رحيما ( فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض ولذلك جاء في الحديث الإلهي سبقت رحمتي غضبي الفتح : ( 15 ) سيقول المخلفون إذا . . . . . ) سيقول المخلفون ( يعني المذكورين ) إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ( يعني مغانم خيبر فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم ثم عزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة فخصها بهم ) ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله ( أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر وقيل قوله تعالى ) لن تخرجوا معي أبدا ( والظاهر أنه في تبوك والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي كلم الله وهو جمع كلمة ) قل لن تتبعونا ( نفي في معنى النهي ) كذلكم قال الله من قبل ( من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر ) فسيقولون بل تحسدوننا ( أن يشارككم في الغنائم وقرئ بالكسر ) بل كانوا لا يفقهون ( لا يفهمون ) إلا قليلا ( إلا فهما قليلا وهو فطنتهم لأمور الدنيا ومعنى الإضراب الأول رد منهم أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات للحسد والثاني رد من الله لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدين الفتح : ( 16 ) قل للمخلفين من . . . . . ) قل للمخلفين من الأعراب ( كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعارا بشناعة التخلف ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ( بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو المشركين فإنه قال ) تقاتلونهم أو يسلمون ( أي يكون أحد الأمرين أما المقاتلة أو الإسلام لا غير كما دل عليه قراءة أو يسلموا ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو ________________________________________ " صفحة رقم 204 " يعطي الجزية وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح انهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان في عهد النبوة وقيل فارس والروم ومعنى ) يسلمون ( ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية ) فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ( هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة ) وإن تتولوا كما توليتم من قبل ( عن الحديبية ) يعذبكم عذابا أليما ( لتضاعف جرمكم الفتح : ( 17 ) ليس على الأعمى . . . . . ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( لما أوعد على التخلف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد ) ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ( فصل الوعد واجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال ) ومن يتول يعذبه عذابا أليما ( إذ الترهيب ها هنا أنفع من الترغيب وقرأ نافع وابن عامر ندخلة نعذبه بالنون الفتح : ( 18 ) لقد رضي الله . . . . . ) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه فحبسوه فأرجف بقتله فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وكانوا ألفا وثلثمائة أو وأربعمائة أو وخمسمائة وبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا عنهم وكان جالسا تحت سمرة أو سدرة ) فعلم ما في قلوبهم ( من الإخلاص ) فأنزل السكينة عليهم ( الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح ) وأثابهم فتحا قريبا ( فتح خيبر غب انصرافهم وقيل مكة أو هجر الفتح : ( 19 ) ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . . ) ومغانم كثيرة يأخذونها ( يعني مغانم خيبر ) وكان الله عزيزا حكيما ( غالبا مراعيا مقتضى الحكمة ________________________________________ " صفحة رقم 205 " الفتح : ( 20 ) وعدكم الله مغانم . . . . . ) وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ( وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة ) فعجل لكم هذه ( يعني مقام خيبر ) وكف أيدي الناس عنكم ( أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان أو أيدي قريش بالصلح ) ولتكون ( هذه الكفة أو الغنيمة ) آية للمؤمنين ( أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية أو وعد المغانم أو عنوانا لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة ل ) كف ( أو عجل مثل لتسلموا أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك ) ويهديكم صراطا مستقيما ( هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه الفتح : ( 21 ) وأخرى لم تقدروا . . . . . ) وأخرى ( ومغانم أخرى معطوفة على هذه أو منصوبة بفعل يفسره ) قد أحاط الله بها ( مثل قضى ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب ) لم تقدروا عليها ( بعد لما كان فيها من الجولة ) قد أحاط الله بها ( استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس ) وكان الله على كل شيء قديرا ( لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء الفتح : ( 22 ) ولو قاتلكم الذين . . . . . ) ولو قاتلكم الذين كفروا ( من أهل مكة ولم يصالحوا ) لولوا الأدبار ( لانهزموا ) ثم لا يجدون وليا ( يحرسهم ) ولا نصيرا ( ينصرهم الفتح : ( 23 ) سنة الله التي . . . . . ) سنة الله التي قد خلت من قبل ( أي سن غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى ) لأغلبن أنا ورسلي ( ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ( تغييرا الفتح : ( 24 ) وهو الذي كف . . . . . ) وهو الذي كف أيديهم عنكم ( أي أيدي كفار مكة ) وأيديكم عنهم ببطن مكة ( في داخل مكة ) من بعد أن أظفركم عليهم ( أظهركم عليهم وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالد بن الوليد على جند فهزمهم ________________________________________ " صفحة رقم 206 " حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله ) وكان الله بما تعملون ( من مقاتلتهم اولا طاعة لرسوله وكفهم ثانيا لتعظيم بيته وقرأ أبو عمرو بالياء ) بصيرا ( فيجازيهم عليه الفتح : ( 25 ) هم الذين كفروا . . . . . ) هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ( يدل على أن ذلك كان عام الحديبية والهدي ما يهدي إلى مكة وقرىء ) الهدى ( وهو فعيل بمعنى مفعول ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانة الذي لا يجوز أن ينحر في غيره وإلا لما نحره الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم ) ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ( لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين ) أن تطؤوهم ( أن توقعوا بهم وتبيدهم قال " ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد ثابت الهرم " ________________________________________ " صفحة رقم 207 " وقال ( صلى الله عليه وسلم ) إن آخر وطأة وطئها الله بوج وهو واد بالطائف كان آخر وقعة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بها وأصله الدوس وهو بدل الاشتمال من ) رجال ( ) ونساء ( أو من ضميرهم في ) تعلموهم ( ) فتصيبكم منهم ( من جهتهم ) معرة ( مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم وللتأسف عليهم وتعيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث عنهم مفعلة عن عره إذا أعراه ما يكرهه ) بغير علم ( متعلق ب ) أن تطؤوهم ( أي تطؤهم غير عالمين بهم وجواب ) لولا ( محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى ) لولا ( كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم يصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم ) ليدخل الله في رحمته ( علة لما دل عليه كف الأيدي عن أهل مكة صونا لمن فيها من المؤمنين أي كان ذلك ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير أو للإسلام ) من يشاء ( من مؤمنيهم أو مشركيهم ) لو تزيلوا ( لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض وقرىء تزايلوا ) لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ( بالقتل والسبي الفتح : ( 26 ) إذ جعل الذين . . . . . ) إذ جعل الذين كفروا ( مقدر باذكر أو ظرف ) لعذبنا ( أو ) صدوكم ( ) في قلوبهم الحمية ( الأنفة ) حمية الجاهلية ( التي تمنع إذعان الحق ) فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو أو حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة ايام فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لعلي رضي الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا ________________________________________ " صفحة رقم 208 " وتحملوا ) وألزمهم كلمة التقوى ( كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة ال ) كلمة ( إلى ) التقوى ( لأنها سببها أو كلمة أهلها ) وكانوا أحق بها ( من غيرهم ) وأهلها ( والمستأهلين لها ) وكان الله بكل شيء عليما ( فيعلم أهل كل شيء وييسره له الفتح : ( 27 ) لقد صدق الله . . . . . ) لقد صدق الله رسوله الرؤيا ( رأى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه وصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا ان ذلك يكون في عامهم فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا و لا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه ) بالحق ( ملتبسا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل ويجوز أن يكون ) بالحق ( صفة مصدر محذوف أي صدقا ملتبسا ) بالحق ( وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإيمان والمتزلزل فيه وأن يكون قسما إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله ) لتدخلن المسجد الحرام ( جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف ) إن شاء الله ( تعليق للعدة بالمشيئة تعليما للعباد أو إشعارا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا إو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه ) آمنين ( حال من الواو والشرط معترض ) محلقين رؤوسكم ومقصرين ( أي محلقا بعضكم ومقصرا آخرون ) لا تخافون ( حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك ) فعلم ما لم تعلموا ( من الحكمة في تأخير ذلك ) فجعل من دون ذلك ( من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة ) فتحا قريبا ( هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود الفتح : ( 28 ) هو الذي أرسل . . . . . ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( ملتبسا به أو بسببه أو لأجله ) ودين الحق ( وبدين الإسلام ) ليظهره على الدين كله ( ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقا وإظهار فساد ما كان باطلا أو بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم ________________________________________ " صفحة رقم 209 " المسلمون وفيه تأكيد لما وعده من الفتح ) وكفى بالله شهيدا ( على أن ما وعده كائن أو على نبوته بإظهار المعجزات الفتح : ( 29 ) محمد رسول الله . . . . . ) محمد رسول الله ( جملة مبينة للمشهود به ويجوز أن يكون ) رسول الله ( صفة و ) محمد ( خبر محذوف أو مبتدأ ) والذين معه ( معطوف عليه وخبرهما ) أشداء على الكفار رحماء بينهم ( و ) أشداء ( جمع شديد و ) رحماء ( جمع رحيم والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله ) أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( ) تراهم ركعا سجدا ( لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم ) يبتغون فضلا من الله ورضوانا ( الثواب والرضا ) سيماهم في وجوههم من أثر السجود ( يريد السمة التي تحدث في جباهم من كثرة السجود فعلى من سامه إذا أعلمه وقد قرئت ممدودة و ) من أثر السجود ( بيانها أو حال من المستكن في الجار ) ذلك ( إشارة إلى الوصف المذكور أو إشارة مبهمة يفسرها ) كزرع ( ) مثلهم في التوراة ( صفتهم العجبية الشأن المذكور فيها ) ومثلهم في الإنجيل ( عطف عليه أي ذلك مثلهم في الكتابين وقوله ) كزرع ( تمثيل مستأنف أو تفسير أو مبتدأ و ) كزرع ( خبره ) أخرج شطأه ( فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ وقرأ ابن كثير وابن عامر برواية ابن ذكوان ) شطأه ( بفتحات وهو لغة فيه وقرىء شطاه بتخفيف الهمزة وشطاءه بالمد وشطه بنقل حركة الهمزة وحذفها وشطوه بقلبها واوا ) فآزره ( فقواه من المؤازرة وهي المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان فأزره كأجره في آجره ) فاستغلظ ( فصار من الدقة إلى الغلظ ) فاستوى على سوقه ( فاستقام على قصبه جمع ساق وعن ابن كثير سؤقه بالهمزة ) يعجب الزراع ( بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة قلوا في بدء الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى ________________________________________ " صفحة رقم 210 " أمرهم بحيث أعجب الناس ) ليغيظ بهم الكفار ( علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه أو لقوله ) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ( فإن الكفار لما سمعوه غاظهم ذلك ومنهم للبيان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتح مكة ________________________________________ " صفحة رقم 211 " سورة الحجرات مدنية وآيها ثماني عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الحجرات : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا ( أي لا تقدموا أمرا فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كل ما يمكن أو ترك لأن المقصود نفي التقديم رأسا أو لا تتقدموا ومنه مقدمة الجيش لمتقدميهم ويؤيده قراءة يعقوب لا تقدموا وقرىء لا تقدموا من القدوم ) بين يدي الله ورسوله ( مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان تهجينا لما نهوا عنه والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به وقيل المراد بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله ) واتقوا الله ( في التقديم أو مخالفة الحكم ) إن الله سميع ( لأقوالكم ) عليم ( بأفعالكم الحجرات : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( أي إذا كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته ) ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ( ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته محاماة على الترحيب ومراعاة للأدب وقيل معناه ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا وخاطبوه بالنبي والرسول وتكرير النداء لا ستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة في الاتعاظ والدلالة على ________________________________________ " صفحة رقم 212 " استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به ) أن تحبط أعمالكم ( كراهة أن تحبط فيكون علة للنهي أو لأن تحبط على أن النهي عن الفعل المعلل باعتبار التأدية لأن في الجهر والرفع استخفافا قد يؤدي إلى الكفر المحبط وذلك إذ انضم إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة وقد روي أن ثابت بن قيس كان في أذنه وقر وكان جهوريا فلما نزلت تخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتفقده ودعا فقال يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة ) وأنتم لا تشعرون ( أنها محبطة الحجرات : ( 3 ) إن الذين يغضون . . . . . ) إن الذين يغضون أصواتهم ( يخفضونها ) عند رسول الله ( مراعاة للأدب أو مخافة عن مخالفة النهي قيل كان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسرانه حتى يستفهمهما ) أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ( جربها للتقوى ومرنها عليها أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها فإن الامتحان سبب المعرفة واللام صلة محذوف أو للفعل باعتبار الأصل أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر عظيم ( لغضهم وسائر طاعاتهم والتنكير للتعظيم والجملة خبر ثان لأن أو استئناف لبيان ما هو جزاء الغاضبين إحمادا لحالهم كما أخبر عنهم بجملة مؤلفة من معرفتين والمبتدأ اسم الإشارة المتضمن لما جعل عنوانا لهم والخبر الموصول بصلة ________________________________________ " صفحة رقم 213 " دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة في الاعتداد بغضهم والارتضاء له وتعريضا بشناعة الرفع والجهر وأن حال المرتكب لهما على خلاف ذلك الحجرات : ( 4 ) إن الذين ينادونك . . . . . ) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ( من خارجها خلفها أو قدامها ومن ابتدائية فإن المناداة نشأت من جهة الوراء وفائدتها الدلالة على أن المنادي داخل الحجرة إذ لا بد وأن يختلف المبتدأ والمنتهى بالجهة وقرىء الحجرات بفتح الجيم وسكونها وثلاثتها جمع حجرة وهي القطعة من الأرض المحجورة بحائط ولذلك يقال لحظيرة الإبل حجرة وهي فعلة بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة والمراد حجرات نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفيها كناية عن خلوته بالنساء ومناداتهم من ورائها بإبأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له فأسند فعل الأبعاض إلى الكل وقيل إن الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وفدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد اخرج إلينا وإنما أسند إلى جميعهم لأنهم رضوا بذلك أو أمروا به أو لأنه وجد فيما بينهم ) أكثرهم لا يعقلون ( إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة سيما لمن كان بهذا المنصب الحجرات : ( 5 ) ولو أنهم صبروا . . . . . ) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ( أي ولو ثبت صبرهم وانتظارهم حتى تخرج إليهم فإن أن وإن دلت بما في حيزها على المصدر دلت بنفسها على الثبوت ولذلك وجب إضمار الفعل وحتى تفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مغنيا بخروجه فإن حتى مختصة بغاية الشيء في نفسه ولذلك تقول أكلت السمكة حتى رأسها ولا تقول نصفها ________________________________________ " صفحة رقم 214 " بخلاف إلى فإنها عامة وفي ) إليهم ( إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم ) لكان خيرا لهم ( لكان الصبر خيرا لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب والإسعاف بالمسؤول إذ روي انهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر فأطلق النصف وفادى النصف ) والله غفور رحيم ( حيث اقتصر على النصح والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب التاركين تعظيم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الحجرات : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ( فتعرفوا وتصفحوا روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) بعث الوليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق وكان بينه وبينهم إحنة فلما سمعوا به استقبلوه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فهم بقتالهم فنزلت وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع وتنكير الفاسق والنبأ للتعميم وتعليق الأمر بالتبين على فسق المخبر يقتضي جواز قبول خبر العدل من حيث إن المعلق على شيء بكلمة إن عدم عند عدمه وأن خبر الواحد لو وجب تبينه من حيث هو كذلك لما رتب على الفسق إذ الترتيب يفيد التعليل وما بالذات لا يعلل بالغير وقرأ حمزة والكسائي فتثبتوا أي فتوقفوا إلى أن يتبين لكم الحال ) أن تصيبوا ( كراهة إصابتكم ) قوما بجهالة ( جاهلين بحالهم ) فتصبحوا ( فتصيروا ) على ما فعلتم نادمين ( مغتمين غما لازما متمنين أنه لم يقع وتركيب هذه الأحرف الثلاثة دائر مع الدوام الحجرات : ( 7 ) واعلموا أن فيكم . . . . . ) واعلموا أن فيكم رسول الله ( أن بما في حيزه ساد مسد مفعولي اعلموا باعتبار ما قيد ________________________________________ " صفحة رقم 215 " به من الحال وهو قوله ) لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ( فإنه حال من أحد ضميري فيكم ولو جعل استئنافا لم يظهر للأمر فائدة والمعنى أن فيكم رسول الله على حال يجب تغييرها وهي أنكم تريدون أن يتبع رأيكم في الحوادث ولو فعل ذلك ) لعنتم ( أي لوقعتم في الجهد من العنت وفيه إشعار بأن بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق وقوله ) ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ( استدراك ببيان عذرهم وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكراهتهم للكفر حملهم على ذلك لما سمعوا قول الوليد أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إحمادا لفعلهم وتعريضا بذم من فعل ويؤيده قوله ) أولئك هم الراشدون ( أي أولئك المستثنون هم الذين أصابوا الطريق السوي ) وكره ( يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فإذا شدد زاد له آخر لكنه لما تضمن معنى التبعيض نزل كره منزلة بغض فعدي إلى آخر بإلى أو نزل إليكم منزلة مفعول آخر و ) الكفر ( تغطية نعم الله بالجحود ) والفسوق ( الخروج عن القصد ) والعصيان ( الامتناع عن الانقياد الحجرات : ( 8 ) فضلا من الله . . . . . ) فضلا من الله ونعمة ( تعليل ل ) كرة ( أو ) حبب ( وما بينهما اعتراض لا لا ) الراشدون ( فإن الفضل فعل الله والرشد وإن كان مسببا عن فعله مسند إلى ضميرهم أو مصدر لغير فعله فإن التحبيب والرشد فضل من الله وإنعام ) والله عليم ( بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل ) حكيم ( حيث يفضل وينعم بالتوفيق عليهم الحجرات : ( 9 ) وإن طائفتان من . . . . . ) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع ) فأصلحوا بينهما ( بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى ) فإن بغت إحداهما على الأخرى ( ________________________________________ " صفحة رقم 216 " تعدت عليها ) فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ( ترجع إلى حكمه أو ما أمر به وإنما أطلق الفيء على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس والغنيمة لرجوعها من الكفار إلى المسلمين ) فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ( بفصل ما بينهما على ما حكم الله و تقييد الإصلاح بالعدل ها هنا لأنة مظنة الحيف من حيث إنه بعد المقاتلة ) وأقسطوا ( واعدلوا في كل الأمور ) إن الله يحب المقسطين ( يحمد فعلهم بحسن الجزاء والآية نزلت في قتال حدث بين الآوس والخزرج في عهده ( صلى الله عليه وسلم ) بالسعف والنعال وهي تدل على أن الباغي مؤمن وأنه إذا قبض عن الحرب ترك كما جاء في الحديث لأنه فيء إلى أمر الله تعالى وأنه يجب معاونة من بغي عليه بعد تقديم النصح والسعي في المصالحة الحجرات : ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة . . . . . ) إنما المؤمنون إخوة ( من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح ولذلك كرره مرتبا عليه بالفاء فقال ) فأصلحوا بين أخويكم ( ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتخصيص وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج وقرىء بين إخوتكم و إخوانكم ) واتقوا الله ( في ________________________________________ " صفحة رقم 217 " مخالفة حكمه والإهمال فيه ) لعلكم ترحمون ( على تقواكم الحجرات : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ( أي لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر والقوم مختص بالرجال لأنه إما مصدر نعت به فشاع في الجمع أو جمع لقائم كزائر وزور والقيام بالأمور وظيفة الرجال كما قال الله تعالى ) الرجال قوامون على النساء ( وحيث فسر بالقبيلين كقوم عاد وفرعون فإما على التغليب أو الاكتفاء بذكر الرجال على ذكرهن لأنهن توابع واختيار الجمع لأن السخرية تغلب في المجامع و ) عسى ( باسمها استئناف بالعلة الموجبة للنهي ولا خبر لها لإغناء الاسم عنه وقرىء عسوا أن يكونا وعسين أن يكن فهي على هذا ذات خبر ) ولا تلمزوا أنفسكم ( أي ولا يغتب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه واللمز الطعن باللسان وقرأ يعقوب بالضم ) ولا تنابزوا بالألقاب ( ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء فإن النبز مختص بلقب السوء عرفا ) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم الإيمان واشتهارهم به والمراد به إما تهجين نسبة الكفر والفسق إلى المؤمنين خصوصا إذ روي أن الآية نزلت في صفية بنت حيي رضي الله عنها أتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال لها هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد عليهم السلام أو للدلالة على أن ________________________________________ " صفحة رقم 218 " التنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح ) ومن لم يتب ( عما نهى عنه ) فأولئك هم الظالمون ( بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب الحجرات : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ( كونوا منه على جانب وإبهام الكثير ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى وما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يحالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين وما يباح كالظن في الأمور المعاشية ) إن بعض الظن إثم ( مستأنف للأمر والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي بكسرها ) ولا تجسسوا ( ولا تبحثوا عن عورات المسلمين تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس وقرئ بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولذلك قيل للحواس الخمس الجواس وفي الحديث لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته ) ولا يغتب بعضكم بعضا ( ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته وسئل ( صلى الله عليه وسلم ) عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكرهه فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ( تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرر وإسناد الفعل إلى أحد للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب باكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا وميتا وتعقيب ذلك بقوله ) فكرهتموه ( تقريرا وتحقيقا لذلك والمعنى إن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار ________________________________________ " صفحة رقم 219 " كراهته وانتصاب ) ميتا ( على الحال من اللحم أو الأخ وشدده نافع ) واتقوا الله إن الله تواب رحيم ( لمن اتقى ما نهى عنه وتاب مما فرط منه والمبالغة في ال ) تواب ( لأنه بليغ في قبول التوبة إذ يجعل صاحبها كمن لم يذنب أو لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم روي أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبغي لهما إداما وكان أسامة على طعامه فقال ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما راحا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لهما ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما فقالا ما تناولنا لحما فقال إنكما قد اغتبتما فنزلت الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . . ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( من آدم وحواء عليهما السلام أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب ويجوز أن يكون تقريرا للأخوة المانعة عن الاغتياب ) وجعلناكم شعوبا وقبائل ( الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفضائل فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ وعباس فصيلة وقبل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب ) لتعارفوا ( ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء والقبائل وقرئ ) لتعارفوا ( بالإدغام لتتعارفوا ولتعرفوا ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( فإن التقوى بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص فمن أراد شرفا فليلتمسه منها كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله وقال ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 220 " يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ) إن الله عليم ( بكم ) خبير ( ببواطنكم الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . . ) قالت الأعراب آمنا ( نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون ) قل لم تؤمنوا ( إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ولم يحصل لكم إلا لما مننتم على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالإسلام وترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة ) ولكن قولوا أسلمنا ( فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادتين وترك المحاربة يشعر به وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا ) ولكن قولوا أسلمنا ( أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل منه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم وقد فقد شرط اعتباره شرعا ) ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ( توقيت ل ) قولوا ( فإنه حال من ضميره أي ) ولكن قولوا أسلمنا ( ولم تواطىء قلوبكم ألسنتكم بعد ) وإن تطيعوا الله ورسوله ( بالإخلاص وترك النفاق ) لا يلتكم من أعمالكم ( لا ينقصكم من أجورها ) شيئا ( من لات يليت ليتا إذا نقص ________________________________________ " صفحة رقم 221 " وقرأ البصريان لا يألتكم من الألت وهو لغة غطفان ) إن الله غفور ( لما فرط من المطيعين ) رحيم ( بالتفضل عليهم الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين . . . . . ) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ( لم يشكوا من ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة وفيه إشارة إلى ما أوجب نفي الإيمان عنهم و ) ثم ( للإشعار بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس حال الإيمان فقط بل فيه وفيما يستقبل فهي كما في قوله ) ثم استقاموا ( ) وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( في طاعته والمجاهدة بالأموال والأنفس تصلح للعبادات المالية والبدنية بأسرها ) أولئك هم الصادقون ( الذين صدقوا في ادعاء الإيمان الحجرات : ( 16 ) قل أتعلمون الله . . . . . ) قل أتعلمون الله بدينكم ( أتخبرونه به بقولكم ) آمنا ( ) والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ( لا يخفى عليه خافية وهو تجهيل لهم وتوبيخ روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة جاؤوا وحلفوا أنهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه الآية الحجرات : ( 17 ) يمنون عليك أن . . . . . ) يمنون عليك أن أسلموا ( يعدون إسلامهم عليك منة وهي النعمة التي لا يستثيب موليها ممن بذلها إليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته وقيل النعمة الثقيلة من المن ) قل لا تمنوا علي إسلامكم ( أي بإسلامكم فنصب بنزع الخافض أو تضمين الفعل معنى الاعتدال ) بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ( على ما زعمتم مع ________________________________________ " صفحة رقم 222 " أن الهداية لا تستلزم الاهتداء وقرىء إن هداكم بالكسر وإذ هداكم ) إن كنتم صادقين ( في ادعاء الإيمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله أي فالله المنة عليكم وفي سياق الآية لطف وهو أنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا ومنوا به فنفى أنه إيمان وسماه إسلاما بأن قال يمنون عليكم بما هو في الحقيقة إسلام وليس بجدير أن يمن به عليك بل لو صح ادعاؤهم للإيمان فالله المنة عليهم بالهداية له لا لهم الحجرات : ( 18 ) إن الله يعلم . . . . . ) إن الله يعلم غيب السماوات والأرض ( ما غاب فيهما ) والله بصير بما تعملون ( في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم وقرأ ابن كثير بالياء لما في الآية من الغيبة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحجرات أعطي من الأجر بعدد من اطاع الله وعصاه ________________________________________ " صفحة رقم 223 " سورة ق مكية وهي خمس واربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم ق : ( 1 ) ق والقرآن المجيد ) ق والقرآن المجيد ( الكلام فيه كما مر في ) ص والقرآن ذي الذكر ( و ) المجيد ( ذو المجد والشرف على سائر الكتب أو لأنه كلام المجيد أو لأن من علم معانية وامتثل أحكامه مجد ق : ( 2 ) بل عجبوا أن . . . . . ) بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ( إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم ) فقال الكافرون هذا شيء عجيب ( حكاية لتعجبهم وهذا إشارة إلى اختيار الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) للرسالة وإضمار ذكرهم ثم إظهاره للإشعار بتعنتهم بهذا المقال ثم التسجيل على كفرهم بذلك أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة والمبالغة فيه بوضع الظاهر موضع ضميرهم وحكاية تعجبهم مبهما ________________________________________ " صفحة رقم 224 " إن كانت الإشارة إلى منهم يفسره ما بعده أو مجملا إن أهون مما يشاهدون من صنعه ق : ( 3 ) أئذا متنا وكنا . . . . . ) أئذا متنا وكنا ترابا ( أي أنرجع إذا متنا وصرنا ترابا ويدل على المحذوف قوله ) ذلك رجع بعيد ( أي بعيد عن الوهم أو العادة أو الإمكان وقيل الرجع بمعنى المرجوع ق : ( 4 ) قد علمنا ما . . . . . ) قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ( ما تأكل من أجساد موتاهم وهو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه وقيل إنه جواب القسم واللام محذوف لطول الكلام ) وعندنا كتاب حفيظ ( حافظ لتفاصيل الأشياء كلها أو محفوظ عن التغيير والمراد إما تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده ق : ( 5 ) بل كذبوا بالحق . . . . . ) بل كذبوا بالحق ( يعني النبوة الثابتة بالمعجزات أو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن ) لما جاءهم فهم ( وقرىء لما بالكسر ) في أمر مريج ( مضطرب من مرج الخاتم في ________________________________________ " صفحة رقم 225 " أصبعه إذا خرج وذلك قولهم تارة أنه ) شاعر ( وتارة أنه ) ساحر ( وتارة أنه كاهن ق : ( 6 ) أفلم ينظروا إلى . . . . . ) أفلم ينظروا ( حين كفروا بالبعث ) إلى السماء فوقهم ( إلى آثار قدرة الله تعالى في خلق العالم ) كيف بنيناها ( رفعناها بلا عمد ) وزيناها ( بالكواكب ) وما لها من فروج ( فتوق بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق ق : ( 7 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . . ) والأرض مددناها ( بسطناها ) وألقينا فيها رواسي ( جبالا ثوابت ) وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ( أي من كل صنف ) بهيج ( حسن ق : ( 8 ) تبصرة وذكرى لكل . . . . . ) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ( راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه وهما علتان للأفعال المذكورة معنى وإن انتصبتا عن الفعل الأخير ق : ( 9 ) ونزلنا من السماء . . . . . ) ونزلنا من السماء ماء مباركا ( كثير المنافع ) فأنبتنا به جنات ( أشجارا وأثمارا ) وحب الحصيد ( وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير ق : ( 10 ) والنخل باسقات لها . . . . . ) والنخل باسقات ( طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون من أفعل فهو فاعل وإفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة منافعها وقرىء لأجل القاف ) لها طلع نضيد ( منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من الثمر ق : ( 11 ) رزقا للعباد وأحيينا . . . . . ) رزقا ( للعباد علة ل ) أنبتنا ( أو مصدر فإن الإثبات رزق ) وأحيينا به ( بذلك الماء ) بلدة ميتا ( أرضا جدبة لا نماء فيها ) كذلك الخروج ( كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم ق : ( 12 - 13 ) كذبت قبلهم قوم . . . . . ) كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون ( أراد بفرعون إياه وقومه ليلائم ما قبله وما بعده ) وإخوان لوط ( أخدانه لأنهم كانوا أصهاره ق : ( 14 ) وأصحاب الأيكة وقوم . . . . . ) وأصحاب الأيكة وقوم تبع ( سبق في الحجر والدخان ) كل كذب الرسل ( أي كل واحد أو قوم منهم أو جميعهم وإفراد الضمير لإفراد لفظه ) فحق وعيد ( فوجب وحل عليه وعيدي وفيه تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لهم ________________________________________ " صفحة رقم 226 " ق : ( 15 ) أفعيينا بالخلق الأول . . . . . ) أفعيينا بالخلق الأول ( أي أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله والهمزة فيه للإنكار ) بل هم في لبس من خلق جديد ( أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة وتنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه والإشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد ق : ( 16 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . . ) ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ( ما تحدثه به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي والضمير لما إن جعلت موصولة والباء مثلها في صوت بكذا أو ل ) الإنسان ( إن جعلت مصدرية والباء للتعدية ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه ) من حبل الوريد ( تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبة و ) حبل الوريد ( مثل في القرب قال والموت أدنى لي من الوريد وال ) حبل ( العرق وإضافته للبيان والوريدان عرقان مكتنفان بصفتحي العنق في مقدمها بالوتين يردان من الرأس إليه وقيل سمي وريدا لأن الزوج ترده ق : ( 17 ) إذ يتلقى المتلقيان . . . . . ) إذ يتلقى المتلقيان ( مقدر باذكر أو متعلق ب ) أقرب ( أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكنة لحكمة اقتضته وهي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء وإلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد ) عن اليمين وعن الشمال قعيد ( أي ) عن اليمين ( قعيد ) وعن الشمال قعيد ( أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 227 " " فإني وقيار بها لغريب " وقد يطلق الفعل للواحد والمتعدد كقوله تعالى ) والملائكة بعد ذلك ظهير ) ق : ( 18 ) ما يلفظ من . . . . . ) ما يلفظ من قول ( ما يرمي به من فيه ) إلا لديه رقيب ( ملك يرقب عمله ) عتيد ( معد حاضر ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ق : ( 19 ) وجاءت سكرة الموت . . . . . ) وجاءت سكرة الموت بالحق ( لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك جاء زيد بعمرو والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء فإن الإنسان خلق له أو مثل الباء في ) تنبت بالدهن ( وقرىء سكرة الحق بالموت على أنها لشدتها اقتضت ________________________________________ " صفحة رقم 228 " الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به أو على أن الباء بمعنى مع وقيل ) سكرة الموت ( سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل وقرىء سكرات الموت ) ذلك ( أي الموت ) ذلك ( أي الموت ) ما كنت منه تحيد ( تميل وتنفر عنه والخطاب للإنسان ق : ( 20 ) ونفخ في الصور . . . . . ) ونفخ في الصور ( يعني نفخة البعث ) ذلك يوم الوعيد ( أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه والإشارة إلى مصدر ) نفخ ) ق : ( 21 ) وجاءت كل نفس . . . . . ) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله أو ملك جامع للوصفين وقيل السائق كاتب السيئات والشهيد كاتب الحسنات وقيل السائق نفسه أو قرينه والشهيد جوارحه أو أعماله ومحل ) معها ( النصب على الحال من كل لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة ق : ( 22 ) لقد كنت في . . . . . ) لقد كنت في غفلة من هذا ( على إضمار القول والخطاب ) لكل نفس ( إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكافر ) فكشفنا عنك غطاءك ( الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والإلف بها وقصور النظر عليها ) فبصرك اليوم حديد ( نافذ لزوال المانع للأبصار وقيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن ) فبصرك اليوم حديد ( ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس ق : ( 23 ) وقال قرينه هذا . . . . . ) وقال قرينه ( قال الملك الموكل عليه ) هذا ما لدي عتيد ( هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي وإضلالي و ) ما ( إن جعلت موصوفة ف ) عتيد ( صفتها وإن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف ق : ( 24 ) ألقيا في جهنم . . . . . ) ألقيا في جهنم كل كفار ( خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو الملكين من ________________________________________ " صفحة رقم 229 " خزنة النار أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله " فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا " أو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف ويؤيده أنه قرىء ألقين بالنون الخفيفة ) عنيد ( معاند للحق ق : ( 25 ) مناع للخير معتد . . . . . ) مناع للخير ( كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة وقيل المراد بالخير الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه ) معتد ( متعد ) مريب ( شاك في الله وفي دينه ق : ( 26 ) الذي جعل مع . . . . . ) الذي جعل مع الله إلها آخر ( مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره ) فألقياه في العذاب الشديد ( أو بدل من ) كل كفار ( فيكون ) فألقياه ( تكريرا للتوكيد أو مفعول لمضمر يفسره ) فألقياه ) ق : ( 27 ) قال قرينه ربنا . . . . . ) قال قرينه ( أي الشيطان المقيض له وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه ) ربنا ما أطغيته ( كأن الكافر قال هو أطغاني ف ) قال قرينه ربنا ما أطغيته ( بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ) ولكن كان في ضلال بعيد ( فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال الله تعالى ) وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) ق : ( 28 - 29 ) قال لا تختصموا . . . . . ) قال ( أي الله تعالى ) لا تختصموا لدي ( أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه وهو استئناف مثل الأول ) وقد قدمت إليكم بالوعيد ( على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة وهو حال تعليل للنهي أي ) لا تختصموا ( عالمين بأني أوعدتكم والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم ويجوز أن يكون ) بالوعيد ( حالا والفعل واقعا على قوله ________________________________________ " صفحة رقم 230 " ) ما يبدل القول لدي ( أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد ) وما أنا بظلام للعبيد ( فأعذب من ليس لي تعذيبه ق : ( 30 ) يوم نقول لجهنم . . . . . ) يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ( سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلئ لقوله تعالى ) لأملأن جهنم ( أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم وقرأ نافع وأبو بكر يقول بالباء وال ) مزيد ( إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع و ) يوم ( مقدر باذكر أو ظرف ل ) نفخ ( فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف ق : ( 31 ) وأزلفت الجنة للمتقين . . . . . ) وأزلفت الجنة للمتقين ( قربت لهم ) غير بعيد ( مكانا غير بعيد ويجوز أن يكون حالا وتذكيره لأنه صفة محذوف أو شيئا غير بعيد أو على زنة المصدر أو لأن الجنة بمعنى البستان ق : ( 32 ) هذا ما توعدون . . . . . ) هذا ما توعدون ( على إضمار القول والإشارة إلى الثواب أو مصدر ) أزلفت ( ________________________________________ " صفحة رقم 231 " وقرأ ابن كثير بالياء ) لكل أواب ( رجاع إلى الله تعالى بدل من المتقين بإعادة الجار ) حفيظ ( حافظ لحدوده ق : ( 33 ) من خشي الرحمن . . . . . ) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ( بعد بدل أو بدل من موصوف ) أواب ( ولا يجوز أن يكون في حكمه لأن ) من ( لا يوصف به أو مبتدأ خبره ق : ( 34 ) ادخلوها بسلام ذلك . . . . . ) ادخلوها ( على تأويل يقال لهم ) ادخلوها ( فإن من بمعنى الجمع وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول أو صفة لمصدر أي خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد وتخصيص ) الرحمن ( للإشعار بأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه أو بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته ووصف القلب بالإنابة إذ الاعتبار برجوعه إلى الله ) بسلام ( سالمين مع العذاب وزوال النقم أو مسلما عليكم من الله وملائكته ) ذلك يوم الخلود ( يوم تقدير الخلود كقوله تعالى ) فادخلوها خالدين ) ق : ( 35 ) لهم ما يشاؤون . . . . . ) لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ( وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ق : ( 36 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . . ) وكم أهلكنا قبلهم ( قبل قومك ) من قرن هم أشد منهم بطشا ( قوة كعاد وثمود وفرعون ) فنقبوا في البلاد ( فخرقوا في البلاد وتصرفوا فيها أو جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت فالفاء على الأول للتسبب وعلى الثاني لمجرد التعقيب وأصل التنقيب التنقير عن الشيء والبحث عنه ) هل من محيص ( أي لهم من الله أو من الموت وقيل الضمير في ) فنقبوا ( لأهل مكة أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيصا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم ويؤيده أنه قرئ فنقبوا على الأمر وقرئ فنقبوا بالكسر من النقب وهو أن ينتقب خف البعير أي أكثروا السير حتى نقبت أقدامهم أو أخفاف مراكبهم ________________________________________ " صفحة رقم 232 " ق : ( 37 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك ( فيما ذكر في هذه السورة ) لذكري ( لتذكرة ) لمن كان له قلب ( أي قلب واع يتفكر في حقائقه ) أو ألقى السمع ( أي أصغى لاستماعه ) وهو شهيد ( حاضر بذهنه ليفهم معانيه أو شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره وفي تنكير ال ) قلب ( وإبهامه تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر كلا قلب ق : ( 38 ) ولقد خلقنا السماوات . . . . . ) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( مر تفسيره مرارا ) وما مسنا من لغوب ( من تعب وإعياء وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش ق : ( 39 ) فاصبر على ما . . . . . ) فاصبر على ما يقولون ( ما يقول المشركون من إنكارهم البعث فإن من قدر على خلق العالم بلا عياء قدر على بعثهم والانتقام منهم أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه ) وسبح بحمد ربك ( ونزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها ) قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ( يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين ق : ( 40 ) ومن الليل فسبحه . . . . . ) ومن الليل فسبحه ( أي وسبحه بعض الليل ) وأدبار السجود ( وأعقاب الصلوات جمع دبر من أدبر وقرأ الحجازيان وحمزة وخلف بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت وقيل المراد بالتسبيح الصلاة فالصلاة قبل طلوع الصبح وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل العشاءان والتهجد وأدبار السجود النوافل بعد المكتوبات وقيل الوتر بعد العشاء ق : ( 41 ) واستمع يوم يناد . . . . . ) واستمع ( لما أخبرك به من أحوال القيامة وفيه تهويل وتعظيم للمخبر به ) يوم يناد المناد ( إسرافيل أو جبريل عليهما الصلاة والسلام فيقول أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ) من مكان قريب ( ________________________________________ " صفحة رقم 233 " بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء ولعله في الإعادة نظيركن في الإبداء ويوم نصب بما دل عليه يوم الخروج ق : ( 42 ) يوم يسمعون الصيحة . . . . . ) يوم يسمعون الصيحة ( بدل منه و ) الصيحة ( النفخة الثانية ) بالحق ( متعلق ب ) الصيحة ( والمراد به البعث للجزاء ) ذلك يوم الخروج ( من القبور وهو من أسماء يوم القيامة وقد يقال للعبد ق : ( 43 ) إنا نحن نحيي . . . . . ) إنا نحن نحيي ونميت ( في الدنيا ) وإلينا المصير ( للجزاء في الآخرة ق : ( 44 ) يوم تشقق الأرض . . . . . ) يوم تشقق ( وقرئ تنشق وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو بتخفيف الشين ) الأرض عنهم سراعا ( مسرعين ) ذلك حشر ( بعث وجمع ) علينا يسير ( هين وتقديم الظرف للاختصاص فإن ذلك لا يتيسر إلا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن عن شأن كما قال الله تعالى ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) ق : ( 45 ) نحن أعلم بما . . . . . ) نحن أعلم بما يقولون ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لهم ) وما أنت عليهم بجبار ( بمسلط تقسرهم على الإيمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع ) فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ( فإنه لا ينتفع به غيره عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته والله أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 234 " سورة الذاريات مكية وآيها ستون آية بسم الله الرحمن الرحيم الذاريات : ( 1 ) والذاريات ذروا ) والذاريات ذروا ( يعني الرياح تذرو التراب وغيره أو النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد أو الأسباب التي تذري الخلائق من الملائكة وغيرهم وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء في الذال الذاريات : ( 2 ) فالحاملات وقرا ) فالحاملات وقرا ( فالسحب الحاملة للأمطار أو الرياح الحاملة للسحاب أو النساء الحوامل أو أسباب ذلك وقرىء وقرا على تسمية المحمول بالمصدر الذاريات : ( 3 ) فالجاريات يسرا ) فالجاريات يسرا ( فالسفن الجارية في البحر سهلا أو الرياح الجارية في مهابها أو الكواكب التي تجري في منازلها و ) يسرا ( صفة مصدر محذوف أي جريا ذا يسر الذاريات : ( 4 ) فالمقسمات أمرا ) فالمقسمات أمرا ( الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة أو الريح يقسمن الأمطار يتصريف السحاب فإن حملت على ذوات مختلفة بالفاء لترتيب الأقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت في الدلالة على كمال القدرة وإلا فالفاء لترتيب الأفعال إذ الرياح مثلا تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحابا فتحمله فتجري به باسطة له إلى حيث أمرت به فتقسم المطر الذاريات : ( 5 ) إنما توعدون لصادق ) إنما توعدون لصادق ( ________________________________________ " صفحة رقم 235 " الذاريات : ( 6 ) وإن الدين لواقع ) وإن الدين لواقع ( جواب القسم كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث للجزاء الموعود وما موصولة أو مصدرية و ) الدين ( الجزاء والواقع الحاصل الذاريات : ( 7 ) والسماء ذات الحبك ) والسماء ذات الحبك ( ذات الطرائق والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظار وتتوصل بها إلى المعارف أو النجوم فإن لها طرائق أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي جمع حبيكة كطريقة وطرق أو حباك كمثال ومثل وقرىء الحبك بالسكون والحبك كالإبل والحبك كالسلك والحبك كالجبل والحبك كالنعم والحبك كالبرق الذاريات : ( 8 ) إنكم لفي قول . . . . . ) إنكم لفي قول مختلف ( في الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو قولهم تارة أنه ) شاعر ( وتارة أنه ) ساحر ( وتارة أنه ) مجنون ( أو في القرآن أو القيامة أو أمر الديانة ولعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف غاياتها الذاريات : ( 9 ) يؤفك عنه من . . . . . ) يؤفك عنه من أفك ( يصرف عنه والضمير للرسول أو القرآن أو الإيمان من صرف إذ لا صرف أشد منه فكأنه لا صرف بالنسبة إليه أو يصرف من صرف في علم الله وقضائه ويجوز أن يكون الضمير لل ) قول ( على معنى يصدر ) إفك ( من أفك عن القول المختلف وبسببه كقوله " ينهون عن أكل وعن شرب " أي يصدر تناهيهم عنهما وسببهما وقرىء ) إفك ( بالفتح أي من أفك الناس وهم قريش كانوا يصدون الناس عن الإيمان ________________________________________ " صفحة رقم 236 " الذاريات : ( 10 ) قتل الخراصون ) قتل الخراصون ( الكذابون من أصحاب القول المختلف وأصله الدعاء بالقتل أجري مجرى اللعن الذاريات : ( 11 ) الذين هم في . . . . . ) الذين هم في غمرة ( في جهل يغمرهم ) ساهون ( غافلون عما أمروا به الذاريات : ( 12 ) يسألون أيان يوم . . . . . ) يسألون أيان يوم الدين ( أي فيقولون متى يوم الجزاء أي وقوعه ، وقرئ ) إيان ( بالكسر . الذاريات : ( 13 ) يوم هم على . . . . . ) يوم هم على النار يفتنون ( يحرقون جواب للسؤال أي يقع ) يوم هم على النار يفتنون ( أو هو ) يوم هم على النار يفتنون ( وفتح ) يوم ( لإضافته إلى غير متمكن ويدل عليه أنه قرىء بالرفع الذاريات : ( 14 ) ذوقوا فتنتكم هذا . . . . . ) ذوقوا فتنتكم ( أي مقولا لهم هذا القول ) هذا الذي كنتم به تستعجلون ( هذا العذاب هو الذي كنتم به تستعجلون ويجوز أن يكون هذا بدلا من ) فتنتكم ( و ) الذي ( صفته الذاريات : ( 15 - 16 ) إن المتقين في . . . . . ) إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم ( قابلين لما أعطاهم راضين به ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول ) إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ( قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك الذاريات : ( 17 ) كانوا قليلا من . . . . . ) كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ( تفسير لإحسانهم و ) ما ( مزيدة أي يهجعون في طائفة من الليل أو ) يهجعون ( هجوعا فيه ولا يجوز أن تكون نافية لأن ) ما ( بعدها لا يعمل فيما قبلها وفيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم ذكر القليل و ) الليل ( الذي هو وقت السبات والهجوع الذي هو الفرار من النوم وزيادة ) ما ) الذاريات : ( 18 ) وبالأسحار هم يستغفرون ) وبالأسحار هم يستغفرون ( أي أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم وفي بناء الفعل على الضمير إشعارا بأنهم أحقاء بذلك لوفور علمهم بالله وخشيتهم منه ________________________________________ " صفحة رقم 237 " الذاريات : ( 19 ) وفي أموالهم حق . . . . . ) وفي أموالهم حق ( نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله وإشفاقا على الناس ) للسائل والمحروم ( للمستجدي والمتعفف الذي يظن غنيا فيحرم الصدقة الذاريات : ( 20 ) وفي الأرض آيات . . . . . ) وفي الأرض آيات للموقنين ( أي فيها دلائل من أنواع المعادن والحيوانات أو وجوه دلالات من الدحو والسكون وارتفاع بعضها عن الماء واختلاف أجزائها في الكيفيات والخواص والمنافع تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته الذاريات : ( 21 ) وفي أنفسكم أفلا . . . . . ) وفي أنفسكم ( أي وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شيء إلا وفي الإنسان له نظير يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة والتمكن من الأفعال الغريبة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة ) أفلا تبصرون ( تنظرون نظر من يعتبر الذاريات : ( 22 ) وفي السماء رزقكم . . . . . ) وفي السماء رزقكم ( أسباب رزقكم أو تقديره وقيل المراد ب ) السماء ( السحاب وبالرزق المطر فإنه سبب الأقوات ) وما توعدون ( من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء وقيل إنه مستأنف خبره الذاريات : ( 23 ) فورب السماء والأرض . . . . . ) فورب السماء والأرض إنه لحق ( وعلى هذا فالضمير ل ) ما ( وعلى الأول يحتمل أن يكون له ولما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعد ) مثل ما أنكم تنطقون ( أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقيق ذلك ونصبه على الحال من المستكن في لحق أو الوصف لمصدر محذوف أي أنه لحق حقا مثل نطقكم وقيل إنه مبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو ما إن كانت بمعنى شيء وإن بما في حيزها إن جعلت زائدة ومحله الرفع على أنه صفة ) لحق ( ويؤيده قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بالرفع الذاريات : ( 24 ) هل أتاك حديث . . . . . ) هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ( فيه تفخيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه أوحي إليه والضيف في الأصل مصدر ولذلك يطلق على الواحد والمتعدد قيل كانوا اثني عشر ملكا وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل وسماهم ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف ) المكرمين ( أي مكرمين عند الله أو عند إبراهيم إذ خدمهم بنفسه وزوجته الذاريات : ( 25 ) إذ دخلوا عليه . . . . . ) إذ دخلوا عليه ( ظرف لل ) قال سلام ( أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم وقرئا مرفوعين وقرأ حمزة والكسائي ________________________________________ " صفحة رقم 238 " قال سلم وقرىء منصوبا والمعنى واحد ) قوم منكرون ( أي أنتم قوم منكرون وإنما أنكرهم لأنه ظن أنهم بنو آدم ولم يعرفهم أو لأن السلام لم يكن تحيتهم فإنه علم الإسلام وهو كالتعرف عنهم الذاريات : ( 26 ) فراغ إلى أهله . . . . . ) فراغ إلى أهله ( فذهب إليهم في خفية من ضيفه فإن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى حذرا من أن يكفه الضيف أو يصير منتظرا ) فجاء بعجل سمين ( لأنه كان عامة ماله البقر الذاريات : ( 27 ) فقربه إليهم قال . . . . . ) فقربه إليهم ( بأن وضعه بين أيديهم ) قال ألا تأكلون ( أي منه وهو مشعر بكونه حينذا والهمزة فيه للعرض والحث على الأكل على طريقة الأدب أن قاله أول ما وضعه وللإنكار إن قاله حينما رأى إعراضهم الذاريات : ( 28 ) فأوجس منهم خيفة . . . . . ) فأوجس منهم خيفة ( فأضمر منهم خوفا لما رأى إعراضهم عن طعامه لظنه أنهم جاؤوه لشر وقيل وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب ) قالوا لا تخف ( إنا رسل الله قيل مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم ) وبشروه بغلام ( هو إسحق عليه السلام ) عليم ( يكمل علمه إذ بلغ الذاريات : ( 29 ) فأقبلت امرأته في . . . . . ) فأقبلت امرأته ( سارة إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم ) في صرة ( في صيحة من الصرير ومحله النصب على الحال أو المفعول إن أول فأقبلت بأخذت ) فصكت وجهها ( فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب وقيل وجدت حرارة دم الحيض فلطمت وجهها من الحياء ) وقالت عجوز عقيم ( أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد ________________________________________ " صفحة رقم 239 " الذاريات : ( 30 ) قالوا كذلك قال . . . . . ) قالوا كذلك ( مثل ذلك الذي بشرنا به ) قال ربك ( وإنما نخبرك به عنه ) إنه هو الحكيم العليم ( فيكون قوله حقا وفعله محكما الذاريات : ( 31 ) قال فما خطبكم . . . . . ) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون مجتمعين إلا لأمر عظيم سأل عنه الذاريات : ( 32 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . . ) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ( يعنون قوم لوط الذاريات : ( 33 ) لنرسل عليهم حجارة . . . . . ) لنرسل عليهم حجارة من طين ( يريد السجيل فإنه طين متحجر الذاريات : ( 34 ) مسومة عند ربك . . . . . ) مسومة عند ربك ( مرسلة من أسمت الماشية أو معلمة من السومة وهي العلامة ) للمسرفين ( المجاوزين الحد في الفجور الذاريات : ( 35 ) فأخرجنا من كان . . . . . ) فأخرجنا من كان فيها ( في قرى قوم لوط وإضمارها ولم يجر ذكرها لكونها معلومة ) من المؤمنين ( ممن آمن بلوط الذاريات : ( 36 ) فما وجدنا فيها . . . . . ) فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ( غير أهل بيت من المسلمين واستدل به على اتحاد الإيمان والإسلام وهو ضعيف لأن ذلك لا يقتضي إلا من صدق المؤمن والمسلم على من اتبعه وذلك لا يقتضي اتحاد مفهوميهما لجواز صدق المفهومات المختلفة على ذات واحدة الذاريات : ( 37 ) وتركنا فيها آية . . . . . ) وتركنا فيها آية ( علامة ) للذين يخافون العذاب الأليم ( فإنهم المعتبرون بها وهي تلك الأحجار أو صخر منضود فيها أو ماء أسود منتن الذاريات : ( 38 ) وفي موسى إذ . . . . . ) وفي موسى ( عطف على ) وفي الأرض ( أو ) وتركنا فيها ( على معنى وجعلنا في موسى كقوله " علفتها تبنا وماء باردا " الذاريات : ( 39 ) فتولى بركنه وقال . . . . . ) إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ( هو معجزاته كالعصا واليد ) فتولى بركنه ( فأعرض عن الإيمان به كقوله ) ونأى بجانبه ( أو فتولى بما كان يتقوى به من جنوده وهو اسم لما يركن إليه الشيء ويتقوى به وقرىء بضم الكاف ) وقال ساحر ( أي هو ساحر ) أو مجنون ( كأنه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبا إلى الجن وتردد في أنه حصل ذلك باختياره وسعيه أو بغيرهما ________________________________________ " صفحة رقم 240 " الذاريات : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . . ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ( فأغرقناهم في البحر ) وهو مليم ( آت بما يلام عليه من الكفر والعناد والجملة حال من الضمير في ) فأخذناه ) الذاريات : ( 41 ) وفي عاد إذ . . . . . ) وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ( سماها عقيما لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم أو لأنها لم تتضمن منفعة وهي الدبور أو الجنوب أو النكباء الذاريات : ( 42 ) ما تذر من . . . . . ) ما تذر من شيء أتت ( مرت ) عليه إلا جعلته كالرميم ( كالرماد من الرم وهو البلى والتفتت الذاريات : ( 43 ) وفي ثمود إذ . . . . . ) وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ( تفسيره قوله ) تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ) الذاريات : ( 44 ) فعتوا عن أمر . . . . . ) فعتوا عن أمر ربهم ( فاستكبروا عن امتثاله ) فأخذتهم الصاعقة ( أي العذاب بعد الثلاث وقرأ الكسائي الصعقة وهي المرة من الصعق ) وهم ينظرون ( إليها فإنها جاءتهم معاينة بالنهار الذاريات : ( 45 ) فما استطاعوا من . . . . . ) فما استطاعوا من قيام ( كقوله ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( وقيل من قولهم ما يقوم به إذا عجز عن دفعه ) وما كانوا منتصرين ( ممتنعين منه الذاريات : ( 46 ) وقوم نوح من . . . . . ) وقوم نوح ( أي وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه أو اذكر ويجوز أن يكون عطفا على محل ) وفي عاد ( ويؤيده قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بالجر ) من قبل ( من قبل هؤلاء المذكورين ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان ________________________________________ " صفحة رقم 241 " الذاريات : ( 47 ) والسماء بنيناها بأيد . . . . . ) والسماء بنيناها بأيد ( بقوة ) وإنا لموسعون ( لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق أو ) لموسعون ( السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق الذاريات : ( 48 ) والأرض فرشناها فنعم . . . . . ) والأرض فرشناها ( مهدناها لتستقروا عليها ) فنعم الماهدون ( أي نحن الذاريات : ( 49 ) ومن كل شيء . . . . . ) ومن كل شيء ( من الأجناس ) خلقنا زوجين ( نوعين ) لعلكم تذكرون ( فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام الذاريات : ( 50 ) ففروا إلى الله . . . . . ) ففروا إلى الله ( من عقابه بالإيمان والتوحيد وملازمة الطاعة ) إني لكم منه ( أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى ) نذير مبين ( بين كونه منذرا من الله بالمعجزات أو ) مبين ( ما يجب أن يحذر عنه الذاريات : ( 51 ) ولا تجعلوا مع . . . . . ) ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ( إفراد لأعظم ما يجب أن يفر منه ) إني لكم منه ( أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى ) نذير مبين ( بين كونه منذرا من الله بالمعجزات أو ) مبين ( ما يجب أن يحذر عنه ) ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ( إفراد لأعظم أن يفر منه ) إني لكم منه نذير مبين ( تكرير للتأكيد أو الأول مرتب على ترك الإيمان والطاعة والثاني على الإشراك الذاريات : ( 52 ) كذلك ما أتى . . . . . ) كذلك ( أي الأمر مثل ذلك والإشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ) ساحر أو مجنون ( وقوله ) ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ( كالتفسير له ولا يجوز نصبه ب ) أتى ( أو ما يفسره لأن ما بعد ) ما ( النافية لا يعمل فيما قبلها الذاريات : ( 53 ) أتواصوا به بل . . . . . ) أتواصوا ( أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوه جميعا ) بل هم قوم طاغون ( إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه الذاريات : ( 54 ) فتول عنهم فما . . . . . ) فتول عنهم ( فاعرض عن مجادلتهم بعدما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإصرار والعناد ) فما أنت بملوم ( على الإعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ الذاريات : ( 55 ) وذكر فإن الذكرى . . . . . ) وذكر ( ولا تدع التذكير والموعظة ) فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة ________________________________________ " صفحة رقم 242 " الذاريات : ( 56 ) وما خلقت الجن . . . . . ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها جعل خلقهم مغيا بها مبالغة في ذلك ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله ) ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ( وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عبادا لي الذاريات : ( 57 ) ما أريد منهم . . . . . ) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ( أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا ) الذاريات : ( 58 ) إن الله هو . . . . . ) إن الله هو الرزاق ( الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفيه إيماء باستغنائه عنه وقرىء إني أنا الرزاق ) ذو القوة المتين ( شديد القوة وقرىء ) المتين ( بالجر صفة ل ) القوة ) الذاريات : ( 59 ) فإن للذين ظلموا . . . . . ) فإن للذين ظلموا ذنوبا ( أي للذين ظلموا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتكذيب نصيبا من العذاب ) مثل ذنوب أصحابهم ( مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء ) فلا يستعجلون ( جواب لقولهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( ________________________________________ " صفحة رقم 243 " الذاريات : ( 60 ) فويل للذين كفروا . . . . . ) فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ( من يوم القيامة أو يوم بدر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا ________________________________________ " صفحة رقم 244 " سورة الطور مكية وآيها تسع أو ثمان وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الطور : ( 1 ) والطور ) والطور ( يريد طور سينين وهو جبل بمدين سمع فيه موسى عليه السلام كلام الله تعالى ) والطور ( الجبل بالسريانية أو ما طار من أوج الإيجاد إلى حضيض المواد أو من عالم الغيب إلى عالم الشهادة الطور : ( 2 ) وكتاب مسطور ) وكتاب مسطور ( مكتوب والسطر ترتيب الحروف المكتوبة والمراد به القرآن أو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ أو ألواح موسى عليه السلام أو في قلوب أوليائه من المعارف والحكم أو ما تكتبه الحفظة الطور : ( 3 ) في رق منشور ) في رق منشور ( الرق الجلد الذي يكتب فيه استعير لما كتب فيه الكتاب وتنكيرهما للتعظيم والإشعار بأنهما ليسا من المتعارف فيما بين الناس الطور : ( 4 ) والبيت المعمور ) والبيت المعمور ( يعني الكعبة وعمارتها بالحجاج و المجاورين أو الضراح وهو في السماء الرابعة وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة أو قلب المؤمن وعمارته بالمعرفة والإخلاص ________________________________________ " صفحة رقم 245 " الطور : ( 5 ) والسقف المرفوع ) والسقف المرفوع ( يعني السماء الطور : ( 6 ) والبحر المسجور ) والبحر المسجور ( أي المملوء وهو المحيط أو الموقد من قوله ) وإذا البحار سجرت ( روي أنه تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها نار جهنم أو المختلط من السجير وهو الخليط الطور : ( 7 ) إن عذاب ربك . . . . . ) إن عذاب ربك لواقع ( لنازل الطور : ( 8 ) ما له من . . . . . ) ما له من دافع ( يدفعه ووجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك أنها أمور تدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته وصدق أخباره وضبطه أعمال العباد للمجازاة الطور : ( 9 ) يوم تمور السماء . . . . . ) يوم تمور السماء مورا ( تضطرب والمور تردد في المجيء والذهاب وقيل تحرك في تموج و ) يوم ( ظرف الطور : ( 10 ) وتسير الجبال سيرا ) وتسير الجبال سيرا ( أي تسير عن وجه الأرض فتصير هباء الطور : ( 11 ) فويل يومئذ للمكذبين ) فويل يومئذ للمكذبين ( أي إذا وقع ذلك فويل لهم الطور : ( 12 ) الذين هم في . . . . . ) الذين هم في خوض يلعبون ( أي في الخوض في الباطل الطور : ( 13 ) يوم يدعون إلى . . . . . ) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ( يدفعون إليها دفعا بعنف وذلك بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار وقرىء يدعون من الدعاء فيكون دعا حالا بمعنى مدعوين و ) يوم ( بدل من ) يوم تمور ( أو ظرف لقول مقدر محكية الطور : ( 14 ) هذه النار التي . . . . . ) هذه النار التي كنتم بها تكذبون ( أي يقال لهم ذلك الطور : ( 15 ) أفسحر هذا أم . . . . . ) أفسحر هذا ( أي كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفهذا المصداق أيضا سحر وتقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والتوبيخ ) أم أنتم لا تبصرون ( هذا أيضا كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ما يدل عليه وهو تقريع وتهكم أو أم سدت أبصاركم كما سدت في الدنيا على زعمكم حين قلتم ) إنما سكرت أبصارنا ( ________________________________________ " صفحة رقم 246 " الطور : ( 16 ) اصلوها فاصبروا أو . . . . . ) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ( أي ادخلوها على أي وجه شئتم من الصبر وعدمه فإنه لا محيص لكم عنها ) سواء عليكم ( أي الأمران الصبر وعدمه ) إنما تجزون ما كنتم تعملون ( تعليل للاستواء فإنه لما كان الجزاء واجب الوقوع كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع الطور : ( 17 ) إن المتقين في . . . . . ) إن المتقين في جنات ونعيم ( في أية جنات وأي نعيم أو في ) جنات ونعيم ( مخصوصة بهم الطور : ( 18 ) فاكهين بما آتاهم . . . . . ) فاكهين ( ناعمين متلدذين ) بما آتاهم ربهم ( وقرىء فكهين وفاكهون على أنه الخبر والظرف لغو ) ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ( عطف على ) آتاهم ( إن جعل ) ما ( مصدرية أو ) في جنات ( أو حال بإضمار قد من المستكن في الظرف أو الحال أو من فاعل آتى أو مفعوله أو منهما الطور : ( 19 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . . ) كلوا واشربوا هنيئا ( أي أكلا وشرابا ) هنيئا ( أو طعاما وشرابا ) هنيئا ( وهو الذي لا تنغيص فيه ) بما كنتم تعملون ( بسببه أو بدله وقيل الباء زائدة وما فاعل ) هنيئا ( والمعنى هنأكم ما كنتم تعملون أي جزاؤه الطور : ( 20 ) متكئين على سرر . . . . . ) متكئين على سرر مصفوفة ( مصطفة ) وزوجناهم بحور عين ( الباء لما في التزويج من معنى الوصل والإلصاق أو للسببية أذ المعنى صيرناهم أزواجا بسببهن أو لما في التزويج من معنى الإلصاق والقرن ولذلك عطف الطور : ( 21 ) والذين آمنوا واتبعتهم . . . . . ) والذين آمنوا ( على حور أي قرناهم بأزواج حور ورفقاء مؤمنين وقيل إنه مبتدأ ) ألحقنا بهم ( وقوله ) واتبعتهم ذريتهم بإيمان ( اعتراض للتعليل وقرأ ابن عامر ________________________________________ " صفحة رقم 247 " ويعقوب ذرياتهم بالجمع وضم 2 التاء للمبالغة في كثرتهم والتصريح فإن الذرية تقع على الواحد والكثير وقرأ أبو عمرو و أتبعناهم ذرياتهم أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان وقيل ) بإيمان ( حال من الضمير أو الذرية أو منهما وتنكيره للتعظيم أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق المتابعة في أصل الإيمان ) ألحقنا بهم ذريتهم ( في دخول الجنة أو الدرجة لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الآية وقرأ نافع وابن عامر والبصريان / ذرياتهم / ) وما ألتناهم ( وما نقصناهم ) من عملهم من شيء ( بهذا الإلحاق فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم ويحتمل أن يكون بالتفصيل عليهم وهو اللائق بكمال لطفه وقرأ ابن كثير بكسر اللام من ألت يألت وعنه لتناهم من لات يليت وآلتناهم من آلت يولت و والتناهم من ولت يلت ومعنى الكل واحد ) كل امرئ بما كسب رهين ( بعمله مرهون عند الله تعالى فإن عمل صالحا فكه وإلا أهلكه الطور : ( 22 ) وأمددناهم بفاكهة ولحم . . . . . ) وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ( أي وزدناهم وقتا بعد وقت ما يشتهون من أنواع التنعم الطور : ( 23 ) يتنازعون فيها كأسا . . . . . ) يتنازعون فيها ( يتعاطون هو وجلساؤهم بتجاذب ) كأسا ( خمرا سماها باسم محلها ولذلك أنت الضمير في قوله ) لا لغو فيها ولا تأثيم ( أي لا يتكلمون بلغو ________________________________________ " صفحة رقم 248 " الحديث في أثناء شربها ولا يفعلوا ما يؤثم به فاعله كما هو عادة الشاربين في الدنيا وذلك مثل قوله تعالى ) لا فيها غول ( وقرأهما ابن كثير والبصريان بالفتح الطور : ( 24 ) ويطوف عليهم غلمان . . . . . ) ويطوف عليهم ( أي بالكأس ) غلمان لهم ( أي مماليك مخصوصون بهم وقيل هم أولادهم الذين سبقوهم ) كأنهم لؤلؤ مكنون ( مصون في الصدف من بياضهم وصفائهم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب الطور : ( 25 ) وأقبل بعضهم على . . . . . ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله الطور : ( 26 ) قالوا إنا كنا . . . . . ) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ( خائفين من عصيان الله معتنين بطاعته أو وجلين من العاقبة الطور : ( 27 ) فمن الله علينا . . . . . ) فمن الله علينا ( بالرحمة والتوفيق ) ووقانا عذاب السموم ( عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم وقرىء ووقانا بالتشديد الطور : ( 28 ) إنا كنا من . . . . . ) إنا كنا من قبل ( من قبل ذلك في الدنيا ) ندعوه ( نعبده أو نسأله الوقاية ) إنه هو البر ( المحسن وقرأ نافع والكسائي أنه بالفتح ) الرحيم ( الكثير الرحمة الطور : ( 29 ) فذكر فما أنت . . . . . ) فذكر ( فاثبت على التذكير ولا تكترث بقولهم ) فما أنت بنعمة ربك ( بحمد الله وإنعامه ) بكاهن ولا مجنون ( كما يقولون الطور : ( 30 ) أم يقولون شاعر . . . . . ) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( ما يقلق النفوس من حوادث الدهر وقيل ) المنون ( الموت فعول من منه إذا قطعه الطور : ( 31 ) قل تربصوا فإني . . . . . ) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي الطور : ( 32 ) أم تأمرهم أحلامهم . . . . . ) أم تأمرهم أحلامهم ( عقولهم ) بهذا ( بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر والمجنون مغطى عقله والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق مخيل ولا ________________________________________ " صفحة رقم 249 " يتأتى ذلك من المجنون وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه ) أم هم قوم طاغون ( مجاوزون الحد في العناد وقرىء بل هم الطور : ( 33 ) أم يقولون تقوله . . . . . ) أم يقولون تقوله ( اختلقه من تلقاء نفسه ) بل لا يؤمنون ( فيرمونه بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم الطور : ( 34 ) فليأتوا بحديث مثله . . . . . ) فليأتوا بحديث مثله ( مثل القرآن ) إن كانوا صادقين ( في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا فصحاء فهو رد للأقوال المذكورة بالتحدي ويجوز أن يكون رد للتقول فإن سائر الأقسام ظاهر الفساد الطور : ( 35 - 36 ) أم خلقوا من . . . . . ) أم خلقوا من غير شيء ( أم أحدثوا وقدروا من غير محدث ومقدر فلذلك لا يعبدونه أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة ) أم هم الخالقون ( يؤيد الأول فإن معناه أم خلقوا أنفسهم ولذلك عقبه بقوله ) أم خلقوا السماوات والأرض ( و ) أم ( في هذه الآيات منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار ) بل لا يوقنون ( إذا سئلوا من خلقكم ومن خلق السموات والأرض قالوا الله إذ لو أيقنوا ذلك لما أعرضوا عن عبادته الطور : ( 37 ) أم عندهم خزائن . . . . . ) أم عندهم خزائن ربك ( خزائن رزقه حتى يرزقوا النبوة من شاؤوا أو خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختارته حكمته ) أم هم المصيطرون ( الغالبون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا وقرأ قنبل وحفص بخلاف عنه وهشام بالسين وحمزة بخلاف عن خلاد بين الصاد والزاي والباقون بالصاد خاصة الطور : ( 38 ) أم لهم سلم . . . . . ) أم لهم سلم ( مرتقى إلى السماء ) يستمعون فيه ( صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحي إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن ) فليأت مستمعهم بسلطان مبين ( بحجة واضحة تصدق استماعة الطور : ( 39 ) أم له البنات . . . . . ) أم له البنات ولكم البنون ( فيه تسفيه لهم وإشعار بأن من هذا رأيه لا يعد من العقلاء فضلا أن يترقى بروحه إلى عالم الملكوت فيتطلع على الغيوب الطور : ( 40 ) أم تسألهم أجرا . . . . . ) أم تسألهم أجرا ( على تبليغ الرسالة ) فهم من مغرم ( من التزام غرم ) مثقلون ( محملون الثقل فلذلك زهدوا في اتباعك ________________________________________ " صفحة رقم 250 " الطور : ( 41 ) أم عندهم الغيب . . . . . ) أم عندهم الغيب ( اللوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات ) فهم يكتبون ( منه الطور : ( 42 ) أم يريدون كيدا . . . . . ) أم يريدون كيدا ( وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فالذين كفروا ( يحتمل العموم والخصوص فيكون وضعه موضع الضمير للتسجيل على كفرهم والدلالة على أنه الموجب للحكم المذكور ) هم المكيدون ( هم الذين يحيق بهم الكيد أو يعود عليهم وبال كيدهم وهو قتلهم يوم بدر أو المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته الطور : ( 43 ) أم لهم إله . . . . . ) أم لهم إله غير الله ( يعينهم ويحرسهم من عذابه ) سبحان الله عما يشركون ( عن إشراكهم أو شركة ما يشركونه به الطور : ( 44 ) وإن يروا كسفا . . . . . ) وإن يروا كسفا ( قطعة ) من السماء ساقطا يقولوا ( من فرط طغيانهم وعنادهم ) سحاب مركوم ( هذا سحاب تراكم بعضه على بعض وهو جواب قولهم ) فأسقط علينا كسفا من السماء ) الطور : ( 45 ) فذرهم حتى يلاقوا . . . . . ) فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ( وهو عند النفخة الأولى وقرئ يلقوا وقرأ ابن عامر وعاصم ) يصعقون ( على المبني للمفعول من صعقه أو أصعقه الطور : ( 46 ) يوم لا يغني . . . . . ) يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ( أي شيئا من الإغناء في رد العذاب ) ولا هم ينصرون ( يمنعون من عذاب الله الطور : ( 47 ) وإن للذين ظلموا . . . . . ) وإن للذين ظلموا ( يحتمل العموم والخصوص ) عذابا دون ذلك ( أي دون عذاب الآخرة وهو عذاب القبر أوالمؤاخذة في الدنيا كقتلهم ببدر والقحط سبع سنين ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ذلك الطور : ( 48 ) واصبر لحكم ربك . . . . . ) واصبر لحكم ربك ( بإمهالهم وإبقائك في عنائهم ) فإنك بأعيننا ( في حفظنا ________________________________________ " صفحة رقم 251 " بحيث نراك ونكلؤك وجمع العين لجمع الضمير والمبالغة بكثرة أسباب الحفظ ) وسبح بحمد ربك حين تقوم ( من أي مكان قمت أو من منامك أو إلى الصلاة الطور : ( 49 ) ومن الليل فسبحه . . . . . ) ومن الليل فسبحه ( فإن العبادة فيه أشق على النفس وإبعد من الرياء ولذلك أفرده بالذكر وقدمه على الفعل ) وإدبار النجوم ( وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل وقرئ بالفتح أي في أعقابها إذا غربت أو خفيت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والطور كان حقا على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته ________________________________________ " صفحة رقم 252 " سورة النجم مكية وآيها إحدى أو اثنتان وستون آية بسم الله الرحمن الرحيم النجم : ( 1 - 2 ) والنجم إذا هوى ) والنجم إذا هوى ( أقسم بجنس النجوم أو الثريا فإنه غلب فيها إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع فإنه يقال هوى هويا بالفتح إذا سقط وغرب وهويا بالضم إذا علا وصعد أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل أو النبات إذا سقط على الأرض أو إذا نما ارتفع على قوله ) ما ضل صاحبكم ( ما عدل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن الطريق المستقيم والخطاب لقريش ) وما غوى ( وما اعتقد باطلا والخطاب لقريش والمراد نفي ما ينسبون إليه النجم : ( 3 ) وما ينطق عن . . . . . ) وما ينطق عن الهوى ( وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى النجم : ( 4 ) إن هو إلا . . . . . ) إن هو ( ما القرآن أو الذي ينطق به ) إلا وحي يوحى ( أي إلا وحي يوحيه الله إليه واحتج به من لم ير الاجتهاد له وأجيب عنه بأنه إذا أوحي إليه بأن يجتهد كان اجتهاده وما يستند إليه وحيا وفيه نظر لأن ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي النجم : ( 5 ) علمه شديد القوى ) علمه شديد القوى ( ملك شديد قواه وهو جبريل عليه السلام فإنه الواسطة في بداء الخوارق روي أنه قلع قرى قوم لوط ورفعها إلى السماء ثم قلبها وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين ________________________________________ " صفحة رقم 253 " النجم : ( 6 ) ذو مرة فاستوى ) ذو مرة ( حصافة في عقله ورأيه ) فاستوى ( فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها قيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مرتين مرة في السماء ومرة في الأرض وقيل استوى بقوته على ما جعل له من الأمر النجم : ( 7 ) وهو بالأفق الأعلى ) وهو بالأفق الأعلى ( في أفق السماء والضمير لجبريل عليه السلام النجم : ( 8 ) ثم دنا فتدلى ) ثم دنا ( من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فتدلى ( فتعلق به وهو تمثيل لعروجه بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل ثم تدلى من الأفق الأعلى فدنا فيكون من الرسول إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله تقريرا لشدة قوته فإن التدلي استرسال مع تعلق كتدلي الثمرة ويقال دلى رجليه من السرير وأدلى دلوه والدوالي الثمر المعلق النجم : ( 9 ) فكان قاب قوسين . . . . . ) فكان ( جبريل عليه السلام كقولك هو مني معقد إزار أو المسافة بينهما ) قاب قوسين ( مقدارهما ) أو أدنى ( على تقديركم كقوله أو يزيدون والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس النجم : ( 10 ) فأوحى إلى عبده . . . . . ) فأوحى ( جبريل عليه السلام ) إلى عبده ( عبد الله وإضماره قبل الذكر لكونه معلوما كقوله ) على ظهرها ( ) ما أوحي ( جبريل عليه السلام وفيه تفخيم للموحى به أو الله إليه وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعنى بتشديد القوى كما في قوله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 254 " ) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( ودنوه منه برفع مكانته وتدليه جذبه بشراشره إلى جناب القدس النجم : ( 11 ) ما كذب الفؤاد . . . . . ) ما كذب الفؤاد ما رأى ( ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام أو الله تعالى أي ما كذب بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره أو ما رآه بقلبه والمعنى أنه لم يكن تخيلا كاذبا ويدل عليه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل هل رأيت ربك فقال رأيته بفؤادي وقرأ هشام ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه النجم : ( 12 ) أفتمارونه على ما . . . . . ) أفتمارونه على ما يرى ( أفتجادلونه عليه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كان كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب أفتمرونه أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته أو أفتجحدونه من مراه حقه إذا جحده وعلى لتضمين الفعل معنى الغلبة فإن المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم النجم : ( 13 ) ولقد رآه نزلة . . . . . ) ولقد رآه نزلة أخرى ( مرة أخرى فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو والكلام في المرئي والدنو ما سبق وقيل تقديره ولقد رآه نازلا نزلة أخرى ونصبها على المصدر والمراد به نفي الريبة عن المرة الأخيرة ________________________________________ " صفحة رقم 255 " النجم : ( 14 ) عند سدرة المنتهى ) عند سدرة المنتهى ( التي ينتهي إليها أعمال الخلائق وعلمهم أوما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة النجم : ( 15 ) عندها جنة المأوى ) عندها جنة المأوى ( الجنة التي يأوي إليها المتقون أو أرواح الشهداء النجم : ( 16 ) إذ يغشى السدرة . . . . . ) إذ يغشى السدرة ما يغشى ( تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عد وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها النجم : ( 17 ) ما زاغ البصر . . . . . ) ما زاغ البصر ( ما مال بصر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما رآه ) وما طغى ( وما تجاوزه بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها النجم : ( 18 ) لقد رأى من . . . . . ) لقد رأى من آيات ربه الكبرى ( أي والله لقد رأى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما ) رأي ( ويجوز أن تكون ) الكبرى ( صفة لل ) آيات ( على أن المفعول محذوف أي شيئا من آيات ربه أو ) من ( مزيدة ________________________________________ " صفحة رقم 256 " النجم : ( 19 - 20 ) أفرأيتم اللات والعزى ) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( هي أصنام كانت لهم فاللات كانت لثقيف بالطائف أو لقريش بنخلة وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها أي يطوفون وقرأ هبة الله عن البزي ورويس عن يعقوب اللات بالتشديد على أنه سمي به لأنه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج ) والعزى ( بالتشديد سمرة لغطفان كانوا يعبدونها فبعث إليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالد بن الوليد فقطعها وأصلها تأنيث الأعز ) ومناة ( صخرة كانت لهذيل وخزاعة أو لثقيف وهي فعلة من مناة إذا قطعه فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى وقرأ ابن كثير / مناة / وهي مفعلة من النوء فإنهم كانوا يستمطرون الأنواء عندها تبركا بها وقوله ) الثالثة الأخرى ( صفتان للتأكيد كقوله تعالى ) يطير بجناحيه ( أو ) الأخرى ( من التأخر في الرتبة النجم : ( 21 ) ألكم الذكر وله . . . . . ) ألكم الذكر وله الأنثى ( إنكار لقولهم الملائكة بنات الله وهذه الأصنام استوطنها جنيات هن بناته أو هياكل الملائكة وهو المفعول الثاني لقوله ) أفرأيتم ) النجم : ( 22 ) تلك إذا قسمة . . . . . ) تلك إذا قسمة ضيزى ( جائرة حيث جعلتم له ما تستنكفون منه وهي فعلى من الضيز وهو الجور لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل في بيض فإن فعلى بالكسر لم تأت وصفا وقرأ ابن كثير بالهمز من ضأزه إذا ظلمه على أنه مصدر نعت به النجم : ( 23 ) إن هي إلا . . . . . ) إن هي إلا أسماء ( الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية أو للصفة التي تصفونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين ) سميتموها ( سميتم بها ________________________________________ " صفحة رقم 257 " ) أنتم وآباؤكم ( بهواكم ) ما أنزل الله بها من سلطان ( برهان تتعلقون به ) إن يتبعون ( وقرئ بالتاء ) إلا الظن ( إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليدا وتوهما باطلا ) وما تهوى الأنفس ( وما تشتهيه أنفسهم ) ولقد جاءهم من ربهم الهدى ( الرسول أو الكتاب فتركوه النجم : ( 24 ) أم للإنسان ما . . . . . ) أم للإنسان ما تمنى ( ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار والمعنى ليس له كل ما يتمناه والمراد نفي طمعهم في شفاعة الآلهة وقولهم ) ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( وقوله ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( ونحوهما النجم : ( 25 ) فلله الآخرة والأولى ) فلله الآخرة والأولى ( يعطي منهما ما يشاء لمن يريد وليس لأحد أن يتحكم عليه في شيء منهما النجم : ( 26 ) وكم من ملك . . . . . ) وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا ( وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئا ولا تنفع ) إلا من بعد أن يأذن الله ( في الشفاعة ) لمن يشاء ( من الملائكة أن يشفع أو من الناس أن يشفع له ) ويرضى ( ويراه أهلا لذلك فكيف تشفع الأصنام لعبدتهم النجم : ( 27 ) إن الذين لا . . . . . ) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة ( أي كل واحد منهم ) تسمية الأنثى ( بأن يسموه بنتا النجم : ( 28 ) وما لهم به . . . . . ) وما لهم به من علم ( أي بما يقولون وقرئ بها أي بالملائكة أو بالتسمية ) إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ( فإن الحق الذي هو حقيقة الشيء لا يدرك إلا بالعلم والظن لا اعتبار له في المعارف الحقيقية وإنما العبرة به في العمليات وما يكون وصلة إليها النجم : ( 29 ) فأعرض عن من . . . . . ) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ( فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه فإن من غفل عن الله وأعرض عن ذكره وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته ومبلغ علمه لا تزيده الدعوة إلا عنادا وإصرارا على الباطل ________________________________________ " صفحة رقم 258 " النجم : ( 30 ) ذلك مبلغهم من . . . . . ) ذلك ( أي أمر الدنيا أو كونها شهية ) مبلغهم من العلم ( لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرر لقصور هممهم بالدنيا وقوله ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ( تعليل للأمر بالإعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت النجم : ( 31 ) ولله ما في . . . . . ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا ) ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ( بعقاب ما عملوا من السوء أو بمثله أو بسبب ما عملوا من السوء وهو بمثله دل عليه ما قبله أي خلق العالم وسواه للجزاء أو ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم لذلك ) ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( بالمثوبة الحسنى وهي الجنة أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى النجم : ( 32 ) الذين يجتنبون كبائر . . . . . ) الذين يجتنبون كبائر الإثم ( ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه وقيل ما أوجب الحد وقرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإثم على إرادة الجنس أو الشرك ) والفواحش ( ما فحش من الكبائر خصوصا ) إلا اللمم ( إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر والاستثناء منقطع ومحل ) الذين ( النصب على الصفة أو المدح أو الرفع على أنه خبر محذوف ) إن ربك واسع المغفرة ( حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر أو له أن يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها ولعله عقب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى ) هو أعلم بكم ( أعلم بأحوالكم منكم ) إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ( علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم وحينما صوركم في الأرحام ) فلا تزكوا أنفسكم ( فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل ) هو أعلم بمن اتقى ( فإنه يعلم التقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام النجم : ( 33 ) أفرأيت الذي تولى ) أفرأيت الذي تولى ( عن اتباع الحق والثبات عليه النجم : ( 34 ) وأعطى قليلا وأكدى ) وأعطى قليلا وأكدى ( وقطع العطاء من قولهم أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة الصلبة فترك الحفر والأكثر على أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يتبع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فعيره بعض المشركين وقال تركت دين الأشياخ وضللتهم قال أخشى ________________________________________ " صفحة رقم 259 " عذاب الله تعالى فضمن أن يتحمل عنه العقاب إن أعطاه بعض ماله فارتد وأعطى بعض المشروط ثم بخل بالباقي النجم : ( 35 ) أعنده علم الغيب . . . . . ) أعنده علم الغيب فهو يرى ( يعلم أن صاحبه يتحمل عنه النجم : ( 36 - 37 ) أم لم ينبأ . . . . . ) أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ( وفى وأتم ما التزمه وأمر به أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم وتقديم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم النجم : ( 38 ) ألا تزر وازرة . . . . . ) ألا تزر وازرة وزر أخرى ( أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلا مما ) في صحف موسى ( أو الرفع على هو أن ) ولا تزر ( كأنه قيل ما في صحفهما فأجاب به والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله ) كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره النجم : ( 39 ) وأن ليس للإنسان . . . . . ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( إلا سعيه أي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله وما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي له كالنائب عنه النجم : ( 40 - 41 ) وأن سعيه سوف . . . . . ) وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ( أي يجزى العبد سعيه بالجزاء ________________________________________ " صفحة رقم 260 " الأوفر فنصب بنزع الخافض ويجوز أن يكون مصدرا وأن يكون مصدرا وأن تكون الهاء للجزاء المدلول عليه بيجزى و ) الجزاء ( بدله النجم : ( 42 ) وأن إلى ربك . . . . . ) وأن إلى ربك المنتهى ( انتهاء الخلائق ورجوعهم وقرئ بالكسر على أنه منقطع عما في الصحف وكذلك ما بعده النجم : ( 43 - 44 ) وأنه هو أضحك . . . . . ) وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا ( لا يقدر على الإماتة والإحياء غيره فإن القاتل ينقض البنية والموت يحصل عنده بفعل الله تعالى على سبيل العادة النجم : ( 45 - 46 ) وأنه خلق الزوجين . . . . . ) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ( تدفق في الرحم أو تخلق أو يقدر منها الولد من منى إذا قدر النجم : ( 47 ) وأن عليه النشأة . . . . . ) وأن عليه النشأة الأخرى ( الإحياء بعد الموت وفاء بوعده وقرأ ابن كثير وأبو عمرو النشاءة بالمدة وهو أيضا مصدر نشأ النجم : ( 48 ) وأنه هو أغنى . . . . . ) وأنه هو أغنى وأقنى ( وأعطى القنية وهو ما يتأثل من الأموال وإفرادها لأنها أشرف الأموال أو أرضى وتحقيقه جعل الرضا له قنية النجم : ( 49 ) وأنه هو رب . . . . . ) وأنه هو رب الشعرى ( يعني العبور وهي أشد ضياء من الغميصاء عبدها أبو كبشة أحد أجداد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وخالف قريشا في عبادة الأوثان ولذلك كانوا يسمون الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ابن أبي كبشة ولعل تخصيصها للإشعار بأنه ( صلى الله عليه وسلم ) وإن وافق أبا كبشة في مخالفاتهم خالفه أيضا في عبادتها النجم : ( 50 ) وأنه أهلك عادا . . . . . ) وأنه أهلك عادا الأولى ( القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه الصلاة والسلام وقيل ) عادا الأولى ( قوم هود وعاد الأخرى إرم وقرئ عادا لولي ________________________________________ " صفحة رقم 261 " بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى لام التعريف وقرأ نافع وأبو عمرو عادا لولي بضم اللام بحركة الهمزة وبادغام التنوين وقالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو النجم : ( 51 ) وثمود فما أبقى ) وثمود ( عطف على ) عادا ( لأن ما بعده لا يعمل فيه وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير الألف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف ) فما أبقى ( الفريقين النجم : ( 52 ) وقوم نوح من . . . . . ) وقوم نوح ( أيضا معطوف عليه ) من قبل ( من قبل عاد وثمود ) إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ( من الفريقين لأنهم كانوا يؤذونه وينفرون عنه ويضربونه حتى لا يكون به حراك النجم : ( 53 ) والمؤتفكة أهوى ) والمؤتفكة ( والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهي قرى قوم لوط ) أهوى ( بعد أن رفعها فقلبها النجم : ( 54 ) فغشاها ما غشى ) فغشاها ما غشى ( فيه تهويل وتعميم لما أصابهم النجم : ( 55 ) فبأي آلاء ربك . . . . . ) فبأي آلاء ربك تتمارى ( تتشكك والخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد والمعدودات وإن كانت نعما ونقما سماها ) آلاء ( من قبل ما في نقمه من العبر والمواعظ للمعتبرين والانتقام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين النجم : ( 56 ) هذا نذير من . . . . . ) هذا نذير من النذر الأولى ( أي هذا القرآن إنذار من جنس الإنذارات المتقدمة أو هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين النجم : ( 57 ) أزفت الآزفة ) أزفت الآزفة ( دنت الساعة الموصوفة بالدنو في نحو قوله تعالى ) اقتربت الساعة ) النجم : ( 58 ) ليس لها من . . . . . ) ليس لها من دون الله كاشفة ( ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله لكنه لا يكشفها أو الآن بتأخيرها إلا الله أو ليس لها كاشفة لوقتها إلا الله إذ لا يطلع ________________________________________ " صفحة رقم 262 " عليه سواه أو ليس لها من غير الله كشف على أنها مصدر كالعافية النجم : ( 59 ) أفمن هذا الحديث . . . . . ) أفمن هذا الحديث ( يعني القرآن ) تعجبون ( إنكارا النجم : ( 60 ) وتضحكون ولا تبكون ) وتضحكون ( استهزاء ) ولا تبكون ( تحزنا على ما فرطتم النجم : ( 61 ) وأنتم سامدون ) وأنتم سامدون ( لا هون أو مستكبرون من سمد البعير في مسيرة إذا رفع رأسه أو مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من الثمود وهو الغناء النجم : ( 62 ) فاسجدوا لله واعبدوا ) فاسجدوا لله واعبدوا ( أي واعبدوه دون الآلهة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النجم أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وجحد به بمكة ________________________________________ " صفحة رقم 263 " سورة القمر مكية وآيها خمس وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم القمر : ( 1 ) اقتربت الساعة وانشق . . . . . ) اقتربت الساعة وانشق القمر ( روي أن الكفار سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آية فانشق القمر وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ وقد انشق القمر أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر القمر : ( 2 ) وإن يروا آية . . . . . وقوله ) وإن يروا آية يعرضوا ( عن تأملها والإيمان بها ) ويقولوا سحر مستمر ( مطرد وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتى قالوا ذلك أومحكم من المرة يقال أمررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم أو مستبشع من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته أو مار ذاهب لا يبقى القمر : ( 3 ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم . . . . . ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم ( وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره وذكرهما بلفظ الماضي للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة ) وكل أمر مستقر ( منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر وكل معطوف على الساعة ________________________________________ " صفحة رقم 264 " القمر : ( 4 ) ولقد جاءهم من . . . . . ) ولقد جاءهم ( في القرآن ) من الأنباء ( أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة ) ما فيه مزدجر ( ازدجار من تعذيب أو وعيد وتاء الإفتعال تقلب دالا مع الذال والدال والزاي للتناسب وقرئ مزجر بقلبها زايا وإدغامها القمر : ( 5 ) حكمة بالغة فما . . . . . ) حكمة بالغة ( غايتها لا خال فيها وهي بدل من ما أو خبر لمحذوف وقرئبالنصب حالا من ما فإنها موصولة أو مخصوصة بالصفة نصب الحال عنها ) فما تغن النذر ( نفي أو استفهام إنكار أي فأي غناء تغني النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر منه أو مصدر بمعنى الإنذار القمر : ( 6 ) فتول عنهم يوم . . . . . ) فتول عنهم ( لعلمك بأن الإنذار لا يغني فيهم ) يوم يدع الداع ( إسرافيل ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله ) كن فيكون ( وإسقاط الياء إكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب ) يوم ( ب ) يخرجون ( أو بإضمار اذكر ) إلى شيء نكر ( فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة وقرأ ابن كثير بالتخفيف وقرئ نكرا بمعنى أنكر القمر : ( 7 ) خشعا أبصارهم يخرجون . . . . . ) خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث ( أي يخرجون من قبورهم خاشعا ذليلا أبصارهم من الهول وإفراده وتذكيره لأن فاعله ظاهر غير حقيقي التأنيث وقرئ خاشعة على الأصل وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم ) خشعا ( وإنما حسن ذلك ولم يحسن مررت برجال قائمين غلمانهم لأنه ليس على صيغة تشبه الفعل وقرئ خشع أبصارهم على الابتداء والخبر فتكون الجملة حالا ) كأنهم جراد منتشر ( في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة ________________________________________ " صفحة رقم 265 " القمر : ( 8 ) مهطعين إلى الداع . . . . . ) مهطعين إلى الداع ( مسرعين مادي أعناقهم إليه أو ناظرين إليه ) يقول الكافرون هذا يوم عسر ( صعب القمر : ( 9 ) كذبت قبلهم قوم . . . . . ) كذبت قبلهم قوم نوح ( قبل قومك ) فكذبوا عبدنا ( نوحا عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال وقيل معناه كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل ) وقالوا مجنون ( هو مجنون ) وازدجر ( وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته القمر : ( 10 ) فدعا ربه أني . . . . . ) فدعا ربه أني ( بأني وقرئ بالكسر على إرادة القول ) مغلوب ( غلبني قومي ) فانتصر ( فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم فقد روي أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه فيفيق ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون القمر : ( 11 ) ففتحنا أبواب السماء . . . . . ) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ( منصب وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها وقرأ ابن عامر ويعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب القمر : ( 12 ) وفجرنا الأرض عيونا . . . . . ) وفجرنا الأرض عيونا ( وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة ) فالتقى الماء ( ماء السماء وماء الأرض وقرئ الماءان لاختلاف النوعين والماوان بقلب الهمزة واوا ) على أمر قد قدر ( على حال قدرها الله ________________________________________ " صفحة رقم 266 " تعالى في الأزل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان القمر : ( 13 ) وحملناه على ذات . . . . . ) وحملناه على ذات ألواح ( ذات أخشاب عريضة ) ودسر ( ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الدفع الشديد وهي صفة للسفينة أقيمت مقامها من حيث أنها كالشرح لها تؤدي مؤداها القمر : ( 14 ) تجري بأعيننا جزاء . . . . . ) تجري بأعيننا ( بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا ) جزاء لمن كان كفر ( أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها فإن كل نبي نعمة من الله تعالى ورحمة على أمته ويجوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير وقرئ لمن كفر أي للكافرين القمر : ( 15 ) ولقد تركناها آية . . . . . ) ولقد تركناها ( أي السفينة أو الفعلة ) آية ( يعتبر بها إذ شاع خبرها واشتهر ) فهل من مدكر ( معتبر وقرئ مذتكر على الأصل ومذكر بقلب التاء ذالا والإدغام فيها القمر : ( 16 ) فكيف كان عذابي . . . . . ) فكيف كان عذابي ونذر ( استفهام تعظيم ووعيد والنذر يحتمل المصدر والجمع القمر : ( 17 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . . ) ولقد يسرنا القرآن ( سهلناه أو هيأناه من يسر ناقته للسفر إذا رحلها ) للذكر ( للادكار والاتعاظ بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ ) فهل من مدكر ( متعظ القمر : ( 18 ) كذبت عاد فكيف . . . . . ) كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر ( وإنذاري أتى لهم بالعذاب قبل نزوله أو لمن بعدهم في تعذيبهم القمر : ( 19 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . . ) إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ( باردا أو شديد الصوت ) في يوم نحس ( شؤم ) مستمر ( أي استمر شؤمه أو استمر عليهم حتى أهلكهم أو على جميعهم كبيرهم ________________________________________ " صفحة رقم 267 " وصغيرهم فلم يبق منهم أحدا أو اشتد مرارته وكان يوم الأربعاء آخر الشهر القمر : ( 20 ) تنزع الناس كأنهم . . . . . ) تنزع الناس ( تقلعهم روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى ) كأنهم أعجاز نخل منقعر ( أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض وقيل شبهوا بالاعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم وتذكير ) منقعر ( للحمل على اللفظ والتأنيث في قوله ) أعجاز نخل خاوية ( للمعنى القمر : ( 21 ) فكيف كان عذابي . . . . . ) فكيف كان عذابي ونذر ( كرره للتهويل وقيل الأول لما حاق بهم في الدنيا والثاني لما يحيق بهم في الآخرة كما قال أيضا في قصتهم ) لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى ) القمر : ( 22 - 23 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . . ) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت ثمود بالنذر ( بالإنذارات والمواعظ أو الرسل القمر : ( 24 ) فقالوا أبشرا منا . . . . . ) فقالوا أبشرا منا ( من جنسنا أو من حملنا لا فضل له علينا وانتصابه بفعل يفسره وما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء والأول أوجه للاستفهام ) واحدا ( منفردا لا تبع له أو من آحادهم دون أشرافهم ) نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ( جمع سعير كأنه عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له وقيل السعر الجنون ومنه ناقة مسعورة ________________________________________ " صفحة رقم 268 " القمر : ( 25 ) أؤلقي الذكر عليه . . . . . ) أؤلقي الذكر ( الكتاب أو الوحي ) عليه من بيننا ( وفيه من هو أحق منه بذلك ) بل هو كذاب أشر ( حمله بطره على الترفع علينا بادعائه إياه القمر : ( 26 ) سيعلمون غدا من . . . . . ) سيعلمون غدا ( عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة ) من الكذاب الأشر ( الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه وقرا ابن عامر وحمزة ورويس ستعلمون على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح وقرئ الأشر كقولهم حذر في حذر والأشر أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير القمر : ( 27 ) إنا مرسلو الناقة . . . . . ) إنا مرسلو الناقة ( مخرجوها وباعثوها ) فتنة لهم ( امتحانا لهم ) فارتقبهم ( فانتظرهم وتبصر ما يصنعون ) واصطبر ( على أذاهم القمر : ( 28 ) ونبئهم أن الماء . . . . . ) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ( مقسوم لها يوم ولهم يوم و ) بينهم ( لتغليب العقلاء ) كل شرب محتضر ( يحضره صاحبه في نوبته أو يحضره عنه غيره القمر : ( 29 ) فنادوا صاحبهم فتعاطى . . . . . ) فنادوا صاحبهم ( قدار بن سالف أحيمر ثمود ) فتعاطى فعقر ( فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها أو فتعاطى السيف فقتلها والتعاطي تناول الشيء بتكلف القمر : ( 30 - 31 ) فكيف كان عذابي . . . . . ) فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ( صيحة جبريل عليه السلام ) فكانوا كهشيم المحتظر ( كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء وقرئ بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها القمر : ( 32 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . . ) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) القمر : ( 33 ) كذبت قوم لوط . . . . . ) كذبت قوم لوط بالنذر ) القمر : ( 34 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . . ) إنا أرسلنا عليهم حاصبا ( ريحا تحصبهم بالحجارة أي ترميهم ) إلا آل لوط نجيناهم بسحر ( في سحر وهو آخر الليل أو مسحرين القمر : ( 35 ) نعمة من عندنا . . . . . ) نعمة من عندنا ( إنعاما منا وهو علة لنجينا ) كذلك نجزي من شكر ( نعمتنا بالإيمان والطاعة القمر : ( 36 ) ولقد أنذرهم بطشتنا . . . . . ) ولقد أنذرهم ( لوط ) بطشتنا ( أخذتنا بالعذاب ) فتماروا بالنذر ( فكذبوا بالنذر متشاكين ________________________________________ " صفحة رقم 269 " القمر : ( 37 ) ولقد راودوه عن . . . . . ) ولقد راودوه عن ضيفه ( قصدوا الفجور بهم ) فطمسنا أعينهم ( فمسحناها وسويناها بسائر الوجه روي أنهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فأعماهم ) فذوقوا عذابي ونذر ( فقلنا لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة أو ظاهر الحال القمر : ( 38 ) ولقد صبحهم بكرة . . . . . ) ولقد صبحهم بكرة ( وقرئ بكرة غير مصروفة على أن المراد بها أول نهار معين ) عذاب مستقر ( يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار القمر : ( 39 - 40 ) فذوقوا عذابي ونذر ) فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( كرر ذلك في كل قصة إشعارا بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ واستئنافا للتنبيه والاتعاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة وهكذا تكرير قوله ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ) ويل يومئذ للمكذبين ( ونحوهما القمر : ( 41 ) ولقد جاء آل . . . . . ) ولقد جاء آل فرعون النذر ( اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك منهم القمر : ( 41 ) ولقد جاء آل . . . . . ) كذبوا بآياتنا كلها ( يعني الآيات التسع ) فأخذناهم أخذ عزيز ( لا يغالب ) مقتدر ( لا يعجزه شيء القمر : ( 43 ) أكفاركم خير من . . . . . ) أكفاركم ( يا معشر العرب ) خير من أولئكم ( الكفار المعدودين قوة وعدة أو مكانة ودينا عند الله تعالى القمر : ( 44 ) أم يقولون نحن . . . . . ) أم لكم براءة في الزبر ( أم نزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم فهو في أمان من العذاب ) أم يقولون نحن جميع ( جماعة أمرنا ) منتصر ( ممتنع لا نرام أو منتصر من الأعداء لا نغلب أو متناصر ينصر بعضنا بعضا والتوحيد على لفظ الجميع ________________________________________ " صفحة رقم 270 " القمر : ( 45 ) سيهزم الجمع ويولون . . . . . ) سيهزم الجمع ويولون الدبر ( أي الأدبار وإفراده لإرادة الجنس أو لأن كل واحد يولي دبره وقد وقع ذلك يوم بدر وهو من دلائل النبوة وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه لما نزلت قال لم أعلم ما هو فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يلبس الدرع ويقول سيهزم الجمع فعلمته القمر : ( 46 ) بل الساعة موعدهم . . . . . ) بل الساعة موعدهم ( موعد عذابهم الأصلي وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه ) والساعة أدهى ( أشد والداهية أمر فظيع لا يهتدي لدوائه ) وأمر ( مذاقا من عذاب الدنيا القمر : ( 47 ) إن المجرمين في . . . . . ) إن المجرمين في ضلال ( عن الحق في الدنيا ) وسعر ( ونيران في الآخرة القمر : ( 48 ) يوم يسحبون في . . . . . ) يوم يسحبون في النار على وجوههم ( يجرون عليها ) ذوقوا مس سقر ( أي يقال لهم ذوقوا حر النار وألمها فإن مسها سبب التألم بها وسقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف من سقرته النار وصقرته إذا لوحته القمر : ( 49 ) إنا كل شيء . . . . . ) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( أي إنا خلقنا كل شيء مقدرا مرتبا على مقتضى الحكمة أو مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل وقوعه وكل شيء منصوب بفعل يفسره ما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء وعلى هذا فالأولى أن يجعل خلقناه خبرا لا نعتا ليطابق المشهورة في الدلالة على أن كل شيء مخلوق بقدر ولعل اختيار النصب ها هنا مع الإضمار لما فيه من النصوصية على المقصود القمر : ( 50 ) وما أمرنا إلا . . . . . ) وما أمرنا إلا واحدة ( إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة أو ) إلا ( ________________________________________ " صفحة رقم 271 " كلمة واحدة وهو قوله كن ) كلمح بالبصر ( في اليسر والسرعة وقيل معناه معنى قوله تعالى ) وما أمر الساعة إلا كلمح البصر ) القمر : ( 51 ) ولقد أهلكنا أشياعكم . . . . . ) ولقد أهلكنا أشياعكم ( أشباهكم في الكفر ممن قبلكم ) فهل من مدكر ( متعظ القمر : ( 52 ) وكل شيء فعلوه . . . . . ) وكل شيء فعلوه في الزبر ( مكتوب في كتب الحفظة القمر : ( 53 ) وكل صغير وكبير . . . . . ) وكل صغير وكبير ( من الأعمال ) مستطر ( مسطور في اللوح القمر : ( 54 ) إن المتقين في . . . . . ) إن المتقين في جنات ونهر ( أنهار واكتفى باسم الجنس أو سعة أو ضياء من النهار وقرئ / نهر / وبضم الهاء جمع نهر كأسد وأسد القمر : ( 55 ) في مقعد صدق . . . . . ) في مقعد صدق ( في مكان مرضي وقرئ مقاعد صدق ) عند مليك مقتدر ( مقربين عند من تعالى أمره في الملك والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الأفهام عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ________________________________________ " صفحة رقم 272 " سورة الرحمن مكية أو مدنية أو متبعضة وآيها ثمان وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن : ( 1 - 2 ) الرحمن ) الرحمن علم القرآن ( لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والآخروية صدرها ب ) الرحمن ( وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه فإنه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوعي وأعز الكتب إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصداق لها الرحمن : ( 3 - 4 ) خلق الإنسان ثم اتبعه قوله ) خلق الإنسان علمه البيان ( إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع وإخلاء الجمل الثلاث التي هي أخبار مترادفة ل ) الرحمن ( عن العاطف لمجيئها على نهج التعديد الرحمن : ( 5 ) الشمس والقمر بحسبان ) الشمس والقمر بحسبان ( يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما وتتسق بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب الرحمن : ( 6 ) والنجم والشجر يسجدان ) والنجم ( والنبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له ) والشجر ( ________________________________________ " صفحة رقم 273 " الذي له ساق ) يسجدان ( ينقادان لله تعالى فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلفين طوعا وكان حق النظم في الجملتين أن يقال وأجرى الشمس والقمر وأسجد النجم والشجر أو ) الشمس والقمر بحسبان ( والنجم والشجر يسجدان له ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتصالهما ب ) الرحمن ( لكنهما جردتا عما يدل على الاتصال إشعارا بأن وضوحه يغنيه عن البيان وإدخال العاطف بينهما لاشتراكهما في الدلالة على أن ما يحس به من تغيرات أحوال الأجرام العلوية والسفلية بتقديره وتدبيره الرحمن : ( 7 ) والسماء رفعها ووضع . . . . . ) والسماء رفعها ( خلقها مرفوعة محلا ومرتبة فإنها منشأ أقضيته ومتنزل أحكامه ومحل ملائكته وقرئ بالرفع على الابتداء ) ووضع الميزان ( العدل بأن وفر على كل مستعد مستحقه ووفى كل ذي حق حقه حتى انتظم أمر العالم واستقام كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) بالعدل قامت السموات والأرض أو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما كأنه لما وصف السماء بالرفعة من حيث إنها مصدر القضايا والإقرار أراد وصف الأرض بما فيها مما يظهر به التفاوت ويعرف به المقدار ويسوى به الحقوق والمواجب الرحمن : ( 8 ) ألا تطغوا في . . . . . ) ألا تطغوا في الميزان ( لئلا تطغوا فيه أي لا تعتدوا ولا تجاوزوا الانصاف وقرئ لا تطغوا على إرادة القول الرحمن : ( 9 ) وأقيموا الوزن بالقسط . . . . . ) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ( ولا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه وتكريره مبالغة في التوصية به وزيادة حث على استعماله وقرئ ________________________________________ " صفحة رقم 274 " ولا تخسروا بفتح التاء وضم السين وكسرها وتخسروا بفتحها على أن الأصل ) ولا تخسروا ( في ) الميزان ( فحذف الجار وأوصل الفعل الرحمن : ( 10 ) والأرض وضعها للأنام ) والأرض وضعها ( خفضها مدحوة ) للأنام ( للخلق وقيل الأنام كل ذي روح الرحمن : ( 11 ) فيها فاكهة والنخل . . . . . ) فيها فاكهة ( ضروب مما يتفكه به ) والنخل ذات الأكمام ( أوعية التمر جمع كم أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفري فإنه ينتفع به كالمكموم كالجذع والجمار والتمر الرحمن : ( 12 ) والحب ذو العصف . . . . . ) والحب ذو العصف ( كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به و ) العصف ( ورق النبات اليابس كالتين ) والريحان ( يعني المشموم أو الرزق من قولهم خرجت أطلب ريحان الله وقرأ ابن عامر والحب ذا العصف والريحان أي وخلق الحب والريحان أو وأخص ويجوز أن يراد وذا الريحان فحذف المضاف وقرأ حمزة والكسائي والريحان بالخفض ما عدا ذلك بالرفع وهو فيعلان من الروح فقلبت الواو ياء وأدغم ثم خفف وقيل روحان فقلبت واوه ياء للتخفيف الرحمن : ( 13 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله ) للأنام ( وقوله ) أيها الثقلان ) الرحمن : ( 14 ) خلق الإنسان من . . . . . ) خلق الإنسان من صلصال كالفخار ( الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا فلا يخالف ذلك قوله خلقه من تراب ونحوه الرحمن : ( 15 ) وخلق الجان من . . . . . ) وخلق الجان ( الجن أو أبا الجن ) من مارج ( من صاف من الدخان ) من نار ( بيان ل ) مارج ( فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب ________________________________________ " صفحة رقم 275 " الرحمن : ( 16 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات الرحمن : ( 17 ) رب المشرقين ورب . . . . . ) رب المشرقين ورب المغربين ( مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما الرحمن : ( 18 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( مما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل فيه إلى غير ذلك الرحمن : ( 19 ) مرج البحرين يلتقيان ) مرج البحرين ( أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب ) يلتقيان ( يتجاوران ويتماس سطوحهما أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه الرحمن : ( 20 ) بينهما برزخ لا . . . . . ) بينهما برزخ ( حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض ) لا يبغيان ( لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما الرحمن : ( 21 - 22 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( كبار الدر وصغاره وقيل المرجان الخرز الأحمر وإن صح أن الدر يخرج من الملح فعلى الأول إنما قال منهما لأنه مخرج من مجتمع الملح والعذب أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشيء الواحد فكأن المخرج من أحدهما كالمخرج منهما وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب ) يخرج ( وقرئ نخرج ويخرج بنصب ) اللؤلؤ والمرجان ) الرحمن : ( 23 - 24 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار ( أي السفن جمع جارية وقرئ بحذف الياء ورفع الراء كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 276 " " لها ثنايا أربع حسان وأربع فكلها ثمان " ) المنشآت ( المرفوعات الشرع أو المصنوعات وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير ) في البحر كالأعلام ( كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل الرحمن : ( 25 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره الرحمن : ( 26 - 27 ) كل من عليها . . . . . ) كل من عليها ( من على الأرض من الحيوانات أو المركبات و ) من ( للتغليب أو من الثقلين ) فان ويبقى وجه ربك ( ذاته ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه ذاتها إلا وجه الله أي الوجه الذي يلي جهته ) ذو الجلال والإكرام ( ذو الاستغناء المطلق والفضل العام الرحمن : ( 28 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما ذكرنا قبل من بقاء الرب وإبقاء ما لا يحصى مما هو على صدد الفناء رحمة وفضلا أو مما يترتب على فناء الكل من الإعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم الرحمن : ( 29 ) يسأله من في . . . . . ) يسأله من في السماوات والأرض ( فإنهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم ويعن لهم المراد بالسؤال ما يدل على الحاجة إلى تحصيل الشيء في ذواتهم وصفاتهم نطقا كان أو غيره ) كل يوم هو في شأن ( كل وقت يحدث أشخاصا ويحدد أحوالا على ما سبق به قضاؤه وفي الحديث من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ________________________________________ " صفحة رقم 277 " ويضع آخرين وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا الرحمن : ( 30 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما يسعف به سؤالكما وما يخرج لكما من مكمن العدم حينا فحينا الرحمن : ( 31 ) سنفرغ لكم أيها . . . . . ) سنفرغ لكم أيها الثقلان ( أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة فإنه تعالى لا يفعل فيه غيره وقيل تهديد مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك فإن المتجرد للشيء كان أقوى وأجد فيه وقرأ حمزة والكسائي بالياء وقرئ سنفرغ إليكم أي سنقصد إليكم و ) الثقلان ( الإنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة رأيهما وقدرهما أو لأنهما مثقلان بالتكليف الرحمن : ( 32 - 33 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض ( إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه ) فانفذوا ( فاخرجوا ) لا تنفذون ( لا تقدرون على النفوذ ) إلا بسلطان ( إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السموات والأرض ) فانفذوا ( لتعلموا لكن ) لا تنفذون ( ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم ________________________________________ " صفحة رقم 278 " الرحمن : ( 34 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة أو مما نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا الرحمن : ( 35 ) يرسل عليكما شواظ . . . . . ) يرسل عليكما شواظ ( لهب ) من نار ونحاس ( ودخان قال " تضيء كضوء السراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا " أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم وقرأ ابن كثير شواظ بالكسر وهو لغة ونحاس بالجر عطفا على ) نار ( ووافقه فيه أبو عمرو ويعقوب في رواية وقرئ ونحس وهو جمع كلحف ) فلا تنتصران ( فلا تمتنعان الرحمن : ( 36 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار في عداد الآلاء الرحمن : ( 37 ) فإذا انشقت السماء . . . . . ) فإذا انشقت السماء فكانت وردة ( أي حمراء كوردة وقرئت بالرفع على كان التامة فيكون من باب التجريد كقوله " ولئن بقيت لأرحلن بغزوة تحوي الغنائم أو يموت كريم " كالدهان " وهو اسم لما يدهن به كالحزام أو جمع دهن وقيل هو الأديم الأحمر " الرحمن : ( 38 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما يكون بعد ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 279 " الرحمن : ( 39 ) فيومئذ لا يسأل . . . . . ) فيومئذ ( أي فيوم تنشق السماء ) لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك حين ما يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذودا ذودا على اختلاف مراتبهم وأما قوله تعالى ) فوربك لنسألنهم ( ونحوه فحين يحاسبون في المجمع والهاء للإنس باعتبار اللفظ فإنه وإن تأخر لفظا تقدم رتبة الرحمن : ( 40 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم الرحمن : ( 41 ) يعرف المجرمون بسيماهم . . . . . ) يعرف المجرمون بسيماهم ( وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن ) فيؤخذ بالنواصي والأقدام ( مجموعا بينهما وقيل يؤخذون ) بالنواصي ( تارة ب ) الأقدام ( أخرى الرحمن : ( 42 - 44 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها ( بين النار يحرقون بها ) وبين حميم ( ماء حار ) إن ( بلغ النهاية في الحرارة يصب عليهم أو يسقون منه وقيل إذا استغاثوا من النار أغيثوا بالحميم الرحمن : ( 45 - 46 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ولمن خاف مقام ربه ( موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيما وتهويلا أو ربه و ) مقام ( مفخم للمبالغة كقوله " ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين " ) جنتان ( جنة للخائف الإنسي والأخرى للخائف الجني فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه أو روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد ________________________________________ " صفحة رقم 280 " الرحمن : ( 47 - 48 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان ( أنواع من الأشجار والثمار جمع فن أو أغصان جمع فنن وهي الغصنة التي تتشعب من فرع الشجرة وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل الرحمن : ( 49 - 50 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان ( حيث شاؤوا في الأعالي والأسافل قيل إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل الرحمن : ( 51 - 52 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ) فيهما من كل فاكهة زوجان ( صنفان غريب ومعروف أو رطب ويابس الرحمن : ( 53 - 54 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ( من ديباج ثخين وإذا كانت البطائن كذلك فما ظنك بالظهائر و ) متكئين ( مدح للخائفين أو حال منهم لأن من خاف في معنى الجمع ) وجنى الجنتين دان ( قريب يناله القاعد والمضطجع ) وجنى ( اسم بمعنى مجني وقرئ بكسر الجيم الرحمن : ( 55 - 56 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن ( في الجنان فإن جنتان تدل على جنان هي للخائفين أو فيما فيهما من الأماكن والقصور أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش ) قاصرات الطرف ( نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن ) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( لم يمس الإنسيات إنس ولا الجنيات جن وفيه دليل على أن الجن يطمثون وقرأ الكسائي بضم الميم الرحمن : ( 57 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ) الرحمن : ( 58 ) كأنهن الياقوت والمرجان ) كأنهن الياقوت والمرجان ( أي حمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائهما الرحمن : ( 59 - 60 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان ( في العمل ) إلا الإحسان ( في الثواب وهو الجنة ________________________________________ " صفحة رقم 281 " الرحمن : ( 61 - 62 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان ( ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين ) جنتان ( لمن دونهم من أصحاب اليمين الرحمن : ( 63 - 64 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان ( خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت الرحمن : ( 65 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ) الرحمن : ( 66 ) فيهما عينان نضاختان ) فيهما عينان نضاختان ( فوارتان بالماء هو أيضا أقل مما وصف به الأوليين وكذا ما بعده الرحمن : ( 67 - 68 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان ( عطفهما على الفاكهة بيانا لفضلهما فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان فاكهة ودواء واحتج به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطبا أو رمانا لم يحنث الرحمن : ( 69 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ) الرحمن : ( 70 ) فيهن خيرات حسان ) فيهن خيرات ( أي خيرات فخففت لأن خيرا الذي بمعنى أخير لا يجمع وقد قرئ على الأصل ) حسان ( حسان الخلق والخلق الرحمن : ( 71 - 72 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام ( قصرن في خدورهن يقال امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة أي مخدرة أو مقصورات الطرف على أزواجهن الرحمن : ( 73 - 74 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( كحور الأولين وهم أصحاب الجنتين فإنهما يدلان عليهم الرحمن : ( 75 - 76 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف ( وسائد أو نمارق جمع رفرفة وقيل ________________________________________ " صفحة رقم 282 " الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة وقد يقال لكل ثوب عريض ) خضر وعبقري حسان ( العبقري منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد للجن فينسبون إليه كل شيء عجيب والمراد به الجنس ولذلك جمع ) حسان ( حملا على المعنى الرحمن : ( 77 - 78 ) فبأي آلاء ربكما . . . . . ) فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ( تعالى اسمه من حيث إنه مطلق على ذاته فما ظنك لذاته وقيل الاسم بمعنى الصفة أو مقحم كما في قوله إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ) ذي الجلال والإكرام ( وقرأ ابن عامر بالرفع صفة للاسم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله تعالى عليه ________________________________________ " صفحة رقم 283 " سورة الواقعة مكية وآيها ست وتسعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الواقعة : ( 1 ) إذا وقعت الواقعة ) إذا وقعت الواقعة ( إذا حدثت القيامة سماها واقعة لتحقق وقوعها وانتصاب ) إذا ( بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت وكيت الواقعة : ( 2 ) ليس لوقعتها كاذبة ) ليس لوقعتها كاذبة ( أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله تعالى أو تكذب في نفيها كما تكذب الآن واللام مثلها في قوله تعالى ) قدمت لحياتي ( أو ليس لأحد في وقعتها كاذبة فإنه من أخبر عنها صدق أو ليس لها حينئذ نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها من قولهم كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم إذا شجعته عليه وسولت له أنه يطيقه الواقعة : ( 3 ) خافضة رافعة ) خافضة رافعة ( تخفض قوما وترفع آخرين وهو تقرير لعظمتها فإن الوقائع العظام كذلك أو بيان لما يكون حينئذ من خفض أعداء الله ورفع أوليائه أو إزالة الأجرام عن مقارها بنثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو وقرئتا بالنصب على الحال الواقعة : ( 4 ) إذا رجت الأرض . . . . . ) إذا رجت الأرض رجا ( حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل والظرف متعلق ب ) خافضة ( أو بدل من ) إذا وقعت ) الواقعة : ( 5 ) وبست الجبال بسا ) وبست الجبال بسا ( أي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لته أو سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها الواقعة : ( 6 ) فكانت هباء منبثا ) فكانت هباء ( غبارا ) منبثا ( منتشرا ________________________________________ " صفحة رقم 284 " الواقعة : ( 7 ) وكنتم أزواجا ثلاثة ) وكنتم أزواجا ( أصنافا ) ثلاثة ( وكل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج الواقعة : ( 8 - 9 ) فأصحاب الميمنة ما . . . . . ) فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ( فأصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنيئة من تيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل أو ) أصحاب الميمنة ( و ) أصحاب المشأمة ( الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم أو أصحاب اليمن والشؤم فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم والجملتان الاستفهاميتان خبران لما قبلهما بإقامة الظاهر مقام الضمير ومعناهما التعجب من حال الفريقين الواقعة : ( 10 ) والسابقون السابقون ) والسابقون السابقون ( والذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم وعرفت مآلهم كقول أبي النجم " أنا أبو النجم وشعري شعري " أو الذين سبقوا إلى الجنة الواقعة : ( 11 - 12 ) أولئك المقربون ) أولئك المقربون في جنات النعيم ( الذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم الواقعة : ( 13 ) ثلة من الأولين ) ثلة من الأولين ( أي هم كثير من الأولين يعني الأمم السالفة من لدن آدم إلى سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الواقعة : ( 14 ) وقليل من الآخرين ) وقليل من الآخرين ( يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يخالف ذلك ________________________________________ " صفحة رقم 285 " قوله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أمتي يكثرون سائر الأمم لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة وتابعو هذه أكثر من تابعيهم ولا يرده قوله في أصحاب اليمين ) ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما وروي مرفوعا أنهما من هذه الأمة واشتقاقها من الثل وهو القطع الواقعة : ( 15 ) على سرر موضونة ) على سرر موضونة ( خبر آخر للضمير المحذوف وال ) موضونة ( المنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت أو المتواصلة من الوضن وهو نسج الدرع الواقعة : ( 16 ) متكئين عليها متقابلين ) متكئين عليها متقابلين ( حالان من الضمير في ) على سرر ) الواقعة : ( 17 ) يطوف عليهم ولدان . . . . . ) يطوف عليهم ( للخدمة ) ولدان مخلدون ( مبقون أبدا على هيئة الولدان وطراوتهم الواقعة : ( 18 ) بأكواب وأباريق وكأس . . . . . ) بأكواب وأباريق ( حال الشرب وغيره والكوب إناء