مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن العمل لا يكون صالحًا ولا مقبولاً إلا إذا توفر فيه، ركنان هما: الأول: الإخلاص لله عز وجل. الثاني: المتابعة للنبي . قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لا بد أن يكون خالصًا لله صوابًا على شريعة رسوله ». وقد دل على هذين الركنين قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]. وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وغيرها من الآيات. ولهذا كان لزامًا على العبد أن يحقق هذين الركنين في جميع أعماله. وأن يجاهد نفسه في ذلك وخاصة أن الإخلاص من أشق الأمور على النفوس، وهذه المشقة لا يعاني منها إلا العلماء العالمون بالهو تعالى، بل إن كثيرًا من العلماء والصالحين لاقوا هذه المعاناة. يقول سفيان الثوري – رحمه الله -: «ما عالجت شيئًا عليّ أشد من إنها تتقلب علي». وقال سهل بن عبد الله: «ليس على النفس شيئًا أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب». وقال يوسف بن الحسين الرازي: «أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء. وكأنه ينبت فيه على لون آخر». ولأجل ذلك احتاج المخلص إلى قوة إرادة وعزيمة قوية، وإحياء لواعظ الله – عز وجل – في قلبه وإلى محاسبة للنفس ليردها إلى الطريق المستقيم كلما أرادت الانحراف إلى الرياء والسمعة والعُجب وغيرها من الأمراض التي تفسد الأعمال أو تنقص أجرها. والمخلص كذلك يحتاج إلى متابعة ومطالعة سير وأخبار السلف الصالح وما كانوا عليه من الإخلاص وإخفاء الأعمال. ومما يعين المخلص على الإخلاص معرفة نواقضه، ومن أعظم نواقض الإخلاص الرياء. وكما قال الشاعر: والضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتبين الأشياء لذا رأيت أن أكتب كلمات يسيرة عن الرياء وما يتعلق به تنبيهًا لنفسي من هذا الداء العضال ولإخواني المسلمين ممن يقرءون هذه الكلمات. وقد كانت الهمة منصرفة في أول الأمر للكتابة في الإخلاص والرياء معًا ولكن بعد طول تأمل وجدت أن الإخلاص قد كتب فيه ما يكفي فآثرت الكتابة عن الرياء، سائلاً المولى جل وعلا أن يعصمنا من الرياء وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. كتب زاهر بن محمد الخشرمي الشهري أبو محمد 19/10/1419ﻫ ص.ب: 1341 الدمام: 31493 تعريف الرياء الرياء لغة: الرياء مصدر راءى، ومصدره يأتي على بناء مفاعلة وفعال. وهو مهموز العين؛ لأنه من الرؤية، ويجوز تخفيفها بقلبها ياء. وحقيقة الرياء لغة: أن يرى غيره خلاف ما هو عليه. يقول الفيروزآبادي: وراءيته مراءاة ورياء: أريته على خلاف ما أنا عليه. الرياء اصطلاحًا: تنوعت عبارات السلف في تعريف الرياء. ومدارها على شيء واحد هو: أن يقوم العبد بالعبادة التي يتقرب بها لله، لا يريد الله – عز وجل – بل يريد عرضًا دنيويًّا. قال العز بن عبد السلام: «الرياء إظهار عمل العبادة لينال مُظهرها عرضًا دنيويًّا إما بجلب نفع دنيوي أو تعظيم أو إجلال»( ). وقال القرطبي: «حقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس»( ). وقال الحارث المحاسبي: «الرياء إرادة العبد العباد بطاعة الله»( ). وقال الغزالي: «هو طلب الجاه والمنزلة بالعبادات»( ). وقال أيضًا: «وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم خصال الخير». وقال الحافظ ابن حجر: «هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها»( ). وقال الصنعاني: «الرياء أن يفعل الطاعة، ويترك المعصية مع ملاحظة غير الله. أو يخبر بها، أو يحب أن يُطَّلَع عليها لمقصد دنيوي من مال أو نحوه»( ). فجمع الإمام الصنعاني – رحمه الله – في تعريفه بين الرياء والسمعة. * * * الفرق بين الرياء والسمعة عن جندب بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال النبي : «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»( ). وفي لفظ: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به»( ). أما الرياء فسبق تعريفه، وخلاصته: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها. وأما السُّمْعة فهي مشتقة من سمع. والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع، والرياء بحاسة البصر( ). وعلى هذا فالتسميع لا يكون إلا في الأمور التي تسمع كقراءة القرآن، وذكر الله تعالى، والوعظ وغيرها. والرياء يكون في الأعمال التي ترى كالصلاة والصدقة ونحوها. إلا أن بعض العلماء يرى أن التسميع أوسع من هذا، فيدخل فيه تحدث الإنسان عن أعماله وإخباره بها التي لم يطلع عليها المتحدث. وممن ذهب إلى هذا العز بن عبد السلام، كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله: «وقال ابن عبد السلام: الرياء أن يعمل لغير الله، والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس»( ). قال الدكتور عمر الأشقر: «وعلى ذلك فالرياء لا يدخل في العبادات القلبية كالخوف والرجاء بخلاف التسميع؛ لأن العبد قد يحدث عما يكنه قلبه يريد بذلك ثناء الناس يقول العز بن عبد السلام: «أعمال القلوب مصونة من الرياء، إذ لا رياء إلا بأفعال ظاهرة تُرى أو تُسمع. والتسميع عام لأعمال القلوب والجوارح وقد عدَّ الصوم من الأعمال التي لا تظهر إلا بالتسميع. وقسم التسميع إلى قسمين: الأول: تسميع الصادقين، وهو أن يعمل الطاعة خالصة له، ثم يظهرها. ويسمّع الناس بها، ليعظموه، ويوقره، وينفعوه، ولا يؤذوه. قال: وهذا محرم. وقد جاء الحديث: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به» وهذا تسميع الصادقين. الثاني: تسميع الكاذبين وهو أن يقول: صليت ولم يصل، وزكيت ولم يزك. وصمت ولم يصم، وحججت ولم يحج، وغزوت ولم يغز. فهذا أشد ذنبًا من الأول. لأنه زاد على إثم التسميع إثم الكذب. فأتى بذلك معصيتين قبيحتين. وجاء في الحديث الصحيح: «المتسمَّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»( ). يقول العز بن عبد السلام في ذلك: لو راءى بعبادات، ثم سمع موهمًا لإخلاصها، فإنه يأثم بالتسميع والرياء جميعًا، وإثم هذا أشد من الكاذب الذي لم يفعل ما سمع به، لأن هذا أثم بريائه وتسميعه وكذبه ثلاثة آثام»( ). * * * ذم الرياء والمرائين جاءت آيات كثيرة وأحاديث تذم الرياء والمرائين. وتبين أنه من صفات المنافقين، بل عدّه شركًا؛ وذلك لأن هذا المرائي لم يقصد الله وحده دون سواه بعمله. والإخلاص يقتضي أن يريد العابد الله لا شريك له. والمرائي جعل العبادات مطية لتحصيل أغراضه. فقد استعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، وهذا تلاعب بالشريعة ووضع للأمور في غير مواضعها. ومن النصوص القرآنية التي تتوعد المرائين: 1- قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون: 4-7]. فتوعد الله المرائين في هذه الآيات بالويل. وهم الذين يعملون الأعمال لأجل رئاء الناس. 2- وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ. قال مجاهد بن جبر: هم أهل الرياء. 3- وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. قال مجاهد وغيره: «نزلت في أهل الرياء». وقال قتادة: «من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء». 4- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ [البقرة: 264]. 5- وقال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ [النساء: 142]. 6- قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ [النساء: 38]. وغيرها من الآيات. وأما الأحاديث فهي كثيرة ومنها: 1- عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة – رضي الله عنه – فقال له: ناتل أهل الشام( ): أيها الشيخ حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله  قال: نعم. سمعت رسول الله  يقول: «إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت. ولكنك قاتلت حتى يقال إنك جريء فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها: قال: تعلمت القرآن وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكن تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله. فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت. ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار»( ). وفي رواية: أن شفيًّا الأشبحي حدث: «أنه في المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة. قال: فدنوت منه. حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أسألك بحقَّ وبحقَّ لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله  عقلته وعلمته. فقال أبو هريرة: أفعلُ، لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله  عقلته وعلمته ثم نَشَغ( ) أبو هريرة نشغة، فمكثنا قليلاً، ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله  أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره. ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًّا( ) على وجهه. فأسندته طويلاً. ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله : «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد، ليقضي بينهم وكل أمة جاثية. فأول من يُدعى به رجل جمع القرآن. ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله عز وجل للقارئ: ألم أعُلَّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله عز وجل له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال: فلان قارئ وقد قيل ذلك. ويؤتي بصاحب المال، فيقول الله عز وجل: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتيك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان: جواد، وقد قيل ذلك. ويؤتي بالذي قُتل في سبيل الله، فيقول الله له:فبماذا قتلت؟ فيقول: أي رب، أمرتُ بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء فقد قيل ذلك» ثم ضرب رسول الله  على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة». قال الوليد أبو عثمان المديني: وأخبرني عقبة أن شفيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا. قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافًا لمعاوية قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فعل هؤلاء هذا. فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هالك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بشرًّ ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال: صدق الله ورسوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ). قال الإمام النووي – رحمه الله -: «قوله  في الغازي والعالم والجواد، وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»( ). أ.هـ. 2- وعن رُبَيْح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده، قال: خرج علينا رسول الله  ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» فقلنا: بلى يا رسول الله. فقال: «الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل»( ). قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «سمي الرياء شركًا خفيًّا، لأن صاحبه يظهر أن عمله لله، ويخفي في قلبه أنه لغيره، وإنما تزين بإظهاره أنه لله بخلاف الشرك الجلي»( ). 3- وعن محمود بن لبيد أن رسول الله  قال: «يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر» قالوا: يا رسول الله. وما شرك السرائر؟ قال: «يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر»( ). 4- وفي رواية قال : «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً»( ). قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرياسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله. كل هذا – أي الشرك الأصغر – أخوف ما يخاف على الصالحين، لقوة الداعي إلى ذلك، والمعصوم من عصمه الله. وهذا بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، ولهذا يكون الإلقاء في النار أسهل عندهم من الكفر. وإما ضعيف. هذا مع العافية». وإما مع البلاء فـ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. فلذلك صار خوفه  على أصحابه من الرياء أشد لقوة الداعي وكثرته، دون الشرك الأكبر لما تقدم. مع أنه أخبر أنه لا بد من وقوع عبادة الأوثان في أمته، فدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه الشرك الأكبر إذا كان الأصغر خوفًا على الصالحين من الصحابة مع كمال إيمانهم، فينبغي للإنسان أن يخاف الأكبر لنقصان إيمانه ومعرفته بالله ...( ). اهـ. ودلنا هذا الحديث على أن الرياء من الشرك الأصغر. ولكن هل يمكن أن يصل إلى الشرك الأكبر؟ قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «ظاهر الحديث لا يمكن؛ لأنه قال: (الشرك الأصغر) فسئل عنه فقال: (الرياء)، لكن في عبارات ابن القيم – رحمه الله – أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء ( )، فلهذا يدل على أن كثيرة ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكميَّة فنعم: لأنه لو كان يرائى في كل عمل فكان مشركًا شركًا أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقًا ...»( ). اهـ. قال ابن القيم الجوزية – رحمه الله – مبينًا أن الشرك في العبادة بالرياء أسهل من الشرك في الربوبية: «وأما الشرك في العبادة: فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف أمرًا، فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس وهذا هو الشرك الذي قال فيه النبي  فيمار رواه ابن حبان في صحيحه: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة». قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: «قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» فالرياء كله شرك. قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]. أي كما أنه إله واحد، ولا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنّة. وكان من دعاء عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: «اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا»( ).أ.هـ 5- وعن يعلى بن شداد عن أبيه قال: «كنا نعد الرياء في زمن النبي  الشرك الأصغر»( ). وغيرها من الأحاديث التي تجدها في ثنايا هذه الرسالة. ولهذا كان الرياء محرمًا لاشتماله على عدة محاذير – مع ما سبق من الأدلة -. نجملها في النقاط التالية: 1- أن في الرياء استهزاء بالله تعالى: قال قتادة: إذا راءى العبد، قال تعالى: انظروا إليه كيف يستهزئ بي. لأن المرائي يظهر غير ما يبطن. أرأيت لو أن أحد خدام الملك القائمين في خدمته لو كان قاصدًا بوقوفه فيها – أي الخدمة – ملاحظة أمة أو أمرد للملك. كان ذلك عند كل من له أدنى مسكة من عقل استهزاء بذلك الملك؛ لأنه لم يقصد تقربًا إليه بوجه مع إيهامه أنه على غاية من التقرب. ولله المثل الأعلى. وما ذكره قتادة جاء مرفوعًا إلى النبي  من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – بلفظ: «من أحسن صلاته حيث يراها الناس، وأساءها إذا خلا فإنما ذلك استهانة يستهين بها ربه». قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى: وفيه: إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف»( ). وقال الحافظ ابن حجر: «هذا حديث حسن»( ). وقال البوصيري: «رواه إسحاق وأبو يعلى بإسناد حسن»( ). وإبراهيم بن مسلم الهجري قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب ص116: «لين الحديث رفع موقوفات». وعلق سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله على كلام الحافظ هذا بقوله: «هذه العبارة فيها تساهل والصواب أنه ضعيف الحديث لا يحتج به؛ لأن البخاري وأبو حاتم الرازي والنسائي قالوا فيه: منكر الحديث. وضعفه الآخرون من الأئمة كما في التهذيب»( ). اهـ. وعلى ذلك فالحديث إسناده ضعيف ولا يصح رفعه إلى النبي ، وقد ضعفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع( ). 2- أن في الرياء تلبيس على الخلق لإيهامه لهم أنه مخلص مطيع لله تعالى وليس هو كذلك. * * * خوف السلف من الرياء لما علم السلف الصالح خطر الرياء وما ورد فيه من آيات وأحاديث ستروا أعمالهم( ) حذرًا عليها من الرياء وبهرجوها بضدها مما لا يخالف الشرع. وكانوا يدفعون عن أنفسهم كل ما يوجب الإشارة إليهم ويهربون من المكان الذي يشار إليهم فيه، ويتهمون أنفسهم في الإخلاص. عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوب الذي انقضَّ البارحة؟ فقلت: أنا. ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة. ولكني لُدغتُ ... ( ) الحديث. فرحم الله حصين بن عبد الرحمن فلما بين أنه كان مستيقظًا من الليل أعقب ذلك بقوله: «أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت». لئلا يظن أنه قائم يصلي فيحمد بما لم يفعل. وليس فعله هذا من باب المراءاة. بل هو من باب الحسنات. وإليك نماذج من سير أولئك الرجال بحق، لنرى البون الشاسع بين حالنا وحالهم: 1- قالت سُرّيّة الربيع بن خثيم: كان عمل الربيع كله سرًّا، وإنه كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه. وعن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم، وهو يقرأ في المصحف، واستأذن عليه رجل فغطى المصحف، وقال: لا يرى هذا أنني أقرأ فيه كل ساعة. 3- وعن زائدة بن قدامة قال: صام منصور بين المعتمر أربعين سنة قام ليلها وصام نهارها. وكان الليل يبكي فتقول له أمه: يا بني أقتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعتْ نفسي. قال: فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس. فأخذه يوسف بن عمر عامل الكوفة يريده على القضاء فامتنع. قال: فجاءه خصمان فقعدا بين يديه فلم يسألهما ولم يكلمهما وقيل ليوسف بن عمر: إنك لو نثرت لحمه لم يلِ لك قضاء فخلى عنه. وكان رحمه الله إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائمًا على أطرافه. كل ذلك يخفي عليهم العمل. 4- وأقام عمرو بن قيس الملائي عشرين سنة صائمًا ما يعلم به أهله يأخذ غداءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغدائه، ويصوم وأهله لا يدرون. 5- وصام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله وكان خزازًا، وكان يحمل غداءه معه فيتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاء( ) لا يعلمون أنه صائم. 6- وكان أيوب بن أبي تميمة السختياني يقوم الليل يخفي ذلك، فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته كأنه إنما قام تلك الساعة. 7- وكان حسان بن أبي سنان يفتح باب حانوته فيضع الدواة وينشر حسابه، ويرخي ستره، ثم يصلي، فإذا أحس بإنسان قد جاء يقبل على الحساب يريه أنه كان في الحساب. 8- وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره فقالوا؟ ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جروب الدقيق ليلاً على ظهره، يعطيه فقراء أهل المدينة. 9- قال هشام الدستوائي: والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبت يومًا قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل. قال الذهبي: والله ولا أنا. قلت: فما عساني أن أقول أنا والقارئ الكريم. 10- وكان محمد بن أسلم أبو الحسن الطوسي يدخل بيتًا ويغلق بابه ويدخل معه كوزًا من ماء فلم أدر ما يصنع – يقوله الراوي – حتى سمعت ابنًا له صغيرًا يبكي. فنهته أمه، فقلت لها: ما هذا البكاء؟ فقالت: إن أبا الحسن يدخل البيت فيقرأ القرآن ويبكي فسمعه الصبي فيحكيه. وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل ولا يُرى على وجهه أثر البكاء. وكان يصل قومًا ويعطيهم ويكسوهم فيبعث إليهم ويقول للرسول: انظر ألا يعلمون من بعثه إليهم؟ ويأتيهم هو بالليل فيذهب به إليهم ويخفي نفسه. فربما بليت ثيابهم ونفد ما عندهم ولا يدرون من الذي أعطاهم؟ لا أعلم منذ صحبته وصل أحدًا بأقل من مائة درهم إلا أن لا يمكنه ذلك. قلت: وبعض الناس في زماننا ينتظر الفرصة المناسبة ليتحدث عن مشاريعه الخيرية. وأياديه البيضاء ولا يكتم شيئًا من أعماله لا بقصد الاقتداء، ولكن بقصد طلب المدح والتعظيم من الناس وهذا هو الرياء. 11- وعن علي بن محمد بن منصور قال: سمعت أبي يقول: كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض، فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته أخرجها فطرحها على الأرض. 12- وكان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس وكان ينزل الرقة في خان. فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة، فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلاً فخرج إلى النفير. فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلَّفه ألا يخبر أحدًا ما عبد الله حيًّا. وأدلج عبد الله وأخرج الفتى من الحبس. وقيل له: عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك. وقد خرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة. فقال: يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان؟ قال: نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسًا بدين، قال: وكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس. فقال له عبد الله: أحمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحدًا بعد حتى موت عبد الله بن المبارك. 13- عن عبد الله بن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن أنه قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به. ولقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعلموه في السر فيكون علانية أبدًا. لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [الأعراف: 55]. 14- وعن عبدة بن سليمان قال: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم عليه الناس، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يُشنع علينا؟ أسباب الرياء النفوس مجبولة على حب الرئاسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله، وقد أحسن الشاعر حيث يقول: يهوى الثناء مبزر ومقصر حب الثناء طبيعة الإنسان والأسباب التي تدعو إلى الرياء مغروسة في أعماق النفس الإنسانية فهي حبيبة إلى نفس الإنسان، نذكر منها: 1- النشأة الأولى: إذ قد ينشأ الولد في أحضان بيت دأبه وديدنه الرياء أو السمعة. فما يكون منه إلا التقليد والمحاكاة، وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه، وتصبح وكأنما هي جزء لا يتجزأ من شخصيته، ولعل هذا هو السر في وصية الإسلام بأن يكون الدين هو أساس اقتران الرجل بالمرأة. 2- الصحبة أو الرفقة السيئة: فقد تحتويه صحبة أو رفقة سيئة لا همَّ لها إلا الرياء أو السمعة. فيقلدهم ويحاكيهم لا سيما إذا كان ضعيف الشخصية، شديد التأثر بغيره، وبتوالي الأيام يتمكن هذا الداء من نفسه، ويطبعها بطابعه. 3- عدم المعرفة الحقيقية بالله عز وجل: إذ إن الجهل بالله أو نقصان المعرفة به يؤدي إلى عدم تقديره حق قدره. ومن ثم يظن هذا الجاهل – بالله الذي لم يعرفه حق المعرفة، ولم يقدره حق قدره – أن العباد يملكون شيئًا من الضر أو النفع، فيحرص على مراءاتهم وتسميعهم كل ما يصدر عنه من الصالحات ليمنحوه شيئًا مما يتصوّر أنهم مالكوه. 4- الرغبة في الصدارة أو المنصب: فقد تدفع الرغبة في الصدارة أو في المنصب إلى الرياء أو السمعة، حتى يثق به من بيدهم هذا الأمر، فيجعلوه في الصدارة أو يبوئوه المنصب. 5- الطمع فيما في أيدي الناس: فقد يحمله الطمع فيما بين أيدي الناس، والحرص على الدنيا على الرياء أو السمعة ليثق به الناس وترّق قلوبهم له، فيعطونه ما يملأ جيبه، ويشبع بطنه، وقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري( ) حيث قال السائل للنبي : يا رسول الله: الرجل يقاتل حمية فيأنف أن يقهر أو يذم بأنه غُلب أو غُلب قومه. فيقاتل لذلك. 6- إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس: فقد يدعوه حب المحمدة أو الثناء من الناس إلى الرياء أو السمعة، حتى يكون حديث كل لسان. وذكر كل مجلس، فتنتفش نفسه وتنتفخ بذلك – والعياذ بالله – وإلى هذا السبب يشير بقية الحديث المتقدم: «والرجل يقاتل ليرى مكانه» وهذا طلب الحمد بالقلب ومعرفة القدر. قال: «ورجل يقاتل للذكر» وهذا طلب بالألسن. قال: من في سبيل الله؟ فقال النبي : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله». قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: «لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضبّ والحوت. فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص. فإن قلت: وما الذي يُسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتي العبد منها شيئًا سواه. وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحُه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي : إن مدحي يزين وذمَّي شين. فقال: «ذلك الله عز وجل». فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه، وكل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب. قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ»( ).أ.هـ . 7- إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال: وقد يكون إظهار الآخرين إعجابهم به، وبما يصدر عنه من أعمال، هو الباعث على الرياء أو السمعة، كي يكون هناك مزيد من هذا الإعجاب. وحتى يحمي الإسلام البشر من هذا الداء، منع إبراز هذا الإعجاب، فإن كان ولا بد فليكن معه الاحتراز والحيطة بأن يقول: «أحسب فلانًا كذا، والله حسيبه، لا أزكي على الله أحدًا». ولذا كثيرًا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ويفرق بينهما بقوله: «فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس»( ). فالعجب آفة تحبط العمل كما جاء عن النبي  أنه قال: «ثلاث مُنجيات وثلاث مُهلكات؛ فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضى والسخط، والقصد في الغنى والفقر. وأما المهلكات: فهوى مُتَّبع، وشح مطاعٌ، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدُّهن»( ). قال الإمام النووي – رحمه الله -: «اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله»( ). 8- الخوف من قالة الناس لا سيما الأقران: وقد يكون الخوف من قالة الناس، لا سيما الأقران هو الباعث على الرياء أو السمعة، حتى يظهر أمامهم بالصورة التي تُرضيهم وتُسكت ألسنتهم عنه. وإذا ما خلا بنفسه انتهك محارم الله: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 108]. 9- الجهل أو الغفلة عن عواقب وآثار الرياء والسمعة: فإن من جهل أو غفل عن عاقبة شيءٍ ما -لا سيما إذا كانت هذه العاقبة ضارة- تعاطى هذا الشيء، ولازمه حتى يصير خلقًا له. أقسام الرياء قال الصنعاني – رحمه الله -: «والرياء باب واسع إذا عرفت ذلك فبعض أبواب الرياء أعظم من بعض لاختلافه باختلاف أركانه وهي ثلاثة: المرائى به، والمرائى لأجله، ونفس قصد الرياء»( ). أما أقسام المرائى به فهو ينقسم إلى درجات متفاوتة في القبح، فأقبحها: 1- الرياء في الإيمان: وهو شأن المنافقين الذين أكثر الله من ذمهم في كتابه العزيز. قال الله تعالى في وصف المنافقين: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة: 14]. وقد توعد – عز وجل – المنافقين بقوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]. 2- ويليهم المراءون بأصول العبادات الواجبة كأن يعتاد تركها في الخلوة ويفعلها في الملأ خوف المذمة. 3- ويليهم المراءون بالنوافل، كأن يعتاد ذلك فيها وحدها خوف الاستنقاص بعدم فعلها في الملأ وإيثارًا للكسل. وعدم الرغبة في ثوابها في الخلوة. 4- ويليهم المراءون بأوصاف العبادات كتحسينها وإطالة أركانها وإظهار التخشع فيها. وهذه الأقسام هي على سبيل الإجمال، ويمكن تفصيلها أو تفصيل بعضها. بعد ذكر تقسيم ابن قيم الجوزية – رحمه الله – للرياء فإنه يُقسم الرياء إلى قسمين: رياء محمود، ورياء مذموم. فالرياء المحمود: أن يعمل العبد عملاً مع مشاهدة الناس له، وهذه المشاهدة لا تبعث على العمل ولا تعين الباعث، بل لا فرق عنده بين وجودها وعدمها فهذه لا تدخله في التزين بالمراءاة. ولا سيما عند المصلحة الراجحة في هذه المشاهدة: إما حفظًا ورعاية: كمشاهدة مريض أو مشرف على هلكته يخاف وقوعه فيها أو مشاهدة عدو يخاف هجومه كصلاة الخوف عند المواجهة أو مشاهدة ناظر إليك يريد أن يتعلم منك، فتكون محسنًا إليه بالتعليم وإلى نفسك بالإخلاص. أو قصدًا منك للاقتداء وتعريف الجاهل. فهذا رياء محمود والله عند نية القلب وقصده. وأما الرياء المذموم: أن يكون الباعث على العمل قصد التعظيم والمدح والرغبة فيما عند من ترائيه أو الرهبة منه. قال – رحمه الله -: «وأما ما ذكر من قصد رعايته أو تعليمه أو إظهار السنة، وملاحظة هجوم العدو ونحو ذلك، فليس في هذه المشاهدة رياء. بل قد يتصدق العبد رياءً مثلاً وتكون صدقته فوق صدقة صاحب السر. مثال السر: رجل مضرور. سأل قومًا ما هو محتاج إليه. فعلم رجل منهم أنه إن أعطاه سرًّا، حيث لا يراه أحد، لم يقتد به أحد. ولم يحصل له سوى تلك العطية، وأنه إن أعطاه جهرًا اقتدى به واتبع، وأنف الحاضرون من تفرده عنهم بالعطية. فجهر له بالعطاء وكان الباعث له على الجهر إرادة سعة العطاء عليه من الحاضرين؛ فهذه مراءاة محمودة حيث لم يكن الباعث عليها قصد التعظيم والثناء، وصاحبها جدير بأن يحصل له مثل أجور أولئك المعطين»( ). أ.هـ. * * * الأمور التي يرائي بها الإنسان الأمور التي يرائي بها الإنسان كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن نذكر بعضها من باب الذكرى، مع التنبيه أنه لا يشترط فيمن ظهرت عليه علامة من العلامات الوارد ذكرها أنه يكون مرائيًا، ويحكم عليه بذلك؛ لأن الأمر يرجع إلى قصد العبد ونيته. والله – سبحانه وتعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ومن هذه الأمور: 1- أنه قد يرائي العبد بنحول الجسم واصفراره، ليوهم الناس أنه جاد في العبادة، متعب نفسه في القيام بها. 2- قد يرائي بضعف الصوت، وغور العينين( )، وذبول الشفتين، لُيستدل بذلك على الصيام( ). 3- قد يرائي بتشعيث الرأس وحلق الشارب واستئصال الشعر ليظهر بذلك تتبع زي العباد والنساك –على زعمه-. وربما ترك تسريح لحيته. 4- قد يحرص على إبراز أثر السجود في جبهته. ويستدل البعض لهذا بقوله تعالى في وصف الصحابة –رضوان الله عليهم- سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح: 29]. والآية لا دليل فيها لأن المراد بأثر السجود هو كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: السمت الحسن. وقال مجاهد: الخشوع والتواضع. فقال له رجل: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه. فقال مجاهد: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون. عن الجعد بن عبد الرحمن قال: «كنا عند السائب بن يزيد فجاءه الزبير بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف بوجهه أثر السجود، فقال: ما هذا؟ فقلنا: الزبير بن سهيل. فقال: والله ما هذا بسيما التي سماه الله – عز وجل – ولقد سجدت على وجهي منذ ثمانين سنة فما أثر السجود بين عيني»( ). ويُذكر أن رجلاً عصب على رأسه عصابة فيها أخلاط من النبات ليظهر أثرٌ في جبهته فيظن أنه عابد لله، فلما استيقظ في الصباح وجد العصابة قد انحرفت إلى إحدى صدغيه( ). وتركت فيه أثرًا. فقال له ابنه: ما هذا يا أبت. فقال: إن أباك من الذين يعبدون الله على حرْف. 5- قد يلبس الغليظ من الثياب وخشنها ويشمرها ويقصر الأكمام ويخصف النعال. ولو سئل أحدهم أن يلبس اللين من ثوبه ما فعل لئلا يتوكس( ) جاهه في الزهد. 6- قد يرائي بقلة أكله وعدم مبالاته بأمر نفسه لاشتغاله عنها بالأهم كما يزعم. قال ابن الجوزي: «ولو خرج روحه لا يأكل والناس يرونه»( ). 7- قد يرائي بإظهار زي الصالحين كإطراق الرأس في المشي، والهدوء في الحركة. وقد قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يطأطئ رقبته: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب وإنما الخشوع في القلب. 8- قد يرائي بحفظ السنن مع أنه في الخلوات لا يحافظ عليها. 9- قد يرائي بصحبة العلماء بأن يحرص على أن يسير مع العالم أو الشيخ أو الداعي أو العابد ليقال: إنه صاحبه، ومن أهل وده، فيعظم بذلك. 10- قد يرائي بالنطق بالحكمة وإقامة الحجة عند المجادلة، وحفظ الحديث وبيان الحجة والفهم والعلم. 11- قد يرائي بإظهار الذكر لله – تعالى – باللسان. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 12- قد يرائي بحسن الصوت وتحزينه عند قراءة القرآن. وبوب البخاري في صحيحه بابًا قال فيه: «باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به، أو فخر به» وأورد تحته ثلاثة أحاديث أكتفى منها بذكر حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله  يقول: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرءون القرآن لا يجُاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمية ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، وينظر في القدح فلا يرى شيئًا، وينظر في الترَّيش فلا يرى شيئًا ويتمارى في الفُوق»( ). فهذا الحديث يدل على أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به، ونحو ذلك كما قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث. 13- قد يرائي بإظهار التسخط على أهل الدنيا ومقارفتهم للمعاصي. 14- قد يرائي بإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة. 15- قد يرائي بطول الصلاة، والزيادة في الركوع والاعتدال منه أو السجود. 16- وقد يرائي بالتشبع بما لم يعط كأن يقول: كنت خطيبًا أو كنت مجاهدًا أو إني أتقن كذا وكذا أو أنفقت كذا وكذا، وهو كاذب فهذا جمع بين الرياء والكذب. 17- قد يرائي بعيب الآخرين وذمهم. ومعنى ذلك أنه خال من ذلك كأن يقول: فلان مقصر، أو فلان لا يقوم الليل. نعوذ بالله!!. ويريد أن يبين أنه ناجٍ من ذلك. 18- قد يرائي بإنكار المنكر لا لله، ولكن ليقال إن عنده غيرة لله عز وجل، أو حتى لا يذم ويقال: إنه ساكت عن إنكار المنكر. 19- قد يرائي بالإفتاء بغير علم حتى لا ينسب إلى الجهل. وربما أن المرائي من شدة حرصه على إحكام الرياء وإتقانه يتألف ذلك بفعله في خلواته ليكون ذلك خلقًا له في الملأ لا للخوف من الله تعالى والحياء منه. 20- قد يتخفي المرء بعبادة بحيث لا يريد أن يطلع عليها أحد، ولكنه إذا رأى الناس أحب أن يبدءوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وينشطوا في قضاء حوائجه ويسامحوه في المعاملة، ويوسعوا له في المجلس، فإن قصر في ذلك مقصر ثقل ذلك على قلبه، كأن نفسه تتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها. 21- قد يرائي بالأصحاب والأتباع والتلاميذ، فيقال: فلان متبوع قدوه. ولذا كان السلف الصالح يحذرون من هذا المنزلق الخطير، ومن ذلك أن عبد الله بن مسعود خرج ذات يوم فاتبعه ناس، فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا، فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. قال ابن عقيل: «ما يحلو لك العمل حتى تحلو لك تسميتهم بعابدٍ وزاهد، فأرث لنفسك من ذلك، فإنه رياءٌ وسمعة، وليس لك منه إلا ما حظيت به من الصيت، تدري كم في الجريدة أقوام لا يؤبه لهم إلا عند القيام من القبور! وكم يُفتضح غدًا من أرباب الأسماء من الخلق بعالم وصالح وزاهد نعوذ بالله من طفيلي تصدر بالوقاحة»( ). 22- قد يرائي بذم نفسه بين الناس، يُريد بذلك أن يريهم أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء. وقد نبه عليه السلف الصالح. قال مطرف بن عبد الله الشَّخَّير: كفى بالنفس إطراءً أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك عند الله سَفَهٌ( ). درجات المرائى لأجله للمرائى لأجله درجات ... فأقبحها: 1- أن يقصد التمكن من معصية كمن يظهر الورع والزهد حتى يعرف فيولى المناصب والوصايا وتودع عنده الأموال أو يفوض إليه تفرقة الصدقات وقصده بكل ذلك الخيانة فيه. وكمن يُذكر أو يعظ أو يُعلم أو يتعلم للظفر بامرأة أو غلام فهؤلاء أقبح المرائين عند الله لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلمًا إلى معصيته ووصلة إلى فسقهم، كما قال محمود الوراق: أظهروا للناس دينًا وعلى الدينار داروا وله صاموا وصلوا وله حجوا وزاروا لو بدا فوق الثريا ولهم ريش لطاروا وقال آخر: تصوف كي يقال له أمين وما يعني التصوف والأمانة ولم يرد الإله به ولكن أراد به الطريق إلى الخيانة 2- ويليها من يتهم بمعصية أو خيانة فُيظهر الطاعة والصدقة قصدًا لدفع تلك التهمة. 3- ويليها أن يقصد نيل حظ مباح من نحو مال أو نكاح أو غيرهما من حظ الدنيا. قال شيخ الإسلام: «حُكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يومًا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. قال: فأخلصت أربعين يومًا، فلم يتفجر شيء. فذكرت ذلك لبعض العارفين، فقال لي: إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله» ثم قال شيخ الإسلام: «وذلك لأن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه أو غير ذلك من المطالب قد عرف أن ذلك يحصل بالإخلاص لله وإرادة وجهه، فإذا قصد أن يطلب ذلك بالإخلاص وإرادة وجهه كان متناقضًا؛ لأن من أراد شيئًا لغيره فالثاني هو المراد المقصود بذاته، والأول يراد لكونه وسيلة إليه، فإذا قصد أن يخلص لله ليصير عالمًا أو عارفًا أو ذا حكمة أو صاحب مكاشفات وتصرفات ونحو ذلك، فهو هنا لم يرد الله، بل جعل الله وسيلة إلى ذلك المطلوب الأدنى»( ). 4- ويليها أن يقصد بإظهار عبادته وورعه وتخشعه ونحو ذلك، أن لا يحتقر ويُنظر إليه بعين النقص، أو أن يعد من جملة الصالحين وفي الخلوة لا يفعل شيئًا من ذلك. كأن يسبق إليه الضحك أو يبدو منه المزاح، فيخاف أن ينظر إليه بعين الاحتقار فيتبع ذلك بالاستغفار وتنفس الصعداء. وإظهار الحزن ويقول: ما أعظم غفلة الآدمي عن نفسه، والله يعلم منه أنه لو كان في خلوة لما كان يثقل عليه ذلك. قال ابن الجوزي – رحمه الله -: «ويحفظ نفسه في التبسم فضلاً عن الضحك ويوهمه إبليس أن هذا لإصلاح الخلق، وإنما هو رياء يحفظ به قانون الناموس فتراه مطاطئ الرأس عليه آثار الحزن فإذا خلا رأيته ليث شرى»( ). اهـ. علامات تدل على الرياء للمرائي علامات يعرف بها منها: 1- تأخير العبادة عن مواقيتها دون عذر شرعي: قال سبحانه وتعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون: 4-7]. قال ابن كثير – رحمه الله -: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ إما عن فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعًا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قاله مسروق وأبو الضحى( ). أ.هـ. 2- القيام بالعبادة بخمول ونفسٍ خبيثة: قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142]. إن المرائين لا يقومون إلى الصلاة بحرارة الشوق إلى لقاء الله، والوقوف بين يديه ومناجاته ... إنهم قوم يراءون الناس، ومن ثم يقومون كسالى كالذي يؤدي عملاً ثقيلاً أو يُسَخَّر سخرة شاقة ... وهم لا يذكرون الله إلا قليلاً. إنما يتذكرون الناس، فصارت حركاتهم كلها توافق الناس، فإذا رأوا الناس ينظرون إليهم، نشطوا في العبادة وزينوها، وبهرجوها، لأنهم أمام من يتوجهون إليه، والقلب يستحضر من ملأه حبًا ... فلذلك لا يذكرون الله إلا قليلاً ( ). أقسام الناس في ترك العمل من أجل الرياء ينقسم الناس من تركهم للعمل من أجل الرياء إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: قوم يدعون وردهم المشروع من صلاة الضحى أو قيام الليل أو غير ذلك لأجل كونه بين الناس. وهذا مدخل شيطاني يدخل منه إبليس على أصحاب الأعمال الصالحة التطوعية. وعلاج هذا الأمر أن لا يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرًّا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء، ومفسدات الإخلاص. بل إن فعل العبد للعبادة في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله – وإن كان يراه الناس – خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته ويشتغل قلبه بسبب ذلك، فإن الصلاة كلما كانت أجمع للقلب وأبعد من الوسواس كانت أكمل ( ). القسم الثاني: قوم تركوا فعل الواجبات الشرعية كالصلاة المفروضة، والزكاة الواجبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من العبادات الواجبة خوف الرياء. وهذا القسم على ثلاثة أصناف: الأول: صنف يكتفي بترك فعل الواجبات الشرعية. الثاني: صنف يترك فعل الواجبات ويظهر بمظاهر من يلام على فعله كحلق اللحية، وإسبال الثياب، وعدم الاكتراث بالطاعات. وهذا الصنف يُطلق عليهم «الملامية» (وقد كان هؤلاء الملامية يخفون حسناتهم ويُظهرون ما لا يظن بصاحبه الصلاح من زي الأغنياء، ولبس العمامة. ثم حدث قوم فدخلوا في أمور مكروهة في الشريعة، ثم زاد الأمر ففعل قوم المحرمات من الفواحش والمنكرات، وترك الفرائض والواجبات، وزعموا أن ذلك دخول منهم في «الملاميات» ولقد صدقوا