بلا عروة ولا خرطوم له والإبريق إناء له ذلك ) وكأس من معين ( من خمر ________________________________________ " صفحة رقم 286 " الواقعة : ( 19 ) لا يصدعون عنها . . . . . ) لا يصدعون عنها ( بخمار ) ولا ينزفون ( ولا تنزف عقولهم أو لا ينفد شرابهم وقرأ الكوفيون بكسر الزاي ) لا يصدعون ( بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون الواقعة : ( 20 ) وفاكهة مما يتخيرون ) وفاكهة مما يتخيرون ( أي يختارون الواقعة : ( 21 ) ولحم طير مما . . . . . ) ولحم طير مما يشتهون ( يتمنون الواقعة : ( 22 ) وحور عين ) وحور عين ( عطف على ) ولدان ( أو مبتدأ محذوف الخبر أي وفيها أو ولهم حور وقرأ حمزة والكسائي بالجر عطفا على ) جنات ( بتقدير مضاف أي هم في جنات ومصاحبة حور أو على أكواب لأن معنى ) يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ( ينعمون بأكواب وقرئتا بالنصب على ويؤتون حورا الواقعة : ( 23 ) كأمثال اللؤلؤ المكنون ) كأمثال اللؤلؤ المكنون ( المصون عما يضربه في الصفاء والنقاء الواقعة : ( 24 ) جزاء بما كانوا . . . . . ) جزاء بما كانوا يعملون ( أي يفعل ذلك كله بهم جزاء بأعمالهم الواقعة : ( 25 ) لا يسمعون فيها . . . . . ) لا يسمعون فيها لغوا ( باطلا ) ولا تأثيما ( ولا نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم الواقعة : ( 26 ) إلا قيلا سلاما . . . . . ) إلا قيلا ( أي قولا ) سلاما سلاما ( بدل من ) قيلا ( كقوله تعالى ) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ( أو صفته أو مفعوله بمعنى إلا أن يقولوا سلاما أو مصدر والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم وقرئ سلام سلام على الحكاية الواقعة : ( 27 - 28 ) وأصحاب اليمين ما . . . . . ) وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود ( لا شوك فيه من خضد الشوك إذا قطعه أو مثني أغصانه من كثرة حمله من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب الواقعة : ( 29 ) وطلح منضود ) وطلح ( وشجر موز أو أم غيلان وله أنوار كثيرة طيبة الرائحة وقرئ بالعين ) منضود ( نضد حمله من أسفله إلى أعلاه الواقعة : ( 30 ) وظل ممدود ) وظل ممدود ( منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت الواقعة : ( 31 ) وماء مسكوب ) وماء مسكوب ( يسكب لهم أين شاؤوا وكيف شاؤوا بلا تعب أو مصبوب سائل ________________________________________ " صفحة رقم 287 " كأنه لما شبه حال السابقين في التنعم بأعلى ما يتصور لأهل المدن شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعارا بالتفاوت بين الحالين الواقعة : ( 32 ) وفاكهة كثيرة ) وفاكهة كثيرة ( كثيرة الأجناس الواقعة : ( 33 ) لا مقطوعة ولا . . . . . ) لا مقطوعة ( لا تنقطع في وقت ) ولا ممنوعة ( لا تمنع عن متناولها بوجه الواقعة : ( 34 - 35 ) وفرش مرفوعة ) وفرش مرفوعة ( رفيعة القدر أو منضدة مرتفعة وقيل الفرش النساء وارتفاعها أنها على الأرائك ويدل عليه قوله ) إنا أنشأناهن إنشاء ( أي ابتدأناهن ابتداء جديدا من غير ولادة إبداء أو إعادة وفي الحديث هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطا رمصا جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا الواقعة : ( 36 ) فجعلناهن أبكارا ) فجعلناهن أبكارا ) الواقعة : ( 37 ) عربا أترابا ) عربا ( متحببات إلى أزواجهن جمع عروب وسكن راءه حمزة وأبو بكر وروي عن نافع وعاصم مثله ) أترابا ( فإن كلهن بنات ثلاث وثلاثين وكذا أزواجهن الواقعة : ( 38 - 40 ) لأصحاب اليمين ) لأصحاب اليمين ( متعلق ب ) أنشأنا ( أو جعلنا أو صفة ل ) أبكارا ( أو خبر لمحذوف مثل هن أو لقوله ________________________________________ " صفحة رقم 288 " ) ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( وهي على الوجه الأول خبر محذوف الواقعة : ( 41 - 42 ) وأصحاب الشمال ما . . . . . ) وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم ( في حر نار ينفذ في المسام ) وحميم ( وماء متناه في الحرارة الواقعة : ( 43 ) وظل من يحموم ) وظل من يحموم ( من دخان أسود يفعول من الحممة الواقعة : ( 44 ) لا بارد ولا . . . . . ) لا بارد ( كسائر الظل ) ولا كريم ( ولا نافع نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح الواقعة : ( 45 ) إنهم كانوا قبل . . . . . ) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ( منهمكين في الشهوات الواقعة : ( 46 ) وكانوا يصرون على . . . . . ) وكانوا يصرون على الحنث العظيم ( الذنب العظيم يعني الشرك ومنه بلغ الغلام الحنث أي الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب وحنث في يمينه خلاف بر فيها وتحنث إذا تأثم الواقعة : ( 47 ) وكانوا يقولون أئذا . . . . . ) وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( كررت الهمزة للدلالة على إنكار البعث مطلقا وخصوصا في هذا الوقت الواقعة : ( 48 ) أو آباؤنا الأولون كما دخلت العاطفة في قوله ) أو آباؤنا الأولون ( للدلالة على ذلك أشد إنكارا في حقهم لتقادم زمانهم وللفصل بها حسن العطف على المستكن في ) لمبعوثون ( وقرأ نافع وابن عامر ) أو ( بالسكون وقد سبق مثله والعامل في الظرف ما دل عليه مبعوثون لا هو للفصل بأن والهمزة ________________________________________ " صفحة رقم 289 " الواقعة : ( 49 - 50 ) قل إن الأولين . . . . . ) قل إن الأولين والآخرين لمجموعون ( وقرئ لمجمعون ) إلى ميقات يوم معلوم ( إلى ما وقت به الدنيا وحدث من يوم معين عند الله معلوم له الواقعة : ( 51 ) ثم إنكم أيها . . . . . ) ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( أي بالبعث والخطاب لأهل مكة وأضرابهم الواقعة : ( 52 ) لآكلون من شجر . . . . . ) لآكلون من شجر من زقوم ( ) من ( الأولى للابتداء والثانية للبيان الواقعة : ( 53 ) فمالئون منها البطون ) فمالئون منها البطون ( من شدة الجوع الواقعة : ( 54 ) فشاربون عليه من . . . . . ) فشاربون عليه من الحميم ( لغلبة العطش وتأنيث الضمير في منها وتذكيره في ) عليه ( على معنى الشجر ولفظه وقرئ من شجرة فيكون التذكير لل ) زقوم ( فإنه تفسيرها الواقعة : ( 55 ) فشاربون شرب الهيم ) فشاربون شرب الهيم ( الإبل التي بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء جمع أهيم وهيماء قال ذو الرمة " فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها " وقيل الرمال على أنه جمع هيام بالفتح وهو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الآخر من وجه فلا اتحاد وقرأ نافع وحمزة وعاصم ) شرب ( بضم الشين الواقعة : ( 56 ) هذا نزلهم يوم . . . . . ) هذا نزلهم يوم الدين ( يوم الجزاء فما ظنك بما يكون لهم بعد ما استقروا في الجحيم وفيه تهكم كما في قوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له وقرئ نزلهم بالتخفيف الواقعة : ( 57 ) نحن خلقناكم فلولا . . . . . ) نحن خلقناكم فلولا تصدقون ( بالخلق متيقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه أو بالبعث فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة الواقعة : ( 58 ) أفرأيتم ما تمنون ) أفرأيتم ما تمنون ( أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف وقرئ بفتح التاء من منى النطفة بمعنى أمناها ________________________________________ " صفحة رقم 290 " الواقعة : ( 59 ) أأنتم تخلقونه أم . . . . . ) أأنتم تخلقونه ( تجعلونه بشرا سويا ) أم نحن الخالقون ) الواقعة : ( 60 ) نحن قدرنا بينكم . . . . . ) نحن قدرنا بينكم الموت ( قسمناه عليكم وأقتنا موت كل بوقت معين وقرأ ابن كثير بتخفيف الدال ) وما نحن بمسبوقين ( لا يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته أو لا يغلبنا أحد من سبقته على كذا إذا غلبته عليه الواقعة : ( 61 ) على أن نبدل . . . . . ) على أن نبدل أمثالكم ( على الأول حال أو علة ل ) قدرنا ( وعلى بمعنى اللام ) وما نحن بمسبوقين ( اعتراض وعلى الثاني صلة والمعنى على أن نبدل منكم أشباهكم فنخلق بدلكم أو نبدل صفاتكم على أن أمثالكم جمع مثل بمعنى صفة ) وننشئكم في ما لا تعلمون ( في خلق أو صفات لا تعلمونها الواقعة : ( 62 ) ولقد علمتم النشأة . . . . . ) ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ( أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى فإنها أقل صنعا لحصول المواد وتخصيص الأجزاء وسبق المثال وفيه دليل على صحة القياس الواقعة : ( 63 ) أفرأيتم ما تحرثون ) أفرأيتم ما تحرثون ( تبذرون حبة الواقعة : ( 64 ) أأنتم تزرعونه أم . . . . . ) أأنتم تزرعونه ( تنبتونه ) أم نحن الزارعون ( المنبتون الواقعة : ( 65 ) لو نشاء لجعلناه . . . . . ) لو نشاء لجعلناه حطاما ( هشيما ) فظلتم تفكهون ( تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه والفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرئ فظلتم بالكسر وفظللتم على الأصل الواقعة : ( 66 ) إنا لمغرمون ) إنا لمغرمون ( لملزمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وقرأ أبو بكر أئنا لمغرمون على الاستفهام الواقعة : ( 67 ) بل نحن محرومون ) بل نحن ( قوم ) محرومون ( حرمنا رزقنا أو محدودون لا مجدودون ________________________________________ " صفحة رقم 291 " الواقعة : ( 68 ) أفرأيتم الماء الذي . . . . . ) أفرأيتم الماء الذي تشربون ( أي العذب الصالح للشرب الواقعة : ( 69 ) أأنتم أنزلتموه من . . . . . ) أأنتم أنزلتموه من المزن ( من السحاب واحده مزنة وقيل ) المزن ( السحاب الأبيض وماؤه أعذب ) أم نحن المنزلون ( بقدرتنا والرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلقة بالاستفهام الواقعة : ( 70 ) لو نشاء جعلناه . . . . . ) لو نشاء جعلناه أجاجا ( ملحا أو من الأجيج فإنه يحرق الفم وحذف اللام الفاصلة بين جواب ما يتمحض للشرط وما يتضمن معناه لعلم السامع بمكانها أو الاكتفاء بسبق ذكرها أو يختص ما يقصد لذاته ويكون أهم وفقده أصعب بمزيد التأكيد ) فلولا تشكرون ( أمثال هذه النعم الضرورية الواقعة : ( 71 ) أفرأيتم النار التي . . . . . ) أفرأيتم النار التي تورون ( تقدحون الواقعة : ( 72 ) أأنتم أنشأتم شجرتها . . . . . ) أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ( يعني الشجرة التي منها الزناد الواقعة : ( 73 ) نحن جعلناها تذكرة . . . . . ) نحن جعلناها ( جعلنا نار الزناد ) تذكرة ( تبصرة في أمر البعث كما مر في سورة يس أو في تذكيرا وأنموذجا لنار جهنم ) ومتاعا ( ومنفعة ) للمقوين ( الذين ينزلون القواء وهي الفقر أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها الواقعة : ( 74 ) فسبح باسم ربك . . . . . ) فسبح باسم ربك العظيم ( فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره والعظيم صفة للاسم أو الرب وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه وإنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه أو للشكر على ما عدها من النعم ________________________________________ " صفحة رقم 292 " الواقعة : ( 75 ) فلا أقسم بمواقع . . . . . ) فلا أقسم ( إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أو فأقسم و لا مزيدة للتأكيد كما في ) لئلا يعلم ( أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء ويدل عليه قراءة ) فلا أقسم ( أو ) فلا ( رد لكلام يخالف المقسم عليه ) بمواقع النجوم ( بمساقطها وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره أو بمنازلها ومجاريها وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها وقرأ حمزة والكسائي بموقع الواقعة : ( 76 ) وإنه لقسم لو . . . . . ) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى وهو اعتراض في اعتراض فإنه اعتراض بين القسم والمقسم عليه و ) لو تعلمون ( اعتراض بين الموصوف والصفة الواقعة : ( 77 ) إنه لقرآن كريم ) إنه لقرآن كريم ( كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش والمعاد أو حسن مرضي في جنسه الواقعة : ( 78 ) في كتاب مكنون ) في كتاب مكنون ( مصون وهو اللوح المحفوظ الواقعة : ( 79 ) لا يمسه إلا . . . . . ) لا يمسه إلا المطهرون ( لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة أو لا يمس القرآن ) إلا المطهرون ( من الأحداث فيكون نفيا بمعنى النهي أو لا يطلبه ) إلا المطهرون ( من الكفر وقرئ المتطهرون ________________________________________ " صفحة رقم 293 " والمطهرون من أطهره بمعنى طهره والمطهرون أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام الواقعة : ( 80 ) تنزيل من رب . . . . . ) تنزيل من رب العالمين ( صفة ثالثة أو رابعة للقرآن وهو مصدر نعت به وقرئ بالنصب أي نزل تنزيلا الواقعة : ( 81 ) أفبهذا الحديث أنتم . . . . . ) أفبهذا الحديث ( يعني القرآن ) أنتم مدهنون ( متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به الواقعة : ( 82 ) وتجعلون رزقكم أنكم . . . . . ) وتجعلون رزقكم ( أي شكر رزقكم ) أنكم تكذبون ( أي بمانحه حيث تنسبونه إلى الأنواء وقرئ شكركم أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به وتكذبون أي بقولكم في القرآن أنه سحر وشعر أو في المطر أنه من الأنواء الواقعة : ( 83 ) فلولا إذا بلغت . . . . . ) فلولا إذا بلغت الحلقوم ( أي النفس الواقعة : ( 84 ) وأنتم حينئذ تنظرون ) وأنتم حينئذ تنظرون ( حالكم والخطاب لمن حول المحتضر والواو للحال الواقعة : ( 85 ) ونحن أقرب إليه . . . . . ) ونحن أقرب ( أي ونحن أعلم ) إليه ( إلى المحتضر ) منكم ( عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع ) ولكن لا تبصرون ( لا تدركون كنه ما يجري عليه الواقعة : ( 86 ) فلولا إن كنتم . . . . . ) فلولا إن كنتم غير مدينين ( أي مجزيين يوم القيامة أو مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد الواقعة : ( 87 ) ترجعونها إن كنتم . . . . . ) ترجعونها ( ترجعون النفس إلى مقرها وهو عامل الظرف والمحضض عليه ب ) فلولا ( الأولى والثانية تكرير للتوكيد وهي بما في حيزها دليل جواب الشرط والمعنى ________________________________________ " صفحة رقم 294 " إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم بآياته ) إن كنتم صادقين ( في أباطيلكم ) فلولا ( ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم الواقعة : ( 88 ) فأما إن كان . . . . . ) فأما إن كان من المقربين ( أي إن كان المتوفى من السابقين الواقعة : ( 89 ) فروح وريحان وجنة . . . . . ) فروح ( فله استراحة وقرئ فروح بالضم وفسر بالرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم وبالحياة الدائمة ) وريحان ( ورزق طيب ) وجنة نعيم ( ذات تنعم الواقعة : ( 90 - 91 ) وأما إن كان . . . . . ) وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك ( يا صاحب اليمين ) من أصحاب اليمين ( أي من إخوانك يسلمون عليك الواقعة : ( 92 ) وأما إن كان . . . . . ) وأما إن كان من المكذبين الضالين ( يعني أصحاب الشمال وإنما وصفهم بأفعالهم زجرا عنها وإشعارا بما أوجب لهم ما أوعدهم به الواقعة : ( 93 - 94 ) فنزل من حميم ) فنزل من حميم وتصلية جحيم ( وذلك ما يجد في القبر من سموم النار ودخانها الواقعة : ( 95 ) إن هذا لهو . . . . . ) إن هذا ( أي الذي ذكر في السورة أو في شأن الفرق ) لهو حق اليقين ( أي حق الخبر اليقين الواقعة : ( 96 ) فسبح باسم ربك . . . . . ) فسبح باسم ربك العظيم ( فنزهه بذكر اسمه تعالى عما لا يليق بعظمه شأنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ________________________________________ " صفحة رقم 295 " سورة الحديد مدنية وقيل مكية وآيها تسع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الحديد : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . ) سبح لله ما في السماوات والأرض ( ذكر ها هنا وفي الحشر والصف بلفظ الماضي وفي الجمعة والتغابن بلفظ المضارع إشعارا بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات ومجيء المصدر مطلقا في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصا لوجهه ) وهو العزيز الحكيم ( حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح الحديد : ( 2 ) له ملك السماوات . . . . . ) له ملك السماوات والأرض ( فإنه الموجد لها والمتصرف فيها ) يحيي ويميت ( استئناف أو خبر لمحذوف ) وهو على كل شيء ( من الإحياء والإماتة وغيرهما ) قدير ( تام القدرة الحديد : ( 3 ) هو الأول والآخر . . . . . ) هو الأول ( السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها ) والآخر ( الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها أو ) هو الأول ( ________________________________________ " صفحة رقم 296 " الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات أو ) الأول ( خارجا و ) الآخر ( ذهنا ) والظاهر والباطن ( الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين والمتوسطة للجمع بين المجموعين ) وهو بكل شيء عليم ( يستوي عنده الظاهر والخفي الحديد : ( 4 ) هو الذي خلق . . . . . ) هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض ( كالبذور ) وما يخرج منها ( كالزروع ) وما ينزل من السماء ( كالأمطار ) وما يعرج فيها ( كالأبخرة ) وهو معكم أين ما كنتم ( لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال ) والله بما تعملون بصير ( فيجازيكم عليه ولعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه الحديد : ( 5 ) له ملك السماوات . . . . . ) له ملك السماوات والأرض ( ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الإداء لأنه كالمقدمة لهما ) وإلى الله ترجع الأمور ( ________________________________________ " صفحة رقم 297 " الحديد : ( 6 ) يولج الليل في . . . . . ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ( بمكنوناتها الحديد : ( 7 ) آمنوا بالله ورسوله . . . . . ) آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ( من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها وفيه حث على الإنفاق وتهوين له على النفس ) فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ( وعد فيه مبالغات جعل الجملة اسمية وإعادة ذكر الإيمان والإنفاق وبناء الحكم على الضمير وتنكير الأجر ووصفه بالكبر الحديد : ( 8 ) وما لكم لا . . . . . ) وما لكم لا تؤمنون بالله ( أي وما تصنعون غير مؤمنين به كقولك ما لك قائما ) والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ( حال من ضمير تؤمنون والمعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالحجج والآيات ) وقد أخذ ميثاقكم ( أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر والواو للحال من مفعول ) يدعوكم ( وقرأ أبو عمرو وعلى البناء للمفعول ورفع ميثاقكم ) إن كنتم مؤمنين ( لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه الحديد : ( 9 ) هو الذي ينزل . . . . . ) هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم ( أي الله أو العبد ) من الظلمات إلى النور ( من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ) وإن الله بكم لرؤوف رحيم ( حيث نبهكم بالرسول والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية الحديد : ( 10 ) وما لكم ألا . . . . . ) وما لكم ألا تنفقوا ( وأي شيء لكم في ) ألا تنفقوا ( ) في سبيل الله ( فيما يكون ________________________________________ " صفحة رقم 298 " قربة إليه ) ولله ميراث السماوات والأرض ( يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال وإذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان أولى ) لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة ( بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق وقوة اليقين وتحري الحاجات حثا على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإنفاق وذكر القتال للاستطراد وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه و ) الفتح ( فتح مكة إذ عز الإسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والإنفاق ) من الذين أنفقوا من بعد ( أي من بعد الفتح ) وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ( أي وعد الله كلا من المنفقين المثوبة الحسنى وهي الجنة وقرأ ابن عامر وكل بالرفع على الابتداء أي وكل وعده الله ليطابق ما عطف عليه ) والله بما تعملون خبير ( عالم بظاهره وباطنه فيجازيكم على حسبه والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أول من آمن وأنفق في سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضربا أشرف به على الهلاك الحديد : ( 11 ) من ذا الذي . . . . . ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له ) فيضاعفه له ( أي يعطى أجره أضعافا ) وله أجر كريم ( أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف فكيف وقد يضاعف أضعافا وقرأ عاصم فيضاعفه بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال أيقرض الله أحد فيضاعفه له وقرأ ابن كثير فيضعفه مرفوعا وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه منصوبا ________________________________________ " صفحة رقم 299 " الحديد : ( 12 ) يوم ترى المؤمنين . . . . . ) يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ( ظرف لقوله ) وله ( أو ) فيضاعفه ( أو مقدر باذكر ) يسعى نورهم ( ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة ) بين أيديهم وبأيمانهم ( لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ) بشراكم اليوم جنات ( أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة ) بشراكم ( أي المبشر به جنات أو ) بشراكم ( دخول جنات ) تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ( الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة الحديد : ( 13 ) يوم يقول المنافقون . . . . . ) يوم يقول المنافقون والمنافقات ( بدل من ) يوم ترى ( ) للذين آمنوا انظرونا ( انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم وقرأ حمزة أنظرونا على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم ) نقتبس من نوركم ( نصب منه ) قيل ارجعوا وراءكم ( إلى الدنيا ) فالتمسوا نورا ( بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة ) فضرب بينهم ( بين المؤمنين والمنافقين ) بسور ( بحائط ) له باب ( يدخل منه المؤمنون ) باطنه ( باطن السور أو الباب ) فيه الرحمة ( لأنه يلي الجنة ) وظاهره من قبله العذاب ( من جهته لأنه يلي النار الحديد : ( 14 ) ينادونهم ألم نكن . . . . . ) ينادونهم ألم نكن معكم ( يريدون موافقتهم في الظاهر ) قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم ( بالنفاق ) وتربصتم ( بالمؤمنين الدوائر ) وارتبتم ( وشككتم في الدين ) وغرتكم الأماني ( كامتداد العمر ) حتى جاء أمر الله ( وهو الموت ) وغركم بالله الغرور ( الشيطان أو الدنيا ________________________________________ " صفحة رقم 300 " الحديد : ( 15 ) فاليوم لا يؤخذ . . . . . ) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ( فداء وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتاء ) ولا من الذين كفروا ( ظاهرا وباطنا ) مأواكم النار هي مولاكم ( هي أولى بكم كقول لبيد " فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها " وحقيقته مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل إنه لكريم أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب أو ناصركم على طريقة قوله " تحية بينهم ضرب وجيع " أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا ) وبئس المصير ( النار الحديد : ( 16 ) ألم يأن للذين . . . . . ) ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ( ألم يأت وقته يقال أني الأمر يأني أنيا وأنا إذا جاء إناه وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت ) وما نزل من الحق ( أي القرآن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله وقرأ نافع وحفص ويعقوب ) نزل ( بالتخفيف وقرئ أنزل ) ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ( عطف على ) تخشع ( وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله ) فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ( أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم أو ما بينهم وبين أنبيائهم ) فقست قلوبهم ( وقرئ ) الأمد ( وهو الوقت الأطول ) وكثير منهم فاسقون ( خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة الحديد : ( 17 ) اعلموا أن الله . . . . . ) اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ( تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر ________________________________________ " صفحة رقم 301 " والتلاوة بالإحياء والأموات ترغيبا في الخشوع وزجرا عن القساوة ) قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ( كي تكمل عقولكم الحديد : ( 18 ) إن المصدقين والمصدقات . . . . . ) إن المصدقين والمصدقات ( إن المتصدقين والمتصدقات وقد قرئ بهما وقرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا الله ورسوله ) وأقرضوا الله قرضا حسنا ( عطف على معنى الفعل في المحل باللام لأن معناه الذين أصدقوا أو صدقوا وهو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص ) يضاعف لهم ولهم أجر كريم ( معناه والقراءة في ) يضاعف ( كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن وهو مسند إلى ) لهم ( أو إلى ضمير المصدر الحديد : ( 19 ) والذين آمنوا بالله . . . . . ) والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ( أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله ورسله والقائمون بالشهادة لله ولهم أو على الأمم يوم القيامة وقيل ) والشهداء عند ربهم ( مبتدأ وخبر والمراد به الأنبياء من قوله ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( أو الذين استشهدوا في سبيل الله ) لهم أجرهم ونورهم ( مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ولكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت أو الأجر والنور الموعودان لهم ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( فيه دليل على أن الخلود في ________________________________________ " صفحة رقم 302 " النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفاء الحديد : ( 20 ) اعلموا أنما الحياة . . . . . ) اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ( لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الأجل بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جدا إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد ثم قرر ذلك بقوله ) كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ( وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجابا بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجابا ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاما ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله ) وفي الآخرة عذاب شديد ( تنفيرا عن الانهماك في الدنيا وحثا على ما يوجب كرامة العقبى ثم أكد ذلك بقوله ) ومغفرة من الله ورضوان ( أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة ) وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة الحديد : ( 21 ) سابقوا إلى مغفرة . . . . . ) سابقوا ( سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار ) إلى مغفرة من ربكم ( إلى موجباتها ) وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ( أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول وقيل المراد به البسطة كقوله ) فذو دعاء عريض ( ) أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ( فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإيمان وحده كاف في استحقاقها ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من ________________________________________ " صفحة رقم 303 " غير إيجاب ) والله ذو الفضل العظيم ( منه التفضل بذلك وإن عظم قدره الحديد : ( 22 ) ما أصاب من . . . . . ) ما أصاب من مصيبة في الأرض ( كجدب وعاهة ) ولا في أنفسكم ( كمرض وآفة ) إلا في كتاب ( إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى ) من قبل أن نبرأها ( نخلقها والضمير لل ) مصيبة ( أو ) الأرض ( أو للأنفس ) إن ذلك ( أي إثباته في كتاب ) على الله يسير ( لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة الحديد : ( 23 ) لكي لا تأسوا . . . . . ) لكي لا تأسوا ( أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا ) على ما فاتكم ( من نعم الدنيا ) ولا تفرحوا بما آتاكم ( بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر وقرأ أبو عمرو ) بما آتاكم ( من الإتيان ليعادل ما فاتكم وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها واما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ولذلك عقبه بقوله ) والله لا يحب كل مختال فخور ( إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء الحديد : ( 24 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . . ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالبا أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله ) ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر / فإن الله الغني / الحديد : ( 25 ) لقد أرسلنا رسلنا . . . . . ) لقد أرسلنا رسلنا ( أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم ) بالبينات ( ________________________________________ " صفحة رقم 304 " بالحجج والمعجزات ) وأنزلنا معهم الكتاب ( ليبين الحق ويميز صواب العمل ) والميزان ( لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى ) ليقوم الناس بالقسط ( وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام ويجوز أن يراد به العدل ) ليقوم الناس بالقسط ( لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال ) وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ( فإن آلات الحروب متخذة منه ) ومنافع للناس ( إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها ) وليعلم الله من ينصره ورسله ( باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلا أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله ) بالغيب ( حال من المستكن في ينصره ) إن الله قوي ( على إهلاك من أراد إهلاكه ) عزيز ( لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه الحديد : ( 26 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . . ) ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ( بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب وقيل المراد بالكتب الخط ) فمنهم ( فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم ) أرسلنا ( ) مهتد وكثير منهم فاسقون ( خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن السنن القابلة للمبالغة في الذم والدلالة على أن الغلبة للضلال الحديد : ( 27 ) ثم قفينا على . . . . . ) ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم ( أي أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى عليه السلام والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية فإن الرسل الملقى بهم من الذرية ) وآتيناه الإنجيل ( وقرئ بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل لأنه أعجمي ) وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ( ________________________________________ " صفحة رقم 305 " وقرئ رآفة على فعالة ) ورحمة ورهبانية ابتدعوها ( أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها أو رهبانية مبتدعة على أنها من المجعولات وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس منسوبة إلى الرهبان وهو المبالغ في الخوف من رهب كالخشيان من خشي وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى الرهبان وهو جمع راهب كراكب وركبان ) ما كتبناها عليهم ( ما فرضناها عليهم ) إلا ابتغاء رضوان الله ( استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ) ابتغاء رضوان الله ( وقيل متصل فإن ) ما كتبناها عليهم ( بمعنى ما تعبدناهم بها وهو كما ينفي الإيجاب المقصود منه دفع العقاب ينفي الندب المقصود منه مجرد حصول مرضاة الله وهو يخالف قوله ) ابتدعوها ( إلا أن يقال ) ابتدعوها ( ثم ندبوا إليها أو ) ابتدعوها ( بمعنى استحدثوها وأتوا بها أو لأنهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم ) فما رعوها ( أي فما رعوها جميعا ) حق رعايتها ( بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونحوها إليها ) فآتينا الذين آمنوا ( أتوا بالإيمان الصحيح ومن ذلك الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وحافظوا حقوقها ) منهم ( من المتسمين باتباعه ) أجرهم وكثير منهم فاسقون ( خارجون عن حال الاتباع الحديد : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا ( بالرسل المتقدمة ) اتقوا الله ( فيما نهاكم عنه ) وآمنوا برسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) يؤتكم كفلين ( نصيبين ) من رحمته ( لإيمانكم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إيمانكم بمن قبله ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخا ببركة الإسلام وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره ( صلى الله عليه وسلم ) ) ويجعل لكم نورا تمشون به ( يريد المذكور في قوله ) يسعى نورهم ( أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس ) ويغفر لكم والله غفور رحيم ( ________________________________________ " صفحة رقم 306 " الحديد : ( 29 ) لئلا يعلم أهل . . . . . ) لئلا يعلم أهل الكتاب ( أي ليعلموا ولا مزيدة ويؤيده أنه قرئ ليعلم ولكي يعلم ولأن يعلم بإدغام النون في الياء ) ألا يقدرون على شيء من فضل الله ( أن هي المخففة والمعنى أنه لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله ولا يتمكنون من نيله لأنهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالإيمان به أو لا يقدرون على شيء من فضله فضلا عن أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصوها بمن أرادوا ويؤيده قوله ) وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( وقيل لا غير مزيدة والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شيء من فضل الله ولا ينالونه فيكون ) وأن الفضل ( عطفا على ) لئلا يعلم ( وقرئ ليلا يعلم ووجهه أن الهمزة حذفت وأدغمت النون في اللام ثم أبدلت ياء وقرئ ليلا على أن الأصل في الحروف المفردة الفتح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسله أجمعين ________________________________________ " صفحة رقم 307 " سورة المجادلة مدنية وقيل العشر الأول مكي والباقي مدني وآيها اثنتان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم المجادلة : ( 1 ) قد سمع الله . . . . . ) قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ( روي ان خولة بنت ثعلبة ظاهر عنها زوجها أوس بن الصامت فاستفتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال حرمت عليه فقالت ما طلقني فقال حرمت عليه فاغتمت لصغر أولادها وشكت إلى الله تعالى فنزلت هذه الآيات الأربع وقد تشعر بأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو المجادلة يتوقع أن الله يسمع مجادلتها وشكواها ويفرج عنها كربها وأدغم حمزة والكسائي وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر دالها في السين ) والله يسمع تحاوركما ( تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب ) إن الله سميع بصير ( للأقوال والأحوال المجادلة : ( 2 ) الذين يظاهرون منكم . . . . . ) الذين يظاهرون منكم من نسائهم ( الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي مشتق من الظهر وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم وفي ) منكم ( تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية وأصل ) يظاهرون ( يتظاهرون وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي يظاهرون من اظاهر وعاصم ) يظاهرون ( من ظاهر ) ما هن ( ________________________________________ " صفحة رقم 308 " ) أمهاتهم ( أي على الحقيقة ) إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ( فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن كالمرضعات وأزواج الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة بني تميم وقرىء ب ) أمهاتهم ( وهو أيضا على لغة من ينصب ) وإنهم ليقولون منكرا من القول ( إذ الشرع أنكره ) وزورا ( منحرفا عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأم ) وإن الله لعفو غفور ( لما سلف منه مطلقا أو إذا تيب عنه المجادلة : ( 3 ) والذين يظاهرون من . . . . . ) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ( أي إلى قولهم بالتدارك ومنه المثل عاد الغيث على ما أفسد وهو بنقض ما يقتضيه وذلك عند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زمانا يمكنه مفارقتها فيه إذ التشبيه يتناول حرمته لصحة استثنائها عنه وهو أقل ما ينتقض به وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة وعند مالك بالعزم على الجماع وعند الحسن بالجماع أو بالظهار في الإسلام على أن قوله ) يظاهرون ( بمعنى يعتادون الظهار إذ كانوا يظاهرون في الجاهلية وهو قول الثوري أو بتكراره لفظا وهو قول الظاهرية أو معنى بأن يحلف على ما قال وهو قول أبي مسلم أو إلى المقول فيها بإمساكها أو استباحة استمتاعها أو وطئها ) فتحرير رقبة ( أي فعليهم أو فالواجب اعتقاق رقبة والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار والرقبة مقيدة بالإيمان عندنا قياسا على كفارة القتل ) من قبل أن يتماسا ( أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه أو أن يجامعها وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير ) ذلكم ( أي ذلكم الحكم بالكفارة ) توعظون به ( لأنه يدل على ________________________________________ " صفحة رقم 309 " ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع عنه ) والله بما تعملون خبير ( لا تخفى عليه خافية المجادلة : ( 4 ) فمن لم يجد . . . . . ) فمن لم يجد ( أي الرقبة والذي غاب ماله واجد ) فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ( فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف وإن جامع المظاهر عنها ليلا لم ينقطع التتابع عندنا خلافا لأبي حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهما ) فمن لم يستطع ( أي الصوم لهرم أو مرض مزمن أو شبق مفرط فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) رخص للأعرابي المفطر أن يعدل لأجله ) فإطعام ستين مسكينا ( ستين مدا بمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو رطل وثلث لأنه أقل ما قيل في الكفارات وجنسه المخرج في الفطرة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره وإنما لم يذكر التماس مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفه رضي الله تعالى عنه ) ذلك ( أي ذلك البيان أو التعليم للأحكام ومحله النصب بفعل معلل بقوله ) لتؤمنوا بالله ورسوله ( أي فرض ذلك لتصدقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم ) وتلك حدود الله ( لا يجوز تعديها ) وللكافرين ( أي الذين لا يقبلونها ) عذاب أليم ( هو نظير قوله تعالى ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) المجادلة : ( 5 ) إن الذين يحادون . . . . . ) إن الذين يحادون الله ورسوله ( يعادونهما فإن كلا من المتعادين في حد غير حد الآخر أو يضعون أو يختارون حدودا غير حدودهما ) كبتوا ( أخزوا وأهلكوا واصل ________________________________________ " صفحة رقم 310 " الكبت الكب ) كما كبت الذين من قبلهم ( يعني كفار الأمم الماضية ) وقد أنزلنا آيات بينات ( تدل على صدق الرسول وما جاء به ) وللكافرين عذاب مهين ( يذهب عزهم وتكبرهم المجادلة : ( 6 ) يوم يبعثهم الله . . . . . ) يوم يبعثهم الله ( منصوب ب ) مهين ( أو بإضمار اذكر ) جميعا ( كلهم لا يدع أحدا غير مبعوث أو مجتمعين ) فينبئهم بما عملوا ( أي على رؤوس الأشهاد تشهيرا لحالهم وتقريرا لعذابهم ) أحصاه الله ( أحاط به عددا لم يغب منه شيء ) ونسوه ( لكثرته أو تعاونهم به ) والله على كل شيء شهيد ( لا يغيب عنه شيء المجادلة : ( 7 ) ألم تر أن . . . . . ) ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( كليا وجزئيا ) ما يكون من نجوى ثلاثة ( أي ما يقع من تناجي ثلاثة ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول ) نجوى ( بمتناجين ويجعل ) ثلاثة ( صفة لها واشتقاقها من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه ) إلا هو رابعهم ( إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها والاستثناء من أعم الأحوال ) ولا خمسة ( ولا نجوى خمسة ) إلا هو سادسهم ( وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين أو لأن الله تعالى وتر يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما وقرىء ) ثلاثة ( و ) خمسه ( بالنصب على الحال بإضمار ) ويتناجون ( أو تأويل ) نجوى ( بمتناجين ) ولا أدنى من ذلك ( ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين ) ولا أكثر ( كالستة وما فوقها ) إلا هو معهم ( يعلم ما يجري بينهم وقرأ يعقوب ولا أكثر بالرفع عطفا على محل من ) نجوى ( أو محل لا أدنى بأن جعلت لا لنفي الجنس ) أين ما كانوا ( فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة ) ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ( ________________________________________ " صفحة رقم 311 " تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء ) أن الله بكل شيء عليم ( لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواء المجادلة : ( 8 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ( نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين فنهاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عادوا لمثل فعلهم ) ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( أي بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول وقرأ حمزة وينتجون وهو يفتعلون من النجوى وروي عن يعقوب مثله ) وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ( فيقولون السام عليك أو أنعم صباحا والله تعالى يقول ) وسلام على عباده الذين اصطفى ( ) ويقولون في أنفسهم ( فيما بينهم ) لولا يعذبنا الله بما نقول ( هلا يعذبنا الله بذلك لو كان محمد نبيا ) حسبهم جهنم ( عذابا ) يصلونها ( يدخلونها ) فبئس المصير ( جهنم المجادلة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( كما يفعله المنافقون وعن يعقوب فلا تنتجوا ) وتناجوا بالبر والتقوى ( بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون ( فيما تأتون وتذرون فإنه مجازيكم عليه المجادلة : ( 10 ) إنما النجوى من . . . . . ) إنما النجوى ( أي النجوى بالإثم والعدوان ) من الشيطان ( فإنه المزين لها والحامل عليها ) ليحزن الذين آمنوا ( بتوهمهم انها في نكبة أصابتهم ) وليس ( أي الشيطان أو التناجي ) بضارهم ( بضار المؤمنين ) شيئا إلا بإذن الله ( إلا بمشيئته ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( ولا يبالوا بنجواهم ________________________________________ " صفحة رقم 312 " المجادلة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ( توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم افسح عني أي تنح وقرىء تفاسحوا والمراد بالمجلس الجنس ويدل عليه قراءة عاصم بالجمع أو مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنهم كانوا يتضامون به تنافسا على القرب منه وحرصا على استماع كلامه ) فافسحوا يفسح الله لكم ( فيما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر وغيرها ) وإذا قيل انشزوا ( انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد أو ارتفعوا عن المجلس ) فانشزوا ( وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضم الشين فيهما ) يرفع الله الذين آمنوا منكم ( بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وإيوائهم غرف الجنان في الآخرة ) والذين أوتوا العلم درجات ( ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل فإن العلم مع علو درجته يقتضي العمل المقرون به مزيد رفعة ولذلك يقتدى بالعالم في أفعاله ولا يقتدى بغيره وفي الحديث فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) والله بما تعملون خبير ( تهديد لمن لم يتمثل الأمر أو استكرهه المجادلة : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ( فتصدقوا قدامها مستعار ممن له يدان وفي هذا الأمر تعظيم الرسول وإنفاع الفقراء والنهي عن الإفراط في السؤال والميز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه منسوخ بقوله ) أأشفقتم ( وهو إن اتصل به تلاوة لم يتصل به نزولا وعن علي كرم الله وجهه إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وهو على القول بالوجوب لا يقدح في غيره فلعله لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقائه إذ روي أنه لم يبق إلا عشرا وقيل إلا ساعة ) ذلك ( أي ذلك التصدق ) خير لكم وأطهر ( أي لأنفسكم من الريبة وحسب المال وهو ________________________________________ " صفحة رقم 313 " يشعر بالندبية لكن قوله ) فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ( أي لمن لم يجده حيث رخص له في المناجاة بلا تصدق ادل على الوجوب المجادلة : ( 13 ) أأشفقتم أن تقدموا . . . . . ) أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ( أخفتم الفقر من تقديم الصدقة أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر وجمع ) صدقات ( لجمع المخاطبين أو لكثرة التناجي ) فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ( بأن رخص لكم أن لا تفعلوه وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم مما قام مقام توبتهم وإذ على بابها وقيل بمعنى إذا أو إن ) فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( فلا تفرطوا في أدائهما ) وأطيعوا الله ورسوله ( في سائر الأوامر فإن القيام بها كالجابر للتفريط في ذلك ) والله خبير بما تعملون ( ظاهرا وباطنا المجادلة : ( 14 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين تولوا ( والوا ) قوما غضب الله عليهم ( يعني اليهود ) ما هم منكم ولا منهم ( لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك ) ويحلفون على الكذب ( وهو ادعاء الإسلام ) وهم يعلمون ( أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وفي هذا التقييد دليل على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يعلم وروي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان في حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق وكان أزرق فقال ( صلى الله عليه وسلم ) له علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت ________________________________________ " صفحة رقم 314 " المجادلة : ( 15 ) أعد الله لهم . . . . . ) أعد الله لهم عذابا شديدا ( نوعا من العذاب متفاقما ) إنهم ساء ما كانوا يعملون ( فتمرنوا على سوء العمل وأصروا عليه المجادلة : ( 16 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . . ) اتخذوا أيمانهم ( أي التي حلفوا بها وقرىء بالكسر أي إيمانهم الذي أظهروه ) جنة ( وقاية دون دمائهم وأموالهم ) فصدوا عن سبيل الله ( فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط ) فلهم عذاب مهين ( وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة المجادلة : ( 17 ) لن تغني عنهم . . . . . ) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( قد سبق مثله المجادلة : ( 18 ) يوم يبعثهم الله . . . . . ) يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له ( أي لله تعالى على أنهم مسلمون ) كما يحلفون لكم ( في الدنيا ويقولون إنهم لمنكم ) ويحسبون أنهم على شيء ( في حلفهم الكاذب لأن تمكن النفاق في نفوسهم بحيث يخيل إليهم في الآخرة أن الإيمان الكاذبة تروج الكذب على الله كما تروجه عليكم في الدنيا ) ألا إنهم هم الكاذبون ( البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة ويحلفون عليه المجادلة : ( 19 ) استحوذ عليهم الشيطان . . . . . ) استحوذ عليهم الشيطان ( استولى عليهم من حذت الإبل وأحذتها إذا استوليت عليها وهو مما جاء على الأصل ) فأنساهم ذكر الله ( لا يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم ) أولئك حزب الشيطان ( جنوده وأتباعه ) ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ( لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم المؤبد وعرضوها للعذاب المخلد المجادلة : ( 20 ) إن الذين يحادون . . . . . ) إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ( في جملة من هو أذل خلق الله المجادلة : ( 21 ) كتب الله لأغلبن . . . . . ) كتب الله ( في اللوح ) لأغلبن أنا ورسلي ( أي بالحجة وقرأ نافع وابن عامر رسلي بفتح الياء ) إن الله قوي ( على نصر أنبيائه ) عزيز ( لا يغلب عليه شيء في مراده ________________________________________ " صفحة رقم 315 " المجادلة : ( 22 ) لا تجد قوما . . . . . ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ( أي لا ينبغي أن تجدهم وادين أعداء الله والمراد أنه لا ينبغي أن يوادوهم ) ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ( ولو كان المحادون أقرب الناس إليهم ) أولئك ( أي الذين لم يوادوهم ) كتب في قلوبهم الإيمان ( أثبته فيها وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان فإن جزء الثابت في القلب يكون ثابتا فيه وأعمال الجوارح لا تثبت فيه ) وأيدهم بروح منه ( أي من عند الله وهو نور القلب أو القرآن أو بالنصر على العدو قيل الضمير ل ) الأيمان ( فإنه سبب لحياة القلب ) ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ( بطاعتهم ) ورضوا عنه ( بقضائه أو بما وعدهم من الثواب ) أولئك حزب الله ( جنده وأنصار دينه ) ألا إن حزب الله هم المفلحون ( الفائزون بخير الدارين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 316 " سورة الحشر مدنية وآيها أربع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الحشر : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . ) سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما قدم المدينة صالح بني النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر يوم بدر قالوا إنه النبي المنعوت في التوراة بالنصرة فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة وحالفوا أبا سفيان فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخا كعب من الرضاعة فقتله غيلة ثم صبحهم بالكتائب وحاصرهم حتى صالحوا على الجلاء فجلا أكثرهم إلى الشام ولحقت طائفة بخيبر والحيرة فأنزل الله تعالى ) سبح لله ( إلى قوله ) والله على كل شيء قدير ) الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . . ) هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ( أي في أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهمهذا الذل قبل ذلك أو في أول حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشام وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إليه أو في ________________________________________ " صفحة رقم 317 " أول حشر الناس إلى الشام وآخر حشرهم أنهم يحشرون إليه عند قيام الساعة فيدركهم هناك أو أن نارا تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر ) ما ظننتم أن يخرجوا ( لشدة بأسهم ومنعتهم ) وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ( أي أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وتغيير النظم وتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة بسببها ويجوز أن تكون ) حصونهم ( فاعلا ل ) مانعتهم ( ) فآتاهم الله ( أي عذابه وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء وقيل الضمير ل ) المؤمنين ( أي فأتاهم نصر الله وقرىء ) فآتاهم الله ( أي العذاب أو النصر ) من حيث لم يحتسبوا ( لقوة وثوقهم ) وقذف في قلوبهم الرعب ( وأثبت فيها الخوف الذي يرعبها أ يملؤها ) يخربون بيوتهم بأيديهم ( ضنا بها على المسلمين وإخراجا لما استحسنوا من آلاتها ) وأيدي المؤمنين ( فإنهم أيضا كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعا لمجال القتال وعطفها على أيديهم من حيث أن تخريب المؤمنين مسبب عن نقضهم فكأنهم استعملوهم فيه والجملة حال أو تفسير ل ) الرعب ( وقرأ أبو عمرو يخربون بالتشديد وهو أبلغ لما فيه من التكثير وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشيء خرابا والتخريب الهدم ) فاعتبروا يا أولي الأبصار ( فاتعظوا بحالهم فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير الله واستدل به على أن القياس حجة من حيث أنه أمر بالمجاوزة من حال إلى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له على ما قررناه في الكتب الأصولية الحشر : ( 3 ) ولولا أن كتب . . . . . ) ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ( الخروج من أوطانهم ) لعذبهم في الدنيا ( ________________________________________ " صفحة رقم 318 " بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة ) ولهم في الآخرة عذاب النار ( استئناف معناه أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة الحشر : ( 4 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . . ) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ( الإشارة إلى ما ذكر مما حاق بهم وما كانوا بصدده وما هو معد لهم أو إلى الأخير الحشر : ( 5 ) ما قطعتم من . . . . . ) ما قطعتم من لينة ( أي شيء قطعتم من نخلة فعلة من اللون ويجمع على ألوان وقيل من اللين ومعناها النخلة الكريمة وجمعها أليان ) أو تركتموها ( الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة ) قائمة على أصولها ( وقرىء أصلها اكتفاء بالضمة عن الواو أو على أنه كرهن ) فبإذن الله ( فبأمره ) وليخزي الفاسقين ( علة لمحذوف أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما أمر بقطع نخيلهم قالوا قد كنت يا محمد تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم الحشر : ( 6 ) وما أفاء الله . . . . . ) وما أفاء الله على رسوله ( وما أعاده عليه بمعنى صيره له أو رده عليه فإنه كان حقيقا بأن يكون له لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين ) منهم ( من بني النضير أو من الكفرة ) فما أوجفتم عليه ( فما أجريتم على تحصيله من الوجيف وهو سرعة السير ) من خيل ولا ركاب ( ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلب الراكب على راكبه وذلك إن كان المراد فيء بني النضير فلأن قراهم كانت على ميلين من المدينة فمشوا إليها رجالا غير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه ركب جملا أو حمارا ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الأنصار منه شيئا إلا ثلاثة كانت بهم ________________________________________ " صفحة رقم 319 " حاجة ) ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ( بقذف الرعب في قلوبهم ) والله على كل شيء قدير ( فيفعل ما يريد تارة بالوسائط الظاهرة وتارة بغيرها الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . . ) ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ( بيان للأول ولذلك لم يعطف عليه ) فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ( اختلف في قسم الفيء فقيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله في عمارة الكعبة وسائر المساجد وقيل يخمس لأن ذكر الله للتعظيم ويصرف الآن سهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإمام على قول وإلى العساكر والثغور على قول وإلى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسه كالغنيمة فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء والآن على الخلاف المذكور ) كي لا يكون ( أي الفيء الذي حقه أن يكون للفقراء وقرأ هشام في رواية بالتاء ) دولة بين الأغنياء منكم ( الدولة ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية وقرىء ) دولة ( بمعنى كيلا يكون الفيء ذا تداول بينهم أو أخذه غلبة تكون بينهم وقرأ هشام دولة بالرفع على كان التامة أي كيلا يقع دولة جاهلية ) وما آتاكم الرسول ( وما أعطاكم من الفيء أو من الأمر ) فخذوه ( لأنه حلال لكم أو فتمسكوا به لأنه واجب الطاعة ) وما نهاكم عنه ( عن أخذه منه أو عن إتيانه ) فانتهوا ( عنه ) واتقوا الله ( في مخالفة رسوله ) أن الله شديد العقاب ( لمن خالفه الحشر : ( 8 ) للفقراء المهاجرين الذين . . . . . ) للفقراء المهاجرين ( بدل من ) ولذي القربى ( و ) ما ( عطف عليه فإن ) الرسول ( لا يسمى فقيرا ومن أعطى أغنياء ذوي القربى خصص الإبدال بما بعده والفيء بفيء بني النضير ) الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ( فإن كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم ) يبتغون فضلا من الله ورضوانا ( حال مقيدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم ) وينصرون الله ورسوله ( بأنفسهم وأموالهم ) أولئك هم الصادقون ( في إيمانهم ________________________________________ " صفحة رقم 320 " الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . . ) والذين تبوؤوا الدار والإيمان ( عطف على المهاجرين والمراد بهم الأنصار الذين ظهر صدقهم فإنهم لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما وقيل المعنى تبوءوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الأول وعوض عنه اللام أو تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان كقوله " علفتها تبنا وماء باردا " وقيل سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره ) من قبلهم ( من قبل هجرة المهاجرين وقيل تقدير الكلام والذين تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان ) يحبون من هاجر إليهم ( ولا يثقل عليهم ) ولا يجدون في صدورهم ( في أنفسهم ) حاجة ( ما تحمل عليه الحاجة كالطلب والحزازة والحسد والغيظ ) مما أوتوا ( مما أعطي المهاجرون من الفيء وغيره ) ويؤثرون على أنفسهم ( ويقدمون المهاجرين على أنفسهم حتى إن كان عنده مرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم ) ولو كان بهم خصاصة ( حاجة من خصاص البناء وهي فرجه ) ومن يوق شح نفسه ( حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق ) فأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالثناء العاجل والثواب الآجل الحشر : ( 10 ) والذين جاؤوا من . . . . . ) والذين جاؤوا من بعدهم ( هم الذين هاجروا حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل أن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين ) يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ( أي لإخواننا في ________________________________________ " صفحة رقم 321 " الدين ) ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ( حقدا لهم ) ربنا إنك رؤوف رحيم ( فحقيق بأن تجيب دعاءنا الحشر : ( 11 - 12 ) ألم تر إلى . . . . . ) ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ( يريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة ) لئن أخرجتم ( من دياركم ) لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم ( في قتالكم أو خذلانكم ) أحدا أبدا ( أي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) وإن قوتلتم لننصرنكم ( لنعاوننكم ) والله يشهد إنهم لكاذبون ( لعلمه بأنهم لا يفعلون ذلك كما قال ) لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ( وكان كذلك فإن ابن أبي وأصحابه راسلوا بني النضير بذلك ثم أخلفوهم وفيه دليل على صحة النبوة وإعجاز القرآن ) ولئن نصروهم ( على الفرض والتقدير ) ليولن الأدبار ( انهزاما ) ثم لا ينصرون ( بعد بل يخذلهم الله ولا ينفعهم نصرة المنافقين أو نفاقهم إذ ضمير الفعلين يحتمل أن يكون لليهود وأن يكون للمنافقين الحشر : ( 13 ) لأنتم أشد رهبة . . . . . ) لأنتم أشد رهبة ( أي أشد مرهوبية مصدر للفعل المبني للمفعول ) في صدورهم ( فإنهم كانوا يضمرون مخافتهم من المؤمنين ) من الله ( على ما يظهرونه نفاقا فإن استبطان رهبتكم سبب لإظهار مرهبة الله ) ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ( لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته ويعلموا أنه الحقيق بأن يخشى ________________________________________ " صفحة رقم 322 " الحشر : ( 14 ) لا يقاتلونكم جميعا . . . . . ) لا يقاتلونكم ( اليهود والمنافقون ) جميعا ( مجتمعين متفقين ) إلا في قرى محصنة ( بالدروب والخنادق ) أو من وراء جدر ( لفرط رهبتهم وقرأ ابن كثير وأبو عمر جدار وأمال أبو عمرو فتحة الدال ) بأسهم بينهم شديد ( أي وليس ذلك لضعفهم وجبنهم فإنه يشتد بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا بل لقذف الله الرعب في قلوبهم ولأن الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله ) تحسبهم جميعا ( مجتمعين متفقين ) وقلوبهم شتى ( متفرقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم ) ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( ما فيه صلاحهم وإن تشتت القلوب يوهن قواهم الحشر : ( 15 ) كمثل الذين من . . . . . ) كمثل الذين من قبلهم ( أي مثل اليهود كمثل أهل بدر أو بني قينقاع إن صح أنهم أخرجوا قبل النضير أو المهلكين من الأمم الماضية ) قريبا ( في زمان قريب وانتصابه بمثل إذ التقدير كوجود مثل ) ذاقوا وبال أمرهم ( سوء عاقبة كفرهم في الدنيا ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة الحشر : ( 16 ) كمثل الشيطان إذ . . . . . ) كمثل الشيطان ( أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشيطان ) إذ قال للإنسان اكفر ( أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور ) فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ( تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك كما قال الحشر : ( 17 ) فكان عاقبتهما أنهما . . . . . ) فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ( والمراد من الإنسان الجنس قيل أبو جهل قال له إبليس يوم بدر ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( الآية وقيل راهب حمله على الفجور والارتداد وقرىء ) عاقبتهما ( ________________________________________ " صفحة رقم 323 " و خالدان على أن خبر إن و ) في النار ( لغو الحشر : ( 18 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ( ليوم القيامة سماه به لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة كغده وتنكيره للتعظيم وأما تنكير النفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك ) واتقوا الله ( تكرير للتأكيد أو الأول في أداء الواجبات لأنه مقرون بالعمل والثاني في ترك المحارم لاقترانه بقوله ) إن الله خبير بما تعملون ( وهو كالوعيد على المعاصي الحشر : ( 19 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . ) ولا تكونوا كالذين نسوا الله ( نسوا حقه ) فأنساهم أنفسهم ( فجعلهم ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها أو أراهم يوم القيامة من الهول ما أنساهم أنفسهم ) أولئك هم الفاسقون ( الكاملون في الفسوق الحشر : ( 20 ) لا يستوي أصحاب . . . . . ) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ( الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة والذين استمهنوها فاستحقوا النار واحتج به أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالكافر ) أصحاب الجنة هم الفائزون ( بالنعيم المقيم الحشر : ( 21 ) لو أنزلنا هذا . . . . . ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ( تمثيل وتخييل كما مر في قوله ) إنا عرضنا الأمانة ( ولذلك عقبه بقوله ) وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ( فإن الإشارة إليه وإلى أمثاله والمراد توبيخ الإنسان على عدم تخشعه عند تلاوة القرآن لقساوة قلبه وقلة تدبره والتصدع التشقق وقرىء مصدعا على الإدغام ________________________________________ " صفحة رقم 324 " الحشر : ( 22 ) هو الله الذي . . . . . ) هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ( ما غاب عن الحس من الجواهر القدسية وأحوالها وما حضر له من الأجرام وأعراضها وتقديم ) الغيب ( لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به أو المعدوم والموجود أو السر و العلانية وقيل الدنيا والآخرة ) هو الرحمن الرحيم ) الحشر : ( 23 ) هو الله الذي . . . . . ) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس ( البالغ في النزاهة عما يوجب نقصانا وقرىء بالفتح وهو لغة فيه ) السلام ( ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة ) المؤمن ( واهب الأمن وقرىء بالفتح بمعنى المؤمن به على حذف الجار ) المهيمن ( الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن قلبت همزته هاء ) العزيز الجبار ( الذي جبر خلقه على ما أراده أو جبر حالهم بمعنى أصلحه ) المتكبر ( الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانا ) سبحان الله عما يشركون ( إذ لا يشركه في شيء من ذلك الحشر : ( 24 ) هو الله الخالق . . . . . ) هو الله الخالق ( المقدر للأشياء على مقتضى حكمته ) البارئ ( الموجد لها بريئا من التفاوت ) المصور ( الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد ومن أراد الإطناب في شرح هذه الأسماء وأخواتها فعليه بكتابي المسمى بمنتهى المنى ) له الأسماء الحسنى ( لأنها دالة على محاسن المعاني ) يسبح له ما في السماوات والأرض ( لتنزهه عن النقائص كلها ) هو العزيز الحكيم ( الجامع للكمالات بأسرها فإنها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ________________________________________ " صفحة رقم 325 " سورة الممتحنة مدنية وآيها ثلاث عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الممتحنة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( نزلت في حاطب بن أبي بلتعة فإنه لما علم أن رسول ( صلى الله عليه وسلم ) يغزو أهل مكة كتب إليهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريدكم فخذوا حذركم وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب فنزل جبريل عليه السلام فأعلم رسول الله فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع فسل علي رضي الله تعالى عنه السيف فأخرجته من عقاصها فاستحضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حاطبا وقال ما حملك عليه فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش وليس لي فيهم من يحمي أهلي فأردت أن آخذ عندهم يدا وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعذره ) تلقون إليهم بالمودة ( تفضون إليهم المودة بالمكاتبة والباء مزيدة أو إخبار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بسبب ________________________________________ " صفحة رقم 326 " المودة والجملة حال من فاعل ) لا تتخذوا ( أو صفة لأولياء جرت على غير من هي له ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير لأنه مشروط في الإسم دون الفعل ) وقد كفروا بما جاءكم من الحق ( حال من فاعل أحد الفعلين ) يخرجون الرسول وإياكم ( أي من مكة وهو حال من ) كفروا ( أو استئناف لبيانه ) أن تؤمنوا بالله ربكم ( بأن تؤمنوا به وفيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم إلى الغيبة للدلالة على ما يوجب الإيمان ) إن كنتم خرجتم ( عن أوطانكم ) جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ( علة للخروج وعمدة للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه ) لا تتخذوا ( ) تسرون إليهم بالمودة ( بدل من ) تلقون ( أو استئناف معناه أي طائل لكم في إسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة ) وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ( أي منكم وقيل ) أعلم ( مضارع والباء مزيدة وما موصولة أو مصدرية ) ومن يفعله منكم ( أي من يفعل الاتخاذ ) فقد ضل سواء السبيل ( أخطأه الممتحنة : ( 2 ) إن يثقفوكم يكونوا . . . . . ) إن يثقفوكم ( يظفروا بكم ) يكونوا لكم أعداء ( ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم ) ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ( ما يسوؤكم كالقتل والشتم ) وودوا لو تكفرون ( وتمنوا ارتدادكم ومجيء ) ودوا ( وحده بلفظ الماضي للإشعار بأنهم ) ودوا ( قبل كل شيء وأن ودادتهم حاصلة وإن لم يثقفوكم الممتحنة : ( 3 ) لن تنفعكم أرحامكم . . . . . ) لن تنفعكم أرحامكم ( قراباتكم ) ولا أولادكم ( الذين توالون المشركين لأجلهم ) يوم القيامة يفصل بينكم ( يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من بعض فما لكم ترفضون اليوم حق الله لمن يفر منكم غدا وقرأ حمزة والكسائي بكسر الصاد والتشديد وفتح الفاء وقرأ ابن عامر يفصل على البناء للمفعول وهو ) بينكم ( وقرأ عاصم ) يفصل ( ) والله بما تعملون بصير ( فيجازيكم عليه الممتحنة : ( 4 ) قد كانت لكم . . . . . ) قد كانت لكم أسوة حسنة ( قدوة اسم لما يؤتسى به ) في إبراهيم والذين معه ( صفة ثانية أو خبر كان و ) لكم ( لغوا أو حال من المستكن في ) حسنة ( أو صلة لها لا ________________________________________ " صفحة رقم 327 " ل ) أسوة ( لأنها وصفت ) إذ قالوا لقومهم ( ظرف لخبر كان ) إنا برآء منكم ( جميع بريء كظريف وظرفاء ) ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ( أي بدينكم أو بمعبودكم أو بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وآلهتكم ) وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ( فتنقلب العداوة والبغضاء ألفة ومحبة ) إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ( استثناء من قوله ) أسوة حسنة ( فإن استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن يأتسوا به فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه ) وما أملك لك من الله من شيء ( من تمام قوله المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء جميع أجزائه ) ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ( متصل بما قبل الاستثناء أو أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه تتميما لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار الممتحنة : ( 5 ) ربنا لا تجعلنا . . . . . ) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ( بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمله ) واغفر لنا ( ما فرط منا ) ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ( ومن كان كذلك كان حقيقا بأن يجير المتوكل ويجيب الداعي الممتحنة : ( 6 ) لقد كان لكم . . . . . ) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ( تكرير لمزيد الحث على التأسي بإبراهيم ولذلك صدر بالقسم وأبدل قوله ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( من ) لكم ( فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم وإن تركه مؤذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله ) ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة ________________________________________ " صفحة رقم 328 " الممتحنة : ( 7 ) عسى الله أن . . . . . ) عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( لما نزل ) لا تتخذوا ( عادى المؤمنون أقاربهم المشركين وتبرؤوا عنهم فوعدهم الله بذلك وأنجز إذ أسلم أكثرهم وصاروا لهم أولياء ) والله قدير ( على ذلك ) والله غفور رحيم ( لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم الممتحنة : ( 8 ) لا ينهاكم الله . . . . . ) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ( أي لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء لأن قوله ) أن تبروهم ( بدل من ) الذين ( ) وتقسطوا إليهم ( وتفضوا إليهم بالقسط أي العدل ) إن الله يحب المقسطين ( العادلين روي أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت الممتحنة : ( 9 ) إنما ينهاكم الله . . . . . ) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ( كمشركي مكة فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين ) أن تولوهم ( بدل من ) الذين ( بدل الاشتمال ) ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( لوضعهم الولاية في غير موضعها الممتحنة : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ( فاختبروهن بما ________________________________________ " صفحة رقم 329 " يغلب على ظنكم موافقة قلوبهم لسانهم في الإيمان ) الله أعلم بإيمانهن ( فإنه المطلع على ما في قلوبهم ) فإن علمتموهن مؤمنات ( العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات وإنما سماه علما إيذانا بأنه كالعلم في وجوب العمل به ) فلا ترجعوهن إلى الكفار ( أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله ) لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ( والتكرير للمطابقة والمبالغة أو الأولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف ) وآتوهم ما أنفقوا ( ما دفعوا إليهن من المهور وذلك لأن صلح الحديبية جرى على أن من جاءنا منكم رددناه فلما تعذر عليه ردهن لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن إذ روي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد صلح الحديبية إذ جاءته سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبا لها فنزلت فاستحلفها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضي الله تعالى عنه ) ولا جناح عليكم أن تنكحوهن ( فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار ) إذا آتيتموهن أجورهن ( شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر ) ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( بما يعتصم به الكافرات من عقد وسبب جمع عصمة ________________________________________ " صفحة رقم 330 " والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وقرأ البصريان ولا تمسكوا بالتشديد ) واسألوا ما أنفقتم ( من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار ) وليسألوا ما أنفقوا ( من مهور أزواجهم المهاجرات ) ذلكم حكم الله ( يعني جميع ما ذكر في الآية ) يحكم بينكم ( استئناف أو حال من الحكم على حذف الضمير أو جعل الحكم حاكما على المبالغة ) والله عليم حكيم ( يشرع ما تقتضيه حكمته الممتحنة : ( 11 ) وإن فاتكم شيء . . . . . ) وإن فاتكم ( وإن سبقكم وانفلت منكم ) شيء من أزواجكم ( أحد من أزواجكم وقد قرئ به وإيقاع ) شيء ( موقعه للتحقير والمبالغة في التعميم أو ) شيء ( من مهورهن ) إلى الكفار فعاقبتم ( فجاءت أي نوبتكم من أداء المهر شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره ) فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ( من مهر المهاجرة ولا تؤتوه زوجها الكافر روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة أبى المشركون أن يؤدوا مهر الكوافر فنزلت وقيل معناه إن فاتكم فأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة ) فأتوا ( بدل الفائت من الغنيمة ) واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ( فإن الإيمان به يقتضي التقوى منه الممتحنة : ( 12 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ( نزلت يوم الفتح فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء ) ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ( يريد وأد البنات ) ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف ( في حسنة تأمرهن بها والتقييد بالمعروف مع أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق ________________________________________ " صفحة رقم 331 " ) فبايعهن ( بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء ) واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) الممتحنة : ( 13 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ( يعني عامة الكفار أو اليهود إذ روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم ) قد يئسوا من الآخرة ( لكفرهم بها أو لعلمهم بأنهم لا حظ لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات ) كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( أن يبعثوا أو يثابوا أو ينالهم خير منهم وعلى الأول وضع الظاهر فيه موضع المضمر للدلالة على أن الكفر آيسهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 332 " سورة الصف مدنية وقيل مكية وآيها أربع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الصف : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . ) سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( سبق تفسيره الصف : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( روي أن المسلمين قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ( فولوا يوم أحد فنزلت و ) لم ( مركبة من لام الجر وما الاستفهامية والأكثر على حذف ألفها مع حرف الجر لكثرة استعمالهما معا واعتناقهما في الدلالة على المستفهم عنه الصف : ( 3 ) كبر مقتا عند . . . . . ) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( المقت أشد البغض ونصبه على التمييز للدلالة على أن قولهم هذا مقت خالص ) كبر ( عند من يحقر دونه كل عظيم مبالغة في المنع عنه ________________________________________ " صفحة رقم 333 " الصف : ( 4 ) إن الله يحب . . . . . ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ( مصطفين مصدر وصف به ) كأنهم بنيان مرصوص ( في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأول والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه الصف : ( 5 ) وإذ قال موسى . . . . . ) وإذ قال موسى لقومه ( مقدرا باذكر أو كان كذا ) يا قوم لم تؤذونني ( بالعصيان والرمي بالادرة ) وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ( بما جئتكم من المعجزات والجملة حال مقررة للإنكار فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه ويمنع إيذاءه ) وقد ( لتحقيق العلم ) فلما زاغوا ( عن الحق ) أزاغ الله قلوبهم ( صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( هداية موصلة إلى معرفة الحق أو إلى الجنة الصف : ( 6 ) وإذ قال عيسى . . . . . ) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل ( ولعله لم يقل ) يا قوم ( كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لا نسب له فيهم ) إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا ( في حال تصديقي لما تقدمني من التوراة وتبشيري ) برسول يأتي من بعدي ( والعامل في الحالين ما في الرسول من معنى الإرسال لا الجار لأنه لغو إذ هو صلة للرسول فلا يعمل ) برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه فذكر أول الكتب المشهورة الذي حكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم المرسلين ) فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ( الإشارة إلى ما جاء به أو إليه وتسميته سحر للمبالغة ويؤيده قراءة حمزة والكسائي هذا ساحرا على أن الإشارة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام الصف : ( 7 ) ومن أظلم ممن . . . . . ) ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ( أي لا أحد أظلم ممن يدعي إلى الإسلام الظاهر حقيته المقتضي له خبر الدارين فيضع موضع إجابته الافتراء على الله بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا فإنه يعم إثبات المنفي ونفي الثابت وقرئ يدعي يقال دعاه وادعاه كلمسه والتمسه ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم ________________________________________ " صفحة رقم 334 " الصف : ( 8 ) يريدون ليطفئوا نور . . . . . ) يريدون ليطفئوا ( أي يريدون أن يطفئوا واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها في لا أبا لك أو ) يريدون ( الافتراء ) ليطفئوا ( ) نور الله ( يعني دينه أو كتابه أو حجته ) بأفواههم ( بطعنهم فيه ) والله متم نوره ( مبلغ غايته بنشره وإعلائه وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالإضافة ) ولو كره الكافرون ( إرغاما لهم الصف : ( 9 ) هو الذي أرسل . . . . . ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( بالقرآن أو المعجزة ) ودين الحق ( والملة الحنيفية ) ليظهره على الدين كله ( ليغلبه على جميع الأديان ) ولو كره المشركون ( لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك الصف : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( وقرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد الصف : ( 11 ) تؤمنون بالله ورسوله . . . . . ) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ( استئناف مبين للتجارة وهو الجمع بين الإيمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم والمراد به الأمر وإنما جيء بلفظ الخبر إيذانا بأن ذلك مما لا يترك ) ذلكم خير لكم ( يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد ) إن كنتم تعلمون ( إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله الصف : ( 12 ) يغفر لكم ذنوبكم . . . . . ) يغفر لكم ذنوبكم ( جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر أو لشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم ويبعد جعله جوابا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا توجب المغفرة ) ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ( الإشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة الصف : ( 13 ) وأخرى تحبونها نصر . . . . . ) وأخرى تحبونها ( ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة وفي ) تحبونها ( تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وقيل ) أخرى ( منصوبة بإضمار يعطيكم أو تحبون أو مبتدأ خبره ) نصر من الله ( وهو على الأول بدل أو بيان وعلى قول ________________________________________ " صفحة رقم 335 " النصب خبر محذوف وقد قرئ بما عطف عليه بالنصب على البدل أو الاختصاص أو المصدر ) وفتح قريب ( عاجل ) وبشر المؤمنين ( عطف على محذوف مثل قل يا أيها الذين آمنوا ) وبشر ( أو على ) تؤمنون ( فإنه في معنى الأمر كأنه قال آمنوا وجاهدوا أيها المؤمنون وبشرهم يا رسول الله بما وعدتهم عليهما آجلا وعاجلا الصف : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ( وقرأ الحجازيان وأبو عمرو بالتنوين واللام لأن المعنى كونوا بعض أنصار الله ) كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ( أي من جندي موجها إلى نصرة الله ليطابق قوله تعالى ) قال الحواريون نحن أنصار الله ( والإضافة الأولى إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لما بينهما من الاختصاص والثانية إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم كما قال عيسى ابن مريم أو كونوا أنصارا كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى ) من أنصاري إلى الله ( والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض ) فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ( أي بعيسى ) فأيدنا الذين آمنوا ( ________________________________________ " صفحة رقم 336 " على عدوهم بالحجة وبالحرب وذلك بعد رفع عيسى ) فأصبحوا ظاهرين ( فصاروا غالبين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الصف كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه ________________________________________ " صفحة رقم 337 " سورة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم الجمعة : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . . ) يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ( وقد قرئ الصفات الأربع بالرفع على المدح الجمعة : ( 2 ) هو الذي بعث . . . . . ) هو الذي بعث في الأميين ( أي في العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون ) رسولا منهم ( من جملتهم أميا مثلهم ) يتلو عليهم آياته ( من كونه أميا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم ) ويزكيهم ( من خبائث العقائد والأعمال ) ويعلمهم الكتاب والحكمة ( القرآن والشريعة أو معالم الدين من المنقول والمعقول ولو لم يكن له سواه معجزة لكفاه ) وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( من الشرك وخبث الجاهلية وهو بيان لشدة احتياجهم إلى نبي يرشدهم وإزاحة لما يتوهم أن الرسول تعلم ذلك من معلم و ) إن ( هي المخففة واللام تدل عليها الجمعة : ( 3 ) وآخرين منهم لما . . . . . ) وآخرين منهم ( عطف على ) الأميين ( أو المنصوب في ) يعلمهم ( وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع ) لما يلحقوا بهم ( لم يحلقوا بهم بعد وسيلحقون ) وهو العزيز ( في تمكينه من هذا الأمر الخارق للعادة ) الحكيم ( في اختياره وتعليمه الجمعة : ( 4 ) ذلك فضل الله . . . . . ) ذلك فضل الله ( ذلك الفضل الذي امتاز به عن أقرانه فضله ) يؤتيه من يشاء ( ________________________________________ " صفحة رقم 338 " تفضلا وعطية ) والله ذو الفضل العظيم ( الذي يستحقر دونه نعيم الدنيا أو نعيم الآخرة أو نعميهما الجمعة : ( 5 ) مثل الذين حملوا . . . . . ) مثل الذين حملوا التوراة ( علموها وكلفوا العمل بها ) ثم لم يحملوها ( لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها ) كمثل الحمار يحمل أسفارا ( كتبا من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها ويحمل حال والعامل فيه معنى المثل أو صفة إذ ليس المراد من ) الحمار ( معينا ) بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ( أي مثل الذين كذبوا وهم اليهود المكذبون بآيات الله الدالة على نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويجوز أن يكون الذين صفة للقوم والمخصوص بالذم محذوفا ) والله لا يهدي القوم الظالمين ) الجمعة : ( 6 ) قل يا أيها . . . . . ) قل يا أيها الذين هادوا ( تهودوا ) إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ( إذ كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه ) فتمنوا الموت ( فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة ) إن كنتم صادقين ( في زعمكم الجمعة : ( 7 ) ولا يتمنونه أبدا . . . . . ) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ( بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي ) والله عليم بالظالمين ( فيجازيهم على أعمالهم الجمعة : ( 8 ) قل إن الموت . . . . . ) قل إن الموت الذي تفرون منه ( وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم ) فإنه ملاقيكم ( لاحق بكم لا تفوتونه والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف وكأن فرارهم يسرع لحوقه بهم وقد قرئ بغير فاء ويجوز أن يكون الموصول خبرا والفاء عاطفة ) ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ( بأن يجازيكم عليه الجمعة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة ( أي إذا أذن لها ) من يوم الجمعة ( بيان ل ) إذا ( وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة وكانت العرب تسميه العروبة ________________________________________ " صفحة رقم 339 " وقيل سماه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه إليه وأول جمعة جمعها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لما قدم المدينة نزل قباء فأقام بها إلى الجمعة ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبني سالم بن عوف ) فاسعوا إلى ذكر الله ( فامضوا إليه مسرعين قصدا فإن السعي دون العدو وال ) ذكر ( الخطبة وقيل الصلاة والأمر بالسعي إليها يدل على وجوبها ) وذروا البيع ( واتركوا المعاملة ) ذلكم ( أي السعي إلى ذكر الله ) خير لكم ( من المعاملة فإن نفع الآخرة خير وأبقى ) إن كنتم تعلمون ( الخير والشر الحقيقيين أو إن كنتم من أهل العلم الجمعة : ( 10 ) فإذا قضيت الصلاة . . . . . ) فإذا قضيت الصلاة ( أديت وفرغ منها ) فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( إطلاق لما حظر عليهم واحتج به من جعل الأمر بعد الحظر للإباحة وفي الحديث ابتغوا من فضل الله ليس بطلب الدنيا وإنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله ) واذكروا الله كثيرا ( واذكروه في مجامع أحوالكم ولا تخصوا ذكره بالصلاة ) لعلكم تفلحون ( بخير الدارين الجمعة : ( 11 ) وإذا رأوا تجارة . . . . . ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يخطب للجمعة فمرت عليه عير تحمل الطعام فخرج الناس إليهم إلا اثني عشر رجلا فنزلت ________________________________________ " صفحة رقم 340 " وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة فإن المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته أو للدلالة على أن الانفضاض إلى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما كان الانفضاض إلى اللهو أولى بذلك وقي تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه ) وتركوك قائما ( أي على المنبر ) قل ما عند الله ( من الثواب ) خير من اللهو ومن التجارة ( فإن ذلك محقق مخلد بخلاف ما تتوهمون من نفعهما ) والله خير الرازقين ( فتوكلوا عليه واطلبوا الرزق منه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة ومن لم يأتها في أمصار المسلمين ________________________________________ " صفحة رقم 341 " سورة المنافقون مدنية وآيها إحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم المنافقون : ( 1 ) إذا جاءك المنافقون . . . . . ) إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ( الشهادة إخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ولذلك صدق المشهور به وكذبهم في الشهادة بقوله ) والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( لأنهم لم يعتقدوا ذلك المنافقون : ( 2 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . . ) اتخذوا أيمانهم ( حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذه فإنها تجري مجرى الحلف في التوكيد وقرئ إيمانهم ) جنة ( وقاية من القتل والسبي ) فصدوا عن سبيل الله ( صدا أو صدودا ) إنهم ساء ما كانوا يعملون ( من نفاقهم وصدهم المنافقون : ( 3 ) ذلك بأنهم آمنوا . . . . . ) ذلك ( إشارة إلى الكلام المتقدم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم أو إلى الحال المذكورة من النفاق والكذب والاستجنان بالإيمان ) بأنهم آمنوا ( بسبب أنهم آمنوا ظاهرا ) ثم كفروا ( سرا أو ) آمنوا ( إذا رأوا آية ) ثم كفروا ( حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة ) فطبع على قلوبهم ( حتى تمرنوا على الكفر فاستحكموا فيه ) فهم لا يفقهون ( حقية الإيمان ولا يعرفون صحته المنافقون : ( 4 ) وإذا رأيتهم تعجبك . . . . . ) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ( لضخامتها وصباحتها ) وإن يقولوا تسمع لقولهم ( لذلاقتهم وحلاوة كلامهم وكان ابن أبي جسيما فصيحا يحضر مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في جمع مثله فيعجب بهيكلهم ويصغي إلى كلامهم ) كأنهم خشب مسندة ( حال من الضمير المجرور في ) قولهم ( أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم والنظر وقيل ال ) خشب ( جمع خشباء وهي ________________________________________ " صفحة رقم 342 " الخشبة التي نخر جوفها شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر وقرأ أبو عمرو الكسائي وقنبل عن ابن كثير بسكون الشين على التخفيف أو على أنه كبدن في جمع بدنة ) يحسبون كل صيحة عليهم ( أي واقعة عليهم لجبنهم واتهامهم ف ) عليهم ( ثاني مفعولي ) يحسبون ( ويجوز أن يكون صلته والمفعول ) هم العدو ( وعلى هذا يكون الضمير للكل وجمعه بالنظر إلى الخبر لكن ترتب قوله ) فاحذرهم ( عليه يدل على أن الضمير للمنافقين ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم وهو طلب من ذاته أن يلعنهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك ) أنى يؤفكون ( كيف يصرفون عن الحق المنافقون : ( 5 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ( عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك وقرأ نافع بتخفيف الواو ) ورأيتهم يصدون ( يعرضون عن الاستغفار ) وهم مستكبرون ( عن الاعتذار المنافقون : ( 6 ) سواء عليهم أستغفرت . . . . . ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ( لرسوخهم في الكفر ) إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ( الخارجين عن مظنة الاستصلاح لانهماكهم في الكفر والنفاق المنافقون : ( 7 ) هم الذين يقولون . . . . . ) هم الذين يقولون ( أي للأنصار ) لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ( يعنون فقراء المهاجرين ) ولله خزائن السماوات والأرض ( بيده الأرزاق والقسم ) ولكن المنافقين لا يفقهون ( ذلك لجهلهم بالله المنافقون : ( 8 ) يقولون لئن رجعنا . . . . . ) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( روي أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء فضرب الأعرابي رأسه بخشبة فشكى إلى ابن أبي فقال لا تنفقوا على من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى ينفضوا وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرجن الأعز منها الأذل عنى الأعز نفسه وبالأذل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ ليخرجن بفتح ________________________________________ " صفحة رقم 343 " الياء وليخرجن على بناء المفعول ولنخرجن بالنون ونصب الأعز والأذل على هذه القراءات مصدر أو حال على تقدير مضاف كخروج إو إخراج أو مثل ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( والله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين ) ولكن المنافقين لا يعلمون ( من فرط جهلهم وغرورهم المنافقون : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ( لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره الصلوات وسائر العبادات المذكرة للمعبود والمراد نهيهم عن اللهو بها وتوجيه النهي إليها للمبالغة ولذا قال ) ومن يفعل ذلك ( أي اللهو بها وهو الشغل ) فأولئك هم الخاسرون ( لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني المنافقون : ( 10 ) وأنفقوا من ما . . . . . ) وأنفقوا من ما رزقناكم ( بعض أموالكم ادخارا للآخرة ) من قبل أن يأتي أحدكم الموت ( أي يرى دلالته ) فيقول رب لولا أخرتني ( هلا أمهلتني ) إلى أجل قريب ( أمد غير بعيد ) فأصدق ( فأتصدق ) وأكن من الصالحين ( بالتدارك وجزم ) أكن ( للعطف على موضع الفاء وما بعده وقرأ أبو عمرو وأكون منصوبا عطفا على ) فأصدق ( وقرئ بالرفع على وأنا أكون فيكون عدة بالصلاح المنافقون : ( 11 ) ولن يؤخر الله . . . . . ) ولن يؤخر الله نفسا ( ولن يمهلها ) إذا جاء أجلها ( آخر عمرها ) والله خبير بما تعملون ( فمجاز عليه وقرأ أبو بكر بالياء ليوافق ما قبله في الغيبة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المنافقين برىء من النفاق ________________________________________ " صفحة رقم 344 " سورة التغابن مختلف فيها وآيها ثماني عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم التغابن : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . . ) يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ( بدلالتها على كماله واستغنائه ) له الملك وله الحمد ( قدم الظرفين للدلالة على اختصاص الأمرين به من حيث الحقيقة ) وهو على كل شيء قدير ( لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء التغابن : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . . ثم شرع فيما ادعاه فقال ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ( مقدر كفره موجه إليه ما يحمله عليه ) ومنكم مؤمن ( مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه ) والله بما تعملون بصير ( فيعاملكم بما يناسب أعمالكم ________________________________________ " صفحة رقم 345 " التغابن : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . . ) خلق السماوات والأرض بالحق ( بالحكمة البالغة ) وصوركم فأحسن صوركم ( فصوركم من جملة ما خلق فيهما بأحسن صورة حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات وخصكم بخلاصة خصائص وجعلكم المبدعات أنموذج جميع المخلوقات ) وإليه المصير ( فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم التغابن : ( 4 ) يعلم ما في . . . . . ) يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ( فلا يخفى عليه ما يصح أن يعلم كليا كان أو جزئيا لأن نسبة المقتضى لعلمه إلى الكل واحدة وتقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولا وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء التغابن : ( 5 ) ألم يأتكم نبأ . . . . . ) ألم يأتكم ( يا أيها الكفار ) نبأ الذين كفروا من قبل ( كقوم نوح وهود وصالح عليهم السلام ) فذاقوا وبال أمرهم ( ضرر كفرهم في الدنيا وأصله الثقل ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة والوابل المطر الثقيل القطار ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة التغابن : ( 6 ) ذلك بأنه كانت . . . . . ) ذلك ( أي المذكور من الوبال والعذاب ) بأنه ( بسبب أن الشأن ) كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات ) فقالوا أبشر يهدوننا ( أنكروا وتعجبوا من أن يكون الرسل بشرا والبشر يطلق للواحد والجمع ) فكفروا ( بالرسل ) وتولوا ( عن التدبر في البينات ) واستغنى الله ( عن كل شيء فضلا عن طاعتهم ) والله غني ( عن عبادتهم وغيرها ) حميد ( يدل على حمده كل مخلوق التغابن : ( 7 ) زعم الذين كفروا . . . . . ) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ( الزعم ادعاء العلم ولذلك يتعدى إلى مفعولين وقد قام مقامهما أن بما في حيزه ) قل بلى ( أي بلى تبعثون ) وربي لتبعثن ( قسم أكد به الجواب ) ثم لتنبؤن بما عملتم ( بالمحاسبة والمجازاة ) وذلك على الله يسير ( لقبول المادة وحصول القدرة التامة التغابن : ( 8 ) فآمنوا بالله ورسوله . . . . . ) فآمنوا بالله ورسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والنور الذي أنزلنا ( يعني ________________________________________ " صفحة رقم 346 " القرآن فيه بإعجازه ظاهر بنفسه مظهر لغيره مما فيه شرحه وبيانه ) والله بما تعملون خبير ( فمجاز عليه التغابن : ( 9 ) يوم يجمعكم ليوم . . . . . ) يوم يجمعكم ( ظرف ) لتنبؤن ( أو مقدر باذكر وقرأ يعقوب نجمعكم ) ليوم الجمع ( لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الملائكة والثقلين ) ذلك يوم التغابن ( يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس مستعار من تغابن التجار واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الآخرة لعظمها ودوامها ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ( أي عملا صالحا ) يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما ) ذلك الفوز العظيم ( الإشارة إلى مجموع الأمرين ولذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع التغابن : ( 10 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . . ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ( كأنها والآية المتقدمة بيان ل ) التغابن ( وتفصيل له التغابن : ( 11 ) ما أصاب من . . . . . ) ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ( إلا بتقديره وإرادته ) ومن يؤمن بالله يهد قلبه ( للثبات والاسترجاع عند حلولها وقرئ ) يهد قلبه ( بالرفع على إقامته مقام الفاعل وبالنصب على طريقة ) سفه نفسه ( ويهدأ بالهمزة أي يسكن ) والله بكل شيء عليم ( حتى القلوب وأحوالها التغابن : ( 12 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . . ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ( أي فإن توليتم فلا بأس عليه إذ وظيفته التبليغ وقد بلغ ________________________________________ " صفحة رقم 347 " التغابن : ( 13 ) الله لا إله . . . . . ) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك التغابن : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ( يشغلكم عن طاعة الله أو يخاصمكم في أمر الدين أو الدنيا ) فاحذروهم ( ولا تأمنوا غوائلهم ) وأن تعفوا ( عن ذنوبهم بترك المعاقبة ) وتصفحوا ( بالإعراض وترك التثريب عليها ) وتغفروا ( بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها ) فإن الله غفور رحيم ( يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم التغابن : ( 15 ) إنما أموالكم وأولادكم . . . . . ) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( اختبار لكم ) والله عنده أجر عظيم ( لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي لهم التغابن : ( 16 ) فاتقوا الله ما . . . . . ) فاتقوا الله ما استطعتم ( أي ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم ) واسمعوا ( مواعظه ) وأطيعوا ( أوامره ) وأنفقوا ( في وجوه الخير خالصا لوجهه ) خيرا لأنفسكم ( أي افعلوا ما هو خير لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره انفاقا خيرا أو خبرا لكان مقدرا جوابا للأوامر ) ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( سبق تفسيره التغابن : ( 17 ) إن تقرضوا الله . . . . . ) إن تقرضوا الله ( تصرفوا المال فيما أمره ) قرضا حسنا ( مقرونا بإخلاص وطيب قلب ) يضاعفه لكم ( يجعل لكم بالواحد عشرا إلى سبعمائة وأكثر وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعفه لكم ) ويغفر لكم ( ببركة الإنفاق ) والله شكور ( يعطي الجزيل بالقليل ) حليم ( لا يعاجل بالعقوبة التغابن : ( 18 ) عالم الغيب والشهادة . . . . . ) عالم الغيب والشهادة ( لا يخفى عليه شيء ) العزيز الحكيم ( تام القدرة والعلم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة التغابن دفع عنه موت الفجأة والله أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 348 " سورة الطلاق مدنية وآيها اثنتا عشرة أو إحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الطلاق : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم أو لأن الكلام معه والحكم يعمهم والمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه ) فطلقوهن لعدتهن ( أي في وقتها وهو الطهر فإن اللام في الأزمان وما يشبهها للتأقيت ومن عد العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات وظاهره يدل على أن العدة بالأطهار وأن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر وأنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده ولا يدل على عدم وقوعه إذ النهي لا يستلزم الفساد كيف وقد صح أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضا أمره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالرجعة وهو سبب نزوله ) وأحصوا العدة ( ________________________________________ " صفحة رقم 349 " واضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء ) واتقوا الله ربكم ( في تطويل العدة والإضرار بهن ) لا تخرجوهن من بيوتهن ( من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن ) ولا يخرجن ( باستبدادهن أما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما وفي الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقهما السكنى ولزومها ملازمة مسكن الفراق وقوله ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( مستثنى من الأول والمعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها أو إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها أو من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة ) وتلك حدود الله ( الإشارة إلى الأحكام المذكورة ) ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ( بأن عرضها للعقاب ) لا تدري ( أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق ) لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ( وهو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف الطلاق : ( 2 ) فإذا بلغن أجلهن . . . . . ) فإذا بلغن أجلهن ( شارفن آخر عدتهن ) فأمسكوهن ( فراجعوهن ) بمعروف ( بحسن عشرة وإنفاق مناسب ) أو فارقوهن بمعروف ( بإيفاء الحق واتقاء الضرار مثل ان يراجعها ثم يطلقها تطويلا لعدتها ) وأشهدوا ذوي عدل منكم ( على الرجعة أو الفرقة تبريا عن الريبة وقطعا للتنازع وهو ندب كقوله تعالى ) وأشهدوا إذا تبايعتم ( وعن الشافعي وجوبه في الرجعة ) وأقيموا الشهادة ( أيها الشهود عند الحاجة ) لله ( خالصا لوجهه ) ذلكم يوعظ به ( يريد الحث على الإشهاد والإقامة أو على جميع ما في الآية ) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ( فإنه المنتفع به والمقصود بذكره ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) الطلاق : ( 3 ) ويرزقه من حيث . . . . . ) ويرزقه من حيث لا يحتسب ( جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحا أو ضمنا من الطلاق في الحيض والإضرار بالمعتدة وإخراجها من ________________________________________ " صفحة رقم 350 " المسكين وتعدي حدود الله وكتمان الشهادة وتوقع جعل على إقامتها بأن يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم ويرزقه فرجا وخلفا من وجه لم يخطر بباله أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون أو كلام جيء به للاستطراد عند ذكر المؤمنين وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ) ومن يتق الله ( فما زال يقرؤها ويعيدها وروي أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو أسره العدو فشكا أبوه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له اتق الله وأكثر قول لا حول ولا قوة إلا بالله ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها وفي رواية رجع ومعه غنيمات ومتاع ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( كافية ) إن الله بالغ أمره ( يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد وقرأ حفص بالإضافة وقرىء ) بالغ أمره ( أي نافذ وبالغا على أنه حال والخبر ) قد جعل الله لكل شيء قدرا ( تقديرا أو مقدرا أو أجلا لا يتأتى تغييره وهو بيان لوجوب التوكل وتقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة والأمر بإحصائها وتمهيد لما سيأتي من مقاديرها الطلاق : ( 4 ) واللائي يئسن من . . . . . ) واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ( لكبرهن ) إن ارتبتم ( شككتم في عدتهن أي جهلتهم ) فعدتهن ثلاثة أشهر ( روي أنه لما نزل ) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ( قيل فما عدة اللاتي لم يحضن فنزلت ) واللائي لم يحضن ( أي واللاتي لم ________________________________________ " صفحة رقم 351 " يحضن بعد كذلك ) وأولات الأحمال أجلهن ( منتهى عدتهن ) أن يضعن حملهن ( وهو حكم يعم المطلقات والمتوفى عنهم أزواجهن والمحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله تعالى ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ( لأن عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم معلل ها هنا بخلافة ثمة ولأنه صح أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد حللت فتزوجي ولأنه متأخر النزول فتقديمه في العمل تخصيص وتقديم الآخر بناء للعام على الخاص والأول راجح للوفاق عليه ) ومن يتق الله ( في أحكامه فيراعي حقوقها ) يجعل له من أمره يسرا ( يسهل عليه أمره ويوفقه للخير الطلاق : ( 5 ) ذلك أمر الله . . . . . ) ذلك أمر الله ( إشارة إلى ما ذكر من الأحكام ) أنزله إليكم ومن يتق الله ( في ________________________________________ " صفحة رقم 352 " أحكامه فيراعي حقوقها ) يكفر عنه سيئاته ( فإن الحسنات يذهبن السيئات ) ويعظم له أجرا ( بالمضاعفة الطلاق : ( 6 ) أسكنوهن من حيث . . . . . ) أسكنوهن من حيث سكنتم ( أي مكان من مكان سكناكم ) من وجدكم ( من وسعكم أي مما تطيقونه أو عطف بيان لقوله من ) حيث سكنتم ( ) ولا تضاروهن ( في السكنى ) لتضيقوا عليهن ( فتلجئوهن إلى الخروج ) وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ( فيخرجن من العدة وهذا يدل على اختصاص استحقاق النفقة بالحامل من المعتدات والأحاديث تؤيده ) فإن أرضعن لكم ( بعد انقطاع علقة النكاح ) فآتوهن أجورهن ( على الإرضاع ) وأتمروا بينكم بمعروف ( وليأمر بعضكم بعضا بجميل في الإرضاع والأجر ) وإن تعاسرتم ( تضايقتم ) فسترضع له أخرى ( امرأة أخرى وفيه معاتبة للأم على المعاسرة الطلاق : ( 7 ) لينفق ذو سعة . . . . . ) لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ( أي فلينفق كل من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه ) لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ( فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وفيه تطييب لقلب المعسر ولذلك وعد له باليسر فقال ) سيجعل الله بعد عسر يسرا ( أي عاجلا وآجلا الطلاق : ( 8 ) وكأين من قرية . . . . . ) وكأين من قرية ( أهل قرية ) عتت عن أمر ربها ورسله ( أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند ) فحاسبناها حسابا شديدا ( بالاستقصاء والمناقشة ) وعذبناها عذابا نكرا ( منكرا والمراد حساب الآخرة وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق الطلاق : ( 9 ) فذاقت وبال أمرها . . . . . ) فذاقت وبال أمرها ( عقوبة كفرها ومعاصيها ) وكان عاقبة أمرها خسرا ( لا ربح فيه أصلا الطلاق : ( 10 ) أعد الله لهم . . . . . ) أعد الله لهم عذابا شديدا ( تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله ) فاتقوا الله يا أولي الألباب ( ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحف الحفظة وبالعذاب ما أصيبوا به عاجلا ) الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا ( ________________________________________ " صفحة رقم 353 " الطلاق : ( 11 ) رسولا يتلو عليكم . . . . . ) رسولا ( يعني بالذكر جبريل عليه السلام لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن أو لأنه مذكور في السموات أو ذا ذكر أي شرف أو محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا أو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه وأبدل منه ) رسولا ( للبيان أو أراد به القرآن و ) رسولا ( منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكرا مصدر ورسولا مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة ) يتلو عليكم آيات الله مبينات ( حال من اسم ) الله ( أو صفة ) رسولا ( والمراد ب ) الذين آمنوا ( في قوله ) ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( الذين آمنوا بعد إنزاله أي ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح أو ليخرج من علم أو قدر أنه يؤمن ) من الظلمات إلى النور ( من الضلالة إلى الهدى ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( وقرأ نافع وابن عامر ندخله بالنون ) قد أحسن الله له رزقا ( فيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب الطلاق : ( 12 ) الله الذي خلق . . . . . ) الله الذي خلق سبع سماوات ( مبتدأ وخبر ) ومن الأرض مثلهن ( أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر ) يتنزل الأمر بينهن ( أي يجري أمر الله وقضاؤه بينهن وينفذ حكمه فيهن ) لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ( علة ل ) خلق ( أو ل ) يتنزل ( أو مضمر يعمهما فإن كلا منهما يدل على كمال قدرته وعلمه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ________________________________________ " صفحة رقم 354 " سورة التحريم مدنية وآيها اثنتا عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم التحريم : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) خلا بمارية في نوبة عائشة رضي الله تعالى عنها أو حفصة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له إنا نشم منك ريح المعافير فحرم العسل فنزلت ) تبتغي مرضات أزواجك ( تفسير ل ) تحرم ( أو حال من فاعله أو استئناف لبيان الداعي إليه ) والله غفور ( لك هذه الزلة فإنه لا يجوز تحريم ما أحله الله ) رحيم ( رحمك حيث لم يؤاخذك به وعاتبك محاماة على عصمتك ________________________________________ " صفحة رقم 355 " التحريم : ( 2 ) قد فرض الله . . . . . ) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ( قد شرع لكم تحليلها وهو حل ما عقدته بالكفارة أو الاستثناء فيها بالمشيئة حتى لا تحنث من قولهم حلل في يمينه إذا استثنى فيها واحتج بها من رأى التحريم مطلقا أو تحريم المرأة يمينا وهو ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أتى بلفظ اليمين كما قيل ) والله مولاكم ( متولي أمركم ) وهو العليم ( بما يصلحكم ) الحكيم ( المتقن في أفعاله وأحكامه التحريم : ( 3 ) وإذ أسر النبي . . . . . ) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه ( يعني حفصة ) حديثا ( تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ) فلما نبأت به ( أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث ) وأظهره الله عليه ( واطلع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الحديث أي على إفشائه ) عرف بعضه ( عرف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) حفصة بعض ما فعلت ) وأعرض عن بعض ( عن أعلام بعض تكرما أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض ويؤيده قراءة الكسائي بالتخفيف فإنه لا يحتمل ههنا غيره لكن المشدد من باب إطلاق اسم المسبب على السبب والمخفف بالعكس ويؤيد الأول قوله ) فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ( فإنه أوفق للإسلام التحريم : ( 4 ) إن تتوبا إلى . . . . . ) إن تتوبا إلى الله ( خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة ) فقد صغت قلوبكما ( فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه ) وإن تظاهرا عليه ( وإن تتظاهرا عليه بما يسؤوه وقرأ الكوفيون بالتخفيف ) فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ( ________________________________________ " صفحة رقم 356 " فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين فإن الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه ) والملائكة بعد ذلك ظهير ( متظاهرون وتخصيص جبريل عليه السلام لتعظيمه والمراد بالصالح الجنس ولذلك عمم بالإضافة وبقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله تعالى به التحريم : ( 5 ) عسى ربه إن . . . . . ) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ( على التغليب أو تعميم الخطاب وليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه وقرأ نافع وأبو عمرو ) يبدله ( بالتخفيف ) مسلمات مؤمنات ( مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات ) قانتات ( مصليات أو مواظبات على الطاعات ) تائبات ( عن الذنوب ) عابدات ( ________________________________________ " صفحة رقم 357 " متعبدات أو متذللات لأمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) سائحات ( صائمات سمي الصائم سائحا لأنه يسبح بالنهار بلا زاد أو مهاجرات ) ثيبات وأبكارا ( وسط العاطف بينهما لتنافيهما ولأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار التحريم : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم ( بترك المعاصي وفعل الطاعات ) وأهليكم ( بالنصح والتأديب وقرئ وأهلوكم عطف على واو ) قوا ( فيكون ) أنفسكم ( أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين ) نارا وقودها الناس والحجارة ( نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب ) عليها ملائكة ( تلي أمرها وهم الزبانية ) غلاظ شداد ( غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة ) لا يعصون الله ما أمرهم ( فيما مضى ) ويفعلون ما يؤمرون ( فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به التحريم : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون ( أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار والنهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم التحريم : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . . ) يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ( بالغة في النصح وهو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة وهي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب وقرأ أبو بكر بضم النون وهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور والنصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا أو توبوا نصوحا لأنفسكم وسئل علي رضي الله تعالى عنه عن التوبة فقال يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تربي نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية ) عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ( ________________________________________ " صفحة رقم 358 " ذكر بصيغة الأطماع جريا على عادة الملوك وإشعارا بأنه تفضل والتوبة غير موجبة وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء ) يوم لا يخزي الله النبي ( ظرف ل ) ويدخلكم ( ) والذين آمنوا معه ( عطف على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إحمادا لهم وتعريضا لمن ناوأهم وقيل مبتدأ خبره ) نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ( أي على الصراط ) يقولون ( إذا طفئ نور المنافقين ) ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ( وقيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا التحريم : ( 9 ) يا أيها النبي . . . . . ) يا أيها النبي جاهد الكفار ( بالسيف ) والمنافقين ( بالحجة ) واغلظ عليهم ( واستعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه ) ومأواهم جهنم وبئس المصير ( جهنم أو مأواهم التحريم : ( 10 ) ضرب الله مثلا . . . . . ) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ( مثل الله تعالى حالهم في أنهم يعاقبون بكفرهم ولا يحابون بما بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين من النسبة بحالهما ) كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ( يريد به تعظيم نوح ولوط عليهما السلام ) فخانتاهما ( بالنفاق ) فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ( فلم يغن النبيان عنهما بحق الزواج شيئا إغناء ما ) وقيل ( أي لهما عند موتهما أو يوم القيامة ) ادخلا النار مع الداخلين ( مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام التحريم : ( 11 ) وضرب الله مثلا . . . . . ) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ( شبه حالهم في أن وصلة الكافرين لا تضرهم بحال أسية رضي الله عنها ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله ) إذ قالت ( ظرف للمثل المحذوف ) رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ( قريبا من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين ) ونجني من فرعون وعمله ( من نفسه الخبيثة وعلمه السيىء ) ونجني من القوم الظالمين ( من القبط التابعين له في الظلم التحريم : ( 12 ) ومريم ابنة عمران . . . . . ) ومريم ابنة عمران ( عطف على ) امرأة فرعون ( تسلية للأرامل ) التي أحصنت فرجها ( ________________________________________ " صفحة رقم 359 " من الرجال ) فنفخنا فيه ( في فرجها وقرئ فيها أي في ) مريم ( أو في الجملة ) من روحنا ( من روح خلقناه بلا توسط أصل ) وصدقت بكلمات ربها ( بصحفه المنزلة أو بما أوحى إلى أنبيائه ) وكتبه ( وما كتب في اللوح المحفوظ أو جنس الكتب المنزلة وتدل عليه قراءة البصريين وحفص بالجمع وقرىء بكلمة الله وكتابه أي بعيسى عليه السلام والإنجيل ) وكانت من القانتين ( من عداد المواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم أو من نسلهم فتكون ) من ( ابتدائية عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة التحريم آتاه الله توبة نصوحا ________________________________________ " صفحة رقم 360 " سورة الملك مكية وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها وتنجيه من عذاب القبر وآيها ثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم الملك : ( 1 ) تبارك الذي بيده . . . . . ) تبارك الذي بيده الملك ( بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها ) وهو على كل شيء قدير ( على كل ما يشاء قدير الملك : ( 2 ) الذي خلق الموت . . . . . ) الذي خلق الموت والحياة ( قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره وقدم الموت لقوله ) وكنتم أمواتا فأحياكم ( ولأنه أدعى إلى حسن العمل ) ليبلوكم ( ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون ) أيكم أحسن عملا ( أصوبه وأخلصه وجاء مرفوعا أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته جملة واقعة موقع ________________________________________ " صفحة رقم 361 " المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم وليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به وقوع الجملة خبرا لما يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين ) وهو العزيز ( الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ) الغفور ( لمن تاب منهم الملك : ( 3 ) الذي خلق سبع . . . . . ) الذي خلق سبع سماوات طباقا ( مطابقة بعضها فوق بعض مصدر طابقت النعل إذا خلطتها طبقا على طبق وصف به أو طوبقت طباقا أو ذات طباق جمع طبق كجبل وجبال أو طبقة كرحبة ورحاب ) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( وقرأ حمزة والكسائي من تفوت ومعناهما واحد كالتعاهد والتعهد وهو الاختلاف وعدم التناسب من الفوت كأن كلا من المتفاوتين فات عنه بعض ما في الآخر والجملة صفة ثانية ل ) سبع ( وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير للتعظيم والإشعار بأنه تعالى يخلق مثل ذلك بقدرته الباهرة رحمة وتفضلا وأن في إبداعها نعما جليلة لا تحصى والخطاب فيها للرسول أو لكل مخاطب وقوله ) فارجع البصر هل ترى من فطور ( متعلق به على معنى التسبب أي قد نظرت إليها مرارا فانظر إليها مرة أخرى متأملا فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها واستجماعها ما ينبغي لها وال ) فطور ( الشقوق والمراد الخلل من فطره إذا شقه الملك : ( 4 ) ثم ارجع البصر . . . . . ) ثم ارجع البصر كرتين ( أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك ولذلك أجاب الأمر بقوله ) ينقلب إليك البصر خاسئا ( بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا بالصغار ) وهو حسير ( كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة ________________________________________ " صفحة رقم 362 " الملك : ( 5 ) ولقد زينا السماء . . . . . ) ولقد زينا السماء الدنيا ( أقرب السموات إلى الأرض ) بمصابيح ( بالكواكب المضيئة بالليل إضاءة السرج فيها والتنكير للتعظيم ولا يمنع ذلك كون بعض الكواكب مركوزة في سموات فوقها إذ التزيين بإظهارها فيها ) وجعلناها رجوما للشياطين ( وجعلنا لها فائدة أخرى وهي رجم أعدائكم والرجوم جمع رجم بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به بانقضاض الشهب المسببة عنها وقيل معناه وجعلناها رجوما وظنونا لشياطين الإنس وهم المنجمون ) وأعتدنا لهم عذاب السعير ( في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا الملك : ( 6 ) وللذين كفروا بربهم . . . . . ) والذين كفروا بربهم ( من الشياطين وغيرهم ) عذاب جهنم وبئس المصير ( وقرئ بالنصب على أن ) للذين ( عطف على ) لهم ( و ) عذاب ( على ) عذاب السعير ) الملك : ( 7 ) إذا ألقوا فيها . . . . . ) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا ( صوتا كصوت الحمير ) وهي تفور ( تغلي بهم غليان المرجل بما فيه الملك : ( 8 ) تكاد تميز من . . . . . ) تكاد تميز من الغيظ ( تتفرق غيظا عليهم وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم ويجوز أن يراد غيظ الزبانية ) كلما ألقي فيها فوج ( جماعة من الكفرة ) سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ( يخوفكم هذا العذاب وهو توبيخ وتبكيت الملك : ( 9 ) قالوا بلى قد . . . . . ) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ( أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال والإرسال رأسا وبلغنا في نسبتهم إلى الضلال فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل أو مصدر مقدر بمضاف أي أهل إنذار أو منعوت به للمبالغة أو الواحد والخطاب له ولأمثاله على التغليب أو إقامة ________________________________________ " صفحة رقم 363 " تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل أو على المعنى قالت الأفواج قد جاء إلى كل فوج منا رسول من الله فكذبناهم وضللناهم ويجوز أن يكون الخطاب من كلام الزبانية للكفار على إرادة القول فيكون الضلال ما كانوا عليه في الدنيا أو عقابه الذي يكونون فيه الملك : ( 10 ) وقالوا لو كنا . . . . . ) وقالوا لو كنا نسمع ( كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادا على ما لاح من صدقهم بالمعجزات ) أو نعقل ( فنتفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين ) ما كنا في أصحاب السعير ( في عدادهم ومن جملتهم الملك : ( 11 ) فاعترفوا بذنبهم فسحقا . . . . . ) فاعترفوا بذنبهم ( حين لا ينفعهم والاعتراف إقرار عن معرفة والذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر أو المراد به الكفر ) فسحقا لأصحاب السعير ( فأسحقهم الله سحقا أبعدهم من رحمته والتغليب للإيجاز والمبالغة والتعليل وقرأ الكسائي بالتثقيل الملك : ( 12 ) إن الذين يخشون . . . . . ) إن الذين يخشون ربهم بالغيب ( يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاينوه بعد أو غائبين عنه أو عن أعين الناس أو بالمخفي منهم وهو قلوبهم ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر كبير ( تصغر دونه لذائذ الدنيا الملك : ( 13 ) وأسروا قولكم أو . . . . . ) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ( بالضمائر قبل أن يعبر عنها سرا أو جهرا الملك : ( 14 ) ألا يعلم من . . . . . ) ألا يعلم من خلق ( ألا يعلم السر والجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته ) وهو اللطيف الخبير ( المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن أو إلا يعلم الله من خلقه وهو بهذه المثابة والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون ل ) يعلم ( مفعول ليفيد ________________________________________ " صفحة رقم 364 " روي أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فيقولون أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه الله على جهلهم الملك : ( 15 ) هو الذي جعل . . . . . ) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ( لينة يسهل لكم السلوك فيها ) فامشوا في مناكبها ( في جوانبها أو جبالها وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل ) وكلوا من رزقه ( والتمسوا من نعم الله ) وإليه النشور ( المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم الملك : ( 16 ) أأمنتم من في . . . . . ) أأمنتم من في السماء ( يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم أو الله تعالى على تأويل ) من في السماء ( أمره أو قضاؤه أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء وعن ابن كثير وامنتم بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها وآمنتم بقلب الثانية ألفا وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس ) أن يخسف بكم الأرض ( فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال ) فإذا هي تمور ( تضطرب والمور التردد في المجيء والذهاب الملك : ( 17 ) أم أمنتم من . . . . . ) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ( أن يمطر عليكم حصباء ) فستعلمون كيف نذير ( كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ الملك : ( 18 ) ولقد كذب الذين . . . . . ) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ( إنكاري عليهم بإنزال العذاب وهو تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لقومه المشركين الملك : ( 19 ) أولم يروا إلى . . . . . ) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ( باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ________________________________________ " صفحة رقم 365 " فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها ) ويقبضن ( ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحريك ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارئ عليه ) ما يمسكهن ( في الجو على خلاف الطبع ) إلا الرحمن ( الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء ) إنه بكل شيء بصير ( يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب الملك : ( 20 ) أم من هذا . . . . . ) أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ( عديل لقوله ) أو لم يروا ( على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله ) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ( إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعارا بأنهم اعتقدوا هذا القسم و ) من ( مبتدأ و ) هذا ( خبره و ) الذي ( بصلته صفته و ) ينصركم ( وصف ل ) جند ( محمول على لفظه ) إن الكافرون إلا في غرور ( لا معتمد لهم الملك : ( 21 ) أم من هذا . . . . . ) أم من هذا الذي يرزقكم ( أم من يشار إليه ويقال ) هذا الذي يرزقكم ( ) إن أمسك رزقه ( بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم ) بل لجوا ( تمادوا ) في عتو ( عناد ) ونفور ( شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه الملك : ( 22 ) أفمن يمشي مكبا . . . . . ) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ( يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما انكب وانقشع ومعنى ) مكبا ( أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ولذلك قابله بقوله ) أم من يمشي سويا ( قائما سالما من العثار ) على صراط مستقيم ( مستوي الأجزاء والجهة والمراد تمثيل ________________________________________ " صفحة رقم 366 " المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير وقيل من ) يمشي مكبا ( هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن ) يمشي سويا ( الذي يحشر على قدميه إلى الجنة الملك : ( 23 ) قل هو الذي . . . . . ) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع ( لتسمعوا المواعظ ) والأبصار ( لتنظروا صنائعه ) والأفئدة ( لتتفكروا وتعتبروا ) قليلا ما تشكرون ( باستعمالها فيما خلقت لأجلها الملك : ( 24 ) قل هو الذي . . . . . ) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ( للجزاء الملك : ( 25 ) ويقولون متى هذا . . . . . ) ويقولون متى هذا الوعد ( أي الحشر أو ما وعدوا به من الخسف والحاصب ) إن كنتم صادقين ( يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين الملك : ( 26 ) قل إنما العلم . . . . . ) قل إنما العلم ( أي علم وقته ) عند الله ( لا يطلع عليه غيره ) وإنما أنا نذير مبين ( والإنذار يكفي فيه العلم بل الظن بوقوع المحذر منه الملك : ( 27 ) فلما رأوه زلفة . . . . . ) فلما رأوه ( أي الوعد فإنه بمعنى الموعود ) زلفة ( ذا زلفة أي قرب منهم ) سيئت وجوه الذين كفروا ( بأن علتها الكآبة وساءتها رؤية العذاب ) وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدعاء أو ) تدعون ( أن لا بعث فهو من الدعوى الملك : ( 28 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن أهلكني الله ( أماتني ) ومن معي ( من المؤمنين ) أو رحمنا ( بتأخير آجالنا ) فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ( أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا وهو جواب لقولهم ) نتربص به ريب المنون ) الملك : ( 29 ) قل هو الرحمن . . . . . ) قل هو الرحمن ( الذي أدعوكم إليه مولى النعم كلها ) آمنا به ( للعلم بذلك ) وعليه توكلنا ( للوثوق عليه والعلم بأن غيره بالذات لا يضر ولا ينفع وتقديم الصلة للتخصيص والإشعار به ) فستعلمون من هو في ضلال مبين ( منا ومنكم وقرأ الكسائي بالياء ________________________________________ " صفحة رقم 367 " الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ( غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به ) فمن يأتيكم بماء معين ( جار أو ظاهر سهل المأخذ عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر ________________________________________ " صفحة رقم 368 " سورة القلم مكية وآيها ثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . . ) ن ( من أسماء الحروف وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو البهموت وهو الذي عليه الأرض أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سوادا من النفس يكتب به ويؤيد الأول سكونه وكتبه بصورة الحرف ) والقلم ( وهو الذي خط اللوح أو الذي يخط به أقسم به تعالى لكثرة فوائده وأخفى ابن عامر والكسائي ويعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل فإن النون الساكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتصلت بها وقد روي ذلك عن نافع وعاصم وقرئت بالفتح والكسر ك ) ص ( ) وما يسطرون ( وما يكتبون والضمير ل ) والقلم ( بالمعنى الأول على التعظيم أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الأدلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإقامته مقامهم أو لأصحابه أو للحفظة و ) ما ( مصدرية أو موصولة ________________________________________ " صفحة رقم 369 " القلم : ( 2 ) ما أنت بنعمة . . . . . ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( جواب القسم والمعنى ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي والعامل في الحال معنى النفي وقيل ) بمجنون ( الباء لا تمنع عمله فيما قبله لأنها مزيدة وفيه نظر من حيث المعنى القلم : ( 3 ) وإن لك لأجرا . . . . . ) وإن لك لأجرا ( على الاحتمال والإبلاغ ) غير ممنون ( مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط القلم : ( 4 ) وإنك لعلى خلق . . . . . ) وإنك لعلى خلق عظيم ( إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمل أمثالك وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت كان خلقه القرآن ألست تقرأ القرآن ) قد أفلح المؤمنون ) القلم : ( 5 - 6 ) فستبصر ويبصرون ) فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ( أيكم الذي فتن بالجنون والباء مزيدة أو بأيكم الجنون على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود أو بأي الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم القلم : ( 7 ) إن ربك هو . . . . . ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( وهم المجانين على الحقيقة ) وهو أعلم بالمهتدين ( الفائزين بكمال العقل القلم : ( 8 ) فلا تطع المكذبين ) فلا تطع المكذبين ( تهييج للتصميم على معاصاتهم القلم : ( 9 ) ودوا لو تدهن . . . . . ) ودوا لو تدهن ( تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشرك أو توافقهم فيه أحيانا ) فيدهنون ( فيلا ينونك بترك الطعن والموافقة والفاء للعطف أي ودوا التداهن وتمنوه لكنهم أخروا أدهانهم حتى تدهن أو للسببية أي ) ودوا لو تدهن ( فهم يدهنون حينئذ أو ________________________________________ " صفحة رقم 370 " ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون طمعا فيه وفي بعض المصاحف فيدهنوا على أنه جواب التمني القلم : ( 10 ) ولا تطع كل . . . . . ) ولا تطع كل حلاف ( كثير الحلف في الحق والباطل ) مهين ( حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة القلم : ( 11 ) هماز مشاء بنميم ) هماز ( عياب ) مشاء بنميم ( نقال للحديث على وجه السعاية القلم : ( 12 ) مناع للخير معتد . . . . . ) مناع للخير ( يمنع الناس عن الخير من الإيمان والإيقان والعمل الصالح ) معتد ( متجاوز في الظلم ) أثيم ( كثير الآثام القلم : ( 13 ) عتل بعد ذلك . . . . . ) عتل ( جاف غليظ من عتله إذا قاده بعنف وغلظة ) بعد ذلك ( بعدما عد من مثالبه ) زنيم ( دعي مأخوذ من زنمتي الشاة وهما المتدليتان من أذنها وحلقها قيل هو الوليد بن المغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده وقيل الأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده في زهرة القلم : ( 14 - 15 ) أن كان ذا . . . . . ) أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( قال ذلك حينئذ لأنه كان متمولا مستظهرا بالبنين من فرط غروره لكن العامل مدلول قال لا نفسه لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ويجوز أن يكون علة ل ) ولا تطع ( أي لا تطع من هذه مثاله لأن كان ذا مال وقرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب وأبو بكر أن كان على الاستفهام غير أن ابن عامر جعل الهمزة الثانية بين بين أي الأن كان ذا مال كذب أو أتطيعه لأن كان ذا مال وقرئ أن كان بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر ________________________________________ " صفحة رقم 371 " في النهي عن قتل الأولاد أو ) إن ( شرطه للمخاطب أي لا تطعه شارطا يساره لأنه إذا أطاع للغني فكأنه شرطه في الطاعة القلم : ( 16 ) سنسمه على الخرطوم ) سنسمه ( بالكي ) على الخرطوم ( على الأنف وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقي أثره وقيل هو عبارة عن أن يذله غاية الإذلال كقولهم جدع أنفه رغم أنفه لأن السمة على الوجه سيما على الأنف شين ظاهر أو نسود وجهه يوم القيامة القلم : ( 17 ) إنا بلوناهم كما . . . . . ) إنا بلوناهم ( بلونا أهل مكة شرفها الله تعالى بالقحط ) كما بلونا أصحاب الجنة ( يريد البستان الذي كان دون صنعاء بفرسخين وكان لرجل صالح وكان ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه المنجل وألقته الريح أو بعد من البساط الذي يبسط تحت النخلة فيجتمع لهم شيء كثير فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر فحلفوا ) ليصرمنها ( وقت الصباح خفية عن المساكين كما قال ) إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ( ليقطعنها داخلين في الصباح القلم : ( 18 ) ولا يستثنون ) ولا يستثنون ( ولا يقولون إن شاء الله وإنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور والمخرج بالاستثناء عينه أو لأن معنى لأخرج إن شاء الله ولا أخرج إلى أن يشاء الله واحد أو ) ولا يستثنون ( حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم ________________________________________ " صفحة رقم 372 " القلم : ( 19 ) فطاف عليها طائف . . . . . ) فطاف عليها ( على الجنة ) طائف ( بلاء طائف ) من ربك ( مبتدأ منه ) وهم نائمون ) القلم : ( 20 ) فأصبحت كالصريم ) فأصبحت كالصريم ( كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء فعيل بمعنى مفعول أو كالليل باحتراقها واسودادها أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سميا بالصريم لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه أو كالرمل القلم : ( 21 - 22 ) فتنادوا مصبحين ) فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم ( أن أخرجوا أو بأن اخرجوا إليه غدوة وتعدية الفعل بعلى إما لتضمنه معنى الاقبال أو لتشبيه الغدو للصرام بغدو العدو المتضمن لمعنى الاستيلاء ) إن كنتم صارمين ( قاطعين له القلم : ( 23 ) فانطلقوا وهم يتخافتون ) فانطلقوا وهم يتخافتون ( يتشاورون فيما بينهم وخفى وخفت وخفد بمعنى الكتم ومنه الخفدود للخفاش القلم : ( 24 ) أن لا يدخلنها . . . . . ) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( ) إن ( مفسرة وقرئ بطرحها على إضمار القول والمراد بنهي المسكين عن الدخول المبالغة في النهي عن تمكينه من الدخول كقولهم لا أرينك ها هنا القلم : ( 25 ) وغدوا على حرد . . . . . ) وغدوا على حرد قادرين ( وغدوا قادرين على نكد لا غير من حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر وحاردت الإبل إذا منعت درها والمعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين فتنكد عليهم بحيث لا يقدرون إلا على الانتفاع وقيل الحرد بمعنى الحرد وقد قرئ به أي لم يقدروا إلا على حنق بعضهم لبعض كقوله ) يتلاومون ( وقيل الحرد والقصد والسرعة قال أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله أي غدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وقيل علم للجنة القلم : ( 26 ) فلما رأوها قالوا . . . . . ) فلما رأوها ( أول ما رأوها ) قالوا إنا لضالون ( طريق جنتنا وما هي بها ________________________________________ " صفحة رقم 373 " القلم : ( 27 ) بل نحن محرومون ) بل نحن ( أي بعد ما تأملوه وعرفوا أنها هي قالوا ) بل نحن ( ) محرومون ( حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا القلم : ( 28 ) قال أوسطهم ألم . . . . . ) قال أوسطهم ( رأيا أو سنا ) ألم أقل لكم لولا تسبحون ( لولا تذكرونه وتتوبون إليه من خبث نيتكم وقد قاله حينما عزموا على ذلك ويدل على هذا المعنى القلم : ( 29 ) قالوا سبحان ربنا . . . . . ) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ( أي لولا تستثنون فسمي الاستثناء تسبيحا لتشاركهما في التعظيم أو لأنه تنزيه على أن يجري في ملكه ما لا يريده القلم : ( 30 ) فأقبل بعضهم على . . . . . ) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ( يلوم بعضهم بعضا فإن منهم من أشار بذلك ومنهم من استصوبه ومنهم من سكت راضيا ومنهم من أنكره القلم : ( 31 ) قالوا يا ويلنا . . . . . ) قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ( متجاوزين حدود الله تعالى القلم : ( 32 ) عسى ربنا أن . . . . . ) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ( ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة وقد روي أنهم أبدلوا خيرا منها وقرئ ) يبدلنا ( بالتخفيف ) إنا إلى ربنا راغبون ( راجون العفو طالبون الخير و ) إلى ( لانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع القلم : ( 33 ) كذلك العذاب ولعذاب . . . . . ) كذلك العذاب ( مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة العذاب في الدنيا ) ولعذاب الآخرة أكبر ( أعظم منه ) لو كانوا يعلمون ( لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب القلم : ( 34 ) إن للمتقين عند . . . . . ) إن للمتقين عند ربهم ( أي في الآخرة أو في جوار القدس ) جنات النعيم ( جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص القلم : ( 35 ) أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) أفنجعل المسلمين كالمجرمين ( إنكار لقول الكفرة فإنهم كانوا يقولون إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا القلم : ( 36 ) ما لكم كيف . . . . . ) ما لكم كيف تحكمون ( التفات فيه تعجب من حكمهم واستبعاد له وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي القلم : ( 37 ) أم لكم كتاب . . . . . ) أم لكم كتاب ( من السماء ) فيه تدرسون ( تقرأون ________________________________________ " صفحة رقم 374 " القلم : ( 38 ) إن لكم فيه . . . . . ) إن لكم فيه لما تخيرون ( إن لكم ما تختارونه وتشتهونه وأصله أن لكم بالفتح لأنه المدروس فلما جيء باللام كسرت ويجوز أن يكون حكاية للمدروس أو استئنافا وتخير الشيء واختاره أخذ خيره القلم : ( 39 ) أم لكم أيمان . . . . . ) أم لكم أيمان علينا ( عهود مؤكدة بالايمان ) بالغة ( متناهية في التوكيد وقرئت بالنصب على الحال والعامل فيها أحد الظرفين ) إلى يوم القيامة ( متعلق بالمقدر في ) لكم ( أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم أو ب ) بالغة ( أي أيمان تبلغ ذلك اليوم ) إن لكم لما تحكمون ( جواب القسم لأن معنى أم لكم أيمان علينا أم أقسمنا لكم القلم : ( 40 ) سلهم أيهم بذلك . . . . . ) سلهم أيهم بذلك زعيم ( بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه القلم : ( 41 ) أم لهم شركاء . . . . . ) أم لهم شركاء ( يشاركونهم في هذا القول ) فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ( في دعواهم إذ لا أقل من التقليد وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتشبثوا به من عقل أو نقل يدل عليه الاستحقاق أو وعد أو محض تقليد على الترتيب تنبيها على مراتب النظر وتزييفا لما لا سند له وقيل المعنى ) أم لهم شركاء ( يعني الأصنام يجعلونهم مثل المؤمنين في الآخرة كأنه لما نفى أن تكون التسوية من الله تعالى نفى بهذا أن تكون مما يشاركون الله به القلم : ( 42 ) يوم يكشف عن . . . . . ) يوم يكشف عن ساق ( يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب قال حاتم ________________________________________ " صفحة رقم 375 " " أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا " أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان وتنكيره للتهويل أو للتعظيم وقرىء تكشف وتكشف بالتاء على بناء الفاعل أو المفعول والفعل للساعة أو الحال ) ويدعون إلى السجود ( توبيخا على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع ) فلا يستطيعون ( لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه القلم : ( 43 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . . ) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ( تلحقهم ذلة ) وقد كانوا يدعون إلى السجود ( في الدنيا أو زمان الصحة ) وهم سالمون ( متمكنون منه مزاحوا العلل فيه القلم : ( 44 ) فذرني ومن يكذب . . . . . ) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ( كله إلى فإني أكفيكه ) سنستدرجهم ( سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة ) من حيث لا يعلمون ( أنه استدراج وهو الإنعام عليهم لأنهم حسبوه تفضيلا لهم على المؤمنين القلم : ( 45 ) وأملي لهم إن . . . . . ) وأملي لهم ( وأمهلهم ) إن كيدي متين ( لا يدفع بشيء وإنما سمي إنعامه استدراجا بالكيد لأنه في صورته القلم : ( 46 ) أم تسألهم أجرا . . . . . ) أم تسألهم أجرا ( على الإرشاد ) فهم من مغرم ( من غرامة ) مثقلون ( يحملها فيعرضون عنك القلم : ( 47 ) أم عندهم الغيب . . . . . ) أم عندهم الغيب ( اللوح أو المغيبات ) فهم يكتبون ( منه ما يحكمون به ويستغنون به عن علمك القلم : ( 48 ) فاصبر لحكم ربك . . . . . ) فاصبر لحكم ربك ( وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم ) ولا تكن كصاحب الحوت ( ________________________________________ " صفحة رقم 376 " يونس عليه الصلاة والسلام ) إذ نادى ( في بطن الحوت ) وهو مكظوم ( مملوء غيظا من الضجر فتبتلي ببلائه القلم : ( 49 ) لولا أن تداركه . . . . . ) لولا أن تداركه نعمة من ربه ( يعني التوفيق للتوبة وقبولها وحسن تذكير الفعل للفصل وقرئ تداركته وتداركه أي تتداركه على حكاية الحال الماضية بمعنى لولا كان يقال فيه تتداركه ) لنبذ بالعراء ( بالأرض الخالية عن الأشجار ) وهو مذموم ( مليم مطرود عن الرحمة والكرامة وهو حال يعتمد عليها الجواب لأنها المنفية دون النبذ القلم : ( 50 ) فاجتباه ربه فجعله . . . . . ) فاجتباه ربه ( بأن رد الوحي إليه أو استنبأه إن صح أنه لم يكن نبيا قبل هذه الواقعة ) فجعله من الصالحين ( من الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل ما تركه أولى وفيه دليل على خلق الأفعال والآية نزلت حين هم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعو على ثقيف وقيل بأحد حين حل به ما حل فأراد أن يدعو على المنهزمين القلم : ( 51 ) وإن يكاد الذين . . . . . ) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ( ) إن ( هي المخففة واللام دليلها والمعنى إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك من قولهم نظر إلي نظرا يكاد يصرعني أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله أو أنهم ________________________________________ " صفحة رقم 377 " يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت وفي الحديث إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ولعله يكون من خصائص بعض النفوس وقرأ نافع ) ليزلقونك ( من زلقته فزلق كحزنته فحزن وقرئ ليزهقونك أي ليهلكونك ) لما سمعوا الذكر ( أي القرآن أي ينبعث عند سماعه بعضهم وحسدهم ) ويقولون إنه لمجنون ( حيرة في أمره وتنفيرا عنه القلم : ( 52 ) وما هو إلا . . . . . ) وما هو إلا ذكر للعالمين ( لما جننوه لأجل القرآن بين أنه ذكر عام لا يدركه ولا يتعاطاه إلا من كان أكمل الناس عقلا وأميزهم رأيا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القلم أعطاه الله ثواب الذين حسن الله أخلاقهم ________________________________________ " صفحة رقم 378 " سورة الحاقة مكية وآيها اثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم الحاقة : ( 1 - 2 ) الحاقة ) الحاقة ( أي الساعة أو الحالة التي يحق وقوعها أو التي تحق فيها الأمور أي نعرف حقيقتها أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء على الإسناد المجازي وهي مبتدأ خبرها ) ما الحاقة ( وأصله ما هي أي أي شيء هي على التعظيم لشأنها والتهويل لها فوضع الظاهر موضع الضمير لأنه أهول لها الحاقة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما الحاقة ( وأي شيء أعلمك ما هي أي أنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن تبلغها دراية أحد و ) ما ( مبتدأ و ) أدراك ( خبره الحاقة : ( 4 ) كذبت ثمود وعاد . . . . . ) كذبت ثمود وعاد بالقارعة ( بالحالة التي تقرع فيها الناس بالإفزاع والأجرام بالانفطار والانتشار وإنما وضعت موضع ضمير ) الحاقة ( زيادة في وصف شدتها الحاقة : ( 5 - 6 ) فأما ثمود فأهلكوا . . . . . ) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة وهي الصيحة أو لرجفة لتكذيبهم ) بالقارعة ( أو بسبب طغيانهم بالتكذيب وغيره على أنها مصدر كالعاقبة هو لا يطابق قوله ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ( أي شديدة الصوت أو البرد من الصر أو الصر ) عاتية ( شديدة العصف كأنها عتت على خزانها فلم يستطيعوا ضبطها أو على ) عاد ( فلم يقدروا على ردها الحاقة : ( 7 ) سخرها عليهم سبع . . . . . ) سخرها عليهم ( سلطها عليهم بقدرته وهو استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية إذ لو كانت لكان هو المقدر لها والمسبب ) سبع ليال وثمانية أيام حسوما ( ________________________________________ " صفحة رقم 379 " متتابعات جمع حاسم من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيها أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته أو قاطعات قطعت دابرهم ويجوز أن يكون مصدرا منتصبا على العلة بمعنى قطعا أو المصدر لفعله المقدر حالا أي تحسمهم ) حسوما ( ويؤيده القراءة بالفتح وهي كانت أيام العجوز من صبيحة أربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر وإنما سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء أو لأن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعها الريح في الثامن فأهلكتها ) فترى القوم ( إن كنت حاضرهم ) فيها ( في مهابها أو في الليالي والأيام ) صرعى ( موتى جمع صريع ) كأنهم أعجاز نخل ( أصول نخل ) خاوية ( متأكلة الأجواف الحاقة : ( 8 ) فهل ترى لهم . . . . . ) فهل ترى لهم من باقية ( من بقية أو نفس باقية أو بقاء الحاقة : ( 9 ) وجاء فرعون ومن . . . . . ) وجاء فرعون ومن قبله ( ومن تقدمه وقرأ البصريان والكسائي ) ومن قبله ( أي ومن عنده من أتباعه ويدل عليه أنه قرئ ومن معه ) والمؤتفكات ( قرى قوم لوط والمراد أهلها ) بالخاطئة ( بالخطأ أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطأ الحاقة : ( 10 ) فعصوا رسول ربهم . . . . . ) فعصوا رسول ربهم ( أي فعصت كل أمة رسولها ) فأخذهم أخذة رابية ( زائدة في الشدة زيادة أعمالهم في القبح الحاقة : ( 11 ) إنا لما طغى . . . . . ) إنا لما طغى الماء ( جاوز حده المعتاد أو طغى على على خزانه وذلك في الطوفان وهو يؤيد من قبله ) حملناكم ( أي آباءكم وأنتم في أصلابهم ) في الجارية ( في سفينة نوح عليه الصلاة والسلام الحاقة : ( 12 ) لنجعلها لكم تذكرة . . . . . ) لنجعلها لكم ( لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين ) تذكرة ( عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته ) وتعيها ( وتحفظها وعن ابن كثير تعيها بسكون العين تشبيها بكتف والوعي أن تحفظ الشيء في نفسك والإيعاء أن تحفظه في غيرك ) أذن واعية ( من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته ________________________________________ " صفحة رقم 380 " والتفكر فيه والعمل بموجبه والتنكير للدلالة على قلتها وأن من هذا شأنه مع قلته تسبب لإنجاء الجم الغفيروإدامة نسلهم وقرأ نافع أذن بالتخفيف الحاقة : ( 13 ) فإذا نفخ في . . . . . ) فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها تفخيما لشأنها وتنبيها على مكانها عاد إلى شرحها وإنما حسن إسناد الفعل إلى المصدرلتقيده وحسن تذكيره للفصل وقرىء ) نفخة ( بالنصب على إسناد الفعل إلى الجار والمجرور والمراد بها النفخة الأولى التي عندها خراب العالم الحاقة : ( 14 ) وحملت الأرض والجبال . . . . . ) وحملت الأرض والجبال ( رفعت من أماكنها بمجرد القدرة الكاملة أو بتوسط زلزلة أو ريح عاصفة ) فدكتا دكة واحدة ( فضربت الجملتان بعضها ببعض ضربة واحدة فيصير الكل هباء أو فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا عوج فيها ولا أمتا لأن الدك سبب التسوية ولذلك قيل ناقة دكاء للتي لا سنام لها وأرض دكاء للمتسعة المستوية الحاقة : ( 15 ) فيومئذ وقعت الواقعة ) فيومئذ ( فحينئذ ) وقعت الواقعة ( قامت القيامة الحاقة : ( 16 ) وانشقت السماء فهي . . . . . ) وانشقت السماء ( لنزول الملائكة ) فهي يومئذ واهية ( ضعيفة مسترخية الحاقة : ( 17 - 18 ) والملك على أرجائها . . . . . ) والملك ( والجنس المتعارف بالملك ) على أرجائها ( جوانبها جمع رجا بالقصر ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك ) ويحمل عرش ربك فوقهم ( فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم ) يومئذ ثمانية ( ________________________________________ " صفحة رقم 381 " ثمانية أملاك لما روي مرفوعا أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة آخرين وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ولعله أيضا تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام وعلى هذا قال ) يومئذ تعرضون ( تشبيها للمحاسبة بعرض السلطان لتعرف أحوالهم وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار صح ظرفا للكل ) لا تخفى منكم خافية ( سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها وإنما المراد منه إفشاء الحال والمبالغة في العدل أو على الناس كما قال الله تعالى ) يوم تبلى السرائر ( وقرأ حمزة والكسائي بالياء للفصل الحاقة : ( 19 ) فأما من أوتي . . . . . ) فأما من أوتي كتابه بيمينه ( تفصيل للعرض ) فيقول ( تبجحا ) هاؤم اقرؤوا كتابيه ( هاء اسم لخذ وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤما يا رجلان أو امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة ومفعوله محذوف و ) كتابيه ( مفعول ) اقرؤوا ( لأنه أقرب العاملين ولأنه لو كان مفعول ) هاؤم ( لقيل اقرؤوه إذ الأولى اضماره حيث أمكن والهاء فيه وفي ) حسابيه ( و ) ماليه ( و ) سلطانيه ( للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الإمام ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل الحاقة : ( 20 ) إني ظننت أني . . . . . ) إني ظننت أني ملاق حسابيه ( أي علمت ولعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الإعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا ________________________________________ " صفحة رقم 382 " الحاقة : ( 21 ) فهو في عيشة . . . . . ) فهو في عيشة راضية ( ذات رضا على النسبة بالصيغة أو جعل الفعل لها مجازا وذلك لكونها صافية عن الشوائب دائمة مقرونة بالتعظيم الحاقة : ( 22 ) في جنة عالية ) في جنة عالية ( مرتفعة المكان لأنها في السماء أو الدرجات أو الأبنية والأشجار الحاقة : ( 23 ) قطوفها دانية ) قطوفها ( جمع قطف وهو ما يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر ) دانية ( يتناولها القاعد الحاقة : ( 24 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . . ) كلوا واشربوا ( بإضمار القول وجمع الضمير للمعنى ) هنيئا ( أو هنئتم ) هنيئا ( ) بما أسلفتم ( بما قدمتم من الأعمال الصالحة ) في الأيام الخالية ( الماضية من أيام الدنيا الحاقة : ( 25 ) وأما من أوتي . . . . . ) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ( لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة ) يا ليتني لم أوت كتابيه ) الحاقة : ( 26 - 27 ) ولم أدر ما . . . . . ) ولم أدر ما حسابيه يا ليتها ( يا ليت الموتة التي منها ) كانت القاضية ( القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي لأنه صادفها أمر من الموت فتمناه عندها أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة ولم أخلق فيها حيا الحاقة : ( 28 ) ما أغنى عني . . . . . ) ما أغنى عني ماليه ( مالي من المال والتبع وما نفى والمفعول محذوف أو استفهام إنكار معفول لأغنى الحاقة : ( 29 ) هلك عني سلطانيه ) هلك عني سلطانيه ( ملكي وتسلطي على الناس أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا وقرأ حمزة عني مالي عني سلطاني بحذف الهاءين في الوصل والباقون إثباتها في الحالين ________________________________________ " صفحة رقم 383 " الحاقة : ( 30 ) خذوه فغلوه ) خذوه ( يقوله الله تعالى لخزنة النار ) فغلوه ) الحاقة : ( 31 ) ثم الجحيم صلوه ) ثم الجحيم صلوه ( ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى لأنه كان يتعظم على الناس الحاقة : ( 32 ) ثم في سلسلة . . . . . ) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ( أي طويلة ) فاسلكوه ( فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة وتقديم ال ) سلسلة ( كتقديم ) الجحيم ( للدلالة على التخصيص والاهتمام بذكر أنواع ما يعذب به و ) ثم ( لتفاوت ما بينها في الشدة الحاقة : ( 33 ) إنه كان لا . . . . . ) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ( تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة وذكر ) العظيم ( للإشعار بأنه هو المستحق للعظمة فمن تعظم فيها استوجب ذلك الحاقة : ( 34 ) ولا يحض على . . . . . ) ولا يحض على طعام المسكين ( ولا يحث على بذل طعامه أو على إطعامه فضلا عن أن يبذل من ماله ويجوز أن يكون ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب الحاقة : ( 35 ) فليس له اليوم . . . . . ) فليس له اليوم ها هنا حميم ( قريب يحميه الحاقة : ( 36 ) ولا طعام إلا . . . . . ) ولا طعام إلا من غسلين ( غسالة أهل النار وصديدهم فعلين من الغسل الحاقة : ( 37 ) لا يأكله إلا . . . . . ) لا يأكله إلا الخاطئون ( أصحاب الخطايا من خطئ الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطأ المضاد للصواب وقرىء الخاطيون بقلب الهمزة ياء والخاطون بطرحها الحاقة : ( 38 - 39 ) فلا أقسم بما . . . . . ) فلا أقسم ( لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم أو ف ) أقسم ( و ) لا ( مزيدة أو فلا رد لإنكارهم البعث و ) أقسم ( مستأنف ) بما تبصرون وما لا تبصرون ( بالمشاهدات والمغيبات وذلك يتناول الخالق والمخلوقات بأسرها ________________________________________ " صفحة رقم 384 " الحاقة : ( 40 ) إنه لقول رسول . . . . . ) أنه ( إن القرآن ) لقول رسول ( يبلغه عن الله تعالى فإن الرسول لا يقول عن نفسه ) كريم ( على الله تعالى وهو محمد أو جبريل عليهما الصلاة والسلام الحاقة : ( 41 ) وما هو بقول . . . . . ) وما هو بقول شاعر ( كما تزعمون تارة ) قليلا ما تؤمنون ( تصدقون لما ظهر لكم صدقه تصديقا قليلا لفرط عنادكم الحاقة : ( 42 ) ولا بقول كاهن . . . . . ) ولا بقول كاهن ( كما تدعون أخرى ) قليلا ما تذكرون ( تذكرون تذكرا قليلا فلذلك يلتبس الأمر عليكم وذكر الإيمان مع نفي الشاعرية وللتذكر مع نفي الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم وقرأ ابن كثير ويعقوب بالياء فيهما الحاقة : ( 43 ) تنزيل من رب . . . . . ) تنزيل ( هو تنزيل ) من رب العالمين ( نزله على لسان جبريل عليه السلام الحاقة : ( 44 ) ولو تقول علينا . . . . . ) ولو تقول علينا بعض الأقاويل ( سمي الافتراء تقولا لأنه قول متكلف والأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها كأنه جمع أفعولة من القول كالأضاحيك الحاقة : ( 45 ) لأخذنا منه باليمين ) لأخذنا منه باليمين ( بيمينه الحاقة : ( 46 ) ثم لقطعنا منه . . . . . ) ثم لقطعنا منه الوتين ( أي نياط قلبه بضرب عنقه وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ المقتول بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب به جيده وقيل اليمين بمعنى القوة الحاقة : ( 47 ) فما منكم من . . . . . ) فما منكم من أحد عنه ( عن القتل أو المقتول ) حاجزين ( دافعين وصف لأحد فإنه عام والخطاب للناس و الحاقة : ( 48 ) وإنه لتذكرة للمتقين ) وإنه ( وإن القرآن ) لتذكرة للمتقين ( لأنهم المنتفعون به ________________________________________ " صفحة رقم 385 " الحاقة : ( 49 ) وإنا لنعلم أن . . . . . ) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ( فنجازيهم على تكذيبهم الحاقة : ( 50 ) وإنه لحسرة على . . . . . ) وإنه لحسرة على الكافرين ( إذا رأوا ثواب المؤمنين به الحاقة : ( 51 ) وإنه لحق اليقين ) وإنه لحق اليقين ( لليقين الذي لا ريب فيه الحاقة : ( 52 ) فسبح باسم ربك . . . . . ) فسبح باسم ربك العظيم ( فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه وشكرا على ما أوحى إليك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله تعالى حسابا يسيرا ________________________________________ " صفحة رقم 386 " سورة المعارج مكية وآيها أربع وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم المعارج : ( 1 ) سأل سائل بعذاب . . . . . ) سأل سائل بعذاب واقع ( أي دعا داع به بمعنى استدعاه ولذلك عدي الفعل بالباء والسائل هو النضر بن الحارث فإنه قال ) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( الآية أو أبو جهل فإنه قال ) فأسقط علينا كسفا من السماء ( سأله استهزاء أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) استعجل بعذابهم وقرأ نافع وابن عامر سال وهو إما من السؤال على لغة قريش قال " سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب " أو من السيلان ويؤيده أنه قرىء سال سيل على أن السيل مصدر بمعنى السائل كالغور والمعنى سال واد بعذاب ومضى الفعل لتحقق وقوعه إما في الدنيا وهو قتل بدر أو في الآخرة وهو عذاب النار المعارج : ( 2 ) للكافرين ليس له . . . . . ) للكافرين ( صفة أخرى لعذاب أو صلة ل ) واقع ( وإن صح أن السؤال كان عمن يقع به العذاب كان جوابا والباء على هذا لتضمن ) سأل ( معنى اهتم ) ليس له دافع ( يرده المعارج : ( 3 ) من الله ذي . . . . . ) من الله ( من جهته لتعلق إرادته ) ذي المعارج ( ذي المصاعد وهي الدرجات التي ________________________________________ " صفحة رقم 387 " يصعد فيها الكلم الطيب العمل الصالح أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم أو مراتب الملائكة أو في السموات فإن الملائكة يعرجون فيها المعارج : ( 4 ) تعرج الملائكة والروح . . . . . ) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( استئناف لبيان - ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على التمثيل والتخيل والمعنى أنها بحيث لو قدر قطعها في زمان لكان في زمان يقدر بخمسين ألف سنة من سني الدنيا وقيل تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من حيث أنهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها لو فرض لا أن ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة لأن ما بين مركز الأرض ومقعر السماء الدنيا على ما قيل مسيرة خمسمائة عام وثخن كل واحدة من السموات السبع والكرسي والعرش كذلك وحيث قال ) في يوم كان مقداره ألف سنة ( يريد زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السماء الدنيا وقيل ) في يوم ( متعلق ب ) واقع ( أو ) سأل ( إذا جعل من السيلان و المراد به يوم القيامة واستطالته إما لشدته على الكفار أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات أو لأنه على الحقيقة كذلك والروح جبريل عليه السلام وإفراده لفضله أو خلق أعظم من الملائكة المعارج : ( 5 ) فاصبر صبرا جميلا ) فاصبر صبرا جميلا ( لا يشوبه استعجال واضطراب قلب وهو متعلق ب ) سأل ( لأن السؤال كان عن استهزاء أوتعنت وذلك مما يضجره أو عن تضجر واستبطاء للنصر أو ب ) سأل ( لأن المعنى قرب عن وقوع العذاب ) فاصبر ( فقد شارفت الانتقام المعارج : ( 6 ) إنهم يرونه بعيدا ) إنهم يرونه ( الضمير للعذاب أو يوم القيامة ) بعيدا ( من الإمكان ________________________________________ " صفحة رقم 388 " المعارج : ( 7 ) ونراه قريبا ) ونراه قريبا ( منه أو من الوقوع المعارج : ( 8 ) يوم تكون السماء . . . . . ) يوم تكون السماء كالمهل ( ظرف ل ) قريبا ( أي يمكن ) يوم تكون ( أو لمضمر دل عليه ) واقع ( أو بدل من ) في يوم ( إن علق به والمهل المذاب في مهل كالفلزات أو دردي الزيت المعارج : ( 9 ) وتكون الجبال كالعهن ) وتكون الجبال كالعهن ( كالصوف المصبوغ ألوانا لأن الجبال مختلفة الألوان فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح المعارج : ( 10 ) ولا يسأل حميم . . . . . ) ولا يسأل حميم حميما ( ولا يسأل قريب قريبا عن حاله وعن ابن كثير ولا يسأل على بناء المفعول أي لا يطلب من حميم حميم أو لا يسأل منه حاله المعارج : ( 11 - 12 ) يبصرونهم يود المجرم . . . . . ) يبصرونهم ( استئناف أو حال تدل على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء أو ما يغني عنه من مشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده وجمع الضميرين لعموم الحميم ) يود المجرم ( ) لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه ( حال من أحد الضميرين أو استئناف يدل على أن اشتغال كل مجرم بنفسه بحيث يتمنى أن يفتدي بأقرب الناس إليه وأعقلهم بقلبه فضلا أن يهتم بحاله ويسأل عنها وقرأ نافع والكسائي بفتح ميم ) يومئذ ( وقرىء بتنوين عذاب ونصب يومئذ به لأنه بمعنى تعذيب المعارج : ( 13 ) وفصيلته التي تؤويه ) وفصيلته ( وعشيرته الذين فصل عنهم ) التي تؤويه ( تضمه في النسب أو عند الشدائد المعارج : ( 14 ) ومن في الأرض . . . . . ) ومن في الأرض جميعا ( من الثقلين أو الخلائق ) ثم ينجيه ( عطف على ) يفتدي ( أي ثم ينجيه الافتداء و ) ثم ( للاستبعاد المعارج : ( 15 - 16 ) كلا إنها لظى ) كلا ( ردع للمجرم عن الودادة ودلالة على أن الافتداء لا ينجيه ) إنها ( الضمير للنار أو مبهم يفسره ) لظى ( وهو خبر أو بدل أو للقصة و ) لظى ( مبتدأ خبره ________________________________________ " صفحة رقم 389 " ) نزاعة للشوى ( وهو اللهب الخالص وقيل علم للنار منقول من اللظى بمعنى اللهب وقرأ حفص عن عاصم ) نزاعة ( بالنصب على الاختصاص أو الحال المؤكدة أو المتنقلة على أن ) لظى ( بمعنى متلظية والشوى والأطراف أو جمع شواة وهي جلدة الرأس المعارج : ( 17 ) تدعو من أدبر . . . . . ) تدعو ( تجذب وتحضر كقول ذي الرمة " تدعو أنفه الريب " مجاز عن جذبها وإحضارها لمن فر عنها تدعو زبانيها وقيل تدعو تهلك من قولهم دعاه الله إذا أهلكه ) من أدبر ( عن الحق ) وتولى ( عن الطاعة المعارج : ( 18 ) وجمع فأوعى ) وجمع فأوعى ( وجمع المال فجعله في وعاء وكنزه حرصا وتأميلا المعارج : ( 19 ) إن الإنسان خلق . . . . . ) إن الإنسان خلق هلوعا ( شديد الحرص قليل الصبر المعارج : ( 20 ) إذا مسه الشر . . . . . ) إذا مسه الشر ( الضر ) جزوعا ( يكثر الجزع المعارج : ( 21 ) وإذا مسه الخير . . . . . ) وإذا مسه الخير ( السعة ) منوعا ( يبالغ بالإمساك والأوصاف الثلاثة أحوال مقدرة أو محققة لأنها طبائع جبل الإنسان عليها و ) إذا ( الأولى ظرف ل ) جزوعا ( والأخرى ل ) منوعا ) المعارج : ( 22 ) إلا المصلين ) إلا المصلين ( استثناء للموصوفين بالصفات المذكورة بعد من المطبوعين على الأحوال المذكورة قبل لمضادة تلك الصفات لها من حيث إنها دالة على الاستغراق في طاعة الحق والإشفاق على الخلق والإيمان بالجزاء والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وإيثارالآجل على العاجل وتلك ناشئة من الانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليها المعارج : ( 23 ) الذين هم على . . . . . ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( لا يشغلهم عنها شاغل المعارج : ( 24 ) والذين في أموالهم . . . . . ) والذين في أموالهم حق معلوم ( كالزكوات والصدقات الموظفة المعارج : ( 25 ) للسائل والمحروم ) للسائل ( الذي يسأل ) والمحروم ( الذي لا يسأل فيحسب نفسه غنيا فيحرم ________________________________________ " صفحة رقم 390 " المعارج : ( 26 ) والذين يصدقون بيوم . . . . . ) والذين يصدقون بيوم الدين ( تصديقا بأعمالهم وهو أن يتعب نفسه ويصرف ماله طمعا في المثوبة الأخروية ولذلك ذكر ) الدين ) المعارج : ( 27 ) والذين هم من . . . . . ) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ( خائفون على أنفسهم المعارج : ( 28 ) إن عذاب ربهم . . . . . ) إن عذاب ربهم غير مأمون ( اعتراض يدل على أنه لا ينبغي لأحد يأمن عذاب الله وإن بالغ في طاعته المعارج : ( 29 - 31 ) والذين هم لفروجهم . . . . . ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( سبق تفسيره في سورة المؤمنين المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . . ) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( حافظون وقرأ ابن كثير / لأمانتهم / يعني لا يخونون ولا ينكرون ولا يخفون ما علموه من حقوق الله وحقوق العباد المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . . ) والذين هم بشهاداتهم قائمون ( وقرأ يعقوب وحفص بشهاداتهم لاختلاف الأنواع المعارج : ( 34 ) والذين هم على . . . . . ) والذين هم على صلاتهم يحافظون ( فيراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها وإنافتهما على غيرها وفي نظم هذه الصلاة مبالغات لا تخفى المعارج : ( 35 ) أولئك في جنات . . . . . ) أولئك في جنات مكرمون ( بثواب الله تعالى المعارج : ( 36 ) فمال الذين كفروا . . . . . ) فمال الذين كفروا قبلك ( حولك ) مهطعين ( مسرعين المعارج : ( 37 ) عن اليمين وعن . . . . . ) عن اليمين وعن الشمال عزين ( فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة من العزو وكأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى وكان المشركون يحتفون حول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حلقة ويستهزئون بكلامه ________________________________________ " صفحة رقم 391 " المعارج : ( 38 ) أيطمع كل امرئ . . . . . ) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ( بلا إيمان وهو إنكار لقولهم لو صح ما يقوله لنكون فيها أفضل حظا منهم كما في الدنيا المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . . ) كلا ( ردع لهم عن هذا الطمع ) إنا خلقناهم مما يعلمون ( تعليل له والمعنى أنهم مخلقون من نطفة مذرة لا تناسب عالم القدس فمن لم يستكمل بالإيمان والطاعة ولم يتخلق بالأخلاق الملكية لم يستعد لدخولها أو إنكم مخلوقون من أجل ما تعلمون وهو تكميل النفس بالعلم والعمل فمن لم يستكملها لم يتبوأ في منازل الكاملين أو الاستدلال بالنشأة الأولى على إمكان النشأة الثانية التي بنوا الطمع على فرضها فرضا مستحيلا عندهم بعد ردعهم عنه المعارج : ( 40 - 41 ) فلا أقسم برب . . . . . ) فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم ( أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم أو نعطي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بدلكم من هو خير منكم وهو الأنصار ) وما نحن بمسبوقين ( بمغلوبين إن أردنا ذلك المعارج : ( 42 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . . ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( مر في أخر سورة الطور المعارج : ( 43 ) يوم يخرجون من . . . . . ) يوم يخرجون من الأجداث سراعا ( مسرعين جمع سريع ) كأنهم إلى نصب ( منصوب للعبادة أو علم ) يوفضون ( يسرعون وقرأ ابن عامر وحفص ) إلى نصب ( بضم النون والصاد والباقون من السبعة نصب بفتح النون وسكون الصاد وقرىء بالضم على أنه تخفيف ) نصب ( أو جمع المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . . ) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ( مر تفسيره ) ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ( في الدنيا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ) سأل سائل ( أعطاه الله ثواب الذين هم ) لأماناتهم وعهدهم راعون ( ________________________________________ " صفحة رقم 392 " سورة نوح عليه السلام مكية وآيها تسع أو ثمان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم نوح : ( 1 ) إنا أرسلنا نوحا . . . . . ) إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر ( أي بأن أنذر أي بالأنذار أو بأن قلنا له ) أنذر ( ويجوز أن تكون مفسرة لتضمن الإرسال معنى القول وقرىء بغير ) إن ( على إرادة القول ) قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( عذاب الآخرة أو الطوفان نوح : ( 2 - 3 ) قال يا قوم . . . . . ) قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( مر في الشعراء نظيره وفي ) إن ( يحتمل الوجهان نوح : ( 4 ) يغفر لكم من . . . . . ) يغفر لكم من ذنوبكم ( يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو ما سبق فإن الإسلام يجبه فلا يؤاخذكم به في الآخرة ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( هو أقصى ما قدر لكم بشرط الإيمان والطاعة ) إن أجل الله ( إن الأجل الذي قدره ) إذا جاء ( على الوجه المقدر به آجلا وقيل إذا جاء الأجل الأطول ) لا يؤخر ( فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير ) لو كنتم تعلمون ( لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك وفيه أنهم لانهماكهم في حب الحياة كأنهم شاكون في الموت نوح : ( 5 ) قال رب إني . . . . . ) قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( أي دائما نوح : ( 6 ) فلم يزدهم دعائي . . . . . ) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( عن الإيمان والطاعة وإسناد الزيادة إلى الدعاء على السببية كقوله ) فزادتهم إيمانا ( ________________________________________ " صفحة رقم 393 " نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . . ) وإني كلما دعوتهم ( إلى الإيمان اتغفر لهم بسببه ) جعلوا أصابعهم في آذانهم ( سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة ) واستغشوا ثيابهم ( تغطوا بها لئلا يروني كراهة النظر إلي من فرط كراهة دعوتي أو لئلا أعرفهم فأدعوهم والتعبير بصيغة الطلب للمبالغة ) وأصروا ( وأكبوا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها ) واستكبروا ( عن اتباعي ) استكبارا ( عظيما نوح : ( 8 - 9 ) ثم إني دعوتهم . . . . . ) ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ( أي دعوتهم مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى على أي وجه أمكنني و ) ثم ( لتفاوت الوجوه فإن الجهار أغلظ من الإسرار والجمع بينهما أغلظ من الإفراد لتراخي بعضها عن بعض و ) جهارا ( نصب على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء أو صفة مصدر محذوف بمعنى دعاء ) جهارا ( أي مجاهرا به أو الحال فيكون بمعنى مجاهرا نوح : ( 10 - 12 ) فقلت استغفروا ربكم . . . . . ) فقلت استغفروا ربكم ( بالتوبة عن الكفر ) إنه كان غفارا ( للتائبين وكأنهم لما أمرهم بالعبادة قالوا إن كنا على حق فلا نتركه وإن كنا على باطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا من عصيناه فأمرهم بما يجب معاصيهم ويجلب إليهم المنح ولذلك وعدهم عليه ما هو أوقع في قلبهم وقيل لما طالت دعوتهم وتمادى إصرارهم حبس الله عنهم القطر أربعين سنة وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم بذلك على الاستغفار عما كانوا عليه بقوله ) يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء و ) السماء ( تحتمل المظلة والسحاب والمدرار كثير الدرور ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث والمراد بال ) جنات ( البساتين نوح : ( 13 ) ما لكم لا . . . . . ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( لا تأملون له توقيرا أي تعظيما لمن عبده وأطاعه ________________________________________ " صفحة رقم 394 " فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمها إياكم و ) لله ( بيان للموقر ولو تأخر لكان صلة ل ) وقارا ( أو لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانة وإنما عبر عن الإعتقاد بالرجاء التابع لأدنى الظن مبالغة نوح : ( 14 ) وقد خلقكم أطوارا ) وقد خلقكم أطوارا ( حال مقررة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإنه خلقهم ) أطوارا ( أي تارات إذ خلقهم أولا عناصر ثم مركبات تغذي الإنسان ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم أنشأهم خلقا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة ثم أتبع ذلك ما يؤيده من آيات الآفاق فقال نوح : ( 15 - 16 ) ألم تروا كيف . . . . . ) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا ( أي في السموات وهو في السماء الدنيا وإنما نسب إليهن من الملابسة ) وجعل الشمس سراجا ( مثلها به لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيلها السراج عما حوله نوح : ( 17 ) والله أنبتكم من . . . . . ) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض وأصله ) أنبتكم من الأرض ( إنباتا فنبتم نباتا فاختصره اكتفاء بالدلالة الالتزامية نوح : ( 18 ) ثم يعيدكم فيها . . . . . ) ثم يعيدكم فيها ( مقبورين ) ويخرجكم إخراجا ( بالحشر وأكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالإ بداء وأنها تكون لا محالة نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . . ) والله جعل لكم الأرض بساطا ( تتقلبون عليها نوح : ( 20 ) لتسلكوا منها سبلا . . . . . ) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ نوح : ( 21 ) قال نوح رب . . . . . ) قال نوح رب إنهم عصوني ( فيما أمرتهم به ) واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( واتبعوا رؤساءهم البطرين بأموالهم المغترين بأولادهم بحيث صار ذلك سببا ________________________________________ " صفحة رقم 395 " لزيادة خسارهم في الآخرة وفيه أنهم إنما اتبعوهم لوجاهة حصلت لهم بالأموال والأولاد وأدت بهم إلى الخسار وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي والبصريان وولده ة بالضم والسكون على أنه لغة كالحزن والحزن أو جمع كالأسد نوح : ( 22 ) ومكروا مكرا كبارا ) ومكروا ( عطف على ) لم يزده ( والضمير لمن وجمعه للمعنى ) مكرا كبارا ( كبيرا في الغاية فإنه أبلغ من كبار وهو من كبير وذلك احتيالهم في الدين وتحريش الناس على أذى نوح عليه السلام نوح : ( 23 ) وقالوا لا تذرن . . . . . ) وقالوا لا تذرن آلهتكم ( أي عبادتها ) ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ( ) ولا تذرن ( هؤلاء خصوصا قيل هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا صوروا تبركا بهم فلما طال الزمان عبدوا وقد انتقلت إلى العرب فكان ود لكلب وسواع لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير وقرأ نافع ودا بالضم وقرىء يغوثا ويعوقا للتناسب ومنع صرفهما للعلمية والعجمة نوح : ( 24 ) وقد أضلوا كثيرا . . . . . ) وقد أضلوا كثيرا ( الضمير للرؤساء أو للأصنام كقوله ) إنهن أضللن كثيرا ( ) ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ( عطف على ) رب إنهم عصوني ( ولعل المطلوب هو الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم لا في أمر دينهم أو الضياع والهلاك كقوله ) إن المجرمين في ضلال وسعر ) نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . . ) مما خطيئاتهم ( من أجل خطيئاتهم وما مزيدة للتأكيد والتفخيم وقرأ أبو ________________________________________ " صفحة رقم 396 " عمرو مما خطاياهم ) أغرقوا ( بالطوفان ) فأدخلوا نارا ( المراد عذاب القبر أو عذاب الآخرة والتعقيب لعدم الاعتداد بما بين الإغراق والإدخال أو لأن المسبب كالمتعقب للسبب وإن تراخى عنه لفقد شرط أو وجود مانع وتنكير النار للتعظيم أو لأن المراد نوع من النيران ) فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ( تعريض لهم باتخاذ آلهة من دون الله لا تقدر على نصرهم نوح : ( 26 ) وقال نوح رب . . . . . ) وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( أي أحدا وهو مما يستعمل في النفي العام فيعال من الدار أو الدور وأصله ديوار ففعل به ما بأصل سيد الأفعال وإلا لكان دوارا نوح : ( 27 ) إنك إن تذرهم . . . . . ) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( قال ذلك لما جربهم واستقرى أحوالهم ألف سنة إلا خمسين عاما فعرف شيمهم وطباعهم نوح : ( 28 ) رب اغفر لي . . . . . ) رب اغفر لي ولوالدي ( لملك بن متوشلخ وشمخا بنت أنوش وكانا مؤمنين ) ولمن دخل بيتي ( منزلي أو مسجدي أو سفينتي ) مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ( إلى يوم القيامة ) ولا تزد الظالمين إلا تبارا ( هلاكا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح ________________________________________ " صفحة رقم 397 " سورة الجن مكية وآيها ثمان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الجن : ( 1 ) قل أوحي إلي . . . . . ) قل أوحي إلي ( وقرىء أحي وأصله وحى من وحى إليه فقلبت الواو همزة لضمتها ووحى على الأصل وفاعله ) أنه استمع نفر من الجن ( والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة و ) الجن ( أجسام عاقلة خفية يغلب عليهم النارية أو الهوائية وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل نفوس بشرية مفارقة عن أبدانها وفيه دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام ما رآهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فأخبر الله به رسوله ) فقالوا ( لما رجعوا إلى قومهم ) إنا سمعنا قرآنا ( كتابا ) عجبا ( بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه وهو مصدر وصف به للمبالغة الجن : ( 2 ) يهدي إلى الرشد . . . . . ) يهدي إلى الرشد ( إلى الحق والصواب ) فآمنا به ( بالقرآن ) ولن نشرك بربنا أحدا ( على ما نطقت به الدلائل القاطعة على التوحيد الجن : ( 3 ) وأنه تعالى جد . . . . . ) وأنه تعالى جد ربنا ( قرأه ابن كثير والبصريان بالكسر على أنه من جملة المحكي بعد القول وكذا ما بعده إلا قوله ) وأن لو استقاموا ( ) وأن المساجد ( ) وأنه لما قام ( فإنها من جملة الموحى به ووافقهم نافع وأبو بكر إلا في قوله ) وأنه لما قام ( ________________________________________ " صفحة رقم 398 " على أنه استئناف أو مقول وفتح الباقون الكل إلا ما صدر بالفاء على أن ما كان من قولهم فمعطوف على محل الجار والمجرور في ) به ( كأنه قيل صدقنا ) وأنه تعالى جد ربنا ( أي عظمته من جد فلان في عيني إذا عظم أو سلطانه أو غناه مستعار من الجد الذي هو البخت والمعنى وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته أو لسلطانه أو لغناه وقوله ) ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ( بيان لذلك وقرىء جدا على التمييز ) جد ربنا ( بالكسر أي صدق ربوبيته كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك واتخاذ الصاحبة والولد الجن : ( 4 ) وأنه كان يقول . . . . . ) وأنه كان يقول سفيهنا ( إبليس أو مردة الجن ) على الله شططا ( قولا ذا شطط وهو البعد ومجاوزة الحد أو هو شطط لفرط ما أشط فيه وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله الجن : ( 5 ) وأنا ظننا أن . . . . . ) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك بظنهم أن أحدا لا يكذب على الله و ) كذبا ( نصب على المصدر لأنه نوع من القول أو الوصف المحذوف أي قولا مكذوبا فيه ومن قرأ إن لن تقول كيعقوب جعله مصدرا لأن التقول لا يكون إلا ) كذبا ) الجن : ( 6 ) وأنه كان رجال . . . . . ) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ( فإن الرجل كان إذا أمسى بقفر قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ) فزادوهم ( فزادوا الجن باستعاذنهم بهم ) رهقا ( كبرا وعتوا أو فزاد الجن والإنس غيا بأن أصلوهم حتى استعاذوا بهم والرهق في الأصل غشيان الشيء الجن : ( 7 ) وأنهم ظنوا كما . . . . . ) وأنهم ( وأن الإنس ) ظنوا كما ظننتم ( أيها الجن أو بالعكس والآيتان من كلام الجن بعضهم أو استئناف كلام من الله تعالى ومن فتح ) إن ( فيهما جعلهما من الموحى به ) أن لن يبعث الله أحدا ( ساد مسد مفعولي ) ظنوا ) الجن : ( 8 ) وأنا لمسنا السماء . . . . . ) وأنا لمسنا السماء ( طلبنا بلوغ السماء أو خبرها واللمس مستعار من المس للطلب كالجس يقال ألمسه والتمسه وتلمسه كطلبه واطلبه وتطلبه ) فوجدناها ملئت ( ________________________________________ " صفحة رقم 399 " حرسا حراسا اسم جمع كالخدم ) شديدا ( قويا وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها ) وشهبا ( جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار الجن : ( 9 ) وأنا كنا نقعد . . . . . ) وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ( مقاعد خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والاستماع و ) للسمع ( صلة ل ) نقعد ( أو صفة ل ) مقاعد ( ) فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ( أي شهابا راصدا له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد وقد مر بيان ذلك في الصافات الجن : ( 10 ) وأنا لا ندري . . . . . ) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ( بحراسة السماء ) أم أراد بهم ربهم رشدا ( خيرا الجن : ( 11 ) وأنا منا الصالحون . . . . . ) وأنا منا الصالحون ( المؤمنون الأبرار ) ومنا دون ذلك ( أي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون ) كنا طرائق ( ذوي طرائق أي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق ) قددا ( متفرقة مختلفة جمع قدة من قد إذا قطع الجن : ( 12 ) وأنا ظننا أن . . . . . ) وأنا ظننا ( علمنا ) أن لن نعجز الله في الأرض ( كائنين في الأرض أينما كنا فيها ) ولن نعجزه هربا ( هاربين منها إلى السماء أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرا ولن نعجزه هربا إلى طلبنا الجن : ( 13 ) وأنا لما سمعنا . . . . . ) وأنا لما سمعنا الهدى ( أي القرآن ) آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف ( فهو لا يخاف وقرىء فلا يخف والأول أدل على تحقيق نجاة المؤمنين واختصاصها بهم ) بخسا ولا رهقا ( نقصا في الجزاء ولا أن يرهقه ذلة أو جزاء بخس لأنه لم يبخس لأحد حقا ولم يرهق ظلما لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب ذلك الجن : ( 14 ) وأنا منا المسلمون . . . . . ) وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ( الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة ) فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ( توخوا رشدا عظيما يبلغهم إلى دار الثواب الجن : ( 15 ) وأما القاسطون فكانوا . . . . . ) وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ( توقد بهم كما توقد بكفار الإنس الجن : ( 16 ) وأن لو استقاموا . . . . . ) وأن لو استقاموا ( أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما ) على الطريقة ( ________________________________________ " صفحة رقم 400 " أي على الطريقة المثلى ) لأسقيناهم ماء غدقا ( لوسعنا عليهم الرزق وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب الجن : ( 17 ) لنفتنهم فيه ومن . . . . . ) لنفتنهم فيه ( لنختبرهم كيف يشكرونه وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم ) ومن يعرض عن ذكر ربه ( عن عبادته أو موعظته أو وحيه ) يسلكه ( يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون ) عذابا صعدا ( شاقا يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به الجن : ( 18 ) وأن المساجد لله . . . . . ) وأن المساجد لله ( مختصة به ) فلا تدعوا مع الله أحدا ( فلا تعبدوا فيها غيره ومن جعل ) إن ( مقدرة باللام علة للنهي ألغى فائدة الفاء وقيل المراد ب ) المساجد ( الأرض كلها لأنها جعلت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) مسجدا وقيل المسجد الحرام لأنه قيل المساجد ومواضع السجود على أن المراد النهي عن السجود لغير الله وأرابه السبعة أو السجدات على أنه جمع مسجد الجن : ( 19 ) وأنه لما قام . . . . . ) وأنه لما قام عبد الله ( أي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه ) يدعوه ( يعبده ) كادوا ( كاد الجن ) يكونون عليه لبدا ( متراكمين من ازدحامهم عليه تعجبا مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته أو كاد الإنس والجن يكونون عليه مجتمعين لإبطال أمره وهو جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد وعن ابن عامر لبدا بضم ________________________________________ " صفحة رقم 401 " اللام جمع لبدة وهي لغة وقرئ لبدا كسجدا جمع لابدو لبدا كصبر جمع لبود الجن : ( 20 ) قل إنما أدعو . . . . . ) قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ( فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم أو إطباقكم على مقتي وقرأ عاصم وحمزة قل على الأمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليوافق ما بعده الجن : ( 21 ) قل إني لا . . . . . ) قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ( ولا نفعا أو غيا عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارا بالمعنيين الجن : ( 22 ) قل إني لن . . . . . ) قل إني لن يجيرني من الله أحد ( إن أراد بي سوءا ) ولن أجد من دونه ملتحدا ( منحرفا أو ملتجأ وأصله المدخل من اللحد الجن : ( 23 ) إلا بلاغا من . . . . . ) إلا بلاغا من الله ( استثناء من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة أو من ملتحدا أو معناه أن لا أبلغ بلاغا وما قبله دليل الجواب ) ورسالاته ( عطف على ) بلاغا ( و ) من الله ( صفته فإن صلته عن كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) بلغوا عني ولو آية ) ومن يعص الله ورسوله ( في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه ) فأن له نار جهنم ( وقرئ ) فإن ( على فجزاؤه أن ) خالدين فيها أبدا ( جمعه للمعنى الجن : ( 24 ) حتى إذا رأوا . . . . . ) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( في الدنيا كوقعة بدر أو في الآخرة والغاية لقوله ) يكونون عليه لبدا ( بالمعنى الثاني أو لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار وعصيانهم له ) فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ( هو أم هم ________________________________________ " صفحة رقم 402 " الجن : ( 25 ) قل إن أدري . . . . . ) قل إن أدري ( ما أدري ) أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ( غاية تطول مدتها كأنه لما سمع المشركون ) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( قالوا متى يكون إنكارا فقيل قل إنه كائن لا محالة ولكن لا أدري ما وقته الجن : ( 26 ) عالم الغيب فلا . . . . . ) عالم الغيب ( هو عالم الغيب ) فلا يظهر ( فلا يطلع ) على غيبه أحدا ( أي على الغيب المخصوص به علمه الجن : ( 27 ) إلا من ارتضى . . . . . ) إلا من ارتضى ( لعلم بعضه حتى يكون له معجزة ) من رسول ( بيان ل ) من ( واستدل به على إبطال الكرامات وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير وسط وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقيا عن الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء ) فإنه يسلك من بين يديه ( من بين يدي المرتضى ) ومن خلفه رصدا ( حرسا من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم ________________________________________ " صفحة رقم 403 " الجن : ( 28 ) ليعلم أن قد . . . . . ) ليعلم أن قد أبلغوا ( أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبريل والملائكة النازلون بالوحي أو ليعلم الله تعالى أن قد أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجودا ) رسالات ربهم ( كما هي محروسة من التغيير ) وأحاط بما لديهم ( بما عند الرسل ) وأحصى كل شيء عددا ( حتى القطر والرمل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جني صدق محمدا أو كذب به عتق رقبة ________________________________________ " صفحة رقم 404 " سورة المزمل مكية وآيها تسع عشرة أو عشرون بسم الله الرحمن الرحيم المزمل : ( 1 ) يا أيها المزمل ) يا أيها المزمل ( أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرئ به وب المزمل مفتوحة الميم ومكسورتها أي الذي زمله غيره أو زمل نفسه سمي به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تهجينا لما كان عليه فإنه كان نائما أو مرتعدا مما دهشه من بدء الوحي متزملا في قطيفة أو تحسينا له إذ روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي متلففا بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت أو تشبيها له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة المزمل : ( 2 ) قم الليل إلا . . . . . ) قم الليل ( أي قم إلى الصلاة أو داوم عليها فيه وقرئ بضم الميم وفتحها للاتباع أو التخفيف ) إلا قليلا ( ________________________________________ " صفحة رقم 405 " المزمل : ( 3 - 4 ) نصفه أو انقص . . . . . ) نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ( الاستثناء ) من الليل ( و ) نصفه ( بدل من ) قليلا ( وقلته بالنسبة إلى الكل والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث أو ) نصفه ( بدل من ) الليل ( والاستثناء منه والضمير في ) منه ( و ) عليه ( للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر أو الاستثناء من إعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه الزائد عليه ) ورتل القرآن ترتيلا ( اقرأه على تؤده وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها من قوله ثغر رتل ورتل إذا كان مفلجا المزمل : ( 5 ) إنا سنلقي عليك . . . . . ) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته والجملة اعتراض يسهل التكليف عليه بالتهجد ويدل على أنه مشق مضاد للطبع مخالف للنفس أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتجريد للنظر أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار أو ثقيل تلقيه لقوله عائشة رضي الله تعالى عنها رأيته ( صلى الله عليه وسلم ) ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا وعلى هذا يجوز أن يكون صفة للمصدر والجملة على هذه الأوجه للتعليل مستأنف فإن التهجد يعد للنفس ما به تعالج ثقله ________________________________________ " صفحة رقم 406 " المزمل : ( 6 ) إن ناشئة الليل . . . . . ) إن ناشئة الليل ( إن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض وقام قال " نشأنا إلى خوص برانيها السرى وألصق منها مشرفات القماحد " أو قيام الليل على أن ال ) ناشئة ( له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت ) هي أشد وطأ ( أي كلفة أو ثبات قدم وقرأ أبو عمرو وابن عامر وطاء بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإخلاص ) وأقوم قيلا ( أي وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات المزمل : ( 7 ) إن لك في . . . . . ) إن لك في النهار سبحا طويلا ( تقلبا في مهماتك واشتغالا بها فعليك بالتهجد فإن مناجاة الحق تستدعي فراغا وقرئ سبخا أي تفرق قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نقشه ونشر أجزائه المزمل : ( 8 ) واذكر اسم ربك . . . . . ) واذكر اسم ربك ( ودم على ذكره ليلا ونهارا وذكر الله يتناول كل ما يذكر به تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم ) وتبتل إليه تبتيلا ( وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه ولهذه الرمزة ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتلا المزمل : ( 9 ) رب المشرق والمغرب . . . . . ) رب المشرق والمغرب ( خبر محذوف أو مبتدأ خبره ) لا إله إلا هو ( وقرأ ابن عامر والكوفيون غير حفص ويعقوب بالجر على البدل من ربك وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه ) لا إله إلا هو ( ) فاتخذه وكيلا ( مسبب عن التهليل فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور ________________________________________ " صفحة رقم 407 " المزمل : ( 10 ) واصبر على ما . . . . . ) واصبر على ما يقولون ( من الخرافات ) واهجرهم هجرا جميلا ( بأن تجانبهن وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال المزمل : ( 11 ) وذرني والمكذبين أولي . . . . . ) وذرني والمكذبين ( دعني وإياهم وكل أمرهم فإن بي غنية عنك في مجازاتهم ) أولي النعمة ( أرباب التنعيم يريد صناديد قريش ) ومهلهم قليلا ( زمانا أو إمهالا المزمل : ( 12 ) إن لدينا أنكالا . . . . . ) إن لدينا أنكالا ( تعليل للأمر والنكل القيد الثقيل ) وجحيما ) المزمل : ( 13 ) وطعاما ذا غصة . . . . . ) وطعاما ذا غصة ( طعاما ينشب في الحلق كالضريع والزقوم ) وعذابا أليما ( ونوعا آخر من العذاب مؤلما لا يعرف كنهه إلا الله تعالى ولما كانت العقوبات الأربع مما تشترك فيها الأشباح والأرواح فإن النفوس العاصية المنهمكة في الشهوات تبقى مقيدة بحبها والتعلق بها عن التخلص إلى عالم المجردات متحرقة بحرقة الفرقة متجرعة غصة الهجران معذبة بالحرمان عن تجلي أنوار القدس فسر العذاب بالحرمان عن لقاء الله تعالى المزمل : ( 14 ) يوم ترجف الأرض . . . . . ) يوم ترجف الأرض والجبال ( تضطرب وتتزلزل ظرف لما في ) إن لدينا أنكالا ( من معنى الفعل ) وكانت الجبال كثيبا ( رملا مجتمعا كأنه فعيل بمعنى مفعول من كثبت الشيء إذا جمعته ) مهيلا ( منثورا من هيل هيلا إذا نثر المزمل : ( 15 ) إنا أرسلنا إليكم . . . . . ) إنا أرسلنا إليكم رسولا ( يا أهل مكة ) شاهدا عليكم ( يشهد عليكم يوم القيامة بالإجابة والامتناع ) كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ( يعني موسى عليه الصلاة والسلام ولم يعينه لأن المقصود لم يتعلق به المزمل : ( 16 ) فعصى فرعون الرسول . . . . . ) فعصى فرعون الرسول ( عرفه لسبق ذكره ) فأخذناه أخذا وبيلا ( ثقيلا من قولهم طعام وبيل لا يستمر لثقله ومنه الوابل للمطر العظيم المزمل : ( 17 ) فكيف تتقون إن . . . . . ) فكيف تتقون ( أنفسكم ) إن كفرتم ( بقيتم على الكفر ) يوما ( عذاب يوم ) يجعل الولدان شيبا ( من شدة هوله وهذا على الفرض أو التمثيل وأصله أن الهموم ________________________________________ " صفحة رقم 408 " تضعف القوى وتسرع الشيب ويجوز أن يكون وصفا لليوم بالطول المزمل : ( 18 ) السماء منفطر به . . . . . ) السماء منفطر ( منشق والتذكير على تأويل السقف أو إضمار شيء ) به ( بشدة ذلك اليوم على عظمها وأحكامها فضلا عن غيرها والباء للآلة ) كان وعده مفعولا ( الضمير لله عز وجل أو لليوم على إضافة المصدر إلى المفعول المزمل : ( 19 ) إن هذه تذكرة . . . . . ) إن هذه ( أي الآيات الموعدة ) تذكرة ( عظة ) فمن شاء ( أن يتعظ ) اتخذ إلى ربه سبيلا ( أي يتقرب إليه بسلوك التقوى المزمل : ( 20 ) إن ربك يعلم . . . . . ) إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ( استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه وقرأ ابن كثير والكوفيون ) ونصفه وثلثه ( بالنصب عطفا على ) أدنى ( ) وطائفة من الذين معك ( ويقوم ذلك جماعة من أصحابك ) والله يقدر الليل والنهار ( لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى فإن تقديم اسمه مبتدأ مبنيا عليه ) يقدر ( يشعر بالاختصاص ويؤيده قوله ) علم أن لن تحصوه ( أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ) فتاب عليكم ( بالترخيص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة فيه كما رفع التبعة عن التائب ) فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ( فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها قيل كان التهجد واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس أو فاقرؤوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم ) علم أن سيكون منكم مرضى ( استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية الترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وقال ) وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ( والضرب في الأرض ابتغاء للفضل المسافرة للتجارة وتحصيل العلم ) وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة ( ________________________________________ " صفحة رقم 409 " المفروضة ) وآتوا الزكاة ( الواجبة ) وأقرضوا الله قرضا حسنا ( يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبل الخيرات أو بأداء الزكاة على أحسن وجه والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به في قوله ) وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ( من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا و ) خيرا ( ثاني مفعولي ) تجدوه ( وهو تأكيد أو فصل لأن أفعل من كالمعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف وقرئ هو خير على الابتداء والخبر ) واستغفروا الله ( في مجامع أحوالكم فإن الإنسان لا يخلو من تفريط ) إن الله غفور رحيم ( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المزمل رفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة ________________________________________ " صفحة رقم 410 " سورة المدثر مكية وآيها خمس وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم المدثر : ( 1 ) يا أيها المدثر ) يا أيها المدثر ( أي المتدثر وهو لابس الدثار روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت دثروني فنزل جبريل وقال ) يا أيها المدثر ( ولذلك قيل هي أول سورة نزلت وقيل تأذى من قريش فتغطى بثوبه مفكرا أو كان نائما مدثرا فنزلت وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية أو المختفي فإنه كان بحراء كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة وقرئ ) المدثر ( أي الذي دثر هذا الأمر وعصب به المدثر : ( 2 ) قم فأنذر ) قم ( من مضجعك أو قم قيام عزم وجد ) فأنذر ( مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( أو قوله ) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ( ________________________________________ " صفحة رقم 411 " المدثر : ( 3 ) وربك فكبر ) وربك فكبر ( وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا روي أنه لما نزل كبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأيقن أنه الوحي وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والفاء فيه وفيما بعده لإفادة معنى الشرط وكأنه قال وما يكن فكبر ربك أو الدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه فإن أول ما يجب معرفة الصانع وأول ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه والقوم كانوا مقرين به المدثر : ( 4 ) وثيابك فطهر ) وثيابك فطهر ( من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة والأفعال الدنيئة فيكون أمرا باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر المدثر : ( 5 ) والرجز فاهجر ) والرجز فاهجر ( فاهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح وقرأ يعقوب وحفص والرجز بالضم وهو لغة كالذكر المدثر : ( 6 ) ولا تمنن تستكثر ) ولا تمنن تستكثر ( أي لا تعط مستكثرا نهى عن الاستفزاز وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) المستفزز يثاب من هبته والموجب له ما فيه من الحرص والضنة أو ) ولا تمنن ( على الله تعالى بعبادتك مستكثرا إياها أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم أو مستكثرا إياه وقرئ ) تستكثر ( بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من بكذا أو ) تستكثر ( بمعنى تجده كثيرا وبالنصب على إضمار أن وقد قرئ بها وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها كما روي احضر الوغى بالرفع ________________________________________ " صفحة رقم 412 " المدثر : ( 7 ) ولربك فاصبر ) ولربك ( لوجهه أو أمره ) فاصبر ( فاستعمل الصبر أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشكرين المدثر : ( 8 ) فإذا نقر في . . . . . ) فإذا نقر ( نفخ ) في الناقور ( في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت والفاء للسببية كأنه قال اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم وإذا ظرف لما دل عليه قوله المدثر : ( 9 - 10 ) فذلك يومئذ يوم . . . . . ) فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين ( لأن معناه عسر الأمر على الكافرين وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ خبره ) يوم عسير ( و ) يومئذ ( بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير فذلك الوقت وقت وقوع ) يوم عسير ( ) غير يسير ( تأكيد يمنع أن يكون عسيرا عليهم من وجه ويشعر بيسره على المؤمنين المدثر : ( 11 ) ذرني ومن خلقت . . . . . ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( نزلت في الوليد بن المغيرة و ) وحيدا ( حال من الياء أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه أو من التاء أي ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد أو من العائد المحذوف أي من خلقته فريدا لا مال له ولا ولد أو ذم فإنه كان ملقبا به فسماه الله به تهكما أو إرادة أنه وحيد ولكن في الشرارة أو عن أبيه فإنه كان زنيما المدثر : ( 12 ) وجعلت له مالا . . . . . ) وجعلت له مالا ممدودا ( مبسوطا كثيرا أو ممدا بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة ________________________________________ " صفحة رقم 413 " المدثر : ( 13 ) وبنين شهودا ) وبنين شهودا ( حضورا معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته ولا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه أو في المحافل والأندية لوجاهتهم واعتبارهم قيل كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال فأسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام المدثر : ( 14 ) ومهدت له تمهيدا ) ومهدت له تمهيدا ( وبسطت له الرياسة والجاه العريض حتى لقب ريحانة قريش والوحيد أي باستحقاقه الرياسة والتقدم المدثر : ( 15 ) ثم يطمع أن . . . . . ) ثم يطمع أن أزيد ( على ما أوتيه وهو استبعاد لطمعه أما لأنه لا مزيد على ما أوتي أو لأنه لا يناسب ما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم ولذلك قال المدثر : ( 16 ) كلا إنه كان . . . . . ) كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ( فإنه ردع له عن الطمع وتعليل للردع على سبيل الاستئناف بمعاندة آيات المنعم المناسبة لإزالة النعمة المانعة عن الزيادة قيل ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك المدثر : ( 17 ) سأرهقه صعودا ) سأرهقه صعودا ( سأغشيه عقبة شاقة المصعد وهو مثل لما يلقى من الشدائد وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا المدثر : ( 18 ) إنه فكر وقدر ) إنه فكر وقدر ( تعليل أو بيان للعناد والمعنى فكر فيما يخيل طعنا في القرآن وقدر في نفسه ما يقول فيه المدثر : ( 19 ) فقتل كيف قدر ) فقتل كيف قدر ( تعجب من تقديره استهزاء به أو لأنه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه من قولهم قتله الله ما أشجعه أي بلغ في الشجاعة مبلغا يحق أن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك روي أنه مر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقرأ ) حم ( السجدة فأتى قومه وقال ________________________________________ " صفحة رقم 414 " لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس والجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن اسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى فقالت قريش صبا الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فناداهم فقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا فقالوا لا فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ففرحوا بقوله وتفرقوا عنه متعجبين منه المدثر : ( 20 ) ثم قتل كيف . . . . . ) ثم قتل كيف قدر ( تكرير للمبالغة وثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى وفيما بعد على أصلها المدثر : ( 21 ) ثم نظر ) ثم نظر ( أي في أمر القرآن مرة بعد أخرى المدثر : ( 22 ) ثم عبس وبسر ) ثم عبس ( قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعنا ولم يدر ما يقول أو نظر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقطب في وجهه ) وبسر ( اتباع لعبس المدثر : ( 23 ) ثم أدبر واستكبر ) ثم أدبر ( عن الحق أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) واستكبر ( عن اتباعه المدثر : ( 24 ) فقال إن هذا . . . . . ) فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ( يروى ويتعلم والفاء للدلالة على أنه لما خطرت هذه الكلمة بباله تفوه بها من غير تلبث وتفكر المدثر : ( 25 ) إن هذا إلا . . . . . ) إن هذا إلا قول البشر ( كالتأكيد للجملة الأولى ولذلك لم يعطف عليها المدثر : ( 26 ) سأصليه سقر ) سأصليه سقر ( تفخيم لشأنها المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . . وقوله تعالى ) وما أدراك ما سقر ( تفخيم لشأنها المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . . وقوله ) لا تبقي ولا تذر ( بيان لذلك أو حال من سقر والعامل فيها معنى التعظيم والمعنى لا تبقي على شيء يلقى فيها ولا تدعه حتى تهلكه ________________________________________ " صفحة رقم 415 " المدثر : ( 29 ) لواحة للبشر ) لواحة للبشر ( أي مسودة لأعالي الجلد أو لائحة للناس وقرئت بالنصب على الاختصاص المدثر : ( 30 ) عليها تسعة عشر ) عليها تسعة عشر ( ملكا أو صنفا من الملائكة يلون أمرها والمخصص لهذا العدد أن اختلال النفوس البشرية في النظر والعمل بسبب القوى الحيوانية الاثنتي عشرة والطبيعية السبع أو أن لجهنم سبع دركات ست منها لأصناف الكفار وكل صنف يعذب بترك الإعتقاد والإقرار أو العمل أنواعا من العذاب تناسبها على كل نوع ملك أو صنف يتولاه وواحدة لعصاة الأمة يعذبون فيها بترك العمل نوعا يناسبه ويتولاه ملك أو صنف أو أن الساعات أربع وعشرون خمسة منها مصروفة في الصلاة فيبقى تسعة عشر قد تصرف فيما يؤاخذ به بأنواع من العذاب يتولاها الزبانية وقرئ ) تسعة عشر ( بسكون العين كراهة توالي حركات فيها هو كاسم واحد وتسعة أعشر جمع عشير كيمين وأيمن أي تسعة كل عشير جمع يعني نقيبهم أو جمع عشر فتكون تسعين المدثر : ( 31 ) وما جعلنا أصحاب . . . . . ) وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ( ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقون لهم ولا يستروحون إليهم ولأنهم أقوى الخلق بأسا وأشدهم غضبا لله روي أن أبا جهل لما سمع عليها تسعة عشر قال لقريش أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فنزلت ) وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ( وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم وهو التسعة عشر فعبر بالإثر عن المؤثر تنبيها على أنه لا ينفك منه وافتتانهم به استقلالهم واستهزاؤهم به واستبعادهم أن يتولى هذه العدد القليل تعذيب أكثر الثقلين ولعل المراد ________________________________________ " صفحة رقم 416 " الجعل بالقول ليحسن تعليله بقوله ) ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ( أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصدق القرآن لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم ) ويزداد الذين آمنوا إيمانا ( بالإيمان به وبتصديق أهل الكتاب به ) ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ( أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان به ويتصدق أهل الكتاب له ) ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ( أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان ونفي لما يعرض للمتيقن حيثما عراه شبهة ) وليقول الذين في قلوبهم مرض ( شك أو نفاق فيكون إخبارا بمكة عما سيكون في المدينة بعد الهجرة ) والكافرون ( الجازمون في التكذيب ) ماذا أراد الله بهذا مثلا ( أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل وقيل لما استبعدوه حسبوا أنه مثل مضروب ) كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ( مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين ) وما يعلم جنود ربك ( جموع خلقه على ما هم عليه ) إلا هو ( إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والاطلاع على حقائقها وصفاتها وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه من كم وكيف واعتبار ونسبة ) وما هي ( وما سقر أو عدة الخزنة أو السورة ) إلا ذكرى للبشر ( إلا تذكرة لهم المدثر : ( 32 ) كلا والقمر ) كلا ( ردع لمن أنكرها أو إنكار لأن يتذكروا بها ) والقمر ) المدثر : ( 33 ) والليل إذ أدبر ) والليل إذ أدبر ( أي أدبر كقبل بمعنى أقبل وقرأ نافع وحمزة ويعقوب وحفص إذا دبر على المضي المدثر : ( 34 ) والصبح إذا أسفر ) والصبح إذا أسفر ( أضاء المدثر : ( 35 ) إنها لإحدى الكبر ) إنها لإحدى الكبر ( أي لإحدى البلايا الكبر أي البلايا الكبر كثيرة و ) سقر ( واحدة منها وإنما جمع كبرى على كبر إلحاقا لها بفعله تنزيلا للألف منزلة التاء كما ألحقت قاصعاء بقاصعة فجمعت على قواصع والجملة جواب القسم أو تعليل ل ) كلا ( والقسم معترض للتأكيد ________________________________________ " صفحة رقم 417 " المدثر : ( 36 ) نذيرا للبشر ) نذيرا للبشر ( تمييز أي ) لإحدى الكبر ( إنذارا أو حال عما دلت عليه الجملة أي كبرت منذرة وقرئ بالرفع خبرا ثانيا أو خبرا لمحذوف المدثر : ( 37 ) لمن شاء منكم . . . . . ) لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ( بدل من ) للبشر ( أي نذيرا للمتمكنين من السبق إلى الخير والتخلف عنه أو ) لمن شاء ( خبر ل ) أن يتقدم ( فيكون في معنى قوله ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) المدثر : ( 38 ) كل نفس بما . . . . . ) كل نفس بما كسبت رهينة ( مرهونة عند الله مصدر كالشكيمة أطلقت للمفعول كالرهن ولو كانت صفة لقيل رهين المدثر : ( 39 ) إلا أصحاب اليمين ) إلا أصحاب اليمين ( فإنهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم وقيل هم الملائكة أو الأطفال المدثر : ( 40 ) في جنات يتساءلون ) في جنات ( لا يكتنه وصفها وهي حال من ) أصحاب اليمين ( أو ضميرهم في قوله ) يتساءلون ) المدثر : ( 41 ) عن المجرمين ) عن المجرمين ( أي يسأل بعضهم بعضا أو يسألون غيرهم عن حالهم كقولك تداعيناه أي دعوناه المدثر : ( 42 ) ما سلككم في . . . . . وقوله ) ما سلككم في سقر ( بجوابه حكاية لما جرى بين المسؤولين والمجرمين أجابوا بها المدثر : ( 43 ) قالوا لم نك . . . . . ) قالوا لم نك من المصلين ( الصلاة الواجبة المدثر : ( 44 ) ولم نك نطعم . . . . . ) ولم نك نطعم المسكين ( أي ما يجب إعطاؤه وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع المدثر : ( 45 ) وكنا نخوض مع . . . . . ) وكنا نخوض ( نشرع في الباطل ) مع الخائضين ( مع الشارعين فيه المدثر : ( 46 ) وكنا نكذب بيوم . . . . . ) وكنا نكذب بيوم الدين ( أخره لتعظيمه أي وكنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة ________________________________________ " صفحة رقم 418 " المدثر : ( 47 ) حتى أتانا اليقين ) حتى أتانا اليقين ( الموت ومقدماته المدثر : ( 48 ) فما تنفعهم شفاعة . . . . . ) فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( لو شفعوا لهم جميعا المدثر : ( 49 ) فما لهم عن . . . . . ) فما لهم عن التذكرة معرضين ( أي معرضين عن التذكرة يعني القرآن أو ما يعمه و ) معرضين ( حال المدثر : ( 50 ) كأنهم حمر مستنفرة ) كأنهم حمر مستنفرة ( شبههم في إعراضهم ونفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة المدثر : ( 51 ) فرت من قسورة ) فرت من قسورة ( أي أسد فعولة من القسر وهو القهر المدثر : ( 52 ) بل يريد كل . . . . . ) بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( قراطيس تنشر وتقرأ وذلك أنهم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لن نتبعك حتى تأتي كلامنا بكتاب من السماء فيه من الله إلى فلان اتبع محمدا المدثر : ( 53 ) كلا بل لا . . . . . ) كلا ( ردع لهم عن اقتراحهم الآيات ) بل لا يخافون الآخرة ( فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف المدثر : ( 54 ) كلا إنه تذكرة ) كلا ( ردع عن إعراضهم ) إنه تذكرة ( وأي تذكرة المدثر : ( 55 ) فمن شاء ذكره ) فمن شاء ذكره ( فمن شاء أن يذكره المدثر : ( 56 ) وما يذكرون إلا . . . . . ) وما يذكرون إلا أن يشاء الله ( ذكرهم أو مشيئتهم كقوله ) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ( وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة الله تعالى وقرأ نافع تذكرون بالتاء وقرئ بهما مشددا ) هو أهل التقوى ( حقيق بأن يتقى عقابه ) وأهل المغفرة ( حقيق بأن يغفر لعباده سيما المتقين منهم وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المدثر أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكذب به بمكة شرفها الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 419 " سورة القيامة مكية وآيها أربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم القيامة : ( 1 ) لا أقسم بيوم . . . . . ) لا أقسم بيوم القيامة ( إدخال ) لا ( النافية على فعل القسم للتأكيد شائع في كلامهم قال امرؤ القيس " لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر " وقد مر الكلام فيه في قوله ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( وقرأ قنبل لأقسم بغير ألف بعد اللام وكذا روي عن البزي القيامة : ( 2 ) ولا أقسم بالنفس . . . . . ) ولا أقسم بالنفس اللوامة ( بالنفس المتقية التي تلوم النفوس المقصرة في التقوى يوم القيامة على تقصيرها أو التي تلوم نفسها أبدا وإن اجتهدت في الطاعة أو النفس المطمئنة اللائمة للنفس الأمارة أو بالجنس لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة إن عملت خيرا قالت كيف لم أزدد وإن عملت شرا قالت يا ليتني كنت قصرت أو نفس آدم فإنها لم تزل تتلوم على ما خرجت به من الجنة وضمها إلى يوم القيامة لأن المقصود من إقامتها مجازاتها القيامة : ( 3 ) أيحسب الإنسان ألن . . . . . ) أيحسب الإنسان ( يعني الجنس وإسناد الفعل إليه لأن فيهم من يحسب أو الذي نزل فيه وهو عدي بن أبي ربيعة سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو ________________________________________ " صفحة رقم 420 " عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام ) ألن نجمع عظامه ( بعد تفرقها وقرئ أن لن يجمع على البناء للمفعول القيامة : ( 4 ) بلى قادرين على . . . . . ) بلى ( نجمعها ) قادرين على أن نسوي بنانه ( بجمع سلامياته وضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام أو ) على أن نسوي بنانه ( الذي هو أطرافه فكيف بغيرها وهو حال من فاعل الفعل المقدر بعد ) بلى ( وقرئ بالرفع أي نحن قادرون القيامة : ( 5 ) بل يريد الإنسان . . . . . ) بل يريد الإنسان ( عطف على ) أيحسب ( فيجوز أن يكون استفهاما وأن يكون إيجابا لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم وعن الاستفهام ) ليفجر أمامه ( ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان القيامة : ( 6 ) يسأل أيان يوم . . . . . ) يسأل أيان يوم القيامة ( متى يكون يوم القيامة استبعادا له أو استهزاء القيامة : ( 7 ) فإذا برق البصر ) فإذا برق البصر ( تحير فزعا من برق فدهش بصره وقرأ نافع بالفتح وهو لغة أو من البريق بمعنى لمع من شدة شخوصه وقرئ بلق من بلق الباب إذا انفتح القيامة : ( 8 ) وخسف القمر ) وخسف القمر ( ذهب ضوؤه وقرئ على البناء للمفعول القيامة : ( 9 ) وجمع الشمس والقمر ) وجمع الشمس والقمر ( في ذهاب الضوء أو الطلوع من المغرب ولا ينافيه الخسوف فإنه مستعار للمحاق ولمن حمل ذلك أمارات الموت أن يفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر والجمع باستتباع الروح الحاسة في الذهاب أو بوصوله إلى من كان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس وتذكير الفعل لتقدمه وتغليب المعطوف ________________________________________ " صفحة رقم 421 " القيامة : ( 10 ) يقول الإنسان يومئذ . . . . . ) يقول الإنسان يومئذ أين المفر ( أي الفرار يقوله قول الآيس من وجدانه المتمني وقرئ بالكسر وهو المكان القيامة : ( 11 ) كلا لا وزر ) كلا ( ردع عن طلب المفر ) لا وزر ( لا ملجأ مستعار من الحبل واشتقاقه من الوزر وهو الثقل القيامة : ( 12 ) إلى ربك يومئذ . . . . . ) إلى ربك يومئذ المستقر ( إليه وحده استقرار العباد أو إلى حكمه استقرار أمرهم أو إلى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار القيامة : ( 13 ) ينبأ الإنسان يومئذ . . . . . ) ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ( بما قدم من عمل عمله وبما أخر منه لم يعمله أو بما قدم من عمل عمله وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة عمل بها بعده أو بما قدم من مال تصدق به وبما أخر فخلفه أو بأول عمله وآخره القيامة : ( 14 ) بل الإنسان على . . . . . ) بل الإنسان على نفسه بصيرة ( حجة بينة على أعمالها لأنه شاهد بها وصفها بالبصارة على المجاز أو عين بصيرة فلا يحتاج إلى الإنباء القيامة : ( 15 ) ولو ألقى معاذيره ) ولو ألقى معاذيره ( ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار وهو العذر أو جمع معذرة على غير قياس بصيرة بها فلا يحتاج إلى الإنباء ) ولو ألقى معاذيره ( ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار وهو العذر أو جمع معذرة على غير قياس كالمناكير في المنكر فإن قياسه معاذر وذلك أولى وفيه نظر ________________________________________ " صفحة رقم 422 " القيامة : ( 16 ) لا تحرك به . . . . . ) لا تحرك ( يا محمد ) به ( بالقرآن ) لسانك ( قبل أن يتم وحيه ) لتعجل به ( لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك القيامة : ( 17 ) إن علينا جمعه . . . . . ) إن علينا جمعه ( في صدرك ) وقرآنه ( وإثبات قراءته في لسانك وهو تعليل للنهي القيامة : ( 18 ) فإذا قرأناه فاتبع . . . . . ) فإذا قرأناه ( بلسان جبريل عليك ) فاتبع قرآنه ( قراءته وتكرر فيه حتى يرسخ في ذهنك القيامة : ( 19 ) ثم إن علينا . . . . . ) ثم إن علينا بيانه ( بيان ما أشكل عليك من معانيه وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وهو اعتراض بما يؤكد التوبيخ على حب العجلة لأن العجلة إذا كانت مذمومة فيما هو أهم الأمور وأصل الدين فكيف بها في غيره أو بذكر ما اتفق في أثناء نزول هذه الآيات وقيل الخطاب مع الإنسان المذكور والمعنى أنه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفا فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به فإن علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته فإذا قرأناه فاتبع قراءته بالإقرار أو التأمل فيه ثم إن علينا بيان أمره بالجزاء عليه القيامة : ( 20 ) كلا بل تحبون . . . . . ) كلا ( ردع للرسول عن عادة العجلة أو للإنسان عن الاغترار بالعاجل ) بل تحبون العاجلة ) القيامة : ( 21 ) وتذرون الآخرة ) وتذرون الآخرة ( تعميم للخطاب إشعارا بأن بني آدم مطبوعون على الاستعجال وإن كان الخطاب للإنسان والمراد به الجنس فجمع الضمير للمعنى ويؤيده قراءة ابن كثير وابن عامر والبصريين بالياء فيهما ________________________________________ " صفحة رقم 423 " القيامة : ( 22 ) وجوه يومئذ ناضرة ) وجوه يومئذ ناضرة ( بهية متهللة القيامة : ( 23 ) إلى ربها ناظرة ) إلى ربها ناظرة ( تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول وليس هذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره وقيل منتظرة إنعامه ورد بأن الانتظار لا يسند إلى الوجه وتفسيره بالجملة خلاف الظاهر وأن المستعمل بمعناه لا يتعدى بإلى وقول الشاعر " وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما " بمعنى السؤال فإن الانتظار لا يستعقب العطاء القيامة : ( 24 ) ووجوه يومئذ باسرة ) ووجوه يومئذ باسرة ( شديدة العبوس والباسل أبلغ من الباسر لكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه القيامة : ( 25 ) تظن أن يفعل . . . . . ) تظن ( تتوقع أربابها ) أن يفعل بها فاقرة ( داهية تكسر الفقار القيامة : ( 26 ) كلا إذا بلغت . . . . . ) كلا ( ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة ) إذا بلغت التراقي ( إذا بلغت النفس أعالي الصدر وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها القيامة : ( 27 ) وقيل من راق ) وقيل من راق ( وقال حاضر وصاحبها من يرقيه مما به من الرقية أو قال ملائكة الموت أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب الرقي القيامة : ( 28 ) وظن أنه الفراق ) وظن أنه الفراق ( وظن المحتضر أن الذي نزل به فراق الدنيا ومحابها القيامة : ( 29 ) والتفت الساق بالساق ) والتفت الساق بالساق ( والتوت ساقه بساقه فلا يقدر على تحريكهما أو شدة فراق الدنيا بشدة خوف الآخرة ________________________________________ " صفحة رقم 424 " القيامة : ( 30 ) إلى ربك يومئذ . . . . . ) إلى ربك يومئذ المساق ( سوقه إلى الله تعالى وحكمه القيامة : ( 31 ) فلا صدق ولا . . . . . ) فلا صدق ( ما يجب تصديقه أو فلا صدق ماله أي فلا زكاة ) ولا صلى ( ما فرض عليه والضمير فيهما للإنسان المذكور في ) أيحسب الإنسان ) القيامة : ( 32 ) ولكن كذب وتولى ) ولكن كذب وتولى ( عن الطاعة القيامة : ( 33 ) ثم ذهب إلى . . . . . ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( يتبختر افتخارا بذلك من المط فإن المتبختر يمد خطاه فيكون أصله يتمطط أو من المط وهو الظهر فإنه يلويه القيامة : ( 34 ) أولى لك فأولى ) أولى لك فأولى ( ويل لك من الولي وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في ) ردف لكم ( أو ) أولى لك ( الهلاك وقيل أفعل من الويل بعد القلب أدنى من أدون أو فعلى من ال يؤول بمعنى عقباك النار القيامة : ( 35 ) ثم أولى لك . . . . . ) ثم أولى لك فأولى ( أي يتكرر ذلك عليه مرة بعد أخرى القيامة : ( 36 ) أيحسب الإنسان أن . . . . . ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( مهملا لا يكلف ولا يجازى وهو يتضمن تكرير إنكاره للحشر والدلالة عليه من حيث إن الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن القبائح والتكليف لا يتحقق إلا بالمجازاة وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة القيامة : ( 37 - 38 ) ألم يك نطفة . . . . . ) ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى ( فقدره فعدله القيامة : ( 39 - 40 ) فجعل منه الزوجين . . . . . ) فجعل منه الزوجين ( للصنفين ) الذكر والأنثى ( وهو استدلال آخر بالإبداء على الإعادة على ما مر تقريره مرارا ولذلك رتب عليه قوله ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان إذا قرأها قال سبحانك بلى وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القيامة شهدت له أنا وجبريل يوم القيامة أنه كان مؤمنا به ________________________________________ " صفحة رقم 425 " سورة الإنسان مكية وآيها إحدى وثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم الإنسان : ( 1 - 3 ) هل أتى على . . . . . ) هل أتى على الإنسان ( استفهام تقرير تقريب ولذلك فسر بقد وأصله أهل كقوله " أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم " ) حين من الدهر ( طائفة محدودة من الزمان الممتد الغير المحدود ) لم يكن شيئا مذكورا ( بل كان شيئا منسيا غير مذكور بالإنسانية كالعنصر والنطفة والجملة حال من ) الإنسان ( أو وصف ل ) حين ( بحذف الراجع والمراد بالإنسان الجنس لقوله ) إنا خلقنا الإنسان من نطفة ( أو آدم بين أولا خلقه ثم ذكر خلقه بنيه ) أمشاج ( أخلاط جمع مشج أو مشج أو مشيج من مشجت الشيء إذا خلطته وجمع النطفة به لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة وكل منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص ولذلك يصير كل جزء منهما مادة عضو وقيل مفرد كأعشار وأكباش وقيل ألوان فإن ماء الرجل أبيض وماء المرآة أصفر فإذا اختلطا اخضرا أو أطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة إلى تمام الخلقة ) نبتليه ( في موضع الحال أي مبتلين له بمعنى مريدين اختباره أو ناقلين له من حال إلى حال فاستعير له الابتلاء ) فجعلناه سميعا بصيرا ( ليتمكن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات فهو كالمسبب عن الابتلاء ولذلك عطف بالفاء على الفعل المقيد به ورتب عليه قوله ________________________________________ " صفحة رقم 426 " ) إنا هديناه السبيل ( أي بنصب الدلائل وإنزال الآيات ) إما شاكرا وإما كفورا ( حالان من الهاء و ) أما ( للتفصيل أو التقسيم أي ) هديناه ( في حاليه جميعا أو مقسوما إليهما بعضهم ) شاكرا ( بالاهتداء والأخذ فيه وبعضهم كفور بالإعراض عنه أو من ) السبيل ( ووصفه بالشكر والكفر مجاز وقرئ ) أما ( بالفتح على حذف الجواب ولعله لم يقل كافرا ليطابق قسيمه محافظة على الفواصل وإشعارا بأن الإنسان لا يخلو عن كفران غالبا وإنما المؤاخذ به التوغل فيه الإنسان : ( 4 ) إنا أعتدنا للكافرين . . . . . ) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل ( بها يقادون ) وأغلالا ( بها يقيدون ) وسعيرا ( بها يحرقون وتقديم وعيدهم وقد تأخر ذكرهم لإن الإنذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين أحسن وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر سلاسلا للمناسبة الإنسان : ( 5 ) إن الأبرار يشربون . . . . . ) إن الأبرار ( جمع بر كأرباب أو بار كأشهاد ) يشربون من كأس ( من خمر وهي في الأصل القدح تكون فيه ) كان مزاجها ( ما يمزج بها ) كافورا ( لبرده وعذوبته وطيب عرفه وقيل اسم ماء في الجنة يشبه الكافور في رائحته وبياضه وقيل يخلق فيها كيفيات الكافور فتكون كالممزوجة به الإنسان : ( 6 ) عينا يشرب بها . . . . . ) عينا ( بدل من ) كافورا ( إن جعل اسم ماء أو من محل ) من كأس ( على تقدير مضاف أي ماء عين أو خمرها أو نصب على الاختصاص أو بفعل يفسره ما بعدها ) يشرب بها عباد الله ( أي ملتذا بها أو ممزوجا بها وقيل الباء مزيدة أو بمعنى من لأن الشرب مبتدأ منها كما هو ) يفجرونها تفجيرا ( يجرونها حيث شاءوا إجراء سهلا الإنسان : ( 7 ) يوفون بالنذر ويخافون . . . . . ) يوفون بالنذر ( استئناف ببيان ما رزقوه لأجله كأنه سئل عنه فأجيب بذلك وهو ________________________________________ " صفحة رقم 427 " أبلغ في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه لله تعالى كان أوفى بما أوجبه الله تعالى عليه ) ويخافون يوما كان شره ( شدائده ) مستطيرا ( فاشيا غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار وفيه إشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي الإنسان : ( 8 ) ويطعمون الطعام على . . . . . ) ويطعمون الطعام على حبه ( حب الله تعالى أو الطعام أو الإطعام ) مسكينا ويتيما وأسيرا ( يعني أسراء الكفار فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول أحسن إليه أو الأسير المؤمن ويدخل فيه المملوك والمسجون وفي الحديث غريمك أسير فأحسن إلى أسيرك الإنسان : ( 9 ) إنما نطعمكم لوجه . . . . . ) إنما نطعمكم لوجه الله ( على إرادة القول بلسان الحال أو المقال إزاحة لتوهم المن وتوقع المكأفاة المنقصة للأجر وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله ) لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ( أي شكرا الإنسان : ( 10 ) إنا نخاف من . . . . . ) إنا نخاف من ربنا ( فلذلك نحسن إليكم أو لا نطلب المكافأة منكم ) يوما ( عذاب يوم ) عبوسا ( تعبس فيه الوجوه أو يشبه الأسد العبوس في ضراوته ) قمطريرا ( شديد العبوس كالذي يجمع ما بين عينيه من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قرطيها أو مشتق من القطر والميم مزيدة الإنسان : ( 11 ) فوقاهم الله شر . . . . . ) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ( بسبب خوفهم وتحفظهم عنه ) ولقاهم نضرة وسرورا ( بدل عبوس الفجار وحزنهم ________________________________________ " صفحة رقم 428 " الإنسان : ( 12 ) وجزاهم بما صبروا . . . . . ) وجزاهم بما صبروا ( بصبرهم على أداء الواجبات واجتناب المحرمات وإيثار الأموال ) جنة ( بستانا يأكلون منه ) وحريرا ( يلبسونه وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ناس فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وفضة جارية لهما صوم ثلاث إن برئا فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما فلما أمسوا ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم فأثروه ثم وقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك فنزل جبريل عليه السلام بهذه السورة وقال خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك الإنسان : ( 13 ) متكئين فيها على . . . . . ) متكئين فيها على الأرائك ( حال من هم في ) وجزاهم ( أو صفة ل ) جنة ( ) لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( يحتملهما وأن يكون حالا من المستكن في ) متكئين ( والمعنى أنه يمر عليهم فيها هواء معتدل لا حار محم ولا بارد مؤذ وقيل الزمهرير القمر في لغة طيئ قال راجزهم " وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر " والمعنى أن هواءها مضيء بذاته لا يحتاج إلى شمس وقمر الإنسان : ( 14 ) ودانية عليهم ظلالها . . . . . ) ودانية عليهم ظلالها ( حال أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها أو عطف على ) جنة ( أي وجنة أخرى دانية على أنهم وعدوا جنتين كقوله ) ولمن خاف مقام ربه جنتان ( وقرئت بالرفع على أنها خبر ) ظلالها ( والجملة حال أو صفة ) وذللت قطوفها تذليلا ( معطوف على ما قبله أو حال من دانية وتذليل القطوف أن تجعل سهلة التناول لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا ________________________________________ " صفحة رقم 429 " الإنسان : ( 15 ) ويطاف عليهم بآنية . . . . . ) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ( وأباريق بلا عروة ) كانت قواريرا ) الإنسان : ( 16 ) قوارير من فضة . . . . . ) قوارير من فضة ( أي تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها وبياض الفضة ولينها وقد نون ) قوارير ( من نون سلاسلا وابن كثير الأولى لأنها رأس الآية وقرئ ) قوارير من فضة ( على هي ) قوارير ( ) قدروها تقديرا ( أي قدروها في أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنوه أو قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها أو قدر الطائفون بها المدلول عليهم بقوله يطاف شرابها على قدر اشتهائهم وقرئ ) قدروها ( أي جعلوا قادرين لها كما شاءوا من قدر منقولا من قدرت الشيء الإنسان : ( 17 ) ويسقون فيها كأسا . . . . . ) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( ما يشبه الزنجبيل في الطعم وكانت العرب يستلذون الشراب الممزوج به الإنسان : ( 18 ) عينا فيها تسمى . . . . . ) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ولذلك حكم بزيادة الباء والمراد به أن ينفي عنها لذع الزنجيل ويصفها بنقيضه وقيل أصله سل سبيلا فسميت به كتأبط شرا لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح الإنسان : ( 19 ) ويطوف عليهم ولدان . . . . . ) ويطوف عليهم ولدان مخلدون ( دائمون ) إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ( من صفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض الإنسان : ( 20 ) وإذا رأيت ثم . . . . . ) وإذا رأيت ثم ( ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر لأنه عام معناه أن بصرك أينما وقع ) رأيت نعيما وملكا كبيرا ( واسعا وفي الحديث أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه هذا وللعارف أكبر من ذلك وهو أن تنتقش نفسه بجلايا الملك وخفايا الملكوت فيستضيء بأنوار قدس الجبروت الإنسان : ( 21 ) عاليهم ثياب سندس . . . . . ) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ( يعلوهم ثياب الحرير الخضر ما رق منها وما غلظ ونصبه على الحال من هم في عليهم أو ) حسبتهم ( أو ) ملكا ( على تقدير مضاف أي وأهل ملك كبير عاليهم وقرأ نافع ) عاليهم ( حمزة بالرفع على أنه خبر ) ثياب ( ________________________________________ " صفحة رقم 430 " وقرا ابن كثير وأبو بكر خضر بالجر حملا على ) سندس ( بالمعنى فإنه اسم جنس ) وإستبرق ( بالرفع عطفا على ) ثياب ( وقرأهما حفص وحمزة والكسائي بالرفع وقرئ واستبرق بوصل الهمزة والفتح على أنه استفعل من البريق جعل علما لهذا النوع من الثياب ) وحلوا أساور من فضة ( عطف على ) ويطوف عليهم ( ولا يخالفه قوله ) أساور من ذهب ( لإمكان الجمع والمعاقبة والتبعيض فإن حلي أهل الجنة تختلف باختلاف أعمالهم فلعله تعالى يفيض عليهم جزاء لما عملوه بأيديهم حليا وأنوارا تتفاوت الذهب والفضة أو حال من الضمير في ) عاليهم ( بإضمار قد وعلى هذا يجوز أن يكون هذا للخدم وذلك للمخدومين ) وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( يريد به نوعا آخر يفوق على النوعين المتقدمين ولذلك أسند سقيه إلى الله عز وجل ووصفه بالطهورية فإنه يطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية والركون إلى ما سوى الحق فيتجرد لمطالعة جماله ملتذا بلقائه باقيا ببقائه وهي منتهى درجات الصديقين ولذلك ختم بها ثواب الأبرار الإنسان : ( 22 ) إن هذا كان . . . . . ) إن هذا كان لكم جزاء ( على إضمار القول والإشارة إلى ما عد من ثوابهم ) وكان سعيكم مشكورا ( مجازى عليه غير مضيع الإنسان : ( 23 ) إنا نحن نزلنا . . . . . ) إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ( مفرقا منجما لحكمة اقتضته وتكرير الضمير مع أن مزيد لاختصاص التنزيل به الإنسان : ( 24 ) فاصبر لحكم ربك . . . . . ) فاصبر لحكم ربك ( بتأخير نصرك على كفار مكة وغيرهم ) ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي لك إليه وأو للدلالة على أنهما سيان في استحقاق العصيان والاستقلال به والقسم باعتبار ما يدعونه إليه فإن ترتب النهي على الوصفين مشعر أنه لهما وذلك يستدعي أن تكون المطاوعة في الإثم والكفر فإن مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور الإنسان : ( 25 ) واذكر اسم ربك . . . . . ) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ( ودوام على ذكره أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما ________________________________________ " صفحة رقم 431 " الإنسان : ( 26 ) ومن الليل فاسجد . . . . . ) ومن الليل فاسجد له ( وبعض الليل فصل له تعالى ولعل المراد به صلاة المغرب والعشاء وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من مزيد الكلفة والخلوص ) وسبحه ليلا طويلا ( وتهجد له طائفة طويلة من الليل الإنسان : ( 27 ) إن هؤلاء يحبون . . . . . ) إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم ( أمامهم أو خلف ظهورهم ) يوما ثقيلا ( شديدا مستعار من الثقل الباهظ للحامل وهو كالتعليل لما أمر به ونهى عنه الإنسان : ( 28 ) نحن خلقناهم وشددنا . . . . . ) نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ( وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب ) وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ( وإذا شئنا أهلكناهم و ) بدلنا أمثالهم تبديلا ( في الخلقة وشدة الأسر يعني النشأة الثانية ولذلك جيء ب ) إذا ( أو بدلنا غيرهم ممن يطيع ) وإذا ( لتحقق القدرة وقوة الداعية الإنسان : ( 29 ) إن هذه تذكرة . . . . . ) إن هذه تذكرة ( الإشارة إلى السورة أو الآيات القريبة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( تقرب إليه بالطاعة الإنسان : ( 30 ) وما تشاؤون إلا . . . . . ) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ( وما تشاءون ذلك إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر يشاءون بالياء ) إن الله كان عليما ( بما يستأهل كل أحد ) حكيما ( لا يشاء إلا ما تقتضيه حكمته الإنسان : ( 31 ) يدخل من يشاء . . . . . ) يدخل من يشاء في رحمته ( بالهداية والتوفيق للطاعة ) والظالمين أعد لهم عذابا أليما ( نصب ) الظالمين ( بفعل يفسره ) أعد لهم ( مثل أوعد وكافأ ليطابق الجملة المعطوف عليها وقرئ بالرفع على الابتداء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريرا ________________________________________ " صفحة رقم 432 " سورة المرسلات مكية وآيها خمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم المرسلات : ( 1 - 5 ) والمرسلات عرفا ) والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ( إقسام بطوائف من الملائكة أرسلهن الله تعالى بأوامره متتابعة فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره ونشرن الشرائع في الأرض أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فألقين إلى الأنبياء ذكرا عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء ففرقن بين الحق بذاته والباطل في نفسه فيرون كل شيء هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله تعالى أو برياح عذاب أرسلن فعصفن ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر الله تعالى وتذكر كمال قدرته وعرفا إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للإحسان والمعروف أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال ) عذرا أو نذرا ( مصدران لعذر إذا محا الإساءة وأنذر إذا خوف أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر والمنذر ونصبهما على الأولين بالعلية أي المرسلات : ( 6 ) عذرا أو نذرا ) عذرا ( للمحقين ) أو نذرا ( للمبطلين أو البدل من ) ذكرا ( على أن المراد به الوحي أو ما يعم التوحيد والشرك والإيمان والكفر وعلى الثالث بالحالية وقرأهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص بالتخفيف ________________________________________ " صفحة رقم 433 " المرسلات : ( 7 ) إنما توعدون لواقع ) إنما توعدون لواقع ( جواب القسم ومعناه أن الذي توعدونه من مجيء القيامة كائن لا محالة المرسلات : ( 8 ) فإذا النجوم طمست ) فإذا النجوم طمست ( محقت أو أذهب نورها المرسلات : ( 9 ) وإذا السماء فرجت ) وإذا السماء فرجت ( صدعت المرسلات : ( 10 ) وإذا الجبال نسفت ) وإذا الجبال نسفت ( كالحب ينسف بالمنسف المرسلات : ( 11 ) وإذا الرسل أقتت ) وإذا الرسل أقتت ( عين لها وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على الأمم بحصوله فإنه لا يتعين لهم قبله أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وقرأ أبو عمرو وقتت على الأصل المرسلات : ( 12 ) لأي يوم أجلت ) لأي يوم أجلت ( أي يقال لأي يوم أخرت وضرب الأجل للجمع وهو تعظيم لليوم وتعجيب من هوله ويجوز أن يكون ثاني مفعولي ) أقتت ( على أنه بمعنى أعلمت المرسلات : ( 13 ) ليوم الفصل ) ليوم الفصل ( بيان ليوم التأجيل المرسلات : ( 14 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما يوم الفصل ( ومن أين تعلم كنهه ولم تر مثله المرسلات : ( 15 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( أي بذلك و ) ويل ( في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعله عدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلك للمدعو عليه و ) يومئذ ( ظرفه أو صفته المرسلات : ( 16 ) ألم نهلك الأولين ) ألم نهلك الأولين ( كقوم نوح وعاد وثمود وقرئ نهلك من هلكه بمعنى أهلكه المرسلات : ( 17 ) ثم نتبعهم الآخرين ) ثم نتبعهم الآخرين ( أي ) ثم ( نحن ) نتبعهم ( نظراءهم ككفار مكة وقرئ ________________________________________ " صفحة رقم 434 " بالجزم عطفا على ) نهلك ( فيكون ) الآخرين ( المتأخرين من المهلكين كقوم لوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام المرسلات : ( 18 ) كذلك نفعل بالمجرمين ) كذلك ( مثل ذلك الفعل ) نفعل بالمجرمين ( بكل من أجرم المرسلات : ( 19 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( بآيات الله وأنبيائه فليس تكريرا وكذا إن أطلق التكذيب أو علق في الموضعين بواحد لأن ال ) ويل ( الأول لعذاب الآخرة وهذا للإهلاك في الدنيا مع أن التكرير للتوكيد حسن شائع في كلام العرب المرسلات : ( 20 ) ألم نخلقكم من . . . . . ) ألم نخلقكم من ماء مهين ( نطفة مذرة ذليلة المرسلات : ( 21 ) فجعلناه في قرار . . . . . ) فجعلناه في قرار مكين ( هو الرحم المرسلات : ( 22 ) إلى قدر معلوم ) إلى قدر معلوم ( إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة المرسلات : ( 23 - 24 ) فقدرنا فنعم القادرون ) فقدرنا ( على ذلك أو فقدرناه ويدل عليه قراءة نافع والكسائي بالتشديد ) فنعم القادرون ( نحن ) ويل يومئذ للمكذبين ( بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة المرسلات : ( 25 ) ألم نجعل الأرض . . . . . ) ألم نجعل الأرض كفاتا ( كافتة اسم لما يكفت أي يضم ويجمع كالضمام والجماع اسم لما يضم ويجمع أو مصدر نعت به أو جمع كافت كصائم وصيام أو كفت وهو الوعاء أجري على الأرض باعتبار أقطارها المرسلات : ( 26 ) أحياء وأمواتا ) أحياء وأمواتا ( منتصبان على المفعولية وتنكيرهما للتفخيم أو لأن أحياء الإنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات أو الحالية من مفعوله المحذوف للعلم به وهو الإنس أو بنجعل على المفعولية و ) كفاتا ( حال أو الحالية فيكون المعنى بالأحياء ما ينبت وبالأموات ما لا ينبت ________________________________________ " صفحة رقم 435 " المرسلات : ( 27 ) وجعلنا فيها رواسي . . . . . ) وجعلنا فيها رواسي شامخات ( جبالا ثوابت طوالا والتنكير للتفخيم أو الإشعار بأن فيها ما لم يعرف ولم ير ) وأسقيناكم ماء فراتا ( بخلق الأنهار والمنابع فيها المرسلات : ( 28 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( بأمثال هذه النعم المرسلات : ( 29 ) انطلقوا إلى ما . . . . . ) انطلقوا ( أي يقال لهم انطلقوا ) إلى ما كنتم به تكذبون ( من العذاب المرسلات : ( 30 ) انطلقوا إلى ظل . . . . . ) انطلقوا ( خصوصا وعن يعقوب ) انطلقوا ( على الإخبار عن امتثالهم للأمر اضطرارا ) إلى ظل ( يعني ظل دخان جهنم كقوله تعالى ) وظل من يحموم ( ) ذي ثلاث شعب ( يتشعب لعظمه كما ترى الدخان العظيم يتفرق تفرق الذوائب وخصوصية الثلاث إما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الواهمة الحالية في الدماغ والغضبية التي في يمين القلب والشهوية التي في يساره ولذلك قيل شعبة تقف فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره المرسلات : ( 31 ) لا ظليل ولا . . . . . ) لا ظليل ( تهكم بهم ورد لما أوهم لفظ ال ) ظل ( ) ولا يغني من اللهب ( وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئا المرسلات : ( 32 ) إنها ترمي بشرر . . . . . ) إنها ترمي بشرر كالقصر ( أي كل شرارة ) كالقصر ( في عظمها ويؤيده أنه قرىء بشرار وقيل هو جمع قصرة وهي الشجرة الغليظة وقريء كالقصر بمعنى القصور كرهن ورهن وكالقصر جمع قصرة كحاجة وحوج وكالقصر جمع قصرة وهي أصل العنق والهاء للشعب المرسلات : ( 33 ) كأنه جمالة صفر ) كأنه جمالة ( جمع جمال أو جمالة جمع جمل ) صفر ( فإن الشرار بما ________________________________________ " صفحة رقم 436 " فيه من النارية يكون أصفر وقيل سود لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة والأول تشبيه في العظم وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) جمالة ( وعن يعقوب / جمالات / بالضم جمع جمالة وقد قرىء بها وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة شبهه بها في امتداده والتفافه المرسلات : ( 34 - 35 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ( أي بما يستحق فإن النطق بما لا ينفع كلا نطق أو بشيء من فرط الدهشة والحيرة وهذا في بعض المواقف وقرىء بنصب ال يوم أي هذا الذي ذكر واقع يومئذ المرسلات : ( 36 - 37 ) ولا يؤذن لهم . . . . . ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين ( عطف ) فيعتذرون ( على ) يؤذن ( ليدل على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقا ولو جعله جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الأذن فأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لا يؤذن لهم فيه المرسلات : ( 38 ) هذا يوم الفصل . . . . . ) هذا يوم الفصل ( بين المحق والمبطل ) جمعناكم والأولين ( تقرير وبيان للفصل المرسلات : ( 39 ) فإن كان لكم . . . . . ) فإن كان لكم كيد فكيدون ( تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم المرسلات : ( 40 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( إذ لا حيلة لهم في التخلص من العذاب المرسلات : ( 41 ) إن المتقين في . . . . . ) إن المتقين ( عن الشرك لأنهم في مقابلة المكذبين ) في ظلال وعيون ) المرسلات : ( 42 ) وفواكه مما يشتهون ) وفواكه مما يشتهون ( مستقرون في أنواع الترفه المرسلات : ( 43 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . . ) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ( أي مقولا لهم ذلك المرسلات : ( 44 ) إنا كذلك نجزي . . . . . ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( في العقيدة المرسلات : ( 45 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( يمحض لهم العذاب المخلد ولخصومهم الثواب المؤبد ________________________________________ " صفحة رقم 437 " المرسلات : ( 46 ) كلوا وتمتعوا قليلا . . . . . ) كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ( حال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيرا لهم بحالهم في الدنيا وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم المرسلات : ( 47 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل المرسلات : ( 48 ) وإذا قيل لهم . . . . . ) وإذا قيل لهم اركعوا ( أطيعوا واخضعوا أو صلوا أو اركعوا في الصلاة إذ روي أنه نزل حين أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثقيفا بالصلاة فقالوا لا نجبي أي لا نركع فإنها مسبة وقيل هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) لا يركعون ( لا يمتثلون واستدل به على أن الأمر للوجوب وأن الكفار مخاطبون بالفروع المرسلات : ( 49 - 50 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده ( بعد القرآن ) يؤمنون ( إذ لم يؤمنوا به وهو معجز في ذاته مشتمل على الحجج الواضحة والمعاني الشريفة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المرسلات كتب له أنه ليس من المشركين ________________________________________ " صفحة رقم 438 " سورة النبأ مكية وآيها إحدى وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم النبأ : ( 1 ) عم يتساءلون ) عم يتساءلون ( أصله عما فحذف الألف لما مر ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم أو يسألون الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين عنه استهزاء كقولهم يتداعونهم ويتراءونهم أي يدعونهم ويرونهم أو للناس النبأ : ( 2 ) عن النبإ العظيم ) عن النبإ العظيم ( بيان لشأن المفخم أو صلة ) يتساءلون ( و ) عم ( متعلق بمضمر مفسر به ويدل عليه قراءة يعقوب عمه النبأ : ( 3 ) الذي هم فيه . . . . . ) الذي هم فيه مختلفون ( بجزم النفي والشك فيه أو بالإقرار والإنكار النبأ : ( 4 ) كلا سيعلمون ) كلا سيعلمون ( ردع عن التساؤل ووعيد عليه النبأ : ( 5 ) ثم كلا سيعلمون ) ثم كلا سيعلمون ( تكرير للمبالغة و ) ثم ( للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد وقيل الأول عند النزع والثاني في القيامة أو الأول للبعث والثاني للجزاء وعن ابن عامر ستعلمون بالتاء على تقدير قل لهم ستعلمون النبأ : ( 6 - 7 ) ألم نجعل الأرض . . . . . ) ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا ( تذكير ببعض ما عاينوا من عجائب صنعه الدالة على كمال قدرته ليستدلوا بذلك على صحة البعث كما مر تقريره مرارا وقرئ مهدا أي أنها لهم كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد لينوم عليه ________________________________________ " صفحة رقم 439 " النبأ : ( 8 ) وخلقناكم أزواجا ) وخلقناكم أزواجا ( ذكرا وأنثى النبأ : ( 9 ) وجعلنا نومكم سباتا ) وجعلنا نومكم سباتا ( قطعا عن الإحساس والحركة استراحة للقوى الحيوانية وإزاحة لكلاهما أو موتا لأنه أحد التوفيين ومنه المسبوت للميت وأصله القطع أيضا النبأ : ( 10 ) وجعلنا الليل لباسا ) وجعلنا الليل لباسا ( غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء النبأ : ( 11 ) وجعلنا النهار معاشا ) وجعلنا النهار معاشا ( وقت معاش تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به أو حياة تنبعثون فيها عن نومكم النبأ : ( 12 ) وبنينا فوقكم سبعا . . . . . ) وبنينا فوقكم سبعا شدادا ( سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهور النبأ : ( 13 ) وجعلنا سراجا وهاجا ) وجعلنا سراجا وهاجا ( متلألئا وقادا من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغا في الحرارة من الوهج وهو الحر والمراد الشمس النبأ : ( 14 ) وأنزلنا من المعصرات . . . . . ) وأنزلنا من المعصرات ( السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمر كقولك احصد الزرع إذا حان له أن يحصد ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض أو من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب أو الرياح ذوات الأعاصير وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشيء السحاب وتدرأ خلافه ويؤيده أنه قرئ بالمعصرات ) ماء ثجاجا ( منصبا بكثرة يقال ثجه وثج بنفسه وفي الحديث أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي وقرئ ثجاجا ومثاجج الماء مصابه ________________________________________ " صفحة رقم 440 " النبأ : ( 15 ) لنخرج به حبا . . . . . ) لنخرج به حبا ونباتا ( ما يقتات به وما يعتلف من التبن والحشيش النبأ : ( 16 ) وجنات ألفافا ) وجنات ألفافا ( ملتفة بعضها ببعض جمع لف كجذع قال " جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر " أو لفيف كشريف أو لف جمع لفاء كخضراء وخضر وأخضار أو متلفة بحذف الزوائد النبأ : ( 17 ) إن يوم الفصل . . . . . ) إن يوم الفصل كان ( في علم الله تعالى أو في حكمه ) ميقاتا ( حدا تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده أو حدا للخلائق ينتهون إليه النبأ : ( 18 ) يوم ينفخ في . . . . . ) يوم ينفخ في الصور ( بدل أو بيان ليوم الفصل ) فتأتون أفواجا ( جماعات من القبور إلى المحشر روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عنه فقال يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون يسبحون على وجوههم وبعضهم عمي وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم فيسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وآرجلهم وبعضهم مصلوبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم ثم فسرهم بالقتات وأهل السحت وأكلة الربا والجائرين في الحكم والمعجبين بأعمالهم والعلماء الذين خالف قولهم عملهم والمؤذين جيرانهم والساعين بالناس إلى السلطان والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى والمتكبرين الخيلاء ________________________________________ " صفحة رقم 441 " النبأ : ( 19 ) وفتحت السماء فكانت . . . . . ) وفتحت السماء ( وشققت وقرأ الكوفيون بالتخفيف ) فكانت أبوابا ( فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب أو فصارت ذات أبواب النبأ : ( 20 ) وسيرت الجبال فكانت . . . . . ) وسيرت الجبال ( أي في الهواء كالهباء ) فكانت سرابا ( مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها النبأ : ( 21 ) إن جهنم كانت . . . . . ) إن جهنم كانت مرصادا ( موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان وقرئ ) إن ( بالفتح على التعليل لقيام الساعة النبأ : ( 22 ) للطاغين مآبا ) للطاغين مآبا ( مرجعا ومأوى النبأ : ( 23 - 25 ) لابثين فيها أحقابا ) لابثين فيها ( وقرأ حمزة وروح لبثين وهو أبلغ ) أحقابا ( دهورا متتابعة وليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة فليس فيه ما يتقضي تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقابا مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر وإن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطق الدال على خلود الكفار ولو جعل قوله ) لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ( حالا من المستكن في ) لابثين ( أو نصب ) أحقابا ( ب ) لا يذوقون ( احتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلا حميما وغساقا ثم يبدلون جنسا آخر من العذاب ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق وحقب العام إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين وقوله ) لا يذوقون ( تفسير له والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار أو النوم وبالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم وقيل الزمهرير وهو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد النبأ : ( 26 ) جزاء وفاقا ) جزاء وفاقا ( أي جوزوا بذلك جزاء ذا وفاق لأعمالهم أو موافقا لها أو وافقها وفاقا وقرئ وفاقا فعال من وفقه كذا النبأ : ( 27 ) إنهم كانوا لا . . . . . ) إنهم كانوا لا يرجون حسابا ( بيان لما وافقه هذا الجزاء ________________________________________ " صفحة رقم 442 " النبأ : ( 28 ) وكذبوا بآياتنا كذابا ) وكذبوا بآياتنا كذابا ( تكذيبا وفعال بمعنى تفعيل مطرد شائع في كلام الفصحاء قرئ بالتخفيف وهو بمعنى الكذب كقوله " فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه " وإنما أقيم مقام التكذيب للدلالة على أنهم كذبوا في تكذيبهم أو المكاذبة فإنهم كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمين كاذبين عندهم فكان بينهم مكاذبة أو كانوا مبالغين في الكذب مبالغة فيه وعلى المعنيين يجوز أن يكون حالا بمعنى كاذبين أو مكاذبين ويؤيده أنه قرئ كذابا وهو جمع كاذب ويجوز أن يكون للمبالغة فيكون صفة للمصدر أي تكذيبا مفرطا كذبه النبأ : ( 29 ) وكل شيء أحصيناه . . . . . ) وكل شيء أحصيناه ( وقرئ بالرفع على الابتداء ) كتابا ( مصدر لأحصيناه إن الأحصاء والكتبة يتشاركان في معنى الضبط أو لفعله المقدر أو حال بمعنى مكتوبا في اللوح أو صحف الحفظة والجملة اعتراض النبأ : ( 30 ) فذوقوا فلن نزيدكم . . . . . وقوله ) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ( مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات مجيئه على طريقة الالتفات للمبالغة وفي الحديث هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار النبأ : ( 31 ) إن للمتقين مفازا ) إن للمتقين مفازا ( فوزا أو موضع فوز ________________________________________ " صفحة رقم 443 " النبأ : ( 32 ) حدائق وأعنابا ) حدائق وأعنابا ( بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة بدل من ) مفازا ( بدل الاشتمال والبعض النبأ : ( 33 ) وكواعب أترابا ) وكواعب ( نساء فلكت ثديهن ) أترابا ( لدات النبأ : ( 34 ) وكأسا دهاقا ) وكأسا دهاقا ( ملآنا وأدهق الحوض ملآه النبأ : ( 35 ) لا يسمعون فيها . . . . . ) لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ( وقرأ الكسائي بالتخفيف أي كذبا أو مكاذبة إذ لا يكذب بعضهم بعضا النبأ : ( 36 ) جزاء من ربك . . . . . ) جزاء من ربك ( بمقتضى وعده ) عطاء ( تفضلا منه إذ لا يجب عليه شيء وهو بدل من ) جزاء ( وقيل منتصب به نصب المفعول به ) حسابا ( كافيا من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي أو على حسب أعمالهم وقرئ حسابا أي محسبا كالدراك بمعنى المدرك النبأ : ( 37 ) رب السماوات والأرض . . . . . ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( بدل من ربك وقد رفعه الحجازيان وأبو عمرو على الابتداء ) الرحمن ( بالجر صفة له وكذا في قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب بالرفع في قراءة أبي عمرو وفي قراءة حمزة والكسائي بجر الأول ورفع الثاني على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره ) لا يملكون منه خطابا ( والواو لأهل السموات والأرض أي لا يملكون خطابه والاعتراض عليه في ثواب أو عقاب لأنهم مملوكون له على الاطلاق فلا يستحقون عليه اعتراضا وذلك لا ينافي الشفاعة بإذنه النبأ : ( 38 ) يوم يقوم الروح . . . . . ) يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ( تقرير وتوكيد لقوله ) لا يملكون ( فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله إذا ________________________________________ " صفحة رقم 444 " لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صوابا كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه فكيف يملكه غيرهم و ) يوم ( ظرف ل ) لا يملكون ( أو ل ) يتكلمون ( و ) الروح ( ملك موكل على الأرواح أو جنسها أو جبريل عليه السلام أو خلق أعظم من الملائكة النبأ : ( 39 ) ذلك اليوم الحق . . . . . ) ذلك اليوم الحق ( الكائن لا محالة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه ( إلى ثوابه ) مآبا ( بالإيمان والطاعة النبأ : ( 40 ) إنا أنذرناكم عذابا . . . . . ) إنا أنذرناكم عذابا قريبا ( يعني عذاب الآخرة وقربه لتحققه فإن كل ما هو آت قريب ولأن مبدأه الموت ) يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ( يرى ما قدمه من خير أو شر و ) المرء ( عام وقيل هو الكافر لقوله ) إنا أنذرناكم ( فيكون الكافر ظاهرا وضع موضع الضمير لزيادة الذم و ) ما ( موصولة منصوبة بينظر أو استفهامية منصوبة ب ) قدمت ( أي ينظر أي شيء قدمت يداه ) ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ( في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أو في هذا اليوم فلم أبعث وقيل يحشر سائر الحيوانات للاقتصاص ثم ترد ترابا فيود الكافر حالها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة عم سقاه الله برد الشراب يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 445 " سورة النازعات مكية وآيها خمس أو ست وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم النازعات : ( 1 - 5 ) والنازعات غرقا ) والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ( هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقا أي إغراقا في النزع فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان أو نفوسا غرقت في الأجساد وينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة فيدبرون إمر عقابها وثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام واللذات أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد ويسبحون في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فيدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات ولما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمى الأولى نزعا والثانية نشطا أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من إغراق النازع في القوس وتنشط إلى عالم الملكوت وتسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات فتنشط إلى عالم القدس فتسبح في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات أو صفات أنفس الغزاة أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام وينشطون بالسهم للرمي ويسبحون في البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها أو صفات خيلهم فإنها ________________________________________ " صفحة رقم 446 " تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر وتسبح في حربها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر أقسم الله تعالى بها على قيام الساعة وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه النازعات : ( 6 ) يوم ترجف الراجفة ) يوم ترجف الراجفة ( وهو منصوب به والمراد ب ) الراجفة ( الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى ) يوم ترجف الأرض والجبال ( أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها وهي النفخة الأولى النازعات : ( 7 ) تتبعها الرادفة ) تتبعها الرادفة ( التابعة وهي السماء والكواكب تنشق وتنشر أو النفخة الثانية والجملة في موقع الحال النازعات : ( 8 ) قلوب يومئذ واجفة ) قلوب يومئذ واجفة ( شديدة الاضطراب من الوجيف وهي صفة القلوب والخبر النازعات : ( 9 ) أبصارها خاشعة ) أبصارها خاشعة ( أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف ولذلك أضافها إلى القلوب النازعات : ( 10 ) يقولون أئنا لمردودون . . . . . ) يقولون أئنا لمردودون في الحافرة ( في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله تعالى ) في عيشة راضية ( أو تشبيه القائل بالفاعل وقرئ في الحفرة بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفرا وهي حفرة النازعات : ( 11 ) أئذا كنا عظاما . . . . . ) أئذا كنا ( وقرأ نافع وابن عامر والكسائي إذا كنا على الخبر ) عظاما نخرة ( بالية وقرأ الحجازيان والشامي وحفص وروح نخرة وهي أبلغ ________________________________________ " صفحة رقم 447 " النازعات : ( 12 ) قالوا تلك إذا . . . . . ) قالوا تلك إذا كرة خاسرة ( ذات خسران أو خاسر أصحابها والمعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها وهو استهزاء منهم النازعات : ( 13 ) فإنما هي زجرة . . . . . ) فإنما هي زجرة واحدة ( متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية النازعات : ( 14 ) فإذا هم بالساهرة ) فإذا هم بالساهرة ( فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها والساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة للتي يجري ماؤها وفي ضدها نائمة أو لأن سالكها يسهر خوفا وقيل اسم لجهنم النازعات : ( 15 ) هل أتاك حديث . . . . . ) هل أتاك حديث موسى ( أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك وتهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم النازعات : ( 16 ) إذ ناداه ربه . . . . . ) إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ( قد مر بيانه في سورة طه النازعات : ( 17 ) اذهب إلى فرعون . . . . . ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( على إرادة القول وقرئ أن اذهب لما في النداء من معنى القول النازعات : ( 18 ) فقل هل لك . . . . . ) فقل هل لك إلى أن تزكى ( هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان وقرأ الحجازيان ويعقوب تزكى بالتشديد النازعات : ( 19 ) وأهديك إلى ربك . . . . . ) وأهديك إلى ربك ( وأرشدك إلى معرفته ) فتخشى ( بأداء الواجبات وترك المحرمات إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة وهذا كالتفصيل لقوله ) فقولا له قولا لينا ) النازعات : ( 20 ) فأراه الآية الكبرى ) فأراه الآية الكبرى ( أي فذهب وبلغ فأراه المعجزة الكبرى وهي قلب العصا حية فإنه كان المقدم والأصل أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة النازعات : ( 21 ) فكذب وعصى ) فكذب وعصى ( فكذب موسى وعصى الله عز وجل بعد ظهور الآية وتحقق الأمر ________________________________________ " صفحة رقم 448 " النازعات : ( 22 ) ثم أدبر يسعى ) ثم أدبر ( عن الطاعة ) يسعى ( ساعيا في إبطال أمره أو أدبر بعدما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه النازعات : ( 23 ) فحشر فنادى ) فحشر ( فجمع السحرة أو جنوده ) فنادى ( في المجمع بنفسه أو بمناد النازعات : ( 24 ) فقال أنا ربكم . . . . . ) فقال أنا ربكم الأعلى ( أعلى كل من يلي أمركم النازعات : ( 25 ) فأخذه الله نكال . . . . . ) فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ( أخذا منكلا لمن رآه أو سمعه في الآخرة بالإحراق وفي الدنيا بالإغراق أو على كلمته ) الآخرة ( وهي هذه وكلمته الأولى وهو قوله ) ما علمت لكم من إله غيري ( أو للتنكيل فيهما أو لهما ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا مقدرا بفعله النازعات : ( 26 ) إن في ذلك . . . . . ) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( لمن كان من شأنه الخشية النازعات : ( 27 ) أأنتم أشد خلقا . . . . . ) أأنتم أشد خلقا ( أصعب خلقا ) أم السماء ( ثم بين كيف خلقها فقال ) بناها ) النازعات : ( 28 ) رفع سمكها فسواها ثم بين البناء فقال ) رفع سمكها ( أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها لذاهب في العلو رفيعا ) فسواها ( فعدلها أو فجعلها مستوية أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه النازعات : ( 29 ) وأغطش ليلها وأخرج . . . . . ) وأغطش ليلها ( أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها ) وأخرج ضحاها ( وأبرز ضوء شمسها كقوله تعالى ) والشمس وضحاها ( يريد النهار النازعات : ( 30 ) والأرض بعد ذلك . . . . . ) والأرض بعد ذلك دحاها ( بسطها ومهدها للسكنى النازعات : ( 31 ) أخرج منها ماءها . . . . . ) أخرج منها ماءها ( بتفجير العيون ) ومرعاها ( ورعيها وهو في الأصل لموضع لرعي وتجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو ________________________________________ " صفحة رقم 449 " النازعات : ( 32 ) والجبال أرساها ) والجبال أرساها ( أثبتها وقرئ والأرض والجبال بالرفع على الابتداء وهو مرجوع لأن العطف على فعلية النازعات : ( 33 ) متاعا لكم ولأنعامكم ) متاعا لكم ولأنعامكم ( تمتيعا لكم ولمواشيكم النازعات : ( 34 ) فإذا جاءت الطامة . . . . . ) فإذا جاءت الطامة ( الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي ) الكبرى ( التي هي أكبر الطامات وهي القيامة أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار النازعات : ( 35 ) يوم يتذكر الإنسان . . . . . ) يوم يتذكر الإنسان ما سعى ( بأن يراه مدونا في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة وهو بدل من ) فإذا جاءت ( و ) ما ( موصولة أو مصدرية النازعات : ( 36 ) وبرزت الجحيم لمن . . . . . ) وبرزت الجحيم ( وأظهرت لمن ترى لكل راء بحيث لا تخفى على أحد وقرئ ) وبرزت ( ولمن رأى ولمن ترى على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى ) إذا رأتهم من مكان بعيد ( أو أنه خطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أي لمن تراه من الكفار وجواب ) فإذا جاءت ( محذوف دل عليه ) يوم يتذكر ( أو ما بعده من التفضيل النازعات : ( 37 ) فأما من طغى ) فأما من طغى ( حتى كفر النازعات : ( 38 ) وآثر الحياة الدنيا ) وآثر الحياة الدنيا ( فانهمك فيها ولم يستعد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس النازعات : ( 39 ) فإن الجحيم هي . . . . . ) فإن الجحيم هي المأوى ( هي مأواه واللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي وهي فصل أو مبتدأ النازعات : ( 40 ) وأما من خاف . . . . . ) وأما من خاف مقام ربه ( مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد ) ونهى النفس عن الهوى ( لعلمه بأنه مرد النازعات : ( 41 ) فإن الجنة هي . . . . . ) فإن الجنة هي المأوى ( ليس له سواها مأوى ________________________________________ " صفحة رقم 450 " النازعات : ( 42 ) يسألونك عن الساعة . . . . . ) يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( متى أرساؤها أي إقامتها وإثباتها أو منتهاها ومستقرها من مرسى السفينة وهو حيث تنتهي إليه وتستقر فيه النازعات : ( 43 ) فيم أنت من . . . . . ) فيم أنت من ذكراها ( في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غيا ووقتها مما استأثر الله تعالى بعلمه وقيل ) فيم ( إنكار لسؤالهم و ) أنت من ذكراها ( مستأنف ومعناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها فإن إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها وقيل إنه متصل بسؤالهم والجواب النازعات : ( 44 ) إلى ربك منتهاها ) إلى ربك منتهاها ( أي منتهى علمها النازعات : ( 45 ) إنما أنت منذر . . . . . ) إنما أنت منذر من يخشاها ( إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها وهو لا يناسب تعيين الوقت وتخصيص من يخشى لأنه المنتفع به وعن أبي عمرو ومنذر بالتنوين والإعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال النازعات : ( 46 ) كأنهم يوم يرونها . . . . . ) كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا ( في الدنيا أو في القبور ) إلا عشية أو ضحاها ( أي عشية يوم أو ضحاه كقوله ) إلا ساعة من نهار ( ولذلك أضاف الضحى إلى ال ) عشية ( لأنهما من يوم واحد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة ________________________________________ " صفحة رقم 451 " سورة عبس مكية وآيها ثنتان وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم عبس : ( 1 - 3 ) عبس وتولى ) عبس وتولى ( ) أن جاءه الأعمى ( روي أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكرمه ويقول إذا رآه مرحبا بمن عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة مرتين وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة و ) أن جاءه ( علة ل ) تولى ( أو ) عبس ( على اختلاف المذهبين وقرئ آأن بهمزتين وبألف بينهما بمعنى ألئن جاءه الأعمى فعل ذلك وذكر الأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالقوم والدلالة على أنه أحق بالرأفة والرفق أو لزيادة الإنكار كأنه قال تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله ) وما يدريك لعله يزكى ( أي وأي شيء يجعلك داريا بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك وفيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره ________________________________________ " صفحة رقم 452 " عبس : ( 4 ) أو يذكر فتنفعه . . . . . ) أو يذكر فتنفعه الذكرى ( أو يتعظ فتنفعه موعظتك وقيل الضمير في ) لعله ( للكافر أي أنك طمعت في تزكيه بالإسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن وقرأ عاصم فتنفعه بالنصب جوابا للعل عبس : ( 5 - 6 ) أما من استغنى ) أما من استغنى فأنت له تصدى ( تتعرض له بالإقبال عليه وأصله تتصدى وقرأ ابن كثير ونافع تصدى بالإدغام وقرئ تصدى أي تعرض وتدعى إلى التصدي عبس : ( 7 ) وما عليك ألا . . . . . ) وما عليك ألا يزكى ( وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم ) إن عليك إلا البلاغ ) عبس : ( 8 ) وأما من جاءك . . . . . ) وأما من جاءك يسعى ( يسرع طالبا للخير عبس : ( 9 ) وهو يخشى ) وهو يخشى ( الله أو أذية الكفار في إتيانك أو كبوة الطريق لأنه أعمى لا قائد له عبس : ( 10 ) فأنت عنه تلهى ) فأنت عنه تلهى ( تتشاغل يقال لها عنه والتهى و ) تلهى ( ولعل ذكر التصدق والتلهي للإشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني وتلهيه عن الفقير ومثله لا ينبغي له ذلك عبس : ( 11 ) كلا إنها تذكرة ) كلا ( ردع عن المعاتب عليه أو عن معاودة مثله ) إنها تذكرة ) عبس : ( 12 ) فمن شاء ذكره ) فمن شاء ذكره ( حفظه أو اتعظ به والضميران للقرآن أو العتاب المذكور وتأنيث الأول لتأنيث خبره عبس : ( 13 ) في صحف مكرمة ) في صحف ( مثبتة فيها صفة لتذكرة أو خبر ثان أو خبر لمحذوف ) مكرمة ( عند الله عبس : ( 14 ) مرفوعة مطهرة ) مرفوعة ( القدر ) مطهرة ( منزهة عن أيدي الشياطين عبس : ( 15 ) بأيدي سفرة ) بأيدي سفرة ( كتبة من الملائكة أو الأنبياء ينتسخون الكتب من اللوح أو الوحي أو سفراء يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله أو الأمة جمع سافر من السفر أو السفارة والتركيب للكشف يقال سفرت المرأة إذا كشفت وجهها ________________________________________ " صفحة رقم 453 " عبس : ( 16 ) كرام بررة ) كرام ( أعزاء على الله أو متعطفين على المؤمنين يكلمونهم ويستغفرون لهم ) بررة ( أتقياء عبس : ( 17 ) قتل الإنسان ما . . . . . ) قتل الإنسان ما أكفره ( دعاه عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران وهو مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ عبس : ( 18 - 19 ) من أي شيء . . . . . ) من أي شيء خلقه ( بيان لما أنعم عليه خصوصا من مبدأ حدوثه والاستفهام للتحقير ولذلك أجاب عنه بقوله ) من نطفة خلقه فقدره ( فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال أو ) فقدره ( أطوارا إلى أن تم خلقته عبس : ( 20 - 22 ) ثم السبيل يسره ) ثم السبيل يسره ( ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم وألهمه أن ينتكس أو ذلل له سبيل الخير والشر ونصب السبيل بفعل يفسره الظاهر للمبالغة في التيسير وتعريفه باللام دون الإضافة للإشعار بأنه سبيل عام وفيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها ولذلك عقبه بقوله ) ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره ( وعد الإماتة والإقبار في النعم لأن الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية واللذات الخالصة والأمر بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع وفي ) إذا شاء ( إشعار بأن وقت النشور غير متعين في نفسه وإنما هو موكول إلى مشيئته تعالى عبس : ( 23 ) كلا لما يقض . . . . . ) كلا ( ردع للإنسان بما هو عليه ) لما يقض ما أمره ( لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره الله أمره إذ لا يخلو أحد من تقصير ما ________________________________________ " صفحة رقم 454 " عبس : ( 24 ) فلينظر الإنسان إلى . . . . . ) فلينظر الإنسان إلى طعامه ( إتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية عبس : ( 25 ) أنا صببنا الماء . . . . . ) أنا صببنا الماء صبا ( استئناف مبين لكيفية إحداث الطعام وقرأ الكوفيون بالفتح على البدل منه بدل الاشتمال عبس : ( 26 ) ثم شققنا الأرض . . . . . ) ثم شققنا الأرض شقا ( أي بالنبات أو بالكراب وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب عبس : ( 27 ) فأنبتنا فيها حبا ) فأنبتنا فيها حبا ( كالحنطة والشعير عبس : ( 28 ) وعنبا وقضبا ) وعنبا وقضبا ( يعني الرطبة سميت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخرى عبس : ( 29 - 30 ) وزيتونا ونخلا ) وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا ( عظاما وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب عبس : ( 31 ) وفاكهة وأبا ) وفاكهة وأبا ( ومرعى من أب إذا أم لأنه يؤم وينتجع أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيئ للرعي أو فاكهة يابسة تؤوب للشتاء عبس : ( 32 ) متاعا لكم ولأنعامكم ) متاعا لكم ولأنعامكم ( فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام وبعضها علف عبس : ( 33 ) فإذا جاءت الصاخة ) فإذا جاءت الصاخة ( أي النفخة وصفت بها مجازا لأن الناس يصخون لها عبس : ( 34 - 36 ) يوم يفر المرء . . . . . ) يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ( لاشتغاله بشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم وتأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه عبس : ( 37 ) لكل امرئ منهم . . . . . ) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( يكفيه في الاهتمام به وقرئ يعنيه أي يهمه عبس : ( 38 ) وجوه يومئذ مسفرة ) وجوه يومئذ مسفرة ( مضيئة من إسفار الصبح ________________________________________ " صفحة رقم 455 " عبس : ( 39 ) ضاحكة مستبشرة ) ضاحكة مستبشرة ( لما ترى من النعيم عبس : ( 40 ) ووجوه يومئذ عليها . . . . . ) ووجوه يومئذ عليها غبرة ( غبار وكدورة عبس : ( 41 ) ترهقها قترة ) ترهقها قترة ( يغشاها سواد وظلمة عبس : ( 42 ) أولئك هم الكفرة . . . . . ) أولئك هم الكفرة الفجرة ( الذين جمعوا إلى الكفر الفجور فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر ________________________________________ " صفحة رقم 456 " سورة التكوير مكية وآيها تسع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم التكوير : ( 1 ) إذا الشمس كورت ) إذا الشمس كورت ( لفت من كورت العمامة إذا لففتها بمعنى رفعت لأن الثوب إذا أريد رفعه لف أو لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق وزال أثره وألقيت عن فلكها من طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا والتركيب للإرادة والجمع وارتفاع الشمس بفعل يفسره ما بعدها أولى لأن إذا الشرطية تطلب الفعل التكوير : ( 2 ) وإذا النجوم انكدرت ) وإذا النجوم انكدرت ( انقضت قال " أبصر خربان فضاء فانكدر " أو أظلمت من كدرت الماء فانكدر التكوير : ( 3 ) وإذا الجبال سيرت ) وإذا الجبال سيرت ( عن وجه الأرض أو في الجو التكوير : ( 4 ) وإذا العشار عطلت ) وإذا العشار ( النوق اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر جمع عشراء ) عطلت ( تركت مهملة أو السحائب عطلت عن المطر وقرئ بالتخفيف التكوير : ( 5 ) وإذا الوحوش حشرت ) وإذا الوحوش حشرت ( جمعت من كل جانب أو بعثت للقصاص ثم ردت ترابا أو أميتت من قولهم إذا أجحفت السنة بالناس حشرتهم وقرئ بالتشديد التكوير : ( 6 ) وإذا البحار سجرت ) وإذا البحار سجرت ( أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا ________________________________________ " صفحة رقم 457 " واحدا من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وروح بالتخفيف التكوير : ( 7 ) وإذا النفوس زوجت ) وإذا النفوس زوجت ( قرنت بالأبدان أو كل منها بشكلها أو بكتابها وعملها أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكافرين بالشياطين التكوير : ( 8 - 9 ) وإذا الموؤودة سئلت ) وإذا الموؤودة ( المدفونة حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق أو لحوق العار بهم من أجلهم ) سئلت بأي ذنب قتلت ( تبكيتا لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام ) أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( وقرئ سألت أي خاصمت عن نفسها وسألت وإنما قيل ) قتلت ( على الإخبار عنها وقرئ قتلت على الحكاية التكوير : ( 10 ) وإذا الصحف نشرت ) وإذا الصحف نشرت ( يعني صحف الأعمال فإنها تطوى عند الموت وتنشر وقت الحساب وقيل ) نشرت ( فرقت بين أصحابها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالتشديد للمبالغة في النشر أو لكثرة الصحف أو شدة التطاير التكوير : ( 11 ) وإذا السماء كشطت ) وإذا السماء كشطت ( قلعت وأزيلت كما يكشط الإهاب عن الذبيحة وقرئ / قشطت / واعتقاب القاف والكاف كثير التكوير : ( 12 ) وإذا الجحيم سعرت ) وإذا الجحيم سعرت ( أوقدت إيقادا شديدا وقرأ نافع وابن عامر وحفص ورويس بالتشديد التكوير : ( 13 ) وإذا الجنة أزلفت ) وإذا الجنة أزلفت ( قربت من المؤمنين التكوير : ( 14 ) علمت نفس ما . . . . . ) علمت نفس ما أحضرت ( جواب ) إذا ( وإنما صح والمذكور في سياقها اثنتا عشرة خصلة ست منها في مباديء قيام الساعة قبل فناء الدنيا وست بعده لأن المراد زمان متسع شامل لها ولمجازاة النفوس على أعمالها و ) نفس ( في معنى العموم كقولهم تمرة خير من جرادة ________________________________________ " صفحة رقم 458 " التكوير : ( 15 - 16 ) فلا أقسم بالخنس ) فلا أقسم بالخنس ( بالكواكب الرواجع من خنس إذا تأخر وهي ما سوى النيرين من الكواكب السيارات ولذلك وصفها بقوله ) الجوار الكنس ( أي السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس من كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر التكوير : ( 17 ) والليل إذا عسعس ) والليل إذا عسعس ( أقبل ظلامه أو أدبر وهو من الأضداد يقال عسعس الليل وسعسع إذا أدبر التكوير : ( 18 ) والصبح إذا تنفس ) والصبح إذا تنفس ( أي أضاء غبرته عند إقبال روح ونسيم التكوير : ( 19 ) إنه لقول رسول . . . . . ) أنه ( أي القرآن ) لقول رسول كريم ( يعني جبريل فإنه قاله عن الله تعالى التكوير : ( 20 ) ذي قوة عند . . . . . ) ذي قوة ( كقوله ) شديد القوى ( ) عند ذي العرش مكين ( عند الله ذي مكانة التكوير : ( 21 ) مطاع ثم أمين ) مطاع ( في ملائكته ) ثم أمين ( على الوحي وثم يحتمل اتصاله بما قبله وما بعده وقرىء ) ثم ( تعظيما للأمانة وتفضيلا لها على سائر الصفات التكوير : ( 22 ) وما صاحبكم بمجنون ) وما صاحبكم بمجنون ( كما تبهته الكفرة واستدل بذلك على فضل جبريل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حيث عدد فضائل جبريل واقتصر على نفي الجنون عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ضعيف إذ المقصود منه نفي قولهم ) إنما يعلمه بشر ( افترى على الله كذبا ) أم به جنة ( لا تعداد فضلهما والموازنة بينهما ________________________________________ " صفحة رقم 459 " التكوير : ( 23 ) ولقد رآه بالأفق . . . . . ) ولقد رآه ( ولقد رآى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جبريل عليه الصلاة والسلام ) بالأفق المبين ( بمطلع الشمس التكوير : ( 24 ) وما هو على . . . . . ) وما هو ( وما محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) على الغيب ( على ما يخبره من الموحى إليه وغيره من الغيوب ) بضنين ( بمتهم من الظنة وهي التهمة وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر ) بضنين ( بالضاد من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم والضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره والظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا التكوير : ( 25 ) وما هو بقول . . . . . ) وما هو بقول شيطان رجيم ( يقول بعض المسترقة للسمع وهو نفي لقولهم إنه لكهانة وسحر التكوير : ( 26 ) فأين تذهبون ) فأين تذهبون ( استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن كقولك لتارك الجادة أين تذهب التكوير : ( 27 ) إن هو إلا . . . . . ) إن هو إلا ذكر للعالمين ( تذكير لمن يعلم التكوير : ( 28 ) لمن شاء منكم . . . . . ) لمن شاء منكم أن يستقيم ( بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين لأنهم المنتفعون بالتذكير التكوير : ( 29 ) وما تشاؤون إلا . . . . . ) وما تشاؤون ( الاستقامة يا من يشاؤها ) إلا أن يشاء الله ( إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم فله الفضل والحق عليكم باستقامتكم ) رب العالمين ( مالك الخلق كله قال ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة التكوير أعاذه الله أن يفضحه حين تنشر صحيفته ________________________________________ " صفحة رقم 460 " سورة الانفطار مكية وآيها تسع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الإنفطار : ( 1 ) إذا السماء انفطرت ) إذا السماء انفطرت ( انشقت الإنفطار : ( 2 ) وإذا الكواكب انتثرت ) وإذا الكواكب انتثرت ( تساقطت متفرقة الإنفطار : ( 3 ) وإذا البحار فجرت ) وإذا البحار فجرت ( فتح بعضها إلى بعض فصار الكل بحرا واحدا الإنفطار : ( 4 ) وإذا القبور بعثرت ) وإذا القبور بعثرت ( قلب ترابها وأخرج موتاها وقيل أنه مركب من بعث وراء الإثارة كبسمل ونظيره بحثر لفظا ومعنى الإنفطار : ( 5 ) علمت نفس ما . . . . . ) علمت نفس ما قدمت ( من عمل أو صدقة ) وأخرت ( من سيئة أو تركت ويجوز أن يراد بالتأخير التضييع وهو جواب ) إذا ) الإنفطار : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . . ) يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه وذكر ) الكريم ( للمبالغة في المنع عن الاغترار فإن محض الكرم لا يقتضي إهمال الظالم وتسوية الموالي والمعادي والمطيع والعاصي فكيف إذا انضم إليه صفة القهر والانتقام والإشعار بما به يغره الشيطان فإنه يقول له افعل ما شئت فربك كريم لا يعذب أحدا ولا يعاجل بالعقوبة والدلالة على أن كثرة كرمه تستدعي الجد في طاعته لا الانهماك في عصيانه اغترارا بكرمه ________________________________________ " صفحة رقم 461 " الإنفطار : ( 7 ) الذي خلقك فسواك . . . . . ) الذي خلقك فسواك فعدلك ( صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم منبهة على أن من قدر على ذلك أولا قدر عليه ثانيا والتسوية جعل الأعضاء سليمة مسواة معدة لمنافعها والتعديل جعل البنية معدلة متناسبة الأعضاء أو معدلة بما تسعدها من القوى وقرأ الكوفيون فعدلك بالتخفيف أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت أو فصرفك عن خلقه غيرك وميزك بخلقة فارقت خلقة سائر الحيوان الإنفطار : ( 8 ) في أي صورة . . . . . ) في أي صورة ما شاء ركبك ( أي ركبك في أي صورة شاءها و ) ما ( مزيدة وقيل شرطية و ) ركبك ( جوابها و الظرف صلة عدلك وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك الإنفطار : ( 9 ) كلا بل تكذبون . . . . . ) كلا ( ردع الاغترار بكرم الله وقوله ) بل تكذبون بالدين ( إضراب إلى بيان ما هو السبب الأصلي في اغترارهم والمراد ) بالدين ( الجزاء أو الإسلام الإنفطار : ( 10 - 12 ) وإن عليكم لحافظين ) وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ( تحقيق لما يكذبون به ورد لما يتوقعون من التسامح والإهمال وتعظم الكتبة بكونهم كراما عند الله لتعظيم الجزاء الإنفطار : ( 13 - 14 ) إن الأبرار لفي . . . . . ) إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ( بيان لما يكتبون لأجله الإنفطار : ( 15 ) يصلونها يوم الدين ) يصلونها ( يقاسون حرها ) يوم الدين ) الإنفطار : ( 16 ) وما هم عنها . . . . . ) وما هم عنها بغائبين ( لخلودهم فيها وقيل معناه وما يغيبون عنها قبل ذلك إذ كانوا يجدون سمومها في القبور ________________________________________ " صفحة رقم 462 " الإنفطار : ( 17 - 18 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين ( تعجيب وتفخيم لشأن ال ) يوم ( أي كنه أمره بحيث لا تدركه دراية دار الإنفطار : ( 19 ) يوم لا تملك . . . . . ) يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( تقرير لشدة هوله وفخامة أمره إجمالا ورفع ابن كثير والبصريان ) يوم ( على البدل من ) يوم الدين ( أو الخبر المحذوف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة إذا السماء انفطرت كتب الله له بعد بعدد كل قطرة من السماء حسنة وبعدد كل قبر حسنة والله أعلم ________________________________________ " صفحة رقم 463 " سورة المطففين مختلف فيها وآيها ست وثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم المطففين : ( 1 ) ويل للمطففين ) ويل للمطففين ( التطفيف البخس في الكيل والوزن لأن ما يبخس طفيف أي حقير روي أن أهل المدينة كانوا أخبث الناس كيلا فنزلت فأحسنوه وفي الحديث خمس بخمس ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر المطففين : ( 2 ) الذين إذا اكتالوا . . . . . ) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( أي إذا اكتالوا من الناس حقوقهم يأخذونها وافية وإنما أبدل ) على ( بمن للدلالة على أن اكتيالهم لما لهم على الناس أو اكتيال يتحامل فيه عليهم المطففين : ( 3 ) وإذا كالوهم أو . . . . . ) وإذا كالوهم أو وزنوهم ( أي إذا كالوا الناس أو وزنوا لهم ) يخسرون ( فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله ________________________________________ " صفحة رقم 464 " " ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا " بمعنى جنيت لك أو كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يحسن جعل المنفصل تأكيدا للمتصل فإنه يخرج الكلام عن مقابلة ما قبله إذ المقصود بيان اختلاف حالهم في الأخذ والدفع لا في المباشرة وعدمها ويستدعي إثبات الألف بعد الواو كما هو خط المصحف في نظائره المطففين : ( 4 ) ألا يظن أولئك . . . . . ) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ( فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح فكيف بمن تيقنه وفيه انكار وتعجيب من حالهم المطففين : ( 5 ) ليوم عظيم ) ليوم عظيم ( عظمه لعظم ما يكون فيه المطففين : ( 6 ) يوم يقوم الناس . . . . . ) يوم يقوم الناس ( نصب بمبعوثون أو بدل من الجار والمجرور ويؤيده القراءة بالجر ) لرب العالمين ( لحكمه وفي هذا الانكار والتعجيب وذكر الظن ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله والتعبير عنه برب العالمين مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه المطففين : ( 7 ) كلا إن كتاب . . . . . ) كلا ( ردع عن التطفيف والغفلة عن البعث والحساب ) إن كتاب الفجار ( ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم ) لفي سجين ( كتاب جامع لأعمال الفجرة من الثقلين كما قال ________________________________________ " صفحة رقم 465 " المطففين : ( 8 - 9 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ( أي مسطور بين الكتابة أو معلم بعلم من رآه أنه لا خير فيه فعيل من السجن لقب به الكتاب لأنه سبب الحبس أو لأنه مطروح كما قيل تحت الأرضين في مكان وحش وقيل هو اسم مكان والتقدير ما كتاب السجين أو محل كتاب مرقوم فحذف المضاف المطففين : ( 10 ) ويل يومئذ للمكذبين ) ويل يومئذ للمكذبين ( بالحق أو بذلك المطففين : ( 11 ) الذين يكذبون بيوم . . . . . ) الذين يكذبون بيوم الدين ( صفة مخصصة أو موضحة أو ذامة المطففين : ( 12 ) وما يكذب به . . . . . ) وما يكذب به إلا كل معتد ( متجاوز عن النظر غال في التقليد حتى استقصر قدرة الله تعالى وعلمه فاستحال منه الإعادة ) أثيم ( منهمك في الشهوات المخدجة بحيث أشغلته عما وراءها وحملته على الإتقان لما عداه المطففين : ( 13 ) إذا تتلى عليه . . . . . ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( من فرط جهلة وإعراضه عن الحق فلا تنفعه شواهد النقل كما لم تنفعه دلائل العقل المطففين : ( 14 ) كلا بل ران . . . . . ) كلا ( ردع عن هذا القول ) بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( رد لما قالوه وبيان لما أدى بهم إلى هذا القول بأن غلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها حتى صار ذلك صدأ على قلوبهم فعمي عليهم معرفة الحق والباطل فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن العبد كلما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه والرين الصدأ وقرأ حفص ) بل ران ( بإظهار اللام المطففين : ( 15 ) كلا إنهم عن . . . . . ) كلا ( ردع عن الكسب الرائن ) إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( فلا يرونه ________________________________________ " صفحة رقم 466 " بخلاف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيلا لإهانتهم من يمنع عن الدخول على الملوك أو قدر مضافا مثل رحمة ربهم أو قرب ربهم المطففين : ( 16 ) ثم إنهم لصالوا . . . . . ) ثم إنهم لصالوا الجحيم ( ليدخلون النار ويصلون بها المطففين : ( 17 ) ثم يقال هذا . . . . . ) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ( تقوله لهم الزبانية المطففين : ( 18 ) كلا إن كتاب . . . . . ) كلا ( تكرير ليعقب بوعد الأبرار كما عقب الأول بوعيد الفجار إشعارا بأن التطفيف فجور والإيفاء بر أو ردع عن التكذيب ) إن كتاب الأبرار لفي عليين ) المطففين : ( 19 - 20 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم ( الكلام فيه ما مر في نظيره المطففين : ( 21 ) يشهده المقربون ) يشهده المقربون ( يحضرونه فيحفظونه أو يشهدون على ما فيه يوم القيامة المطففين : ( 22 - 23 ) إن الأبرار لفي . . . . . ) إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ( على الأسرة في الحجال ) ينظرون ( إلى ما يسرده من النعم والمتفرجات المطففين : ( 24 ) تعرف في وجوههم . . . . . ) تعرف في وجوههم نضرة النعيم ( بهجة النعيم وبريقه وقرأ يعقوب تعرف على البناء للمفعول و نضرة بالرفع المطففين : ( 25 - 26 ) يسقون من رحيق . . . . . ) يسقون من رحيق ( شراب خالص ) مختوم ختامه مسك ( أي مختوم أوانيه بالمسك مكان الطين ولعله تمثيل لنفاسته أو الذي له ختام أي مقطع هو رائحة المسك وقرأ الكسائي خاتمه بفتح التاء أي ما يختم به ويقطع ) وفي ذلك ( يعني الرحيق أو النعيم ) فليتنافس المتنافسون ( فليرتغب المرتغبون المطففين : ( 27 ) ومزاجه من تسنيم ) ومزاجه من تسنيم ( علم لعين بعينها سميت تسنيما لارتفاع مكانها أو رفعة شرابها ________________________________________ " صفحة رقم 467 " المطففين : ( 28 ) عينا يشرب بها . . . . . ) عينا يشرب بها المقربون ( فإنهم يشربونها صرفا لأنهم لم يشتغلوا بغير الله وتمزج لسائر أهل الجنة وانتصاب ) عينا ( على المدح أو الحال ) من تسنيم ( والكلام في الباء كما في ) يشرب بها عباد الله ) المطففين : ( 29 ) إن الذين أجرموا . . . . . ) إن الذين أجرموا ( يعني رؤساء قريش ) كانوا من الذين آمنوا يضحكون ( كانوا يستهزئون بفقراء المؤمنين المطففين : ( 30 ) وإذا مروا بهم . . . . . ) وإذا مروا بهم يتغامزون ( يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم المطففين : ( 31 ) وإذا انقلبوا إلى . . . . . ) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ( متلذذين بالسخرية منهم وقرأ حفص فكهين المطففين : ( 32 ) وإذا رأوهم قالوا . . . . . ) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ( وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال المطففين : ( 33 ) وما أرسلوا عليهم . . . . . ) وما أرسلوا عليهم ( على المؤمنين ) حافظين ( يحفظون عليهم أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم المطففين : ( 34 ) فاليوم الذين آمنوا . . . . . ) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ( حين يرونهم أذلاء مغلوبين في النار وقيل يفتح لهم باب إلى الجنة فيقال لهم اخرجوا إليها فإذا وصلوا أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم المطففين : ( 35 ) على الأرائك ينظرون ) على الأرائك ينظرون ( حال من ) يضحكون ) المطففين : ( 36 ) هل ثوب الكفار . . . . . ) هل ثوب الكفار ( أي هل أثيبوا ) ما كانوا يفعلون ( وقرأ حمزة والكسائي بادغام اللام في الثاء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 468 " سورة الانشقاق مكية وآيها خمس وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الإنشقاق : ( 1 ) إذا السماء انشقت ) إذا السماء انشقت ( بالغمام كقوله تعالى ) ويوم تشقق السماء بالغمام ( وعن علي رضي الله تعالى عنه تنشق من المجرة الإنشقاق : ( 2 ) وأذنت لربها وحقت ) وأذنت لربها ( واستمعت له أي انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها انقياد المطواع الذي يأذن للآمر ويذعن له ) وحقت ( وجعلت حقيقة بالاستماع والانقياد يقال حق بكذا فهو محقوق وحقيق الإنشقاق : ( 3 ) وإذا الأرض مدت ) وإذا الأرض مدت ( بسطت بأن تزال جبالها وآكامها الإنشقاق : ( 4 ) وألقت ما فيها . . . . . ) وألقت ما فيها وتخلت ( في الخلو أقصى جهدها حتى لم يبق شيء في باطنها الإنشقاق : ( 5 ) وأذنت لربها وحقت ) وأذنت لربها ( في الإلقاء والتخلي ) وحقت ( للإذن وتكرير ) إذا ( لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة وجوابه محذوف للتهويل بالإبهام أو الاكتفاء بما مر في سورتي التكوير والانفطار أو لدلالة قوله ________________________________________ " صفحة رقم 469 " الإنشقاق : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . . ) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ( عليه وتقديره لاقى الإنسان كدحه أي جهدا يؤثر فيه من كدحه إذا خدشه أو ) فملاقيه ( و ) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك ( اعتراض والكدح إليه السعي إلى لقاء جزائه الإنشقاق : ( 7 - 8 ) فأما من أوتي . . . . . ) فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( سهلا لا يناقش فيه الإنشقاق : ( 9 ) وينقلب إلى أهله . . . . . ) وينقلب إلى أهله مسرورا ( إلى عشيرته المؤمنين أو فريق المؤمنين أو ) أهله ( في الجنة من الحور الإنشقاق : ( 10 ) وأما من أوتي . . . . . ) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ( أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره الإنشقاق : ( 11 ) فسوف يدعو ثبورا ) فسوف يدعو ثبورا ( يتمنى الثبور ويقول يا ثبوراه وهو الهلاك الإنشقاق : ( 12 ) ويصلى سعيرا ) ويصلى سعيرا ( وقرأ الحجازيان والشامي ويصلى لقوله تعالى ) وتصلية جحيم ( وقرئ ويصلى لقوله تعالى ) ونصله جهنم ) الإنشقاق : ( 13 ) إنه كان في . . . . . ) إنه كان في أهله ( أي في الدنيا ) مسرورا ( بطرا بالمال والجاه فارغا عن الآخرة الإنشقاق : ( 14 ) إنه ظن أن . . . . . ) إنه ظن أن لن يحور ( لن يرجع إلى الله تعالى الإنشقاق : ( 15 ) بلى إن ربه . . . . . ) بلى ( إيجاب لما بعد ) لن ( ) إن ربه كان به بصيرا ( عالما بأعماله فلا يهمله بل يرجعه ويجازيه الإنشقاق : ( 16 ) فلا أقسم بالشفق ) فلا أقسم بالشفق ( الحمرة التي ترى في أفق المغرب بعد الغروب وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه البياض الذي يليها سمي به لرقته من الشفقة الإنشقاق : ( 17 ) والليل وما وسق ) والليل وما وسق ( وما جمعه وستره من الدواب وغيرها يقال وسقه فاتسق واستوسق قال مستوسقات لو يجدن سائقا أو طرده إلى أماكنه من الوسيقة الإنشقاق : ( 18 ) والقمر إذا اتسق ) والقمر إذا اتسق ( اجتمع وتم بدرا ________________________________________ " صفحة رقم 470 " الإنشقاق : ( 19 ) لتركبن طبقا عن . . . . . ) لتركبن طبقا عن طبق ( حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة وهو لما طابق غيره فقيل للحال المطابقة أو مراتب من الشدة بعد المراتب هي الموت ومواطن القيامة وأهوالها أو هي وما قبلها من الدواهي على أنه جمع طبقة وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لتركبن بالفتح على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على معنى لتركبن حالا شريفة ومرتبة عالية بعد حال ومرتبة أو ) طبقا ( من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج وبالكسر على خطاب النفس وبالياء على الغيبة و ) عن طبق ( صفة ل ) طبقا ( أو حال من الضمير بمعنى مجاوز ال ) طبق ( أو مجاوزين له الإنشقاق : ( 20 ) فما لهم لا . . . . . ) فما لهم لا يؤمنون ( بيوم القيامة الإنشقاق : ( 21 ) وإذا قرئ عليهم . . . . . ) وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ( لا يخضعون أو ) لا يسجدون ( لتلاوته لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) واسجد واقترب ( فسجد بمن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤوسهم فنزلت واحتج به أبو حنيفة على وجوب السجود فإنه ذم لمن سمعه ولم يسجد وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سجد فيها وقال والله ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسجد فيها الإنشقاق : ( 22 ) بل الذين كفروا . . . . . ) بل الذين كفروا يكذبون ( أي بالقرآن الإنشقاق : ( 23 ) والله أعلم بما . . . . . ) والله أعلم بما يوعون ( بما يضمرون في صدورهم من الكفر والعداوة ________________________________________ " صفحة رقم 471 " الإنشقاق : ( 24 ) فبشرهم بعذاب أليم ) فبشرهم بعذاب أليم ( استهزاء بهم الإنشقاق : ( 25 ) إلا الذين آمنوا . . . . . ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( استثناء منقطع أو متصل والمراد من تاب وآمن منهم ) لهم أجر غير ممنون ( مقطوع أو ) ممنون ( به عليهم وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الانشقاق أعاذه الله أن يعطيه كتابه وراء ظهره ________________________________________ " صفحة رقم 472 " سورة البروج مكية وآيها ثنتان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم البروج : ( 1 ) والسماء ذات البروج ) والسماء ذات البروج ( يعني البروج الاثني عشر شبهت بالقصور لأنها تنزلها السيارات وتكون فيها الثوابت أو منازل القمر أو عظام الكواكب سميت بروجا لظهورها أو أبواب السماء فإن النوازل تخرج منها وأصل التركيب للظهور البروج : ( 2 ) واليوم الموعود ) واليوم الموعود ( يوم القيامة البروج : ( 3 ) وشاهد ومشهود ) وشاهد ومشهود ( ومن يشهد في ذلك اليوم من الخلائق وما أحضر فيه من العجائب وتنكيرهما للإبهام في الوصف أي ) وشاهد ومشهود ( لا يكتنه وصفهما أو المبالغة في الكثرة كأنه قيل ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود أو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته أو أمته وسائر الأمم أو كل نبي وأمته أو الخالق والخلق أو عكسه فإن الخالق مطلع على خلقه وهو شاهد على وجوده أو الملك الحفيظ والمكلف أو يوم النحر أو عرفة والحجيج أو يوم الجمعة والجمع فإنه يشهد له أو كل يوم وأهله البروج : ( 4 ) قتل أصحاب الأخدود ) قتل أصحاب الأخدود ( قيل إنه جواب القسم على تقدير لقد ) قتل ( والأظهر أنه دليل جواب محذوف كأنه قيل إنهم ملعونون يعني كفار مكة لعن أصحاب الأخدود فإن السورة وردت لتثبيت المؤمنين على أذاهم وتذكيرهم بما جرى على من قبلهم والأخدود الخد وهو الشق في الأرض ونحوهما بناء ومعنى الحق والأحقوق روي مرفوعا أن ملكا ________________________________________ " صفحة رقم 473 " كان له ساحرا فلما كبر ضم إليه غلاما ليعلمه وكان في طريقه راهب فمال قلبه إليه فرأى في طريقه ذات يوم حية قد حبست الناس فأخذ حجرا وقال اللهم إن كان الراهب أحب إليه من الساحر فاقتلها فقتلها وكان الغلام بعد يبرىء الأكمه والأبرص ويشفي من الأدواء وعمي جليس الملك فأبرأه فسأله الملك عمن أبرأه فقال ربي فغضب فعذبه فدل على الغلام فعذبه فدل على الراهب فقده بالمنشار وأرسل الغلام إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فهلكوا ونجا وأجلسه في سفينة ليغرق فدعا فانكفأت السفينة بمن معه فغرقوا ونجا فقال للملك لست بقاتلي حتى تجمع الناس وتصلبني وتأخذ سهما من كنانتي وتقول بسم الله رب هذا الغلام ثم ترميني به فرماه فوقع في صدغه فمات فآمن الناس برب الغلام فأمر بأخاديد وأوقدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست فقال الصبي يا أماه اصبري فإنك على الحق فاقتحمت وعن علي رضي الله تعالى عنه كان بعض ملوك المجوس خطب الناس وقال إن الله أحل نكاح الأخوات فلم يقبلوه فأمر بأخاديد النار فطرح فيها من أبى وقيل لما تنصر نجران غزاهم ذو نواس اليهودي من حمير فأحرق في الأخاديد من لم يرتد البروج : ( 5 ) النار ذات الوقود ) النار ( بدل من ) الأخدود ( بدل الاشتمال ) ذات الوقود ( صفة لها بالعظمة وكثرة ما يرتفع بها لهبها واللام في ) الوقود ( للجنس البروج : ( 6 ) إذ هم عليها . . . . . ) إذ هم عليها ( على حافة النار ) قعود ( قاعدون البروج : ( 7 ) وهم على ما . . . . . ) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ( يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنهم لم ________________________________________ " صفحة رقم 474 " يقصروا فيما أمروا به أو يشهدون على ما يفعلون يوم القيامة حين تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم البروج : ( 8 - 9 ) وما نقموا منهم . . . . . ) وما نقموا منهم ( وما أنكروا ) إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ( استثناء على طريقه قوله " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب " ووصفه بكونه عزيزا غالبا يخشى عقابه حميدا منعما يرجى ثوابه وقرر ذلك بقوله ) الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد ( للإشعار بما يستحق أن يؤمن به ويعبد البروج : ( 10 ) إن الذين فتنوا . . . . . ) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ( بلوهم بالأذى ) ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ( بكفرهم ) ولهم عذاب الحريق ( العذاب الزائد في الاحراق بفتنتهم بل المراد ب ) الذين فتنوا ( ) أصحاب الأخدود ( وب ) عذاب الحريق ( ما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم البروج : ( 11 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير ( إذ الدنيا وما فيها تصغر دونه البروج : ( 12 ) إن بطش ربك . . . . . ) إن بطش ربك لشديد ( مضاعف عنفه فإن البطش أخذ بعنف البروج : ( 13 ) إنه هو يبدئ . . . . . ) إنه هو يبدئ ويعيد ( ) يبدئ ( الخلق ويعيده أو ) يبدئ ( البطش بالكفرة في الدنيا ويعيده في الآخرة البروج : ( 14 ) وهو الغفور الودود ) وهو الغفور ( لمن تاب ) الودود ( المحب لمن أطاع البروج : ( 15 ) ذو العرش المجيد ) ذو العرش ( خالفه وقيل المراد ب ) العرش ( الملك وقرىء ذي العرش صفة ل ) ربك ( ) المجيد ( العظيم في ذاته وصفاته فإنه واجب الوجود تام القدرة والحكمة وجره حمزة والكسائي صفة ل ) ربك ( أو ل ) العرش ( ومجده علوه وعظمته ________________________________________ " صفحة رقم 475 " البروج : ( 16 ) فعال لما يريد ) فعال لما يريد ( لا يمتنع عليه مراد من أفعاله وأفعال غيره البروج : ( 17 - 18 ) هل أتاك حديث . . . . . ) هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود ( أبدلهما من الجنود لأن المراد ب ) فرعون ( هو وقومه والمعنى قد عرفت تكذيبهم للرسل وما حاق بهم فتسل واصبر على تكذيب قومك وحذرهم مثل ما أصابهم البروج : ( 19 ) بل الذين كفروا . . . . . ) بل الذين كفروا في تكذيب ( لا يرعوون عنه ومعنى الإضراب أن حالهم أعجب من حال هؤلاء فإنهم سمعوا قصتهم ورأوا آثار هلاكهم وكذبوا أشد من تكذيبهم البروج : ( 20 ) والله من ورائهم . . . . . ) والله من ورائهم محيط ( لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط المحيط البروج : ( 21 ) بل هو قرآن . . . . . ) بل هو قرآن مجيد ( بل هذا الذي كذبوا به كتاب شريف وحيد في النظم والمعنى وقرىء ) قرآن مجيد ( بالإضافة أي قرآن رب مجيد البروج : ( 22 ) في لوح محفوظ ) في لوح محفوظ ( من التحريف وقرأ نافع محفوظ بالرفع صفة ل ) القرآن ( وقرىء ) في لوح ( وهو الهواء يعني ما فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة البروج أعطاه الله بعدد كل جمعة وعرفة تكون في الدنيا عشر حسنات ________________________________________ " صفحة رقم 476 " سورة الطارق مكية وآيها سبع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الطارق : ( 1 ) والسماء والطارق ) والسماء والطارق ( والكوكب البادي بالليل وهو في الأصل لسالك الطريق واختص عرفا بالآتي ليلا ثم استعمل للبادي فيه الطارق : ( 2 - 3 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ( المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه أو الأفلاك والمراد الجنس أو معهود بالثقب وهو زحل عبر عنه أولا بوصف عام ثم فسره بما يخصه تفخيما لشأنه الطارق : ( 4 ) إن كل نفس . . . . . ) إن كل نفس لما عليها ( أي إن الشأن كل نفس لعليها ) حافظ ( رقيب فإن هي المخففة واللام الفاصلة وما مزيدة وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لما على أنها بمعنى الأوان نافية والجملة على الوجهين جواب القسم الطارق : ( 5 ) فلينظر الإنسان مم . . . . . ) فلينظر الإنسان مم خلق ( لما ذكر أن كل نفس عليها حافظ اتبعه توصيه الإنسان بالنظر في مبدئه ليعلم صحة إعادته فلا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته الطارق : ( 6 ) خلق من ماء . . . . . ) خلق من ماء دافق ( جواب الاستفهام و ) ماء ( بمعنى ذي دفق وهو صعب فيه دفع والمراد الممتزج من الماءين في الرحم لقوله الطارق : ( 7 ) يخرج من بين . . . . . ) يخرج من بين الصلب والترائب ( من بين صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام صدرها ولو صح أن النطفة تتولد من فضل الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد لأن يتولد منها مثل تلك الأعضاء ومقرها عروق ملتف بعضها بالبعض عند ________________________________________ " صفحة رقم 477 " البيضتين فلا شك أن الدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها ولذلك تشبهه ويسرع الإفراط في الجماع بالضعف فيه ولو خليفة وهو النخاع وهو في الصلب وشعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب إلى أوعية المني فلذلك خصا بالذكر وقرىء الصلب بفتحتين و الصلب بضمتين وفيه لغة رابعة وهي صالب الطارق : ( 8 ) إنه على رجعه . . . . . ) إنه على رجعه لقادر ( والضمير للخالق ويدل عليه ) خلق ) الطارق : ( 9 ) يوم تبلى السرائر ) يوم تبلى السرائر ( تتعرف ويميز بين ما طاب من الضمائر وما خفي من الأعمال وما خبث منها وهو ظرف ل ) رجعه ) الطارق : ( 10 ) فما له من . . . . . ) فما له ( فما للإنسان ) من قوة ( من منعة في نفسه يمتنع بها ) ولا ناصر ( يمنعه الطارق : ( 11 ) والسماء ذات الرجع ) والسماء ذات الرجع ( ترجع في كل دورة إلى الموضع الذي تتحرك عنه وقيل الرجع المطر سمي به كما سمي أوبا لأن الله يرجعه وقتا فوقتا أو لما قيل من أن السحاب يحمل الماء من البحار ثم يرجعه إلى الأرض وعلى هذا يجوز أن يراد ب ) السماء ( السحاب الطارق : ( 12 ) والأرض ذات الصدع ) والأرض ذات الصدع ( ما تتصدع عنه الأرض من النبات أو الشق بالنبات والعيون الطارق : ( 13 ) إنه لقول فصل ) أنه ( إن القرآن ) لقول فصل ( فاصل بين الحق والباطل الطارق : ( 14 ) وما هو بالهزل ) وما هو بالهزل ( فإنه جد كله الطارق : ( 15 ) إنهم يكيدون كيدا ) إنهم ( يعني أهل مكة ) يكيدون كيدا ( في إبطاله وإطفاء نوره الطارق : ( 16 ) وأكيد كيدا ) وأكيد كيدا ( وأقابلهم بكيد في استدراجي لهمم وانتقامي منهم من حيث لا يحتسبون ________________________________________ " صفحة رقم 478 " الطارق : ( 17 ) فمهل الكافرين أمهلهم . . . . . ) فمهل الكافرين ( فلا تشتغل بالانتقام منهم أو لا تستعجل بإهلاكهم ) أمهلهم رويدا ( أمهالا يسيرا والتكرير وتغيير البنية لزيادة التسكين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الطارق أعطاه الله بكل نجم في السماء عشر حسنات ________________________________________ " صفحة رقم 479 " سورة الأعلى مكية وأيها تسع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الأعلى : ( 1 ) سبح اسم ربك . . . . . ) سبح اسم ربك الأعلى ( نزه اسمه عن إلحاد فيه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه على غيره زاعما أنهما فيه سواء وذكره الأعلى على وجه التعظيم وقرىء سبحان ربي الأعلى وفي الحديث لما نزلت ) فسبح باسم ربك العظيم ( قال ( صلى الله عليه وسلم ) اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت ) سبح اسم ربك الأعلى ( قال ( صلى الله عليه وسلم ) اجعلوها في سجودكم وكانوا يقولون في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت الأعلى : ( 2 ) الذي خلق فسوى ) الذي خلق فسوى ( خلق كل شيء فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتى كماله ويتم معاشه ________________________________________ " صفحة رقم 480 " الأعلى : ( 3 ) والذي قدر فهدى ) والذي قدر ( أي قدر أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها ) فهدى ( فوجهه إلى أفعاله طبعا واختيارا بخلق الميول والإلهامات ونصب الدلائل وانزال الآيات الأعلى : ( 4 ) والذي أخرج المرعى ) والذي أخرج المرعى ( أنبت ما ترعاه الدواب الأعلى : ( 5 ) فجعله غثاء أحوى ) فجعله ( بعد خضرته ) غثاء أحوى ( يابسا أسود وقيل ) أحوى ( حال من المرعى أي أخرجه ) أحوى ( أي أسود من شدة خضرته الأعلى : ( 6 ) سنقرئك فلا تنسى ) سنقرئك ( على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام أو سنجعلك قارئا بإلهام القراءة ) فلا تنسى ( أصلا من قوة الحفظ مع أنك أمي ليكون ذلك آية أخرى لك مع أن الإخبار به عما يستقبل ووقوعه كذلك أيضا من الآيات وقيل نهي والألف للفاصلة كقوله تعالى ) السبيلا ) الأعلى : ( 7 ) إلا ما شاء . . . . . ) إلا ما شاء الله ( نسيانه بأن نسخ تلاوته وقيل أراد به القلة والنذرة لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبي أنها نسخت فسأله فقال نسيتها أو نفي النسيان رأسا فإن القلة تستعمل للنفي ) إنه يعلم الجهر وما يخفى ( ما ظهر من أحوالكم وما بطن أو جهرك بالقراءة مع جبريل عليه الصلاة والسلام وما دعاك إليه من مخافة النسيان فيعلم ما فيه صلاحكم من ابقاء وإنساء الأعلى : ( 8 ) ونيسرك لليسرى ) ونيسرك لليسرى ( ونعدك لطريقة اليسرى في حفظ الوحي أو التدين وتوفقك لها ولهذه النكتة قال ) ونيسرك ( لا نيسر لك عطف على ) سنقرئك ( وأنه يعلم اعتراض الأعلى : ( 9 ) فذكر إن نفعت . . . . . ) فذكر ( بعد ما استتب لك الأمر ) إن نفعت الذكرى ( لعل هذه الشرطية إنما جاءت بعد تكرير التذكير وحصول اليأس من البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله ) وما أنت عليهم بجبار ( الآية أو لذم المذكورين واستبعاد تأثير الذكرى فيهم أو ________________________________________ " صفحة رقم 481 " للإشعار بأن التذكير إنما يجب إذا ظن نفعه ولذلك أمر بالإعراض عمن تولى الأعلى : ( 10 ) سيذكر من يخشى ) سيذكر من يخشى ( سيتعظ وينتفع بها من يخشى الله تعالى بأن يتأمل فيها فيعلم حقيقتها وهو يتناول العارف والمتردد الأعلى : ( 11 ) ويتجنبها الأشقى ) ويتجنبها ( ويتجنب ) الذكرى ( ) الأشقى ( الكافر فإنه أشقى من الفاسق أو ) الأشقى ( من الكفرة لتوغله في الكفر الأعلى : ( 12 ) الذي يصلى النار . . . . . ) الذي يصلى النار الكبرى ( نار جهنم فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم أو ما في الدرك الأسفل منها الأعلى : ( 13 ) ثم لا يموت . . . . . ) ثم لا يموت فيها ( فيستريح ) ولا يحيى ( حياة تنفعه الأعلى : ( 14 ) قد أفلح من . . . . . ) قد أفلح من تزكى ( تطهر من الكفر والمعصية أو تكثر من التقوى من الزكاة أو تطهر للصلاة أو أدى الزكاة الأعلى : ( 15 ) وذكر اسم ربه . . . . . ) وذكر اسم ربه ( بقلبه ولسانه ) فصلى ( كقوله ) وأقم الصلاة لذكري ( ويجوزأن يراد بالذكر تكبيرة التحريم وقيل ) تزكى ( تصدق للفطر ) وذكر اسم ربه ( كبره يوم العيد ) فصلى ( صلاته الأعلى : ( 16 ) بل تؤثرون الحياة . . . . . ) بل تؤثرون الحياة الدنيا ( فلا تفعلون ما يسعدكم في الآخرة والخطاب للأشقين على الالتفات أو على إضمار قل أو للكل فإن السعي للدنيا أكثر في الجملة وقرأ أبو عمرو بالياء الأعلى : ( 17 ) والآخرة خير وأبقى ) والآخرة خير وأبقى ( فإن نعيمها ملذ بالذات خالص عن الغوائل لا انقطاع له الأعلى : ( 18 ) إن هذا لفي . . . . . ) إن هذا لفي الصحف الأولى ( الإشارة إلى ما سبق من ) قد أفلح ( فإنه جامع أمر الديانة وخلاصة الكتب المنزلة ________________________________________ " صفحة رقم 482 " الأعلى : ( 19 ) صحف إبراهيم وموسى ) صحف إبراهيم وموسى ( بدل من الصحف الأولى قال ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الأعلى أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله على إبراهيم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ________________________________________ " صفحة رقم 483 " سورة الغاشية مكية وهي ست وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم الغاشية : ( 1 ) هل أتاك حديث . . . . . ) هل أتاك حديث الغاشية ( الداهية التي تغشى الناس بشدائدها يعني يوم القيامة أو النار من قوله تعالى ) وتغشى وجوههم النار ) الغاشية : ( 2 ) وجوه يومئذ خاشعة ) وجوه يومئذ خاشعة ( ذليلة الغاشية : ( 3 ) عاملة ناصبة ) عاملة ناصبة ( تعمل ما تتعب فيه كجر السلاسل وخوضها في النار خوض الأبل في الوحل والصعود والهبوط في تلالها ووهادها ما عملت ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ الغاشية : ( 4 ) تصلى نارا حامية ) تصلى نارا ( تدخلها وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر تصلى من أصلاه الله وقرىء تصل بالتشديد للمبالغة ) حامية ( متناهية في الحر الغاشية : ( 5 ) تسقى من عين . . . . . ) تسقى من عين آنية ( بلغت أناها الحر الغاشية : ( 6 ) ليس لهم طعام . . . . . ) ليس لهم طعام إلا من ضريع ( يبيس الشبرق وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا وقيل شجرة نارية تشبه الضريع ولعله طعام هؤلاء والزقوم والغسلين طعام غيرهم أو المراد طعامهم ما تتحاماه الإبل وتعافه لضره وعدم نفعه كما قال الله تعالى الغاشية : ( 7 ) لا يسمن ولا . . . . . ) لا يسمن ولا يغني من جوع ( والمقصود من الطعام أحد الأمرين الغاشية : ( 8 ) وجوه يومئذ ناعمة ) وجوه يومئذ ناعمة ( ذات بهجة أو متنعمة الغاشية : ( 9 ) لسعيها راضية ) لسعيها راضية ( رضيت بعملها لما رأت ثوابه ________________________________________ " صفحة رقم 484 " الغاشية : ( 10 ) في جنة عالية ) في جنة عالية ( علية المحل أو القدر الغاشية : ( 11 ) لا تسمع فيها . . . . . ) لا تسمع ( يا مخاطب أو الوجوه وقرأ على بناء المفعول بالياء ابن كثير وأبو عمرو ورويس وبالتاء نافع ) فيها لاغية ( لغوا أو كلمة ذات لغو أو نفسا تلغو فإن كلام أهل الجنة الذكر والحكم الغاشية : ( 12 ) فيها عين جارية ) فيها عين جارية ( يجري ماؤها ولا ينقطع والتنكير للتعظيم الغاشية : ( 13 ) فيها سرر مرفوعة ) فيها سرر مرفوعة ( رفيعة السمك أو القدر الغاشية : ( 14 ) وأكواب موضوعة ) وأكواب ( جمع كوب وهي آنية لا عروة لها ) موضوعة ( بين أيديهم الغاشية : ( 15 ) ونمارق مصفوفة ) ونمارق ( وسائد جمع نمرقة بالفتح والضم ) مصفوفة ( بعضها إلى بعض الغاشية : ( 16 ) وزرابي مبثوثة ) وزرابي ( بسط فاخرة جمع زريبة ) مبثوثة ( مبسوطة الغاشية : ( 17 ) أفلا ينظرون إلى . . . . . ) أفلا ينظرون ( نظر اعتبار ) إلى الإبل كيف خلقت ( خلقا دالا على كمال قدرتهوحسن تدبيره حيث خلقها لجر الأثقال إلى البلاد النائية فجعلها عظيمة باركة للمحل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طوال الأعناق لينوء بالأوقار ترعى كل نابت وتحتمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البوادي والمفاوز مع ما لها من منافع أخرى ولذلك خصت بالذكر لبيان الآيات المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعا ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع وقيل المراد بها السحاب على الاستعارة الغاشية : ( 18 ) وإلى السماء كيف . . . . . ) وإلى السماء كيف رفعت ( بلا عمد الغاشية : ( 19 ) وإلى الجبال كيف . . . . . ) وإلى الجبال كيف نصبت ( فهي راسخة لا تميل الغاشية : ( 20 - 21 ) وإلى الأرض كيف . . . . . ) وإلى الأرض كيف سطحت ( بسطت حتى صارت مهادا وقرىء الأفعال الأربعة على بناء الفاعل للمتكلم وحذف الراجع المنصوب والمعنى ) أفلا ينظرون ( إلى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات ليتحققوا كمال قدرة الخالق سبحانه وتعالى فلا ينكروا اقتداره على البعث ولذلك عقب به أمر المعاد ورتب عليه الأمر بالتذكير فقال ________________________________________ " صفحة رقم 485 " ) فذكر إنما أنت مذكر ( فلا عليك إن لم ينظروا ولم يذكروا إذ ما عليك إلا البلاغ الغاشية : ( 22 ) لست عليهم بمصيطر ) لست عليهم بمصيطر ( بمتسلط وعن الكسائي بالسين على الأصل وحمزة بالإشمام الغاشية : ( 23 ) إلا من تولى . . . . . ) إلا من تولى وكفر ( لكن من تولى وكفر الغاشية : ( 24 ) فيعذبه الله العذاب . . . . . ) فيعذبه الله العذاب الأكبر ( يعني عذاب الآخرة وقيل متصل فإن جهاد الكفار وقتلهم تسلط وكأنه أوعدهم بالجهاد في الدنيا وعذاب النار في الآخرة وقيل هو استثناء من قوله ) فذكر ( أي فذكر إلا من تولى وأصر فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض ويؤيد الأول أنه قرىء ) إلا من تولى ( على التنبيه الغاشية : ( 25 ) إن إلينا إيابهم ) إن إلينا إيابهم ( رجوعهم وقرىء بالتشديد على أنه فيعلل مصدر فيعل من الإياب أو فعال من الأوب قلبت واوه الأولى قلبها في ديوان ثم الثانية للإدغام الغاشية : ( 26 ) ثم إن علينا . . . . . ) ثم إن علينا حسابهم ( في المحشر وتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة في الوعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الغاشية حاسبه الله حسابا يسيرا ________________________________________ " صفحة رقم 486 " سورة الفجر مكية وآيها ثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم الفجر : ( 1 ) والفجر ) والفجر ( أقسم بالصبح أو فلقه كقوله ) والصبح إذا تنفس ( أو بصلاته الفجر : ( 2 ) وليال عشر ) وليال عشر ( عشر ذي الحجة ولذلك فسر ) الفجر ( بفجر عرفة أو النحر أو عشر رمضان الأخير وتنكيرها للتعظيم وقرئ وليال عشر بالإضافة على أن المراد بالعشر الأيام الفجر : ( 3 ) والشفع والوتر ) والشفع والوتر ( والأشياء كلها شفعها ووترها أو الخلق لقوله ) ومن كل شيء خلقنا زوجين ( والخالق لأنه فرد ومن فسرهما بالعناصر والأفلاك أو البروج والسيارات أو شفع الصلوات ووترها أو بيومي النحر وعرفة وقد روي مرفوعا أو بغيرها فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول ما رآه أظهر دلالة على التوحيد أو مدخلا في الدين أو مناسبة ________________________________________ " صفحة رقم 487 " لما قبلهما أو أكثر منفعة موجبة للشكر وقرئ ) والوتر ( بكسر الواو وهما لغتان كالحبر والحبر الفجر : ( 4 ) والليل إذا يسر ) والليل إذا يسر ( إذا يمضي كقوله ) والليل إذ أدبر ( والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة أو يرى فيه من قولهم صلى المقام وحذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفا وقد خصه نافع وأبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذفها ابن كثير ويعقوب أصلا وقرئ ) يسر ( بالتنوين المبدل من حرف الاطلاق الفجر : ( 5 - 6 ) هل في ذلك . . . . . ) هل في ذلك ( القسم أو المقسم به ) قسم ( حلف أو محلوف به ) لذي حجر ( يعتبره ويؤكد به ما يريد تحقيقه وال ) حجر ( العقل سمي به لأنه يحجر عما لا ينبغي كما سمي عقلا ونهية وحصاة من الإحصاء وهو الضبط والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن يدل عليه قوله ) ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( يعني أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم باسمه ) إرم ( عطف بيان ل ) عاد ( على تقدير مضاف أي سبط الفجر : ( 7 ) إرم ذات العماد ) إرم ( أو أهل ) إرم ( إن صح أنه اسم بلدتهم وقيل سمي أوائلهم وهم ) عادا الأولى ( باسم جدهم ومنع صرفه للعلمية والتأنيث ) ذات العماد ( ذات البناء الرفيع أو القدود الطوال أو الرفعة والثبات وقيل كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد وملك المعمورة ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فبنى على مثالها في بعض صحارى عدن جنة وسماها إرم فلما تمت سار إليها بأهله فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم ________________________________________ " صفحة رقم 488 " صيحة من السماء فهلكوا وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبله فوقع عليها الفجر : ( 8 ) التي لم يخلق . . . . . ) التي لم يخلق مثلها في البلاد ( صفة أخرى ل ) إرم ( والضمير لها سواء جعلت ) إرم ( القبيلة أو البلدة الفجر : ( 9 ) وثمود الذين جابوا . . . . . ) وثمود الذين جابوا الصخر ( قطعوه واتخذوه منازل لقوله ) وتنحتون من الجبال بيوتا ( ) بالواد ( وادي القرى الفجر : ( 10 ) وفرعون ذي الأوتاد ) وفرعون ذي الأوتاد ( لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا أو لتعذيبه بالأوتاد الفجر : ( 11 ) الذين طغوا في . . . . . ) الذين طغوا في البلاد ( صفة للمذكورين عاد ) وثمود ( ) وفرعون ( أو ذم منصوب أو مرفوع الفجر : ( 12 ) فأكثروا فيها الفساد ) فأكثروا فيها الفساد ( بالكفر والظلم الفجر : ( 13 ) فصب عليهم ربك . . . . . ) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( ما خلط لهم من أنواع العذاب وأصله الخلط وإنما سمي به الجلد المضفور الذي يضرب به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض وقيل شبه بال ) سوط ( ما أحل بهم في الدنيا إشعارا بأنه القياس إلى ما أعد لهم في الآخرة من العذاب كالسوط إذا قيس إلى السيف الفجر : ( 14 ) إن ربك لبالمرصاد ) إن ربك لبالمرصاد ( إلى المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده كالميقات من وقته وهو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب الفجر : ( 15 - 18 ) فأما الإنسان إذا . . . . . ) فأما الإنسان ( متصل بقوله ) إن ربك لبالمرصاد ( كأنه قيل إنه ) لبالمرصاد ( من الآخرة فلا يريد إلا السعي لها فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها ) إذا ما ابتلاه ربه ( اختبره بالغنى واليسر ) فأكرمه ونعمه ( بالجاه والمال ) فيقول ربي أكرمن ( فضلني بما أعطاني وهو خبر المبتدأ الذي هو ) الإنسان ( والفاء لما في أما من معنى الشرط ________________________________________ " صفحة رقم 489 " والظرف المتوسط في تقدير التأخير كأنه قيل فأما الإنسان فقائل ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام وكذا قوله ) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ( إذ التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه أي بالفقر والتقتير ليوازن قسيمه ) فيقول ربي أهانن ( لقصور نظره وسوء فقره فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين والتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه سبحانه وتعالى وردعه عنه بقوله ) كلا ( مع أن قوله الأول مطابق لأكرمه ولم يقل فأهانه وقدر عليه كما قال ) فأكرمه ونعمه ( لأن التوسعة تفضل والإخلال به لا يكون إهانة وقرأ ابن عامر والكوفيون أكرمن وأهانن بغير ياء في الوصل والوقف وعن أبي عمرو مثله ووافقهم نافع في الوقف وقرأ ابن عامر فقدر بالتشديد ) بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ( أي بل فعلهم أسوأ من قولهم وأدل على تهالكهم بالمال وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والمبرة ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلا عن غيرهم وقرأ الكوفيون ولا تحاضون الفجر : ( 19 ) وتأكلون التراث أكلا . . . . . ) وتأكلون التراث ( الميراث وأصله وراث ) أكلا لما ( ذا لم أي جمع بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك الفجر : ( 20 ) وتحبون المال حبا . . . . . ) وتحبون المال حبا جما ( كثيرا مع حرص وشره وقرأ أبو عمرو وسهل ويعقوب لا يكرمون إلى ويحبون بالياء والباقون بالتاء الفجر : ( 21 ) كلا إذا دكت . . . . . ) كلا ( ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم وما بعده وعيد عليه ) إذا دكت الأرض دكا دكا ( إي دكا بعد دك حتى صارت منخفضة الجبال والتلال أو ) هباء منبثا ) الفجر : ( 22 ) وجاء ربك والملك . . . . . ) وجاء ربك ( أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور ________________________________________ " صفحة رقم 490 " السلطان من آثار هيبته وسياسته ) والملك صفا صفا ( بحسب منازلهم ومراتبهم الفجر : ( 23 ) وجيء يومئذ بجهنم . . . . . ) وجيء يومئذ بجهنم ( كقوله تعالى ) وبرزت الجحيم ( وفي الحديث يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) يومئذ ( يدل من إذا دكت الأرض والعامل فيهما ) يتذكر الإنسان ( أي يتذكر معاصيه أو يتعظ لأنه يعلم قبحها فيندم عليها ) وأنى له الذكرى ( أي منفعة الذكرى لئلا يناقض ما قبله واستدل به على عدم وجوب قبول التوبة فإن هذا التذكر توبة غير مقبولة الفجر : ( 24 ) يقول يا ليتني . . . . . ) يقول يا ليتني قدمت لحياتي ( أي لحياتي هذه أو وقت حياتي في الدنيا أعمالا صالحة وليس في هذا التمني دلالة على استقلال العبد بفعله فإن المحجور عن شيء قد يتمنى أن كان ممكنا منه الفجر : ( 25 - 26 ) فيومئذ لا يعذب . . . . . ) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ( الهاء لله أي لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول الفجر : ( 27 ) يا أيتها النفس . . . . . ) يا أيتها النفس المطمئنة ( على إرادة القول وهي التي اطمأنت بذكر الله فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب والمسببات إلى الواجب لذاته فتستفز دون معرفته وتستغني به عن غيره أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك أو الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وقد قرئ بهما الفجر : ( 28 ) ارجعي إلى ربك . . . . . ) ارجعي إلى ربك ( إلى أمره أو موعده بالموت ويشعر ذلك بقول من قال كانت ________________________________________ " صفحة رقم 491 " النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو البعث ) راضية ( بما أوتيت ) مرضية ( عند الله تعالى الفجر : ( 29 ) فادخلي في عبادي ) فادخلي في عبادي ( في جملة عبادي الصالحين الفجر : ( 30 ) وادخلي جنتي ) وادخلي جنتي ( معهم أو في زمرة المقربين فتستضيء بنورهم فإن الجواهر القدسية كالمرايا المتقابلة أو ادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها وادخلي دار ثوابي التي أعدت لك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 492 " سورة البلد مكية وآيها عشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم البلد : ( 1 - 2 ) لا أقسم بهذا . . . . . ) لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ( أقسم سبحانه بالبلد الحرام وقيده بحلول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيه إظهارا لمزيد فضله وإشعارا بأن شرف المكان بشرف أهله وقيل ) حل ( مستحل تعرضك فيه كما يستحل تعرض الصيد في غيره أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح البلد : ( 3 ) ووالد وما ولد ) ووالد ( عطف على ) هذا البلد ( والوالد آدم أو إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ) وما ولد ( ذريته أو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والتنكير للتعظيم وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما في قوله ) والله أعلم بما وضعت ) البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( تعب ومشقة من كبد الرجل كبدا إذا وجعت كبده ومنه المكابدة والإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده وهو تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مما كان يكابده من قريش البلد : ( 5 ) أيحسب أن لن . . . . . والضمير في ) أيحسب ( لبعضهم الذي كان يكابد من أكثر أو يفتر بقوته كأبي الأشد بن كلدة فإنه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظي ويجذبه عشرة فينقطع ولا تزال قدماه أو لكل أحد منهم أو للإنسان ) أن لن يقدر عليه أحد ( فينتقم منه ________________________________________ " صفحة رقم 493 " البلد : ( 6 ) يقول أهلكت مالا . . . . . ) يقول ( أي في ذلك الوقت ) أهلكت مالا لبدا ( كثيرا من تلبد الشيء إذا اجتمع والمراد ما أنفقه سمعه ومفاخرة أو معاداة للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) البلد : ( 7 ) أيحسب أن لم . . . . . ) أيحسب أن لم يره أحد ( حين كان ينفق أو بعد ذلك فيسأله عنه يعني أن الله سبحانه وتعالى يراه فيجازيه أو يجده فيحاسبه عليه ثم بين ذلك بقوله البلد : ( 8 ) ألم نجعل له . . . . . ) ألم نجعل له عينين ( يبصر بهما البلد : ( 9 ) ولسانا وشفتين ) ولسانا ( يترجم به عن ضميره ) وشفتين ( يستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغيرها البلد : ( 10 ) وهديناه النجدين ) وهديناه النجدين ( طريقي الخير والشر أو الثديين وأصله المكان المرتفع البلد : ( 11 ) فلا اقتحم العقبة ) فلا اقتحم العقبة ( أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في أمر شديد و ) العقبة ( الطريق في الجبل استعارها بما فسرها عز وجل من الفلك البلد : ( 12 - 16 ) وما أدراك ما . . . . . والإطعام في قوله ) وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ( لما فيهما من مجاهدة النفس ولتعدد المراد بها حسن وقوع لا موقع لم فإنها لا تكاد تقع إلا مكررة إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما أو مسكينا والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي فك رقبة أو أطعم على الإبدال من ) اقتحم ( وقوله تعالى ) وما أدراك ما العقبة ( اعترض معناه إنك لم تدركنه صعوبتها وثوابها البلد : ( 17 ) ثم كان من . . . . . ) ثم كان من الذين آمنوا ( عطفه على ) اقتحم ( أو ) فك ( ب ) ثم ( لتباعد الإيمان ________________________________________ " صفحة رقم 494 " عن العتق والإطعام في الرتبة لاستقلاله واشتراط سائر الطاعات به ) وتواصوا ( وأوصي بعضهم بعضا ) بالصبر ( على طاعة الله ) وتواصوا بالمرحمة ( بالرحمة على عباده أو بموجبات رحمة الله تعالى البلد : ( 18 ) أولئك أصحاب الميمنة ) أولئك أصحاب الميمنة ( اليمين أو اليمن البلد : ( 19 ) والذين كفروا بآياتنا . . . . . ) والذين كفروا بآياتنا ( بما نصبناه دليلا على الحق من كتاب وحجة أو بالقرآن ) هم أصحاب المشأمة ( الشمال أو الشؤم ولتكرير ذكر المؤمنين باسم الإشارة والكفار بالضمير شأن لا يخفى البلد : ( 20 ) عليهم نار مؤصدة ) عليهم نار مؤصدة ( مطبقة من أوصدت الباب إذ أطبقته وأغلقته وثرأ أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة من آصدته عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ لا أقسم بهذا البلد أعطاه الله سبحانه وتعالى الأمان من غضبه يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 495 " سورة الشمس مكية وآيها خمس عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الشمس : ( 1 ) والشمس وضحاها ) والشمس وضحاها ( وضوئها إذا أشرقت وقيل الضحوة ارتفاع النهار والضحى فوق ذلك والضحاء بالفتح والمد إذا امتد النهار وكاد ينتصف الشمس : ( 2 ) والقمر إذا تلاها ) والقمر إذا تلاها ( تلا طلوعه طلوع الشمس أول الشهر أو غروبها ليلة البدر أو في الاستدارة وكمال النور الشمس : ( 3 ) والنهار إذا جلاها ) والنهار إذا جلاها ( جلى الشمس فإنها تتجلى إذا انبسط النهار أو الظلمة أو الدنيا أو الأرض وإن لم يجر ذكرها للعلم بها الشمس : ( 4 ) والليل إذا يغشاها ) والليل إذا يغشاها ( يغشى الشمس فيغطي ضوءها أو الآفاق أو الأرض ولما كانت واوات العطف نوائب للواو الأولى القسيمة الجارة بنفسها النائبة مناب فعل القسم من حيث استلزمت طرحه معها ربطن المجرورات والظرف بالمجرور والظرف المتقدمين ________________________________________ " صفحة رقم 496 " ربط الواو لما بعدها في قولك ضرب زيد عمرا وبكر وخالدا على الفاعل والمفعول من غير عطف على عاملين مختلفين الشمس : ( 5 - 7 ) والسماء وما بناها ) والسماء وما بناها ( ومن بناها وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده وكمال قدرته بناؤها ولذلك أفرد ذكره وكذا الكلام في قوله ) والأرض وما طحاها ونفس وما سواها ( وجعل الماءات مصدرية يجرد الفعل عن الفاعل الشمس : ( 8 ) فألهمها فجورها وتقواها ويخل بنظم قوله ) فألهمها فجورها وتقواها ( بقوله ) وما سواها ( إلا أن يضمر فيه اسم الله للعلم به وتنكير ) نفس ( للتكثير كما في قوله تعالى ) علمت نفس ( أو للتعظيم والمراد نفس آدم وإلهام الفجور والتقوى إفهامهما وتعريف حالهما أو التمكين من الإتيان بهما الشمس : ( 9 ) قد أفلح من . . . . . ) قد أفلح من زكاها ( أنماها بالعلم والعمل جواب القسم وحذف اللام للطول كأنه لما أراد به الحث على تكميل النفس والمبالغة فيه أقسم عليه بما يدلهم على العلم بوجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته الذي هو أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظائم آلائه ليحملهم على الاستغراق في شكر نعمائه الذي هو منتهى كمالات القوة العملية وقيل هو استطراد بذكر بعض أحوال النفس والجواب محذوف تقديره ليدمدمن الله على كفار مكة لتكذيبهم رسول ( صلى الله عليه وسلم ) كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليه الصلاة والسلام الشمس : ( 10 ) وقد خاب من . . . . . ) وقد خاب من دساها ( نقصها وأخفاها بالجهالة والفسوق وأصل دسى دسس كتقضى وتقضض الشمس : ( 11 ) كذبت ثمود بطغواها ) كذبت ثمود بطغواها ( بسبب طغيانها أو بما أوعدت به من عذابها ذي الطغوى ________________________________________ " صفحة رقم 497 " كقوله تعالى ) فأهلكوا بالطاغية ( وأصله طغياها وإنما قلبت ياؤه واوا تفرقة بين الأسم والصفة وقرىء بالضم كا الرجعى الشمس : ( 12 ) إذ انبعث أشقاها ) إذ انبعث ( حين قام ظرف ل ) كذبت ( أو طغوى ) أشقاها ( أشقى ثمود وهو قدار بن سالف أو هو ومن مالأه على قتل الناقة فإن أفعل التفضيل إذا أضفته صلح للواحد والجمع وفضل شقاوتهم لتوليهم العقر الشمس : ( 13 ) فقال لهم رسول . . . . . ) فقال لهم رسول الله ناقة الله ( أي ذروا ناقة الله واحذروا عقرها ) وسقياها ( وسقيها فلا تذودوها عنها الشمس : ( 14 ) فكذبوه فعقروها فدمدم . . . . . ) فكذبوه ( فيما حذرهم منه من حلول العذاب إن فعلوا ) فعقروها فدمدم عليهم ربهم ( فأطبق عليهم العذاب وهو من تكرير قولهم ناقة مدمومة إذا ألبسها الشحم ) بذنبهم ( بسببه ) فسواها ( فسوى الدمدمة بينهم أو عليهم فلم يفلت منهم صغير ولا كبير أو ثمود بالإهلاك الشمس : ( 15 ) ولا يخاف عقباها ) ولا يخاف عقباها ( أي عاقبة الدمدمة أو عاقبة هلاك ثمود وتبعتها فيبقي بعض الإبقاء والواو للحال وقرأ نافع وابن عامر فلا على العطف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الشمس فكأنما تصدق بكل شيء طلعت عليه الشمس والقمر ________________________________________ " صفحة رقم 498 " سورة الليل مكية وآيها إحدى وعشرين آية بسم الله الرحمن الرحيم الليل : ( 1 ) والليل إذا يغشى ) والليل إذا يغشى ( أي يغشى الشمس أو النهار أو كل ما يواريه بظلامه الليل : ( 2 ) والنهار إذا تجلى ) والنهار إذا تجلى ( ظهر بزوال ظلمة الليل أو تبين بطلوع الشمس الليل : ( 3 ) وما خلق الذكر . . . . . ) وما خلق الذكر والأنثى ( والقادر الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد أو آدم وحواء وقيل ) ما ( مصدرية الليل : ( 4 ) إن سعيكم لشتى ) إن سعيكم لشتى ( إن مساعيكم لأشتات مختلفة جمع شتيت الليل : ( 5 - 6 ) فأما من أعطى . . . . . ) فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ( تفصيل مبين لتشتت المساعي والمعنى من أعطى الطاعة واتقى المعصية وصدق بالكلمة الحسنى وهي ما دلت على حق ككلمة التوحيد الليل : ( 7 ) فسنيسره لليسرى ) فسنيسره لليسرى ( فسنهيئه للخلة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة من يسر الفرس إذا هيأه للركوب بالسرج واللجام الليل : ( 8 ) وأما من بخل . . . . . ) وأما من بخل ( بما أمر به ) واستغنى ( بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى الليل : ( 9 ) وكذب بالحسنى ) وكذب بالحسنى ( وبإنكار مدلولها الليل : ( 10 ) فسنيسره للعسرى ) فسنيسره للعسرى ( للخلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار الليل : ( 11 ) وما يغني عنه . . . . . ) وما يغني عنه ماله ( نفي أو استفهام إنكار ) إذا تردى ( هلك تفعل من الردى أو تردى في حفرة القبر أو قعر جهنم ________________________________________ " صفحة رقم 499 " الليل : ( 12 ) إن علينا للهدى ) إن علينا للهدى ( للإرشاد إلى الحق بموجب قضائنا أو بمقتضى حكمتنا أو ) إن علينا ( طريقة الهدى كقوله سبحانه وتعالى ) وعلى الله قصد السبيل ) الليل : ( 13 ) وإن لنا للآخرة . . . . . ) وإن لنا للآخرة والأولى ( فنعطي في الدارين ما نشاء لمن نشاء أو ثواب الهداية للمهتدين أو فلا يضرنا ترككم الاهتداء الليل : ( 14 ) فأنذرتكم نارا تلظى ) فأنذرتكم نارا تلظى ( تتلهب الليل : ( 15 - 16 ) لا يصلاها إلا . . . . . ) لا يصلاها ( لا يلزمها مقياسا شدتها ) إلا الأشقى ( إلا الكافر فإن الفاسق وإن دخلها لا يلزمها ولذلك سماه أشقى ووصفه بقوله ) الذي كذب وتولى ( أي كذب الحق وأعرض عن الطاعة الليل : ( 17 - 18 ) وسيجنبها الأتقى ) وسيجنبها الأتقى الذي ( اتقى الشرك والمعاصي فإنه لا يدخلها فضلا عن أن يدخلها ويصلاها ومفهوم ذلك أن من اتقى الشرك دون المعصية لا يجنبها ولا يلزم ذلك صليها فلا يخالف الحصر السابق ) يؤتي ماله ( يصرفه في مصارف الخير لقوله ) يتزكى ( فإنه بدل من ) يؤتي ( أو حال من فاعله الليل : ( 19 ) وما لأحد عنده . . . . . ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( فيقصد بإيتائه مجازاتها الليل : ( 20 ) إلا ابتغاء وجه . . . . . ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( استثناء منقطع أو متصل عن محذوف مثل لا يؤتى إلا ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة الليل : ( 21 ) ولسوف يرضى ) ولسوف يرضى ( وعد بالثواب الذي يرضيه والآيات نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين اشترى بلالا في جماعة تولاهم المشركون فأعتقهم ولذلك قيل المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف ________________________________________ " صفحة رقم 500 " عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والليل أعطاه الله سبحانه وتعالى حتى يرضى وعافاه من العسر ويسر له اليسر ________________________________________ " صفحة رقم 501 " سورة الضحى مكية وآيها إحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم الضحى : ( 1 ) والضحى ) والضحى ( ووقت ارتفاع الشمس وتخصيصه لأن النهار يقوى فيه أو لأن فيه كلم موسى عليه الصلاة والسلام ربه وألقى السحرة سجدا أو النهار ويؤيده قوله تعالى ) أن يأتيهم بأسنا ضحى ( في مقابلة ) بياتا ) الضحى : ( 2 ) والليل إذا سجى ) والليل إذا سجى ( سكن أهله أو ركد ظلامه من سجا البحر سجوا إذا سكنت أمواجه وتقديم ) الليل ( في السورة المتقدمة باعتبار الأصل وتقديم النهار ها هنا باعتبار الشرف الضحى : ( 3 ) ما ودعك ربك . . . . . ) ما ودعك ربك ( ما قطعك قطع المودع وقرئ بالتخفيف بمعنى ما تركك وهو جواب القسم ) وما قلى ( وما أبغضك وحذف المفعول استغناء بذكره من قبل ومراعاة للفواصل روي أن الوحي تأخر عنه أياما لتركه الاستثناء كما مر في سورة الكهف أو لزجره سائلا ملحا أو لأن جروا ميتا كان تحت سريره أو لغيره فقال المشركون إن ________________________________________ " صفحة رقم 502 " محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت ردا عليهم الضحى : ( 4 ) وللآخرة خير لك . . . . . ) وللآخرة خير لك من الأولى ( فإنها باقية خالصة عن الشوائب وهذه فانية مشوبة بالمضار كأنه لما بين أنه سبحانه وتعالى لا يزال يواصله بالوحي والكرامة في الدنيا وعد له ما هو أعلى وأجل من ذلك في الآخرة أو لنهاية أمرك خير من بدايته فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال الضحى : ( 5 ) ولسوف يعطيك ربك . . . . . ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواء واللام للابتلاء دخل الخبر بعد حذف المبتدأ والتقدير ولأنت سوف يعطيك لا للقسم فإنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإعطاء كائن لا محالة وإن تأخر لحكمه الضحى : ( 6 ) ألم يجدك يتيما . . . . . ) ألم يجدك يتيما فآوى ( تعديد لما أنعم عليه تنبيها على أنه كما أحسن إليه فيما مضى يحسن إليه فيما يستقبل وإن تأخر و ) يجدك ( من الوجود بمعنى العلم و ) يتيما ( مفعولك الثاني أو المصادقة و ) يتيما ( حال الضحى : ( 7 ) ووجدك ضالا فهدى ) ووجدك ضالا ( عن علم الحكم والأحكام ) فهدى ( فعلمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر وقيل وجدك ضالا في الطريق حين خرج بك أبو طالب إلى الشام أو حين فطمتك حليمة وجاءت بك لتردك إلى جدك فأزال ضلالك عن عمك أو جدك ________________________________________ " صفحة رقم 503 " الضحى : ( 8 ) ووجدك عائلا فأغنى ) ووجدك عائلا ( فقيرا ذا عيال ) فأغنى ( بما حصل لك من ربح التجارة الضحى : ( 9 ) فأما اليتيم فلا . . . . . ) فأما اليتيم فلا تقهر ( فلا تغلبه على ماله لضعفه وقرئ فلا تكهر أي فلا تعبس في وجهه الضحى : ( 10 ) وأما السائل فلا . . . . . ) وأما السائل فلا تنهر ( فلا تزجره الضحى : ( 11 ) وأما بنعمة ربك . . . . . ) وأما بنعمة ربك فحدث ( فإن التحدث بها شكرها وقيل المراد بالنعمة النبوة والتحديث بها تبليغها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والضحى جعله الله سبحانه وتعالى فيمن يرضى لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يشفع له وعشر حسنات يكتبها الله سبحانه وتعالى بعدد كل يتيم وسائل ________________________________________ " صفحة رقم 504 " سورة الشرح مكية وآيها ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم الشرح : ( 1 ) ألم نشرح لك . . . . . ) ألم نشرح لك صدرك ( ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق فكان غائبا حاضرا أو ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل أو بما يسرنا لك تلقي الوحي بعدما كان يشق عليك وقيل إنه إشارة إلى ما روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في صباه أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيمانا وعلما ولعله إشارة إلى نحو ما سبق ومعنى الاستفهام إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته ولذلك عطف عليه الشرح : ( 2 ) ووضعنا عنك وزرك ) ووضعنا عنك وزرك ( عبأك الثقيل ________________________________________ " صفحة رقم 505 " الشرح : ( 3 ) الذي أنقض ظهرك ) الذي أنقض ظهرك ( الذي حمله على النقيض وهو صوت الرحل عند الانتقاض من ثقل الحمل وهو ما ثقل عليه من فرطاته قبل البعثة أو جهله بالحكم والأحكام أو حيرته أو تلقي الوحي أو ما كان يرى من ضلال قومه من العجز عن إرشادهم أو من إصرارهم وتعديهم في إيذائه حين دعاهم إلى الإيمان الشرح : ( 4 ) ورفعنا لك ذكرك ) ورفعنا لك ذكرك ( بالنبوة وغيرها وأي رفع مثل أن قرن اسمه باسمه تعالى في كلمتي الشهادة وجعل طاعته طاعته صلى عليه في ملائكته وأمر المؤمنين بالصلاة عليه وخاطبه بالألقاب وإنما زاد ) لك ( ليكون إبهاما قبل إيضاح فيفيد المبالغة الشرح : ( 5 ) فإن مع العسر . . . . . ) فإن مع العسر ( كضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم ) يسرا ( كالشرح والوضع والتوفيق للاهتداء والطاعة فلا تيأس من روح الله إذا عراك ما يغمك وتنكيره للتعظيم والمعنى بما في إن مع من المصاحبة المبالغة في معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين الشرح : ( 6 ) إن مع العسر . . . . . ) إن مع العسر يسرا ( تكرير للتأكيد أو استئناف وعده بأن ) العسر ( متبوع بيسر آخر كثواب الآخرة كقولك إن للصائم فرحة إن للصائم فرحة أي فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء الرب وعليه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لن يغلب عسر يسرين فإن العسر معرف فلا يتعدد سواء كان للعهد أو للجنس واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد يغاير ما أريد بالأول الشرح : ( 7 ) فإذا فرغت فانصب ) فإذا فرغت ( من التبليغ ) فانصب ( فاتعب في العبادة شكرا لما عددنا عليك من ________________________________________ " صفحة رقم 506 " النعم السالفة ووعدناك من النعم الآتية وقيل إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة أو ) فإذا فرغت ( من الصلاة فانصب بالدعاء الشرح : ( 8 ) وإلى ربك فارغب ) وإلى ربك فارغب ( بالسؤال ولا تسأل غيره فإنه القادر وحده على إسعافك وقرئ فرغب أي فرغب الناس إلى طلب ثوابه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ألم نشرح فكأنما جاءني وأنا مغتم ففرج عني ________________________________________ " صفحة رقم 507 " سورة التين مختلف فيها وآيها ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم التين : ( 1 ) والتين والزيتون ) والتين والزيتون ( خصهما من الثمار بالقسم لأن التين فاكهة طيبة لا فصل له وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع فإنه يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال ويسمن البدن وفي الحديث أنه يقطع البواسير وينفع من النقرس والزيتون فاكهة وإدام ودواء وله دهن لطيف كثير المنافع مع أنه قد ينبت حيث لا دهنية فيه كالجبال وقيل المراد بهما جبلان من الأرض المقدسة أو مسجدا دمشق وبيت المقدس أو البلدان التين : ( 2 ) وطور سينين ) وطور سينين ( يعني الجبل الذي ناجى عليه موسى عليه الصلاة والسلام ربه و ) سينين ( و ) سيناء ( اسمان للموضع الذي هو فيه التين : ( 3 ) وهذا البلد الأمين ) وهذا البلد الأمين ( أي الآمن من أمن الرجل أمانة فهو أمين أو المأمون فيه يأمن فيه من دخله والمراد به مكة التين : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . ) لقد خلقنا الإنسان ( يريد به الجنس ) في أحسن تقويم ( تعديل بأن خص بانتصاب القامة وحسن الصورة واستجماع خواص الكائنات ونظائر سائر الممكنات ________________________________________ " صفحة رقم 508 " التين : ( 5 ) ثم رددناه أسفل . . . . . ) ثم رددناه أسفل سافلين ( بأن جعلناه من أهل النار أو إلى أسفل سافلين وهو النار وقيل هو أرذل العمر فيكون قوله التين : ( 6 ) إلا الذين آمنوا . . . . . ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( استثناء منقطعا ) فلهم أجر غير ممنون ( لا ينقطع أو لا يمن به عليهم وهو على الأولى حكم مرتب على الاستثناء مقرر له التين : ( 7 ) فما يكذبك بعد . . . . . ) فما يكذبك ( أي فأي شيء يكذبك يا محمد دلالة أو نطقا ) بعد بالدين ( بالجزاء بعد ظهور هذه الدلائل وقيل ما بمعنى من وقيل الخطاب للإنسان على الالتفات والمعنى فما الذي يحملك على هذا الكذب التين : ( 8 ) أليس الله بأحكم . . . . . ) أليس الله بأحكم الحاكمين ( تحقيق لما سبق والمعنى أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد ) بأحكم الحاكمين ( صنعا وتدبيرا ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة والجزاء على ما مر مرارا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والتين أعطاه الله العافية واليقين ما دام حيا فإذا مات أعطاه الله من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة ________________________________________ " صفحة رقم 509 " سورة العلق مكية وآيها تسع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم العلق : ( 1 ) اقرأ باسم ربك . . . . . ) اقرأ باسم ربك ( أي اقرأ القرآن مفتتحا باسمه سبحانه وتعالى أو مستعينا به ) الذي خلق ( أي الذي له الخلق أو الذي خلق كل شيء العلق : ( 2 ) خلق الإنسان من . . . . . ثم أفرد ما هو أشرف وأظهر صنعا وتدبيرا وأدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة فقال ) خلق الإنسان ( أو الذي ) خلق الإنسان ( فأبهم أولا ثم فسر تفخيما لخلقه ودلالة على عجيب فطرته ) من علق ( جمعه على ) الإنسان ( في معنى الجمع ولما كان أول الواجبات معرفة الله سبحانه وتعالى نزل أولا ما يدل على وجوده وفرط قدرته وكمال حكمته العلق : ( 3 ) اقرأ وربك الأكرم ) اقرأ ( تكرير للمبالغة أو الأول مطلق والثاني للتبليغ أو في الصلاة ولعله لما قيل له ) اقرأ باسم ربك ( فقال ما أنا بقارئ فقيل له اقرأ ) وربك الأكرم ( الزائد في الكرم على كل كريم فإنه سبحانه وتعالى ينعم بلا عوض ويحلم من غير تخوف بل هو الكريم وحده على الحقيقة العلق : ( 4 ) الذي علم بالقلم ) الذي علم بالقلم ( أي الخط بالقلم وقد قرئ به لتقيد به العلوم ويعلم به البعيد العلق : ( 5 ) علم الإنسان ما . . . . . ) علم الإنسان ما لم يعلم ( بخلق القوى ونصب الدلائل وإنزال الآيات فيعلمك ________________________________________ " صفحة رقم 510 " القراءة وإن لم تكن قارئا وقد عدد سبحانه وتعالى مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من أن نقله من أخس المراتب إلى أعلاها تقريرا لربوبيته وتحقيقا لأكرميته وأشار أولا إلى ما يدل على معرفته عقلا ثم نبه على ما يدل عليها سمعا العلق : ( 6 ) كلا إن الإنسان . . . . . ) كلا ( ردع لمن كفر بنعمة الله بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه العلق : ( 7 ) أن رآه استغنى ) إن الإنسان ليطغى ( ) أن رآه استغنى ( أن رأى نفسه واستغنى مفعوله الثاني لأنه بمعنى علم ولذلك جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحد العلق : ( 8 ) إن إلى ربك . . . . . ) إن إلى ربك الرجعى ( الخطاب للإنسان على الالتفات تهديدا وتحذيرا من عاقبة الطغيان و ) الرجعى ( مصدر كالبشرى العلق : ( 9 - 10 ) أرأيت الذي ينهى ) أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ( نزلت في أبي جهل قال لو رأيت محمدا ساجدا لوطئت عنقه فجاءه ثم نكص على عقبيه فقيل له ما لك فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فنزلت ولفظ العبد وتنكيره للمبالغة في تقبيح النهي والدلالة على كمال عبودية المنهي العلق : ( 11 - 14 ) أرأيت إن كان . . . . . ) أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ( أرأيت تكرير للأول وكذا الذي في قوله ) أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى ( والشرطية مفعوله الثاني وجواب ________________________________________ " صفحة رقم 511 " الشرط محذوف دل عليه جواب الشرط الثاني الواقع موقع القسيم له والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه أو آمرا ) بالتقوى ( فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الصواب كما تقول ) ألم يعلم بأن الله يرى ( ويطلع على أحواله من هداه وضلاله وقيل المعنى ) أرأيت الذي ينهى عبدا ( يصلي والمنهي على الهدى آمرا بالتقوى والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا وقيل الخطاب في الثانية مع الكافر فإنه سبحانه وتعالى كالحاكم الذي حضره الخصمان يخاطب هذا مرة والآخر أخرى وكأنه قال يا كافر أخبرني إن كان صلاته هدى ودعاؤه إلى الله سبحانه وتعالى أمرا بالتقوى أتنهاه ولعله ذكر الأمر بالتقوى في التعجب والتوبيخ ولم يتعرض له في النهي لأن النهي كان عن الصلاة والأمر بالتقوى فاقتصر على ذكر الصلاة لأنه دعوة بالفعل أو لأن نهي العبد إذا صلى يحتمل أن يكون لها ولغيرها وعامة أحوالها محصورة في تكميل نفسه بالعبادة وغيره بالدعوة العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . . ) كلا ( ردع للناهي ) لئن لم ينته ( عما هو فيه ) لنسفعا بالناصية ( لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة وقرئ لنسفعن بنون مشددة ولأسفعن وكتابته في المصحف بالألف على حكم الوقف والاكتفاء باللام عن الإضافة للعلم بأن المراد ناصية المذكور العلق : ( 16 ) ناصية كاذبة خاطئة ) ناصية كاذبة خاطئة ( بدل من الناصية وإنما جاز لوصفها وقرئت بالرفع على ________________________________________ " صفحة رقم 512 " هي ناصية والنصب على الذم ووصفها بالكذب والخطأ وهما لصاحبها على الإسناد المجازي للمبالغة العلق : ( 17 ) فليدع ناديه ) فليدع ناديه ( أي أهل نادية ليعينوه وهو المجلس الذي ينتدي فيه القوم روي أنا أبا جهل لعنه الله مر برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يصلي فقال ألم أنهك فاغلظ له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا فنزلت العلق : ( 18 ) سندع الزبانية ) سندع الزبانية ( ليجروه إلى النار وهو في الأصل الشرط واحدها زبنية كعفرية من الزبن وهو الدفع أو زبني على النسب وأصلها زباني والتاء معوضة عن الياء العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . . ) كلا ( ردع أيضا للناهي ) لا تطعه ( أي اثبت أنت على طاعتك ) واسجد ( داوم على سجودك ) واقترب ( وتقرب إلى ربك وفي الحديث أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله ________________________________________ " صفحة رقم 513 " سورة القدر مختلف فيها وآيها خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم القدر : ( 1 - 3 ) إنا أنزلناه في . . . . . ) إنا أنزلناه في ليلة القدر ( الضمير للقرآن فخمه بإضماره من غير ذكر شهادة له بالنباهة المغنية عن التصريح كما عظمه بأن أسند نزوله إليه وعظم الوقت الذي أنزل فيه بقوله ) وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ( وإنزاله فيها بأن ابتدأ بإنزاله فيها أو أنزله جملة من اللوح إلى السماء الدنيا على السفرة ثم كان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزله على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نجوما في ثلاث وعشرين سنة وقيل المعنى ) أنزلناه ( في فضلها وهي في أوتار العشر الأخير في رمضان ولعلها السابعة منها والداعي إلى إخفائها أن يحيي من يريدها ليالي كثيرة وتسميتها بذلك لشرفها أو لتقدير الأمور فيها لقوله سبحانه وتعالى ) فيها يفرق كل أمر حكيم ( وذكر الألف إما للتكثير أو لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر إسرائيليا يلبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المؤمنون وتقاصرت إليهم أعمالهم فأعطوا ليلة القدر هي خير من مدة ذلك الغازي القدر : ( 4 ) تنزل الملائكة والروح . . . . . ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ( بيان لما له فصلت على ألف شهر وتنزلهم إلى الأرض أو إلى السماء الدنيا أو تقربهم إلى المؤمنين ) من كل أمر ( من أجل كل ________________________________________ " صفحة رقم 514 " قدر في تلك السنة وقرئ من كل امرئ أي من أجل كل إنسان القدر : ( 5 ) سلام هي حتى . . . . . ) سلام هي ( ما هي إلا سلامة أي لا يقدر الله فيها إلا السلامة ويقضي في غيرها السلامة والبلاء أو ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون فيها على المؤمنين ) حتى مطلع الفجر ( أي وقت مطلعه أي طلوعه وقرأ الكسائي بالكسر على أنه كالمرجع أو اسم زمان على غير قياس كالمشرق عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القدر أعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر ________________________________________ " صفحة رقم 515 " سورة البينة مختلف فيها وآيها ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم البينة : ( 1 ) لم يكن الذين . . . . . ) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( اليهود والنصارى فإنهم كفروا بالإلحاد في صفات الله سبحانه وتعالى و ) من ( للتبيين ) والمشركين ( وعبدة الأصنام ) منفكين ( عما كانوا عليه من دينهم أو الوعد باتباع الحق إذ جاءهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) حتى تأتيهم البينة ( الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن فإنه مبين للحق أو معجزة الرسول بأخلاقه والقرآن بإفحامه من تحدى به البينة : ( 2 ) رسول من الله . . . . . ) رسول من الله ( بدل من ) البينة ( بنفسه أو بتقدير مضاف أو مبتدأ ) يتلو صحفا مطهرة ( صفته أو خبره والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإن كان أميا لكنه لما تلا مثل ما في الصحف كان كالتالي لها وقيل المراد جبريل عليه الصلاة والسلام وكون الصحف ) مطهرة ( أن الباطل لا يأتي ما فيها أو أنها لا يمسها إلا المطهرون ________________________________________ " صفحة رقم 516 " البينة : ( 3 ) فيها كتب قيمة ) فيها كتب قيمة ( مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحق البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . . ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ( عما كانوا عليه بأن آمن بعضهم أو تردد في دينه أو عن وعدهم بالإصرار على الكفر ) إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( فيكون كقوله ) وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ( وإفراد أهل الكتاب بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدلالة على شناعة حالهم وأنهم لما تفرقوا مع علمهم كان غيرهم بذلك أولى البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . . ) وما أمروا ( أي في كتبهم بما فيها ) إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ( لا يشركون به ) حنفاء ( مائلين عن العقائد الزائغة ) ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ( ولكنهم حرفوا وعصوا ) وذلك دين القيمة ( دين الملة القيمة البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . . ) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ( أي يوم القيامة أو في الحال لملابستهم ما يوجب ذلك واشتراك الفريقين في جنس العذاب لا يوجب اشتراكهما في نوعه فلعله يختلف لتفاوت كفرهما ) أولئك هم شر البرية ( أي الخليقة وقرأ نافع البريئة بالهمز على الأصل ________________________________________ " صفحة رقم 517 " البينة : ( 7 - 8 ) إن الذين آمنوا . . . . . ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( فيه مبالغات تقديم المدح وذكر الجزاء المؤذن بأن ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به والحكم عليه بأن من ) عند ربهم ( وجمع ) جنات ( وتقييدها إضافة ووصفا بما تزداد لما نعيما وتأكيد الخلود بالتأييد ) رضي الله عنهم ( استئناف بما يكون لهم زيادة على جزائهم ) ورضوا عنه ( لأنه بلغهم أقصى أمانيهم ) ذلك ( أي المذكور من الجزاء والرضوان ) لمن خشي ربه ( فإن الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة لم يكن الذين كفروا كان يوم القيامة مع خير البرية مساء ومقيلا ________________________________________ " صفحة رقم 518 " سورة الزلزلة مختلف فيها وآيها ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم الزلزلة : ( 1 ) إذا زلزلت الأرض . . . . . ) إذا زلزلت الأرض زلزالها ( اضطرابها المقدر لها عند النفخة الأولى أو الثانية أو الممكن لها أو اللائق بها في الحكمة وقرئ بالفتح وهو اسم الحركة وليس في الأبنية فعلال إلا في المضاعف الزلزلة : ( 2 ) وأخرجت الأرض أثقالها ) وأخرجت الأرض أثقالها ( ما في جوفها من الدفائن أو الأموات جمع ثقل وهو متاع البيت الزلزلة : ( 3 ) وقال الإنسان ما . . . . . ) وقال الإنسان ما لها ( لما يبهرهم من الأمر الفظيع وقيل المراد ب ) الإنسان ( الكافر فإن المؤمن يعلم ما لها الزلزلة : ( 4 ) يومئذ تحدث أخبارها ) يومئذ تحدث ( تحدث الخلق بلسان الحال ) أخبارها ( ما لأجله زلزالها وإخراجها وقيل ينطقها الله سبحانه وتعالى فتخبر بما عمل عليها و ) يومئذ ( بدل من ) إذا ( وناصبهما ) تحدث ( أو أصل و ) إذا ( منتصب بمضمر الزلزلة : ( 5 ) بأن ربك أوحى . . . . . ) بأن ربك أوحى لها ( أي تحدث بسبب إيحاء ربك لها بأن أحدث فيها ما دلت على الأخبار أو أنطقها بها ويجوز أن يكون بدلا من إخبارها إذ يقال حدثته كذا وبكذا واللام بمعنى إلى أو على أصلها إذ لها في ذلك تشف من العصاة ________________________________________ " صفحة رقم 519 " الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . . ) يومئذ يصدر الناس ( من مخارجهم من القبور إلى الموقف ) أشتاتا ( متفرقين بحسب مراتبهم ) ليروا أعمالهم ( جزاء أعمالهم وقرئ بفتح الياء الزلزلة : ( 7 - 8 ) فمن يعمل مثقال . . . . . ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( تفصيل ) ليروا ( ولذلك قرئ يره بالضم وقرأ هشام بإسكان الهاء ولعل حسنة الكافر وسيئة المجتنب عن الكبائر تؤثران في نقص الثواب والعقاب وقيل الآية مشروطة بعدم الإحباط والمغفرة أو من الأولى مخصوصة بالسعداء والثانية بالأشقياء لقوله ) أشتاتا ( وال ) ذرة ( النملة الصغيرة أو الهباء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة إذا زلزلت الأرض أربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله ________________________________________ " صفحة رقم 520 " سورة العاديات مختلف فيها وآيها إحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم العاديات : ( 1 ) والعاديات ضبحا ) والعاديات ضبحا ( أقسم سبحانه بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحا وهو صوت أنفاسها عند العدو ونصبه بفعله المحذوف أو ب ) والعاديات ( فإنها تدل بالالتزام على الضابحات أو ضبحا حال بمعنى ضابحة العاديات : ( 2 ) فالموريات قدحا ) فالموريات قدحا ( فالتي توري النار والإيراء إخراج النار يقال قدح الزند فأورى العاديات : ( 3 ) فالمغيرات صبحا ) فالمغيرات ( يغير أهلها على العدو ) صبحا ( أي في وقته العاديات : ( 4 ) فأثرن به نقعا ) فأثرن ( فيهجن ) به ( بذلك الوقت ) نقعا ( غبارا أو صياحا العاديات : ( 5 ) فوسطن به جمعا ) فوسطن به ( فتوسطن بذلك الوقت أو بالعدو أو بالنقع أي ملتبسات به ) جمعا ( من جموع الأعداء روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) بعث خيلا فمضت أشهر لم يأته منهم خبر فنزلت ويحتمل أن يكون القسم بالنفوس العادية أثر كما لهن الموريات بأفكارهن أنوار المعارف والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهن مثل أنوار القدس ) فأثرن به ( شوقا ) فوسطن به جمعا ( من مجموع العليين ________________________________________ " صفحة رقم 521 " العاديات : ( 6 ) إن الإنسان لربه . . . . . ) إن الإنسان لربه لكنود ( لكفور من كند النعمة كنودا أو لعاص بلغة كندة أو لبخيل بلغة بني مالك وهو جواب القسم العاديات : ( 7 ) وإنه على ذلك . . . . . ) وإنه على ذلك ( وإن الإنسان على كنوده ) لشهيد ( يشهد على نفسه لظهور أثره عليه أو أن الله سبحانه وتعالى على كنوده لشهيد فيكون وعيدا العاديات : ( 8 ) وإنه لحب الخير . . . . . ) وإنه لحب الخير ( المال من قوله سبحانه وتعالى ) إن ترك خيرا ( أي مالا ) لشديد ( لبخيل أو لقوي مبالغ فيه العاديات : ( 9 ) أفلا يعلم إذا . . . . . ) أفلا يعلم إذا بعثر ( بعث ) ما في القبور ( من الموتى وقرئ بحثر وبحت العاديات : ( 10 ) وحصل ما في . . . . . ) وحصل ( جمع محصلا في الصحف أو ميز ) ما في الصدور ( من خير أو شر وتخصيصه لأنه الأصل العاديات : ( 11 ) إن ربهم بهم . . . . . ) إن ربهم بهم يومئذ ( وهو يوم القيامة ) لخبير ( عالم بما أعلنوا وما أسروا فيجازيهم عليه وإنما قال ) ما ( ثم قال ) بهم ( لاختلاف شأنهم في الحالين وقرئ ) إن ( وخبير بلا لام عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والعاديات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا ________________________________________ " صفحة رقم 522 " سورة القارعة مكية وآيها ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم القارعة : ( 1 - 3 ) القارعة ) القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة ( سبق بيانه في الحاقة القارعة : ( 4 ) يوم يكون الناس . . . . . ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( في كثرتهم وذلتهم وانتشارهم واضطرابهم وانتصاب ) يوم ( بمضمر دلت عليه ) القارعة ) القارعة : ( 5 ) وتكون الجبال كالعهن . . . . . ) وتكون الجبال كالعهن ( كالصوف ذي الألوان ) المنفوش ( المندوف لتفرق أجزائها وتطايرها في الجو القارعة : ( 6 ) فأما من ثقلت . . . . . ) فأما من ثقلت موازينه ( بأن ترجحت مقادير أنواع حسناته القارعة : ( 7 ) فهو في عيشة . . . . . ) فهو في عيشة ( في عيش ) راضية ( ذات رضا أو مرضية القارعة : ( 8 ) وأما من خفت . . . . . ) وأما من خفت موازينه ( بأن لم يكن له حسنة يعبأ بها أو ترجحت سيئاته على حسناته القارعة : ( 9 - 11 ) فأمه هاوية ) فأمه هاوية ( فمأواه النار المحرقة والهاوية من أسمائها ولذلك قال ) وما أدراك ما هيه نار حامية ( ذات حمى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القارعة ثقل الله بها ميزانه يوم القيامة ________________________________________ " صفحة رقم 523 " سورة التكاثر مختلف فيها وآيها ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر ) ألهاكم ( شغلكم وأصله الصرف إلى اللهو منقول من لها إذا غفل ) التكاثر ( التباهي بالكثرة التكاثر : ( 2 ) حتى زرتم المقابر ) حتى زرتم المقابر ( إذا استوعبتم عدد الأحياء صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات عبر عن انتقالهم إلى ذكر الموتى بزيارة المقابر روي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بالكثرة فكثرهم بنو عبد مناف فقال بنو سهم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات فكثرهم بنو سهم وإنما حذف المنهي عنه وهو ما يعنيهم من أمر الدين للتعظيم والمبالغة وقيل معناه ) ألهاكم التكاثر ( بالأموال والأولاد إلى أن متم ________________________________________ " صفحة رقم 524 " وقبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا عما هو أهم لكم وهو السعي لأخراكم فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمون ) كلا ( ردع وتنبيه على أن العاقل ينبغي له أن لا يكون جميع همه ومعظم سعيه للدنيا فإن عاقبة ذلك وبال وحسرة ) سوف تعلمون ( خطأ رأيكم إذا عاينتم ما وراءكم وهو إنذار ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم التكاثر : ( 4 ) ثم كلا سوف . . . . . ) ثم كلا سوف تعلمون ( تكرير للتأكيد وفي ) ثم ( دلالة على أن الثاني أبلغ من الأول أو الأول عند الموت أو في القبر والثاني عند النشور التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . . ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( أي لو تعلمون ما بين أيديكم علم اليقين أي كعلمكم ما تستيقنونه لشغلكم ذلك عن غيره أو لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه فحذف الجواب للتفخيم التكاثر : ( 6 ) لترون الجحيم ولا يجوز أن يكون قوله ) لترون الجحيم ( جوابا له لأنه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد وأوضح به ما أنذرهم منه بعد إبهامه تفخيما وقرأ ابن عامر والكسائي بضم التاء التكاثر : ( 7 ) ثم لترونها عين . . . . . ) ثم لترونها ( تكرير للتأكيد أو الأولى إذا رأيتهم من مكان بعيد والثانية إذا وردوها أو المراد بالأولى المعرفة وبالثانية الإبصار ) عين اليقين ( أي الرؤية التي هي نفس اليقين فإن علم المشاهدة أعلى مراتب اليقين التكاثر : ( 8 ) ثم لتسألن يومئذ . . . . . ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( الذي ألهاكم والخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه و ) النعيم ( بما يشغله للقرينة والنصوص الكثيرة كقوله ) من حرم زينة الله ( ) كلوا من الطيبات ( وقيل يعمان إذ كل يسأل عن شكره وقيل الآية مخصوصة بالكفار ________________________________________ " صفحة رقم 525 " عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ ألهاكم لم يحاسبه الله سبحانه وتعالى بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية ________________________________________ " صفحة رقم 526 " سورة العصر بسم الله الرحمن الرحيم العصر : ( 1 ) والعصر ) والعصر ( أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها أو بعصر النبوة أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب والتعريض بنفي ما يضاف إليه من الخسران العصر : ( 2 ) إن الإنسان لفي . . . . . ) إن الإنسان لفي خسر ( إن الناس لفي خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم والتعريف للجنس والتنكير للتعظيم العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . . ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية ) وتواصوا بالحق ( الثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل ) وتواصوا بالصبر ( عن المعاصي أو على الحق أو ما يبلو الله به عباده وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة إلا أن يخص العمل بما يكون مقصورا على كماله ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود وإشعارا بأن ما ________________________________________ " صفحة رقم 527 " عد إما عد يؤدي إلى خسر ونقص حظ أو تكرما فإن الإبهام في جانب الخسر كرم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والعصر غفر الله له وكان ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ________________________________________ " صفحة رقم 528 " سورة الهمزة مكية وآيها تسع آيات بسم الله الرحمن الرحيم الهمزة : ( 1 ) ويل لكل همزة . . . . . ) ويل لكل همزة لمزة ( الهمز الكسر كالهزم واللمز الطعن كاللهز فشاعا في الكسر من أعراض الناس والطعن فيهم وبناء فعله يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود وقرئ همزة لمزة بالسكون على بناء المفعول وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم ونزولها في الأخنس بن شريق فإنه كان مغيابا أو في الوليد بن المغيرة واغتيابه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . . ) الذي جمع مالا ( بدل من كل أو ذم منصوب أو مرفوع وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتشديد للتكثير ) وعدده ( وجعله عدة للنوازل أو عده مرة بعد أخرى ويؤيده أنه قرئ وعدده على فك الإدغام الهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . . ) يحسب أن ماله أخلده ( تركه خالدا في الدنيا فأحبه كما يحب الخلود أو حب المال أغفله عن الموت أو طول أمله حتى حسب أنه مخلد فعمل عمل من لا يظن الموت وفيه تعريض بأن المخلد هو السعي للآخرة ________________________________________ " صفحة رقم 529 " الهمزة : ( 4 ) كلا لينبذن في . . . . . ) كلا ( ردع له عن حسبانه ) لينبذن ( ليطرحن ) في الحطمة ( في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يطرح فيها الهمزة : ( 5 ) وما أدراك ما . . . . . ) وما أدراك ما الحطمة ( ما هذه النار التي لها هذه الخاصية الهمزة : ( 6 ) نار الله الموقدة ) نار الله ( تفسير لها ) الموقدة ( التي أوقدها الله وما أوقده لا يقدر غيره أن يطفئه الهمزة : ( 7 ) التي تطلع على . . . . . ) التي تطلع على الأفئدة ( تعلو أوساط القلوب وتشتمل عليها وتخصيصها بالذكر لأن الفؤاد ألطف ما في البدن وأشده ألما أو لأنه محل العقائد الزائفة ومنشأ الأعمال القبيحة الهمزة : ( 8 ) إنها عليهم مؤصدة ) إنها عليهم مؤصدة ( مطبقة من أوصدت الباب إذا أطبقته قال " تحن إلى أجبال مكة ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء موصده " وقرأ حفص وأبو عمرو وحمزة بالهمزة الهمزة : ( 9 ) في عمد ممددة ) في عمد ممددة ( أي موثقين في أعمدة ممدودة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص وقرأ الكوفيون غير حفص بضمتين وقرئ عمد بسكون الميم مع ضم العين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الهمزة أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ________________________________________ " صفحة رقم 530 " سورة الفيل مكية وهي خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم الفيل : ( 1 ) ألم تر كيف . . . . . ) ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( الخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو وإن لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد آثارها وسمع بالتواتر أخبارها فكأنه رآها وإنما قال ) كيف ( ولم يقل ما لأن المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله تعالى وقدرته وعزة بيته وشرف رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنها من الإرهاصات إذ روي أنها وقعت في السنة التي ولد فيها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قصتها أن أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس وأراد أن يصرف الحاج إليها فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلا فأغضبه ذلك فحلف ليهدمن الكعبة فخرج بجيشه ومعه فيل قوي اسمه محمود وفيلة أخرى فلما تهيأ للدخول وعبى جيشه قدم الفيل وكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا رجعوه إلى اليمن أو إلى جهة أخرى هرول فأرسل الله تعالى طيرا مع كل واحد في منقاره حجر وفي رجليه حجران أكبر من العدسه وأصغر من الحمصة فترميهم فيقع الحجر في رأس الرجل فيخرج من دبره فهلكوا جميعا وقرئ ) ألم تر ( جدا في إظهار أثر الجازم وكيف نصب بفعل لأبتر لما فيه من معنى الاستفهام ________________________________________ " صفحة رقم 531 " الفيل : ( 2 ) ألم يجعل كيدهم . . . . . ) ألم يجعل كيدهم ( في تعطيل الكعبة وتخريبها ) في تضليل ( في تضييع وإبطال بأن دمرهم وعظم شأنها الفيل : ( 3 ) وأرسل عليهم طيرا . . . . . ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( جماعات جمع إبالة وهي الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها وقيل لا واحد لها كعبابيد وشماطيط الفيل : ( 4 ) ترميهم بحجارة من . . . . . ) ترميهم بحجارة ( وقرئ بالياء على تذكير الطير لأنه اسم جمع أو إسناده إلى ضمير ربك ) من سجيل ( من طين متحجر معرب سنككل وقيل من السجل وهو الدلو الكبير أو الاسجال وهو الارسال أو من السجل ومعناه من جملة العذاب المكتوب المدون الفيل : ( 5 ) فجعلهم كعصف مأكول ) فجعلهم كعصف مأكول ( كورق زرع وقع فيه والآكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقي صفرا منه أو كتين أكلته الدواب وراثته عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الفيل أعفاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ ________________________________________ " صفحة رقم 532 " سورة قريش مكية وآيها أربع آيات بسم الله الرحمن الرحيم قريش : ( 1 - 2 ) لإيلاف قريش ) لإيلاف قريش ( متعلق بقوله ) فليعبدوا رب هذا البيت ( والفاء لما في الكلام من معنى الشرط إذ المعنى أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل ) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( أي الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام فيمتارون ويتجرون أو بمحذوف مثل أعجبوا أو بما قبله كالتضمين في الشعر أي ) فجعلهم كعصف مأكول ( ) لإيلاف قريش ( ويؤيده أنهما في مصحف أبي سورة واحدة وقرئ ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء وقريش ولد النضر بن كنانة ________________________________________ " صفحة رقم 533 " منقول من تصغير قريش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار فشبهوا بها لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وصغر الاسم للتعظيم وإطلاق الإيلاف ثم إبدال المقيد عنه للتفخيم وقرأ ابن عامر لئلاف بغير ياء بعد الهمزة قريش : ( 3 - 4 ) فليعبدوا رب هذا . . . . . ) فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ( أي بالرحلتين والتنكير للتعظيم وقيل المراد به شدة أكلوا فيها الجيف والعظام ) وآمنهم من خوف ( أصحاب الفيل أو التخطف في بلدهم ومسايرهم أو الجذام فلا يصيبهم ببلدهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة لإيلاف قريش أعطاه الله عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها ________________________________________ " صفحة رقم 534 " سورة الماعون مختلف فيها وآيها سبع آيات بسم الله الرحمن الرحيم الماعون : ( 1 ) أرأيت الذي يكذب . . . . . ) أرأيت ( استفهام معناه التعجب وقرئ أريت بلا همزة إلحاقا بالمضارع ولعل تصديرها بحرف الاستفهام سهل أمرها وأرأيتك بزيادة الكاف ) الذي يكذب بالدين ( بالجزاء أو الإسلام والذي يحتمل الجنس والعهد ويؤيد الثاني قوله الماعون : ( 2 ) فذلك الذي يدع . . . . . ) فذلك الذي يدع اليتيم ( يدفعه دفعا عنيفا وهو أبو جهل كان وصيا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه أو أبو سفيان نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه أو الوليد بن المغيرة أو منافق بخيل وقرئ يدع أي يترك الماعون : ( 3 ) ولا يحض على . . . . . ) ولا يحض ( أهله وغيرهم ) على طعام المسكين ( لعدم اعتقاده بالجزاء ولذلك رتب الجملة على ) يكذب ( بالفاء الماعون : ( 4 - 5 ) فويل للمصلين ) فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ( أي غافلون غير مبالين بها الماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون ) الذين هم يراؤون ( يرون الناس أعمالهم ليروهم الثناء عليهم ________________________________________ " صفحة رقم 535 " الماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون ) ويمنعون الماعون ( الزكاة أو ما يتعاور في العادة والفاء جزائية والمعنى إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هي عماد الدين والرياء الذي هو شعبة من الكفر ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإسلام أحق بذلك ولذلك رتب عليها الويل أو للسببية على معنى ) فويل ( لهم وإنما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على سوء معاملتهم مع الخالق والخلق عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة أرأيت غفر له إن كان للزكاة مؤديا ________________________________________ " صفحة رقم 536 " سورة الكوثر مكية وآيها ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم الكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر ) إنا أعطيناك ( وقرئ أنطيناك ) الكوثر ( الخير المفرط الكثرة من العلم والعمل وشرف الدارين وروي عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه نهر في الجنة وعدنيه ربي فيه خير كثير أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج وألين من الزبد حافتاه الزبرجد وأوانيه من فضة لا يظمأ من شرب منه وقيل حوض فيها وقيل أولاده وأتباعه أو علماء أمته والقرآن العظيم الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر ) فصل لربك ( فدم على الصلاة خالصا لوجه الله تعالى خلاف الساهي عنها المرائي فيها شكرا لانعامه فإن الصلاة جامعة لأقسام الشكر ) وانحر ( البدن التي هي خيار ________________________________________ " صفحة رقم 537 " أموال العرب وتصدق على المحاويج خلافا لمن يدعهم ويمنع عنهم الماعون فالسورة كالمقابلة للسورة المتقدمة وقد فسرت الصلاة بصلاة العيد والنحر بالتضحية الكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . . ) إن شانئك ( إن من أبغضك لبغضه الله ) هو الأبتر ( الذي لا عقب له إذ لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك إلى يوم القيامة ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الكوثر سقاه الله من كل نهر له في الجنة ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان قربه العباد في يوم النحر العظيم ________________________________________ " صفحة رقم 538 " سورة الكافرون مكية وآيها ست آيات بسم الله الرحمن الرحيم الكافرون : ( 1 ) قل يا أيها . . . . . ) قل يا أيها الكافرون ( يعني كفرة مخصوصين قد علم الله منهم أنهم لا يؤمنون روي أن رهطا من قريش قالوا يا محمد تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فنزلت الكافرون : ( 2 ) لا أعبد ما . . . . . ) لا أعبد ما تعبدون ( أي فيما يستقبل فأن لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال كما أن ) ما ( لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الحال الكافرون : ( 3 ) ولا أنتم عابدون . . . . . ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( أي فيما يستقبل لأنه في قرآن ) لا أعبد ) الكافرون : ( 4 ) ولا أنا عابد . . . . . ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( أي في الحال أو فيما سلف ________________________________________ " صفحة رقم 539 " الكافرون : ( 5 ) ولا أنتم عابدون . . . . . ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( أي وما عبدتم في وقت ما أنا عابده ويجوز أن يكونا تأكيدين على طريقة أبلغ وأما لم يقل ما عبدت ليطابق ) ما عبدتم ( لأنهم كانوا موسومين قبل المبعث بعبادة الأصنام وهو لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله وإنما قال ) ما ( دون من لأن المراد الصفة كأنه قال لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق أو للمطابقة وقيل إنها مصدرية وقيل الأوليان بمعنى الذي والآخريان مصدريتان الكافرون : ( 6 ) لكم دينكم ولي . . . . . ) لكم دينكم ( الذي أنتم عليه لا تتركونه ) ولي دين ( ديني الذي أنا عليه لا أرفضه فليس فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد ليكون منسوخا بآية القتال اللهم إلا إذا فسر بالمتاركة وتقرير كل من الفريقين الآخر على دينه وقد فسر ال ) دين ( بالحساب الجزاء الدعاء العبادة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن وتباعدت عنه مردة الشياطين وبرئ من الشرك ________________________________________ " صفحة رقم 540 " صفحة فارغة ________________________________________ " صفحة رقم 541 " سورة النصر مدنية وآيها ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . . ) إذا جاء نصر الله ( إظهاره إياك على أعدائك ) والفتح ( فتح مكة وقيل المراد جنس نصر الله المؤمنين وفتح مكة وسائر البلاد عليهم وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزا للإشعار بأن المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها فتقرب منها شيئا فشيئا وقد قرب النصر من وقته فكن مترقبا لوروده مستعدا لشكره النصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . . ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( جماعات كثيفة كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن وسائر قبائل العرب ) يدخلون ( حال على أن ) رأيت ( بمعنى أبصرت أو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . . ) فسبح بحمد ربك ( فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد حامدا له أو فصل له حامدا على نعمه روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما دخل مكة بدأ بالمسجد فدخل الكعبة وصلى ثمان ركعات أو فنزهه تعالى عما كانت الظلمة يقولون فيه حامدا له على أن صدق وعده أو ________________________________________ " صفحة رقم 542 " فأثن على الله تعالى بصفات الجلال حامدا له على صفات الإكرام ) واستغفره ( هضما لنفسك واستقصارا لعملك واستدراكا لما فرط منك من الالتفات إلى غيره وعنه عليه ( صلى الله عليه وسلم ) إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة وقيل استغفره لأمتك وتقديم التسبيح على الحمد ثم الحمد على الاستغفار على طريق النزول من الخالق إلى الخلق كما قيل ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ) إنه كان توابا ( لمن استغفره مذ خلق المكلفين والأكثر على أن السورة نزلت قبل فتح مكة وأنه نعي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لما قرأها بكى العباس رضي الله عنه فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ما يبكيك فقال نعيت إليك نفسك فقال إنها لكما تقول ولعل ذلك لدلالتها على تمام الدعوة وكمال أمر الدين فهي كقوله تعالى ) اليوم أكملت لكم دينكم ( أو لأن الأمر بالاستغفار تنبيه على دنو الأجل ولهذا سميت سورة التوديع ________________________________________ " صفحة رقم 543 " وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة إذا جاء أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يوم فتح مكة شرفها الله تعالى ________________________________________ " صفحة رقم 544 " سورة المسد مكية وأيها خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . . ) تبت ( هلكت أو خسرت والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك ) يدا أبي لهب ( نفسه كقوله تعالى ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( وقيل إنما خصتا لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل عليه ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا واخذ حجرا ليرميه به فنزلت وقيل المراد بهما دنياه وأخراه وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ولأن اسمه عبد العزى فاستكره ذكره ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله أو ليجانس قوله ) ذات لهب ( وقرئ أبو لهب كما قيل علي بن أبي طالب ) وتب ( إخبار بعد دعاء والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه كقوله " جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء الكلاب العاويات وقد فعل " ويدل عليه أنه قرئ وقد تب أو الأول إخبار عما كسبت يداه والثاني عن عمل نفسه ________________________________________ " صفحة رقم 545 " المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . . ) ما أغنى عنه ماله ( نفي لإغناء المال عنه حين نزل به التباب أو استفهام إنكار له ومحلها النصب ) وما كسب ( وكسبه أو مكسوبه بماله من النتائج والأرباح والوجاهة والإتباع أو عمله الذي ظن أنه ينفعه أو ولده عتبة وقد افترسه أسد في طريق الشام وقد أحدق به العير ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة وترك ثلاثا حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه فهو إخبار عن الغيب طابقه وقوعه المسد : ( 3 ) سيصلى نارا ذات . . . . . ) سيصلى نارا ذات لهب ( اشتعال يريد نار جهنم وليس فيه ما يدل على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون صليها للفسق وقرئ ) سيصلى ( بالضم مخففا و ) سيصلى ( مشددا المسد : ( 4 ) وامرأته حمالة الحطب ) وامرأته ( عطف على المستتر في ) سيصلى ( أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان ) حمالة الحطب ( يعني حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتحمل زوجها على إيذائه أو النميمة فإنها كانت توقد نار الخصومة أو حزمة الشوك أو الحسك فإنها كانت تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ عاصم بالنصب على الشتم المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . . ) في جيدها حبل من مسد ( أي مما مسد أي فتل ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيرا لشأنها أو بيانا لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب ________________________________________ " صفحة رقم 546 " جهنم كالزقوم والضريع وفي جيدها سلسلة من النار والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ________________________________________ " صفحة رقم 547 " سورة الإخلاص مختلف فيها وآيها أربع آيات بسم الله الرحمن الرحيم الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . . ) قل هو الله أحد ( الضمير للشأن كقولك هو زيد منطلق وارتفاعه بالابتداء وخبره الجملة ولا حاجة إلى العائد لأنها هي هو أو لما سئل عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أي الذي سألتموني عنه هو الله إذ روي أن قريشا قالوا يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت وأحد بدل أو خبر ثان يدل على مجامع صفات الجلال كما دل الله على جميع صفات الكمال إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة ________________________________________ " صفحة رقم 548 " المقتضية للألوهية وقرئ هو الله بلا ) قل ( مع الأتفاق على أنه لا بد منه في ) قل يا أيها الكافرون ( ولا يجوز في تبت ولعل ذاك لأن سورة الكافرون مشاقة الرسول أو موادعته لهم وتبت معاتبة عمه فلا يناسب أن تكون منه وأما هذا فتوحيد يقول به تارة ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد ) الله الصمد ( السيد المصمود إليه في الحوائج من صمد إليه إذا قصد وهو الموصوف به على الإطلاق فإنه يستغنى عن غيره مطلقا وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته وتكرير لفظة ) الله ( للإشعار بأن من لم يتصف به لم يستحق الألوهية وإخلاء الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى أو الدليل عليها الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . . ) لم يلد ( لأنه لك يجانس ولم يفتقر إلى ما يعينه أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه ولعل الاقتصاد على لفظ الماضي لوروده ردا على من قال الملائكة بنات الله أو المسيح ابن الله أو ليطابق قوله ) ولم يولد ( وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ولا يسبقه عدم ________________________________________ " صفحة رقم 549 " الإخلاص : ( 4 ) ولم يكن له . . . . . ) ولم يكن له كفوا أحد ( أي ولم يكن أحد يكافئه أو يماثله من صاحبة أو غيرها وكان أصله أن يؤخر الظرف لأنه صلة ) كفوا ( لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدم تقديما للأهم ويجوز أن يكون حالا من المستكن في ) كفوا ( أو خبرا ويكون ) كفوا ( حالا من ) أحد ( ولعل ربط الجمل الثلاث بالعطف لأن المراد منها نفي أقسام المكافأة فهي كجملة واحدة منبهة عليها بالجمل وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية كفوا بالتخفيف وحفص ) كفوا ( بالحركة وقلب الهمزة واوا ولاشتمال هذه السورمع قصرها على جميع المعارف الإلهية والردعلى من ألحد فيها جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن فإن مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات من ذلك وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سمع رجلا يقرؤها فقال وجبت قيل يا رسول الله وما وجبت قال وجبت له الجنة ________________________________________ " صفحة رقم 550 " سورة الفلق مختلف فيها وآيها خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . . ) قل أعوذ برب الفلق ( ما يفلق عنه أي يفرق كالفرق فعل بمعنى مفعول وهو يعم جميع الممكنات فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها سيما ما يخرج من أصل كالعيون والأمطار والنبات والأولاد ويختص عرفا بالصبح ولذلك فسر به وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدل وحشة الليل بسرور النور ومحاكاة فاتحة يوم القيامة والإشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه تعالى لأن الإعاذة من المضار قريبة الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . . ) من شر ما خلق ( خص عالم الخلق بالاستعاذة عنه لانحصار الشرفية فإن عالم الأمر خير كله وشره اختياري لازم ومتعد كالكفر والظلم وطبيعي كإحراق النار وإهلاك السموم الفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . . ) ومن شر غاسق ( ليل عظيم ظلامه من قوله ) إلى غسق الليل ( وأصله الامتلاء ________________________________________ " صفحة رقم 551 " يقال غسقت العين إذا امتلأت دمعا وقيل السيلان و ) غسق الليل ( انصباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه ) إذا وقب ( دخل ظلامه في كل شيء وتخصيصه لأن المضار فيه تكثر ويعسر الدفع ولذلك قيل الليل أخفى للويل وقيل المراد به القمر فإنه يكسف فيغسق ووقوبه دخوله في الكسوف الفلق : ( 4 ) ومن شر النفاثات . . . . . ) ومن شر النفاثات في العقد ( ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها والنفث النفخ مع ريق وتخصيصه لما روي أن يهوديا سحر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر فمرض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونزلت المعوذتان وأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بموضع السحر فأرسل عليا رضي الله تعالى عنه فجاء به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها وإفرادها بالتعريف لأن كل نفاثة شريرة بخلاف كل غاسق وحاسد ________________________________________ " صفحة رقم 552 " الفلق : ( 5 ) ومن شر حاسد . . . . . ) ومن شر حاسد إذا حسد ( إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه فإنه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود بل يخص به لاغتمامه بسروره وتخصيصه لأنه العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان غيره ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور وما يضاهيه كالقوى وب ) النفاثات ( النباتات فإن قواها النباتية من حيث أنها تزيد في طولها وعرضها وعمقها كانت تنفث في العقد الثلاثة وبالحاسد الحيوان فإنه إنما يقصد غيره غالبا طمعا فيما عنده ولعل إفرادها من عالم الخلق لأنها الأسباب القريبة للمضرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقد أنزلت علي سورتان ما أنزل مثلهما وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما يعني المعوذتين ________________________________________ " صفحة رقم 553 " سورة الناس مختلف فيها وآيها ست آيات بسم الله الرحمن الرحيم الناس : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . . ) قل أعوذ ( وقرئ في السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتهما إلى اللام ) برب الناس ( لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية وهي تعم الإنسان وغيره والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار التي تعرض للنفوس البشرية وتخصها عمم الإضافة ثم وخصصها بالناس ها هنا فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم الناس : ( 2 - 3 ) ملك الناس ) ملك الناس إله الناس ( عطفا بيان له فإن الرب قد لا يكون ملكا والملك قد لا يكون إلها وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة قادرا عليها غير ممنوع عنها وإشعار على مراتب الناظر في المعارف فإنه يعلم أولا بما عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا ثم يتغلل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل وذات كل شيء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير ويتدرج وجوه الاستعاذة كما يتدرج في الاستعاذة المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعارا بعظم الآفة المستعاذة منها وتكرير ) الناس ( لما في الإظهار من مزيد البيان والإشعار بشرف الإنسان الناس : ( 4 ) من شر الوسواس . . . . . ) من شر الوسواس ( أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة وأما المصدر فبالكسر ________________________________________ " صفحة رقم 554 " كالزلزال والمراد به الموسوس وسمي بفعله مبالغة ) الخناس ( الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه الناس : ( 5 ) الذي يوسوس في . . . . . ) الذي يوسوس في صدور الناس ( إذا غفلوا عن ذكر ربهم وذلك كالقوة الوهمية فإنها تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه ومحل ) الذي ( الجر على الصفة أو النصب أو الرفع على الذم الناس : ( 6 ) من الجنة والناس ) من الجنة والناس ( بيان ل ) الوسواس ( أو الذي أو متعلق ب ) يوسوس ( أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة والناس وقيل بيان ل ) الناس ( على أن المراد به ما يعم الثقلين وفيه تعسف إلا أن يراد به الناسي كقوله تعالى ) يوم يدع الداع ( فإن نسيان حق الله تعالى يعم الثقلين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ المعوذتين فكأنما قرا الكتب التي أنزلها الله تبارك وتعالى ________________________________________