في استحقاقهم اللوم والذم والعقاب من الله في الدنيا والآخرة)( ). وذكر العلماء – رحمهم الله – قصصًا في ذلك أعرضت عن ذكرها خشية الإطالة ولأنها تخالف الشريعة المحمدية ( ). وهؤلاء (الملامية) أو (الملامتية) على نوعين: 1- نوع من أصحاب الوسواس يتركون فعل الخير، ويفعلون ما يلامون عليه خوفًا من الرياء – كما سبق – ويكون هذا عن جهل أو تنطع زائد. 2- ونوع يفعل ما يلام عليه أو يترك ما يلام على تركه خوفًا من الرياء وتزكية النفس. الثالث: صنف يترك فعل الواجبات وينهى غيره عن فعلها بمجرد زعمه أن ذلك رياء. بل ربما نصح من كان ظاهره الصلاح بالإعراض عن الواجبات ويأمره بضد ذلك من المنهيات والمحرمات. ونهي هذا مردود عليه من وجوه أربعة، بينها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: «ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء، فنهيه مردود عليه من وجوه: (أحدها): أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها، ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه، وإن جزمنا أنه يفعلها رياءً، فالمنافقون الذين قال فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. فهؤلاء كان النبي  والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين، وإن كانوا مرائين، ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء. كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء، ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس. (الثاني): لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله : «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم»، وقد قال عمر بن الخطاب: «من أظهر لنا خيرًا أحببناه، وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك. ومن أظهر لنا شرًّا أبغضناه، وإن زعم أن سريرته صالحة». (الثالث): أن تسويغ مثل هذا يفضي على أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا. قالوا: هذا مراء. فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة، حذرًا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد. (الرابع): أن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة؛ قال الله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. فإن النبي  لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز عن حملها: فقالوا: هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع. فقالوا: لقد كان الله غنيًّا عن صاع فلان، فلمزوا هذا وهذا. فأنزل الله ذلك( ). وصار عبرة فيمن يلمز المؤمنين المطيعين لله ورسوله والله أعلم»( ). أ.هـ. قال الإمام النووي – رحمه الله – مبينًا خطورة ترك العمل من أجل الناس وما يترتب على ذلك من حرمان طاعات كثيرة: «ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفًا من أن يُظَن به الرياء، بل يذكر بهما جميعًا ويقصد به وجه الله تعالى. وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله: أن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئًا عظيمًا من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين»( ). أ.هـ. أقسام الرياء باعتبار إبطاله للعبادة ينقسم الرياء باعتبار إبطاله للعبادة إلى أقسام أربعة: الأول: أن يكون في أصل العبادة، بحيث لا يريد بها سوى مرئيات المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم. قال الله عز وجل: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ. وقد وصف الله تعالى الكفار بالرياء المحض في قوله: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ. قال ابن رجب – رحمه الله -: «وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرها من الأعمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز»( ). وهذا القسم لا يشك مسلم أن عمله باطل ومردود عليه، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي  قال: قال الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»( ). الثاني: أن تكون العبادة لله ويشاركها الرياء في أصلها فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانها أيضًا وحبوطها وقد سبق بعضها. ونقل الحافظ ابن رجب – رحمه الله – أن هذا القول مروي عن طائفة من السلف منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء والحسن وسعيد بن المسيب وغيرهم. وقال: «ولا نعرف عن السلف في هذا خلافًا وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين»( ). الثالث: أن يكون أصل العبادة لله لكن طرأ عليها الرياء. فهذا ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يدافعه، فهذا لا يضره بغير خلاف، كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب ( ). القسم الثاني: أن يسترسل مع الرياء. فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف على قولين: الأول: أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى. ومال إلى هذا ابن رجب – رحمه الله - ( ). الثاني: أن في ذلك تفصيلاً: فإذا كان آخر العبادة مبنيًّا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها. فهذه كلها فاسدة، وذلك مثل الصلاة. فالصلاة لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ عليها الرياء واسترسل معه ولم يدافعه. وأما إن كان أول العبادة منفصلاً عن آخرها بحيث يصح أولها بدون آخرها، فما سبق الرياء فهو صحيح، وما كان بعده فهو باطل. مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن آخرها منفك عن أولها ( ). وأنبه هنا أنه رُوي مرفوعًا إلى النبي : «من عمل رياءً لا يكتب له ولا عليه». قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «رواه البزار وابن منده والبيهقي عن معاذ بن جبل مرفوعًا وذكر السيوطي في الدر المنثور، ولم أقف على إسناده فما أظنه يثبت والكتاب والسنة يدلان على خلافه بل هو موضوع»( ). وقال الهيثمي: «رواه البزار وفيه محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب»( ). الرابع: ما يطرأ بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها شيئًا، اللهم إلا أن يكون فيه عدوان كالمنَّ والأذى بالصدقة. فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلاً لأجر الصدقة فيبطلها لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264] ( ). * * * أمور لا تعد من الرياء 1- حمد الناس للعبد على عمل الخير دون قصد منه: فمن ظهر عمله، ولم يقصد إظهاره، ومدحه الناس بذلك لا ينبغي له أن يستاء فتلك عاجلة فليفرح بفضل الله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58]. عن أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي  سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن»( ). «وهكذا يفرُّ المخلص من الشهرة ويكرهها، ولكن الله يضع له القبول في الأرض، فيسر العبد بفضل الله، وأما المرائي فإنه يركب الصعب والذلول ليحظى بالقبول وأنى له هذا، فإن الله سبحانه يسمع به، ويحقره، ويصغره»( ). 2- نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين ومجالسة أهل الإخلاص والصالحين: قال ابن قدامة المقدسي: «قد يبيت الرجل مع المجتهدين، فيصلون أكثر الليل، وعادته قيام ساعة، فيوافقهم، أو يصومون، ولولاهم ما انبعث هذا النشاط. فربما ظن ظانٌّ أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق، بل فيه تفصيل: وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى، ولكن تعوقه العوائق، وتستهويه الغفلة، فربما كانت مشاهدة الغير سببًا لزوال الغفلة، واندفاع العوائق، فإن الإنسان إذا كان في منزله، تمكن من النوم على فراش وطيء، وتمتع بزوجته، فإذا بات في مكان غريب. اندفعت هذه الشواغل عنه، وحصلت له أسباب تبعث على الخير منها مشاهدة العابدين. ففي مثل هذه الأحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة، ويقول: إذا عملت غير عادتك كنت مرائيًا، فلا ينبغي أن يلتفت إليه وإنما ينبغي أن يتلفت إلى قصده الباطن ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان». ثم يبين لنا ابن قدامة سبيلاً يختبر هذا وأمثاله فيه نفسه؛ وذلك بأن يمثل القوم في المكان يراهم ولا يرونه، فإذا رأى نفسه تسخو بالتعبد فهو لله، وإن لم تسخ كان سخاؤها عندهم رياء وقس على هذا ( ). 3- تجميل الثياب والنعل ونحوه: عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي  أنه قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكن ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق( ) وغمط الناس( )»( ). 4- عدم التحدث بالذنوب وكتمانها: وهذا واجب شرعًا على كل مسلم ولا يجوز المجاهرة بالمعاصي لقول : «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرين أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد سرته الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله»( ). والتحدث بالذنوب فيه مفاسد كثيرة، منها: التشجيع على ارتكاب المعاصي بين العباد. والاستخفاف بأوامر الله تعالى. 5- إظهار شعائر الإسلام: يتضمن الإسلام عبادات لا يمكن إخفاؤها، كالحج والعمرة والجمعة والجماعة وغيرها. والعبد لا يكون مرائيًا بإظهارها؛ لأن من حق الفرائض الإعلان بها، وتشهيرها: لأنها أعلام الإسلام، وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إماطة التهمة بالإظهار. وإن كان الفعل تطوعًا فحقه أن يخفى؛ لأنه لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فإن ظهر قاصدًا الاقتداء به كان جميلاً، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن يراه الناس فيمدحونه ويثنون عليه. * * * علاج الرياء 1- معرفة أنواع التوحيد التي تتضمن عظمة الله تعالى: إن معرفة الله بأسمائه وصفاته تنقي القلب من الضعف، فإذا علم العبد أن الله وحده هو الذي ينفع ويضر متى شاء، طرح من قلبه الخوف من الناس؛ حيث زين له الشيطان تزيين عبادته أمامهم، خشية ذمهم وطمعًا في ثنائهم. وكذلك متى علم العبد أن الله سميع بصير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور طرح مراقبة الناس، وأطاع الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه. وحسبك يا عبد الله اطَّلاع الله عليك، وهو القائل: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. ومتى علم العبد أن الله عظيم قدير، عظمه قلبه، وشُغِلَ بحبه فؤاده. وهكذا تتبدد حجب الرياء أمام نداوة التوحيد، وحلاوة الإيمان، وطراوة حب الله الذي يملأ كيان العبد ويشدُّ أركانه. 2- إخفاء العمل وإسراره: قال الله تعالى في شأن صدقة السر: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: 271]. فَفَضَّل صدقة السر على صدقة العلانية. وكان الصالحون يحبون إخفاء أعمالهم الصالحة، وحرصوا على إخفائها أعظم ما يحرص الناس على فواحشهم، كل ذلك رجاء أن يخلُص عملهم ليجازيهم الله تعالى يوم القيامة بإخلاصهم. عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبل له وغنم، فأتاه عمر ابنه، فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فلما انتهى إليه قال: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيًّا في إبلك وغنمك، والناس بالمدينة يتنازعون في الملك. قال: فضرب صدره بيده وقال: اسكت يا بني إني سمعت رسول الله  يقول: «إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي»( ). وقد خص بعض العلماء الإخفاء بالنوافل دون الفرائض، واستثنى بعض العلماء أولئك الذين يُقتدى ويُتأسى بهم، ويكون لأفعالهم تأثير في الناس، فهؤلاء يستحب في حقهم الإعلان دون الإسرار بشرط أن يأمنوا على أنفسهم الرياء، ولا يكون ذلك إلا لقوة إيمانهم وصدق يقينهم. وقد جلا هذه المسألة العز بن عبد السلام – رحمه الله – في كتابه (قواعد الأحكام) فقد عقد فيه فصلاً في (تفاوت فضل الإسرار والإعلان بالطاعات) قال فيه: «إن قيل: هل الإخفاء أفضل من الإعلان لما فيه من اجتناب الرياء أم لا؟. فالجواب: أن الطاعات ثلاثة أضرب: أحدها: ما شرع مجهورًا كالأذان والإقامة والتكبير والجهر بالقراءة في الصلاة والخطب الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الجمعة والجماعات والأعياد والجهاد وعيادة المرضى وتشييع الأموات، فهذا لا يمكن إخفاؤه فإن خاف فاعله الرياء جاهد نفسه في دفعه إلى أن تحضره نية الإخلاص، فيأتي به مخلصًا كما شُرع، فيحصل على أجر ذلك الفعل، وعلى أجر المجاهد لما فيه من المصلحة المتعدية. الثاني: ما يكون إسراره خير من إعلانه كإسرار القراءة في الصلاة، وإسرار أذكارها، فهذا إسراره خير من إعلانه. الثالث: ما يخفى تارة ويظهر أخرى كالصدقات، فإن خاف على نفسه الرياء أو عرف ذلك من عادته كان الإخفاء أفضل من الإبداء لقوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. ومن أمن الرياء، فله حالان: أحدهما: ألا يكون ممن يقتدى به، فإخفاؤها أفضل إذ لا يأمن الرياء عند الإظهار. والثاني( ): أن يكون ممن يقتدي به، فالإبداء أولى لما فيه من سدَّ خلة الفقراء مع مصلحة الاقتداء، فيكون قد نفع الفقراء بصدقته وبتسببه إلى تصدق الأغنياء عليهم، وقد نفع الأغنياء بتسببه إلى اقتدائهم به في نفع الفقراء»( ). 3- مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى: فالمخلص لا يعدمك من إخلاصه شيء، والمرائي إما أن يجرك إلى المهلكات، أو تشم فيه رائحة الرياء النتنة التي تزيدك ولعًا بالرياء وحبًّا للمرائين. 4- النظر في عاقبة الرياء الدنيوية: فعلى المرائي أن يعلم أن ريائه لن يجلب له نفع الناس، ولن يدفع عنه ضررهم، بل قد يجلب سخطهم وكراهيتهم ومقتهم. حكى الأصمعي أن أعرابيًّا صلى فأطال وإلى جانبه قوم. فقالوا: ما أحسن صلاتك. فقال: مع ذلك أنا صائم. فسمعه أعرابي آخر، فأنشد: صلى فأعجبني وصام فرابني نح القلوص عن المصلي الصائم قال الماوردي – رحمه الله -: «فانظر إلى هذا الرياء ما أقبحه وما أدله على سخف عقل صاحبه». فالإنسان قد يرائي الناس بطلب دنياهم فتهرب منه الدنيا. ولا يرجع من ريائه بغير خفي حنين، وقد يعرض عن دنياهم فتأتيه الدنيا وتقبل عليه وهي راغمة كما جاء في الحديث أن النبي  قال: «من كانت نيته الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولا يأتيه منها إلا ما كتب الله له»( ). بل إن الرياء يجعل المرء يرتكس في حمأة الضلال، ويناله في الدنيا نقيض مطلوبه، ويعرضه لدعوة الصالحين المخلصين؛ لأن المرائي يطلق العنان للسانه ليخوض في المصلحين بثلبهم، وتنقصهم، وتقليل جهودهم، وهو لا يعلم – وقد يعلم – أنهم أحرص الناس على إخفاء أعمالهم كحرصه أو أشدَّ على إظهار ريائه. وتأمل معي – أيها القارئ الكريم – هذه القصة: عن جابر بن سمرة قال: «شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يُصلَّي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تُصلَّي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله  ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق فأرسل معه رجلاً – أو رجالاً – إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا. حتى دخل مسجدًا لبني عبس. فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة يُكْنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهُنَّ»( ). قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – معلقًا: «قال الزين بن المنير: في الدعوات الثلاث مناسبة للحال، أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد، وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرًا دنيويًّا. وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده»( ). 5- النظر في عاقبة الرياء الأخروية: في يوم القيامة يهتك الله ستر المرائين ويفضحهم جزاء كذبهم. كما قال : «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»( ). وقد تقدم في هذه الرسالة ذكر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة مع أنهم كانوا فعالين للخير، إلا أنهم لم يريدوا به ربَّ العباد، بل أرادوا العباد. وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله : «بشر هذه الأمة بالسَّناء والدين والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب»( ). وعن أبي هند الداري أنه سمع النبي  يقول: «من قام مقام رياء وسمعة راءى الله به يوم القيامة وسمع»( ). وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله  يقول: «من سمَّع الناس بعمله. سمَّع الله به مسامع خلقه وصغَّره وحقَّره»( ). وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عن رسول الله  قال: «ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعةٍ ورياءٍ إلا سمَّع الله به على رءوس الخلائق يوم القيامة»( ). وعن محمود بن لبيد أن رسول الله  قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً»( ). وعن أبي سعيد بن أبي فضالة – وكان من الصحابة – قال: سمعت رسول الله  يقول: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة، ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمله لله أحدًا فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك»( ). فكفى بهذه الأحاديث رادعًا لمن يرائي ويسمع بأعماله أو يفكر في ذلك، فالمسلم الذي يعلم أن هناك يوم حساب وجزاء، ويعلم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدًا في يوم القيامة، يغلب على نفسه الحذر من الرياء، كي يقبل عمله في ذلك اليوم، وكي لا ينفضح. قال الله تعالى: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ. كان بعض السلف. إذا قرأ هذه الآية يقول: «ويلٌ لأهل الرياء». 6- الخوف من أن تكون فترة الرياء هي خاتمة العمل: قال : «يبعث الناس على نياتهم»( ). وقال : «يبعث كل عبد على ما مات عليه»( ). 7- تذكر الموت وقصر الأمل: قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: 185]. وقال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34]. فتذكر الموت يجعل العبد يخلص لله تبارك وتعالى في كل أعماله. 8- معرفة ما أعده الله تعالى للمتقين المخلصين في الجنة: سبق أن من أسباب الرياء إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس. فإذا عرف العبد ما أعده الله – عز وجل – للمتقين المخلصين في الجنة ترفعت نفسه عن طلب ما عند الناس، وارتفعت روحه إلى العالم العلوي. قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: «ولما علم الموفقون ما خلقوا له، وما أريد بإيجادهم رفعوا رءوسهم، فإذا عَلمُ الجنة قد رفع لهم. فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم، فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في أبد لا يزول، ولا ينفدُ بصبابة عيش إنما هي كأضغاث أحلام، أو كطيف زار في المنام، مشوب بالنغص، ممزوج بالغصص، إن أضحك قليلاً أبكى كثيرًا، وإن سر يومًا حزن شهورًا، آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف أضعاف مسرَّاته، أوله مخاوف وآخره متالف. فيا عجبًا من سفيه في صورة حليم، ومعتوه في مسلاخ( ) عاقل، آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها السماوات والأرض، بسجن بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار، وأبكارًا عُربًا أترابًا كأنهن الياقوت والمرجان، بقذرات دنساتٍ سيئات الأخلاق سامخات أو متخذات أخذان، وحورًا مقصورات في الخيام بخبيثات سيئات بين الأنام، وأنهارًا من خمر لذة للشاربين بشراب بخس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين، ولذة للنظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وسماع الخطاب من الرحمن، بسماع المعازف والغناء والألحان، والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد، ونداء المنادي: يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا، وتحيوا فلا تموتوا، وتقيموا فلا تظعنوا، وتشبوا فلا تهرموا، بغناء المغنيين ...» إلى آخر كلامه رحمه الله ( ). فلا تكن من هؤلاء المغبونين فإن ما عند الناس ينفد وما عند الله باق. 9- ومن العلاج أن يعلم المكلف علمًا يقينًا بأنه عبد محض: والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضًا ولا أجرة، إذ هو يخدمه، بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده من الأجر تفضل وإحسان إليه لا معاوضة. 10- ومن العلاج ذم ما يخطر في الحال من الرياء: وإذا أحسَّ العبد بجذوة نار الرياء تشتعل في صدره أطفأها بالإقبال على ما هو فيه من العبادة والإخلاص والاشتغال بالله – عز وجل – والاستزادة منها وهذا الذي يقهر الشيطان ويغيظه. يروى عن بعض الصالحين أنه قيل له: إن فلانًا يذكرك – أي بسوء – فقال: والله لأغيظنَّ مَنْ أَمَرَه. قيل: ومن أمره؟ قال: الشيطان. ثم دعا بقوله: اللهم اغفر له. فأغاظ الشيطان بدعائه له، فإذا عرف الشيطان منك أنك لا تطيعه، وأنك تشتغل عنه بطاعة الله كف عنك خوفًا من أن يكون سببًا في زيادة حسناتك. 11- دعاء الله بالخلاص من هذا الداء: ولذا أمر الله – عز وجل – أن نردد دائمًا إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وقد أرشدنا النبي  إلى دعاء نتعوذ فيه بربنا من الرياء، فعن أبي علي – رجل من بني كاهل – قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل. فقام إليه عبد الله بن حزن، وقيس بن المضارب، فقالا: والله لتخرجن مما قلت، أو لنأتين عمر مأذونًا لنا أو غير مأذون. فقال: بل أخرج مما قلت، خطبنا رسول الله  ذات يوم فقال: «يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل». فقال من شاء أن يقول: كيف نتقيه، وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه»( ). 12- معرفة دوافع الرياء والاستعانة بالله: وقد سبق تفصيلها. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: «الرياء آفة عظيمة ويحتاج إلى علاج شديد، وتمرين النفس على الإخلاص، ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والأعراض الضارة، والاستعانة بالله على دفعها لعل الله يخلص إيمان العبد ويحقق توحيده»( ). وفي نهاية المطاف فهذا ما وفق الله – عز وجل – لتسطيره بقلم الفقير إلى عفو ربه، فإن أصبت فمن الله وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. وأستغفر الله تعالى من الخطأ والزلل والنسيان. ومن أراد الاستزادة فليطلع على الكتب التالية: 1- الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر التميمي. 2- كتاب الإخلاص لعمر الأشقر. 3- كتاب الرياء لسليم الهلالي. 4- كتاب الإخلاص لحسن العوايشة. وغيرها. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. * * *   الفهرس مقدمة 5 تعريف الرياء 8 الفرق بين الرياء والسمعة 10 ذم الرياء والمرائين 13 خوف السلف من الرياء 24 أسباب الرياء 30 1- النشأة الأولى: 30 2- الصحبة أو الرفقة السيئة: 30 3- عدم المعرفة الحقيقية بالله عز وجل: 30 4- الرغبة في الصدارة أو المنصب: 31 5- الطمع فيما في أيدي الناس: 31 6- إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس: 31 7- إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال: 33 8- الخوف من قالة الناس لا سيما الأقران: 34 9- الجهل أو الغفلة عن عواقب وآثار الرياء والسمعة: 34 أقسام الرياء 35 الأمور التي يرائي بها الإنسان 38 درجات المرائى لأجله 44 علامات تدل على الرياء 47 أقسام الناس في ترك العمل من أجل الرياء 49 أقسام الرياء باعتبار إبطاله للعبادة 54 أمور لا تعد من الرياء 58 1- حمد الناس للعبد على عمل الخير دون قصد منه: 58 2- نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين ومجالسة أهل الإخلاص والصالحين: 58 3- تجميل الثياب والنعل ونحوه: 59 4- عدم التحدث بالذنوب وكتمانها: 60 5- إظهار شعائر الإسلام: 60 علاج الرياء 62 1- معرفة أنواع التوحيد التي تتضمن عظمة الله تعالى: 62 2- إخفاء العمل وإسراره: 62 3- مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى: 65 4- النظر في عاقبة الرياء الدنيوية: 65 5- النظر في عاقبة الرياء الأخروية: 67 6- الخوف من أن تكون فترة الرياء هي خاتمة العمل: 69 7- تذكر الموت وقصر الأمل: 70 8- معرفة ما أعده الله تعالى للمتقين المخلصين في الجنة: 70 9- ومن العلاج أن يعلم المكلف علمًا يقينًا بأنه عبد محض: 72 10- ومن العلاج ذم ما يخطر في الحال من الرياء: 72 11- دعاء الله بالخلاص من هذا الداء: 72 12- معرفة دوافع الرياء والاستعانة بالله: 73 الفهرس 75 * * *